شرح قرة عيون الموحدين-41
الشيخ صالح الفوزان
قرة عيون الموحدين
الحجم ( 5.29 ميغابايت )
التنزيل ( 1319 )
الإستماع ( 146 )


8 - " قال شيخ الإسلام : فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الدينار والدرهم، وعبد القطيفة، وعبد الخميصة، وذكر ما فيه، وهو دعاء عليه بلفظ الخبر ، وهو قوله : ( تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش ) وهذه حال من إذا أصابه شر لم يخرج منه ولم يفلح ، لكونه تعس وانتكس، فلا نال المطلوب، ولا خلص من المكروه . وهذه حال من عبد المال، وقد وصف ذلك بأنه : إن أعطي رضي، وإن منع سخط، فرضاه لغير الله، وسخطه لغير الله . وهكذا حال من كان متعلقا برياسة، أو صورة، ونحو ذلك من أهواء نفسه : إن حصل له رضي، وإن لم يحصل له سخط، فهذا عبد ما يهواه من ذلك، وهو رقيق له ، إذ الرق والعبودية في الحقيقة رق القلب وعبوديته، فما استرق القلب واستبعده فهو عبده " أستمع حفظ

9 - " إلى أن قال : وهكذا أيضا حال من طلب المال ، فإن ذلك يستعبده ويسترقه . وهذه الأمور نوعان : فمنها : ما يحتاج إليه العبد ، كما يحتاج إلى طعامه، وشرابه، ومنكحه، ومسكنه، ونحو ذلك، فهذا يطلبه من الله، ويرغب إليه فيه، فيكون المال عنده يستعمله في حاجته بمنزلة حماره الذي يركبه، وبساطه الذي يجلس عليه، من غير أن يستعبده، فيكون هلوعا . ومنها : ما لا يحتاج إليه العبد ، فهذا ينبغي أن لا يعلق قلبه به، فإذا تعلق قلبه صار مستعبدا ومعتمدا على غير الله فيها، فلا يبقى معه حقيقة العبودية لله، ولا حقيقة التوكل على الله، بل فيه شعبة من العبادة لغير الله، وشعبة من التوكل على غيره، وهذا أحق الناس بقوله صلى الله عليه وسلم : ( تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة ) . وهذا عبد لهذه الأمور، ولو طلبها من الله، فإن الله إذا أعطاه إياها رضي، وإن منعه إياها سخط، وإنما عبد الله من يرضيه ما يرضي الله، ويسخطه ما يسخط الله، ويحب ما أحب الله ورسوله، ويبغض ما أبغض الله ورسوله، ويوالي أولياء الله، ويعادي أعداء الله ، فهذا الذي استكمل الإيمان . انتهى ملخصا " أستمع حفظ

11 - " وقد روى ابن جرير عن وهب بن منبه هاهنا أثرا غريبا عجيبا، قال وهب : ( إن في الجنة شجرة يقال لها : طوبى، يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها، زهرها رياط، وورقها برود، وقضبانها عنبر، وبطحاؤها ياقوت، وترابها كافور، ووحلها مسك، يخرج من أصلها أنهار الخمر واللبن والعسل، وهي مجلس لأهل الجنة، فبينا هم في مجلسهم إذ أتتهم الملائكة من ربهم، يقودون نجبا مزمومة بسلاسل من ذهب، وجوهها كالمصابيح من حسنها، وبرها كخز المرعزى من لينه، عليها رحال ألواحها من ياقوت، و دفوفها من ذهب، و ثيابها من سندس و إستبرق، فينيخونها، و يقولون : إن ربنا أرسلنا إليكم لتزوروه و تسلموا عليه ، قال : فيركبونها . قال : فهي أسرع من الطائر، و أوطأ من الفراش خبا من غير مهنة، يسير الرجل إلى جنب أخيه وهو يكلمه و يناجيه ، لا تصيب أذن راحلة منها أذن صاحبتها، ولا برك راحلة برك الأخرى، حتى إن الشجرة لتتنحى عن طريقهم ، لئلا تفرق بين الرجل و أخيه ، قال : فيأتون إلى الرحمن الرحيم، فيسفر لهم عن وجهه الكريم، حتى ينظروا إليه، فإذا رأوه قالوا : اللهم أنت السلام، ومنك السلام، و حق لك الجلال و الإكرام . قال : فيقول تبارك وتعالى عند ذلك : أنا السلام، ومني السلام، وعليكم حقت رحمتي ومحبتي، مرحبا بعبادي الذين خشوني بالغيب، وأطاعوا أمري . قال : فيقولون : ربنا إنا لم نعبدك حق عبادتك، ولم نقدرك حق قدرك، فأذن لنا بالسجود قدامك. قال : فيقول الله : إنها ليست دار عبادة ولا نصب، ولكنها دار ملك ونعيم، وإني قد رفعت عنكم نصب العبادة، فسلوني ما شئتم، فإن لكل رجل منكم أمنيته . فيسألونه، حتى إن أقصرهم أمنية ليقول : رب ! تنافس أهل الدنيا في دنياهم فتضايقوا ، رب ! فآتني مثل كل شيء كانوا فيه، من يوم خلقتها إلى أن انتهت الدنيا . فيقول الله تعالى : لقد قصرت بك أمنيتك، ولقد سألت دون منزلتك، هذا لك مني، لأنه ليس في عطائي نكد ولا تصريد . قال : ثم يقول : اعرضوا على عبادي ما لم تبلغ أمانيهم التي في أنفسهم، فيكون فيما يعرضون عليهم براذون مقرنة، على كل أربعة منها سرير من ياقوتة واحدة على كل سرير منها قبة من ذهب مفرغة، في كل قبة منها فرش من فرش الجنة متظاهرة، في كل قبة منها جاريتان من الحور العين، على كل جارية منهن ثوبان من ثياب الجنة، وليس في الجنة لون إلا وهو فيهما، ولا طيب إلا وقد عبق بهما، ينفذ ضوء وجوههما غلظ القبة، حتى يظن من يراهما أنهما دون القبة، يرى مخهما من فوق، كالسلك الأبيض في ياقوتة حمراء، يريان له من الفضل على صحابته كفضل الشمس على الحجارة أو أفضل، ويرى لهما مثل ذلك، ثم يدخل إليهما، فيحييانه، ويقبلانه، ويعانقانه، ويقولان له : ما ظننا أن الله يخلق مثلك . ثم يأمر الله الملائكة فيسيرون بهم صفا في الجنة، حتى ينتهي كل رجل منهم إلى منزلته التي أعدت له . اهـ " أستمع حفظ

20 - " وروى الحافظ ابن عساكر في ترجمة عبد الله بن المبارك : من طريق محمد بن إبراهيم بن أبي سكينة ، : أنه أملى عليه عبد الله بن المبارك هذه الأبيات بطرسوس، وواعده الخروج، وأنفذها معه إلى الفضيل بن عياض، في سنة سبع وسبعين ومائة : يا عابد الحرمين لو أبصرتنا *** لعلمت أنك في العبادة تلعب من كان يخضب خده بدموعه *** فنحورنا بدمائنا تتخضب أو كان يتعب خيله في باطل *** فخيولنا يوم الصبيحة تتعب ريح العبير لكم ونحن عبيرنا *** رهج السنابك والغبار الأطيب ولقد أتانا من مقال نبينا *** قول صحيح صادق لا يكذب لا يستوي غبار خيل الله في *** أنف امرئ ودخان نار تلهب هذا كتاب الله ينطق بيننا *** ليس الشهيد بميت، لا يكذب قال: فلقيت الفضيل بكتابه في المسجد الحرام، فلما قرأه ذرفت عيناه. فقال:صدق أبو عبد الرحمن ونصحني ، ثم قال أنت ممن يكتب الحديث . قلت نعم ، قال لي : اكتب هذا الحديث ، كراء حملك كتاب أبي عبد الرحمن إلينا . وأملى علي الفضيل بن عياض : حدثنا منصور بن المعتمر، عن أبي صالح، عن أبي هريرة ، أن رجلا قال : يا رسول الله ! علمني عملا أنال به ثواب المجاهدين في سبيل الله . فقال : هل تستطيع أن تصلي فلا تفتر، وتصوم فلا تفطر ؟ فقال : يا رسول الله ! أنا أضعف من أن أستطيع ذلك . ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : فوالذي نفسي بيده، لو طوقت ذلك ما بلغت فضل المجاهدين في سبيل الله، أوما علمت أن فرس المجاهد ليستن في طوله، فيكتب له بذلك حسنات ؟ ) " أستمع حفظ