شرح قرة عيون الموحدين-43
الشيخ صالح الفوزان
قرة عيون الموحدين
الحجم ( 5.12 ميغابايت )
التنزيل ( 1204 )
الإستماع ( 115 )


6 - وقال الشعبي : ( كان بين رجل من المنافقين ورجل من اليهود خصومة، فقال اليهودي : نتحاكم إلى محمد. عرف أنه لا يأخذ الرشوة، وقال المنافق : نتحاكم إلى اليهود. لعلمه أنهم يأخذون الرشوة، فاتفقا أن يأتيا كاهنا في جهينة فيتحاكما إليه، فنزلت (( ألم تر إلى الذين يزعمون )) الآية ، وقيل: نزلت في رجلين اختصما، فقال أحدهما: نترافع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الآخر: إلى كعب بن الأشرف، ثم ترافعا إلى عمر، فذكر له القصة، فقال للذي لم يرض برسول الله صلى الله عليه وسلم: أكذلك؟، قال: نعم. فضربه بالسيف فقتله ) أستمع حفظ

7 - " باب قول الله تعالى (( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً )) الآية قال العماد ابن كثير : والآية ذامة لمن عدل عن الكتاب والسنة، وتحاكم إلى ما سواهما من الباطل، وهو المراد بالطاغوت هاهنا، وكل من عبد شيئا دون الله، بأي نوع كان من أنواع العبادة ، كالدعاء والاستعانة : فإنما عبد الطاغوت، فإن كان المعبود صالحا كانت عبادة العابد له واقعة على الشيطان الذي أمره بعبادته وزينها له، كما قال تعالى (( ويوم يحشرهم جميعاً ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون . قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون ))، وقال تعالى (( ويوم نحشرهم جميعاً ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركآؤكم فزيلنا بينهم وقال شركآؤهم ما كنتم إيانا تعبدون . فكفى بالله شهيداً بيننا وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغافلين )) والآية بعدها " أستمع حفظ

10 - " وكذلك من خالف حكم الله ورسوله، بأن حكم بين الناس بغير ما أنزل الله، أو مع الجهل بذلك، أو طلب ذلك أن يتبع عليه، أو أطاعه فيما يعلم أنه حق، إذا كان المطيع له لا يبالي أكان أمره حقا أم لا، فهو طاغوت بلا ريب ، كما قال تعالى (( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به )) ، لأن الكفر بالطاغوت ركن التوحيد، كما في آية البقرة، فإذا لم يحصل هذا الركن لم يكن قد نفى ما نفته ( لا إله إلا الله ) " أستمع حفظ

13 - قال العلامة ابن القيم رحمه الله : هذا دليل على أن من دعي إلى تحكيم الكتاب والسنة فأبى أنه من المنافقين . قلت : فما أكثرهم لا كثرهم الله ! قال : (( ويصدون )) لازم، وهو بمعنى يعرضون ، لأن مصدره (( صدودا )) . فما أكثر من اتصف بهذا الوصف، خصوصا من يدعي العلم ، فإنهم صدوا عما توجبه الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله إلى أقوال من يخطئ كثيرا، ممن ينتسب إلى مذهب من مذاهب الأربعة، في تقليدهم من لا يجوز تقليده فيما يخالف الدليل . فصار المتبع للرسول صلى الله عليه وسلم بين أولئك غريبا، وقد عمت البلوى بهذا " أستمع حفظ

16 - " قال ابن القيم : قال أكثر المفسرين : لا تفسدوا فيها بالمعاصي، والدعاء إلى غير طاعة الله، بعد إصلاح الله إياها ببعث الرسل، وبيان الشريعة، والدعاء إلى طاعة الله، فإن عبادة غير الله، والدعوة إلى غيره، والشرك به : هو أعظم فساد في الأرض، بل فساد الأرض في الحقيقة إنما هو بالشرك . والدعوة إلى غير الله، وإقامة معبود غيره، ومطاع ومتبع غير رسول الله صلى الله عليه وسلم : هو أعظم الفساد في الأرض . ولا صلاح لها، ولا لأهلها إلا بأن يكون الله وحده هو المعبود المطاع، والدعوة له لا لغيره، والطاعة والاتباع لرسوله ليس إلا، وغيره إنما تجب طاعته إذا أمر بطاعة الرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أمر بمعصيته وخلاف شريعته فلا سمع ولا طاعة " أستمع حفظ

18 - " قوله : وقوله (( أفحكم الجاهلية يبغون )) الآية : قال ابن كثير : ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله ، المشتمل على كل خير، والنهي عن كل شر، وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء، والاصطلاحات التي وضعها الرجال، بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الجهالات والضلالات، كما يحكم به التتار، من السياسات المأخوذة عن جنكيز خان، الذي وضع لهم كتابا مجموعا من الأحكام اقتبسه من شرائع شتى، وفيها كثير من الأحكام أخذها عن مجرد نظره، وصار في بنيه شرعا يقدمونه على الحكم بالكتاب والسنة . ومن فعل ذلك فهو كافر يجب قتاله، حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله، فلا يحكم بسواه في قليل ولا كثير " أستمع حفظ

20 - " قوله : عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به ) . قال النووي : حديث صحيح ، رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح : هذا الحديث رواه الشيخ أبو الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي الشافعي في كتاب - الحجة على تارك المحجة - بإسناد صحيح كما قاله المصنف عن النووي، ورواه الطبراني، وأبي بكر بن أبي عاصم، والحافظ أبو نعيم في - الأربعين - التي شرط لها أن تكون في صحاح الأخبار . وشاهده في القرآن ، قال تعالى (( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما )) ، وقوله (( وما كان لمؤمنٍ ولا مؤمنةٍ إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم )) ، وقوله (( فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهوآءهم ))، ونحو هذه الآيات " أستمع حفظ

21 - " قوله :" حتى يكون هواه تبعا لما جئت به " : الهوى : بالقصر، أي : ما تهواه وتحبه نفسه، فإن كان الذي يحبه وتميل إليه نفسه، ويعمل به : تابعا لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، لا يخرج عنه إلى ما يخالفه ، فهذه صفة أهل الإيمان المطلق، الذي يوجب لصاحبه الجنة والنجاة من النار . وإن كان بخلاف ذلك، أو في بعض أحواله، أو أكثرها : انتفى عنه من الإيمان كماله الواجب، فيطلق عليه مؤمن بقيد ، لنقص إيمانه بالمعصية، كما في حديث أبي هريرة :( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ) ، فيكون مسلما ومعه مطلق الإيمان الذي لا يصح إسلامه إلا به، وهذا التوحيد الذي لا يشوبه شرك ولا كفر ، وهذا هو الذي يذهب إليه أهل السنة والجماعة، خلافا للخوارج والمعتزلة، فإن الخوارج يكفرون بالذنوب، والمعتزلة لا يطلقون عليه الإيمان، ويقولون بتخليده في النار . وكلا الطائفتين ابتدع في الدين، وترك ما دل عليه الكتاب والسنة، فقد قال تعالى (( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ))، فقيد مغفرة ما دون الشرك بالمشيئة . وتواترت الأحاديث بما يحقق ما ذهب إليه أهل السنة، فقد أخرج البخاري وغيره عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( يخرج من النار من قال : لا إله إلا الله، وفي قلبه وزن شعيرة من خير، ويخرج من النار من قال : لا إله إلا الله، وفي قلبه وزن برة من خير، ويخرج من النار من قال : لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من خير ) " أستمع حفظ

22 - " قوله : وقال الشعبي : ( كان بين رجل من المنافقين ورجل من اليهود خصومة، فقال اليهودي : نتحاكم إلى محمد ؛ عرف أنه لا يأخذ الرشوة، وقال المنافق : نتحاكم إلى اليهود ، لعلمه أنهم يأخذون الرشوة، فاتفقا على أن يأتيا كاهنا في جهينة، فيتحاكما إليه، فنزلت (( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك )) الآية . وقيل : نزلت في رجلين اختصما، فقال أحدهما : نترافع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الآخر : إلى كعب بن الأشرف، ثم ترافعا إلى عمر، فذكر له أحدهما القصة، فقال للذي لم يرض برسول الله صلى الله عليه وسلم : أكذلك ؟ قال : نعم . فضربه بالسيف، فقتله ) " أستمع حفظ