تتمة باب تحريم الشفاعة في الحدود : قال الله تعالى: (( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر )).
تارة تكون العقوبة بالمال ، يغرَّم الإنسان مالاً ، وتارة تكون العقوبة بالعزل عن منصبه ، وتارة تكون بالحبس ، وتارة تكون بالتشهير : بأن يُعلن اسمه ومخالفته بين الناس ، وتارة تكون بالتقويم من المجلس ، حسب ما تقتضيه المصلحة والتأديب ، وتارة تكون بالجلد .
فأما العقوبات المحددة : فإنه إذا بلغت السلطان لا يجوز لأحد أن يشفع فيها ، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( إذا بلغت الحدود السلطان فلعن الله الشافع والمشفَّع له ) : لعن طرد وإبعاد عن رحمة الله .
وقال : ( مَن حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله في أمره ) والعياذ بالله، وإن لم تصل إلى الحاكم فهنا قد يجوز الشفاعة والتوسط ، مثل : لو أن أحد رأى شخصاً يزني وشاهده ، وعنده أربع شهود على ذلك ، ورأى أن من المصلحة أن يُستتاب هذا الرجل فإذا تاب سُتر عليه فلا بأس ، أما بعد أن تبلغ السلطان فلا يجوز .
ثم ذكر المؤلف حديث عائشة رضي الله عنها ، في قصة المرأة المخزومية وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى ، والله الموفق.
السائل : متى تحرم الشفاعة فيمن يستحق الحد ، إذا وصلت السلطان فقط أو من ينوب عنه ؟
من له التنفيذ ، إذا وصلت من له التنفيذ فلا يجوز الشفاعة .
1 - تتمة باب تحريم الشفاعة في الحدود : قال الله تعالى: (( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر )). أستمع حفظ
شرح حديث عن عائشة رضي الله عنها أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا: من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالوا: ومن يجتريء عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلمه أسامة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أتشفع في حد من حدود الله تعالى ؟) ثم قام فاختطب، ثم قال: ( إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ). متفق عليه. وفي رواية: فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( أتشفع في حد من حدود الله ؟) فقال أسامة: استغفر لي يا رسول الله. قال: ثم أمر بتلك المرأة، فقطعت يدها.
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين :
نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- " في باب تحريم الشفاعة في الحدود :
عن عائشة رضي الله عنها : ( أن قريشاً أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت ، فقالوا : من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالوا : ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حِب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكلمه أسامة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أَتشفع في حدٍ من حدود الله تعالى ؟ ثم قام فاختطب ، ثم قال : إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، وايْم الله لو أن فاطمة بنت محمد -صلى الله عليه وسلم- سرقت لقطعت يدها ) متفق عليه .
وفي رواية : ( فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أتشفع في حد من حدود الله ؟ فقال أسامة: استغفِر لي يا رسول الله ، قال : ثم أمر بتلك المرأة، فقطعت يدها ) " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- : " باب تحريم الشفاعة في الحدود " :
الحدود : هي العقوبات التي قدرها الله ورسوله على فاعل المعصية ، فمنها حد الزنا ، ومنها حد القذف ، وحد السرقة ، وحد الحرابة .
وأما القتل بالردة فليس من الحدود ، لأن المرتد إذا تاب ولو بعد أن رفع إلى السلطان فإنه يسقط عنه القتل ، لكن هذه الحدود لا بد منها ، ولا تسقط إلا إذا تاب الإنسان قبل أن يقدر عليه ، لقول الله تعالى : (( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويَسعون في الأرض فسادا أن يقتَّلوا أو يصلَّبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض * ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم * إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم )) .
ثم ذكر المؤلف حديث عائشة رضي الله عنها : ( أن امرأة من بني مخزوم سرقت ) : وقد بينت السرقة بأنها كانت تستعير المتاع وتجحده ، يعني تأتي إلى الناس وتقول : أعرني الدلو، أعرني القدر أعرني الإناء أعرني الإناء فيعيرونها إحسانا إليها ، ثم تجحد العارية وتقول : ما أعرتموني ، فجعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جحد العارية بمنزلة السرقة ، لأن السارق يدخل البيوت في خفية ويأخذ ، وهذه سرقت أموال الناس بخفية ، أخذتها منهم على أنها عارية ، وأنها إحسان من أهلها أي : من أهل الأموال ثم تجحد .
أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تقطع يدها ، وكانت من بني مخزوم ، من أشرف قبائل قريش ، فأهمهم ذلك ، أي : لحقهم الهم في هذا ، كيف تقطع يد المخزومية ؟! فطلبوا من يشفع إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فقالوا : ( من يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد ) ، ولم يذكروا أبا بكر ولا عمر ولا عثمان ولا من هو أعلى قدراً من أسامة بن زيد ، فإما أن يكونوا قد حاولوا ذلك ولم يفلحوا ، وإما أن يكونوا من الأصل علموا أنهم لن يشفعوا في حد من حدود الله ، المهم أنهم طلبوا من أسامة بن زيد رضي الله عنه .
وأسامة هو أسامة بن زيد بن حارثة ، وزيد بن حارثة كان عبداً مملوكاً ، وهبته خديجة للنبي صلى الله عليه وسلم فأعتقه ، وكان يحبه ويحب ابنه أسامة .
تكلم أسامة مع النبي صلى الله عليه وسلم في شأن المرأة لعله يرفع عنها القطع ، فتلون وجه رسول الله : تغير لونه وقال له مُنكرًا عليه : ( أتشفع في حد من حدود الله ) : يعني ما كان ينبغي أن تشفع في حد من حدود الله .
( ثم قام فاختطب ) : يعني خطب خطبة بليغة ، لأن اختطب أبلغ من خطب لزيادة الهمزة والتاء ، وقد قال علماء اللغة العربية : " إن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى " ، يعني زيادة الحروف في الكلمة تدل على زيادة معناها ، المهم أن قوله اختطب يعني خطب خطبة بلغية .
ثم قال : ( إنما أهلك من كان قبلكم -يعني من الأمم- أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليهم الحد ) : أهلكهم يعني بذنوبهم بالعذاب والعقوبات ، أهلكهم هذا الأمر ، إذا سرق فيهم الشريف تركوه، قالوا : هذا شريف ما يمكن نقطع يده ، إذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، فصارت إقامتهم لحدود الله على حسب أهوائهم ،
وفي هذا دليل على أن من سبقنا كانوا يسرقون ، وأن السرقة كثيرة فيهم بين الغني والفقير والشريف والضعيف موجودة .
ثم أقسم عليه الصلاة والسلام ، وهو البار الصادق بدون قسم ، أقسم قال : ( وايم الله -أي: أحلف بالله- لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ) : اللهم صل وسلم عليه ، هكذا العدالة وهكذا تنفيذ حكم الله، لا اتباع الهوى، أقسم بأن فاطمة بنت محمد وهي أشرف من المخزومية حسبا ونسباً ( لأنها رضي الله عنها سيدة نساء أهل الجنة ) ، أقسم أنها لو سرقت لقطع يدها .
وفي قوله : ( لقطعت يدها ) قولان :
القول الأول : أن الرسول نفسه يباشر القطع ، وهذا أبلغ .
والثاني أنه يأمر من يقطع يدها ، وأيا كان فإن الرسول عليه الصلاة والسلام بين أنه لا يمكن أن يَدرأ الحد عن أحد لشرفه ومكانته أبدًا ، الحد حق لله عز وجل .
( وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ، ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تقطع يد المرأة المخزومية فقطعت ) : وهي امرأة من أشراف قريش ومع ذلك لم يسقط عنها الحد .
وهكذا يجب على ولاة الأمر أن يكون الناس عندهم سواء في إقامة الحدود ، وألا يحابوا أحداً لقربه أو لغناه أو لشرفه في قبيلته أو غير ذلك ، الحد لله عز وجل ، تجب إقامته لله عز وجل ، انظر إلى قوله تعالى : (( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله )) ، ومِن أخذ الرأفة الشفاعة لهم ، لا تشفع لأحد في حد ، أقمه ولا ترفق به ولا ترحمه ، ولا تقل : هذا شريف هذا ضعيف هذا أبو أولاد أبداً لا يهمك ، يعني لو زنى إنسان وهو محصن وثبت عليه الحد وله أولاد صغار وزوجات سوف يكنَّ أرمل بعده ، ويكون الأولاد أيتاما بعده لا تبالي بهذا ، أقم الحد عليه ، ارجمه ولو مات ، بل ارجمه حتى يموت ولا تقل : والله هذا له أولاد صغار وزوجات لا يهمك هذا، أقم الحد على كل من أتى بمعصية توجب الحد .
ولما كانت الأمة الإسلامية على هذه العدالة وعدم المبالاة ، وأنها لا تأخذها في الله لومة لائم ، كان لها العزة والقوة والنصر المبين ، ولما تخاذلت الأمة الإسلامية عن إقامة حدود الله ، وصارت المحسوبيات والوساطات تعمل عملها في إسقاط حدود الله عز وجل : تدهورت الأمة الإسلامية إلى الحد الذي ترون الآن ، فنسأل الله تعالى أن يعيد للأمة الإسلامية مجدها وتمسكها بدينها إنه على كل شيء قدير .
2 - شرح حديث عن عائشة رضي الله عنها أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا: من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالوا: ومن يجتريء عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلمه أسامة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أتشفع في حد من حدود الله تعالى ؟) ثم قام فاختطب، ثم قال: ( إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ). متفق عليه. وفي رواية: فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( أتشفع في حد من حدود الله ؟) فقال أسامة: استغفر لي يا رسول الله. قال: ثم أمر بتلك المرأة، فقطعت يدها. أستمع حفظ
باب النهي عن التغوط في طريق الناس وظلهم وموارد الماء ونحوها : قال الله تعالى: (( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا )). عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( اتقوا اللاعنين ) قالوا: وما اللاعنان ؟ قال: ( الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم ). رواه مسلم.
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :
قال -رحمه الله تعالى- : " باب النهي عن التغوط في طريق الناس وظلهم وموارد الماء ونحوها :
قال الله تعالى : (( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبيناً )).
عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( اتقوا اللاعنين ، قالوا: وما اللاعنان ؟ قال : الذي يتخلى في طريق الناس أو ظلهم ) رواه مسلم.
باب النهي عن البول ونحوه في الماء الراكد :
عن جابر رضي الله عنه : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يبال في الماء الراكد ) رواه مسلم " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال المؤلف -رحمه الله- في كتابه *رياض الصالحين* : " باب تحريم التغوط في طريق الناس أو ظلهم أو نحو ذلك " :
التغوط : يعني إخراج البراز من الدبر ، ومثله التبول ، فلا يجوز للإنسان أن يتبول أو يتغوط في طريق الناس ، ( أو في ظلهم ) : يعني المكان الذي يستظلون به ، وكذلك مشمسهم في الشتاء ، وكذلك مجالسهم ، فإن هذا من أذية المؤمنين ، وقد قال الله تعالى : (( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا )) ، (( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات )) : بالقول أو بالفعل ، فالأذية بالقول مثل التعيير والتوبيخ والسب وما أشبهها ، وبالفعل مثل أن يتبول في طريقه أو يتغوط في طريقه أو ما أشبه ذلك .
وقوله : (( بغير ما اكتسبوا )) : يعني لا إذا كان السبب في ذلك هم الذين أذوا ، يعني أنهم تعرضوا لما يؤذون به فهذا جنايتهم بأيديهم .
ثم ذكر حديث أبي هريرة رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( اتقوا اللاعنين ، قالوا : وما اللاعنان ؟ قال : الذين يتخلى في طريق الناس أو ظلهم ) : اللاعن اسم فاعل من اللعن ، وسمى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لاعناً ، لأنه سبب للعن ، فالذي يتخلى في طريق الناس أو يتخلى في ظلهم ملعون والعياذ بالله .
وأيضًا من رأى بولاً أو غائطًا في طريق الناس أو ظلهم فله أن يقول : اللهم اللعن من فعل هذا ، لأنه هو الذي عرض نفسه لذلك .
3 - باب النهي عن التغوط في طريق الناس وظلهم وموارد الماء ونحوها : قال الله تعالى: (( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا )). عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( اتقوا اللاعنين ) قالوا: وما اللاعنان ؟ قال: ( الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم ). رواه مسلم. أستمع حفظ
باب النهي عن البول ونحوه في الماء الراكد. عن جابر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يبال في الماء الراكد. رواه مسلم.
فلا يجوز للإنسان أن يبول في الماء الراكد مثل الغدير أو شبهه ، أما الماء الجاري فالجاري يمشي ولا يتأثر ، إلا إذا كان جارياً نحو ساقية ، وتحته أناس يتطهرون بهذا الماء ، أو يشربون منه ، فهذا لا يجوز لأنه يؤذي من تحته ، والله الموفق .
4 - باب النهي عن البول ونحوه في الماء الراكد. عن جابر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يبال في الماء الراكد. رواه مسلم. أستمع حفظ
باب كراهة تفضيل الوالد بعض أولاده على بعض في الهبة. عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن أباه أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني نحلت ابني هذا غلاما كان لي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أكل ولدك نحلته مثل هذا ؟) فقال: لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( فأرجعه ). وفي رواية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أفعلت هذا بولدك كلهم ؟) قال: لا، قال: ( اتقوا الله واعدلوا في أولادكم ( فرجع أبي فرد تلك الصدقة. وفي رواية: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يا بشير ألك ولد سوى هذا ؟) قال: نعم، قال: ( أكلهم وهبت له مثل هذا ؟) قال: لا، قال: ( فلا تشهدني إذا فإني لا أشهد على جور ). وفي رواية: ( لا تشهدني على جور ). وفي رواية: ( أشهد على هذا غيري ) ثم قال: ( أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء ؟) قال: بلى، قال: ( فلا إذا ). متفق عليه.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين :
قال -رحمه الله تعالى- : " باب كراهة تفضيل الوالد بعض أولاده على بعض في الهبة :
عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما : ( أن أباه أتى به رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال : إني نحلت ابني هذا غلامًا كان لي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أَكُلَّ ولدك نحلته مثل هذا ؟ فقال : لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فأرجعه ) .
وفي رواية : ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أفعلت هذا بولدك كلهم ؟ قال : لا ، قال : اتقوا الله واعدلوا في أولادكم ، فرجع أبي فرد تلك الصدقة ) .
وفي رواية : ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا بشير ألك ولد سوى هذا ؟ قال : نعم ، قال: أكلهم وهبت له مثل هذا ؟ قال : لا، قال : فلا تشهدني إذا فإني لا أشهد على جور ).
وفي رواية : ( لا تشهدني على جور ).
وفي رواية : ( أشهد على هذا غيري ) .
ثم قال : ( أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء ؟ قال : بلى ، قال : فلا إذن ) متفق عليه " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- في كتابه *رياض الصالحين* : " باب تحريم تفضيل بعض الأولاد على بعض في العطية " :
الأولاد يشمل الذكور والإناث ، والمراد بالعطية : التبرع المحض ليس النفقة ، النفقة يعطي كل إنسان ما يحتاج ، قليلا كان أو كثيرا ، فإذا قدر أن أحدهم يطلب العلم ويحتاج إلى كتب والآخر ليس كذلك فأعطى الأول ما يحتاج إليه من الكتب فلا بأس ، وكذلك لو كان أحدهم يحتاج إلى ثياب والآخر لا يحتاج فيعطي الذي يحتاج إلى الثياب ، وكذلك لو مرض أحدهم فاحتاج إلى دراهم وإلى دواء فأعطاه فلا بأس ، وكذلك لو بلغ أحدهم سن الزواج فزوجه فإنه يزوجه ولا بأس ، المهم ما كان لدفع الحاجة فالتسوية فيه : أن يعطي كل إنسان ما يحتاج، أما إذا كان تبرعاً محضا فلا بد من التعديل بينهم .
واختلف العلماء : هل التعديل أن يعطي الذكر والأنثى سواء ، فإذا أعطى الذكر مائة أعطى الأنثى مائة ، أو أن التعديل أن يعطيهم كما أعطاهم الله عز وجل في الميراث ، يعني للذكر مثل حظ الأنثيين ، فإذا أعطى الذكر مائة أعطى الأنثى خمسين ؟! وهذا القول هو الراجح ، لأنه لا قسمة أعدل من قسمة الله عز وجل .
فإذا أعطى كل واحد ما يحتاجه ثم تبرع تبرعا محضا فنقول : إذا أعطيت الأنثى درهماً فأعط الذكر درهمين ، هذا هو التعديل ، فإن فعل ، يعني فضل بعض الأولاد على بعض فإنه يجب عليه أن يرد ما فضله به ، فإذا أعطى أحدهم مائة ولم يعط الآخرين وجب عليه أن يرد المائة ، أي يستردها أو يعطي الآخرين مثلما أعطى الأول ، أو يستحلهم بشرط أن يحللوه عن رضاً وقناعة لا عن حياء وخجل .
فصار طريق العدل فيمن فضل بعض أولاده عن بعض له طرق ثلاثة ، العدل له طرق ثلاثة :
الأول : أن يرد ما فضله به .
والثاني : أن يعطي الآخرين مثله وللذكر مثل حظ الأنثيين .
والثالث : أن يستحلهم بشرط أن يحللوه عن قناعة ورضا لا عن خجل وحياء .
ثم ذكر المؤلف حديث النعمان بن بشير بن سعد الأنصاري رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه نِحلة ، غلاما وفي رواية حائطًا بستانا ، ولعله أعطاه البستان والغلام لأجل أن يعمل في البستان ، فقالت أمه عَمرة بنت رواحة رضي الله عنها ، وهي فقيهة ، قالت : لا أرضى أن تعطي ابني هذا دون إخوانه حتى تُشهد النبي صلى الله عليه وسلم ، فذهب بشير بن سعد رضي الله عنه ليشهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له الرسول عليه الصلاة والسلام : ( ألك بنون ؟ قال : نعم ، قال: أعطيتهم مثل ما أعطيت النعمان قال : لا ، قال : رد ) يعني رد ما أعطيت، ثم قال : ( أشهد على هذا غيري ) : وهذا تبرؤ منه ، وليس إباحة له أن يشهد على ذلك ، بل هو تبرؤ منه ولهذا قال : ( أشهد على هذا غيري فإني لا أشهد على جور ، ثم قال : أتريد أن يكونوا إليك في البر سواء ؟ قال : نعم يا رسول الله ، قال : إذن سوي بينهم ) : لأنك إذا فضلت أحدهم على الآخر صار في نفس المفضَّل عليه شيء ، وصار لا يبر والده .
ثم قال : ( اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم ) : فأمر عليه الصلاة والسلام أن نعدل بين الأولاد في العطية ، حتى لو تعطي أحدهم عشرة ريالات فأعط الآخر مثله ، لا تقل : هذا شيء زهيد ما يسوى من يستأذن ، أبدا لو ريال واحد لا تعطه إلا أعطيت الثاني، حتى كان السلف الصالح رضي الله عنهم : " إذا قبلوا أحد الأولاد قبل الثاني " : من شدة العدل بينهم .
وكذلك أيضا في النظر إليهم لا تنظر إلى هذا نظرة غضب وإلى هذا نظرة رضا لا ، اعدل بينهم حتى في المواجهة وطلاقة الوجه ، إلا أن يفعل أحدهم ما يُغضب ، هذا له شأنه ، لكن بدون سبب اجعلهم سواء ولا تفضل أحدًا على أحد .
وهنا مسألة وهي : أن بعض الناس يزوج أولاده الكبار ، وله أولاد صغار ، فيوصي لهم بعد موته بمقدار المهر ، وهذا حرام ، ولا يحل ، لأن هؤلاء إنما أعطيتهم لحاجتهم ، حاجة لا يماثلهم إخوانهم الآخرون الصغار ، فلا يحل لك أن توصي لهم بشيء ، وإذا أوصى فالوصية باطلة ترد في التركة ، ويرثونها على قدر ميراثهم .
كذلك أيضا بعض الناس يكون ولده يشتغل معه في تجارته في فلاحته ، فيعطيه بريرة على إخوانه ، وهذا أيضا لا يجوز ، لأن الولد إن كان قد تبرع بعمله مع أبيه فهذا بر وثوابه في الآخرة أعظم من ثوابه في الدنيا ، وإن كان لا يريد ذلك ، يريد أن يشتغل لأبيه بأجر ، فليفرض له أجرة ، يقول مثلا : لك كل شهر كذا وكذا حسب كما يفرض للأجنبي ، أو يقول لك : سهم من الربح كما يفرض للأجنبي ، وأما أن يخصه من بين أولاده مع أن الولد قد تبرع بعمله وجعل ذلك من البر فلا يجوز له ذلك .
وإن أَعطى أحدهم لكونه طالب علم يحفظ القرآن ، فإن قال للآخرين : مَن طلب منكم العلم أعطيته مثل أخيه ، أو من حفظ القرآن أعطيته مثل أخيه ، فطلب بعضهم وترك بعض فهؤلاء هم الذين تركوا الأمر بأنفسهم ، فلا حق لهم .
وأما إذا كان خص هذا دون أن يفتح الباب لإخوانه فهذا لا يجوز .
وعُلم من قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم ) : أن غير الأولاد من الأقارب لا يجب العدل بينهم ، فلك أن تعطي بعض إخوانك أكثر من الآخرين ، أو تعطيهم وتحرم الآخرين ، لأن النص إنما ورد في الأولاد فقط ، وأما قول بعض العلماء -رحمهم الله- : " إنه يجب عليه التعديل بين جميع الورثة بقدر ميراثهم " ، فهذا قول لا دليل عليه ، التعديل إنما يجب بين من ؟ بين الأولاد فقط ، والله الموفق.
5 - باب كراهة تفضيل الوالد بعض أولاده على بعض في الهبة. عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن أباه أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني نحلت ابني هذا غلاما كان لي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أكل ولدك نحلته مثل هذا ؟) فقال: لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( فأرجعه ). وفي رواية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أفعلت هذا بولدك كلهم ؟) قال: لا، قال: ( اتقوا الله واعدلوا في أولادكم ( فرجع أبي فرد تلك الصدقة. وفي رواية: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يا بشير ألك ولد سوى هذا ؟) قال: نعم، قال: ( أكلهم وهبت له مثل هذا ؟) قال: لا، قال: ( فلا تشهدني إذا فإني لا أشهد على جور ). وفي رواية: ( لا تشهدني على جور ). وفي رواية: ( أشهد على هذا غيري ) ثم قال: ( أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء ؟) قال: بلى، قال: ( فلا إذا ). متفق عليه. أستمع حفظ
باب تحريم إحداد المرأة على ميت فوق ثلاثة أيام إلا على زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام. عن زينب بنت أبي سلمة رضي الله عنهما قالت: دخلت على أم حبيبة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي أبوها أبو سفيان بن حرب رضي الله عنه، فدعت بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره، فدهنت منه جارية ثم مست بعارضيها. ثم قالت: والله مالي بالطيب من حاجة، غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر: ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا ) قالت زينب: ثم دخلت على زينب بنت جحش رضي الله عنها حين توفي أخوها، فدعت بطيب فمست منه، ثم قالت: أما والله مالي بالطيب من حاجة، غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر: ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا ). متفق عليه.
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين :
قال -رحمه الله تعالى- : " باب تحريم إحداد المرأة على ميت فوق ثلاثة أيام إلا على زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام :
عن زينب بنت أبي سلمة رضي الله عنهما قالت : ( دخلت على أم حبيبة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي أبوها أبو سفيان بن حرب رضي الله عنه ، فدعت بطيب فيه صُفرة خَلوقٍ أو غيره، فدهنت منه جارية ثم مست بعارضيها، ثم قالت : والله مالي بالطيب من حاجة ، غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر : لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تُحد على ميت فوق ثلاث ليال ، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا، قالت زينب : ثم دخلت على زينب بنت جحش رضي الله عنها حين توفي أخوها ، فدعت بطيب فمسَّت منه ، ثم قالت : أما والله مالي بالطيب من حاجة، غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر : لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا ) متفق عليه " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال -رحمه الله تعالى- : " باب تحريم إحداد المرأة على ميت فوق ثلاث إلا على زوجها أربعة أشهر وعشرا " :
الإحداد معناه : ترك الزينة والطيب ونحوه مما يعد بهجة وسروراً وترفهاً ، وهو حرام ، وكانوا في الجاهلية إذا مات الإنسان وهو حبيب إليهم حادوا عليه : امتنعوا عن الطيب والتجمل وما أشبه ذلك إلى مدة حسب ما يقدرونها بأنفسهم ، فبين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الذي رواه عنه زوجتاه : أم حبيبة وزينب بنت جحش رضي الله عنهما : ( أنه لا يجوز الإحداد على ميت فوق ثلاث ، إلا على زوج ) : فرخص النبي صلى الله عليه وسلم في هذا ، رخص في الإحداد لمدة ثلاثة أيام ، ولا يجوز أكثر من ذلك . مثاله : رجل مات ابنه فحزن عليه ، فالواجب الصبر والاحتساب وأن تجرى الأمور على ما هي عليه ، يخرج إلى دكانه إذا كان صاحب دكان ، وإلى فلاحته إذا كان صاحب فلاحة ، وإلى مكتبه إذا كان موظفًا ، وإلى مدرسته إذا كان معلماً أو طالباً، المهم ألا تتأثر أعماله بشيء ، هذا هو المشروع وهذا هو السنة ، وهذا هو الأوفق وهذا هو الأرفق بالشخص ، ألا يُحد على أحد حتى على ابنه وأبيه وأمه وأخيه لا يحد عليهم ، الأمر لمن ؟ لله عز وجل له الملك وله الحمد ، فهو المالك وهو المحمود على كل حال ، فلا حاجة إلى تحد ، اصبر واحتسب ، لا نقول لا تحزن كل إنسان له قلب حي سيحزن ، لكن نقول : اصبر واحتسب وكأن شيئاً لم يكن ، لا تُخرب شيئا من أمور دنياك هذا هو الأفضل والأوفق والأرفق والأحسن .
لكن لما كانت النفوس قد لا تطيق هذا لاسيما مع عظم المصاب ، رخص النبي صلى الله عليه وسلم في الإحداد لمدة ثلاثة أيام فقط ، يعني فلا بأس أن الإنسان مثلاً إذا مات له صديق أو قريب وحزن حزناً شديدًا لا يستطيع أن يقابل الناس ، لا بأس أن يبقى في بيته لمدة ثلاثة أيام فأقل ، ولكن لابد من صلاة الجماعة هذا لا بأس به ، وكذلك بالنسبة للنساء لو مات ابنها أو أبوها أو أخوها أو أحد ممن تأثرت بهم تأثراً بالغاً فلا حرج عليها أن تحد لمدة ثلاثة أيام فأقل ، أما ما زاد فلا يجوز : ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد فوق ثلاث إلا على زوج ) ، فالزوج له حق عظيم ، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لو أمرت أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها ) ، من عظم حقه عليها ، لكن السجود لا يكون إلا لرب العالمين الخالق عز وجل .
المهم أن الزوج تحد أربعة أشهر وعشرا ، هذا إذا كانت غير حامل ، أما الحامل فتحد إلى وضع الحمل فقط زاد أو نقص ، وعلى هذا فإذا مات الإنسان ، امرأة مات عنها زوجها فإنها تحد أربعة أشهر وعشرة أيام ، لقول الله تعالى : (( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا )) : أربعة أشهر وعشراً ، حتى لو كان ما دخل عليها ، لو عقد عليها وهي في المدينة وهو في مكة ومات فإنها تحد عليه ، وإن لم يدخل عليها مادام العقد صحيحًا .
وإذا كانت حاملا فإلى وضع الحمل ، حتى لو وضعت قبل أن يُغسل الزوج انتهت العدة ، وانتهى الإحداد ، يعني مثلا امرأة توفي زوجها وهي في الطلق فلما خرجت روحه خرج الحمل ، يعني ما بين خروج روح زوجها وحملها إلا دقائق معلومة ، نقول : الآن انتهت العدة وانتهى الإحداد ، فلها أن تتزوج يعني يمكن أن تتزوج ، يمكن شرعا أن تتزوج قبل أن يدفن زوجها كيف؟ لماذا؟ وضعت الحمل : (( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن )) ، هذه انتهت عدتها والإحداد تبع العدة .
ولكن ما هو الإحداد ؟ الإحداد أن تتجنب المرأة الأشياء التالية :
أولا : لباس الزينة لا تلبس ثوبا يعد ثوب زينة ، أما الثياب العادية فلها أن تلبسها بأي لون كان أسود أخضر أحمر أصفر أي شيء، إنما الذي يعد زينة بحيث يقال : إن هذه المرأة تجملت ، فإنه لا يحل لها أن تلبسها وهي محادة على الزوج .
الثاني : الطيب بجميع أنواعه دهنا أو بخورا أو شما أو غير ذلك لا تتطيب إطلاقاً ، إلا إذا طهرت من الحيض فإنها تأخذ شيئاً يسيرا من قسط أو أظفار نوعان من الطيب معروفان تتطيب بهما ، أي : تطيب محل الخبث حتى لا يكون لها رائحة .
الثالث : الحلي بجميع أنواعه ، لا تلبس الحلي لا في القدمين ولا في الكفين ولا في الرقبة ولا في الأذنين ولا على الصدر ، أي نوع من أنواع الحلي ما تلبسه ، حتى لو كانت لبَّست سنها ذهباً فإنها تخلعه ، إذا لم يكن عليها مضرة فإن كان عليها مضرة فلتحرص على أن تخفيه بأن تقلل الضحك حتى لا يخرج السن ويتبين للناس .
الرابع : ألا تخرج من البيت، لا تخرج من البيت أبدًا إلا لضرورة ، أو حاجة لضرورة في الليل أو حاجة بالنهار ، وأما بدون حاجة ولا ضرورة فلا يجوز أن تخرج من بيتها الذي مات زوجها وهي فيه ، فإنه يجب عليها أن تبقى في البيت فلا تخرج .
طيب إذا قالت : أريد أن أخرج إلى جيراني أستأنس عندهم في النهار وأول الليل وأرجع إلى بيتي ، نقول : لا، جيرانك يأتون إليك أما أنت لا تذهبي ، تبقين في البيت الذي مات زوجك وأنت فيه .
فإذا قدرنا أنها سافرت مع زوجها إلى بلد للعلاج ومات زوجها بالبلد الذي هو غير بلدها ، نقول : ارجعي إلى بلدك ، لأن هذا ليس مسكنك في الأصل .
الخامس : التحسين والتجميل بالكحل والورس وما أشبه ذلك ، حتى لو فرضنا أن عينها توجعها فلا تتكحل ، إلا بصبر أو شبهه مما لا لون له ، تفعله بالليل وتمسحه بالنهار ، هذا إن احتاجت وإلا فلا ، ولهذا : ( جاءت امرأة إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقالت : يا رسول الله إن ابنتي مات زوجها وقد اشتكت عينها -يعني توجعها عينها- أفنكحلها ؟ قال : لا ) : لا تكحلونها مع أنها توجعها عينها ، قال : لا تكحلونها ، حتى قال ابن حزم -رحمه الله- لو فقدت عينها فإنها لا تكحلها بأي حال من الأحوال ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن هذه المريضة في عينها فأبى أن يرخص لهم في الكحل .
وكذلك التحمير والتجميل وما أشبه هذا .
أما الصابون الذي ليس فيه طيب فلا بأس .
وكذلك تنظيف الرأس ، وكذلك تنظيف الجلد .
وما اشتهر عند العوام من أن المرأة تغتسل من الجمعة إلى الجمعة يعني: المحادة فهذا لا أصل له ، كذلك أيضا ما اشتهر عندهم أنها في الليل لا تخرج إلى الحوش بل تكون في المستظلل تحت السقف ، فهذا لا صحة له ، تخرج إلى السطح وإلى الحوش وإلى ما شاءت .
كذلك ما اشتهر العامية المحضة يقولون : " إن القمر رجل، تقول العوام : القمر رجل له عيون وله أنف وله فم ولا تخرج المرأة للقمر، لأن القمر رجل يطلع عليها- هذا غلط ما هو بصحيح تخرج في الليلة المقمرة وفي الشمس الصاحية وفي كل شيء لكن لا تخرج من البيت ".
كذلك أيضا ما اشتهر عند العوام أنها لا تكلم أحد إلا من محارمها وهذا غلط أيضا ، تكلم من شاءت ، تكلم من يستأذن عند الباب وإلى من يتكلم في التليفون تكلمهم لا بأس ، تكلم من يدخل إلى البيت من أقارب الزوج وأقاربها الذين ليسوا من محارمها تكلمهم ولا حرج ، يعني هي في الكلام كغيرها من النساء : لا يحرم عليها الكلام ، لكنها كما قال الله عز وجل : (( فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ )) ، والله الموفق.
6 - باب تحريم إحداد المرأة على ميت فوق ثلاثة أيام إلا على زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام. عن زينب بنت أبي سلمة رضي الله عنهما قالت: دخلت على أم حبيبة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي أبوها أبو سفيان بن حرب رضي الله عنه، فدعت بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره، فدهنت منه جارية ثم مست بعارضيها. ثم قالت: والله مالي بالطيب من حاجة، غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر: ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا ) قالت زينب: ثم دخلت على زينب بنت جحش رضي الله عنها حين توفي أخوها، فدعت بطيب فمست منه، ثم قالت: أما والله مالي بالطيب من حاجة، غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر: ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا ). متفق عليه. أستمع حفظ
باب تحريم بيع الحاضر للبادي وتلقي الركبان والبيع على بيع أخيه والخطبة على خطبته إلا أن يأذن أو يرد. عن أنس رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد وإن كان أخاه لأبيه وأمه. متفق عليه. وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تتلقوا السلع حتى يهبط بها إلى الأسواق ). متفق عليه. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تتلقوا الركبان، ولا يبع حاضر لباد ) فقال له طاووس: ما لا يبع حاضر لباد ؟ قال: لا يكون له سمسارا. متفق عليه.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :
قال -رحمه الله تعالى- : " باب تحريم بيع الحاضر للبادي وتلقي الركبان ، والبيع على بيع أخيه ، والخطبة على خطبته إلا أن يأذن أو يُرَد :
عن أنس رضي الله عنه قال : ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد وإن كان أخاه لأبيه وأمه ) متفق عليه.
وعن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تتلقوا السلع حتى يُهبط بها إلى الأسواق ) متفق عليه.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تتلقوا الركبان، ولا يبع حاضر لباد ) ، فقال له طاووس : ما يبيع حاضر لباد ؟ قال : لا يكون له سمسارا ، متفق عليه " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
هذه أمور ثلاثة عقد لها المؤلف -رحمه الله تعالى- بابًا في كتابه *رياض الصالحين* :
منها : أن يبيع حاضر لباد ، ومنها : تلقي الركبان ، ومنها : البيع على بيع أخيه :
أما بيع الحاضر للبادي : فهو أن يأتي إنسان قادم من البادية بغنمه أو إبله أو سمنه أو لبنه أو أَقِطه ليبيعه في السوق ، فيأتي الإنسان إليه وهو من أهل البلد يقول : يا فلان أنا أبيع لك ، هذا لا يجوز ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض ) : دع البدوي يبيع ، ربما يريد يبيع برخص لأنه يريد أن يرجع إلى أهله ، وأيضا إذا باع البدوي فالعادة أن الحضري ينقد الثمن ولا يؤخره ، لأنه يعرف أنه صاحب بادية يريد أن يرجع ، فيكون في ذلك فائدة للبائع وهو البدوي ينقد له الثمن ، وفائدة للمشتري وهو أن الغالب أن البدوي يبيع برخص لأنه عجل لا ينتظر الزيادة ، ( ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يبيع حاضر لبادي ) ، واستدل العلماء -رحمهم الله تعالى- بالعلة على أنه إذا جاء البادي يعني صاحب البادية إلى الحاضر وقال : يا فلان بع هذه السلعة لي فإنه لا بأس بذلك ، لأن البادي الآن عارف ، يعلم أنه إذا باعه الحضري فهو غالبا أكثر ثمنا ولا يهمه أن يبقى يوما أو يومين من أجل أن يأخذ الثمن .
ولكن ظاهر الحديث العموم ، وأن الحاضر لا يبيع للبادي ، وأنه إذا جاء إليه قال يا فلان خذ سلعتي بعها يقول : لا ، بعها أنت .
كذلك أيضاً استنبط العلماء -رحمهم الله- من هذه العلة : ( دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض ) : أنه إذا كان السعر واحداً سواء باع البادي أو الحاضر فإنه لا بأس أن يبيع الحاضر للبادي ، لأن السعر لن يتغير ، ومثال ذلك أن تكون الدولة قد قررت سعرًا معينا لهذا النوع من المال لا يزيد ولا ينقص فهذا لا فرق بين أن يبيعه الحاضر أو البادي ، ليس للحاضر مكسب وفائدة في ذلك ، فقالوا : " إذا كان السعر معلوما فإنه لا بأس أن يبيع الحاضر للبادي " .
واستبط بعض العلماء من العلة : " أنه لا بد أن تكون السلعة هذه للناس بها حاجة " : يعني مما تتعلق به حوائج الناس ، وأما الشيء الذي لا يحتاجه الناس إلا نادرا فلا بأس ، لكن هذا الاستنباط ضعيف ، والصواب أنه لا فرق بين السلعة التي يحتاجها الناس ، والسلعة التي لا يحتاجونها إلا نادرا .
المسألة الثانية : تلقي الركبان ، وذلك أنهم كانوا فيما سبق يعرفون أن البادية تأتي بالسلع مثلا في أول النهار يوم الجمعة ، فتجد بعض الناس يطلع من البلد إلى قريب منه ، ثم يتلقى الركبان ويشتري منهم قبل أن يصلوا إلى السوق ، فيقطع الرزق على أهل البلد الذين ينتظرون الركبان ، وكذلك يغبن المتلَقَين بأن يغبن الركبان ، فيحصل بتلقي الجلب والركبان مضرتان :
المضرة الأولى : على أهل البلد الذين ينتظرون قدوم الركبان من أجل أن يشتروا منهم برخص .
والثاني : الضرر على المتلَقى على الركبان ، لأن الذي تلقاهم سيغبنهم ويشتري منهم بأقل من السوق ، وهم لم يصلوا إلى السوق حتى يعرفوا السعر، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( فمن تُلقى فاشتري منه فأتى السوق فهو بالخيار ) : يعني أن الجالب إذا تلقاه الإنسان خارج البلد واشترى منه ثم دخل البلد ووجد أنه مغبون ، فله أن يرد البيع ، لأنه قد غُر وغُبن فهتان مسألتنا .
أما المسألة الثالثة : وهي يبيع المسلم على بيع أخيه فهي أيضا حرام ، وخِطبته على خطبته حرام .
بيعه على بيعه أن يقول لمن اشترى سلعة بعشرة : أنا أبيع عليك مثلها بثمانية حرام ، لأن المشتري سوف يحاول أن يفسخ العقد من لأجل أن يأخذ السلعة برخص .
وكذلك الخطبة على خطبة أخيه : يعني فمثلا لو سمعت أن إنساناً خطب من أناس ابنتهم ، فذهبت وخطبت منهم فهذا لا يجوز .
7 - باب تحريم بيع الحاضر للبادي وتلقي الركبان والبيع على بيع أخيه والخطبة على خطبته إلا أن يأذن أو يرد. عن أنس رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد وإن كان أخاه لأبيه وأمه. متفق عليه. وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تتلقوا السلع حتى يهبط بها إلى الأسواق ). متفق عليه. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تتلقوا الركبان، ولا يبع حاضر لباد ) فقال له طاووس: ما لا يبع حاضر لباد ؟ قال: لا يكون له سمسارا. متفق عليه. أستمع حفظ