شرح قرة عيون الموحدين-36
الشيخ صالح الفوزان
قرة عيون الموحدين
الحجم ( 4.60 ميغابايت )
التنزيل ( 978 )
الإستماع ( 139 )


13 - " قوله : (( ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله )) الآية : قال ابن القيم : الناس إذا أرسل إليهم الرسل بين أمرين : إما أن يقول أحدهم : آمنا، وإما أن لا يقول ذلك، بل يستمر على السيئات والكفر . فمن قال : آمنا، امتحنه ربه وابتلاه، والفتنة : الابتلاء والاختبار . ومن لم يقل : آمنا، فلا يحسب أنه يعجز الله ويفوته ويسبقه، فلا بد من حصول الألم لكل نفس آمنت، أو رغبت عن الإيمان، لكن المؤمن يحصل له الألم في الدنيا ابتداء، ثم تكون له العاقبة في الدنيا والآخرة، والمعرض عن الإيمان تحصل له اللذة ابتداء، ثم يصير له الألم الدائم " أستمع حفظ

14 - " والإنسان لا بد أن يعيش مع الناس، والناس لهم تصورات وإرادات، فيطلبون منه أن يوافقهم عليها، وإن لم يوافقهم آذوه وعذبوه، وإن وافقهم حصل له العذاب تارة منهم، وتارة من غيرهم . إلى أن قال : فالحزم كل الحزم في الأخذ بما قالت أم المؤمنين لمعاوية : من أرضى الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس، ومن أرضى الناس بسخط الله لم يغنوا عنه من الله شيئا . فمن هداه الله وألهمه رشده، ووقاه شر نفسه ، امتنع من الموافقة على فعل المحرم، وصبر على عداوتهم، ثم تكون له العاقبة في الدنيا والآخرة، كما كانت للرسل وأتباعهم " أستمع حفظ

15 - " ثم أخبر تعالى عن حال الداخل في الإيمان بلا بصيرة، وأنه إذا أوذي في الله جعل فتنة الناس له - وهي أذاهم، ونيلهم إياه بالمكروه، وهو الألم الذي لا بد أن ينال الرسل وأتباعهم ممن خالفهم -، جعل ذلك في فراره منه، وتركه السب الذي يناله به : كعذاب الله الذي فر منه المؤمنون بالإيمان . فالمؤمنون لكمال بصيرتهم فروا من ألم عذاب الله إلى الإيمان، وتحملوا ما فيه من الألم الزائل المفارق عن قريب . وهذا من ضعف بصيرته فر من ألم أعداء الرسل إلى موافقتهم ومتابعتهم، ففر من ألم عذابهم إلى ألم عذاب الله، فجعل ألم فتنة عذاب الناس في الفرار منه بمنزلة عذاب الله، وغبن كل الغبن إذ استجار من الرمضاء بالنار، وفر من ألم ساعة إلى ألم الأبد، وإذا نصر الله جنده وأولياءه قال : إني كنت معكم، والله عليم بما انطوى عليه صدره من النفاق . انتهى " أستمع حفظ

23 - " قال شيخ الإسلام : اليقين يتضمن القيام بأمر الله تعالى، وما وعد الله به أهل طاعته، ويتضمن اليقين بقدر الله وخلقه وتدبيره . فإذا أرضيتهم بسخط الله، ولم تكن موقنا لا بوعده ولا برزقه، فإنه إنما يحمل الإنسان على ذلك : إما ميل إلى ما في أيديهم، فيترك القيام فيهم بأمر الله لما يرجوه منهم . وإما ضعف تصديقه بما وعد الله أهل طاعته من النصر والتأييد، والثواب في الدنيا والآخرة . فإنك إذا أرضيت الله نصرك، ورزقك، وكفاك مؤنتهم . وإرضاؤهم بما يسخطه إنما يكون خوفا منهم ورجاء لهم، وذلك من ضعف اليقين . وأما إذا لم يقدر لك ما تظن أنهم يفعلونه معك، فالأمر في ذلك إلى الله لا لهم، فإنه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، فإذا ذممتهم على ما لم يقدر لك كان ذلك من ضعف يقينك، فلا تخفهم ولا ترجهم، ولا تذمهم من جهة نفسك وهواك، ولكن من حمده الله ورسوله منهم فهو المحمود، ومن ذمه الله ورسوله منهم فهو المذموم . ودل الحديث على أن الإيمان يزيد وينقص، وأن الأعمال من مسمى الإيمان " أستمع حفظ

25 - " قوله : ( من التمس ) أي : طلب . قول شيخ الإسلام : وكتبت عائشة إلى معاوية - ويروى أنها رفعته - : ( من أرضى الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس، ومن أرضى الناس بسخط الله لم يغنوا عنه من الله شيئا ) . هذا لفظ المرفوع، ولفظ الموقوف : ( من أرضى الله بسخط الناس ، رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن أرضى الناس بسخط الله ، عاد حامده من الناس له ذاما ) وهذا من أعظم الفقه في الدين ، فإن من أرضى الله بسخطهم كان قد اتقاه، وكان عبده الصالح، والله يتولى الصالحين، والله كاف عبده، (( ومن يتق الله يجعل له مخرجاً . ويرزقه من حيث لا يحتسب )) ، والله يكفيه مؤنة الناس بلا ريب، ومن أرضى الناس بسخط الله لم يغنوا عنه من الله شيئا ، كالظلم الذي يعض على يديه . وأما كون حامده ينقلب ذاما فهذا يقع كثيرا، ويحصل في العاقبة، فإن العاقبة للتقوى، لا تحصل ابتداء عند أهوائهم . انتهى " أستمع حفظ