كتاب المنثورات والملح : باب أحاديث الدجال وأشراط الساعة وغيرها. عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غداة، فخفض فيه ورفع حتى ظنناه في طائفة النخل. فلما رحنا إليه عرف ذلك فينا، فقال: ما شأنكم ؟ قلنا: يا رسول الله ذكرت الدجال الغداة، فخفضت فيه ورفعت، حتى ظنناه في طائفة النخل. فقال: ( غير الدجال أخوفني عليكم؛ إن يخرج وأنا فيكم، فأنا حجيجه دونكم؛ وإن يخرج ولست فيكم، فامرؤ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم ).
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : قال المؤلف -رحمه الله- في كتابه *رياض الصالحين* : " كتاب المنثورات والملح " : المنثورات : يعني أنها من أبواب متفرقة ليست من باب واحد ، والمـُلح جمع ملحة وهي ما يُستملح ويُستعذب . ثم ذكر الباب الأول : " باب الدجال وأشراط الساعة " : الدجال مبالغة من الدجل وهو الكذب ، والدجال : يعني كثير الكذب الذي لا يتصف إلا بالكذب . وأما أشراط الساعة فهي علامات قربها ، كما قال الله تعالى : (( فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها )) : يعني علاماتها القريبة . ثم ذكر حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه الطويل وفيه : ( أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الدجال ذات غداة ) : يعني ذات صبح مِن يوم من الأيام ، ( فخفَّض فيه ورفَّع ) : يعني أنه تكلم بكلام طويل ، (حتى ظنوا أنه في طائفة النخل ) : يعني ظنوا أنه في طرف المدينة ، وأنه قد جاء وحضر ، ولكن لم يكن كذلك ، ثم إنه صلى الله عليه وسلم عرف ذلك فيهم فسألهم فقالوا : ( إنك ذكرت الدجال الغداة وخفضت فيه ورفعت حتى ظننا أنه في النخل فقال : غيرُ الدجال أخوفني عليكم ) : يعني أخاف عليكم شيئا أشد من الدجال ، ومن ذلك الرياء ، حيث ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر ، فسئل عنه فقال : الرياء ) : أن الإنسان يرائي في عباداته ، يصلي لأجل الناس ، يتصدق لأجل الناس ، يحسن الخلق لأجل الناس ، لأجل يمدحونه هذا رياء والعياذ بالله . والمرائي حابط عمله ، والرياء من صفات المنافقين كما قال الله تبارك وتعالى : (( إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كُسالى يراءون الناس )) ، ما هو لله ، لكن : (( يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا )) . واعلم أيها المرائي أن الله سيفضحك عن قرب ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من راءى راءى اللهُ به ) : يعني أظهر مراءاته وعيوبه عند الناس ، ( ومن سمّع سمّع الله به ) . ثم قال عليه الصلاة والسلام : ( إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم ) : يعني كافيكم إياه، يعني لو خرج الدجال وأنا موجود فأنا أكفيكم إياه ، ( وإن يخرج ) : يعني وليس فيهم ، ( فامرؤ حجيج نفسه ) : يعني كل إنسان يحاج عن نفسه ، ( والله خليفتي على كل مؤمن ) : فاستخلف ربه عز وجل أن يكون مؤيدًا للمؤمنين واقياً لهم من فتن الدجال الذي ليس بين خلق آدم وقيام الساعة فتنة أشدُّ منها ، نسأل الله أن يقينا وإياكم فتنته ، والله الموفق .
تتمة شرح حديث : ( إنه شاب قطط عينه طافية، كأني أشبهه بعبد العزى بن قطن، فمن أدركه منكم، فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف؛ إنه خارج خلة بين الشام والعراق، فعاث يمينا وعاث شمالا، يا عباد الله فاثبتوا ) قلنا: يا رسول الله وما لبثه في الأرض ؟ قال: ( أربعون يوما: يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم ) قلنا: يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم ؟ قال: ( لا، أقدروا له قدره ) قلنا: يا رسول الله وما إسراعه في الأرض ؟ قال: ( كالغيث استدبرته الريح، فيأتي على القوم فيدعوهم، فيؤمنون به ويستجيبون له, فيأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرى، وأسبغه ضروعا، وأمده خواصر، ثم يأتي القوم فيدعوهم، فيردون عليه قوله، فينصرف عنهم، فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم، ويمر بالخربة فيقول لها: أخرجي كنوزك، فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل ).
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين : نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- في سياق حديث النوَّاس بن سمعان رضي الله عنه ، في باب أحاديث الدجال وأشراط الساعة وغيرها : " قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنه شابٌ قطط عينه طافية، كأني أشبهه بعبد العزى بن قطن، فمن أدركه منكم، فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف، إنه خارج خلة بين الشام والعراق، فعاثي يميناً وعاثي شمالاً، يا عباد الله فاثبتوا قلنا : يا رسول الله وما لبثه في الأرض ؟ قال : أربعون يومًا : يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم. قلنا : يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم ؟ قال : لا، أقدروا له قدره، قلنا : يا رسول الله وما إسراعه في الأرض ؟ قال : كالغيث استدبرته الريح، فيأتي على القوم فيدعوهم، فيؤمنون به ويستجيبون له، فيأمرُ السماء فتمطر والأرض فتُنبت، فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذُرى، وأسبغه ضروعاً، وأمده خواصر، ثم يأتي القومَ فيدعوهم، فيردون عليه قوله، فينصرفُ عنهم، فيصبحون ممحلين، ليس بأيديهم شيء من أموالهم، ويمر بالخربة فيقول لها : أخرجي كنوزك، فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل ثم يدعو ) " . الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : قال المؤلف -رحمه الله تعالى- عند سياق حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه في كتابه : *رياض الصالحين* : قال عند سياق هذا الحديث في ذكر الدجال : ( إنه شابٌ قطط عينه طافية ) : شابٌ من بني آدم ، قطط : يعني مجتمع الخلق ، ( عينه طافية ) : يعني أنه لا يبصر بها كأنه عنبة طافية ، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام ، فهو أعور خبيث ، لكن الله عز وجل يرسله فتنة ، فتنة للناس فيأتي إلى الناس يدعوهم، يدَّعي أنه رب وقد مكن الله له فكان يأتي القوم يدعوهم فيؤمنون به ، ويستجيبون له ، ( فيأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت ) : يشاهدون ذلك بأعينهم يقول : أيتها السماء أمطري فتمطر ، أيتها الأرض أنبتي فتنبت ، لكن ليس بقدرته وقوته بل هو بإرادة الله عز وجل ، لكن الله مكن له ابتلاء وامتحانا ، ( فيصبحون مخصبين تروح عليهم سارحتهم ) : يعني الغنم والإبل ، أوفر أسبغ ما تكون دروعا وأوفر ما تكون ذرى : يعني يكون لها أسنمة، وأمدها خواصر تمتلئ بطونها وتمتلئ ضروعها ويكون عليها الشحم فيفتنون . ( ويأتي القوم فيدعوهم فلا يستجيبون له ) : يردونه ، ( فينصرف فيصبحون ممحلين ليس عندهم من أموالهم شيء ) : الأرض خربت والسماء لا تمطر والمال يموت ، ولكن هؤلاء هم الذين لهم الأجر والثواب وعاقبتهم حميدة ، أما الأولون الذين آمنوا به وأمطرت السماء وأنبتت الأرض فهم خاسرون وإن ظنوا أنهم رابحون . ( ويأتي إلى الخربة ) : أرض خربة ما بها بناء ولا فيها أناس ، ( فيقول : أيتها الأرض أخرجي كنوزك ) : فتخرج كنوزها وما بها من المعادن من ذهب وفضة وغير ذلك ، ( فتتبعه كيعاسيب النحل ، ثم إنه يبقى في الأرض أربعين يومًا اليوم الأول طوله طول سنة ) كم شهرا؟ اثنا عشر شهرا ، ثلاث مئة وستين يوم ، هذا اليوم الأول ، والثاني مقداره شهر ثلاثون يوما ، والثالث : مقداره جمعة يعني أسبوعا ، وباقي الأيام وهي سبعة وثلاثون يوما كالأيام المعتادة ، ولكن الله عز وجل نبه الصحابة ، ( قالوا : يا رسول الله هذا اليوم الذي كسنة تكفينا فيه صلاة واحدة ) : فيكون عليهم في هذا اليوم كم ؟ خمس صلوات قال : ( لا اقدروا له قدره ) : يعني صلوا صلاة السنة كاملة في يوم واحد وهذا مما يلغز به يقال : إنسان وجب عليه صلاة سنة كاملة في يوم واحد ، وأيضاً يلغز به من جهة أخرى : وجبت زكاة ماله في يوم واحد ، وأيضاً يلغز به ثالثة فيقال : يصوم رمضان بعض يوم ، يعني جزءاً من اثني عشر جزءاً من هذا اليوم يصوم رمضان ، نقول : هذا يوم الدجال . وسبحان الله الحكيم الذي أكمل لنا الدين قبل أن يموت سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام ، أنطق الله الصحابة أن يسألوا عن هذا اليوم هل تكفي فيه صلاة واحدة أو لا ، يوجد الآن في الأرض من يومهم ستة أشهر ، وليلهم ستة أشهر ، عند المدار القطبي ستة أشهر والشمس عليهم ، وستة أشهر والشمس لا يرونها ، كيف يصلي هؤلاء ؟ يصلون صلاة يوم وليل فقط ؟ أو يقدرون لها قدرها ؟ نقول : يقدرون لها قدرها ، كيوم الدجال تماماً ، اليوم الثاني من أيام الدجال كشهر ، كم يكفيه من الصلاة ؟ صلاة شهر ، يصلون صلاة شهر ، واليوم الثالث يصلون صلاة أسبوع ، واليوم الرابع وما بقي كالعادة . ثم سأله الصحابة رضي الله عنهم عن سيره في الأرض ، هل هو كالسير المعتاد كسير الإبل أو سير الأرجل ؟ ( قال : يسير كالغيث اجتذبته الريح ) - لأننا تأخرنا لا حول ولا قوة إلا بالله - ليسرع في الأرض والله أعلم كيف كان إسراعه هل يحدث الله له آلات طائرات أو غيرها ما ندري ، لكن هذا الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم : ( أنه يكون كالغيث يعني كال ) : والحمد لله أربعين يوماً : سنة وشهر وكم يوم؟ وسبع وسبع وثلاثين، أربعة وأربعين يوم ، سنة وشهر وأربعة وأربعين يوم ، ثم بعد ذلك ينزل عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام فيقتله ، وسيأتي إن شاء الله بقية الحديث فيما بعد .
تتمة شرح حديث : ( ثم يدعو رجلا ممتلئا شبابا فيضربه بالسيف، فيقطعه جزلتين رمية الغرض، ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه ويضحك، فبينما هو كذلك إذ بعث الله تعالى المسيح ابن مريم صلى الله عليه وسلم، فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين، واضعا كفيه على أجنحة ملكين، إذا طأطأ رأسه قطر وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ، فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات، ونفسه ينتهي إلى حيث ينتهي طرفه، فيطلبه حتى يدركه بباب لد فيقتله ).
القارئ : نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- في سياق حديث النوَّاس بن سمعان رضي الله عنه في باب أحاديث الدجال وأشراط الساعة وغيرها : " قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ثم يدعو رجلاً ممتلئاً شباباً فيضربه بالسيف، فيقطعه جزلتين رمية الغرض، ثم يدعوه فيُقبل ويتهلل وجهه يضحك، فبينما هو كذلك إذ بعث الله تعالى المسيح ابن مريم صلى الله عليه وسلم، فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين، واضعاً كفيه على أجنحة ملكين، إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ، فلا يحل لكافر يجد ريح نَفَسه إلا مات، ونفسه ينتهي إلى حيث ينتهي طرفه، فيطلبه حتى يدركه بباب لُد فيقتُلَه . ثم يأتي عيسى صلى الله عليه وسلم قوما قد عصمهم الله منه، فيمسح عن وجوههم، ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة، فبينما هو كذلك إذ أوحى الله تعالى إلى عيسى صلى الله عليه وسلم ) " . الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : ساق المؤلف -رحمه الله- في باب المنثورات والملح وأشراط الساعة وغيرها : حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه ، الذي حدث به عن النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء من أشرطة الساعة ومنها الدجال ، وسبق أن الدجال : هو ذو الدجل والكذب والتمويه والتغرير ، وأنه كافر ، ( وأنه يخرج خلة بين الشام والعراق ) : يعني يخرج من طريق بين الشام والعراق من قبل إيران ، ويتبعه من يهود أصفهان سبعون ألفاً من اليهود ، وكأنهم والله أعلم يجتمعون هناك ليتبعوا الدجال ، لأن اليهود أهل وكذب وأهل دجل وغدر وخيانة لا يُؤمَنون . وسبق أنه يأتي القوم ويدعوهم من أجابه حصل لهم الخصب والرخاء ومن عصاه حصل لهم عكس ذلك . أنت ثم ذكر من فتنته : أنه يأتيه شاب ممتلئ شباباً من المسلمين فيقول له : ( أشهد أنك أنت الدجال الذي أخبرنا عنك الرسول عليه الصلاة والسلام فيقطعه جزلتين بالسيف ) : يقصه أنصاف يجعل واحدة بعيدة عن الأخرى، ثم يدعوه : يدعو هذا الإنسان الذي قطعه يا فلان فيقوم تجتمع جزلتين ببعضهما إلى بعض ، ويقوم يقبل على الدجال يتهلل وجهه يضحك ما كأنه شيئا صار ثم يقول له : ( والله أشهد أنك أنت المسيح الدجال، والله ما ازددت فيك إلا بصيرة ، فيقتله الثانية ويرميه وجزلتين رمية الغرض ثم يدعوه فيقبل يتهلل ، يتهلل، ثم في الثالثة يعجز أن يقتله ) : هكذا من فتنة الدجال والإنسان إذا رأى هذا يغتر بلا شك، ثم إن الله تعالى ينزل عيسى بن مريم ، عيسى بن مريم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ( ينزل يداه على أجنحة ملكين ) : لأن الملائكة أولو أجنحة، ينزلان به من السماء، لأن عيسى الآن حي في السماء، ينزل عند قيام الساعة ليقتل الدجال ينزل، وكأنه والله أعلم قد اغتسل بماء طيب، ( إذا طأطأ رأسه قطر ماءً، وإذا رفعه تحدر منه مثل الجمان ) : فيحتمل أن هذا ماء ويحتمل أنه عرق والله أعلم . ( ثم إنه يطلبه ) : أي يطلب الدجال الخبيث الماكر الأعور ، ( فلا يحل لكافر يجد ريح عيسى إلا مات ) : سبحان الله ! نفس عيسى يقتل الكافر ، ( ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه ) : وهذا أيضاً من آيات الله يعني أنفاسنا نحن لا تعدو إلا شيء قليل شبرا أو نحوه ، لكن نفس عيسى ينتهي حيث ينتهي طرفه : يعني أقصى ما يشوف ، ومعنى ذلك أنه يقتل أناسا كثيرين من الكفار ، لأن هذا النفس يطير في الهواء ، ( ولا يحل لكافر يجد نفسه إلا مات ، ينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق ) : هكذا وصفه النبي عليه الصلاة والسلام ، المنارة البيضاء شرقي دمشق لا بد أن توجد عند نزول عيسى ابن مريم . ( فيطلب الدجال فيدركه عند باب اللد ) : واللد الآن في فلسطين استعمرها اليهود عليهم لعائن الله إلى يوم القيامة ، اسعتمروها ، يدرك عيسى المسيح الدجال فيقتله هناك ، وبهذا انتهى المسيح الدجال ، وبقي المسيح رسول الله عيسى عليه الصلاة والسلام ، ويأتي إن شاء الله بقية الحديث في درس مستقبل ، والله الموفق .
تتمة شرح حديث : ( ثم يأتي عيسى صلى الله عليه وسلم قوما قد عصمهم الله منه، فيمسح عن وجوههم، ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة. فبينما هو كذلك إذ أوحى الله تعالى إلى عيسى صلى الله عليه وسلم إني قد أخرجت عبادا لي لا يدان لأحد بقتالهم، فحرز عبادي إلى الطور. ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون، فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها، ويمر آخرهم فيقولون: لقد كان بهذه مرة ماء، ويحصر نبي الله عيسى صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرا من مائة دينار لأحدكم اليوم، فيرغب نبي الله عيسى صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم إلى الله تعالى، فيرسل الله تعالى عليهم النغف في رقابهم، فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة ثم يهبط نبي الله عيسى صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم إلى الأرض، فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم، فيرغب نبي الله عيسى صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم إلى الله تعالى، فيرسل الله تعالى طيرا كأعناق البخت فتحملهم، فتطرحهم حيث شاء الله، ثم يرسل الله عز وجل مطرا لا يكن منه بيت مدر ولا وبر، فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلقة، ثم يقال للأرض: أنبتي ثمرك، وردي بركتك، فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة، ويستظلون بقحفها، ويبارك في الرسل حتى إن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس، واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس، واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس، فبينما هم كذلك إذ بعث الله تعالى ريحا طيبة، فتأخذهم تحت آباطهم، فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم؛ ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة ). رواه مسلم.
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين : نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- في سياق حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه في باب أحاديث الدجال وأشراط الساعة وغيرها : " قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ثم يأتي عيسى صلى الله عليه وسلم قوماً قد عصمهم الله منه، فيمسح عن وجوههم، ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة. فبينما هو كذلك إذ أوحى الله تعالى إلى عيسى صلى الله عليه وسلم أني قد أخرجت عبادًا لي، لا يدان لأحد بقتالهم، فحرز عبادي إلى الطور. ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حَدَب ينسلون، فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية، فيشربون ما فيها، ويمر آخرهم فيقولون: لقد كان بهذه مرةً ماء، ويُحصر نبي الله عيسى صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيراً مِن مائة دينار لأحدكم اليوم، فيرغب نبي الله عيسى صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم إلى الله تعالى، فيُرسل الله تعالى عليهم النَّغَف في رقابهم، فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة، ثم يهبط نبي الله عيسى صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم إلى الأرض، فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم، فيرغبُ نبي الله عيسى صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم إلى الله تعالى، فيُرسل الله تعالى طَيراً كأعناق البُخت فتحملهم، فتطرحهم حيث شاء الله، ثم يُرسل الله عز وجل مطراً لا يَكِن منه بيت مدر ولا وبر، فيغسل الأرض حتى يتركها كالزَّلَقة، ثم يقال للأرض: أنبتي ثمرك، وردي بركتك، فيومئذٍ تأكل العِصابة من الرمانة، ويستظلون بقحفها، ويبارك في الرِّسل، حتى إن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس، واللِّقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس، واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس، فبينما هم كذلك إذ بعث الله تعالى ريحاً طيبة، فتأخذهم تحت آباطهم، فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم، ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحُمُر، فعليهم تقوم الساعة ) رواه مسلم " . الشيخ : بقية حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه في قصة الدجال وما إلى ذلك : ينزل عيسى بن مريم كما سبق ويقتل الدجال عند باب لُد في فلسطين ، واللد قرية معروفة الآن ، وستبقى بهذا الاسم إلى ما شاء الله عز وجل ، ( ثم يأتي عيسى بن مريم قومٌ قد عصمهم الله تعالى من فتنة الدجال : فيمسح على وجوههم ويبشرهم بمنازلهم في الجنة ، فبينما هم كذلك ) : يعني على الحال التي هم عليها، ( إذ أوحي الله عز وجل إلى عيسى أني قد أخرجت عباداً لي لا يدان لأحد بقتالهم ) : وهؤلاء العباد ليسوا عباد دين بل هم عباد قدر : (( إن كل من في السماوات والأرض إلا أتي الرحمن عبدا )) ، ( هؤلاء العباد هم يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون ) : أي من كل مكان مرتفع ينسلون لأن الشعاب والأودية لا تسعهم ، فتجدهم يصعدون الجبال لينزلوا إلى الأرض من كثرتهم ، هؤلاء من بني آدم ، ليسوا جناً ولا صنفاً ثالثاً بل هم من بني آدم ، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : ( إن الله تعالى يقول يوم القيامة : يا آدم ! فيقول : لبيك وسعديك ، فيقول الله له : أخرج من ذريتك بعثاً إلى النار أو قال : بعث النار ، قال : يا رب وما بعث النار؟ قال من كل ألف تسعمائة وتسع وتسعين ) : من بني آدم ، من كل ألف تسع مئة وتسع وتسعون، كل هؤلاء في النار إلا واحدًا في الألف من بني آدم من أهل الجنة ، ( فَكَبُر ذلك على الصحابة وعظم عليهم وقالوا يا رسول الله أينا ذلك الواحد؟! ) واحد من ألف في الجنة من بني آدم وتسع مئة وتسع وتسعين في النار!، قال لهم صلى الله عليه وسلم: ( أبشروا فإنكم في أمَّتين ما كانتا في شيء إلا كثرتاه : يأجوج ومأجوج ، منكم واحد ، ومن يأجوج ومأجوج ألفاً، فاستبشر الصحابة بذلك، ثم قال: إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة فكبر الصحابة فرحًا بنعمة الله عز وجل، ثم قال: أرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة ، فكبروا وفرحوا ، ثم قال: أرجو أن تكونوا ثلثي أهل الجنة ) : وهذه الثالثة عندي فيها شك ، لكن قد ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام : ( أن أهل الجنة مائة وعشرون صفا منهم ثمانون من هذه الأمة ). المهم أن يأجوج ومأجوج من بني آدم ، شكلهم شكل بني آدم لا يختلفون عن بني آدم ، أما ما ورد في بعض الآثار أن منهم القصير المفرط في القصر والطويل المفرط في الطول ، وأن بعضهم يفترش إحدى أذنيه ويلتحف بالأخرى : يعني آذانهم طويلة، كل هذا لا صحة له ولا أصل له هم كبني آدم، بل هم من بني آدم، لكنهم أمم عظيمة كما قال تعالى : (( وهم من كل حدب ينسلون )) : يعني من كل حدب أي : من كل مرتفع ، لأن الأرض السهلة لا تسعهم من كثرتهم ، (( ينسلون )) : يسرعون كأنهم مسلطون على بني آدم ، ( فيقول الله عز وجل لعيسى : إني قد بعثت عبادا لا يدان لأحد بقتالهم ) : يعني ما لأحد بقتالهم من قوة ما حد يقاتلهم يعجز عنهم ، ( فحرِّز عبادي إلى الطور ) : يعني احترزوا فيه ، والطور جبل معروف فيصعد عيسى صلى الله عليه وسلم ومن معه إلى الطور ويحصرون فيه ، حتى إنهم يلحقهم من الجوع وشدة المؤونة ما يكون رأس الثور أحب إلى أحدهم من كذا وكذا من الدنانير ، ( وحينئذٍ يرغب عيسى وقومه إلى الله عز وجل ) : يدعون الله تعالى أن يذود عنهم هذه الأمم التي حاصرتهم في هذا الجبل ، ( فيرسل الله تعالى النغف ) : وهو عبارة عن دودة في أعناقهم ، دودة سلو في أعناقهم ، ( فيصبحون فرسى ) : جمع فريسة يعني موتى ، ( كنفس واحدة ) : كل هذه الأمم التي لا يحصيها إلا الله تموت في ليلة واحدة، لأن الأمر بيد من؟ بيد الله عز وجل، هذا النغف من حين ما يدخل في أعناقهم يموتون على الفور . ثم ينزل عيسى ابن مريم وقومه إلى الأرض وإذا الأرض مملوءة من هذه الجثث نتناً ورائحة خبيثة ، فيرغب عيسى وقومه إلى الله عز وجل أن يفكهم من هذا ، ( فيرسل الله تعالى طيورا كأعناق البخت ) : يعني مثل أعناق الإبل طيورا كبيرة قوية تأخذ الواحد منهم وتلقيهم في البحر ، ومعنى هذا أنها طيور عظيمة لا يعلم عددها إلا الله عز وجل ، كل هذا بقدرة الله سبحانه وتعالى ، لأن أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون ، لا تستغرب لا تقل: من أين جاءت الطيور وكيف تولدت وكيف توالدت ؟ الله على كل شيء قدير، هذه الطيور مثل أعناق الإبل تحمل الواحد وتلقيه في البحر ولا يبقى فيهم أحد ، لكن كما تعلمون لابد أن يبقى في الأرض شيء من القذر والأذى والرائحة بعد هذه الجثث ، فيرسل الله تعالى مطراً عظيماً يغسل الأرض، ( لا يُكِن منه مدر ولا وبر ) : كل الأرض تمتلئ ماء حتى تكون كالزَّلقة : تنظف تنظيفاً تاما بإذن الله عز وجل . ( ويأمر الله تعالى الأرض أن تخرج بركاتها وثمراتها -فيكون فيها الثمرات العظيمة والخير والبركة- حتى إن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس، ومن البقر تكفي القبيلة من الناس، ومن الغنم تكفي الفخذ من الناس ) : وهي واحدة لكن الله ينزل فيها البركة عز وجل ، ينزل فيها البركة فتكفي أمماً، وتكثر الخيرات والبركات وكل هذا يدل على عظمة وقدرة الله عز وجل : (( فإن مع العسر يسراً * إن مع العسر يسراً )) ، بدلا ما كانوا محصورين في الطور يتمنى الواحد منهم رأس الثور لا يجد شيئاً، إذا بالأرض تنبت وتنزل فيها البركة والثمار، وكثرة الرزق وغير ذلك كل هذا بأمر الله عز وجل ، والله الموفق.
شرح حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال، إلا مكة والمدينة؛ وليس نقب من أنقابها إلا عليه الملائكة صافين تحرسهما، فينزل بالسبخة، فترجف المدينة ثلاث رجفات، يخرج الله منها كل كافر ومنافق ). رواه مسلم. وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفا عليهم الطيالسة ). رواه مسلم. وعن أم شريك رضي الله عنها أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( لينفرن الناس من الدجال في الجبال ). رواه مسلم. وعن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ( ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة أمر أكبر من الدجال ). رواه مسلم. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يخرج الدجال فيتوجه قبله رجل من المؤمنين فيتلقاه المسالح: مسالح الدجال، فيقولون له: إلى أين تعمد ؟ فيقول: أعمد إلى هذا الذي خرج، فيقولون له: أو ما تؤمن بربنا ؟ فيقول: ما بربنا خفاء ! فيقولون: اقتلوه، فيقول بعضهم لبعض: أليس قد نهاكم ربكم أن تقتلوا أحدا دونه، فينطلقون به إلى الدجال، فإذا رآه المؤمن قال: يا أيها الناس إن هذا الدجال الذي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيأمر الدجال به فيشبح؛ فيقول: خذوه وشجوه، فيوسع ظهره وبطنه ضربا، فيقول: أو ما تؤمن بي ؟ فيقول: أنت المسيح الكذاب ! فيؤمر به، فيؤشر بالمنشار من مفرقه حتى يفرق بين رجليه، ثم يمشي الدجال بين القطعتين، ثم يقول له: قم، فيستوي قائما. ثم يقول له: أتؤمن بي ؟ فيقول: ما ازددت فيك إلا بصيرة. ثم يقول: يا أيها الناس إنه لا يفعل بعدي بأحد من الناس، فيأخذه الدجال ليذبحه، فيجعل الله ما بين رقبته إلى ترقوته نحاسا، فلا يستطيع إليه سبيلا، فيأخذ بيديه ورجليه فيقذف به، فيحسب الناس أنما قذفه إلى النار، وإنما ألقي في الجنة ) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين ). رواه مسلم. وروى البخاري بعضه بمعناه. وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: ما سأل أحد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدجال أكثر مما سألته؛ وإنه قال لي: ( ما يضرك ؟) قلت: إنهم يقولون: إن معه جبل خبز ونهر ماء ؟ قال: ( هو أهون على الله من ذلك ). متفق عليه. وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما من نبي إلا وقد أنذر أمته الأعور الكذاب، ألا إنه أعور، وإن ربكم عز وجل ليس بأعور، مكتوب بين عينيه ك ف ر ). متفق عليه. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ألا أحدثكم حديثا عن الدجال ما حدث بن نبي قومه ؟ إنه أعور، وإنه يجيء معه بمثال الجنة والنار، فالتي يقول إنها الجنة هي النار ). متفق عليه. وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الدجال بين ظهراني الناس فقال: ( إن الله ليس بأعور، ألا إن المسيح الدجال أعور العين اليمنى، كأن عينه عنبة طافية ). متفق عليه.
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين : نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- في سياق الأحاديث في باب أحاديث الدجال وأشراط الساعة وغيرها : " عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ليس مِن بلد إلا سيطؤه الدجال، إلا مكة والمدينة، وليس نقب من أنقابهما إلا عليه الملائكة صافين تحرسهما، فينزل بالسَّبَخة، فترجف المدينة ثلاث رجفات، يخرج الله منها كل كافر ومنافق ) رواه مسلم. وعنه رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفاً عليهم الطيالسة ) رواه مسلم. وعن أم شريك رضي الله عنها : أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( لينفرن الناس من الدجال في الجبال ) رواه مسلم. وعن عمران بن حُصين رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ( ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة أمرٌ أكبر من الدجال ) رواه مسلم. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يخرج الدجال فيتوجه قبله رجل من المؤمنين، فيتلقاه المسالح: مسالح الدجال، فيقولون له: إلى أين تعمِد؟ فيقول: أعمد إلى هذا الذي خرج، فيقولون له: أو ما تؤمن بربنا؟ فيقول: ما بربنا خفاء! فيقولون: اقتلوه، فيقول بعضهم لبعض: أليس قد نهاكم ربكم أن تقتلوا أحداً دونه، فينطلقون به إلى الدجال، فإذا رآه المؤمن قال: يا أيها الناس إن هذا الدجال الذي ذكر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فيأمر الدجال به فيشبَّح، فيقول: خذوه وشُجوه، فيوسع ظهره وبطنه ضرباً، فيقول: أو ما تؤمن بي؟ فيقول: أنت المسيح الكذاب! فيؤمر به، فينشر بالمنشار من مفرقه حتى يفرق بين رجليه، ثم يمشي الدجال بين القطعتين، ثم يقول له: قم، فيستوي قائماً. ثم يقول له: أتؤمن بي؟ فيقول: ما ازددت فيك إلا بصيرة. ثم يقول: يا أيها الناس إنه لا يفعل بعدي بأحد من الناس، فيأخذه الدجال لِيَذبحه، فيجعل الله ما بين رقبته إلى تَرقوته نحاساً، فلا يستطيع إليه سبيلاً، فيأخذه بيديه ورجليه فيقذف به، فيحسب الناس أنه قذفه إلى النار، وإنما أُلقي في الجنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين ) رواه مسلم، وروى البخاري بعضه . وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال : ( ما سأل أحد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدجال أكثر مما سألتُه، وإنه قال لي: ما يضرك؟ قلت: إنهم يقولون: معه جبل خبز ونهر ماء ؟ قال: هو أهون على الله من ذلك ) متفق عليه. وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما من نبي إلا وقد أنذر أمته الأعور الكذاب، ألَا إنه أعور، وإن ربكم عز وجل ليس بأعور، مكتوب بين عينيه ك ف ر ) متفق عليه. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ألا أحدثكم حديثًا عن الدجال ما حدث به نبي قومه ؟ إنه أعور، وإنه يجيء معه بمثال الجنة والنار، فالتي يقول إنها الجنة هي النار ) متفق عليه. وعن ابن عمر رضي الله عنهما : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الدجال بين ظهراني الناس فقال : إن الله ليس بأعور، ألا إن المسيح الدجال أعور العين اليمنى، كأن عينه عِنَبة طافية ) متفق عليه. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود ، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر والشجر : يا مسلم هذا يهودي خلفي تعال فاقتله ، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود ) متفق عليه. وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( والذي نفسي بيده لا تذهب الدنيا حتى يمر الرجل بالقبر ) " . الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : هذه الأحاديث الكثيرة التي ساقها المؤلف -رحمه الله تعالى- في بيان الدجال هي جديرة بأن تساق وتُذكر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( ما بين خلق آدم وقيام الساعة أمر أكبر من الدجال ) ، ولذلك ما مِن نبي من الأنبياء إلا أنذر قومه به ، مع أنه لا يأتي إلا في آخر الزمان ، والله عز وجل يعلم أن محمداً خاتم الأنبياء ، ومع ذلك أنذر به الأنبياء السابقون ، والحكمة من هذا : هو التنويه بفتنته وبيانها وأنها عظيمة ، وإن كان لن يأتي إلا في آخر الدنيا ، ففتنته عظيمة . وبين النبي عليه الصلاة والسلام أن الدجال يدخل كل بلد ، كلُ بلد يدخله الدجال ، يدعو الناس والعياذ بالله إلى عبادته، ويفتنهم ، إلا مكة والمدينة فإنه لا يدخلهما ، لأن عليهما الملائكة على كل باب منهما ، ملائكة يذودون عنهما عن مكة وعن المدينة . وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم : ( أنه يتبعه من يهود أصفهان سبعون ألفاً عليهم الطيالسة ) : نوع رفيع من الثياب، المعنى : أنه يتبعه من أصفهان : وهي معروفة في مدن إيران ، يتبعه منها سبعون ألف واحد يتبع هذا الدجال الخبيث . وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم : ( أنه أعور وأن الرب عز وجل ليس بأعور ) ، لأن العور نقص ، والله عز وجل منزه عن كل نقص ، واستدل أهل السنة والجماعة بهذا الحديث على أن ربنا جل وعلا له عينان ، لكنهما لا تشبهان أعين المخلوقين ، لقوله تعالى : (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) . وذكر أيضا في هذه الأحاديث : أن رجلا شابا مسلماً يخرج إذا سمع به لينظره ويبين للناس كذبه ، ( فيتلقاه مسارح الدجال ) : يعني حرسه الذين هم متسلحون ، ( يتلقونه ويقولون أين تريد؟ قال: أريد هذا الرجل الذي خرج ، فيأخذونه ويقولون : أتؤمن بربنا فيقول: لا إنه الدجال، فيريدون أن يقتلوه ولكن بعضهم يقول لبعض : أليس قد قال ربنا لا تقتلوا أحداً دوني، فيتركونه ثم يأتون به إلى الدجال فيشهد هذا الرجل المسلم أنه هو الدجال الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، فيغضب عليه ويأمر بالمنشار فينشر من رأسه إلى ما بين رجليه ) : يعني يشقه طولا يقطعه طولاً، ويجعل كل فرقة منه في جانب ، ( رمية الغرض ) : كما جاء في الحديث السابق ، ( ويمشي بينهما ثم يدعوه فيخرج فيقوم يتهلل ويقول : والله ما ازددت فيك إلا بصيرة ، يفعل هذا مرتين أو ثلاثة ثم يريد أن يقتله ويعجز ) : يجعل الله تعالى هذا الرجل حديداً لا يستطيع أن يقتله وهذا إما أن يكون حديدًا حقا والله على كل شيء قدير، وإما أن يكون صلبا لا يستطيع أن تنفذ فيه السيوف هذه كلها صفات الدجال . ومنها أيضاً أن الرسول ذكر أن معه نارًا وجنة ، لكن ناره جنة وجنته نار ، ولما سأله المغيرة بن شعبة رضي الله عنه : إنهم يقولون : إن معه جبل من خبز قال : ( إنه أهون على الله من ذلك ) : يعني حتى لو كان معه هذا الشيء فإنه أهون على الله من ذلك ، أو أن المعنى أنه لا يكون معه هذا لكنه مموه. وعلى كل حال فإننا نؤمن بأنه سيكون في آخر الزمان رجل يخرج يسمى الدجال ، من أوصافه ما ذكر في هذا الباب وغيره أيضاً، ونستعيذ بالله منه في كل صلاة ، كل صلاة أَمرنا الرسول عليه الصلاة والسلام : ( بعد التشهد الأخير أن نستعيذ بالله من عذاب جهنم وعذاب القبر وفتنة المحيا والممات ).
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين : نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- في سياق الأحاديث في باب أَحاديث الدجال وأشراط الساعة وغيرها : " عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود ، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر ، فيقول الحجر والشجر : يا مسلم هذا يهودي خلفي تعال فاقتله ، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود ) متفق عليه. وعنه رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تقوم الساعة حتى يَحسِر الفرات عن جبل من ذهب يقتتل عليه ، فيُقتل من كل مائة تسعة وتسعون ، فيقول : كل واحد منهم : لعلي أن أكون أنا أنجو ، وفي رواية يوشك أن يحسر الفرات عن كنز من ذهب فمن حضره فلا يأخذ منه شيئاً ) متفق عليه " . الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : قال المؤلف -رحمه الله- في كتابه *رياض الصالحين* فيما ذكره من أشراط الساعة : ما نقله عن أبي هريرة رضي الله عنه ، ( أنه لا تقوم الساعة حتى يقتتل المسلمون واليهود ) : المسلمون بعد بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام هم أتباع الرسول محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وأما قبل ذلك فالمسلم من اتبع الشريعة القائمة ، فقوم موسى في عهد موسى مسلمون ، والنصارى في عهد عيسى مسلمون ، ومن آمن من قوم نوح مسلمون ، وهكذا كل من كان مؤمناً برسول قائمةٌ رسالته فهو مسلم ، لكن بعد بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام ليس مسلما إلا من آمن به .