شرح حديث عن عوف بن مالك بن الطفيل أن عائشة رضي الله عنها حدثت أن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال في بيع أو عطاء أعطته عائشة رضي الله تعالى عنها: والله لتنتهين عائشة أو لأحجرن عليها؛ قالت: أهو قال هذا ؟ قالوا: نعم، قالت: هو لله علي نذر أن لا أكلم ابن الزبير أبدا، فاستشفع ابن الزبير إليها حين طالت الهجرة. فقالت: لا والله لا أشفع فيه أبدا، ولا أتحنث إلى نذري فلما طال ذلك على ابن الزبير كلم المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث وقال لهما: أنشدكما الله لما أدخلتماني على عائشة رضي الله عنها، فإنها لا يحل لها أن تنذر قطيعتي، فأقبل به المسور وعبد الرحمن حتى استأذنا على عائشة، فقالا: السلام عليك ورحمة الله وبركاته، أندخل ؟ قالت عائشة: ادخلوا قالوا: كلنا ؟ قالت: نعم ادخلوا كلكم، ولا تعلم أن معهما ابن الزبير، فلما دخلوا دخل ابن الزبير الحجاب، فاعتنق عائشة رضي الله عنها، وطفق يناشدها ويبكي، وطفق المسور وعبد الرحمن يناشدانها إلا كلمته وقبلت منه، ويقولان: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عما قد علمت من الهجرة، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، فلما أكثروا على عائشة من التذكرة والتحريج، طفقت تذكرهما وتبكي، وتقول: إني نذرت والنذر شديد، فلم يزالا بها حتى كلمت ابن الزبير، وأعتقت في نذرها ذلك أربعين رقبة، وكانت تذكر نذرها بعد ذلك فتبكي حتى تبل دموعها خمارها. رواه البخاري.
عن عقبة بن عامر رضي الله عنه : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى قتلى أحد، فصلى عليهم بعد ثمان سنين كالمودع للأحياء والأموات، ثم طلع إلى المنبر، فقال : إني بين أيديكم فرط، وأنا شهيد عليكم، وإن موعدكم الحوض، وإني لأنظر إليه مِن مقامي هذا، وإني لست أخشى عليكم أن تشركوا، ولكن أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوها ، قال : فكانت آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ) متفق عليه .
وفي رواية : ( ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوا فيها، وتقتتلوا فتهلكوا كما هلك من كان قبلكم ) .
قال عقبة : ( فكان آخر ما رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم على المنبر ) .
وفي رواية قال : ( إني فرط لكم ، وأنا شهيد عليكم ، وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن ، وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض ، أو مفاتيح الأرض ، وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها ).
والمراد بالصلاة على قتلى أحد : الدعاء لهم، لا الصلاة المعروفة " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
هذان حديثان عظيمان فيهما فوائد ، ذكرهما المؤلف -رحمه الله- في آخر كتابه *رياض الصالحين* في الأحاديث المنثورة :
الحديث الأول : حديث عائشة رضي الله عنها ، أم المؤمنين ، وأفضل زوجاته بعد موته رضي الله عنها ، وكانت من كانت في العلم والعبادة والرأي والتدبير ، وكان عبد الله بن الزبير وهو ابن أختها أسماء بنت أبي بكر سمع عنها أنها تبرعت وأعطت عطاء كثيرا ، فاستكثر ذلك منها ، وقال : ( لئن لم تنته لأحجرن عليها ) : وهذه كلمة شديدة بالنسبة لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، لأنها خالته وعندها من الرأي والعلم والحلم والحكمة ما لا ينبغي أن يقال فيها ذلك القول ، والحجر عليها يعني منعها من التصرف في مالها ، أو من التبرع الكبير من مالها ، ( فسمعت بذلك وأُخبرت به ) : أخبرها بذلك الواشون الذين يشون بين الناس ويفسدون بينهم بالنميمة والعياذ بالله ،
والنميمة من كبائر الذنوب ، وقد حذر الله من النمام وإن حلف فقال : (( ولا تطع كل حلاف مهين * هماز مشاء بنميم )) ، ( ومرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة على قبرين من قبور المسلمين فقال : إنهما ليعذبان في قبورهما وما يعذبان في كبير ) : يعني لا يعذبان في أمر شاق وأمر صعب ، يعذَّبَان في أمر سهل بالنسبة للقيام به لا بالنسبة لعظمه عند الله : ( أما أحدهما فكان لا يستنزه من البول ) : يعني لا يستنجي استنجاءً تاماً ، وإذا أصاب البول ثوبه أو بدنه لا يبالي به فصار يعذب في قبره ، ( وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة ) : يأتي للناس يخبر بعضهم بما قال به البعض الآخر من أجل أن يفرق بينهم والعياذ بالله ، فالنميمة من كبائر الذنوب ، يُعذب عليها الإنسان في قبره ، ( ولا يدخل الجنة نمام ) نسأل الله العافية .
المهم أن هذه الكلمة وصلت إلى عائشة رضي الله عنها : أنه قال : أنه أراد أن يحجر عليها ، فنذرت رضي الله عنها ، نذرت ألا تكلمه أبدًا ، وذلك لشدة ما حصل لها من الانفعال والشره على ابن أختها نذرت أن لا تكلمه أبداً وهجرته ، ومن المعلوم أن هجر أم المؤمنين رضي الله عنها لابن أختها سيكون شديدًا عليه فحاول أن يسترضيها ولكنها صممت لأنها ترى أن النذر شديد ، فاستشفع إليها برجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفعلا حيلة بأم المؤمنين ، لكنها حيلة حسنة ، لأنها أدت إلى مقصود حسن وهو الإصلاح بين الناس ، والكذب في الإصلاح بين الناس باللسان جائز فكيف بالأفعال !.
( استأذنا على عائشة رضي الله عنها ، فسلما عليها ) : اسأذنا عليها وسلما عليها ، وهذه هي السنة عند الاستئذان أنك إذا قرعت الباب على شخص تقول : السلام عليكم ، ( ثم استأذناها في الدخول فقالا ندخل؟ قالت : نعم قالوا : كلنا ؟ قالت : كلكم ) : ولم تعلم أن عبد الله بن الزبير معهما لكنها لم تقل هل معكم عبد الله بن الزبير فلم تستفصل ، وأتت بقول عام ادخلوا كلكم فدخلوا فلما دخلوا عليها وإذا عليها الحجاب ، حجاب أمهات المؤمنين ، وهو عبارة عن ستر تستتر به أمهات المؤمنين لا يراهن الناس ، وهو غير الحجاب الذي يكون لعامة النساء ، لأن الحجاب الذي لعامة النساء هو تغطية الوجه والبدن ، لكن هذا حجاب يكون حاجزاً وحائلا بين أمهات المؤمنين والناس .
فلما دخلا البيت دخل عبد الله بن الزبير الحجاب ، لأنه ابن أختها ، فهي من محارمه ، فأكب عليها يقبلها ويبكي ويناشدها الله عز وجل ويحذرها من القطيعة ، ويبين لها أن هذا لا يجوز ، ولكنها قالت : ( النذر شديد ) ، ثم إن الرجلين أقنعاها بالعدول عما صممت عليه من الهجر وذكراها بحديث النبي صلى الله عليه وسلم : ( أنه لا يحل للمؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاث ) : حتى اقتنعت ، وبكت ، وكلمت عبد الله بن الزبير ، ولكن هذا الأمر أهمها شديدًا ، فكانت كلما ذكرته بكت رضي الله عنها ، لأنه شديد ، وهذا قاعدة في كل إنسان يخاف الله ، " كل من كان بالله أعرف ، كان منه أخوف " ، كلما ذكرت هذا النذر وأنها انتهكته بكت رضي الله عنها ، ومع هذا أعتقت أربعين عبداً من أجل هذا النذر ليعتق الله تعالى رقبتها من النار ، وفي هذا دليل على شدة إيمان أمهات المؤمنين وحرصهن على العتق من النار والبراءة من عذاب الكفار .
ففي هذا الحديث دليل على فوائد :
منها : أن الإنسان لا يحل له أن يهجر أخاه ولاسيما إذا كان قريبه فوق ثلاثة أيام ، وأنه يجب عليه أن يحنث ويُكفِّر ، لقول النبي عليه الصلاة والسلام : ( من حلف على يمين فرأى خيرا منها فليكفر عن يمينه وليأت الذي هو خير ) : فلو حلفت أن لا تدخل على فلان بيته وهو من أقاربك لأنه أساء إليك فهذا حرام عليك أن تهجره ، ويجب عليك أن تكفر عن يمينك وأن تصل رحمك وقريبك ، والله عز وجل غفور رحيم ، بالنسبة لليمين إذا كفرت عن يمينك وأتيت الذي هو خير فهذا هو أمر النبي صلى الله عليه وسلم .
ومنها : فضيلة الإصلاح بين الناس ، ومعلوم أن الإصلاح بين الناس من أفضل الأعمال ، قال الله تعالى : (( لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً )) .
ومنها : جواز الحِيَل إذا لم تصل إلى شيء محرم ، لأن عائشة رضي الله عنها تحيل عليها الرجلان في الدخول عليها ومعهما عبد الله بن الزبير .
ومنها : رقة قلوب الصحابة وسرعة بكائهم رضي الله عنهم من خشية الله عز وجل ، وهذا دليل على لين القلب وخشيته لله ، وكلما كان قلب الإنسان أقسى كان من البكاء أبعد ، والعياذ بالله ، ولذلك نرى الناس لما كانوا أقرب إلى الآخرة من اليوم نجد فيهم الخشوع والبكاء وقيام الليل واللجوء إلى الله عز وجل والصدقة وفعل الخير ، لكن لما قست القلوب صارت المواعظ تمر عليها مرور الماء على الصفا ، لا تنتفع به إطلاقاً ، نسأل الله لنا ولكم السلامة والعافية إنه على كل شيء قدير.
1 - شرح حديث عن عوف بن مالك بن الطفيل أن عائشة رضي الله عنها حدثت أن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال في بيع أو عطاء أعطته عائشة رضي الله تعالى عنها: والله لتنتهين عائشة أو لأحجرن عليها؛ قالت: أهو قال هذا ؟ قالوا: نعم، قالت: هو لله علي نذر أن لا أكلم ابن الزبير أبدا، فاستشفع ابن الزبير إليها حين طالت الهجرة. فقالت: لا والله لا أشفع فيه أبدا، ولا أتحنث إلى نذري فلما طال ذلك على ابن الزبير كلم المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث وقال لهما: أنشدكما الله لما أدخلتماني على عائشة رضي الله عنها، فإنها لا يحل لها أن تنذر قطيعتي، فأقبل به المسور وعبد الرحمن حتى استأذنا على عائشة، فقالا: السلام عليك ورحمة الله وبركاته، أندخل ؟ قالت عائشة: ادخلوا قالوا: كلنا ؟ قالت: نعم ادخلوا كلكم، ولا تعلم أن معهما ابن الزبير، فلما دخلوا دخل ابن الزبير الحجاب، فاعتنق عائشة رضي الله عنها، وطفق يناشدها ويبكي، وطفق المسور وعبد الرحمن يناشدانها إلا كلمته وقبلت منه، ويقولان: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عما قد علمت من الهجرة، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، فلما أكثروا على عائشة من التذكرة والتحريج، طفقت تذكرهما وتبكي، وتقول: إني نذرت والنذر شديد، فلم يزالا بها حتى كلمت ابن الزبير، وأعتقت في نذرها ذلك أربعين رقبة، وكانت تذكر نذرها بعد ذلك فتبكي حتى تبل دموعها خمارها. رواه البخاري. أستمع حفظ
شرح حديث عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى قتلى أحد، فصلى عليهم بعد ثمان سنين كالمودع للأحياء والأموات، ثم طلع إلى المنبر، فقال: ( إني بين أيديكم فرط وأنا شهيد عليكم، وإن موعدكم الحوض، وإني لأنظر إليه من مقامي هذا، ألا وإني لست أخشى عليكم أن تشركوا، ولكن أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوها قال: فكانت آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ). متفق عليه. وفي رواية: ( ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوا فيها، وتقتتلوا فتهلكوا كما هلك من كان قبلكم ) قال عقبة: فكان آخر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر. وفي رواية قال: ( إني فرط لكم وأنا شهيد عليكم وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن، وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض، أو مفاتيح الأرض، وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها ). والمراد بالصلاة على قتلى أحد: الدعاء لهم، لا الصلاة المعروفة.
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :
نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- في كتابه *رياض الصالحين* :
" عن عقبة بن عامر رضي الله عنه : ( أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى قتلى أحد، فصلى عليهم بعد ثمان سنين كالمودع للأحياء والأموات، ثم طلع على المنبر، فقال: إني بين أيديكم فرط وأنا شهيد عليكم، وإن موعدكم الحوض، وإني لأنظر إليه من مقامي هذا، وإني لست أخشى عليكم أن تشركوا، ولكن أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوها، قال: فكانت آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ) متفق عليه.
وفي رواية : ( ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوا فيها، وتقتتلوا فتهلكوا كما هلك مَن كان قبلكم ) .
قال عقبة : ( فكان آخر ما رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم على المنبر ) .
وفي رواية قال : ( إني فرط لكم ، وأنا شهيد عليكم، وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن، وإني أُعطيت مفاتيح خزائن الأرض، أو مفاتيح الأرض، وإني والله ما أخاف عليكم أن تُشركوا بعدي، ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها ) .
والمراد بالصلاة على قتلى أحد : الدعاء لهم، لا الصلاة المعروفة " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
هذا الحديث ذكره المؤلف -رحمه الله- في كتابه *رياض الصالحين* في آخر أبوابه في الأحاديث المنثورة :
عن عقبة بن عامر رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى أحد فصلى على الشهداء هناك : أي : دعا لهم عليه الصلاة والسلام ، وليس المراد الصلاة المعروفة كما قال المؤلف -رحمه الله- لأن صلاة الجنازة المعروفة إنما تكون قبل الدفن لا بعد الدفن ، إلا من فاته الصلاة عليه قبل الدفن فيصلي عليه بعده ، لكن هذه صلاة الدعاء ، والصلاة تأتي بمعنى الدعاء كما في قوله تعالى : (( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم )) يعني ادع لهم .
ثم صعد المنبر صلى الله عليه وسلم وخطب الناس كالمودع ، وأخبر أنه يرى حوضه : حوضه وهو الحوض الذي يكون في عرصات يوم القيامة : ( ماؤه أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل ، وأطيب من رائحة المسك ، وآنيته كنجوم السماء في الكثرة والنور ) : هذا الحوض يرده الناس وهم عطاش من طول المقام يوم القيامة ، ويشرب منه المؤمنون ، جعلني الله وإياكم ممن يشربون منه بمنه وكرمه ، ويذاد عنه المجرمون الكافرون فمن شرب من شريعته في الدنيا واهتدى بسنته واتبع آثاره فليبشر أنه سيشرب من حوضه يوم القيامة ، ومن لم يكن كذلك حُرم إياه والعياذ بالله .
كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول : ( إنه ينظر إلى حوضه الآن ) : كُشف له عنه في الدنيا كما كشف عنه حين رأى الجنة ورأى النار في صلاة الكسوف ، وهذه أمور غيبية لا نعرف كيف كذلك ، ولكن الله ورسوله أعلم ، المهم علينا أن نؤمن ونصدق ، فهذا الحوض يرده الناس يوم القيامة ويشربون منه إلا من طغى واستكبر والعياذ بالله .
وأخبر صلى الله عليه وسلم : أنه لا يخشى على أمته الشرك ، لأن البلاد ولله الحمد فُتحت وصار أهلها إلى التوحيد ، ولم يقع في قلب الرسول عليه الصلاة والسلام أنه يقع الشرك بعد ذلك .
لكن لا يلزم من هذا أي : من كونه لم يخاف الشرك على أمته ، ألا يقع فإن الشرك وقع الآن ، الشرك موجود ، موجود الآن في المسلمين من يقول : إنه مسلم وهو يطوف بالقبور ويسأل المقبورين ويذبح لهم وينذر لهم ، فالشرك موجود .
والرسول عليه الصلاة والسلام لم يقل : إنكم لن تشركوا ، حتى نقول : إن ما وقع ليس بشرك ، لأن الرسول نفى أن يكون الشرك وهو لا ينطق عن الهوى لكن قال : ( إني لا أخاف ) : وهذا بناء على نصوع الدعوة في عهده عليه الصلاة والسلام، وبيان التوحيد وتمسك الناس به، لكن لا يلزم من هذا أن يستمر ذلك إلى يوم القيامة، ولهذا وقع الشرك، ويدل لهذا أن الرسول عليه الصلاة والسلام صح عنه : ( أنها لا تقوم الساعة حتى يعبد فئام من أمته الأوثان ) : أي جماعات كثيرة يعبدون الأوثان .
ولكن الرسول في تلك الساعة لا يخشى على أمته الشرك لكن خشي شيئاً آخر ، الناس أسرع إليه ، وهو : أن تفتح الدنيا على الأمة فيتنافسوها ويتقاتلوا عليها فتهلكهم كما أهلكت من قبلهم، وهذا هو الذي وقع الآن، الآن فتحت الدنيا وجاءتنا من كل جانب، وصار فيها ما لا يخطر على البال مما سبق، ولو أن أحدًا حُدث به لم يصدق لكن وقع، فصار الناس الآن يتنافسون فيها ويتقاتلون عليها، فأهلكتهم كما أهلكت من كان قبلهم، والذين لم يقاتلوا عليها، صارت قلوبهم للدنيا والعياذ بالله ، الدنيا همهم في المنام واليقظة والقعود والقيام والليل والنهار، حتى أصبح المثل المشهور واقعاً على كثير من الناس وهو : " الحلال ما حلَّ باليد من حرام أو حلال " ، وحتى صدق فيهم قول الرسول عليه الصلاة والسلام : ( يأتي على الناس زمان لا يبالي الرجل أخذ المال من حلال أو حرام ) ، والعياذ بالله ، أصبح الناس الآن يتقاتلون على الدنيا - على الدنيا - ، والعجب أن الإنسان يتعب وراء الدنيا التي خُلقت له فيكون كأنه هو الذي خلق لها والعياذ بالله يخدمها خدمة عظيمة ، يرهق فيها بدنه وعقله وفكره وراحته والأنس بأهله ، ثم ماذا ؟ قد يفقدها في لحظة ، في لحظة واحدة يخرج من بيته ولا يرجع إليه ، ينام على فراشه ولا يستيقظ منه ، وهذا مشاهد ، والعجب أن هذه الآيات نشاهدها ولكن القلوب قاسية ، نشاهد مَن عقد على امرأة ولم يدخل عليها ، مات قبل أن يدخل مع شدة شوقه إليها ، وبعد أمله ، ولكن حال دونه المنون .
نجد أن أُناسا معهم بطاقات دعوة زواجهم ثم يموتون والبطاقات في سياراتهم ، إذن فما فائدة الدنيا وهي إلى هذا الحد في الغرور ؟!
لذلك أخبر النبي عليه الصلاة والسلام وهو الرحيم بالمؤمنين ، الرءوف بهم الشفيق عليهم : ( أنه إنما يخشى علينا أن تفتح الدنيا فنتنافس فيها ) : وهذا هو الواقع ، فاحذر يا أخي لا تغرنك الحياة الدنيا ، ولا يغرنك بالله الغرور ، أنت إن وسع الله عليك الرزق وشكرت فهو خير لك ، وإن ضُيق عليك الرزق وصبرت فهو خير لك ، أما أن تجعل الدنيا أكبر همك ومبلغ علمك ، فهذا خسارة في الدنيا والآخرة ، أعاذنا الله وإياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن .
2 - شرح حديث عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى قتلى أحد، فصلى عليهم بعد ثمان سنين كالمودع للأحياء والأموات، ثم طلع إلى المنبر، فقال: ( إني بين أيديكم فرط وأنا شهيد عليكم، وإن موعدكم الحوض، وإني لأنظر إليه من مقامي هذا، ألا وإني لست أخشى عليكم أن تشركوا، ولكن أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوها قال: فكانت آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ). متفق عليه. وفي رواية: ( ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوا فيها، وتقتتلوا فتهلكوا كما هلك من كان قبلكم ) قال عقبة: فكان آخر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر. وفي رواية قال: ( إني فرط لكم وأنا شهيد عليكم وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن، وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض، أو مفاتيح الأرض، وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها ). والمراد بالصلاة على قتلى أحد: الدعاء لهم، لا الصلاة المعروفة. أستمع حفظ
شرح حديث عن أبي زيد عمرو بن أخطب الأنصاري رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر، وصعد المنبر، فخطبنا حتى حضرت الظهر، فنزل فصلى، ثم صعد المنبر فخطب حتى حضرت العصر، ثم نزل فصلى، ثم صعد المنبر حتى غربت الشمس، فأخبرنا ما كان وما هو كائن، فأعلمنا أحفظنا. رواه مسلم.
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :
نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- في كتابه *رياض الصالحين* :
" عن عمرو بن أخطب الأنصاري رضي الله عنه قال : ( صلى بنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الفجر، وصعِد المنبر، فخطبنا حتى حضرت الظهر، فنزل فصلى، ثم صعِد المنبر فخطب حتى حضرت العصر، ثم نزل فصلى، ثم صَعِد المنبر حتى غربت الشمس، فأخبرنا بما كان وما هو كائن، فأعلمُنا أحفظنا ) رواه مسلم .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه ) رواه البخاري .
وعن أم شريك رضي الله عنها : ( أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أمرها بقتل الأوزاغ، وقال : كان ينفخ على إبراهيم ) متفق عليه " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
هذه الأحاديث من الأحاديث التي ذكرها المؤلف في آخر كتابه *رياض الصالحين* من الأحاديث المنثورة التي لا تختص بباب دون باب :
فمنها هذا الحديث الدال على أن النبي صلى الله عليه وسلم أَخطب الناس ، وأن الله تعالى أعطاه قوة لم يعطها أحداً غيره ، ( فقد صلى الفجر صلى الله عليه وسلم ذات يوم وصعِد المنبر ، وخطب الناس حتى أذن الظهر ، ثم نزل فصلى الظهر ثم عاد فصعد المنبر وخطب حتى أذن العصر ، فنزل وصلى العصر ثم صعد المنبر فخطب حتى غابت الشمس ) : يعني يوما كاملا من صلاة الفجر إلى غروب الشمس وهو صلى الله عليه وسلم يخطب ، ولم يذكر أنه خرج إلى البيت ليتغدى أو نحو ذلك ، فإما أن يكون صائماً وإما أن يكون قد انشغل بما هو أهم .
وكذلك أيضاً لم يذكر أنه صلى راتبة الظهر ، فيكون هنا اشتغل عن الراتبة بما هو أهم من موعظة الناس وتعليم الناس ، لأن تعليم الناس أهم من الراتبة ، فإذا دار الأمر بين الراتبة والتعليم فالتعليم أفضل .
قال : ( وأخبرنا بما كان وما يكون ) : يعني مما أطلعه الله عليه وليس يعلم الغيب إلا ما أطلعه الله عليه فقط .
فأعلمه الله عز وجل في ذلك اليوم شيئا من علوم الغيب الماضية ومن الغيوب المستقبلة وأخبر بها صلى الله عليه وسلم .
( فأعلمُنا أحفظنا ) : يعني منا من حفظ وبقي ذلك في ذهنه ومنا من لم يحفظ ، وأعلمهم هو أحفظهم .
ففي هذا دليل على قوة النبي صلى الله عليه وسلم ونشاطه وحرصه على إبلاغ الرسالة حتى قام يوماً كاملاً .
3 - شرح حديث عن أبي زيد عمرو بن أخطب الأنصاري رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر، وصعد المنبر، فخطبنا حتى حضرت الظهر، فنزل فصلى، ثم صعد المنبر فخطب حتى حضرت العصر، ثم نزل فصلى، ثم صعد المنبر حتى غربت الشمس، فأخبرنا ما كان وما هو كائن، فأعلمنا أحفظنا. رواه مسلم. أستمع حفظ
شرح حديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه ). رواه البخاري.
والنذر إما حرام وإما مكروه : فبعض العلماء يرى أن النذر حرام ، وأنه لا يحل للإنسان أن ينذُر ، لأنه يكلف نفسه ما هو في غنى عنه ، وكم من إنسان نذر ولم يوف ، وكم من إنسان نذر وتعب في الوفاء ، وكم من إنسان نذر وذهب إلى أبواب العلماء يستفتيهم لعله يجد رخصة .
فالمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر ، واختلف علماء المسلمين في هذا النهي :
فمنهم من قال إنه للتحريم ، ومنهم من قال إنه للكراهة .
ولكن إذا نذر أن يطيع الله وجب عليه أن يطيع الله وجوباً ، فإذا قال : لله عليّ نذر أن أصوم كل يوم اثنين من كل أسبوع ، وجب عليه أن يصوم كل يوم اثنين ، ولا يحل له أن يفلت ، إلا لعذر كمرض ونحوه .
وإذا نذر أن يصلي كل يوم ركعتين لله في الضحى وجب عليه أن يصلي ركعتين .
وإذا نذر أن يتصدق بمئة درهم وجب عليه أن يتصدق لزوماً ، مع أنه كان في حل من ذلك ، الإنسان إن شاء تصدق وإن شاء لم يتصدق ، وإن شاء صام وإن شاء لم يصم ، وإن شاء صلى وإن شاء لم يصل في غير فرائض الله ، فهو في حل وسَعة فيذهب ويضيق على نفسه .
والعجب أن بعض الناس نسأل الله لنا ولهم الهداية إذا كان مريضاً قال : لله عليّ نذر إن عافاني الله لأفعلن كذا وكذا ، سبحان الله !! الله لا يعافيك إلا إذا أعطيت الشرط ، ولهذا أشار النبي عليه الصلاة والسلام إلى ذلك فقال : ( إن النذر لا يرد قضاءً ) : إذا أراد الله الأمر سواء نذرت أو ما نذرت سيتم ،
وقال : ( إنه لا يأتي بخير ) : وصدق عليه الصلاة والسلام النذر ما فيه خير كم من إنسان نذر ولم يوف .
واعلم أنك إذا نذرت على شرط فلم توف إذا حصل الشرط ، فإنك مهدد بأمر عظيم ، مهدد بنفاق يجعله الله في قلبك حتى تموت قال الله عز وجل : (( ومنهم من عاهد الله لئن ءاتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين )) : شوف عاهدوا الله (( إن آتانا من فضله )) : يعني أعطانا مالا (( لنصدقن )) فنبذل من المال ، (( ولنكونن من الصالحين )) : فنقوم بطاعة الله (( فلما ءاتاهم من فضله )) ، وتم لهم مطلوبهم (( بخلوا به )) ولم يتصدقوا ، (( وتولوا )) ، ولم يكونوا من الصالحين ، ما وفوا بما عاهدوا الله عليه ، (( فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه )) : نفاق دائم لا يوفقون للتوبة منه ، ولا تنسلخ قلوبهم منه ، بل يبقى النفاق في قلوبهم إلى أن يموتوا والعياذ بالله فيموتون على النفاق ، لماذا ؟ قال : (( بما أخلفوا الله ما وعدوه )) من الصدقات (( وبما كانوا يكذبون )) : من قولهم إنا سنكون من الصالحين.
فالمهم يا أخي المسلم احذر النذر وحذر إخوانك المسلمين وقل للمريض : إن أراد الله لك شفاء شفاك بدون نذر ، وقل للتلميذ : إن أراد الله أن تنجح نجحت بدون نذر ، وقل لمن أضاع له شيء : إن أراد الله أن يأتي به آتاك من غير نذر، واتق الله في نفسك ، إذا حصل ذلك الشيء فحينئذٍ أشكر الله تصدق بما شئت صم صل .
أما أن تنذر وكأن الله عز وجل لا يأتي بالخير إلا إذا شرط له شرط ، نسأل الله العافية ، ولهذا القول بالتحريم قول قوي ، تحريم النذر ، وإليه مال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
( أما من نذر أن يعصي الله فلا يعصه ) : لو نذر أن يشرب الخمر مثلاً حرم عليه أن يشرب الخمر ، ولا يحل له أن يشرب الخمر بالنذر ، لا يقول : أنا نذرت سأوفي بنذري ، نقول : لا وفاء لنذر في معصية الله ، لو نذر أن يعتدي على شخص لا يحل له أن يعتدي عليه ولو نذر ، لو نذر أن يغتاب شخصاً فلا يحل له أن يغتابه ، لو نذر أن يقاطع قريبه لم يحل له أن يقاطع قريبه ، لو نذر أن يعق والديه لم يحل له أن يعق والديه ، لأن ذلك معصية : ( ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه ) : ولكن ماذا يفعل؟ قال أهل العلم : إنه لا يعصي الله ويكفر كفارة يمين ، يطعم عشرة مساكين أو يكسوهم أو يعتق رقبة ، فإن لم يجد صام ثلاثة أيام متتابعة ، لحديث ورد في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم .
4 - شرح حديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه ). رواه البخاري. أستمع حفظ
شرح حديث عن أم شريك رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها بقتل الأوزاغ، وقال: ( كان ينفخ على إبراهيم ). متفق عليه.
الوزغ هذا السام الأبرص ، هذا الذي يأتي في البيوت يبيض ويفرخ ويؤذي الناس ، أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله ، وكان عند عائشة رضي الله عنها رمح تتبع الأوزاغ وتقتلها ، ( وأخبر عليه الصلاة والسلام أن من قتله في أول مرة فله كذا وكذا من الأجر ، وفي الثانية أقل وفي الثالثة أقل ) ، كل ذلك تحريضًا للمسلمين على المبادرة بقتله وأن يكون قتله بقوة ليموت في أول مرة .
وسماه النبي صلى الله عليه وسلم فاسقاً ، ( وأخبر أنه كان ينفخ النار على إبراهيم ) والعياذ بالله .
إبراهيم حين ألقاه أعداؤه في النار جعل هذا الخبيث الوزغ ينفخ في النار من أجل أن يشتد لهبها على إبراهيم ، مما يدل على عدواته التامة لأهل التوحيد والإخلاص ، ولذلك ينبغي للإنسان أن يتتبع الأوزاغ في بيته ، في السوق ، في المسجد ويقتلها ، والله الموفق .
5 - شرح حديث عن أم شريك رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها بقتل الأوزاغ، وقال: ( كان ينفخ على إبراهيم ). متفق عليه. أستمع حفظ
شرح حديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من قتل وزغة في أول ضربة فله كذا وكذا حسنة، ومن قتلها في الضربة الثانية فله كذا وكذا حسنة دون الأولى، وإن قتلها في الضربة الثالثة فله كذا وكذا حسنة ). وفي رواية: ( من قتل وزغا في أول ضربة كتب له مائة حسنة، وفي الثانية دون ذلك، وفي الثالثة دون ذلك ). رواه مسلم.
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :
نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- في كتابه *رياض الصالحين* :
" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من قتل وزغة في أول ضربة فله كذا وكذا حسنة، ومن قتلها في الضربة الثانية فله كذا وكذا حسنة دون الأولى، وإن قتلها في الضربة الثالثة فله كذا وكذا حسنة ) .
وفي رواية : ( مَن قتل وزغاً في أول ضربة كتب له مائة حسنة، وفي الثانية دون ذلك، وفي الثالثة دون ذلك ) رواه مسلم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( قال رجلٌ لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته، فوضعها في يد سارق، فأصبحوا يتحدثون : تُصُدق الليلة على سارق فقال : اللهم لك الحمد ، لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته، فوضعها في يد زانية، فأصبحوا يتحدثون : تُصدق الليلة على زانية ، فقال : اللهم لك الحمد ، على زانية !! لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته، فوضعها في يد غني، فأصبحوا يتحدثون : تُصدق الليلة على غني . فقال : اللهم لك الحمد على سارق، وعلى زانية، وعلى غني !!.
فأُتي فقيل له: أما صدقتك على سارق فلعله أن يستعف عن سرقته، وأما الزانية فلعلها تستعف عن زناها، وأما الغني فلعله أن يعتبر فينفق مما آتاه الله ) رواه البخاري بلفظه، ومسلم بمعناه .
وعنه رضي الله عنه قال : ( كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوة ، فرُفع إليه الذراع وكانت تعجبه فنهس منها نهسة وقال : أنا سيد الناس يوم القيامة ، هل تدرون مم ذاك ؟ يجمع الله الأولين ) " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
سبق لنا في الدرس الماضي : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الأوزاغ وقال أنه كان ينفخ النار على إبراهيم ) .
والوزغ معروف ، هو هذا الذي يسمى السام الأبرص ، وقتله فيه أجر امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، واحتساباً للثواب والأجر ، لأن في حديث أبي هريرة الذي ذكره المؤلف : ( أن من قتله في أول مرة فله مئة حسنة ، وفي الثانية له سبعون حسنة ، وفي الثالثة دون ذلك ) .
وكل إنسان منا يبتغي الحسنات ، ولكن نسأل الله الهداية إلى طريقها ، فاحرص يا أخي على هذا : اقتله إما بيدك أو النعل أو بالحجر أو بالعصى أو بغير ذلك ، وسبق أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كانت قد أعدت لذلك عصا : أي شيئاً يشبه الرمح تقتل به الأوزاغ ، فلذلك ينبغي للإنسان أن يحرص على قتلها .
6 - شرح حديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من قتل وزغة في أول ضربة فله كذا وكذا حسنة، ومن قتلها في الضربة الثانية فله كذا وكذا حسنة دون الأولى، وإن قتلها في الضربة الثالثة فله كذا وكذا حسنة ). وفي رواية: ( من قتل وزغا في أول ضربة كتب له مائة حسنة، وفي الثانية دون ذلك، وفي الثالثة دون ذلك ). رواه مسلم. أستمع حفظ
شرح حديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( قال رجل لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته، فوضعها في يد سارق، فأصبحوا يتحدثون: تصدق الليلة على سارق فقال: اللهم لك الحمد لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته، فوضعها في يد زانية، فأصبحوا يتحدثون: تصدق الليلة على زانية فقال: اللهم لك الحمد على زانية. لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته، فوضعها في يد غني، فأصبحوا يتحدثون تصدق الليلة على غني. فقال: اللهم لك الحمد على سارق، وعلى زانية، وعلى غني. فأتي فقيل له: أما صدقتك على سارق فلعله أن يستعف عن سرقته، وأما الزانية فلعلها تستعف عن زناها، وأما الغني فلعله أن يعتبر فينفق مما آتاه الله ). رواه البخاري بلفظه، ومسلم بمعناه.
وإذا أتاه خلاف ذلك قال : ( الحمد لله على كل حال ) : هذا هدي النبي عليه الصلاة والسلام .
وأما ما يستعمله بعض الناس : " الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه " ، فهذه عبارة لا ينبغي أن تقال ، لأن كلمة على مكروه : ينبئ عن كراهتك لهذا الشيء ، وأن هذا فيه نوع من الجزع ، ولكن قل كما قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( الحمد لله على كل حال ) .
والإنسان لا شك في أنه في هذه الدنيا يوماً يأتيه ما يسره ويوماً يأتيه ما لا يسوؤه ، فإن الدنيا ليست صافية من كل وجه ، بل صفوها منغص بالكدر ، نسأل الله أن يكتب لنا ولكم بها نصيبًا إلى الأخرة ، لكن إذا أتاك ما يسرك فقل : ( الحمد لله الذي بنعمتة تتم الصالحات ) ، وما يسوؤك إيش؟ ( الحمد لله على كل حال ) .
ثم إنه خرج هذا الرجل قال : ( لأتصدقن الليلة ، فخرج فتصدق فوقعت صدقته في يد زانية ) : امرأة بغي تزني والعياذ بالله تمكن الناس من الزنا بها ، ( فأصبح الناس يتحدثون : تُصدق الليلة على زانية ) : وهذا شيء لا يقبله ، لا الفطرة ، فقال : ( الحمد لله ، ثم قال لأتصدقن الليلة ، -وكأنه رأى أن صدقته الأولى والثانية لم تقبل- فتصدق فوقعت في يد غني ) : والغني ليس من أهل الصدقة ، الغني من أهل الهدية والهبة والكرامة وما أشبه ذلك ، ( فأصبح الناس يتحدثون تُصدق الليلة على غني فقال : الحمد لله على سارق وزانية وغني ) : وهو ماذا يريد؟ يريد أن تقع صدقته في يد فقير متعفف نزيه لكن كان أمر الله قدراً مقدورا فقيل له : ( إن صدقتك قد قبلت ) : إن صدقتك قد قبلت ، لأنه مخلص قد نوى الخير لكنه لم يتيسر له ، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( إذا حكم الحاكم فاجتهد فأخطأ فله أجر ) ، هذا مجتهد ولم يتيسر له ما يريد فقيل له : ( أما صدقتك فقد قُبلت
وأما السارق فلعله أن يستعف عن السرقة ) : ربما يقول هذا مال يكفيني وأن سرقته كانت للحاجة ، ( وأما البغي فلعلها أن تستعف عن الزنا ) ، لأنها ربما كانت تزني والعياذ بالله ابتغاء المال ، وقد حصل لها فتكف عن الزنا ، ( وأما الغني فلعله يعتبر فينفق مما آتاه الله ) .
شوف النية الطيبة يحصل بها الثمرات الطيبة وكل هذا الذي ذكر متوقع وربما يكون يستعف السارق عن السرقة ، والبغي عن الزنا ، والغني يعتبر فيتصدق ولا يبخل .
ففي هذا الحديث دليل على أن الإنسان إذا نوى الخير وسعى فيه وأخطأه فإنه يكتب له ولا يضره ، ولهذا قال العلماء رحمهم الله : " إذا أعطى زكاته من يظنه من أهل الزكاة فتبين أنه ليس من أهل الزكاة فإنها تجزئة " ، مثل رأيت رجلا رثاً عليه ثياب رثة تحسبه فقيرا فأعطيته الزكاة فأصبح الناس يقولون : فلان غني عنده أموال كثيرة أتجزئك الزكاة ؟ الجواب ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : تجزئه الزكاة لأنه قيل لهذا الرجل : أما صدقتك فقد قبلت ، تجزئه الزكاة ، وكذلك إذا أعطيتها غيرك ممن ظننته مستحقا ولم يكن مستحقاً فإنها تجزئك ، والله الموفق.
7 - شرح حديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( قال رجل لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته، فوضعها في يد سارق، فأصبحوا يتحدثون: تصدق الليلة على سارق فقال: اللهم لك الحمد لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته، فوضعها في يد زانية، فأصبحوا يتحدثون: تصدق الليلة على زانية فقال: اللهم لك الحمد على زانية. لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته، فوضعها في يد غني، فأصبحوا يتحدثون تصدق الليلة على غني. فقال: اللهم لك الحمد على سارق، وعلى زانية، وعلى غني. فأتي فقيل له: أما صدقتك على سارق فلعله أن يستعف عن سرقته، وأما الزانية فلعلها تستعف عن زناها، وأما الغني فلعله أن يعتبر فينفق مما آتاه الله ). رواه البخاري بلفظه، ومسلم بمعناه. أستمع حفظ
قراءة من رياض الصالحين.
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :
نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- في كتابه رياض الصالحين : " عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوة ، فرُفع إليه الذراع وكانت تعجبه ، فنهس منها نهسة وقال : أنا سيد الناس يوم القيامة، هل تدرون مم ذاك ؟ يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد ، فيبصرهم الناظر ويُسمعهم الداعي ، وتدنو منهم الشمس ، فيبلغ الناسَ من الغم والكرب مالا يطيقون ولا يحتملون ، فيقول الناس : ألا ترون ما أنتم فيه إلى ما بلغكم ؟! ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم ؟! فيقول بعض الناس لبعض : أبوكم آدم ، فيأتونه فيقولون : يا آدم أنت أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه ، وأمر الملائكة فسجدوا لك ، وأسكنك الجنة ، ألا تشفع لنا إلى ربك ، ألا ترى إلى ما نحن فيه وما بلغنا ، فقال : إن ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله ، وإنه نهاني عن الشجرة فعصيت ، نفسي نفسي نفسي ، اذهبوا إلى غيري ، اذهبوا إلى نوح ، فيأتون نوحاً فيقولون يا نوح : أنت أول الرسل إلى الأرض ) " .