تتمة شرح حديث عن زيد بن خالد رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية في إثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس، فقال: ( هل تدرون ماذا قال ربكم ؟) قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: قال: ( أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب ). متفق عليه.
الشيخ : مثلا لو قال قائل: أتظن المطر ينزل غدا ؟ تقول: الله أعلم، ولا تقول: الله ورسوله أعلم، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم مثل هذه الأمور. لكن لو قال لك: هل هذا حرام أم حلال؟ تقول: الله ورسوله أعلم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم عنده علم الشريعة، المهم أنهم قالوا: الله ورسوله أعلم وهذا من الأدب . ( قال: قال ) : يعني أن الله قال عز وجل: ( أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بي ) : يعني في تلك الليلة قال الله عز وجل فيما أوحاه إلى نبيه : ( أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بي ، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب ، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب ) : والباء هنا للسببية ، يعني معناه : أنك إذا أضفت المطر إلى النوء فقلت: هذا النجم نجم بركة وخير يجيب المطر ويأتي بالمطر فهذا حرام عليك ، كفر بالله عز وجل ، وإضافة للشيء إلى سببه مع نسيان المسبب وهو الله عز وجل . وأما إذا قلت: مطرنا بفضل الله ورحمته في هذا النوء، فلا بأس، لأن هذا اعتراف منك بأن المطر بفضل الله ، ولكنه صار في هذا النوء . كثير من العامة عندنا يقولون : " مطرنا بالمربعانية ، مطرنا بالشب ، مطرنا بالعقارب " : مطرنا بالفصل الفلاني ، مطرنا وليسوا يقصدون بهذا السببية وإنما يقصدون الظرفية : أي أن المطر صار في هذا الوقت ، وهذا لا بأس به . وأما إذا جعل الباء للسببية فهذا هو الذي كفر بالله وإيمان بالكوكب . ثم إن اعتقد أن الكوكب هو الذي يأتي بالمطر فهذا كفر أكبر مخرج عن الملة ، وإن اعتقد أن الكوكب سبب وأن الخالق هو الله عز وجل ، فهذا كفر بنعمة الله وليس كفراً مخرجاً عن الملة . وبهذا الحديث نعرف أنه ينبغي للإنسان إذا جاء المطر أن يقول: مطرنا بفضل الله ورحمته ، والله الموفق .
باب تحريم قوله لمسلم يا كافر. عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما، فإن كان كما قال وإلا رجعت عليه ). متفق عليه. وعن أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( من دعا رجلا بالكفر، أو قال: عدو الله، وليس كذلك إلا حار عليه ). متفق عليه.
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين : قال -رحمه الله تعالى- : " باب تحريم قوله لمسلم يا كافر : عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما، فإن كان كما قال، وإلا رجعت عليه ) متفق عليه. وعن أبي ذر رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( من دعا رجلاً بالكفر، أو قال: عدو الله، وليس كذلك إلا حار عليه ) متفق عليه " . الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : قال المؤلف -رحمه الله تعالى- في كتابه *رياض الصالحين* : " باب تحريم قوله لمسلم يا كافر " : المسلم والكافر حكمهما إلى الله عز وجل ، فالذي يحكم بالكفر هو الله والذي يحكم بالإسلام هو الله ،كما أن الذي يحلل ويحرم هو الله عز وجل ، فليس لنا أن نحلل ما حرم الله ، ولا أن نحرم ما أحل الله ، ولا أن نكفر من ليس بكافر في حكم الله ، ولا أن نقول هذا مسلم وليس مسلما عند الله . ومسألة التكفير مسألة خطيرة جدا، فتح بها أبواب شر كبيرة على الأمة الإسلامية، فإن أول من انتحل هذه النحلة الخبيثة -وهي تكفير المسلمين- هم الخوارج، الخوارج الذين أخبر النبي صلى الله عليه وسلم : ( أنهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ، وأنهم يقرأون القرآن لا يتجاوز حناجرهم ) ، وأنهم يصلون ويتصدقون ويقرأون القرآن ، حتى أخبر النبي عليه الصلاة والسلام : " أن الصحابة يحقر أحدهم صلاته عند صلاة هؤلاء " ، لكنهم والعياذ بالله كفروا المسلمين واستحلوا دماءهم وأموالهم ونساءهم ، نسأل الله العافية ، ومازال هذا الفكر موجوداً إلى يومنا هذا ، فإن هناك شعبة ضالة مبتدعة خبيثة تكفر من لم يكفره الله ورسوله بأهوائهم ، هذا كافر ، هذا مبتدع هذا فاسق وما أشبه ذلك . وماذا حصل من هؤلاء الخوارج المارقين من الإسلام ؟! حصل منهم أنهم اجتمعوا مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وهو الخليفة الراشد الرابع من الخلفاء الراشدين ، اجتمعوا معه على حرب أهل الشام ، واتفقوا على ذلك ، وجرت بينهم حروب عظيمة ، ودماء كثيرة ، ثم اصطلح علي رضي الله عنه مع أهل الشام ، وتصالحوا حقناً لدماء المسلمين ، فقالت الخوارج لعلي بن أبي طالب : أنت كافر ليش تصالحهم ؟ كفرت كما كفروا ، فخرجوا عليه وقاتلوه لكن صارت العاقبة والحمد لله له ، قتلهم قتل عاد وإرم وقضى عليهم ، لكن ما زال هذا المذهب الخبيث موجودا في المسلمين ، يبيحوا دماء المسلمين مع احترامها ، وأموالهم مع احترامها ونساءهم مع احترام الأعراض ، فيقولون مثلا : " من زنى فهو كافر ، ومن سرق فهو كافر ، ومن شرب الخمر فهو كافر كل ذنب من كبائر الذنوب فهو عندهم كفر والعياذ بالله يخرج من الملة " ، هؤلاء الذين يكفرون المسلمين لا شك أنهم هم الكفار ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم : ( أخبر أن الرجل إذا قال لأخيه يا كافر فإنه يبوء بها أحدهما ) ، لا بد ، إن كان كما قال كافر فهو كافر ، وإلا كان الكافر القائل والعياذ بالله ، ولهذا يجب أن ينزه الإنسان لسانه وقلبه عن تكفير المسلمين ، لا يتكلم فيقول : هذا كافر ، ولا يعتقد بقلبه أن هذا كافر لمجرد هواه. الحكم بالتكفير ليس لزيد ولا لعمرو، بل هو لله ورسوله، مَن كفره الله ورسوله فهو كافر، وإن قلنا إنه مسلم، ومن لم يكفره الله ورسوله فهو مسلم وإن قال من قال إنه كافر. لذلك نقول لمن قال للمسلم يا كافر أو يا عدو الله : وإن كان المخاطَب كما قال فهو كافر وعدو لله ، وإن لم يكن كذلك فالقائل هو الكافر العدو لله والعياذ بالله ، وعلى هذا فيكون هذا القول من كبائر الذنوب ، إذا لم يكن الذي قيل فيه أهلاً له. ولهذا جزم المؤلف رحمه الله بتحريم هذا ، أي : بتحريم القول للمسلم يا كافر أو يا عدو الله، نسأل الله تعالى أن يحمي قلوبنا وألسنتنا مما يضرنا ويغضبه إنه على كل شيء قدير.
اب النهي عن الفحش وبذاء اللسان. عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذي ). رواه الترمذي وقال: حديث حسن. وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما كان الفحش في شيء إلا شانه، وما كان الحياء في شيء إلا زانه ). رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
باب كراهة التقعير في الكلام بالتشدق وتكلف الفصاحة، واستعمال وحشي اللغة، ودقائق الإعراب في مخاطبة العوام ونحوهم. عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( هلك المتنطعون ) قالها ثلاثا. رواه مسلم. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه كما تتخلل البقرة ). رواه أبو داود، والترمذي، وقال: حديث حسن. وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني يوم القيامة الثرثارون، والمتشدقون، والمتفيهقون ). رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين : قال -رحمه الله تعالى- : " باب النهي عن الفحش وبذاءة اللسان : عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء ) رواه الترمذي وقال : حديث حسن. وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما كان الفحش في شيء إلا شانه ، وما كان الحياء في شيء إلا زانه ) رواه الترمذي وقال : حديث حسن . باب كراهة التقعير في الكلام والتشدق وتكلف الفصاحة، واستعمال دقائق اللغة في مخاطبة العوام ونحوهم : عن ابن مسعود رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( هلك المتنطعون ) قالها ثلاثا ، رواه مسلم . وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه كما تتخلل البقرة ) رواه أبو داود، والترمذي، وقال: حديث حسن. وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن من أحبكم إليَّ وأقربِكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً، وإن أبغضكم إليّ وأبعدكم مني يوم القيامة: الثرثارون، والمتشدقون، والمتفيهقون ) رواه الترمذي وقال : حديث حسن " . الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : هذه الأحاديث كلها تتعلق بما ينطق به الإنسان ، وذلك أنه ينبغي بل يجب على الإنسان ألا يتكلم إلا بخير ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت ) ، والخير قد يكون خيراً لذاته وقد يكون خيراً لغيره ، فمن الخير لذاته : أن يتكلم الإنسان بالقرآن بالذكر بالأمر بالمعروف بالنهي عن المنكر وما أشبه ذلك . وأما الخير لغيره : فأن يتكلم الإنسان بما ليس في ذاته أجر لكنه يريد أن يبسط إخوانه ، ويزيل عنهم الوحشة ويؤلف قلوبهم ، هذا من الخير ، حتى الكلام العام إذا كان قصد الإنسان بذلك ما ذكرنا كان هذا من الخير ، ضد ذلك من كان بذيء اللسان والعياذ بالله ، طعانا لعَّانا ، طعاناً : يعني يطعن في الأنساب ويعيب الناس ، ولعاناً : يكثر لعنهم وسبهم نسأل الله العافية . فقد نفى النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان عن مثل هذا فقال : ( ليس المؤمن بالطعان ولا باللعان ولا بالفاحش ولا بالبذيء ) ، بل المؤمن رفيق هين لين كلامه سهل . ومن ذلك أيضا من آفات اللسان : التقعر في الكلام ، والتشدق حتى يتكلم الإنسان بملء شدقيه ، وحتى يتكلم عند العامة في غرائب اللغة العربية ، إما رياء ليقول الناس : ما أعلمه بالعربية أو لغير ذلك، فالإنسان ينبغي أن يكون كلامه ككلام الناس، الكلام الذي يُفهم، حتى وإن كان بالعامية مادام يخاطب العوام، أما إذا كان يخاطب طلبة علم وفي مجلس التعلم فهنا ينبغي أن يكون كلامه بما يقدر عليه من اللغة العربية. وفي الباب الثاني الذي ذكره المؤلف : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( هلك المتنطعون ، هلك المتنطعون ، هلك المتنطعون ) : المتنطع هو المتقعر في الكلام ، الذي يتنطع بكلامه أو بقوله أو بفعله أو برأيه أو بغير ذلك مما يعده الناس خروجا عن المألوف ، وكل هذا من الآداب الحسنة التي جاء بها الإسلام والحمد لله رب العالمين.
باب كراهة قوله خبثت نفسي. عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يقولن أحدكم خبثت نفسي، ولكن ليقل: لقست نفسي ). متفق عليه. قال العلماء: معنى خبثت أي غثيت وهو معنى لقست, ولكن كره لفظ الخبث.
القارئ : الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين : قال -رحمه الله تعالى- : " باب كراهة قوله خبثت نفسي : عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يقولن أحدكم خبثت نفسي، ولكن ليقل: لقِست نفسي ) متفق عليه. قال العلماء : معنى خبثت أي : غثيت، وهو معنى لقِست، ولكن كره لفظ الخُبث . باب كراهة تسمية العنب كرماً : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تسموا العنب الكرم، فإن الكرم المسلم ) متفق عليه. وهذا لفظ مسلم، وفي رواية : ( فإنما الكرم قلب المؤمن ). وفي رواية للبخاري ومسلم : ( يقولون الكرم، إنما الكرم قلب المؤمن ). وعن وائل بن حجر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تقولوا: الكرم، ولكن قولوا: العنب، والحبلة ) رواه مسلم " . الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : قال المؤلف -رحمه الله- في كتابه *رياض الصالحين* : " باب كراهة قول الرجل خبثت نفسي " : خبثت نفسي يعني لقِست ، ومعنى لقست غثيت ، أحيانا يصيب الإنسان كتمة يسميها الناس كتمة ، فتضيق عليه الدنيا بدون أن يعرف سببا لذلك ، فيقول : خبثت نفسي وخبثت يعني صارت خبيثة ، وهذه كلمة مكروهة ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول الرجل : خبثت نفسي ولكن يقول : لقِست ، ولقست بمعنى خبثت ، ولكنها في اللفظ تخالفها فهي أهون منها وأيسر . وفي هذا الحديث دليل على اجتناب الألفاظ المكروهة وإبدالها بألفاظ غير مكروهة وإن كان المعنى واحدا ، لأن اللفظ قد يكون سببًا للمعنى ، قد يقول : خبثت نفسي بمعنى غثيت ولحقها غثيان ، ويخطر بباله أنه من الخبث الذي هو ضد الطيب ، والنفوس الخبيثة هي : نفوس الكفرة والعياذ بالله ، لقول الله تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا )) ، ولقوله تعالى : (( الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلْطَّيِّبَات )) . ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد دخول الخلاء ليبول أو ليتغوط يقول : ( أعوذ بالله من الخبث والخبائث ) : يعني الشياطين والشر . فالمهم أن الإنسان ينبغي له ، بل يكره له أن يطلق ألفاظا مكروة على معاني صحيحة بل يبدلها بألفاظ محبوبة للنفوس.
باب كراهة تسمية العنب كرما. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تسموا العنب الكرم، فإن الكرم المسلم ). متفق عليه. وهذا لفظ مسلم. وفي رواية: ( فإنما الكرم قلب المؤمن ). وفي رواية للبخاري ومسلم: ( يقولون الكرم، إنما الكرم قلب المؤمن ). وعن وائل بن حجر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تقولوا: الكرم، ولكن قولوا: العنب، والحبلة ). رواه مسلم.
الشيخ : وأما الباب الثاني فهو : " النهي عن تسمية العنب كرماً " : والكرم كما قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( هو المؤمن أو قلب المؤمن ) ، لأنه مأخوذ من الكرم ، والكرم هو وصف محبوب يوصف به المؤمن ولاسيما إذا كان جوادا باذلا للخير بجاهه أو بماله أو علمه فإنه أحق بهذا الوصف من العنب ، وإنما يقال : الحَبَلة ، أو يقال : العنب ، وأما أن تسميه كرما فلا . وهذا والله أعلم له سبب وهو : أن هذا العنب قد يتخذ شرابا خبيثا محرماً ، لأن العنب ربما يتخذ منه الخمر نسأل الله العافية ، يُعصر ويخمر فيكون خمرا خبيثا ، لهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يُسمى العنب كرماً ، وما يوجد الآن في بعض الكتب المؤلفة في الزراعة ونحوها يقال : شجر الكرم أو الكروم أو ما أشبه ذلك داخل في هذا النهي ، فلا ينبغي أن تسمي العنب وأشجار العنب بالكرم أو بالكروم ، بل يقال : الأعناب والعنب والحبلة وما أشبه ذلك ، والله الموفق .
باب النهي عن وصف محاسن المرأة لرجل إلا أن يحتاج إلى ذلك لغرض شرعي كنكاحها ونحوه. عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تباشر المرأة المرأة فتصفها لزوجها كأنه ينظر إليها ). متفق عليه.
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين : قال -رحمه الله تعالى- : " باب النهي عن وصف محاسن المرأة لرجل إلا أن يحتاج إلى ذلك لغرض شرعي كنكاحها ونحوه : عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تباشر المرأةُ المرأةَ فتصفها لزوجها كأنه ينظر إليها ) متفق عليه ". الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : قال المؤلف -رحمه الله- : " باب النهي عن وصف محاسن المرأة لرجل إلا لأمر شرعي كنكاحها " : يعني أنه لا يجوز لإنسان أن يصف امرأة لرجل فيقول : صفتها كذا كالطول والحسن والبياض وما أشبه ذلك ، إلا إذا كان هناك موجب شرعي ، مثل أن يكون هذا الرجل يريد أن يتزوجها فيصفها له أخوها مثلاً من أجل أن يقدم أو يترك ، لأن هذا لا بأس به . كما أنه يجوز للخاطب إذا خطب امرأة أن ينظر إليها من أجل أن يكون هذا أدعى لقبوله أو رفضه ، ولهذا : ( نهى النبي صلى الله عليه وسلم المرأة أن تصف المرأة لزوجها حتى كأنه ينظر إليها ) ، وهذا كما أنه محرم فهو من جهة الزوجة ضرر عليها ، وذلك لأنه إذا وصفت المرأة لزوجها فربما يرغب فيها ويتزوجها عليها ، ويقع بينهما مشاكل كما هي العادة. ولا يعني هذا أن الإنسان يدع التعدد ، تعدد الزوجات خوفاً من ذلك ، لا، لأن التعدد مشروع إذا قدر الإنسان على ذلك في بدنه وماله وعدله ، فإنه يشرع له أن يكثر الزوجات ليكثر النسل ، وتكثر الأمة الإسلامية ، لكن إذا كان يخشى ألا يعدل فقد قال الله تعالى : (( فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا )) . والحاصل أنه لا يجوز للإنسان أن يصف المرأة لرجل أجنبي منها إلا إذا كان هناك موجب شرعي . ومن ذلك ما يفعله بعض السفهاء بحيث يفتخر عند أصحابه وزملائه يقول : امرأتي جميلة ، يعني يفتخر بجمال زوجته ، امرأتي جميلة ووجها كذا وعينها كذا وفمها كذا وما أشبه ذلك ، فإن هذا من المحرم ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه، والله الموفق.
باب كراهة قول الإنسان في الدعاء: اللهم اغفر لي إن شئت بل يجزم بالطلب. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يقولن أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت: اللهم ارحمني إن شئت، ليعزم المسألة، فإنه لا مكره له ). متفق عليه. وفي رواية لمسلم: ( ولكن ليعزم، وليعظم الرغبة، فإن الله تعالى لا يتعاظمه شيء أعطاه ). وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا دعا أحدكم، فليعزم المسألة، ولا يقولن: اللهم إن شئت فأعطني، فإنه لا مستكره له ). متفق عليه.
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين : قال -رحمه الله تعالى- : " باب كراهة قول الإنسان: اللهم اغفر لي إن شئت بل يجزم بالطلب : عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يقولن أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ليعزم المسألة، فإنه لا مكره له ) متفق عليه. وفي رواية لمسلم : ( ولكن ليعزم، وليعظم الرغبة، فإن الله تعالى لا يتعاظمه شيء أعطاه ) . وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا دعا أحدكم، فليعزم المسألة، ولا يقولن : اللهم إن شئت فأعطني، فإنه لا مستكره له ) متفق عليه " . الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : قال المؤلف -رحمه الله تعالى- في كتابه *رياض الصالحين* : " باب كراهة قول الإنسان اللهم اغفر لي إن شئت ، اللهم ارحمني إن شئت " : من المعلوم أن الإنسان لا ملجأ له إلا الله عز وجل في طلب الخير ودفع الشر ، وإذا كان الله تعالى هو المقصود ، وهو الذي يريده العباد ، ويلجأون إليه ويعتمدون عليه ، فإنه لا ينبغي للإنسان أن يقول : اللهم اغفر لي إن شئت اللهم ارحمني إن شئت ، بل هذا حرام ، لأن قول القائل : إن شئت ، كأنه يقول : إن شئت اغفر لي وإلا ما يهمني ، كأنه يقول : أنا في غنى عنك ، كما تقول لصاحبك : إن شئت فزرني يعني وإن شئت فلا تزرني ، فأنا لست في حاجة إليك . ولهذا كان قول القائل : اللهم اغفر لي إن شئت حرامًا ، فقول المؤلف : باب كراهة قول الإنسان اللهم اغفر لي إن شئت : يعني كراهة التحريم . وكذلك لا يقول : اللهم ارحمني إن شئت ، بل يعزم ، لأنه يسأل جوادا كريما غنيا حميدا عز وجل ، ولأنه مفتقر إلى الله فليكن عازما في الدعاء ، يقول : اللهم اغفر لي اللهم ارحمني بدون إن شئت . وكذلك لا يقول : اللهم اغفر لي إن شاء الله ، أو يقول لإنسان : غفر الله لك إن شاء الله، هداك الله إن شاء الله ، كل هذا لا يقال ، وإنما يجزم الإنسان ويعزم . وبين النبي عليه الصلاة والسلام ذلك ، لأن فيه محظورين : الأول : قال : ( وليعزم المسألة فإن الله لا مكره له ) : يعني الله عز وجل إن غفر لك فبمشيئته أو رحمك فبمشيئته لا أحد يكرهه على ذلك ، فهو يفعل ما يشاء ويختار عز وجل ، لا مكره له حتى تقول إن شئت . كذلك أيضا يقول الإنسان : إن شئت ، كأنه يتعاظم الشيء ، فيقول : إن شئت فأت به وإن شئت فلا تأت والله تعالى لا يتعاظمه شيء أعطاه مهما عظم الشيء ، فإن الله تعالى غني كريم ، يعطي الجزيل عز وجل ويطلب القليل . والحاصل أنه لا يحل لك أن تقول : اللهم اغفر لي إن شئت اللهم ارحمني إن شئت ، اللهم أدخلني الجنة إن شئت ، اللهم ارزقني أولاداً إن شئت ، اللهم ارزقني زوجة صالحة إن شئت ، كل هذا لا يجوز ، اعزم المسألة ولا تدخل بها المشيئة . ومن ذلك أيضا ما يقوله بعض الناس ، وأظنه مأخوذ من الصوفية : " اللهم إني لا أسألك رد القضاء ولكني أسألك اللطف فيه " ، فإن هذا حرام ، كيف لا تسأل الله رد القضاء ، وهل يرد القضاء إلا الدعاء كما جاء في الحديث : ( لا يرد القضاء إلا الدعاء ) ، وكأنك إذا قلت : اللهم لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف في ، كأنك تقول : يا ربي عذبني ولكن الطف بي يا رب أهلك أحبابي ولكن الطف بهم، وما أشبه ذلك ، كل هذه الأدعية يجب على الإنسان أن يتوخى فيها ما جاء في الكتاب والسنة وما كان بمعنى ذلك ، نقول بناء على حسن نغمة هذا الدعاء وسجعه فهذا لا يجوز ، فصار عندنا الآن مسألتان : الأولى : لا يقول اللهم اغفر لي إن شئت ، اللهم ارحمني إن شئت ، اللهم ارزقني إن شئت ، اللهم اهدني إن شئت كل الدعاء لا تقل إن شئت . ثانياً ، المسألة الثانية : لا تقل : اللهم إني لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه ، ولكن قل : اللهم ارفق بي اللهم اكفني الشر وما أشبه ذلك . وأما قول الرسول عليه الصلاة والسلام لمن وجده مريضا : ( لا بأس طهور إن شاء ) : فهذا من باب الرجاء وهو خبر ، يعني أرجو أن يكون هذا طهورا ، وأيضاً لم يكن بلفظ المخاطبة ما قال : إن شئت ، قال : إن شاء الله ، واللفظ بغير المخاطبة أهون وقعا من اللفظ الذي يأتي بالمخاطبة ، والله أعلم .
باب كراهة قول ما شاء الله وشاء فلان. عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تقولوا: ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا: ما شاء الله ثم شاء فلان ). رواه أبو داود بإسناد صحيح.
القارئ : " عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تقولوا : ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا : ما شاء الله ثم شاء فلان ) رواه أبو داود بإسناد صحيح " . الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : قال المؤلف -رحمه الله تعالى- في كتابه *رياض الصالحين* : " باب كراهة قول الإنسان ما شاء الله وشاء فلان " : والكراهة هنا يراد بها التحريم ، يعني أنك إذا تقول : ما شاء الله وشاء فلان أو ما شاء الله وشئت أو ما أشبه ذلك ، وذلك لأن الواو تقتضي التسوية ، إذا قلت : ما شاء الله وشاء فلان ، كأنك جعلت فلانا مساويا لله عز وجل في المشيئة ، والله تعالى وحده له المشيئة التامة يفعل ما يشاء ، ولكن أرشد النبي عليه الصلاة والسلام لما نهى عن ذلك ، أرشد إلى قول مباح فقال : ( ولكن قولوا : ما شاء الله ثم شاء فلان ) ، لأن ثم تقتضي الترتيب بمهلة ، يعني أن مشيئة الله فوق مشيئة فلان ، وكذلك قول ما شاء الله وشئت ، ( فإن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم : ما شاء الله وشئت ، قال : أجعلتني لله ندا ) ينكر عليه ، ( بل قل ما شاء الله وحده ) : فهاهنا مراتب : المرتبة الأولى : أن يقول ما شاء الله وحده ، وهذه كلمة فيها تفويض الأمر إلى الله ، واتفق عليها المسلمون ، كل المسلمين يقولون : ما شاء الله كان وما لم يشاء لم يكن . الثانية : أن يقول : ما شاء الله ثم شاء فلان فهذه جائزة أجازها النبي صلى الله عليه وسلم وأرشد إليها . والثالثة : أن يقول : ما شاء الله وشاء فلان فهذه محرمة ولا تجوز ، وذلك لأن الإنسان جعل المخلوق مساويا للخالق عز وجل في المشيئة . الرابعة : أن يقول : ما شاء الله فشاء فلان ، بالفاء ، فهذه محل نظر ، لأن الترتيب فيها وارد ، بمعنى أنك إذا قلت : فشاء فالفاء تدل على الترتيب لكنها ليس كـ ثم ، لأن ثم تدل على الترتيب بمهلة ، وهذه تدل على الترتيب بتعقيب ، ولهذا فهي محل نظر ، ولذلك لم يرشد إليها النبي صلى الله عليه وسلم . وفي هذا الحديث دليل على أن الإنسان إذا ذكر للناس شيئا لا يجوز ، فليبين لهم ما هو جائز ، لأنه قال : ( لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان ، ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان ) ، وهكذا ينبغي لمعلم الناس ، إذا ذكر لهم الأبواب الممنوعة فليفتح لهم الأبواب الجائزة حتى يخرج الناس من هذا إلى هذا . بعض الناس يذكر الأشياء الممنوعة يقول : هذا حرام هذا حرام ولا يبين لهم الأبواب الجائزة ، وهذا سد للأبواب أمامهم دون فتح للأبواب ، وانظر إلى لوط عليه الصلاة والسلام قال لقومه : (( أتأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ )) : نهاهم عن الممنوع ، وأرشدهم إلى الجائز ، وهكذا النبي عليه الصلاة والسلام قال : ( لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان ، ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان ) ، بل انظر إلى قول الله عز وجل : (( يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا )) : فنهاهم عن كلمة راعنا وأرشدهم إلى الكلمة الجائزة : (( وقولوا انظرنا )) ، ولما جيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بتمر ، تمر طيب قال: ( أكل تمر خيبر هكذا؟ قالوا: لا ، لكننا نشتري الصاع من هذا بالصاعين والصاعين بثلاثة قال: لا، بع التمر الرديء بالدراهم ، ثم اشتري بالدراهم تمراً طيبا ) .
باب كراهة الحديث بعد العشاء الآخرة: والمراد به الحديث الذي يكون مباحا في غير هذا الوقت، وفعله وتركه سواء، فأما الحديث المحرم أو المكروه في غير هذا الوقت، فهو في هذا الوقت أشد تحريما وكراهة. وأما الحديث في الخير كمذاكرة العلم وحكايات الصالحين، ومكارم الأخلاق، والحديث مع الضيف، ومع طالب حاجة ونحو ذلك، فلا كراهة فيه، بل هو مستحب، وكذا الحديث لعذر وعارض لا كراهة فيه. عن أبي برزة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها. متفق عليه. وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى العشاء في آخر حياته، فلما سلم قال: ( أرأيتكم ليلتكم هذه ؟ فإن على رأس مائة سنة لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض اليوم أحد ). متفق عليه. وعن أنس رضي الله عنه أنهم انتظروا النبي صلى الله عليه وسلم، فجاءهم قريبا من شطر الليل فصلى بهم، يعني العشاء، قال: ثم خطبنا فقال: ( ألا إن الناس قد صلوا ثم رقدوا، وإنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة ). رواه البخاري.
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين : قال -رحمه الله تعالى- : " باب كراهة الحديث بعد العشاء الآخرة : والمراد به الحديث الذي يكون مباحا في غير هذا الوقت، وفعله وتركه سواء، فأما الحديث المحرم أو المكروه في غير هذا الوقت، فهو في هذا الوقت أشد تحريماً وكراهة. وأما الحديث في الخير كمذاكرة العلم وحكايات الصالحين، ومكارم الأخلاق، والحديث مع الضيف، ومع طالب حاجة ونحو ذلك، فلا كراهة فيه، بل هو مستحب، وكذا الحديث لعذر وعارض لا كراهة فيه. عن أبي برزة رضي الله عنه : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها ) متفق عليه. وعن ابن عمر رضي الله عنهما : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى العشاء في آخر حياته، فلما سلَّم قال : أرأيتكم ليلتكم هذه ؟ فإن على رأس مائة سنة لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض اليوم أحد ) متفق عليه . وعن أنس رضي الله عنه : ( أنهم انتظروا النبي صلى الله عليه وسلم، فجاءهم قريباً من شطر الليل فصلى بهم ، يعني العشاء ، قال : ثم خطبنا فقال : ألا إن الناس قد صلوا ثم رقدوا، وإنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة ) رواه البخاري " . الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : قال المؤلف -رحمه الله تعالى- في كتابه *رياض الصالحين* : " باب كراهة الحديث بعد صلاة العشاء الآخرة " : ثم ذكر رحمه الله أن الحديث ينقسم إلى ثلاثة أقسام : قسم مكروه محرم، وقسم مندوب إليه، وقسم مباح : أما المكروه والمحرم فإنه يزداد كراهة وتحريما إذا كان بعد صلاة العشاء. وأما المباح فهو الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يكرهه بعد العشاء. وأما المندوب فإنه مندوب ولا يضر ولو كان بعد صلاة العشاء . فأما الأول : فمثل الحديث في الغيبة والنميمة وقول الزور والاستماع إلى اللهو والغناء ، ومشاهدة ما لا يحل مشاهدته ، فهذا حرام في كل وقت وحين ، ويزداد إثما إذا كان بعد العشاء الآخرة ، لأنه في وقت يكره فيه الكلام المباح فكيف بالمحرم والمكروه ؟! القسم الثاني : الكلام اللغو ، الذي ليس حراماً ولا مكروها ولا مندوبا ، وهو أكثر كلام الناس ، هذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يكرهه بعد صلاة العشاء ، وذلك لأنه إذا تحدث الإنسان بعد صلاة العشاء يطول به المجلس ، ثم يتأخر نومه ، فيكسل عن قيام الليل ، وعن صلاة الفجر ، وما أدى إلى تهاون في الأمر المشروع فإنه يكون مكروها . وأما المندوب : فهو التشاغل بالعلم مطالعةً أو حفظا أو مذاكرة ، والحديث مع الضيف ليؤنسه ويكرمه بحديثه ، والحديث مع الأهل لتأليف قلوبهم وما أشبه ذلك . وكذلك الحديث العارض الذي ليس دائماً ، كل هذا لا يضره ، بل إنه مستحب إذا كان المقصود به حصول خير . ثم ذكر المؤلف أحاديث : حديث أبي برزة رضي الله عنه : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره النوم قبل العشاء ، والحديث بعدها ) : وذلك لأن النوم قبل العشاء يؤدي إلى الكسل إذا قام ليصلي ، وربما استغرق به النوم حتى أخر الصلاة عن وقتها ، فلذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره النوم قبل صلاة العشاء ، من أجل أن يكون الإنسان نشيطاً ، وأما النعاس فهذا ليس باختيار الإنسان ولا يضر . والشاهد من هذا الحديث قوله : ( والحديث بعدها ) : فإن الحديث بعد العشاء كرهه النبي صلى الله عليه وسلم ، وأما إذا كان في خير فإنه لا بأس به ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يحدث أصحابه بعد صلاة العشاء وينصحهم ويبين لهم عليه الصلاة والسلام فهذا لا بأس به ، والله الموفق .
باب تحريم امتناع المرأة من فراش زوجها إذا دعاها ولم يكن لها عذر شرعي. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت، فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح ). متفق عليه. وفي رواية: ( حتى ترجع ).
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين. قال -رحمه الله تعالى- : " باب تحريم امتناع المرأة من فراش زوجها إذا دعاها ولم يكن لها عذر شرعي : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت، فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح ) متفق عليه. وفي رواية : ( حتى ترجع ) . باب تحريم صوم المرأة تطوعا وزوجها حاضر إلا بإذنه : عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه ) متفق عليه " . الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : هذان البابان ذكرهما النووي -رحمه الله- في كتابه *رياض الصالحين* : في بيان ما يجب على المسلم لأخيه : والله سبحانه وتعالى أوصى بالجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب ، والصاحب بالجنب : قيل إنه الزوج ، وقيل الصاحب بالجنب يعني في السفر ، فذكر الحديث الأول : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء لعنتها الملائكة حتى تصبح أو قال حتى ترجع ) : وذلك أن الواجب عليها إذا دعاها الرجل إلى حاجته أن تجيبه ، إلا إذا كان هناك عذر شرعي كما لو كانت مريضة لا تستطيع معاشرته إياها ، أو كان عليها عذر يمنعها من الحضور إلى فراشه ، فهذا لا بأس ، وإلا فإنه يجب عليها أن تحضر ، وأن تجيبه ، وإذا كان هذا في حق الزوج على الزوجة فكذلك ينبغي للزوج إذا رأى من أهله أنهم يريدون التمتع ، فإنه ينبغي أن يجيبهم ، ليعاشرها كما تعاشره ، فإن الله تعالى قال : (( وعاشروهن بالمعروف )) .
باب تحريم صوم المرأة تطوعا وزوجها حاضر إلا بإذنه. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه ). متفق عليه.
الشيخ : وأما الثاني : فهو أنه لا يجوز للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه ولا تأذن في بيته إلا بإذنه : المسألة الأولى : الصيام ، والصيام نوعان : نوع واجب فلها أن تصوم بغير إذن زوجها . ونوع تطوع فلا تصوم إذا كان شاهدا إلا بإذنه ، أما إذا كان غائباً فهي حرة ، لكن إذا كان شاهدا فلا تصم ، لأنه ربما يدعوها إلى حاجته وهي صائمة فيقع في حرج ، وتقع هي كذلك في حرج . أما إذا كان في صوم الواجب : كما لو كان عليها أيام من رمضان ولم يبق على رمضان الثاني إلا بمقدار ما عليها ، فهنا يجب عليها أن تصوم سواء إذن أم لم يأذن ، فمثلا لو كانت المرأة عليها من رمضان عشرة أيام ، ولم يبق على رمضان الثاني إلا عشرة أيام : فهنا تصوم سواء أذن أم لم يأذن ، بل لو منعها من الصوم فلها أن تصوم ، لأن هذا واجب . أما لو كان عليها عشرة أيام من رمضان وقد بقى على رمضان الثاني شهر أو شهران أو أكثر فله أن يمنعها من الصوم ، ولا يحل لها أن تصوم إلا بإذنه ، وذلك لأن الوقت واسع وإذا كان واسعا فلا ينبغي لها أن تضيق على زوجها. وإذا أذن لها وسامح لها ووافق ، فإن كان الصوم واجباً حرُم عليه أن يفسده بالجماع ، لأنه أذن فيه وقد شرعت في صوم الواجب فليلزمها إتمامه ، وإن كان تطوعا فله أن يجامعها فيه ولو فسد الصوم ، لأن التطوع لا يلزم إتمامه ، لكن لو قالت : أنت أذنت لي وهذا وعد منك بأنك لا تفسد صومي وجب عليه الوفاء ، وحرم عليه أن يفسد صومها ، لقول الله تعالى : (( وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا )) . وأما قوله : " ولا تأذن في بيته إلا بإذنه " : يعني لا تدخل أحدا إلى البيت إلا بإذنه ، فإن منعها أن تدخل أحدا معينا فقال : فلان لا يدخل علي حرم عليها أن تدخله بيته ، لأن البيت له ، وأما إذا كان رجلاً واسع الصدر لا يهمه أن يدخل إلى أهله أحد فلا يلزمها أن تستأذنه لكل واحد ، والله الموفق .