تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وينبغي أن يعلم أن النفي ليس فيه مدح ولا كمال إلا إذا تضمن إثباتا وإلا فمجرد النفي ليس فيه مدح ولا كمال ; لأن النفي المحض عدم محض ; والعدم المحض ليس بشيء وما ليس بشيء فهو كما قيل : ليس بشيء ; فضلا عن أن يكون مدحا أو كمالا ولأن النفي المحض يوصف به المعدوم والممتنع والمعدوم والممتنع لا يوصف بمدح ولا كمال . فلهذا كان عامة ما وصف الله به نفسه من النفي متضمنا لإثبات مدح ." .
مثلاً : (( لا تأخذه سنة ولا نوم )) هذا ما يمكن أن نقول إنه مدح إلا إذا تضمنت إثباتاً ، أي صفة ثبوتيه ، وجه ذلك .؟
لأن مجرد النَّفْيَ لَيْسَ فِيهِ مَدْحٌ وَلَا كَمَالٌ " لِأَنَّ النَّفْيَ الْمَحْضَ عَدَمٌ مَحْضٌ " يعني مجرد النفي ليس بشيء فهو عدم ، يقول : " وَالْعَدَمُ الْمَحْضُ لَيْسَ بِشَيْءِ ، وَمَا لَيْسَ بِشَيْءِ فَهُوَ كَمَا قِيلَ : لَيْسَ بِشَيْءِ" يعني ما ليس بشيء فهو ليس بشيء هذا المعنى ، ما ليس بشيء فليس بشيء " فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ مَدْحًا أَوْ كَمَالًا وَلِأَنَّ النَّفْيَ الْمَحْضَ يُوصَفُ بِهِ الْمَعْدُومُ وَالْمُمْتَنِعُ ، وَالْمَعْدُومُ وَالْمُمْتَنِعُ لَا يُوصَفُ بِمَدْحِ وَلَا كَمَالٍ . فَلِهَذَا كَانَ عَامَّةُ مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ النَّفْيِ مُتَضَمِّنًا لِإِثْبَاتِ مَدْحٍ " .
القاعدة هذه في النفي تقول : النفي المحض الذي لا يراد منه إثبات كمال هذا ليس بمدح ، وجه ذلك .؟ لأن النفي المحض وش معناه .؟ العدم ، نفي عدم ، منفي معدوم ، هذه الموازنة ، طيب العدم المحض الشيء المعدوم مثل ماذا قال المؤلف : " الشيء المعدوم ليس بشيء" إذا كان ليس بشيء هل يمكن أن يكون مدحاً .؟ لا ، إذا فتبين الآن أن النفي إذا لم يتضمن إثباتاً فلا يمكن أن يتصف الله به ، لأن الله موصوف بصفات الكمال ، فإذا لم يتضمن النفي كمالاً لا يمكن أن يتصف الله به .
الآن مثلاً يا جماعة عندما أقول : هذه المروحة لا تأخذها سنة ولا نوم ، هل هذا صحيح أم لا ؟ ! إلا ، صحيح ، إلا إذا رآها أحدكم حين تنام.
الطالب : لكنها غير قابلة .
الشيخ : لكن هل هذا مدح .؟ لا ، لأنها ليست بقابلة ، إذن فليس لا تأخذها سنة ولا نوم لكمالها ، ولكن لأنها غير قابلة لذلك ، واضح .؟ طيب عندما أقول : هذا الرجل شجاع لا يمكن أن ينام والعدو أمامه ، هل هذا مدح ؟! هذا لا ينام والعدو أمامه ، شوفو هذا رجل شجاع لا يمكن أن ينام والعدو أمامه ، هذا واحدة ، كلمة أخرى : هذا لا ينام والعدو ... الثانية نشوف واش تضمنت ، هل لا ينام والعدو أمامه من أجل الخوف والذعر ، أو لا ينام والعدو أمامه من أجل القوة ليقضي على عدو ، إذن تحتمل أمرين :
إذا لم تتضمن مدحاً صارت ليست مدحاً ، أو لا ولهذا قال الله عز وجل : (( إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ )) في يوم بدر ، دليل على أنهم ليسوا خائفين ، فالحاصل أن تقول النفي المحض ليس بنفي حتى يتضمن إثبات مدح .
قال الله عن نفسه : (( لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ )) لماذا ؟! لكمال حياته وقيوميته ، لأن الحياة الكاملة لا تحتاج إلى نوم ، الحياة الناقصة تحتاج إلى نوم ، لأن النوم ينقض منا سبق من تعب ، ويستجد نشاطا لما يستقبل أليس كذلك، إذن فمعنى هذا أن الجسم أرهق فاحتاج إلى النوم واحتاج إلى راحة، وأنه لا يمكن أن يستمر في نشاطه فيحتاج إلى تجديد نشاطه ، فيدل النوم على النقص ، ولهذا كان أهل الجنة لا ينامون لكمال حياتهم .
القيومية كمال القيومية في عدم النوم لأن القيوم هو القائم بنفسه وعلى غيره كما قال الله تعالى : (( أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ )) وهو الله ، كما ليس بقائم على كل نفس بما كسبت وهي الأصنام ، ولهذا قال : (( وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء )).
القائم على غيره هل يمكن أن ينام مع تمام القيام على غير؟!
الطالب : لا .
الشيخ : لاسيما وأن هذا الغير كل كائن في السماء والأرض ، فما دام الغير الذي قائم الله عليه ، هو كل كائن في السماء والأرض ،فهذه الكائنات محتاجة إلى مراعاتها وإمدادها وإيجادها وإعدامها في كل لحظة ، فلا يمكن أن ينام لكمال قيوميته .
الشيخ : صار الآن نفي السنة والنوم تضمن إثباتاً أم لا ؟!
الطالب : ... .
الشيخ : ما هو الإثبات الذي تضمنه ؟! كمال حياته وقيوميته .صار القاعدة عندنا في النفي ، وش القاعدة .؟
أنه لا يعتبر ، ولا يصح أن يكون كمالاً إلا إذا تضمن إثباتا ، هذا الإثبات الذي يتضمنه هو كمال ضد ذلك المنفي ، فإذا نفى الله عن نفسه النوم والسنة معناه أننا استفدنا من هذا فائدتين :
الأولى : ما دل عليه اللفظ بالمطابقة ، وهو عدم السنة والنوم .
الثانية : ما دل عليه اللفظ بالالتزام ، وهو كمال الحياة والقيومية .
طيب نفى الله عن نفسه الظلم ، لماذا .؟ لكمال عدله ، لا لنفي الظلم المطلق ، لو كان لمجرد النفي لم يكن ذلك مدحاً ، بل ربما يكون ذما .
وأنا قلت مثلا لو قلنا : هذه المروحة لا تظلم .؟ هل في ذلك مدحا لها .؟
الطالب : لا .
الشيخ : ليش .؟ لأنه عدم القابلية فلا يتضمن إثباتا ، ما نقول لا تظلم لأنها عادلة . طيب لو قلنا في رجل ضعيف مهين ، هذا الرجل لا يظلم ، هل هذا مدح .؟ هذا ذم .
صار النفي الآن في الأول ما دل على المدح ولا الذم لعدم القابلية ، وهنا دل على الذم ، لأنه استلزم إثبات صفة نقص ، ومنه قول الشاعر :
" قُبيلة لا يغّدرون بذمه *** ولا يظلمون الناس حبة خردل "
لماذا ؟! لكمال عدلهم ووفائهم ، أم لعجزهم وعدم قدرتهم ؟!
الطالب : لعجزهم .
الشيخ : نعم لعجزهم وعدم قدرتهم . وكذا قول الشاعر :
" لكن قومي وإن كانوا ذوي حسب *** ليسوا من الشر في شيء وإن هانا .
يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة *** ومن إساءة أهل السوء إحساناً " .
قومه ليسوا من الشر في شي ، هذا نفي لانتسابهم للشر ، لكن ما رأيكم هل هو متضمن للمدح أو لا .؟ بل للذم ، ولذا قال :
" فليت لي بهم قوماً إذ ركبوا *** شنوا الإغارة فرساناً وركباناً "
قال : ليت لي بدلهم أحدا ما يكون بهذا الوضع .
فبين بهذا أن ما نفى الله عن نفسه يجب أن يكون مستلزما لإثبات صفة كمال ، هذا الكمال هو نقيض ما نفي الله عن نفسه . طيب سؤالك .؟
الطالب : كلمة المحض .؟
الشيخ : المحض الخالص الذي لا يشاركه شيء .
الشيخ : طيب يقول المؤلف رحمه الله ، الوجه الثاني ، ألم يقل : "وإلا فمجرد النفي ليس فيه مدح ... " أيضا يقول : " وَلِأَنَّ النَّفْيَ الْمَحْضَ يُوصَفُ بِهِ الْمَعْدُومُ وَالْمُمْتَنِعُ وَالْمَعْدُومُ وَالْمُمْتَنِعُ لَا يُوصَفُ بِمَدْحِ وَلَا كَمَالٍ " المعدوم والممتنع يوصف بالنفي المحض ... قال الله عزّ وجل : (( هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً )) .
هذا نفي أن يكون شيئاً ، لماذا .؟ لأنه معدوم (( هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً )) نفى الله أن يكون الإنسان شيئاً لأنه معدوم ، فالنفي إذن يكون للمعدوم والمعدوم ليس بشيء ، يكون في الشيء الممتنع .
قال تعالى : (( وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ )) هذا نفي ، هل هو للشيء الممتنع أو للشيء الممكن لكن لم يوجد ؟! بل هو نفي لشيء ممتنع ، لم يكن الإنسان خالقاً نفسه ، هذا نفي لشيء ممتنع .
لا أثر بدون مؤثر نفي لكن لشيء ممتنع .
إذن ما دام أن النفي المحض يوصف به الشيء المعدوم والممتنع فإذن لا يمكن أن يكون ما نفى الله عن نفسه من الصفات مجرد نفي فقط بل لابد من إثبات كمال .
1 - تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وينبغي أن يعلم أن النفي ليس فيه مدح ولا كمال إلا إذا تضمن إثباتا وإلا فمجرد النفي ليس فيه مدح ولا كمال ; لأن النفي المحض عدم محض ; والعدم المحض ليس بشيء وما ليس بشيء فهو كما قيل : ليس بشيء ; فضلا عن أن يكون مدحا أو كمالا ولأن النفي المحض يوصف به المعدوم والممتنع والمعدوم والممتنع لا يوصف بمدح ولا كمال . فلهذا كان عامة ما وصف الله به نفسه من النفي متضمنا لإثبات مدح ." . أستمع حفظ
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " فلهذا كان عامة ما وصف الله به نفسه من النفي متضمنا لإثبات مدح كقوله : (( الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم )) إلى قوله : (( ولا يؤوده حفظهما )) فنفي السنة والنوم : يتضمن كمال الحياة والقيام ; فهو مبين لكمال أنه الحي القيوم وكذلك قوله : (( ولا يؤوده حفظهما )) أي لا يكرثه ولا يثقله وذلك مستلزم لكمال قدرته وتمامها بخلاف المخلوق القادر إذا كان يقدر على الشيء بنوع كلفة ومشقة فإن هذا نقص في قدرته وعيب في قوته وكذلك قوله : (( لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض )) فإن نفي العزوب مستلزم لعلمه بكل ذرة في السموات والأرض وكذلك قوله : (( ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب )) فإن نفي مس اللغوب الذي هو التعب والإعياء دل على كمال القدرة ونهاية القوة بخلاف المخلوق الذي يلحقه من التعب والكلال ما يلحقه " .
بل دلالة النطق ، مطابقة أم تضمن أم إلتزام ؟! أو ما تعرفون أنواع الدلالات .؟ المطابقة والتضمن والالتزام .
مثال قصير لأجل ما يقطعنا الوقت ، إذا قلت : هذا بيت .كلمة بيت تدل على مجموع البناء كله بحجره وغرفة وساحاته تدل عليه دلالة مطابقة ، لأن بيت مطابق لما دل عليه بجميع أجزاءه ، دلالة هذه الكلمة على هذه الغرفة وحدها والغرفة وحدها والحجرة وحدها .؟ دلالة تضمن .
دلالته على أن هذا البيت لابد له من باني .؟ دلالة التزام .
عندما نقول : (( لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ )) دلالتها على نفي السنة من باب دلالة المطابقة ، ودلالتها على كمال حياته وقيوميتة من باب دلالة الإلتزام .
ولهذا يقول المؤلف : " فلهذا كان عامة ما وصف الله به نفسه من النفي متضمنا لإثبات مدح كقوله : (( الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم )) إلى قوله : (( ولا يؤوده حفظهما )) فَنَفْيُ السِّنَةِ وَالنَّوْمِ يَتَضَمَّنُ كَمَالَ الْحَيَاةِ وَالْقِيَامِ ، فَهُوَ مُبَيِّنٌ لِكَمَالِ أَنَّهُ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : (( وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا )) أَيْ لَا يُكْرِثُهُ وَلَا يُثْقِلُهُ وَذَلِكَ مُسْتَلْزِمٌ لِكَمَالِ قُدْرَتِهِ وَتَمَامِهَا ، بِخِلَافِ الْمَخْلُوقِ الْقَادِرِ إذَا كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الشَّيْءِ بِنَوْعِ كُلْفَةٍ وَمَشَقَّةٍ فَإِنَّ هَذَا نَقْصٌ فِي قُدْرَتِهِ وَعَيْبٌ فِي قُوَّتِهِ " أظنه واضح هذا ، تطبيق للقاعدة فقط .
" وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : (( لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ )) " لا يعزب لا يغيب " فإن نفي العزوب مستلزم لعلمه بكل ذرة في السماوات والأرض " إذا لا يعزب عنه مثقال ذرة لكمال علمه بكل شيء .
" وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : (( وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ )) فَإِنَّ نَفْيَ مَسِّ اللُّغُوبِ الَّذِي هُوَ التَّعَبُ وَالْإِعْيَاءُ دَلَّ عَلَى كَمَالِ الْقُدْرَةِ وَنِهَايَةِ الْقُوَّةِ بِخِلَافِ الْمَخْلُوقِ الَّذِي يَلْحَقُهُ مِنْ التَّعَبِ والكلال مَا يَلْحَقُهُ " أظنه واضح الآية :
(( وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ )) أي من تعب وإعياء ، لماذا .؟ لكمال القدرة والقوة ، المخلوق يبني مثلا بيتا ، لكن بتعب ومشقة ، ولهذا إذا عمل من طلوع الشمس إلى غروبها تجده على طول يطيح بالأرض ، لأنه يتعب بخلاف الخالق سبحانه وتعالى فإنه لا يتعب ولا يعجز .
2 - تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " فلهذا كان عامة ما وصف الله به نفسه من النفي متضمنا لإثبات مدح كقوله : (( الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم )) إلى قوله : (( ولا يؤوده حفظهما )) فنفي السنة والنوم : يتضمن كمال الحياة والقيام ; فهو مبين لكمال أنه الحي القيوم وكذلك قوله : (( ولا يؤوده حفظهما )) أي لا يكرثه ولا يثقله وذلك مستلزم لكمال قدرته وتمامها بخلاف المخلوق القادر إذا كان يقدر على الشيء بنوع كلفة ومشقة فإن هذا نقص في قدرته وعيب في قوته وكذلك قوله : (( لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض )) فإن نفي العزوب مستلزم لعلمه بكل ذرة في السموات والأرض وكذلك قوله : (( ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب )) فإن نفي مس اللغوب الذي هو التعب والإعياء دل على كمال القدرة ونهاية القوة بخلاف المخلوق الذي يلحقه من التعب والكلال ما يلحقه " . أستمع حفظ
قراءة الطالب للعقيدة التدمرية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
وإذا تأملت ذلك : وجدت كل نفي لا يستلزم ثبوتا هو مما لم يصف الله به نفسه ، فالذين لا يصفونه إلا بالسلوب لم يثبتوا في الحقيقة إلها محمودا بل ولا موجودا ، وكذلك من شاركهم في بعض ذلك كالذين قالوا لا يتكلم أو لا يرى أو ليس فوق العالم أو لم يستو على العرش ، ويقولون : ليس بداخل العالم ولا خارجه ولا مباينا للعالم ولا محادث له ; إذ هذه الصفات يمكن أن يوصف بها المعدوم ; وليست هي صفة مستلزمة صفة ثبوت ولهذا قال محمود بن سبكتكين لمن ادعى ذلك في الخالق : ميز لنا بين هذا الرب الذي تثبته وبين المعدوم . وكذلك كونه لا يتكلم أو لا ينزل ليس في ذلك صفة مدح ولا كمال ; بل هذه الصفات فيها تشبيه له بالمنقوصات أو المعدومات ، فهذه الصفات منها ما لا يتصف به إلا المعدوم ومنها ما لا يتصف به إلا الجمادات والناقص ".
الخلاصة أن الله تعالى لا يثبت لنفسه إلا كل صفة كمال .
النفي يقال : كل نفي نفى الله عن نفسه فإنه متضمن لأي شيء .؟ للإثبات ، كل نفي متضمن للإثبات ، لإثبات صفة كمال ، (( ولا يظلم ربك أحدا )) وش متضمن له .؟ لإثبات كمال العدل ، (( وما مسنا من لغوب )) لإثبات كمال القوة ، وهكذا .
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وكذلك قوله : (( لا تدركه الأبصار )) إنما نفى الإدراك الذي هو الإحاطة كما قاله أكثر العلماء , ولم ينف مجرد الرؤية ; لأن المعدوم لا يرى , وليس في كونه لا يرى مدح ; إذ لو كان كذلك لكان المعدوم ممدوحا , وإنما المدح في كونه لا يحاط به وإن رئي ; كما أنه لا يحاط به وإن علم فكما أنه إذا علم لا يحاط به علما : فكذلك إذا رئي لا يحاط به رؤية فكان في نفي الإدراك من إثبات عظمته ما يكون مدحا وصفة كمال وكان ذلك دليلا على إثبات الرؤية لا على نفيها لكنه دليل على إثبات الرؤية مع عدم الإحاطة وهذا هو الحق الذي اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها . وإذا تأملت ذلك وجدت كل نفي لا يستلزم ثبوتا هو مما لم يصف الله به نفسه . " .
" وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : (( لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ )) " (( وهو يدرك الأبصار ))
لا تدركه الأبصار أي لا تحيط به رؤية ، لأن إدراك الشيء بمعنى الإحاطة ، أدركته أحطت به ، فالمعنى أن الأبصار لا تحيط به رؤية ، وكلمة لا تدركه يقول : " إنما نفى الإدراك الذي هو الإحاطة كما قاله أكثر العلماء ولم ينف مجرد الرؤية ، لأن المعدوم لا يرى " صح ،
ما قال إن الله لا يرى ، بل قال لا تدركه الأبصار ، ونفي الأخص لا يقتضي نفي الأعم ، وش معناه .؟ يعني أن نفي الإدراك ، كونك ترى الشيء ولا تدركه ، لا ينفي أنك تراه فقط بدون إدراك .
نحن نرى الشمس ولكن هل نحن ندركها ؟! ما ندركها ، وهذه قاعدة معروفة عند أهل العلم ، نفي الأخص لا يقتضي نفي الأعم ـ سواء كان ذلك في المحسوسات أو كان ذلك في المعنويات .
عندما تقول مثلاً : فلان لا يجيد الخط ، هل معنى ذلك أنه لا يكتب .؟ لا ، ما ينفى أنه لا يكتب ، يمكن يكتب لكن بدون إجادة . فلان لا يحسن التعبير ، هل معناه لا يعبر .؟ لا ، معناه لا يجيد النعبير ولا يحسنه ، فنفي الأخص معنويا كان أم حسيا لا يستلزم نفي الأعم .
(( لا تدركه الأبصار )) لم يقل لا تراه الأبصار و لو قال لا تراه صحيح ، نفى الرؤية ، لكن لا تدركه أخص من الرؤية ، وش وجه أنه أخص .؟ لأن الشيء قد يرى ولا يحاط ، قد يرى ولا يدرك ، فأنت إذا نفيت الإدراك ليس معنى ذلك أنك نفيت أصل الرؤية ، ولهذا استدل بعض العلماء في هذه الآية على إثبات رؤية الله ، هذه الآية استدل بها من ينكر بأن الله يرى واستدل بها من يقول إن الله يرى ، وأيهما أسعد بالدلالة .؟ أيهما المصيب .؟ الذي استدل بها على أن الله يرى هو المصيب ، وذلك لأن نفي الإدراك يدل على وجود أصل الرؤية ، ولو كان أصل الرؤية مفقوداً لقال : لا تراه الأبصار . لأن كونه يعبر عن أصل الرؤية بالإدراك هذا إلغاز وليس بيانا ، والقرآن بيان .
إذن يقول المؤلف رحمه الله : " وَلَمْ يَنْفِ مُجَرَّدَ الرُّؤْيَةِ ، لِأَنَّ الْمَعْدُومَ لَا يُرَى ، وَلَيْسَ فِي كَوْنِهِ لَا يُرَى مَدْحٌ ، إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ الْمَعْدُومُ مَمْدُوحًا ، وَإِنَّمَا الْمَدْحُ فِي كَوْنِهِ لَا يُحَاطُ بِهِ " في الحقيقة قول المؤلف : لأن المعدوم لا يرى ، هذا قد يعارض فيه من يعارض ، ويقول إذا كان الموجود محجوبا فإنه موجود لا يرى ، عرفتم يا جماعة ، لكن نقول : لا يرى لا لكونه معدوما لكن لكونه محجوبا الآن مثلاً لو كان أحداً خلف هذا الجدار لكنا لا نراه ، لأنه معدوم أو لأنه محجوب ؟! لأنه محجوب ، ولكن الجواب على هذا أن يقال: إن هذا المحجوب من شأنه أن يرى لولا المانع ، إذن فالذي لا يرى مطلقاً بدون موانع هو المعدوم ، وأما المحجوب فصحيح أنه لا يرى لكن لوجود مانع ، كما لو كان الإنسان حاضرا ليس بينه وبين الرجل الأعمى إلا سنتمتر ، فإن هذا الرجل الأعمى يراه أو لا .؟ لا يراه ، لأنه معدوم أو لوجود المانع .؟ لوجود المانع ، إذن نقول إن الله لا يمتدح بكونه لا يرى لأن الأصل فيما لا يرى العدم . فكلام المؤلف تبين أنه لا معارض له . وأنا قلت لكم ربما نعارض كلام المؤلف ، ولكن أجبت ، لأن هذه المعارضة وش مبنية عليه .؟ على وجود مانع ... فالذي لا يرى لكون الإنسان أعمى أو لا يرى لكونه حال بينه جدار أو شجرة ، هذا ليس معناه أنه ليس بموجود ، لكنه موجود وجد له مانع .
طيب يقول : " وَإِنَّمَا الْمَدْحُ فِي كَوْنِهِ لَا يُحَاطُ بِهِ وَإِنْ رُئِيَ ، كَمَا أَنَّهُ لَا يُحَاطُ بِهِ وَإِنْ عُلِمَ ، فَكَمَا أَنَّهُ إذَا عُلِمَ لَا يُحَاطُ بِهِ عِلْمًا ، فَكَذَلِكَ إذَا رُئِيَ لَا يُحَاطُ بِهِ رُؤْيَةً ، فَكَانَ فِي نَفْيِ الْإِدْرَاكِ مِنْ إثْبَاتِ عَظَمَتِهِ مَا يَكُونُ مَدْحًا وَصِفَةَ كَمَالٍ ، وَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى إثْبَاتِ الرُّؤْيَةِ لَا عَلَى نَفْيِهَا ".
ما هو الدليل على إثبات الرؤيا ؟! نفي الإدراك ، إذن نفي الإدراك دل على أمرين : كمال عظمة الله لأنه لعظمة لا يدرك ، والشيء العظيم لا يمكن أن يدركه الإنسان ، لا تدركه ، لو أن هناك جبلاً كبيراً واسعاً أو بحراً عميقاً واسعاً ، لا تستطع أن تدركه ، لأي شيء ؟! لعظمته .
وكذلك لو كان شيئاً بعيداً رفيعا عاليا أو منيراً يحجب الرؤية ، أو ما شابه ذلك ، ما رأيته من أجل عظمته ، فنفي إدراك الرؤية بالنسبة لله دليل على كماله ، ونفي الإدراك دليل على إثبات الرؤية . ووجهه .؟
" لَكِنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى إثْبَاتِ الرُّؤْيَةِ مَعَ عَدَمِ الْإِحَاطَةِ وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا ، وَإِذَا تَأَمَّلْت ذَلِكَ وَجَدْت كُلَّ نَفْيٍ لَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتًا هُوَ مِمَّا لَمْ يَصِفْ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ ".
الطالب : كمال عظمة الله ... .
الشيخ : كمال عظمة الله ، والثانية إثبات الرؤية .
الطالب : في يوم القيامة .؟
الشيخ : إيه في يوم القيامة .
قال : " وَإِذَا تَأَمَّلْت ذَلِكَ وَجَدْت كُلَّ نَفْيٍ لَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتًا هُوَ مِمَّا لَمْ يَصِفْ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ " وهذه قد سبق شرحه قريبا ، أن القاعدة فيما نفي الله عن نفسه : أنه متضمن إثبات صفة كمال . كل ما نفى الله عن نفسه فهو متضمن لإثبات صفة كمال .
5 - تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وكذلك قوله : (( لا تدركه الأبصار )) إنما نفى الإدراك الذي هو الإحاطة كما قاله أكثر العلماء , ولم ينف مجرد الرؤية ; لأن المعدوم لا يرى , وليس في كونه لا يرى مدح ; إذ لو كان كذلك لكان المعدوم ممدوحا , وإنما المدح في كونه لا يحاط به وإن رئي ; كما أنه لا يحاط به وإن علم فكما أنه إذا علم لا يحاط به علما : فكذلك إذا رئي لا يحاط به رؤية فكان في نفي الإدراك من إثبات عظمته ما يكون مدحا وصفة كمال وكان ذلك دليلا على إثبات الرؤية لا على نفيها لكنه دليل على إثبات الرؤية مع عدم الإحاطة وهذا هو الحق الذي اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها . وإذا تأملت ذلك وجدت كل نفي لا يستلزم ثبوتا هو مما لم يصف الله به نفسه . " . أستمع حفظ
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " فالذين لا يصفونه إلا بالسلوب : لم يثبتوا في الحقيقة إلها محمودا بل ولا موجودا وكذلك من شاركهم في بعض ذلك كالذين قالوا لا يتكلم أو لا يرى أو ليس فوق العالم أو لم يستو على العرش ويقولون : ليس بداخل العالم ولا خارجه ولا مباينا للعالم ولا محايثا له ; إذ هذه الصفات يمكن أن يوصف بها المعدوم ; وليست هي صفة مستلزمة صفة ثبوت . ولهذا قال محمود بن سبكتكين لمن ادعى ذلك في الخالق : ميز لنا بين هذا الرب الذي تثبته وبين المعدوم . وكذلك كونه لا يتكلم أو لا ينزل ليس في ذلك صفة مدح ولا كمال ; بل هذه الصفات فيها تشبيه له بالمنقوصات أو المعدومات فهذه الصفات منها ما لا يتصف به إلا المعدوم ومنها ما لا يتصف به إلا الجمادات والناقص . ".
هناك أناس يشاركهم في هذا لكن ليس في كله ، مثل الذين قالوا لا يتكلم ، والذين قالوا إنه لا يرى ، والذين قالوا ليس فوق العالم ، والذين قالوا ليس مستوياً على العرش ، هؤلاء وصفوه بأي شيء .؟ بالسّلوب ، السّلوب ترى معناه النفي ، السّلوب جمع سلب وهو النفي ، من الذين قالوا هذا .؟ الأشعرية قالوا إن الله يتكلم لكن فسروا الكلام بما ليس بكلام ، وش قالوا .؟ فقالوا في كلام الله أنه هو المعنى القائم بنفسه ، وليس الصوت أو الحروف ، فهم فسروا الكلام بما ليس بكلام .
الذين قالوا لا يرى .؟ نفس الأشعرية يقولون إن الله لايرى ، مستحيل أن الله يرى لا في الدنيا ولا في الآخرة .
الذين قالوا ليس فوق العالم ، هم أيضا الأشعرية ، يقول إن الله ليس فوق العالم ، والذي يقول أن الله فوق العالم مجسم ممثل .
طيب العلو .؟ يقولون العلو الذي أثبت الله لنفسه إنما هو علو الصفات فقط وليس علو الذات .
الذين قالوا لم يستو على العرش ، من .؟ أيضاً هم الأشعرية ، يقولون إن الله لم يستوي على العرش ، وش معنى استوى على العرش.؟ استولى على العرش وليس معناه استوى عليه ، وهذا قد قرأتم وجه بطلان هذا التفسير .
إذا لم يكن فوق العالم ولا مستو على العرش طيب أين الله .؟
" وَيَقُولُونَ : لَيْسَ بِدَاخِلِ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجَهُ وَلَا مُبَايِنًا لِلْعَالَمِ وَلَا محادث لَهُ " عندي ولا مجانب ، عندكم ولا محادث .؟
الطالب : نعم .
الشيخ : " وَلَا محايد لَهُ " يعني المجانب ، معناه الذي يكون في مكان آخر . وش بعدها عندكم .؟
" إذْ هَذِهِ الصِّفَاتُ يُمْكِنُ أَنْ يُوصَفَ بِهَا الْمَعْدُومُ ، وَلَيْسَتْ هِيَ صِفَةً مُسْتَلْزِمَةً صِفَةَ ثُبُوتٍ . وَلِهَذَا قَالَ مَحْمُودُ بْنُ سبكتكين لِمَنْ ادَّعَى ذَلِكَ فِي الْخَالِقِ : مَيِّزْ لَنَا بَيْنَ هَذَا الرَّبِّ الَّذِي تُثْبِتُهُ وَبَيْنَ الْمَعْدُومِ.".
إذا قال إن الله ليس بداخل العالم ولا خارجه ، ولا مباين للعالم ولا محايد ، وباقي هناك كلمتين : ولا متصل ولا منفصل .
نقول لمن قال الكلام هذا ، أين الله ؟ ! ليس بموجود ، لا هو داخل العالم ولا خارجه ، وين يكون .؟ ولا متصل بالعالم ولا منفصل منه ، ولا مباين ولا محايد ، هذا معدوم .
ولهذا قال هذا الملك المعروف ، قال : بيّن لنا الفرق بين الرب الذي تثبته وبين المعدوم .؟!
" وَكَذَلِكَ كَوْنُهُ لَا يَتَكَلَّمُ أَوْ لَا يَنْزِلُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ صِفَةُ مَدْحٍ وَلَا كَمَالٍ ، بَلْ هَذِهِ الصِّفَاتُ فِيهَا تَشْبِيهٌ لَهُ بِالْمَنْقُوصَاتِ أَوْ الْمَعْدُومَاتِ ، فَهَذِهِ الصِّفَاتُ مِنْهَا مَا لَا يَتَّصِفُ بِهِ إلَّا الْمَعْدُومُ وَمِنْهَا مَا لَا يَتَّصِفُ بِهِ إلَّا الْجَمَادَاتُ وَالنَّاقِصُ " . فمثلاً نفي الكلام قد يكون الشيء موجودا ولا يتكلم ، لكن من لا يتكلم فهو أنقض من الذي يتكلم ، من ليس فوق العالم قد يكون موجوداً ، ولكن من كان فوق العالم أكمل من ليس فوق العالم .
والمهم أنهم لا يصفون الله بهذه الصفات إلا وهي صفة لمعدوم لا يوجد أو لموجود ناقص ، وكل هذا والعياذ بالله قصدهم به الفرار من التشبيه ، لكن وقعوا في شر مما فر منه ، والله الموفق .
6 - تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " فالذين لا يصفونه إلا بالسلوب : لم يثبتوا في الحقيقة إلها محمودا بل ولا موجودا وكذلك من شاركهم في بعض ذلك كالذين قالوا لا يتكلم أو لا يرى أو ليس فوق العالم أو لم يستو على العرش ويقولون : ليس بداخل العالم ولا خارجه ولا مباينا للعالم ولا محايثا له ; إذ هذه الصفات يمكن أن يوصف بها المعدوم ; وليست هي صفة مستلزمة صفة ثبوت . ولهذا قال محمود بن سبكتكين لمن ادعى ذلك في الخالق : ميز لنا بين هذا الرب الذي تثبته وبين المعدوم . وكذلك كونه لا يتكلم أو لا ينزل ليس في ذلك صفة مدح ولا كمال ; بل هذه الصفات فيها تشبيه له بالمنقوصات أو المعدومات فهذه الصفات منها ما لا يتصف به إلا المعدوم ومنها ما لا يتصف به إلا الجمادات والناقص . ". أستمع حفظ
من هو محمود بن سبكتكين .؟
لكن الأخ ... سأل من هو محمود بن سبكتكين .؟
هذا الرجل كان أمير على الهند وما ولاها من قبل السلطان العباسي القادر بالله ، وكانت ولادته كما عندي الآن سنة 361 ووفاته سنة 421 وقد ذكروا أنه كان فصيحاً جيداً بليغاً ، وأنه كان يحب أهل العلم ويحب أهل الحديث ويقربهم ، وكان له انتصارات في الهند والسند وما والاها ، ولهذا جعله السلطان العباسي القادم بالله جعله سلطان على تلك البلاد لا أمير فقط ، بل جعله سلطاناُ عليها لأنه ذو كفاءة تامة ،وهو رحمه الله من خير من تولى على تلك البلاد ، وأما من قال له : ميز لنا بين هذا الرب الذي تثبته وبين المعدوم . الظاهر أنه إنما ناظر في ذلك رجلا ينكر اتصاف الله تعالى بالصفات الثبوتية أو الصفات السلبية ، يعني ناظر إنسانا يقول : إن الله ليس فوق العالم ولا تحته ولا داخله ولا خارجه إلى آخره ، وأرجو الانتباه يا جماعة ، فصار هذا الذي ناظره ولعله ابن فورك كما قاله بعض الناس ، ابن فورك المعروف المعتزلي ، فيمكن أنه ناظره أو غيره ، المهم أن المفهوم من الكلام أنه ناظر شخصا ، وش يقول في الله : إنه ليس فوق العالم ولا تحته ولا داخله ولا خارجه ولا متصل ولا مباين إلى آخره .
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " فمن قال : لا هو مباين للعالم ولا مداخل للعالم فهو بمنزلة من قال : لا هو قائم بنفسه ولا بغيره ولا قديم ولا محدث ولا متقدم على العالم ولا مقارن له . ومن قال : إنه ليس بحي ولا ميت ولا سميع ولا بصير ولا متكلم لزمه أن يكون ميتا أصم أعمى أبكم . فإن قال : العمى عدم البصر عما من شأنه أن يقبل البصر وما لم يقبل البصر كالحائط لا يقال له أعمى ولا بصير قيل له : هذا اصطلاح اصطلحتموه , وإلا فما يوصف بعدم الحياة والسمع والبصر والكلام يمكن وصفه بالموت والعمى والخرس والعجمة , وأيضا فكل موجود يقبل الاتصاف بهذه الأمور ونقائضها , فإن الله قادر على جعل الجماد حيا كما جعل عصى موسى حية ابتلعت الحبال والعصي ؛ " .
يعني لو قالوا إن الله ليس قائم بنفسه ولا بغيره ، وش معنى ذلك .؟ أنه معدوم ، لأن ما من موجود إلا وهو قائم بنفسه أو قائم بغيره ، المخلوقات كلها قائمة بغيرها ، قائمة بالله (( أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ )) يعني وهو الله ، والمقابل محذوف والتقدير : كمن لا يملك ذلك ، طيب إذا قلنا إن الله ليس قائما بنفسه ولا بغيره ، المعنى أن الله .؟
الطالب : معدوم .
الشيخ : أنه ليس ثمة إله .
" فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَالَ : لَا هُوَ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ وَلَا بِغَيْرِهِ وَلَا قَدِيمٌ وَلَا مُحْدَثٌ وَلَا مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْعَالَمِ وَلَا مُقَارِنٌ لَهُ " صحيح هذا ، هذا كلام المؤلف واقع جدا ، أن الذي يقول إن الله لا داخل العالم ولا خارجه مثل الذي يقول إن الله ليس قديما ولا محدثا ولا قائما بنفسه ولا قائما بغيره ، وهذا بلا شك وصف له بالعدم تماماً . وهذا أي الطوائف التي يشير إليها المؤلف بهذا الكلام .؟ الغلاة الذين سلبوا عنه النفي والإثبات .
" وَمَنْ قَالَ : إنَّهُ لَيْسَ بِحَيِّ وَلَا مَيِّتٍ وَلَا سَمِيعٍ وَلَا بَصِيرٍ وَلَا مُتَكَلِّمٍ" وهؤلاء الذين نفوا عنه الصفات دون الأسماء وهم الجهمية والمعتزلة .
يقول المؤلف : " لَزِمَهُ أَنْ يَكُونَ مَيِّتًا " وش مقابل .؟ ليس بحي .
" أَصَمَّ " مقابل ولا سميع " أَعْمَى " مقابل ولا بصير " أَبْكَمَ " مقابل ولا متكلم " فَإِنْ قَالَ : الْعَمَى عَدَمُ الْبَصَرِ عَمَّا مَنْ شَأْنُهُ أَنْ يَقْبَلَ الْبَصَرَ وَمَا لَمْ يَقْبَلْ الْبَصَرَ كَالْحَائِطِ لَا يُقَالُ لَهُ أَعْمَى وَلَا بَصِير"
يعني زعم أن هذا من باب تقابل العدم والملكة " قِيلَ لَهُ : هَذَا اصْطِلَاحٌ اصْطَلَحْتُمُوهُ " وأنتم تقولون إن الجماد لا يوصف بالحياة والموت والله تعالى قد وصفه بالحياة والموت (( أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء )) واصطلاحكم هذا لا يغني عن الحقائق ولا يغير الألفاظ عن مدلولها .
" وَإِلَّا فَمَا يُوصَفُ بِعَدَمِ الْحَيَاةِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْكَلَامِ يُمْكِنُ وَصْفُهُ بِالْمَوْتِ وَالْعَمَى وَالْخَرَسِ وَالْعُجْمَةِ " . إذا هذا الاصطلاح هل يغير الحقائق ، لا ، ولهذا يقول الذي يوصف بعدم الحياة والسمع والبصر يقال هذا ليس بحي يمكن أن نقول إنه ميت ، الجدار ليس بحي ، الحديد ليس بحي ، يصح أن نصف ما ليس بحي بأنه ميت .
قال تعالى : (( كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ )) .
كنتم أمواتاً متى هذا .؟ نطفاً قبل أن تنفخ فيهم الروح ، فسمى ما ليس بحيّ سماه ميتاً ، مع أن الموت كما هو معروف يرد على الحياة ، ومع ذلك سمى الله تعالى ما ليس ترده الحياة أي ما لم تحله الحياة ميت . فيقول المؤلف : " فَمَا يُوصَفُ بِعَدَمِ الْحَيَاةِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْكَلَامِ يُمْكِنُ وَصْفُهُ بِالْمَوْتِ وَالْعَمَى وَالْخَرَسِ وَالْعُجْمَةِ " واضح .؟ فاصطلاحكم ملغي .
الطالب : ما هي العجمة ؟
الشيخ : العجمة أي عدم الكلام .
الطالب : ... .
الشيخ : اصطلاح الفلاسفة هذا ، اصطلحوا على أن الشيء الذي ليس قابلا للاتصاف بهذا الوصف ، يجوز أن يسلب عنه الوصف وعدمه ، هذا اصطلاحهم .
قال المؤلف رحمه الله : " وَأَيْضًا " هذا جواب ثالث " فَكُلُّ مَوْجُودٍ يَقْبَلُ الِاتِّصَافَ بِهَذِهِ الْأُمُورِ وَنَقَائِضِهَا " من حيث قدرة الله ، قال : " فَإِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى جَعْلِ الْجَمَادِ حَيًّا " وإن كان في العادة ليس بحي لكن أليس الله قادر على أن يجعله حيا .؟ نعم ، والمثال على ذالك " كما جعل عصا موسى حية ابتلعت الحبال والعصي " أو لا يعني أنه جماد صار حيأ يتحرك ويريد ويقصد (( فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ )) . فبهذا تبين أن كل موجود يكن أن يكون حيا بإذن الله ، بالنسبة لقدرة الله يمكن أن يكون حيا ، الأرض يومئذ تحدث أخبارها ، فجعلها الله ناطقة ، والحصى سمع تسبيحه بيد النبي عليه الصلاة والسلام ، وسلّم عليه الحجر ، ومع هذا نقول أنه لا يقبل الكلام، صحيح أنه في الأصل لا يقبل الكلام لكن الله قادر على أن يجعله متكلماً ، هذان جوابان :
الجواب الأول : أن نقول إن التفريق يبين كون هذا يقبل ولا يقبل ، ما هو إلا اصطلاح منكم ، والاصطلاح لا يغير الحقيقة ، بدليل بأن ما زعمتم غير ممكن ولا قابل قد جعله الله ممكنا وقابلاً ، فوصف ما ليس بحي وصفه بالموت ، وصف الجمادات بالموت ، ووصف الإنسان قبل أن تنفخ فيه الروح بالموت .
الجواب الثاني : أن نقول حتى الشيء الذي لا تحله الحياة فإن الله قادر على أن يجعله حياً ، فيصح نفي الحياة عنه وإن كان لا يقبلها بحسب العادة باعتبار أن الله قادر على أن يجعله حيا .
8 - تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " فمن قال : لا هو مباين للعالم ولا مداخل للعالم فهو بمنزلة من قال : لا هو قائم بنفسه ولا بغيره ولا قديم ولا محدث ولا متقدم على العالم ولا مقارن له . ومن قال : إنه ليس بحي ولا ميت ولا سميع ولا بصير ولا متكلم لزمه أن يكون ميتا أصم أعمى أبكم . فإن قال : العمى عدم البصر عما من شأنه أن يقبل البصر وما لم يقبل البصر كالحائط لا يقال له أعمى ولا بصير قيل له : هذا اصطلاح اصطلحتموه , وإلا فما يوصف بعدم الحياة والسمع والبصر والكلام يمكن وصفه بالموت والعمى والخرس والعجمة , وأيضا فكل موجود يقبل الاتصاف بهذه الأمور ونقائضها , فإن الله قادر على جعل الجماد حيا كما جعل عصى موسى حية ابتلعت الحبال والعصي ؛ " . أستمع حفظ
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وأيضا فالذي لا يقبل الاتصاف بهذه الصفات أعظم نقصا ممن يقبل الاتصاف بها مع اتصافه بنقائضها . فالجماد الذي لا يوصف بالبصر ولا العمى ولا الكلام ولا الخرس أعظم نقصا من الحي الأعمى الأخرس ".
يعني أن الشيء الذي لا يمكن أن يتصف بهذه الصفات ، والشيء الذي يمكن لكن متصف بالنقائض ، يقول المؤلف أيهما أعظم نقصا .؟ شيء لا يقبل الكمال ولا النقص ، وشيء يقبل أن يكون كاملا لكنه متصف بالنقص .؟ أيهما أعظم نقصا .؟ الأول ، لأنه لا يمكن أن يرد عليه الكمال ، والثاني يمكن أن يرد عليه الكمال لكنه نقص ، أرجو الانتباه يا جماعة ، ونشوف هل يمكن مناقشة المؤلف في هذا الكلام أو ما يمكن .؟
المؤلف يقول : " فَاَلَّذِي لَا يَقْبَلُ الِاتِّصَافَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ أَعْظَمُ نَقْصًا مما لا يقبل الاتصاف بها " .
الطالب : ... .
الشيخ : لا أنا عندي : " مما لا يقبل " مما يقبل الظاهر ، الثاني الأخير " فَاَلَّذِي لَا يَقْبَلُ الِاتِّصَافَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ أَعْظَمُ نَقْصًا مما يَقْبَلُ الِاتِّصَافَ بِهَا مَعَ اتِّصَافِهِ بِنَقَائِضِهَا " هذا الصواب ، مما يقبل. اشطبوا لا " مما يَقْبَلُ الِاتِّصَافَ بِهَا مَعَ اتِّصَافِهِ بِنَقَائِضِهَا " ... أقول : " ما لَا يَقْبَلُ الِاتِّصَافَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ أَعْظَمُ نَقْصًا مما يَقْبَلُ الِاتِّصَافَ بِهَا مَعَ اتِّصَافِهِ بِنَقَائِضِهَا . مثاله : " فالجماد الذي لا يوصف بالبصر ولا العمى ولا الكلام ولا الخرس أعظم نقصا من الحي الأعمى الأخرس " صحيح لأن الحي الأعمى الأخرص يقبل أن يقبل أن يكون كاملا ، يقبل الكمال ، فيكون حيا مبصرا متكلما ، لكن الجدار يمكن أن يكون كذلك .؟ ما يمكن ، فأيهما أعظم نقصا ، ما لا يقبل الاتصاف بالكمال أو ما يقبله ما وجود بضده .؟ ما يقبله مع وجود ضده ، شف المؤلف رحمه الله لاحظ أن القابل للكمال مع اتصافه بالضد أنها عين قابلة لأن تكون كاملة، وأما ما لا يقبل هذا ولا هذا فهي عين لا تقبل أن تكون كاملة ، فهي من هذا الوجه أعظم نقصاً .
لكن قد نناقشه فنقول له : إن العمى في الحي نقص يعتبر نقصاً ، والعمى في الجدار ليس بنقص ، لأن الجدار لم تفته صفة كمال لكونه لا يبصر ، والحي فاتته صفة كمال لكونه لا يبصر . فهنا لاشك أن من نظر إلى الأعمى من حيث البشر المبصرين يجد أن هذا ناقصا ، لكن من نظر إلى الجدار وأنه لا يبصر لا يجده ناقصا بالنسبة للجدران الأخرى ، فكأن المؤلف لم يلتفت إلى هذا ، بل إلى أصل هذا الشيء ، هل هو قابل للكمال أو غير قابل بكمال ، فقال إن الحي الأعمى في الأصل قابل ، وش قابل له .؟ قابل للكمال ، الحي الأعمى في الأصل قابل للكمال . الجدار في الأصل غير قابل ، وإن كنا الآن نقول إن وجود العمى بالنسبة للحي يعتبر نقصا ، وأن فقد البصر بالنسبة للجدار ليس بنقص من حيث هو جدار ، أليس كذلك .؟
الطالب : بلى .
الشيخ : فعدم البصر بالنسبة للجدار لا يقال أنه نقص في الجدار ، لكن عدم البصر بالنسبة للإنسان نقص ، لكن المؤلف دخل من الزاوية غير التي نحن نشير إليها ، يقول المؤلف إن العمى في الحي ، العمى في الإنسان لاشك أنه صفة نقص ، لكن الإنسان من حيث هو إنسان قابل للكمال لأن يكون مبصرا . أليس كذلك .؟ فقد البصر في الجدار نقص أو لا .؟ لا ، ليس نقصا بالنسبة للجدار ، الجدار ما له عيون يا جماعة ، وش يصير جدارنا بالنسبة لجداركم .؟ سواء ، ولهذا ما تقول نحن جدارنا له عيون ، ما تقدر تقول هذا ، إذا فلا نقص في الجدار الذي ليس له أعين أليس كذلك ، لكن بالنظر إلى أن أصل الجدار لا يقبل البصر وأن أصل الإنسان الأعمى يقبل البصر ، والبصر كمال يكون هنا ما يقبل الكمال أكمل مما لا يقبل الكمال ، فصار إذا ما لا يقبل الكمال والنقص أنقص مما يقبل الكمال والنقص في حال اتصافه بالنقص ، فهمتم الآن أو لا .؟ زين . أو هذا واضح .؟
... لأنه قد يقول قائل : كلام المؤلف غير مسلم ، لأن العمى في الإنسان نقص ، وعدم البصر في الجدار ليس بنقص ، نقول هذا صحيح ، إذا كيف يقول المؤلف : " فالذي لا يقبل الاتصاف بهذه الصفات أعظم نقصا ممن يقبل الاتصاف بها مع اتصافه بنقائضها " كيف يقول ذلك .؟ نقول نعم يقول ذلك ، لأن المؤلف رأى أن النقص الذي في الإنسان نقص فيما يقبل الكمال ، وما يقبل الكمال أكمل مما لا يقبله ، أكمل من الذي لا يقبله ، وإذا كان ما يقبل الكمال وهو الآن ناقص أكمل مما لا يقبل الكمال تبين أن ما لا يقبل التصاف بهذه الصفات أنقص من الذي يقبلها لكن اتصف بضدها . طيب .
9 - تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وأيضا فالذي لا يقبل الاتصاف بهذه الصفات أعظم نقصا ممن يقبل الاتصاف بها مع اتصافه بنقائضها . فالجماد الذي لا يوصف بالبصر ولا العمى ولا الكلام ولا الخرس أعظم نقصا من الحي الأعمى الأخرس ". أستمع حفظ
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " فإذا قيل : إن الباري لا يمكن اتصافه بذلك : كان في ذلك من وصفه بالنقص أعظم مما إذا وصف بالخرس والعمى والصمم ونحو ذلك ; مع أنه إذا جعل غير قابل لها كان تشبيها له بالجماد الذي لا يقبل الاتصاف بواحد منها . وهذا تشبيه بالجمادات ; لا بالحيوانات , فكيف من قال ذلك غيره مما يزعم أنه تشبيه بالحي , وأيضا فنفس نفي هذه الصفات نقص كما أن إثباتها كمال فالحياة من حيث هي هي مع قطع النظر عن تعيين الموصوف بها صفة كمال , وكذلك العلم والقدرة والسمع والبصر والكلام والفعل ونحو ذلك ; وما كان صفة كمال فهو سبحانه أحق أن يتصف به من المخلوقات فلو لم يتصف به مع اتصاف المخلوق به : لكان المخلوق أكمل منه .".
الطالب : ... .
الشيخ : فإذا قيل .؟
" فإذا قيل : إن الباري لَا يُمْكِنُ اتِّصَافُهُ بِذَلِكَ ، كَانَ فِي ذَلِكَ مِنْ وَصْفِهِ بِالنَّقْصِ أَعْظَم مِمَّا إذَا وُصِفَ بِالْخَرَسِ وَالْعَمَى وَالصَّمَمِ وَنَحْوَ ذَلِكَ " نعم ، هذه المسألة مثل ما قلت قريباً يمكن أن يناقش فيها الإنسان ويقول : إن فقد البصر فيما من شأنه أن يبصر يعتبر نقصاً ، وإن فقد البصر فيما ليس من شأنه أن يبصر ليس بنقص . يمكن أن يناقش فيقال لا نسلم فيما قاله المؤلف رحمه الله ، لأن كل أحد يعلم أن الرجل الأعمى ناقص عن الرجل المبصر ، وكل أحد يعلم أن الجدار الذي لا يبصر ليس فيه نقص ، إلا أن المؤلف لاحظ صفة الكمال ، وقال إن الرجل الأعمى صحيح أنه ناقص لكنه يقبل الكمال ، وأما الجدار فصحيح أنه ليس بناقص إذا فقد منه البصر ، لكنه لا يقبل الكمال ، لا يقبل أن يكون مبصرا ، فهو من هذا الوجه أنقص .
يقول : " مَعَ أَنَّهُ إذَا جُعِلَ غَيْرَ قَابِلٍ لَهَا كَانَ تَشْبِيهًا لَهُ بِالْجَمَادِ الَّذِي لَا يَقْبَلُ الِاتِّصَافَ بِوَاحِدِ مِنْهَا " هذا صحيح إذا قيل إن الله لا يقبل الإتصاف بالسمع والبصر كالجدار ، ... فإنه يكون مشبهاً بالجماد ، ومن معلوم أنه لو قيل لك شبه إنساناً بشخص ناقص وشبهه بالجدار ، فأيهم أعظم حزازة في نفسك .؟ الجماد . لو قلت أنت والله يا أخي أصم ما تسمع ، نعم يكون شيء في نفسك ، لكن لو قلت أنت مثل اللبنة ، أيهم أشد .؟ في ظننا أنا الأخير أشد ، لأنه شبهه بشيء لا يمكن أن يقبل السمع بأي حال من الأحوال ، لكن بالأول أنت رجل ما تسمع أصم ، هو يفهم أنك إذا قلت له أنت رجل أصم ما تسمع ، يفهم أنك أنت تريد منه أن يكون كاملا ، وأنه يمكن أن يكمل بوجود السمع والبصر والانتفاع منه .
فخلاصة الكلام أن نقول أنتم إذا قلتم إن الله لا يقبل الاتصاف بالسمع والبصر أو الكلام والخرص أو الموت والحياة شبهتموه بأي شيء .؟ بالجماد ، وتشبيه الله بالجماد أعظم نتقيصا له من أن يشبه بالحي الناقص .
يقول : " وَهَذَا تَشْبِيهٌ بِالْجَمَادَاتِ ، لَا بِالْحَيَوَانَاتِ ، فَكَيْفَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ على غَيْرهُ مِمَّا يَزْعُمُ أَنَّهُ تَشْبِيهٌ بِالْحَيِّ " يعني أن ذلك أن هذا من أعظم ما يكون بالتقيص ، فيكف بمن قال غير ذلك ، يعنى أنت الآن لو قلت ذلك على غيرك من غير الله ، هذا يعتبر من أعظم الجنايات أن تشبه أعظم الذوات قدراً بأخسها قدراً ، هذا أعظم ، مع أن العبارة عندي فيها قلق في الحقيقة لا أدري في هل هذا صواب في التعبير " فكيف من قال ذلك على غيره مما يزعم أنه أنه تشبيه بالحي " يبدو لي أن العبارة ليست واضحة ، لكن معناها تقريباً والله أعلم : أن من قال ذلك على غيره يعني قاله على الله يعني على غير نفسه فإنه أعظم تنقصا مما يلزم أنه تشبيه بالحي ، يعني معنى ذلك أن الذي يشبه الله بالجماد أعظم من الذي يشبهه بالحي ، لأنهم يزعمون أنه إذا أثبت له صفات شبهته بالإنسان ، فنقول أنتم شبهتموه بما هو أعظم نقصا .
" وَأَيْضًا فَنَفْسُ نَفْيِ هَذِهِ الصِّفَاتِ نَقْصٌ " سواء بقطع النظر عن كونها تنفى عمن يمكن إتصافه بها أو من لا يمكن ، أقول الأخير هذا أظنه الثالث نفس نفي الصفات هذه يعتبر نقصا ، ليش .؟ قال : " كَمَا أَنَّ إثْبَاتَهَا كَمَالٌ فَالْحَيَاةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ " يعني من حيث هي حياة ، يعني هي الثانية نائبة مناب حياة ، فالحياة من حيث هي ، هي ، أي من حيث هي حياة " مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ تَعْيِينِ الْمَوْصُوفِ بِهَا صِفَةُ كَمَالٍ " الحياة نفسها ، كلمة حياة بقطع النظر عن كون المتصف بها فلان أو فلان أو علان هي صفة كمال (( وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ )) .
طيب : " وَكَذَلِكَ الْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَالْكَلَامُ وَالْفِعْلُ وَنَحْوُ ذَلِكَ " كل هذه صفات كمال بقطع النظر عن الموصوف بها ، أليس كذا بلى ولذلك يقول المؤلف : " وَمَا كَانَ صِفَةَ كَمَالٍ فَهُوَ سُبْحَانَهُ أَحَقُّ أَنْ يَتَّصِفَ بِهِ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ فَلَوْ لَمْ يَتَّصِفْ بِهِ مَعَ اتِّصَافِ الْمَخْلُوقِ بِهِ لَكَانَ الْمَخْلُوقُ أَكْمَلَ مِنْهُ ."
يقال هذه الصفات التي نفيتم عن الله ، نفوا الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر ، والكلام هنا مع غير الأشعرية ، لأنهم يثبتون هذه الصفة ، نقول لهم أنتم الآن إذا نفيتم هذه الصفات عن الخالق فقد نفيتم عنه صفة كمال ، لأن هذه الصفات من حيث هي بغض النظر عن من اتصف بها هي صفة كمال ، فإذا قلت ليس الله بحي وقلت المخلوق حي ، معنى ذلك جعلته المخلوق أكمل من الخالق ، وهذا شيء متعذر ، فالوجوه على هذا الحال كم تكون .؟
الطالب : ثلاثة .
الشيخ : ثلاثة .؟
الطالب : ... .
الشيخ : وكون هذا يقبل أو لا يقبل ، والثالث أن هذه صفات كمال من حيث هي .
10 - تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " فإذا قيل : إن الباري لا يمكن اتصافه بذلك : كان في ذلك من وصفه بالنقص أعظم مما إذا وصف بالخرس والعمى والصمم ونحو ذلك ; مع أنه إذا جعل غير قابل لها كان تشبيها له بالجماد الذي لا يقبل الاتصاف بواحد منها . وهذا تشبيه بالجمادات ; لا بالحيوانات , فكيف من قال ذلك غيره مما يزعم أنه تشبيه بالحي , وأيضا فنفس نفي هذه الصفات نقص كما أن إثباتها كمال فالحياة من حيث هي هي مع قطع النظر عن تعيين الموصوف بها صفة كمال , وكذلك العلم والقدرة والسمع والبصر والكلام والفعل ونحو ذلك ; وما كان صفة كمال فهو سبحانه أحق أن يتصف به من المخلوقات فلو لم يتصف به مع اتصاف المخلوق به : لكان المخلوق أكمل منه .". أستمع حفظ
قراءة الطالب للعقيدة التدمرية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
فيقال لهم : علم الخلق بامتناع الخلو منه هذين النقيضين هو علم مطلق لا يستثنى منه موجود ، والتحيز المذكور إن أريد به كون الأحياز الموجودة تحيط به فهذا هو الداخل في العالم ; وإن أريد به أنه منحاز عن المخلوقات ; أي مباين لها متميز عنها ، فهذا هو الخروج ، فالمتحيز يراد به تارة ما هو داخل العالم وتارة ما هو خارج العالم ، فإذا قيل ليس بمتحيز كان معناه ليس بداخل العالم ولا خارجه ، فهم غيروا العبارة ليوهموا من لا يفهم حقيقة قولهم إن هذا معنى آخر ، وهو المعنى الذي علم فساده بضرورة العقل ; كما فعل أولئك بقولهم : ليس بحي ولا ميت ولا موجود ولا معدوم ولا عالم ولا جاهل .".
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " واعلم أن الجهمية المحضة كالقرامطة ومن ضاهاهم ينفون عنه تعالى اتصافه بالنقيضين حتى يقولون ليس بموجود ولا ليس بموجود ولا حي ولا ليس بحي ومعلوم أن الخلو عن النقيضين ممتنع في بدائه العقول كالجمع بين النقيضين . وآخرون وصفوه بالنفي فقط فقالوا ليس بحي ولا سميع ولا بصير ; وهؤلاء أعظم كفرا من أولئك من وجه وأولئك أعظم كفرا من هؤلاء من وجه فإذا قيل لهؤلاء هذا مستلزم وصفه بنقيض ذلك كالموت والصمم والبكم قالوا إنما يلزم ذلك لو كان قابلا لذلك وهذا الاعتذار يزيد قولهم فسادا ؛ وكذلك من ضاهى هؤلاء وهم الذين يقولون : ليس بداخل العالم ولا خارجه إذا قيل هذا ممتنع في ضرورة العقل كما إذا قيل : ليس بقديم ولا محدث ولا واجب ولا ممكن ولا قائم بنفسه ولا قائم بغيره قالوا هذا إنما يكون إذا كان قابلا لذلك والقبول إنما يكون من المتحيز فإذا انتفى التحيز انتفى قبول هذين المتناقضين . فيقال لهم علم الخلق بامتناع الخلو منه هذين النقيضين : هو علم مطلق لا يستثنى منه موجود . والتحيز المذكور إن أريد به كون الأحياز الموجودة تحيط به فهذا هو الداخل في العالم ; وإن أريد به أنه منحاز عن المخلوقات ; أي مباين لها متميز عنها فهذا هو الخروج فالمتحيز يراد به تارة ما هو داخل العالم وتارة ما هو خارج العالم فإذا قيل ليس بمتحيز كان معناه ليس بداخل العالم ولا خارجه , فهم غيروا العبارة ليوهموا من لا يفهم حقيقة قولهم أن هذا معنى آخر وهو المعنى الذي علم فساده بضرورة العقل ; كما فعل أولئك بقولهم ليس بحي ولا ميت ولا موجود ولا معدوم ولا عالم ولا جاهل .".
الظاهر أن هذا الذي قال المؤلف سبق مراراً أو لا .؟ في الذين يصفونه بالسلوب المتناقضة أو بالسلوب دون إثبات ، أليس كذلك .؟ مر علينا طائفة يسلبون عنها النقيصين ، ويقولون ليس بموجود ولا معدوم .
وطائفة أخرى تسلب عنه الصفات فقط ، فلا تصفه بالإثبات ، إنما الذي نحتاج إلى فهمه من هذه العبارة هو قوله : " إن كل واحد منهم ــ من هاتين الطائفتين ـ أشد كفراً من الأخرى من وجه ، " فالطائفتين كما تصورتم :
طائفة تقول : لا نصفه لا بهذا ولا بهذا ، يقول ليس بموجود ولا ليس بموجود ، أو ليس بموجود ولا معدوم ، هذه الطائفة كما مر علينا فروا من أن يشبهوا الله بالموجودات أو بالمعدومات ، ولكنهم وقعوا في شر من ذلك حيث شبهوه بالممتنعات ، يعني لا يوجد شيء لا موجود ولا معدوم ، فهذا كفر ... وتناقض ظاهر .
بقي عندنا الذين قالوا إنه ليس بحي ولا سميع ولا بصير ولا يتكلم وما أشبه ذلك .
قال المؤلف : إن هؤلاء أعظم كفراً من أولئك من وجه ، يعني كل واحد من هاتين الطائفتين أعظم كفراً من الأخرى من جه ، فلننظر
الطائفة الأولى أعظم كفرا من هذه ، وهذه أعظم كفرا من تلك ، فكيف ذلك .؟ كيف كانت الطائفة الأولى التي تصفه بشيء ممتنع أعظم كفراً من هذه .؟
الطالب : ... .
الشيخ : لأن قولهم بالحقيقة يؤدي إلى .؟ أنه ما هناك رب ولا شيء، وأنه يمتنع أن يوجد رب ، إذ أن الموصوف بهذه الصفات ممتنع، يلزم من هذا أن أن يمتنع وجود رب . طيب بالله يا عقيل
الثانية أعظم كفرا من وجه .؟
الطالب : ... .
الشيخ : يعني إذا انتفت عنه صفة الكمال هذه وش لزم .؟
الطالب : ... .
الشيخ : يلزم منها ثبوت النقص ، إذا انتفت الحياة يلزم أن يكون ميتا ، إذا انتفى السمع يلزم أن يكون أصم ، وبصر يلزم أن يكون أعمى ، وهذا أشد كفرا من أولئك من وجه آخر ، حيث إنهم وصفوا وقالوا على قولهم يجب أن يكون الله متصفا بالنقص ، لأن ضد الحي الميت ، ضد السميع الأصم ، وضد البصير الأعمى . أورد المؤلف ما كرر إيراده ... .
الطالب : ... .
الشيخ : هؤلاء أعظم لأنهم وصفوه بالعيب والنقص ، أثبتوا ربا لكن موصوف بالنقص والعيب ، فهؤلاء أشد كفرا من الأولين من هذا الوجه ، من جهة إثبات الرب أقل ، لكن من جهة أنهم وصفوه بالنقص أعظم ، أولئك من جهة عدم الإثبات أعظم من هؤلاء ، يعني وصفوا الله بوصف لا يمكن أن يكون موجودا .
طيب أورد المؤلف ما سبق إيراده من أن هؤلاء يجيبون عن قولهم بأننا ننفي عنه النقيضين ، لأنه ليس بقابل لهما ، ونفي النقيضين عن ما ليس بقابل لهما .؟ ممكن . فيقولون نحن نصف الله بنفي النقيضين لأنه غير قابل لهما ، فنقول أنتم الآن فراركم من إثبات الصفات صار إلى شيء أشد نقصا ، لأنه كما مر ، ما يقبل الاتصاف بالكمال أكمل مما لا يقبل الاتصاف بالكمال ، فأنتم في الحقيقة الآن وإن زعمتم أنه غير قابل فإنه في الحقيقة وصفتم الله بما هو أنقص .
قال : " وَكَذَلِكَ مَنْ ضَاهَى هَؤُلَاءِ - وَهُمْ الَّذِينَ يَقُولُونَ : لَيْسَ بِدَاخِلِ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجَهُ إذَا قِيلَ هَذَا مُمْتَنِعٌ فِي ضَرُورَةِ الْعَقْلِ كَمَا إذَا قِيلَ : لَيْسَ بِقَدِيمِ وَلَا مُحْدَثٍ - وَلَا وَاجِبٍ وَلَا مُمْكِنٍ وَلَا قَائِمٍ بِنَفْسِهِ وَلَا قَائِمٍ بِغَيْرِهِ قَالُوا إنَّمَا هَذَا يَكُونُ إذَا كَانَ قَابِلًا لِذَلِكَ ، وَالْقَبُولُ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْمُتَحَيِّزِ فَإِذَا انْتَفَى التَّحَيُّزُ انْتَفَى قَبُولُ هَذَيْنِ الْمُتَنَاقِضَيْنِ" أفهمتم الآن .
الطالب : ... .
الشيخ : من ضَاهَى يعني شابه (( يضاهؤون قول الذين كفروا )) يشابهه .
ثم قال : " فَيُقَالُ لَهُمْ عِلْمُ الْخَلْقِ بِامْتِنَاعِ الْخُلُوِّ مِنْهُ هَذَيْنِ النَّقِيضَيْنِ : هُوَ عِلْمٌ مُطْلَقٌ لَا يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَوْجُودٌ " يعني أن الخلق كلهم يعلمون بأنه يمتنع الخلو من هذين النقضين ، وهما الوجود والعدم ، يمتنع أن يكون الشيء لا موجوداً ولا معدوماً ، ولا حيا ولا ميتا وهكذا ، فهذا العلم هل يستثني منه شيء بأن يكون قابل أو غير قابل؟! أبداً لأن كل شيء فهو قابل للوجود والعدم ، وقد سبق أن تقابل الوجود والعدم من باب تقابل السلب والإيجاب لا العدم والملكة ، فلا يمكن لأي مخلوق يدعي أنه يمكن خلو الأشياء عن هذين .
قال : " والتحيز المذكور " الآن أليس يقولون يلزم التحيز ، معنى التحيز أن يكون الشيء منحازا في حيز ، وحيز الشيء ما أحاط به ،
يقول المؤلف في تفصيل كلمة التحيز :
" وَالتَّحَيُّزُ الْمَذْكُورُ : إنْ أُرِيدَ بِهِ كَوْنُ الأحياز الْمَوْجُودَةِ تُحِيطُ بِهِ فَهَذَا هُوَ الدَّاخِلُ فِي الْعَالَمِ ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ مُنْحَازٌ عَنْ الْمَخْلُوقَاتِ ، أَيْ مُبَايِنٌ لَهَا مُتَمَيِّزٌ عَنْهَا فَهَذَا هُوَ الْخُرُوجُ ، فَالْمُتَحَيِّزُ يُرَادُ بِهِ تَارَةً مَا هُوَ دَاخِلُ الْعَالَمِ وَتَارَةً مَا هُوَ خَارِجُ الْعَالَمِ ، فَإِذَا قِيلَ لَيْسَ بِمُتَحَيِّزِ كَانَ مَعْنَاهُ لَيْسَ بِدَاخِلِ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجَهُ ".
المتحيز يقول المؤلف إن أريد به كون الأحياز الموجودة تحيط به فهذا هو الداخل في العالم ، بالنسبة للمخلوقات فإنه يراد بها هذا ،فالإنسان متحيز بمعنى أن الأحياز التي تحوزه وتحيط به محيطة به ،
فنحن الآن في الغرفة متحيزون ، محنازون ولدينا من كل جهة أسوار تحيط بنا ، إذن فنحن الآن داخل العالم ، وكل ما تحت العرش فإن العرش محيط به ، فهو منحاز داخل العالم .
وقد يراد بالمتحيز ما كان خارج العالم ، أي المنحاز عن المخلوقات ، البائن منها وهذا بالنسبة إلى الله حق أو باطل .؟ حق ، فإن الله تعالى مباين المخلوقات ، فهم إذا قالوا ليس بمتحيز فإنه يلزم من قولهم أن لا يكون داخل العالم تحيط به الأحياز ، ولا خارج العالم منحاز بائن عن العالم ، فيلزم على قولهم أن لا يكون ثمة رب ، لأنهم الآن إذا قالوا ليس بمتحيز على الإطلاق هكذا أطلقوا ، ولم يقولوا ليس بمتحيز انحيازا تحيط به الأحياز ، فإن معنى ذلك إنكار أن يكون الله داخل العالم أو خارجه ، وهذا في الحقيقة هو التعطيل المحض ، واضح .؟ طيب ، وقد مر عليكم في التوحيد في السنة الثالثة ثانوي ، أن كلمة الحيز لفظ مبتدع لا يوجد في كلام الله ولا في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم ، وإنما أتى به أهل البدع ليوهموا الأغرار الذين لا يعرفون ، يوهموهم أن هذا باطل ليتوصلوا بذالك إلى نفي الصفات ، ولهذا قال المؤلف :
" فَإِذَا قِيلَ لَيْسَ بِمُتَحَيِّزِ كَانَ مَعْنَاهُ لَيْسَ بِدَاخِلِ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجَهُ ، فَهُمْ غَيَّرُوا الْعِبَارَةَ لِيُوهِمُوا مَنْ لَا يَفْهَمُ حَقِيقَةَ قَوْلِهِمْ أَنَّ هَذَا مَعْنًى آخَرَ، وَهُوَ الْمَعْنَى الَّذِي عُلِمَ فَسَادُهُ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ ، كَمَا فَعَلَ أُولَئِكَ بِقَوْلِهِمْ : لَيْسَ بِحَيِّ وَلَا مَيِّتٍ وَلَا مَوْجُودٍ وَلَا مَعْدُومٍ وَلَا عَالِمٍ وَلَا جَاهِلٍ ".
خلاصة القاعدة هذه : أن الله تعالى موصوف بالإثبات والنفي ، وقلنا القاعدة في الإثبات : أن كل ما أثبته الله فهو صفة كمال ، وكل ما ذكره المؤلف في أثناء هذه القاعدة فهو كالتكرار لما سبق ، يعني ما أتى بمعنى جديد إلا أنه يغير العبارات ليوضح المعنى .
وأما النفي فقلنا : إن كل ما نفى الله عن نفسه فهو صفة نقص لكنه يتضمن إثبات المدح ، هذه القاعدة .
12 - تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " واعلم أن الجهمية المحضة كالقرامطة ومن ضاهاهم ينفون عنه تعالى اتصافه بالنقيضين حتى يقولون ليس بموجود ولا ليس بموجود ولا حي ولا ليس بحي ومعلوم أن الخلو عن النقيضين ممتنع في بدائه العقول كالجمع بين النقيضين . وآخرون وصفوه بالنفي فقط فقالوا ليس بحي ولا سميع ولا بصير ; وهؤلاء أعظم كفرا من أولئك من وجه وأولئك أعظم كفرا من هؤلاء من وجه فإذا قيل لهؤلاء هذا مستلزم وصفه بنقيض ذلك كالموت والصمم والبكم قالوا إنما يلزم ذلك لو كان قابلا لذلك وهذا الاعتذار يزيد قولهم فسادا ؛ وكذلك من ضاهى هؤلاء وهم الذين يقولون : ليس بداخل العالم ولا خارجه إذا قيل هذا ممتنع في ضرورة العقل كما إذا قيل : ليس بقديم ولا محدث ولا واجب ولا ممكن ولا قائم بنفسه ولا قائم بغيره قالوا هذا إنما يكون إذا كان قابلا لذلك والقبول إنما يكون من المتحيز فإذا انتفى التحيز انتفى قبول هذين المتناقضين . فيقال لهم علم الخلق بامتناع الخلو منه هذين النقيضين : هو علم مطلق لا يستثنى منه موجود . والتحيز المذكور إن أريد به كون الأحياز الموجودة تحيط به فهذا هو الداخل في العالم ; وإن أريد به أنه منحاز عن المخلوقات ; أي مباين لها متميز عنها فهذا هو الخروج فالمتحيز يراد به تارة ما هو داخل العالم وتارة ما هو خارج العالم فإذا قيل ليس بمتحيز كان معناه ليس بداخل العالم ولا خارجه , فهم غيروا العبارة ليوهموا من لا يفهم حقيقة قولهم أن هذا معنى آخر وهو المعنى الذي علم فساده بضرورة العقل ; كما فعل أولئك بقولهم ليس بحي ولا ميت ولا موجود ولا معدوم ولا عالم ولا جاهل .". أستمع حفظ
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " القاعدة الثانية أن ما أخبر به الرسول عن ربه فإنه يجب الإيمان به - سواء عرفنا معناه أو لم نعرف - لأنه الصادق المصدوق ; فما جاء في الكتاب والسنة وجب على كل مؤمن الإيمان به وإن لم يفهم معناه وكذلك ما ثبت باتفاق سلف الأمة وأئمتها , مع أن هذا الباب يوجد عامته منصوصا في الكتاب والسنة متفق عليه بين سلف الأمة " .
يقول القاعدة الثانية : أنه يجب علينا أن نؤمن بكل ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه سواء عرفنا معناه أم لم نعرفه ، لكن ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم له وجهتان :
الوجهة الأولى : الكيفية .
الوجهة الثاني : المعنى .
أما الكيفية فلا سبيل لنا إلى العلم بها مهما كانت ، لا سبيل لنا إلى العلم بكيفية ما أخبر به الرسول عن ربه ، وجه الامتناع .؟ أن الشيء لا يعلم أو طرق العلم بالشيء ثلاثة :
إما مشاهدة هذا الشيء .
أو مشاهدة نظيره .
أو الخبر الصادق عنه .
وكل هذه الثلاثة بالنسبة لكيفية صفات الله موجودة أو منتفية .؟ منتفية ، فالله تعالى لم يشاهده الخلق ، ولا نظير له سبحانه وتعالى ، ولم يخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم عن كيفية تلك الصفات ، فإذا علم الكيفية بالنسبة لما أخبرنا الرسول به عن ربه ، ما حكمه .؟ منتفٍ ، لا يمكن ذلك بأي حال من الأحوال .
علم المعنى هل هو منتفي أو غير منتفي .؟ غير منتفي ، لكن قد يخفي بعض المعاني على بعض الناس ، فحينئذ يجب التوقيف لكن يجب الإيمان به ، يجب الإيمان بأن ما وصف الرسول به ربه فهو حق ولو لم نعرف معناه ، ولكن عدم معرفة المعنى أمر نادر بالنسبة لما يعرف ، ولهذا قال مالك رحمه الله في الإستواء : " الاستواء معلوم " والكيف معروف أنه مجهول ... إلى آخر . طيب الآن قول المؤلف : " سواء عرفنا معناه أم لم نعرفه " هل هذا باعتبار الواقع وأنه ينقسم إلى ما عرف معناه أو على فرض أن يوجد ذلك .؟
وعلى فرض أن يوجد ذلك ، وهذا قد يوجد لبعض الناس في بعض الصفات ، أما أن نقول أن جميع الصفات يمكن أن نجهل معناها ، فهذا لا يمكن ، لأن هذا خلاف البيان الذي نزل به القرآن ، القرآن بيان للناس ، ولا سيما في أعظم الأمور ، وهي صفات الله تبارك وتعالى .
فالمؤلف يقول فرضا : " لأنه الصادق المصدوق " ما الفرق بين الصادق والمصدوق .؟ الصادق من أخبر بالصدق ، أي بما يطابق الواقع ، والمصدوق من أخبر به ، يعني الذي أخبر بما يوافق الواقع . لأن الصدق موافقة الواقع والكذب مخالفة الواقع .
فحدثنا رجل عن أمر بأنه وقع وهو لم يقع ، هذا صدقنا أو كذبنا .؟ كذبنا ، رجل أخبرنا بأمر واقع فكان كما أخبر ، نقول هذا صدقنا ، فنحن مصدوقون وهو صادق ، فصار الفرق بين الصادق والمصدوق .؟ الصادق من أَخبَر بالصدق ، والمصدوق من أُخبر به .
يقول : " فما جاء في الكتاب والسنة وجب على كل مؤمن الإيمان به وإن لم يفهم معناه ، وكذلك ما ثبت باتفاق سلف الأمة وأئمتها" يعني فيجب علينا أن نؤمن به . لأن الإجماع في هذا الباب حجة ، قال : " مع أن هذا الباب يوجد عامته منصوصا في الكتاب والسنة " ماذا يعني بهذا الباب .؟ ما أخبر به الرسول عن ربه .
" متفق عليه " هذا خبر ثان لإن ، وكان الذي يتوقع أن تكون بالنصب ، يوجد منصوصا عليه متفقا عليه ، هذا الذي يتوقع ، لكن إذا كانت النسخ كلها عندكم بالرفع ، يمكن أن تكون خبرا ثان ، لقوله : " مع أن هذا الباب يوجد عامته " ، يكون التقدير مع أن هذا الباب أيضا متفق عليه بين سلف الأمة .
13 - تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " القاعدة الثانية أن ما أخبر به الرسول عن ربه فإنه يجب الإيمان به - سواء عرفنا معناه أو لم نعرف - لأنه الصادق المصدوق ; فما جاء في الكتاب والسنة وجب على كل مؤمن الإيمان به وإن لم يفهم معناه وكذلك ما ثبت باتفاق سلف الأمة وأئمتها , مع أن هذا الباب يوجد عامته منصوصا في الكتاب والسنة متفق عليه بين سلف الأمة " . أستمع حفظ
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وما تنازع فيه المتأخرون نفيا وإثباتا فليس على أحد بل ولا له : أن يوافق أحدا على إثبات لفظه أو نفيه حتى يعرف مراده , فإن أراد حقا قبل وإن أراد باطلا رد وإن اشتمل كلامه على حق وباطل لم يقبل مطلقا ولم يرد جميع معناه بل يوقف اللفظ ويفسر المعنى , كما تنازع الناس في الجهة والتحيز وغير ذلك , فلفظ الجهة قد يراد به شيء موجود غير الله فيكون مخلوقا كما إذا أريد بالجهة نفس العرش أو نفس السموات وقد يراد به ما ليس بموجود غير الله تعالى كما إذا أريد بالجهة ما فوق العالم , ومعلوم أنه ليس في النص إثبات لفظ الجهة ولا نفيه كما فيه إثبات العلو والاستواء والفوقية والعروج إليه ونحو ذلك , وقد علم أن ما ثم موجود إلا الخالق والمخلوق والخالق مباين للمخلوق - سبحانه وتعالى - ليس في مخلوقاته شيء من ذاته ; ولا في ذاته شيء من مخلوقاته . فيقال لمن نفى الجهة : أتريد بالجهة أنها شيء موجود مخلوق ؟ فالله ليس داخلا في المخلوقات أم تريد بالجهة ما وراء العالم ؟ فلا ريب أن الله فوق العالم مباين للمخلوقات وكذلك يقال لمن قال الله في جهة : أتريد بذلك أن الله فوق العالم ؟ أو تريد به أن الله داخل في شيء من المخلوقات ؟ فإن أردت الأول فهو حق وإن أردت الثاني فهو باطل .".
طيب الآن المؤلف قسم هذه القاعدة إلى قسمين : قسم جاءت به النصوص أو اتفقت عليه الأمة وأئمتها ، ما حكمه.؟ يجب الإيمان به علمنا معناه أم لم نعلمه .
قسم آخر تنازع الناس فيه ، وهو الذي أشار إليه بقوله : " وما تنازع فيه الْمُتَأَخِّرُونَ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا " تنازعوا فيه ، فهل علينا أن نؤمن به أو لا .؟ لا ، بل يقول المؤلف : " فَلَيْسَ عَلَى أَحَدٍ بَلْ وَلَا لَهُ " يعني ليس علينا أن نؤمن به بل ولا لنا أن نؤمن به ، والفرق بين على واللام أظنه واضح ، ما يجب علينا ولا يحق لنا أن نؤمن به أيضا ، فهمتم أو لا .؟ أو ما فهمتم الفرق بين على واللام .؟
ليس علينا أن نؤمن به ، كذا .؟ لأنه لم يرد لا في كتاب الله ولا سنة رسوله ولا أجمعت عليه الأمة ، وليس لنا أن نؤمن به ، يعني لا يحق لنا أن نؤمن به ، يعني ليس مباحا لنا أن نؤمن به أيضا . عرفتم حتى نستفصل ، ولهذا يقول : " بل ولا له أن يوافق أحداً على إثبات لفظه أو نفيه حتى يعرف مراده فإن أراد حقا قبل وإن أراد باطلا رد وإن اشتمل كلامه على حق وباطل لم يقبل مطلقا ولم يرد جميع معناه بل يوقف اللفظ ويفسر المعنى " .
مثال ذلك :
" كَمَا تَنَازَعَ النَّاسُ فِي الْجِهَةِ وَالتَّحَيُّزِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، فَلَفْظُ الْجِهَةِ قَدْ يُرَادُ بِهِ شَيْءٌ مَوْجُودٌ غَيْرُ اللَّهِ فَيَكُونُ مَخْلُوقًا كَمَا إذَا أُرِيدَ بِالْجِهَةِ نَفْسُ الْعَرْشِ أَوْ نَفْسُ السَّمَوَاتِ ، وَقَدْ يُرَادُ بِهِ مَا لَيْسَ بِمَوْجُودِ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا إذَا أُرِيدَ بِالْجِهَةِ مَا فَوْقَ الْعَالَمِ "،
يعنى مثلاً : أن تقول هل الله سبحانه جهة ، أوفي جهة ؟! هذه المسألة ، ما موقفنا نحن من هذا الشيء .؟
إذا قال المبطون مثلاً أو المبتدعون نحن لا نؤمن بأن الله عال بذاته ، لأنه يلزم أن يكون جهة ، أو أن يكون في جهة ؟! ما موقفنا نحو هذا ؟! هل يجب علينا أن نؤمن بالجهة أو ننكر الجهة أو ماذا نصنع .؟
نقول الجهة في الحقيقة بالنسبة لله تشتمل على حق وباطل ، فيحب أن نفصل ، ماذا تريد بالجهة ؟! إن أراد معنى يليق بالله تعالى ولا ينافي كماله ، حينئذ نقبل المعنى فقط ، وأما اللفظ فنجعله ... ، لا نثبه ولا ننفيه ، لماذا ؟!
لأنه لم يرد في الكتاب ولا في السنة نفيه ولا إثباته ، لكن هم أتوا بهذا ليتوصلوا إلى نفي ما أثبت الله لنفسه من العلو ، وجعلوا يقولون جهة وما أشبه ذلك .
فنقول لهم : الجهة إن أريد به شيء موجود غير الله كان مخلوقاً ، مثل إذا أريد بالجهة نفس العرش أو نفس السموات ، وقد يراد به ما ليس بموجود إلا الله كما إذا أريد بالجهة ما فوق العالم .
" وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ فِي النَّصِّ ... " إلى آخره .
إذا أريد بالجهة ما فوق العالم ، فهل يصح إثباتها من حيث المعنى لله أو لا .؟ نعم يصح . لأن الذي فوق العالم هو الله ، إذا أريد بالجهة شيء مخلوق غير الله ، فهذا لا يجوز أن نثبته لله لأن الله ليس بمخلوق موجود وليس بمخلوق .
طيب يقول المؤلف : " ومعلوم أنه ليس في النص إثبات لفظ الجهة ولا نفيه كما فيه إثبات العلو والاستواء والفوقية والعروج إليه ونحو ذلك " الكلام واضح .؟
يعني بذالك أنك لا تجد في القرآن ولا في السنة أن الله في جهة أو أن الله جهة ، جهة العالم ، لا تجد هذا لا نفياً ولا إثباتاً ، لكنك تجد إثبات العلو والاستواء والفوقية والعروج إليه ونحو ذلك .
" وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ مَا ثَمَّ مَوْجُودٌ إلَّا الْخَالِقَ وَالْمَخْلُوقَ ، وَالْخَالِقُ مُبَايِنٌ لِلْمَخْلُوقِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - لَيْسَ فِي مَخْلُوقَاتِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَاتِهِ ، وَلَا فِي ذَاتِهِ شَيْءٌ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ . فَيُقَالُ لِمَنْ نَفَى الْجِهَةَ : أَتُرِيدُ بِالْجِهَةِ أَنَّهَا شَيْءٌ مَوْجُودٌ مَخْلُوقٌ ؟ فَاَللَّهُ لَيْسَ دَاخِلًا فِي الْمَخْلُوقَاتِ " يعني فلا يكون في جهة " أَمْ تُرِيدُ بِالْجِهَةِ مَا وَرَاءَ الْعَالَمِ ؟ فَلَا رَيْبَ أَنَّ اللَّهَ فَوْقَ الْعَالَمِ مُبَايِنٌ لِلْمَخْلُوقَاتِ ، وَكَذَلِكَ يُقَالُ لِمَنْ قَالَ : اللَّهُ فِي جِهَةٍ أَتُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ فَوْقَ الْعَالَمِ ؟ أَوْ تُرِيدُ بِهِ أَنَّ اللَّهَ دَاخِلٌ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ ؟ فَإِنْ أَرَدْت الْأَوَّلَ فَهُوَ حَقٌّ وَإِنْ أَرَدْت الثَّانِيَ فَهُوَ بَاطِلٌ " فأصبحت الجهة يا جماعة تقال على وجهين :
أحدهما : أن يقال الله جهة .
والثاني : أن يقال الله في جهة . فهمتم .
وكلا الأمرين لم يرد في الكتاب والسنة لا إثباتاً ولا نفياً ، لكن مع ذلك إذا ابتلينا بشخص يتكلم في ذلك ليتوصل به إلى نفي ما أخبر الله به عن نفسه ، فماذا نعمل .؟ هل ندعه أو ننزل الميدان لنخوض المعركة .؟ يجب علينا أن ننظر مادام أننا نخوض المعركة ، أما أن نقول والله ما ورد هذا في الكتاب ولا السنة وفقط ، فقد لا يكفي ، يحتاج أن ننزل معه ونقول ماذا تريد بالجهة .؟
إن أردت بالجهة ما هو مخلوق ، فالله تعالى لا يصح أن يطلق عليه جهة . وإن أردت بالجهة ما فوق العالم فمعلوم أن الله تعالى فوق العالم ، لكن لفظ أن تثبت أن الله جهة أو أن الله ليس بجهة بهذا اللفظ ، نحن لا نوافقك ، وإنما نستفصل منك ماذا تريد ؟! إذا أردت شيئا لا يليق بالله ، قلنا لك لا نقبل هذا ، لا إثبات لفظه ولا معناه ، وإذا أردت به شيئا يصح أن يكون لله وافقناك على المعنى وخالفناك في اللفظ .
الصورة الثانية : أن يقول الله في جهة ، نقول كلمة في جهة إذا أردت أنها جهة تحيط به وتحوزه ، كما إذ قلت فلان في جهة السطح أو في جهة المنارة ، فالمعنى أن المنارة تحمله والسقف يحمله وتحيط به ، إذا أردت بالجهة هذا المعنى ، فهذا باطل أو حق باطل بلا شك ، إذا يكون باطلا إثبات الفظ أو المعنى .
وإذا أردت بالجهة أن الله تعالى في جهة علو لا يحيط به شيء من مخلوقات فهي ولا باطل نعم حق ، ولكننا مع ذلك لا نقول إن الله في جهة ، لأن الله سبحانه وتعالى أتى بدلاً عن كلمة في جهة ، أتى بدلاً عنها بالعلو والإستواء على العرش والفوقيه وما أشبه ذالك ، فنحن في غنى عن هذا اللفظ .
وأقول لكم أيضا : كل شيء يحتمل معنى باطلا تجدون أن الله لم يثبته لنفسه ، كل شيء يتضمن حقا وباطلا فإن الله سبحانه وتعالى لا يثبته لنفسه ، لأن الله تعالى متصف بصفات الكمال ، والله أعلم .
14 - تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وما تنازع فيه المتأخرون نفيا وإثباتا فليس على أحد بل ولا له : أن يوافق أحدا على إثبات لفظه أو نفيه حتى يعرف مراده , فإن أراد حقا قبل وإن أراد باطلا رد وإن اشتمل كلامه على حق وباطل لم يقبل مطلقا ولم يرد جميع معناه بل يوقف اللفظ ويفسر المعنى , كما تنازع الناس في الجهة والتحيز وغير ذلك , فلفظ الجهة قد يراد به شيء موجود غير الله فيكون مخلوقا كما إذا أريد بالجهة نفس العرش أو نفس السموات وقد يراد به ما ليس بموجود غير الله تعالى كما إذا أريد بالجهة ما فوق العالم , ومعلوم أنه ليس في النص إثبات لفظ الجهة ولا نفيه كما فيه إثبات العلو والاستواء والفوقية والعروج إليه ونحو ذلك , وقد علم أن ما ثم موجود إلا الخالق والمخلوق والخالق مباين للمخلوق - سبحانه وتعالى - ليس في مخلوقاته شيء من ذاته ; ولا في ذاته شيء من مخلوقاته . فيقال لمن نفى الجهة : أتريد بالجهة أنها شيء موجود مخلوق ؟ فالله ليس داخلا في المخلوقات أم تريد بالجهة ما وراء العالم ؟ فلا ريب أن الله فوق العالم مباين للمخلوقات وكذلك يقال لمن قال الله في جهة : أتريد بذلك أن الله فوق العالم ؟ أو تريد به أن الله داخل في شيء من المخلوقات ؟ فإن أردت الأول فهو حق وإن أردت الثاني فهو باطل .". أستمع حفظ