تتمة شرح حديث أنس رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد وإن كان أخاه لأبيه وأمه. متفق عليه. وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تتلقوا السلع حتى يهبط بها إلى الأسواق ). متفق عليه. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تتلقوا الركبان، ولا يبع حاضر لباد ) فقال له طاووس: ما لا يبع حاضر لباد ؟ قال: لا يكون له سمسارا. متفق عليه.
الشيخ : المسألة الثانية : تلقي الركبان ، وذلك أنهم كانوا فيما سبق يعرفون أن البادية تأتي بالسلع مثلًا : في أول النهار يوم الجمعة ، فتجد بعض الناس يطلع من البلد إلى قريب منه ، ثم يتلقى الركبان ويشتري منهم قبل أن يصلوا إلى السوق ، فيقطع الرزق على أهل البلد الذين ينتظرون الركبان ، وكذلك يغبن المتلَقَين يعني : يغبن الركبان ، فيحصل بتلقي الجلب والركبان مضرتان : المضرة الأولى : على أهل البلد الذين ينتظرون قدوم الركبان من أجل أن يشتروا منهم برخص . والثاني : الضرر على المتلَقى على الركبان ، لأن هذا الذي تلقاهم سيغبنهم ويشتري منهم بأقل من السوق ، وهم لم يصلوا إلى السوق حتى يعرفوا السعر، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( فمن تُلُقى فاشتُري منه فأتى السوق فهو بالخيار ) : يعني أن الجالب إذا تلقاه الإنسان خارج البلد واشترى منه ثم دخل البلد ووجد أنه مغبون فله أن يرد البيع ، لأنه قد غُر وغُبن، فهتان مسألتنا . أما المسألة الثالثة : وهي بيع المسلم على بيع أخيه فهي أيضًا حرام ، وخطبته على خطبته حرام : بيعه على بيعه : أن يقول لمن اشترى سلعة بعشرة : أنا أبيع عليك مثلها بثمانية حرام ، لأن المشتري سوف يحاول أن يفسخ العقد لأجل أن يأخذ السلع برخص . وكذلك الخطبة على خطبة أخيه : يعني فمثلا لو سمعت أن إنساناً خطب من أناس ابنتهم فذهبت وخطبت منهم فهذا حرام ، إلا إذا أذن الخاطب ، بمعنى أنك ذهبت إلى الخاطب وقلت : يا فلان سمعت أنك خطبت فلانة وأنا لي بها حاجة أتأذن لي ؟ إذا قال : نعم لا بأس الحق لك ، أو يرد : أي يرده أهل البنت ، عرفت أن فلان خطب من هؤلاء الجماعة وردوه ، فلا بأس أن تخطب لأنهم ردوه ليس له علق بالمرأة الآن . فأما إذا سمعت أن فلانا خطب من جماعة ولكنك لم تتأكد هل ردوه أم لا ، فإنه لا يحل لك أن تخطب ، لأنه قد يكونون على وشك أن يقبلوا فإذا خطبت منهم رفضوا ، فيكون في ذلك حرمان لهذا الخاطب من حقه في المخطوبة ، والله الموفق .
باب النهي عن إضاعة المال في غير وجوهه التي أذن الشرع فيها. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله تعالى يرضى لكم ثلاثا، ويكره لكم ثلاثا: فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، ويكره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال *. رواه مسلم. وعن وراد كاتب المغيرة بن شعبة قال: أملى علي المغيرة في كتاب إلى معاوية رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة: ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد ) وكتب إليه أنه كان ينهى عن قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال، وكان ينهى عن عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنع وهات. متفق.
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين : قال -رحمه الله تعالى- : " باب النهي عن إضاعة المال في غير وجوهه التي أذن الشرع فيها : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله تعالى يرضى لكم ثلاثاً، ويكره لكم ثلاثاً: فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، ويكره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال ) رواه مسلم . وعن ورَّاد كاتب المغيرة قال: أملى عليَّ المغيرة بن شعبة في كتاب إلى معاوية رضي الله عنه : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة : لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا مُعطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجَد منك الجَد، وكتب إليه أنه كان ينهى عن قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال، وكان ينهى عن عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنعٍ وهات ) متفق عليه " . الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : قال المؤلف -رحمه الله تعالى- : " باب النهي عن إضاعة المال في غير ما أذن لله فيه " : المال جعله الله عز وجل قيامًا للناس تقوم به مصالح دينهم ودنياهم كما قال تعالى : (( وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِيَامًا )) : ولهذا حرم الاعتداء عليه . وقال النبي عليه الصلاة والسلام : ( إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم ) ، ورتب سبحانه وتعالى تقسيم المال في مواضع كثيرة بنفسه جل وعلا قال : (( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ )) ، وقال : (( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا )) ، وقال تعالى : (( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ )) وغيرها من آيات المواريث ، كل هذا يدل على عناية الشرع بالمال وأنه أمر مهم ، ولهذا كان كثير من الدول الآن إنما تقوى باقتصادها ونماء مالها وغناها . فالمال أمر مهم ، فلا يجوز للإنسان أن يضيعه في غير فائدة ، وإضاعته في غير فائدة أنواع متعددة : منها الإسراف في بذله ، فإن الإسراف محرم ، حتى في المآكل والمشرب والملابس والمراكب والمناكح ، متى تجاوز الإنسان الحد فإنه آثم ، لقوله تعالى : (( كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ )) ، فمجاوزة الحد إسراف وهي محرمة ، وعُرضة لأن يكره الله تعالى فاعلها . وإذا قلنا : إن الإسراف مجاوزة الحد تبين لنا أن إنفاق المال يختلف ، فالغني مثلا قد يؤثث بيته أو يشتري سيارة أو يلبس الثياب التي لا تُعد في حقه إسرافا لأنه لم يتجاوز بها حد الغنى ، لكن لو أن فقيرا فعل مثل فعله قلنا : إن هذا إسراف وإنه حرام . ولهذا يغلط كثير من الناس الآن من الفقراء ومتوسطي الحال أن يلحقوا أنفسهم بالأغنياء ، هذا غلط وخطأ ، والإنسان كما قال العوام : " يمد رجله على قدر لحافه " ، إذا كان اللحاف واسعاً مد رجليك كلها ، وإذا كان ضيقا فكف رجليك ، أما أن تكون فقيرا وتريد أن تساوي الأغنياء في مأكلك ومشربك وملبسك ومنكحك ومركوبك ومسكنك فهذا من السفه وهو حرام أيضًا ، لا يحل للإنسان . وقد غلط بعض الناس أكثر من هذا ، فذهب يستدين ويلحق نفسه الدين من أجل أن يؤثث بيته كما أثثه جاره الغني ، كما أثث جاره الغني بيته ، وهذا غلط أيضًا ، هذا مما حرم الله الإسراف وهو مجاوزة الحد ، لأن الله لا يحب المسرفين . وقد امتدح الله عباده الذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكانوا بين ذلك قوامًا . ومن الإسراف تعدد الملابس بدون حاجة ، كثير من النساء الآن كلما ظهر شكل من أشكال اللباس ذهبت تشتريه ، حتى تملأ بيتها من الثياب بدون حاجة ، لكن ظهر شيء يختلف عن الأول بشيء بسيط تقول : خلاص الأول لا ألبسه ، وألبس ثياب جديدة . ثم بعض النساء يلعب بعقول بعض الرجال ، فتجد المرأة هي التي توجه الرجل وتقول : اشتري كذا اشتري كذا ، فصارت القِوامة الآن للنساء على الرجال إلا من شاء الله ، والرجل يجب أن يكون رجلاً وأن يمنع زوجته من الإسراف سواء من مالها أو من ماله . ومن الإسراف أيضاً ، وهو مما لا يجوز بذل المال فيه أن يبذله في محرم ، كهؤلاء الذين يشترون الدخان ، السيجر بالمال فإن هذا حرام عليهم ، وهو مما نهى الله عنه ، لأنه إضاعة للمال واضحة ، يبذل الإنسان فلوسه في شيء يحرقه ، لأن الدخان لا يشرب إلا إذا أحرق ، فكأن الرجل أحرق الدراهم وأتلفها في أمر يضره أيضاً ، ليته يسلم من ضرره ، ولهذا اتفق الأطباء الآن اتفقوا على أنه ضار وأنه يجب على الإنسان أن يتجنبه ، حتى في الدول الكافرة الآن الراقية الفاهمة تجدهم يمنعون الدخان ، ولا يمكن أن يشرب الدخان ، أما في المجالس العامة فممنوع قطعًا وأما في المجالس الخاصة فممنوع أيضًا إلا إذا استؤذن أهل المجلس فأذنوا ، وإلا فيمنع ، لأنه ضار للشارب وللحاضر ، حتى إنهم يمنعون من شرب الدخان فوق الأجواء ، كما حدثني قواد الطائرات : " أنهم إذا دخلوا حدود بعض البلاد الكافرة امتنعوا من التدخين " ، كل من في الطائرة لا يدخن ما هو دين لكن لأنه مضر واحترامًا لأجوائهم ، فيا أسفا أن يكون هذا من الكفار وأما من المسلمين اليوم فلا . تجد الرجل لا يبالي بالناس يخرج السيجارة ويشربها ولا يبالي بأحد ، وهذا حرام عليه أولا لنفسه ، حرام عليه ، والثاني : لأذية المؤمنين ، الناس يتأذون بهذا ، وقد قال تعالى : (( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا )) : فهو يؤذيهم والدخان الذي يكون بينهم يدخل أيضا إلى أجوافهم ويتضررون به ، هذا أيضا من الحرام ، يحرم على الإنسان أن يشتري شيئا يشربه من الدخان ، وهو بذلك آثم ومصر على معصية ، وتسقط عدالته بذلك ، وترتفع ولايته عن من له ولاية عليه ، حتى إن كثيرا من العلماء يقول : " إنه لا يزوج ابنته إذا كان يشرب الدخان " ، ابنته لا يزوجها ليش؟ لأنه خرج عن العدالة إلى الفسق ، والفاسق لا ولاية له فالمسألة خطيرة . من إضاعة المال أيضًا أن يصرفه الإنسان في شيء لا فائدة منه في ألعاب وما أشبه ذلك ومن هذا الألعاب النارية .
تتمة شرح حديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله تعالى يرضى لكم ثلاثا، ويكره لكم ثلاثا: فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، ويكره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال *. رواه مسلم. وعن وراد كاتب المغيرة بن شعبة قال: أملى علي المغيرة في كتاب إلى معاوية رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة: ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد ) وكتب إليه أنه كان ينهى عن قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال، وكان ينهى عن عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنع وهات. متفق عليه.
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين : قال -رحمه الله تعالى- : " باب النهي عن إضاعة المال في غير وجوهه التي أذن الشرع فيها : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله تعالى يرضى لكم ثلاثاً، ويكره لكم ثلاثاً: فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، ويكره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال ) رواه مسلم . وعن ورّادٍ كاتب المغيرة قال : أملى عليَّ المغيرة بن شعبة في كتاب إلى معاوية رضي الله عنه : ( أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا مُعطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجَد منك الجَد، وكتب إليه أنه كان ينهى عن قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال، وكان ينهى عن عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنعٍ وهات ) متفق عليه " . الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : سبق الكلام على أول هذا الباب، وهو تحريم إضاعة المال إلا بإذن من الشرع. وفي هذه الأحاديث حديث أبي هريرة والمغيرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله كره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال ) : قيل وقال : معناه أن يشتغل الإنسان بالكلام ، بنقله ، قال فلان وقيل كذا وقيل كذا ، كما يوجد في كثير من المفلسين الآن الذين يعمرون مجالسهم بقولهم ماذا قيل اليوم ، وقال فلان ، وماذا تقول في فلان وما أشبه ذلك من الكلام الذي يضيع به الوقت . والشرع حكيم كما نهى عن إضاعة المال الذي جعله الله قياماً للناس ، نهى عن إضاعة الوقت أيضًا ، فإضاعة الوقت في قيل وقال وكثرة السؤال هذا لا شك أنه أشد ضرراً على الإنسان من إضاعة المال ، إضاعة المال ربما يُخلف لكن إضاعة الوقت لا يمكن أن تُخلف ، الوقت يذهب ولا يرجع ، لهذا يجب على الإنسان أن يتجنب الخوض في قيل وقال ، وما تقول في فلان ، وما تقول في فلان وما أشبه ذلك . كذلك كثرة السؤال : وكثرة السؤال يحتمل أن يراد به سؤال الخلق ، يعني لا تسأل الناس ، لا تكثر من السؤال ، والسؤال إن كان سؤال مال فإنه حرام ، ( بل لا يزال الإنسان يسأل ويسأل حتى يأتي يوم القيامة وما في وجهه مزعة لحم ) والعياذ بالله . ويحتمل أن يراد به كثرة السؤال عن أحوال الناس بدون حاجة وبدون فائدة ، ماذا تقول في فلان هل هو غني فقير عالم أو جاهل وما أشبه ذلك . ويحتمل أن يراد به كثرة السؤال عن العلم الذي لا يحتاج إليه الإنسان ، ولاسيما في عهد النبوة ، لأنه يُخشى أن يسأل الإنسان عن شيء لم يحرم فيحرم من أجل مسألته ، أو عن شيء لم يجب فيوجب من أجل مسألته . ولكن الأخير هذا يُقيد بما إذا لم يحتج الإنسان إلى السؤال ، فإن كان يحتاج إلى ذلك كطالب العلم الذي يسأل ويستفهم فإنه لا بأس أن يسأل ويستفهم ويزيل اللبس عن نفسه . وكان عليه الصلاة والسلام : ( ينهى عن عقوق الأمهات ) : يعني عن قطع الأمهات عن حقوقهن ، والأم لها حق عظيم على الولد من ذكر أو أنثى حتى أنها أحق من الأب ، ( سُئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الناس أحق بصحبتي؟ قال: أمك قال: ثم مَن؟ قال: أمك ، قال: ثم من؟ قال: أمك ، قال: ثم من؟ قال: ثم أبوك ) . فالأم لها حق كبير عظيم لأنها حملت ولدها كُرها ووضعته كُرها وأرضعته كرها وأتعب ليلها ونهارها فلها حق عظيم . وكذلك عقوق الأباء وهو أيضًا من كبائر الذنوب ، لكن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر عقوق الأمهات لأنه أشد . ( وكان ينهى عن عقوق الأمهات ، وعن وأد البنات ) : وأد البنات : هو أن من عادة الجاهلية الحمقاء أن الإنسان إذا وُلد له بنت دفنها والعياذ بالله ، دفنها وهي حية : (( وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ )) : يعني يختفي عن الناس من سوء ما بشر به (( أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ )) : يعني أيبقيها مع الإهانة وعدم المبالاة بها ، (( أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ )) : أي يدفنه وهو حي ، " حتى إن بعضهم والعياذ بالله كان يحفر حفرة لابنته فطار شيء من الغبار على لحيته ، وهو يريد أن يدفنها ، فنفضت لحيته عن التراب ودفنها والعياذ بالله " ، إلى هذا الحد يعني قلوب أقسى من الحجارة ، حتى البهائم لا تفعل بأولادها هكذا وهؤلاء والعياذ بالله يفعلون هكذا ، يحفر لها ليدفنها وهي تنظف لحيته من التراب ثم يدفنها والعياذ بالله . " وكان بعضهم يحفر لابنته ، فإذا أحست بذلك قامت تتدخل به يا أبت يا أبت فيمسكها ويطرحها حتى يدفنها نعوذ بالله " ، نسأل الله العافية مع ما في كفالة البنات من الأجر العظيم : ( ما من إنسان يكفل ثلاث بنات يحسن إليهن إلا كن حجابا له من النار، قالوا : واثنتان يا رسول الله؟ قال: واثنتان قالوا : وواحدة؟ قال وواحدة ) ، وكان الإمام أحمد -رحمه الله- إذا قيل له : " ولد لك بنت ، قال : ولدت الإناث للأنبياء " ، ولدت الإناث للأنبياء ، الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يولد لهم بنات ، فها هو أشرف الأنبياء عليه الصلاة والسلام محمد له أربع بنات وله ثلاثة أولاد ، أربع بنات وثلاثة أولاد ، والذين بلغوا الحلم منهم هم البنات ، وأما الأولاد البنون فهم صغار ، أكبرهم إبراهيم توفي وله ستة عشر شهرا ، سنة وأربعة أشهر ، رضيع وكان له مرضع في الجنة لإبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأما البنات الأربع فثلاث منهن متن في حياته عليه الصلاة والسلام ، وهن : زينب ورقية وأم كلثوم ، والرابعة فاطمة ماتت بعده بأشهر . فالحاصل أن البنات إذا منّ الله على الإنسان بهن وكفلهن وأحسن إليهن كن له حجابا من النار . ( ومنعٍ وهات ) : أي وينهى عن منع وهات وهذا كناية عن الشح والبخل ، منع : يعني يمنع ولا يعطي ولا يجود بالمال ولا بالنفس ، وهات : يطلب ، فهو والعياذ بالله بخيل شحيح لا يشبع ولا ينفع ، والله الموفق .
باب النهي عن الإشارة إلى مسلم بسلاح ونحوه سواء كان جادا أو مازحا، والنهي عن تعاطي السيف مسلولا. عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يشر أحدكم إلى أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده، فيقع في حفرة من النار ). متفق عليه. وفي رواية لمسلم قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: ( من أشار إلى أخيه بحديدة، فإن الملائكة تلعنه حتى ينزع، وإن كان أخاه لأبيه وأمه ). وعن جابر رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتعاطى السيف مسلولا. رواه أبو داود، والترمذي وقال: حديث حسن.
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين : قال -رحمه الله تعالى- : " باب النهي عن الإشارة إلى مسلم بسلاح ونحوه سواء كان جادا أو مازحا، والنهي عن تعاطي السيف مسلولا : عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يُشِر أحدكم إلى أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده، فيقع في حفرة من النار ) متفق عليه. وفي رواية لمسلم قال : قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم : ( مَن أشار إلى أخيه بحديدة، فإن الملائكة تلعنه حتى ينزع، وإن كان أخاه لأبيه وأمه ). وعن جابر رضي الله عنه قال : ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتعاطى السيف مسلولا ) رواه أبو داود، والترمذي وقال: حديث حسن " . الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : قال -رحمه الله تعالى- " باب النهي عن الإشارة بحديدة أو نحوها يعني: على أخيه سواء جادا أو هزلا، والنهي عن تعاطي السيف مسلولا " : هاتان مسألتان : المسألة الأولى : أن يشير إلى أحد بسلاح أو حديدة أو حجر أو ما أشبه ذلك كأنه يريد أن يرميه به، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، لأنه ربما يشير هكذا كأنه يريد أن يرميه بالحجر أو بالحديدة أو نحوها فينزع الشيطان في يده وتنطلق من يده، فيقع في حفرة من النار، والعياذ بالله. وكذلك أيضاً ما يفعله بعض السفهاء، يأتي بالسيارة مُسرعاً نحو شخص واقف أو جالس أو مضطجع يلعب عليه، ثم يحرها إذا قرب منه يحرفها بسرعة حتى لا يدهسه، هذا أيضاً ينهى عنه، كالإشارة بالحديدة ، لأنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده فلا يتحكم بالسيارة ، وحينئذ يقع في حفرة من النار . ومن ذلك أن يُشري الكلب به، يكون الإنسان عنده كلب، ويأتي إنسان آخر إليه زائرًا أو نحو ذلك، فيُشري الكلب به : يعني يغريه به، فإنه ربما ينطلق الكلب ويأكل هذا الرجل، أو يجرحه، ولا يتمكن من صده بعد ذلك. فالمهم أن جميع أسباب الهلاك يُنهى الإنسان أن يفعلها، سواء كان جادًا أم هازلا، كما دل على ذلك حديث أبي هريرة. أما تعاطي السيف مسلولاً فمثله أيضاً يُنهى عنه، لأنه ربما إذا مد يده ليأخذ السيف وهو مسلول ، ربما تضطرب يدك أنت فتنقطع يد الآخر. وكذلك السكين ونحوها، لا تتعاطها وهي موجهه إلى صاحبك، إذا أردت أن تعطيه السكين فأمسك بالسكين مِن عندك، واجعل المقبض نحو صاحبك لئلا يقع في المحظور، يعني ريشة السكين إذا أردت أن تعطيها لصاحبك فاجعلها مما يليك، واجعل المقبض مما يلي صاحبك، حتى لا يقع في زلة يد فتنجرح يده. ومن ذلك أيضاً : إذا كان معك عصى وأنت تمشي بين الناس فلا تحمله عرضًا، لأنك إذا حملته عرضًا ربما يتعثر به من وراءك أو من أمامك، ولكن أمسكه نصباً واقفا، إما أن تتعكز عليه أو تمسكه واقفاً حتى لا تؤذي من وراءك أو من أمامك . كل هذا من باب الآداب الحميدة التي ينبغي للإنسان أن يسلكها في حياته حتى لا يقع في أمر يؤذي الناس أو يضرهم، والله الموفق.
باب كراهة الخروج من المسجد بعد الأذان إلا بعذر حتى يصلي المكتوبة. عن أبي الشعثاء قال: كنا قعودا مع أبي هريرة رضي الله عنه في المسجد، فأذن المؤذن، فقام رجل من المسجد يمشي، فأتبعه أبو هريرة بصره حتى خرج من المسجد، فقال أبو هريرة: أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم.
القارئ : الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين : قال -رحمه الله تعالى- : " باب كراهة الخروج من المسجد بعد الأذان إلا لعذر حتى يصلي المكتوبة : عن أبي الشعثاء قال : ( كنا قعودا مع أبي هريرة رضي الله عنه في المسجد، فأذن المؤذن، فقام رجل من المسجد يمشي، فأتبعه أبو هريرة بصره حتى خرج من المسجد، فقال أبو هريرة : أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم ) رواه مسلم " . الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : قال المؤلف -رحمه الله تعالى- : " باب كراهة الخروج من المسجد بعد الأذان حتى يؤدي الصلاة المكتوبة " : وذلك أن المؤذن إذا أذن فإنه يقول للناس حيَّ على الصلاة ، يعني اقبلوا إليها ، والخروج من المسجد بعد ذلك معصية فإنه يقال له أقبل ولكنه يدبر . ثم ذكر حديث أبي الشعثاء : ( أنهم كانوا قعوداً مع أبي هريرة رضي الله عنه ، فقام رجل يمشي ، فأتبعه أبو هريرة بصره ، حتى إذا خرج من المسجد قال : أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم ) : وإنما أتبعه بصره لينظر هل هو يمشي ليكون في جهة أخرى من المسجد أم ماذا يريد ، فلما خرج تبين له أنه أراد الخروج من المسجد ، قال : ( أما هذا فقد عصى أبا القاسم ) : يعني بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم . وإذا قال الصحابي : ( فقد عصى أبا القاسم ) : فهو في حكم المرفوع يعني كأنه يقول : فقد نهى عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، استدل العلماء بهذا الحديث على أنه يحرم الخروج من المسجد بعد الأذان لمن تلزمه الصلاة إلا لعذر ، فمن العذر أن يكون حاقناً : يعني يحتاج إلى بول ، أو حاقباً يحتاج إلى غائط ، أو معه ريح محتبسة يحتاج إلى أن ينقض الوضوء ، أو أصابه مرض يحتاج أن يخرج معه ، أو كان إمامًا في مسجد آخر ، أو مؤذنا في مسجد آخر . وأما إذا خرج من هذا المسجد ليصلي في مسجد آخر ، فهذا فيه تردد ، قد يقول قائل : إن الحديث عام ، وقد يقول قائل : إن الحديث فيمن خرج لئلا يصلي مع الجماعة ، وأما من خرج من مسجد ليصلي في آخر فهذا لم يفر من صلاة الجماعة ، ولكنه أراد أن يصلي في مسجد آخر ، وعلى كل فلا ينبغي أن يخرج حتى وإن كان يريد أن يصلي في مسجد آخر إلا لسبب شرعي ، مثل أن يكون في المسجد الثاني جنازة يريد أن يصلي عليها ، أو يكون المسجد الثاني أحسن قراءة من المسجد الذي هو فيه أو ما أشبه ذلك من الأسباب الشرعية ، فهنا نقول لا بأس أن يخرج ، والله الموفق.
باب كراهة رد الريحان لغير عذر. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من عرض عليه ريحان فلا يرده، فإن خفيف المحمل طيب الريح ). رواه مسلم. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرد الطيب. رواه البخاري.
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين : قال -رحمه الله تعالى- : " باب كراهة رد الريحان لغير عذر : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من عُرض عليه ريحان فلا يرده، فإنه خفيف المحمل طيب الريح ) رواه مسلم. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرد الطيب ) رواه البخاري " . الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : قال المؤلف -رحمه الله تعالى- : " باب كراهة رد الريحان " : الريحان : نوع من الطيب ، وهو كما وصفه النبي عليه الصلاة والسلام : ( خفيف المحمل طيب الريح ) ، وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى عدم رده ، وبين المؤلف -رحمه الله- فيما ساقه من حديث البخاري : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرد الطيب ) . والطيب لا شك أنه يفتح النفس ، ويشرح الصدر ، ويوسع القلب ، ويسر الجليس ، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه الطيب حتى قال : ( حُبب إلي من دنياكم الطيب والنساء ، وجعلت قرة عيني في الصلاة ) : فينبغي للإنسان أن يستعمل الطيب دائما، لأنه علامة على طيب العبد فإن الطيبات للطيبين، والطيبون للطيبات، والله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً، وإذا أُهدي إليك الطيب فلا ترده، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرد الطيب، ولاسيما إذا كان كما وصف النبي عليه الصلاة والسلام في الريحان : ( إذا كان خفيف المحمل طيب الريح ) ، لأنه لا يضرك شيئا ، لكن لو خفت أن هذا الذي أهدى إليك الطيب سيتكلم في المجالس أو يمنّ عليك في المستقبل فيقول : أنا أهديت إليك كذا وهذا جزائي ويريد منك أن يستخدمك بما أهدى إليك، فهنا لا تقبل هديته، لأن هذا يبطل أجره وثوابه بالمن والأذى، أما إذا كان لا يضرك منه شيء فإن الأفضل أن لا ترده، والله الموفق.
باب كراهة المدح في الوجه لمن خيف عليه مفسدة من إعجاب ونحوه، وجوازه لمن أمن ذلك في حقه. عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يثني على رجل ويطريه في المدح، فقال: ( أهلكتم، أو قطعتم ظهر الرجل ). متفق عليه. وعن أبي بكرة رضي الله عنه أن رجلا ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم، فأثنى عليه رجل خيرا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ويحك قطعت عنق صاحبك ) يقوله مرارا ( إن كان أحدكم مادحا لا محالة، فليقل: أحسب كذا وكذا إن كان يرى أنه كذلك وحسيبه الله، ولا يزكى على الله أحدا ). متفق عليه. وعن همام بن الحارث عن المقداد رضي الله عنه أن رجلا جعل يمدح عثمان رضي الله عنه، فعمد المقداد فجثا على ركبتيه، فجعل يحثو في وجهه الحصباء، فقال له عثمان: ما شأنك ؟ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب ). رواه مسلم.
فهذه الأحاديث في النهي، وجاء في الإباحة أحاديث كثيرة صحيحة. قال العلماء: وطريق الجمع بين الأحاديث أن يقال: إن كان الممدوح عنده كمال إيمان ويقين، ورياضة نفس، ومعرفة تامة بحيث لا يفتتن، ولا يغتر بذلك، ولا تلعب به نفسه، فليس بحرام ولا مكروه، وإن خيف عليه شيء من هذه الأمور، كره مدحه في وجهه كراهة شديدة، وعلى هذا التفصيل تنزل الأحاديث المختلفة في ذلك. ومما جاء في الإباحة قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه: ( أرجو أن تكون منهم ) أي: من الذين يدعون من جميع أبواب الجنة لدخولها، وفي الحديث الآخر: ( لست منهم )، أي: لست من الذين يسبلون أزرهم خيلاء. وقال صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه: ( ما رآك الشيطان سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك ) والأحاديث في الإباحة كثيرة.
القارئ : قال -رحمه الله تعالى- : " باب كراهة المدح في الوجه لمن خيف عليه مفسدة من إعجاب ونحوه، وجوازه لمن أمن ذلك في حقه : عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: ( سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يثني على رجل ويطريه في المدح، فقال : أهلكتم، أو قطعتم ظهر الرجل ) متفق عليه. وعن أبي بكرة رضي الله عنه : ( أن رجلاً ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم، فأثنى عليه رجل خيرا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ويحك قطعت عنق صاحبك قطعت عنق صاحبك ، يقوله مرارًا، إن كان أحدكم مادحًا لا محالة، فليقل: أحسبه كذا وكذا إن كان يرى أنه كذلك وحسيبه الله، ولا يزكي على الله أحدًا ) متفق عليه. وعن همام بن الحارث عن المقداد رضي الله عنه : ( أن رجلا جعل يمدح عثمان رضي الله عنه، فعمد المقداد فجثا على ركبتيه، فجعل يحثو في وجهه الحصباء، فقال له عثمان : ما شأنك ؟ فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب ) رواه مسلم. فهذه الأحاديث في النهي، وجاء في الإباحة أحاديث كثيرة صحيحة. قال العلماء: وطريق الجمع بين الأحاديث أن يقال : إن كان الممدوح عنده كمال إيمان ويقين، ورياضة نفس، ومعرفة تامة بحيث لا يفتتن، ولا يغتر بذلك، ولا تلعب به نفسه، فليس بحرام ولا مكروه، وإن خِيف عليه شيء من هذه الأمور، كُره مدحه في وجهه كراهة شديدة، وعلى هذا التفصيل تنزل الأحاديث المختلفة في ذلك. ومما جاء في الإباحة قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه : ( أرجو أن تكون منهم ) أي : من الذين يدعون من جميع أبواب الجنة لدخولها ، وفي الحديث الآخر : ( لست منهم ) أي: لست من الذين يسبلون أزرهم خيلاء. وقال صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه : ( ما رآك الشيطان سالكاً فجًا إلا سلك فجًا غير فجك ) والأحاديث في الإباحة كثيرة " . الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : هذا الباب ذكره المؤلف -رحمه الله- في كتابه *رياض الصالحين* لبيان مدح الإنسان ، هل ينبغي للإنسان أن يمدح أخاه بما هو فيه أو لا ؟ وهذا له أحوال : الحال الأولى : أن يكون في مدحه خير وتشجيع له على الأوصاف الحميدة والأخلاق الفاضلة ، فهذا لا بأس به ، لأنه تشجيع ، تشجيع لصاحبه ، فإذا رأيت من رجل الكرم والشجاعة وبذل النفس والإحسان إلى الغير فذكرته بما هو فيه أمامه مِن أجل أن تشجعه وتثبته حتى يستمر على ما هو عليه ، فهذا حسن وهو داخل في قوله تعالى : (( وتعاونوا على البر والتقوى )) . والثاني : أن تمدحه لتبين فضله بين الناس وينتشر ويحترمه الناس ، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. أما أبي بكر فإن النبي صلى الله عليه وسلم تحدث ذات يوم وقال : ( من أصبح منكم صائماً ؟ فقال أبو بكر: أنا، فقال: من تبع منكم جنازة؟ قال أبو بكر أنا، فقال من عاد اليوم مريضا؟ فقال أبو بكر أنا وذكر أشياء ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما اجتمعن في امرأ إلا دخل الجنة ) . وكذلك لما حدث : ( أن من جر ثوبه خيلاء لن ينظر الله إليه، قال أبو بكر: يا رسول الله إن أحد شقي إزاري يسترخي علي إلا أن أتعاهده ، فقال: أنك لست ممن يصنع ذلك خيلاء ) . وقال لعمر: ( إن الشيطان ما سلكت فجا إلا سلك فجا غير فجك ) : يعني إذا سلكت طريقا فإن الشيطان يهرب منه ويذهب إلى طريق آخر ، كل هذا لبيان فضل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما هذا لا بأس به. الثالث : أن يمدح غيره ويغلو في إطرائه ويصفه بما لا يستحق فهذا محرم ، وهو كذب وخداع ، مثل أن يذكر رجلاً أميرًا أو وزيرًا أو ما أشبه ذلك ويطريه ويصفه بما ليس فيه من الصفات الحميدة ، فهذا حرام عليه ، وهو أيضا ضرر على الممدوح . الرابع : أن يمدحه بما هو فيه ، لكن يُخشى أن الإنسان الممدوح يغتر بنفسه ويزهو بنفسه ويترفع على غيره ، فهذا أيضًا محرم لا يجوز ، وذكر المؤلف أحاديث في ذلك : ( أن رجلًا ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم آخر فأثنى عليه فقال: ويحك قطعت عنق صاحبك ) : يعني معناه : كأنك ذبحته بسبب مدحك إياه ، لأن ذلك يوجب أن هذا الممدوح يترفع ويتعالى . وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يُحثى التراب في وجوه المداحين : يعني إذا كان هذا الإنسان معروف ما جلس مجلسًا أمام أحد له جاه وشرف إلا امتدحه ، هذا مداح ، والمداح غير المادح ، المادح هو الذي يُسمع منه المدح مرة بعد أخرى ، لكن المداح كلما جلس عند إنسان كبيراً أو أميرا أو قاضيا أو عالم أو ما أشبه ذلك قام يمدحه ، هذا حقه أن يحثي في وجهه التراب ، ( لأن رجلا امتدح عثمان رضي الله عنه فقام المقداد وأخذ الحصباء ونفضها في وجه المداح ، فسأله عثمان لما صنع ذلك ، قال : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب ) ، وعلى كل حال فالذي ينبغي للإنسان ألا يتكلم إلا بخير ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ) ، والله الموفق.
يستدل البعض في قول أبي بكر: إن أحد شقي ثوبي يسترخي إلا أن أتعاده على جواز الإسبال، فهل هذا الاستدلال صحيح؟
السائل : هل في حديث أبي بكر جواز الإسبال إلا من الخيلاء ؟ الشيخ : إي نعم هؤلاء أخطؤوا ، هؤلاء أخطؤوا واتبعوا المتشابه ، والإنسان الذي يتبع المتشابه هو ممن كان في قلبه زيغ والعياذ بالله . أبو بكر رضي الله عنه ما نزل ثوبه قصداً ، يقول: يسترخي عليَ إلا أن يتعاهده ، وأيضاً أبو بكر شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالبراءة ، فهل هؤلاء يشهد لهم أحد بالبراءة ؟!
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين : قال -رحمه الله تعالى- : " باب كراهية الخروج من بلد وقع فيها الوباء فراراً منه وكراهة القدوم عليه : قال الله تعالى : (( أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة )) . وقال تعالى : (( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة )) . عن ابن عباس رضي الله عنهما : ( أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج إلى الشام ، حتى إذا كان بسرغ لقيه أمراء الأجناد : أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه ، فأخبروه أنَّ الوباء قد وقع بالشام ، قال ابن عباس : فقال لي عمر : ادع لي المهاجرين الأولين فدعوتهم ، فاستشارهم ، وأخبرهم أن الوباء قد وقع بالشام فاختلفوا : فقال بعضهم : خرجتَ لأمرٍ ولا نرى أن ترجع عنه . وقال بعضهم : معك بقية الناس وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نرى أن تقدمهم على هذا الوباء . فقال : ارتفعوا عني ، ثم قال : ادع لي الأنصار فدعوتهم ، فاستشارهم فسلكوا سبيل المهاجرين واختلفوا كاختلافهم ، فقال : ارتفعوا عني ، ثم قال : ادع لي من كان هاهنا مِن مشيخة قريش من مهاجرة الفتح ، فدعوتهم فلم يختلف عليه منهم رجلان فقالوا : نرى أن ترجع بالناس ولا تقدمهم على هذا الوباء ، فنادى عمر رضي الله عنه في الناس : إني مصبّح على ظهرٍ فأصبحوا عليه ، فقال أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه : أفرارًا من قدر الله ؟! فقال عمر رضي الله عنه : لو غيرك قالها يا أبا عبيدة ، وكان عمر يكره خلافه : نعم نفر مِن قدر الله إلى قدر الله ، أرأيت لو كان لك إبل فهبطت وادياً له عدوتان إحداهما خَصبة والأخرى جدبة ، أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله ، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله !! قال : فجاء عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ، وكان متغيباً في بعض حاجته ، فقال : إن عندي من هذا علماً ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إذا سمعتم به بأرض فلا تقدَموا عليه ، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه ، فحمد الله تعالى عمر رضي الله عنه وانصرف ) متفق عليه . وعن أسامة بن زيد رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا سمعتم الطاعون بأرض فلا تدخلوها ، وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها ) متفق عليه ". الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : هذا الباب باب عظيم عقده المؤلف -رحمه الله تعالى- في كتاب *رياض الصالحين* : وهو كراهة أن يقدم الإنسان على أرض نزل فيها البلاء .