باب كراهة الخروج من بلد وقع فيها الوباء فرارا منه وكراهة القدوم عليه : قال تعالى: (( أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة )) وقال تعالى: (( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة )). عن ابن عباس رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج إلى الشام حتى إذا كان بسرغ لقيه أمراء الأجناد - أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه - فأخبروه أن الوباء قد وقع بالشام، قال ابن عباس: فقال لي عمر: ادع لي المهاجرين الأولين، فدعوتهم، فاستشارهم، وأخبرهم أن الوباء قد وقع بالشام، فاختلفوا، فقال بعضهم: خرجت لأمر، ولا نرى أن ترجع عنه. وقال بعضهم: معك بقية الناس وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نرى أن تقدمهم على هذا الوباء. فقال: ارتفعوا عني، ثم قال: ادع لي الأنصار، فدعوتهم، فاستشارهم، فسلكوا سبيل المهاجرين، واختلفوا كاختلافهم، فقال: ارتفعوا عني، ثم قال: ادع لي من كان ها هنا من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح، فدعوتهم، فلم يختلف عليه منهم رجلان، فقالوا: نرى أن ترجع بالناس، ولا تقدمهم على هذا الوباء، فنادى عمر رضي الله عنه في الناس: إني مصبح على ظهر، فأصبحوا عليه، فقال أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه: أفرارا من قدر الله ؟ فقال عمر رضي الله عنه: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة ! - وكان عمر يكره خلافه - نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله، أرأيت لو كان لك إبل، فهبطت واديا له عدوتان، إحداهما خصبة، والأخرى جدبة، أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله، قال: فجاء عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، وكان متغيبا في بعض حاجته، فقال: إن عندي من هذا علما، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه ). فحمد الله تعالى عمر رضي الله عنه وانصرف. متفق عليه. وعن أسامة بن زيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا سمعتم الطاعون بأرض، فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها ). متفق عليه.
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
هذا الباب باب عظيم عقده المؤلف -رحمه الله تعالى- في كتاب : *رياض الصالحين* ، " وهو كراهة أن يقدم الإنسان على أرض نزل فيها البلاء وأن يخرج منها بعد نزول البلاء فرارا منه " :
يعني إذا سمعت بوباء نازل في أرض فلا تقدم عليها ، وإذا وقع وأنت فيها فلا تخرج منها فرارا منه .
ثم استدل المؤلف -رحمه الله- بقول الله تبارك وتعالى : (( أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة )) : إشارة إلى قوله : ( لا تخرجوا منها ) ، والله يقول : (( أينما تكونوا )) في أي مكان في أي زمان ، (( ولو كنتم في بروج مشيدة )) : يعني محصنة مطوية مليسة بالشيد يعني بالجص محكمة متقنة فإن الموت سوف يأتيكم ، (( أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة )) .
وفي آية أخرى أعظم من هذا وأبلغ : (( قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم )) : تفر منه وهو لا يلحقك بل يلاقيك ويقابلك ، فلا فرار من الموت ، فكيف تخرج من أرض نزل فيها الوباء فراراً من الموت ؟! إنك لو فعلت فليس لك فرار من قدر الله عز وجل ، واقرأ قول الله تعالى : (( ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوفٌ حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم )) : هؤلاء أُلوف كثيرة مؤلفة نزل الوباء في أرضهم فخرجوا خوفا من الموت ، فأراهم الله عز وجل الآية وأنه بكل شيء محيط ، وأنه مدرك ما أراد لا محالة ، فقال الله لهم : (( موتوا )) : قال ذلك قولا كونياً قدرياً فماتوا ، لأن الله إذا أراد شيئا قال له كن فيكون ، ماتوا وهم ألوف ثم أحياهم الله ، والله على كل شيء قدير ، لكن أراهم الله عز وجل أنه لا فرار من قدر الله عز وجل ، لا فرار .
ثم استدل المؤلف على كون الإنسان لا يقدم على أرض فيها الوباء بقول الله تعالى : (( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة )) : أي لا تفعلوا الشيء الذي يكون به هلاككم .
ثم استدل أيضا بالأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وذكر قصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، حين خرج من المدينة إلى الشام ، فذُكر له الطاعون وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا سمعتم به في أرض فلا تقدموا عليها ) : فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن القدوم إلى أرض فيها الطاعون ، والطاعون وباء فتاك والعياذ بالله .
قال بعض أهل العلم : " إنه نوع خاص من الوباء ، وإنه عبارة عن جروح وتقرحات في البدن تصيب الإنسان وتجري جريان السيل حتى تقضي عليه " ،
وقيل : إن الطاعون وخز في البطن يصيب الإنسان فيموت .
وقيل : " إن الطاعون اسم لكل وباء عام ينتشر بسرعة كالكوليرا وغيرها " : وهذا أقرب فإن هذا إن لم يكن داخلا في اللفظ فهو داخل في المعنى ، كل وباء عام ينتشر بسرعة فإنه لا يجوز للإنسان أن يقدم على البلد الذي حل فيه هذا الوباء .
( وإذا وقع وأنتم فيها فلا تخرجوا منها ) ، لأنكم تخرجون منها فرارا من قدر الله ، لو فررتم فإنكم مدرَكون لا محالة ، ولهذا قال : ( لا تخرجوا منها فرارا منه ) ، أما خروج الإنسان منها لا فرارا منه ولكن لأنه أتى إلى هذا البلد لحاجة ثم انقضت حاجته وأراد أن يرجع إلى بلده فلا بأس، ويأتي إن شاء الله الكلام على قصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وما فيها من الفوائد والفقه إن شاء الله تعالى، والله أعلم.
في الكلام على هذا الحديث الذي رواه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : أنه كان مع عمر حين خرج إلى الشام ، وذلك والله أعلم لفتح بيت المقدس ، فلما كان في أثناء الطريق أتاه أمراء الأجناد يخبرونه بأنه وقع في الشام طاعون : والطاعون والعياذ بالله وباء فتاك سريع الانتشار ، فتوقف عمر وأمر عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن يدعو له المهاجرين ، فدعاهم وشاورهم فاختلفوا فمنهم من قال : لا ترجع عما أتيت إليه ، ومنهم من قال : ارجع ، ثم قال: ارتفعوا عني ، ثم أمر عبد الله بن عباس أن يجمع الأنصار فجمعهم واختلفوا كاختلاف المهاجرين ، ثم قال: ارتفعوا عني ، ثم أمره أن يدعو مشيخة مهاجرة الفتح : يعني كبار المهاجرين فدعاهم فلم يختلف عليه اثنان وقالوا ارجع ، فنادى في الناس إني مصبح على ظهر : يعني راجع ، فقال أبو عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه ، ( الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم أمين هذه الأمة ) قال : يا أمير المؤمنين أفرارا من قدر الله؟ يعني ترجع بالناس تفر من قدر الله ، قال : لو غيرك قالها يا أبا عبيدة وكان يكره مخالفته : يعني لو أن غيرك قالها لكان أهون أما أنت فكيف تقول هذا ؟! .
ثم ضرب له مثلاً مقنعا قال: أرأيت لو كان لك إبل فهبطت بها وادياً له عدوتان يعني : شعبتين إحداهما مخصبة والثانية مجدبة ، فإن رعيتها في المخصبة رعيتها بقدر الله ، وإن رعيتها في المجدبة رعيتها بقدر الله ، ومعلوم أنك سوف تختار المخصبة على المجدبة يعني فهذا مثله.
فبينما هم كذلك إذ جاء عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وكان قد تغيب في حاجة له فقال : إن عندي من ذلك علما يعني عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم تلا عليهم الحديث : ( إذا سمعتم به في أرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع وأنتم فيها فلا تخرجوا فرارا منه ) : فوافق هذا حكم النبي صلى الله عليه وسلم فحمد اللهَ عمرُ رضي الله عنه على موافقت الصواب .
ففي هذا الحديث فوائد منها :
أن الخليفة يتولى الغزو بنفسه إذا دعت الحاجة إلى ذلك .
ومنها : حسن سياسة أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه ، فإنه على ما عنده من الدين والعلم والعقل وإصابة الصواب لم يبت في هذا الأمر إلا بعد المشاورة والمراجعة .
ومنها : أنه ينبغي أن يبدأ بالأفضل فالأفضل في المشاورة ، الأفضل في علمه وفي رأيه وفي نصحه ، يبدأ بالأفضل فالأفضل ، فإذا أُشير عليه انتهى الموضوع ما حاجة أن يأتي بالآخرين ، وإلا أتى بالآخرين الذين دونهم .
ومنها : أن المشاورة من سمات المؤمنين كما قال الله تبارك وتعالى : (( وأمرهم شورى بينهم )) ، فينبغي لمن ولاه الله أمراً وتردد في شيء من الأشياء ولم يتبين له الصواب أن يشاور غيره من ذوي العقل والدين والتجربة ، وكذلك إذا كان الأمر عاماً يعم الناس كلهم ، فإنه ينبغي أن يشاور حتى يصدر عن رأي الجميع .
ومنها : أنه يجوز للواحد من الرعية أن يراجع الإمام لكن بحضرته ، لأن أبا عبيدة راجع عمر بن الخطاب رضي الله عنه لكن بحضرته ، وبشرط أن يكون المراجِع ممن له علم ودين وعقل ، ليس ممن عنده غيرة عاصفة وعاطفة هوجاء ، فإن هذا لا يتكلم ، إنما يتكلم العقلاء ، هم الذين يتكلمون مع ولاة الأمور ، ولكن لا يتكلمون من وراء ولي الأمر بل يتكلمون من بين يديه حتى يحصل النقاش والإقناع .
ومنها : ضرب الأمثال ، فإن ضرب الأمثال يقرب المعاني للإنسان ، وذلك أن عمر رضي الله عنه ضرب مثلا لأبي عبيدة : إنسان هبط واديا ومعه إبل وله شعبتان : إحداهما مخصبة فيها الأشجار وفيها الحشيش وفيها كل شيء ينفع الإبل . والثانية : مجدبة بيضاء ، فمن المعلوم أن الإنسان لن يختار المجدبة سوف يختار المخصبة ، فاختياره للمخصبة بقدر الله عز وجل وعدوله عن المجدبة بقدر الله عز وجل .
ومنها : الرد على القدرية المعتزلة الذين يقولون إن الإنسان مستقل بعمله ، لا علاقة لله به والعياذ بالله ، ولهذا سموا مجوس هذه الأمة ، لأنهم يشبهون المجوس ، ولكن الإنسان يفعل الفعل بقدر الله عز وجل .
ومنها : أنه قد يخفى العلم الشرعي على كبراء الناس ، ويعلمه من دونهم ، فإنه لا شك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أعلم بكثير من عبد الرحمن بن عوف ، وكذلك كثير ممن معه عندهم من العلم ما ليس عند عبد الرحمن بن عوف ، لكن قد يكون عند الصغير من العلم ما ليس عند الكبير كما حصل هذا .
ومنها : حكمة النبي صلى الله عليه وسلم في أن الإنسان لا يقدم على ما فيه الهلكة والضرر ، لأن الله تعالى قال : (( ولا تقتلوا أنفسكم )) وقال : (( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة )) ، فلا يجوز للإنسان أن يخاطر في أمر يخشى منه الهلاك ، وإن كان كل شيء بقدر لكن الأسباب لها أثرها .
ومنها : أنه إذا وقع الوباء في الأرض فإنه لا يجوز للإنسان أن يخرج منها فرارا منه وأما إذا خرج لحاجة فلا بأس .
ومنها : أنه لا بأس أن يستعمل الإنسان من الأدوية والحبوب والإبر ما يمنع الوباء ، لأن ذلك من الوقاية قبل نزول البلاء ، ولا بأس بها ، كما أن الإنسان إذا نزل به الوباء وعالجه فلا حرج عليه ، فكذلك إذا أخذ وقاية منه فلا حرج عليه ، ولا يعد هذا من نقص التوكل ، بل هذا من التوكل ، لأن فعل الأسباب الواقية من الهلاك والعذاب أمر مطلوب ، والذي يتوكل أو يدعي أنه متوكل ولا يفعل الأسباب ليس بمتوكل حقيقة ، بل إنه طاعن في حكمة الله عز وجل ، لأن حكمة الله تأبى أن يكون الشيء إلا بالسبب الذي قدره الله تعالى له، والله الموفق.
1 - باب كراهة الخروج من بلد وقع فيها الوباء فرارا منه وكراهة القدوم عليه : قال تعالى: (( أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة )) وقال تعالى: (( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة )). عن ابن عباس رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج إلى الشام حتى إذا كان بسرغ لقيه أمراء الأجناد - أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه - فأخبروه أن الوباء قد وقع بالشام، قال ابن عباس: فقال لي عمر: ادع لي المهاجرين الأولين، فدعوتهم، فاستشارهم، وأخبرهم أن الوباء قد وقع بالشام، فاختلفوا، فقال بعضهم: خرجت لأمر، ولا نرى أن ترجع عنه. وقال بعضهم: معك بقية الناس وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نرى أن تقدمهم على هذا الوباء. فقال: ارتفعوا عني، ثم قال: ادع لي الأنصار، فدعوتهم، فاستشارهم، فسلكوا سبيل المهاجرين، واختلفوا كاختلافهم، فقال: ارتفعوا عني، ثم قال: ادع لي من كان ها هنا من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح، فدعوتهم، فلم يختلف عليه منهم رجلان، فقالوا: نرى أن ترجع بالناس، ولا تقدمهم على هذا الوباء، فنادى عمر رضي الله عنه في الناس: إني مصبح على ظهر، فأصبحوا عليه، فقال أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه: أفرارا من قدر الله ؟ فقال عمر رضي الله عنه: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة ! - وكان عمر يكره خلافه - نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله، أرأيت لو كان لك إبل، فهبطت واديا له عدوتان، إحداهما خصبة، والأخرى جدبة، أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله، قال: فجاء عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، وكان متغيبا في بعض حاجته، فقال: إن عندي من هذا علما، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه ). فحمد الله تعالى عمر رضي الله عنه وانصرف. متفق عليه. وعن أسامة بن زيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا سمعتم الطاعون بأرض، فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها ). متفق عليه. أستمع حفظ
باب التغليظ في تحريم السحر : قال الله تعالى: (( وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر )) الآية.
قال -رحمه الله تعالى- : " باب التغليظ في تحريم السحر :
قال الله تعالى : (( وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر )) الآية.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اجتنبوا السبع الموبقات قالوا: يا رسول الله وما هن ؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات ) متفق عليه " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- في كتابه *رياض الصالحين* : " باب تغليظ تحريم السحر " :
السحر : هو عبارة عن عُقد وقراءات ونفثات يَتوصل بها الساحر إلى الإضرار بالمسحور ، فمنه ما يقتل ومنه ما يمرض ومنه ما ي يسلب العقل ومنه ما يوجب العطف، يعني تعلق الإنسان بغيره تعلقا شديدًا، ومنه ما يوجب الصرف يعني انصرافه عن غيره انصرافاً كاملا، فهو أنواع والعياذ بالله، لكن كله محرم .
وقد تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم ممن سَحر وسُحر له، ومنه ما يوصل إلى الكفر ، فإذا كان الساحر يتوصل إلى سحره بالأرواح الشيطانية ، يتقرب إليها ويتعبد لها حتى تطيعه فهذا كفر لا شك فيه .
وأما إذا لم يكن كذلك ، فإنه أذية ومُحرم ومن كبائر الذنوب، ويجب على ولي الأمر أن يقتل الساحر قتلاً بدون توبة، بمعنى : أن يقتله قتلا وإن تاب ، لأنه إن تاب فأمره إلى الله عز وجل ، وإن لم فأمره إلى الله لكننا نقتله درءاً لمضرته ومفسدته ، وأما إذا لم يتب فهو من أهل النار إن كان سحره مكفرًا ، لأن السحر والعياذ بالله من أعظم الفساد في الأرض وأعظم الشرور ، لأنه يأتي الإنسان من غير أن يحترز منه ، ولكن هناك شيء يحميك منه بإذن الله عز وجل : وهي قراءة الأوراد الشرعية ، مثل آية الكرسي ، (( قل هو الله أحد )) ، (( قل أعوذ برب الفلق )) ، (( قل أعوذ برب الناس )) ، وما أشبه ذلك مما جاء به الآيات والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن هذا أكبر واقٍ يقي الإنسان من السحر .
ثم ذكر المؤلف -رحمه الله- قول الله تعالى : (( وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا )) ، أول الآية قوله : (( واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان )) : أي ما تتبعه على ملك سليمان وهو أن الشياطين علمت الناس السحر ، (( وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر )) : سليمان عليه الصلاة والسلام ما كفر ولم يخلف سحرًا وإنما خلف علم النبوة فإنه كان أحد الأنبياء الكرام عليهم الصلاة والسلام ، (( ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر )) ، وفي هذا دليل على أن السحر تعلمه من الشياطين كفر ، ولهذا قلنا قبل قليل : إذا استعان الإنسان على سحره بالشياطين كان كافرا .
(( وما أُنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت )) : وهذان ملكان بعثهما الله عز وجل إلى أرض بابل لكثرة السحرة فيها ، يعلمون الناس السحر ، ولكنهما ينصحان الناس : (( وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر )) ، أرسلهما الله عز وجل يعلمان الناس السحر ، وهنا قد يسأل الإنسان : كيف يرسل الله تعالى ملكين والملائكة كرام مُكرَمون عند الله عز وجل كيف يرسلهم يعلمون الناس السحر؟ فيقال : هذا فتنة من الله عز وجل ولهذا إذا علما الناس قالا : (( إنما نحن فتنة فلا تكفر )) ، ينصحون للناس لكن الله عز وجل ابتلى الناس بهذا ، فجعلوا يتعلمون من الملكين يتعلمون منهما ما يسمى بالعطف والصرف وهو من أشد أنواع السحر ، (( فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه )) : يأتي الساحر والعياذ بالله إلى رجل قد حسنت الحال بينه وبين أهله وطابت لهما الحياة فيفرق بين الرجل وزوجته والعياذ بالله ، تأخذ تصيح إذا قرب إليها وتبكي وتنفر منه ، وإذا أبعد عنها بكت على فراقه والعياذ بالله ، فيضرها من الناحيتين : من ناحية الاجتماع ومن ناحية الافتراق .
وكذلك الزوج تجده في شوق عظيم إلى أهله ، فإذا أتى إلى أهله ضاق بهم ذرعًا وضاق صدره وتمنى أن يموت والعياذ بالله ، هذا من السحر العظيم .
قال الله تعالى : (( وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله )) ، سبحان الله العظيم !! من بيده ملكوت السماوات والأرض ؟ الله عز وجل ، هؤلاء السحرة والشياطين مهما اجتمعوا على أمر يريدون أن يضروك به والله تعالى لا يضرك فإنهم لن يضروك ، (( وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله )) ، وتأمل هذا التركيب فإن الجملة هنا اسمية : (( وما هم بضارين به من أحد )) والاسمية تفيد الثبوت والاستمرار ثم إن النفي مؤكد بالباء (( وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله )) : يعني لا يمكن أبدا أن يضروا أحدا بسحرهم إلا بإذن الله ، إذا أذن الله عز وجل بذلك قدرا فالله على كل شيء قدير ، وإذا شاء عز وجل منع ، منع كل شر، لأنه هو الذي بيده ملكوت السماوات والأرض ، وهو خالق الأسباب ومانع الأسباب وهو على كل شيء قدير ، (( وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون )) : أي هؤلاء الناس الذي أرسل إليهم الملكان : (( يتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم )) : يعني ما فيه الضرر المحض الذي لا نفع فيه إطلاقا ، ولهذا قال : (( ما يضرهم ولا ينفعهم )) : هو ضرر محض في الدين والدنيا والعاقبة الوخيمة ، وكذلك الظلم الذي يحصل على المسحور فإنه سوف يقضي له بحقه يوم القيامة لن يهمله الله عز وجل .
(( ولقد علموا لَمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق )) : أكد الله هذه الجملة بالقسم واللام وقد : أي : لقد علم هؤلاء الذين يتعلمون السحر أن الذي يتعلمه ما له في الآخرة من خلاق ، علموا مِن أين ؟ من قول الملكين : (( إنما نحن فتنة فلا تكفر )) ، قد علموا وبان لهم الأمر ولكنهم والعياذ بالله اختاروا ذلك ، ولهذا قال : (( لمن اشتراه )) : والشراء إنما يكون عن رغبة وطمع في المبيع ، ولهذا سمى الله تعالى تعلمه اشتراءً ، (( ما له في الآخرة من خلاق )) أي : ما له نصيب في الآخرة ، وليس أحد من الناس لا نصيب له في الآخرة على وجه الإطلاق إلا الكافر ، المؤمن له نصيب في الآخرة إما أن يدخل الجنة بلا حساب وإما أن يعذب على قدر ذنوبه ثم يكون مآله الجنة ، لكن الكافر ليس له في الآخرة من خلاق أي : من نصيب .
(( ولبئس ما شروا به أنفسهم )) شروا : هنا بمعنى باعوا ، يعني أن الله ذم هذا الذي اختاروه وباعوا أنفسهم من أجله ، (( لو كانوا يعلمون )) : يعني لو كانوا من ذوي العلم لعلموا أن هذا شر محض .
والخلاصة : أن السحر من كبائر الذنوب ، وقد يؤدي إلى الكفر ، وأن عقوبة الساحر أن يقتل سواء كفر بسحره أم لم يكفر ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( حد الساحر ضربه بالسيف ) ، وفي لفظ : ( ضربة بالسيف ) ، نسأل الله تعالى أن يقي المسلمين شرهم، وأن يرد كيدهم في نحورهم، وأن يعيننا وإياكم على تعلم الأوراد الشرعية التي يحتمي بها المرء من أعدائه من الشياطين والأنس، والله الموفق.
2 - باب التغليظ في تحريم السحر : قال الله تعالى: (( وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر )) الآية. أستمع حفظ
شرح حديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اجتنبوا السبع الموبقات ) قالوا: يا رسول الله وما هن ؟ قال: ( الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات ). متفق عليه.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين :
نقل -رحمه الله تعالى- في باب التغليظ في حكم السحر :
" عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله وما هُن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات ) متفق عليه " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
تقدم الكلام على أول هذا الحديث ، وعلى قوله : ( وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ) : وذكرنا أن النفوس المحرمة أربعة أنواع : المسلم ، والذمي ، والمعاهد ، والمستَأمِن، وأنه لا يجوز قتل واحد منهم إلا بحق .
وتكلمنا أيضا عن العهد بين المسلمين وبين الكفار ، وبينا أنه جائز إذا دعت الحاجة إليه أو المصلحة ، وأن العلماء اختلفوا -رحمهم الله- هل يجوز العهد أكثر من عشر سنوات أو لا؟ وهل يجوز العهد المطلق أو لا؟
وذكرنا أنه أي العهد ثلاثة أقسام :
عهد مؤبد وهذا لا يجوز .
وعهد مطلق وهذا جائز على القول الراجح .
وعهد مؤقت وهذا جائز ، ثم اختلف القائلون به هل يجوز أن يزيد على عشر سنوات أو لا ؟! والصحيح أنه جائز لأنه للحاجة .
ثم قال : ( وأكل الربا ) : أكل الربا أيضا من الموبقات ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " وقد ورد من الوعيد على أكل الربا ما لم يرد مثله على أي ذنب سوى الشرك " ، فهو عظيم والعياذ بالله ، حتى إن الله قال في كتابه : (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون )) : فبين الله عز وجل أنه إذا لم يترك الإنسان الربا فإنه معلن للحرب على الله ورسوله ، (( فأذنوا بحرب من الله ورسوله )) ، وأنه إذا تاب فإنه يحرم عليه أن يأخذ أكثر من ماله : (( فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون )) .
وقد استحسن بعض الناس بعقولهم استحساناً مخالفًا لشرع الله عز وجل ، فقالوا : إن الإنسان إذا جعل أمواله عند أهل الربا فإنه يجوز أن يأخذ الربا ثم يتصدق به تخلصاً منه ، وهذا القول مخالف للقرآن الكريم ، لأن الله عز وجل يقول : (( وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون )) ، يقولون في وجه استحسانهم : " إننا لو تركناه للبنوك لكانوا يستعينون به على بناء الكنائس ، وإعانة الكفار على قتال المسلمين وما أشبه ذلك من الأقوال التي يصادمون بها النص " ، ونقول لهم :
أولا : إن هذا الربا ليس داخلا في ملكه حتى نقول إنه تبرع للبنك به ، فهو من الأصل لم يدخل في ملكه ، ماله الذي أودعه عند البنك ربما يشترى به الحاجات أو يدخل في مشروعات ويخسر ، فهذه الزيادة ليست نماء ملكه بل هي زيادة محضة يسلمها البنك لمن أعطى هذا المال .
وثانيا : من يقول إنهم يستعينون بها ، إنهم يجعلونها في الكنائس والأسلحة ضد المسلمين من قال هذا؟
وثالثا : أننا لو قلنا بذلك ، فهل إذا أخذناها منهم سوف يُمسكون عن قتال المسلمين وعن إضلالهم عن دينهم ؟!
ورابعا : أننا إذا قلنا بذلك ، ثم قلنا : خذها وتصدق بها ، فمعنى ذلك أننا قلنا له : تلطخ بالنجاسة ثم حاول أن تغسل يدك منها، إذن ما الفائدة أن تأخذها ثم تتصدق بها؟ لا فائدة اتركها من الأصل تسلم منها ، ثم إننا إذا قلنا بذلك فأخذها الإنسان فهل يضمن لنفسه أن يقوى نفسه على التصدق بها ولا سيما إذا كانت كثيرة ؟! قد يأخذها بهذه النية ثم تغلبه نفسه فلا يتصدق بها ويأكلها ، سواء حصل ذلك في أول مرة أو في ثاني مرة أو في ثالث مرة ، وأيضا إذا قلنا خذها وتصدق بها فأخذها أمام الناس فما الذي يعلم الناس بأنه تصدق بها ؟! الناس لا يدرون ، وربما اتخذوا من فعله هذا قدوة ، وفعلوا مثل فعله وأكلوا الربا .
وأيضا فإننا إذا قلنا بذلك ، استمرينا الدخول في الربا ، وسهُل علينا ، وصرنا نأخذه ، لكن لو قلنا بالمنع ، سلمنا من الربا من وجه ، واضطررنا إلى أن نجد سبيلا إلى معاملات شرعية لا تخالف الدين بإنشاء البنوك الإسلامية التي ليس فيها ربا .
والمهم أن أول شيء نرد به على هذا القول المستحسَن وليس بحسن هو أنه مصادم للنص : (( وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون )) ، " ولا استحسان للعقول مع وجود النص ، وكل شيء تستحسنه بعقلك وهو مخالف للنص فهو ليس بحسن بل هو سيئ ، ونتيجته وعاقبته سيئة " ، ولا تنظر إلى الشيء المستعجل انظر إلى العاقبة ، والعاقبة في كل ما خالف الشرع لا شك أنها عاقبة سيئة لأن الله يقول : (( إن العاقبة للمتقين )) ، وهذا يدل على أنه من ليس بمتقي فليس له عاقبة محمودة ولا حسنة .
ولا يغرنك التحسين المبني على الوهم ، عليك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولا تتجاوزهما إن شئت البركة والخير وأن ينمو جسمك على طاعة الله عز وجل ، المهم أن أكل الربا من الموبقات .
والربا يكون في أصناف ستة بينها النبي عليه الصلاة والسلام بقوله : (( الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة ، والبر بالبر ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر ، والملح بالملح ، مثلا بمثل سواء بسواء يدا بيد ، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد )) ، وغالب الربا الآن بين الناس غالبه : بالنوعين الأولين الذهب والفضة، لأن الأطعمة التبادل فيها قليل والربا فيها أيضا قليل ، لكن الأكثر في الأموال .
والعلماء -رحمهم الله- لما ظهرت هذه الأوراق النقدية التي هي بدل عن الذهب والفضة اختلفوا فيها اختلافا عظيما ، حتى بلغ الخلاف إلى أكثر من ستة أقوال : كلٌ يقول برأي ، وأقرب الأقوال فيها :
أنه يجوز فيها ربا الفضل ولا يجوز فيها ربا النسيئة ، بمعنى أنه يجوز فيها ربا الفضل دون ربا النسيئة إذا اختلفت الأجناس، وعلى هذا فيجوز أن أعطيك عشرة ريالات بالورق وآخذ منك تسعة ريالات بالحديد وما أشبه ذلك، لأن الصفة مختلفة، وقد جاء في الحديث : ( إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم ) ، والقيمة وإن كانت متفقة حسب النظام وتقرير الحكومة ، لكن الكلام على الحقيقة الذاتية نجد أن الحديد يختلف عن القرطاس حتى في القيمة يختلف ، يعني لو فرضنا أن قطعة من حديد وورقة من الشارع أردت أن تساوي بينهما لم يكن بينهما سواء ، بل بينهما فرق ، فالجنس مختلف ، والقيمة مختلفة ، ولولا أن الحكومة جعلت هذه بمنزلة هذه في القيمة ما صارت مساوية لها في القيمة ، وعلى هذا تكون داخلة تحت قول الرسول عليه الصلاة والسلام : ( إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد ) .
ثم إن الربا أصناف كثيرة بعضها أقبح من بعض ، أعظمه وأشده هو أن يأكل الربا أضعافاً مضاعفة ، بحيث إذا حلَّ الدين على الفقير وليس عنده مال قال له : أنظرك لمدة سنة وأزيده ، أزيد الدين عليك ، مثل أن يحل دينه وهو عشر آلاف وليس عنده شيء فيقول : أنظرك إلى سنة ونجعله أحد عشر ألفا هذا حرام ولا يجوز ، سواء جعل ذلك صريحا أو بحيلة بأن قال : اشتر مني السلعة بأحد عشر ألفاً وبعها علي بعشرة آلاف حتى يكون في ذمته أحد عشر ألفا يتحيل على محارم الله والعياذ بالله .
والحيلة على محارم الله أقبح من إتيان المحرم صريحا ، ولهذا تجد الذين يتحيلون على الربا ينطبق عليهم قول الله تعالى : (( الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس )) : فإذا هذه الآية فيها للعلماء قولان :
الأول : أنهم يقومون لأكل الربا وأخذه كالمجانين ، يعني في تصرفهم في الدنيا يتصرف تصرف المجنون الطائش ، يريد هذا المكسب الحرام ، نجد هؤلاء الذي يتحيلون على الربا يتصرفون تصرف المجانين بكل لهف وبكل شغف وبكل وسيلة ، كل يوم لهم حيلة .
والقول الثاني في الآية : أنهم يقومون من قبورهم يوم القيامة كالذي يقوم مصروعًا من الجن ، نسأل الله العافية أمام العالم ، وشاهد ومشهود .
فعلى كل حال الربا محرم سواء كان صريحا أو كان عن طريق المكر والخداع ، وما كان عن طريق المكر والخداع فهو أشد إثماً وأقرب إلى قسوة القلب والعياذ بالله : (( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون )) ، ولهذا تجدهم يفعلون هذه الحيل ويرون أنها حلال وأنه لا بأس بها ولا يكادون يقلعون عنها ، لكن من فعل المحرم على وجه صريح خجل من الله وعرف أنه في معصية وربما ييسر الله له الأمر ويمن عليه بالتوبة .
( وأكل مال اليتيم ) : أيضاً من الموبقات ، واليتيم : هو الذي مات أبوه قبل بلوغه ، واليتيم فقير ، اليتيم مسكين بمعنى أنه لا يستطيع الدفاع عن نفسه فيأتي من يسلط على ماله ويأكله ، هذا أيضا من الموبقات .
( والتولي يوم الزحف ) : يعني القتال مع الكفار ، إذا تقابل المسلمون والكفار فإن المتولي يكون قد فعل موبقاً من موبقات الذنوب والعياذ بالله ، إلا فيما ذكر الله عز وجل : (( إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة )) .
( وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات ) : يعني أن يرمي الإنسان المرأة الغافلة المؤمنة بالزنا فيقول : إنها زنت هذا أيضا من موبقات الذنوب ، ومثلها أيضاً الرجل المحصن قذفه من كبائر الذنوب ، والله الموفق.
3 - شرح حديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اجتنبوا السبع الموبقات ) قالوا: يا رسول الله وما هن ؟ قال: ( الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات ). متفق عليه. أستمع حفظ
باب النهي عن المسافرة بالمصحف إلى بلاد الكفار إذا خيف وقوعه بأيدي العدو. عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو. متفق عليه.
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو ) متفق عليه.
باب تحريم إناء الذهب وإناء الفضة في الأكل والشرب والطهارة وسائر وجوه الاستعمال:
عن أم سلمة رضي الله عنها ، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم ) متفق عليه.
وفي رواية لمسلم : ( إن الذي يأكل أو يشرب في آنية الفضة والذهب ).
وعن حذيفة رضي الله عنه قال : ( إن النبي صلى الله عليه وسلم نهانا عن الحرير، والديباج، والشرب في آنية الذهب والفضة، وقال : هُن لهم في الدنيا وهي لكم في الآخرة ) متفق عليه.
وفي رواية في الصحيحين : عن حذيفة رضي الله عنه قال : سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا تلبسوا الحرير ولا الديباج، ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها ) .
وعن أنس بن سيرين قال : ( كنت مع أنس بن مالك رضي الله عنه عند نفر من المجوس، فجيء بفالوذج على إناء من فضة، فلم يأكله، فقيل له حوله، فحوله على إناء من خلنج، وجيء به فأكله ) رواه البيهقي بإسناد حسن " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
هذان البابان ذكرهما المؤلف -رحمه الله- في كتابه *رياض الصالحين :
الأول : في تحريم السفر بالمصحف إلى بلاد العدو :
يعني أنه لا يجوز للإنسان أن يسافر بالمصحف إلى بلاد الكفار ، وذلك لأنه يخشى أن يقع في أيديهم فيستهينوا به ويذلوه ، والقرآن أشرف وأعظم من أن يكون بيدي العدو ، ولهذا ذكر عبد الله بن عمر رضي الله عنهما :( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يسافر بالمصحف إلى أرض العدو ) ،
وهذا كما قال المؤلف رحمه الله إذا خيف عليه ، أما إذا لم يخف عليه كما في وقتنا الحاضر فلا بأس ، فيجوز للإنسان إذا سافر لتجارة أو دراسة في بلد الكفار أن يذهب معه بالمصحف ولا حرج عليه .
4 - باب النهي عن المسافرة بالمصحف إلى بلاد الكفار إذا خيف وقوعه بأيدي العدو. عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو. متفق عليه. أستمع حفظ
فائدة: شروط السفر إلى بلاد الكفار والإقامة فيها لمدة طويلة.
الشرط الأول : أن يكون عند الإنسان علم يدفع به الشبهات ، وذلك لأن الكفار أعداء ، يريدون أن يصدوا الناس عن دين الله ، فإذا قدم إليهم الشاب الساذج الذي ليس عنده علم أوردوا عليه من الشبهات والشكوك ما يخرجه عن دينه من حيث لا يشعر ، فمن ليس عنده علم يدفع به الشبهات فإنه لا يحل له أن يذهب إلى بلاد الكفار مهما كان الأمر ، اللهم إلا للضرورة القصوى كالعلاج ، يكون معه من يصاحبه ويقيه من شر الناس .
الشرط الثاني : أن يكون عنده دين يحميه عن الشبهات ، وذلك لأن بلاد الكفر بلاد كفر ليس فيها مانع ، لا من وازع ديني ولا من رادع سلطاني ، الناس أحرار كما يقولون ، وهم أحرار في الهوى لكنهم عبيد للهوى في الواقع ، فإذا لم يكن عنده دين يحميه عن الشهوات فإنه يهلك، لأنه سيجد النساء الكاسيات العاريات ويجد الخمور ويجد الشرور فإذا لم يكن عنده دين سقط في الهاوية .
والشرط الثالث : أن يكون هناك ضرورة ، بأن يسافر لعلم لا يوجد في بلده ويحتاج إليه ، أو يحتاج الناس إليه فهذا لا بأس به ، فإذا تمت الشروط الثلاثة جاز للإنسان أن يسافر إلى أرض العدو ، وإلا فإنه لا يحل له ، هذا إذا كان سيقيم مدة ، أما رجل سيذهب لتجارة ويشتري ويرجع فهذا أهون .
باب تحريم استعمال إناء الذهب وإناء الفضة في الأكل والشرب والطهارة وسائر وجوه الاستعمال. عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم ). متفق عليه. وفي رواية لمسلم: ( إن الذي يأكل أو يشرب في آنية الفضة والذهب ). وعن حذيفة رضي الله عنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهانا عن الحرير، والديباج، والشرب في آنية الذهب والفضة، وقال: ( هن لهم في الدنيا وهي لكم في الآخرة ). متفق عليه. وفي رواية في الصحيحين عن حذيفة رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا تلبسوا الحرير ولا الديباج، ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها ). وعن أنس بن سيرين قال: كنت مع أنس بن مالك رضي الله عنه عند نفر من المجوس، فجيء بفالوذج على إناء من فضة، فلم يأكله، فقيل له حوله، فحوله على إناء من خلنج، وجيء به فأكله. رواه البيهقي بإسناد حسن.
فهذا الرجل والعياذ بالله يُسقى من نار جهنم نسأل الله العافية حتى يجرجر الصوت في بطنه كما جرجر في الدنيا ، وهذا يدل على أن الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة من كبائر الذنوب ، وأنه لا يحل للمؤمن أن يفعل ذلك .
أما استعمال الذهب والفضة في غير ذلك ، فهذا موضع خلاف بين العلماء : جمهور العلماء يقولون : " لا يجوز أن يستعمل أواني الذهب والفضة في غير الأكل والشرب كما أنه لا يجوز في الأكل والشرب " ، فلا يجوز أن تجعلهما مستودعاً للدواء أو مستودعاً للدراهم أو للدنانير أو ما أشبه ذلك ، ( لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الأكل والشرب فيهما ) وما سوى ذلك فهو مثله .
ومن العلماء من أباح ذلك وقال : إننا نقتصر على ما جاء به النص والباقي ليس حراما ، لأن الأصل الحل ، ولهذا كانت أم سلمة رضي الله عنها وهي ممن روى حديث النهي عن الأكل والشرب في آنية الفضة : " كانت عندها جلجل من فضة -يعني مثل وعاء البيبسي وشبهه- جلجل من فضة جعلت فيه شعرات من شعرات النبي صلى الله عليه وسلم يَستشفي الناس بها " ، إذا مرض الإنسان أتوا إليها وجعلت في هذا الجلجل ماء وراجته في الشعر وشربه المريض فيشفى بإذن الله ، فهي رضي الله عنها تستعمل الفضة في غير الأكل والشرب ، وهذا أقرب إلى الصواب : أن استعمال الذهب والفضة في غير الأكل والشرب جائز ، لكن الورع تركه احتياطاً لموافقة جمهور العلماء ، والله الموفق.
6 - باب تحريم استعمال إناء الذهب وإناء الفضة في الأكل والشرب والطهارة وسائر وجوه الاستعمال. عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم ). متفق عليه. وفي رواية لمسلم: ( إن الذي يأكل أو يشرب في آنية الفضة والذهب ). وعن حذيفة رضي الله عنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهانا عن الحرير، والديباج، والشرب في آنية الذهب والفضة، وقال: ( هن لهم في الدنيا وهي لكم في الآخرة ). متفق عليه. وفي رواية في الصحيحين عن حذيفة رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا تلبسوا الحرير ولا الديباج، ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها ). وعن أنس بن سيرين قال: كنت مع أنس بن مالك رضي الله عنه عند نفر من المجوس، فجيء بفالوذج على إناء من فضة، فلم يأكله، فقيل له حوله، فحوله على إناء من خلنج، وجيء به فأكله. رواه البيهقي بإسناد حسن. أستمع حفظ