تتمة تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " والحكم هو الفصل بين الشيئين فالحاكم يفصل بين الخصمين , والحكم فصل بين المتشابهات علما وعملا إذا ميز بين الحق والباطل والصدق والكذب والنافع والضار وذلك يتضمن فعل النافع وترك الضار فيقال : حكمت السفيه وأحكمته إذا أخذت على يديه وحكمت الدابة وأحكمتها إذا جعلت لها حكمة وهو ما أحاط بالحنك من اللجام وإحكام الشيء إتقانه . فَإِحْكَامُ الْكَلَامِ إتْقَانُهُ بِتَمْيِيزِ الصِّدْقِ مِنْ الْكَذِبِ فِي أَخْبَارِهِ وَتَمْيِيزِ الرُّشْدِ مِنْ الْغَيِّ فِي أَوَامِرِهِ ، وَالْقُرْآنُ كُلُّهُ مُحْكَمٌ بِمَعْنَى الْإِتْقَانِ فَقَدْ سَمَّاهُ اللَّهُ تعالى حَكِيمًا بِقَوْلِهِ : (( الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ )) فَالْحَكِيمُ بِمَعْنَى الْحَاكِمِ ؛ كَمَا جَعَلَهُ يَقُصُّ بِقَوْلِهِ : (( إنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ )) وَجَعَلَهُ مُفْتِيًا فِي قَوْلِهِ : (( قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ )) أَيْ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ , وَجَعَلَهُ هَادِيًا وَمُبَشِّرًا فِي قَوْلِهِ : (( إنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ )) ".
الشيخ : ... والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، قال رحمه الله تعالى : " والحكم هو الفصل بين الشيئين فالحاكم يفصل بين الخصمين ، والحكم فصل بين المتشابهات علما وعملا إذا ميز بين الحق والباطل والصدق والكذب والنافع والضار ، وذلك يتضمن فعل النافع وترك الضار فيقال : حكمت السفيه وأحكمته إذا أخذت على يديه ، وحكمت الدابة وأحكمتها إذا جعلت لها حكمة وهو ما أحاط بالحنك من اللجام ، وإحكام الشيء إتقانه " . المؤلف يتكلم على أن القرآن محكم ومتشابه ، وبعضه محكم وبعضه متشابه . " فَإِحْكَامُ الْكَلَامِ إتْقَانُهُ بِتَمْيِيزِ الصِّدْقِ مِنْ الْكَذِبِ فِي أَخْبَارِهِ وَتَمْيِيزِ الرُّشْدِ مِنْ الْغَيِّ فِي أَوَامِرِهِ ، وَالْقُرْآنُ كُلُّهُ مُحْكَمٌ بِمَعْنَى الْإِتْقَانِ فَقَدْ سَمَّاهُ اللَّهُ تعالى حَكِيمًا بِقَوْلِهِ : (( الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ )) فَالْحَكِيمُ بِمَعْنَى الْحَاكِمِ ، كَمَا جَعَلَهُ يَقُصُّ بِقَوْلِهِ : (( إنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ )) وَجَعَلَهُ مُفْتِيًا فِي قَوْلِهِ : (( قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ )) أَيْ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ ، وَجَعَلَهُ هَادِيًا وَمُبَشِّرًا فِي قَوْلِهِ : (( إنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ )) ". هذا المعنى الأول من كون القرآن محكما يعني متقناً في أخباره وفي أحكامه ، ففي أخباره يميز بين الحق والباطل والصدق والكذب ، وفي أحكامه يميز بين العدل الجور والنافع والضار . هو بهذا المعنى كله موصوف بهذه الصفة أنه محكم .
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وأما التشابه الذي يعمه فهو ضد الاختلاف المنفي عنه في قوله : (( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا )) وهو الاختلاف المذكور في قوله : (( إنكم لفي قول مختلف يؤفك عنه من أفك )). فالتشابه هنا : هو تماثل الكلام وتناسبه : بحيث يصدق بعضه بعضا ; فإذا أمر بأمر لم يأمر بنقيضه في موضع آخر ; بل يأمر به أو بنظيره أو بملزوماته ; وإذا نهى عن شيء لم يأمر به في موضع آخر بل ينهى عنه أو عن نظيره أو عن ملزوماته إذا لم يكن هناك نسخ وكذلك إذا أخبر بثبوت شيء لم يخبر بنقيض ذلك بل يخبر بثبوته أو بثبوت ملزوماته وإذا أخبر بنفي شيء لم يثبته بل ينفيه أو ينفي لوازمه بخلاف القول المختلف الذي ينقض بعضه بعضا فيثبت الشيء تارة وينفيه أخرى أو يأمر به وينهى عنه في وقت واحد ويفرق بين المتماثلين فيمدح أحدهما ويذم الآخر فالأقوال المختلفة هنا : هي المتضادة . والمتشابهة : هي المتوافقة وهذا التشابه يكون في المعاني وإن اختلفت الألفاظ فإذا كانت المعاني يوافق بعضها بعضا ويعضد بعضها بعضا ويناسب بعضها بعضا ويشهد بعضها لبعض ويقتضي بعضها بعضا : كان الكلام متشابها ; بخلاف الكلام المتناقض الذي يضاد بعضه بعضا فهذا التشابه العام : لا ينافي الإحكام العام بل هو مصدق له فإن الكلام المحكم المتقن يصدق بعضه بعضا لا يناقض بعضه بعضا بخلاف الإحكام الخاص ; فإنه ضد التشابه الخاص والتشابه الخاص هو مشابهة الشيء لغيره من وجه مع مخالفته له من وجه آخر بحيث يشتبه على بعض الناس إنه هو أو هو مثله وليس كذلك والإحكام هو الفصل بينهما بحيث لا يشتبه أحدهما بالآخر وهذا التشابه إنما يكون بقدر مشترك بين الشيئين مع وجود الفاصل بينهما ثم من الناس من لا يهتدي للفصل بينهما فيكون مشتبها عليه ومنهم من يهتدي إلى ذلك ; فالتشابه الذي لا يتميز معه قد يكون من الأمور النسبية الإضافية بحيث يشتبه على بعض الناس دون بعض ومثل هذا يعرف منه أهل العلم ما يزيل عنهم هذا الاشتباه كما إذا اشتبه على بعض الناس ما وعدوا به في الآخرة بما يشهدونه في الدنيا فظن أنه مثله فعلم العلماء أنه ليس مثله وإن كان مشبها له من بعض الوجوه ومن هذا الباب الشبه التي يضل بها بعض الناس وهي ما يشتبه فيها الحق والباطل حتى تشتبه على بعض الناس ; ومن أوتي العلم بالفصل بين هذا وهذا لم يشتبه عليه الحق بالباطل والقياس الفاسد إنما هو من باب الشبهات لأنه تشبيه للشيء في بعض الأمور بما لا يشبهه فيه فمن عرف الفصل بين الشيئين : اهتدى للفرق الذي يزول به الاشتباه والقياس الفاسد ; وما من شيئين إلا ويجتمعان في شيء ويفترقان في شيء فبينهما اشتباه من وجه وافتراق من وجه فلهذا كان ضلال بني آدم من قبل التشابه والقياس الفاسد لا ينضبط كما قال الإمام أحمد : أكثر ما يخطئ الناس من جهة التأويل والقياس ; فالتأويل : في الأدلة السمعية , والقياس : في الأدلة العقلية وهو كما قال والتأويل الخطأ إنما يكون في الألفاظ المتشابهة , والقياس الخطأ إنما يكون في المعاني المتشابهة . ".
الشيخ : ثم قال : " وَأَمَّا التَّشَابُهُ الَّذِي يَعُمُّهُ فَهُوَ ضِدُّ الِاخْتِلَافِ الْمَنْفِيِّ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ تعالى : (( وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا )) وَهُوَ الِاخْتِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ : (( إنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ )) . فَالتَّشَابُهُ هُنَا " الإشارة إلى أي شيء هنا .؟ الطالب : ... . الشيخ : لا ، هنا التشابه العام الذي يعم القرآن . " هُوَ تَمَاثُلُ الْكَلَامِ وَتَنَاسُبُهُ : بِحَيْثُ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا ، فَإِذَا أَمَرَ بِأَمْرِ لَمْ يَأْمُرْ بِنَقِيضِهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ ، بَلْ يَأْمُرُ بِهِ أَوْ بِنَظِيرِهِ أَوْ بِمَلْزُومَاتِهِ ، وَإِذَا نَهَى عَنْ شَيْءٍ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بَلْ يَنْهَى عَنْهُ أَوْ عَنْ نَظِيرِهِ أَوْ عَنْ مَلْزُومَاتِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ نَسْخٌ " . فإذا كان هناك نسخ فقد يأمر بنقيضه لأن النسخ يرفع الحكم الأول ، لكن إذا لم يكن نسخ لا يمكن أن يتناقض . " وَكَذَلِكَ إذَا أَخْبَرَ بِثُبُوتِ شَيْءٍ لَمْ يُخْبِرْ بِنَقِيضِ ذَلِكَ بَلْ يُخْبِرُ بِثُبُوتِهِ أَوْ بِثُبُوتِ مَلْزُومَاتِهِ ، وَإِذَا أَخْبَرَ بِنَفْيِ شَيْءٍ لَمْ يُثْبِتْهُ بَلْ يَنْفِيهِ أَوْ يَنْفِي لَوَازِمَهُ بِخِلَافِ الْقَوْلِ الْمُخْتَلِفِ الَّذِي يَنْقُضُ بَعْضُهُ بَعْضًا فَيُثْبِتُ الشَّيْءَ تَارَةً وَيَنْفِيهِ أُخْرَى أَوْ يَأْمُرُ بِهِ وَيَنْهَى عَنْهُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَيُفَرِّقُ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ ، فَيَمْدَحُ أَحَدَهُمَا وَيَذُمُّ الْآخَرَ فَالْأَقْوَالُ الْمُخْتَلِفَةُ هُنَا : هِيَ الْمُتَضَادَّةُ . وَالْمُتَشَابِهَةُ : هِيَ الْمُتَوَافِقَةُ ، وَهَذَا التَّشَابُهُ " يعني الذي يعم القرآن كله " يَكُونُ فِي الْمَعَانِي وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْأَلْفَاظُ فَإِذَا كَانَتْ الْمَعَانِي يُوَافِقُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَيُعَضِّدُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَيُنَاسِبُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَيَشْهَدُ بَعْضُهَا لِبَعْضِ وَيَقْتَضِي بَعْضُهَا بَعْضًا كَانَ الْكَلَامُ مُتَشَابِهًا ، بِخِلَافِ الْكَلَامِ الْمُتَنَاقِضِ الَّذِي يُضَادُّ بَعْضُهُ بَعْضًا ، فَهَذَا التَّشَابُهُ الْعَامُّ لَا يُنَافِي الْإِحْكَامَ الْعَامَّ بَلْ هُوَ مُصَدِّقٌ لَهُ ، فَإِنَّ الْكَلَامَ الْمُحْكَمَ الْمُتْقَنَ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا لَا يُنَاقِضُ بَعْضُهُ بَعْضًا بِخِلَافِ الْإِحْكَامِ الْخَاصِّ ، فَإِنَّهُ ضِدُّ التَّشَابُهِ الْخَاصِّ ، وَالتَّشَابُهُ الْخَاصُّ هُوَ مُشَابَهَةُ الشَّيْءِ لِغَيْرِهِ مِنْ وَجْهٍ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ، بِحَيْثُ يَشْتَبِهُ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ أنَّهُ هُوَ أَوْ هُوَ مِثْلُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَالْإِحْكَامُ هُوَ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا بِحَيْثُ لَا يَشْتَبِهُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ وَهَذَا التَّشَابُهُ إنَّمَا يَكُونُ بِقَدْرِ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ مَعَ وُجُودِ الْفَاصِلِ بَيْنَهُمَا " . إذا التشابه الخاص واش معنى التشابه الخاص يعني الذي وصف به بعض القرآن ، لأن عندنا تشابها عاماً ، عاماً يعني أنه وصف به جميع القرآن ، وعندنا تشابه خاص وهو الذي وصف به بعض القرآن . فالتشابه الخاص الذي وصف به بعض القرآن بعضهم يقول : هو ما أشكل معناه . وهذا التفسير بالتشابه الخاص واضح ولا يحتاج إلى تعب . أن نقول : إن الإحكام الخاص بمعنى وضوح المعنى ، والتشابه الخاص بمعنى اشتباه المعنى ، بحيث لا يعرفه إلا الراسخون في العلم . أرجوا الانتباه . الإحكام العام هو بمعنى الإتقان في أخباره وأحكامه ، والتشابه العام بمعنى التماثل والتناسب بحيث لا يناقض بعضه بعض . هذا التشابه العام الذي يعم جميع القرآن ، والإحكام العام الذي يعم جميع القرآن. الإحكام الخاص هو ما اتضح معناه ، يعني وضوح المعنى بحيث لا يشتبه ، والتشابه الخاص هو اشتباه المعنى بحيث يخفى على بعض الناس ، ويقول المؤلف إنه بأن يشابه الشيء لغيره من وجه ويخالفه من وجه آخر ، فإذا كان يشابهه ويخالفه من وجه صار يخفى على بعض الناس ويقول كيف يصير كذا وهو كذا ، يخالف ويشابه ، فيعجز بعض الناس عن معرفة معناه ، ومن الذي يعرف معنى التشابه الخاص .؟ هم الراسخون في العلم . نأتي الآن ، التشابه الخاص ما هو دواءه .؟ دواءه أن نرده إلى الإحكام ، ولهذا قال : " والإحكام هو الفصل بينهما بحيث لا يشتبه أحدهما بالآخر ، وهذا التشابه إنما يكون بقدر مشترك بين الشيئين مع وجود الفاصل بينهما ". فصار التشابه الخاص على رأي المؤلف هو أن يشبه الشيء بعضه بعضا مع مخالفته في بعض الوجوه ، يشبه غيره من وجه ويخالفه من وجه آخر ، فيحتاج حينئذ إلى محكم يفصل بينهما ، والمحكم الذي يفصل بينهما هو الذي يرد إليه المتشابه لقوله تعالى : ((فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ))(( والراسخون في العلم يقولون آمنا به )) . فبعد هذا الإيضاح من المؤلف يقول : " ثُمَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ لَا يَهْتَدِي لِلْفَصْلِ بَيْنَهُمَا فَيَكُونُ مُشْتَبِهًا عَلَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَهْتَدِي إلَى ذَلِكَ ، فَالتَّشَابُهُ الَّذِي لَا يَتَمَيَّزُ مَعَهُ قَدْ يَكُونُ مِنْ الْأُمُورِ النِّسْبِيَّةِ الْإِضَافِيَّةِ بِحَيْثُ يَشْتَبِهُ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ دُونَ بَعْضٍ ، وَمِثْلُ هَذَا يَعْرِفُ مِنْهُ أَهْلُ الْعِلْمِ مَا يُزِيلُ عَنْهُمْ هَذَا الِاشْتِبَاهُ كَمَا إذَا اشْتَبَهَ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ مَا وُعِدُوا بِهِ فِي الْآخِرَةِ بِمَا يَشْهَدُونَهُ فِي الدُّنْيَا فَظَنَّ أَنَّهُ مِثْلُهُ ، فَعَلِمَ الْعُلَمَاءُ أَنَّهُ لَيْسَ مِثْلَهُ وَإِنْ كَانَ مُشْبِهًا لَهُ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ ". إذاً على رأي المؤلف يمكن أن نمثل التشابه الخاص بما وعدنا به في الآخرة من الثواب . هل الرمان الذي في الآخرة مثل الذي في الدنيا.؟ الجواب لا ، لكن بعض الناس قد يظن أنه مثله ، فيشبه عليه هذا بهذا . وكذلك أيضا : " وَمِنْ هَذَا الْبَابِ الشُّبَهُ الَّتِي يَضِلُّ بِهَا بَعْضُ النَّاسِ وَهِيَ مَا يَشْتَبِهُ فِيهَا الْحَقُّ وَالْبَاطِلُ حَتَّى تَشْتَبِهَ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ ، وَمَنْ أُوتِيَ الْعِلْمَ بِالْفَصْلِ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا لَمْ يَشْتَبِهْ عَلَيْهِ الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ، وَالْقِيَاسُ الْفَاسِدُ إنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الشُّبُهَاتِ لِأَنَّهُ تَشْبِيهٌ لِلشَّيْءِ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ بِمَا لَا يُشْبِهُهُ فِيهِ ، فَمَنْ عَرَفَ الْفَصْلَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ اهْتَدَى لِلْفَرْقِ الَّذِي يَزُولُ بِهِ الِاشْتِبَاهُ وَالْقِيَاسُ الْفَاسِدُ ، وَمَا مِنْ شَيْئَيْنِ إلَّا وَيَجْتَمِعَانِ فِي شَيْءٍ وَيَفْتَرِقَانِ فِي شَيْءٍ ، فَبَيْنَهُمَا اشْتِبَاهٌ مِنْ وَجْهٍ وَافْتِرَاقٌ مِنْ وَجْهٍ ، فَلِهَذَا كَانَ ضَلَالُ بَنِي آدَمَ مِنْ قِبَلِ التَّشَابُهِ، وَالْقِيَاسِ الْفَاسِدِ لَا يَنْضَبِطُ " يعني أنه ضلال كثير ما يمكن ضبطه . " كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : أَكْثَرُ مَا يُخْطِئُ النَّاسُ مِنْ جِهَةِ التَّأْوِيلِ وَالْقِيَاسِ ، فَالتَّأْوِيلُ : فِي الْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ ، وَالْقِيَاسُ : فِي الْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ ، وَالتَّأْوِيلُ الْخَطَأُ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْأَلْفَاظِ الْمُتَشَابِهَةِ ، والقياس الخطأ إنما يكون في المعاني المتشابهة " . في الحقيقة هذا الكلام جيد ومتين ، وفصل المؤلف فيه رحمه الله تعالى ، أن هذا الاشتباه الذي يقع في مثل هذا الأمور من الذي يعرفه من الناس يعرفه أهل العلم ، الراسخون في العلم بحيث لا يكون عندهم اشتباه في اللفظ فيؤولون تأويلاً فاسداً ، ولا في المعنى فيثبون قياساً فاسداً ، لأن القياس هو إلحاق غير المنصوص عليه بالمنصوص عليه لعلة ، هذا الإلحاق قد يكون بعض الناس يشبه عليه المعنى فيظنه أن المعنى الذي في المقيس عليه موجود في المقيس ، فيلحقه به وليس كذلك ، كذلك أيضاً في الألفاظ ، الاشتباه في اللفظ قد يظن بعض الناس أن معنى اللفظ كذا وكذا وهو ليس كذلك فيظل . فصار كما قال الإمام أحمد : أكثر ما يخطئ الناس من جهة التأويل، وهذا باعتبار الألفاظ الأدلة السمعية ، والقياس وهذا باعتبار المعاني وهي الأدلة العقلية . الطالب : ... . الشيخ : هو المؤلف يتكلم على الإحكام الخاص والتشابه الخاص ، ويقول إن التشابه الخاص كون الشيء مشتبها ، بحيث إنه يشبه غيره من وجه ويخالفه من وجه آخر ، فيظن بعض الناس أنه مثله من أجل موافقته له في الوجه ، أو أنه غيره من حيث المفارقة له في الوجه ، فيأتي أهل العلم ويبينون أن هذا ليس هو هذا ، باعتبار الوجه المفارق ، وأنه مثله باعتبار الوجه الموافق ، فهمت .؟ ثم إن الناس يظنون في هذا الباب في باب التشابه الخاص ، هو الذي يقع فيه الضلال ، لأن من الناس من يشتبه عليه اللفظ فيؤوله بتأويل ليس مقصودا ، ومنهم من يشتبه عليه المعنى فيلحق به ما ليس مثله، وهذا القياس الفاسد .
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وقد وقع بنو آدم في عامة ما يتناوله هذا الكلام من أنواع الضلالات حتى آل الأمر إلى من يدعي التحقيق والتوحيد والعرفان منهم إلى أن اشتبه عليهم وجود الرب بوجود كل موجود فظنوا أنه هو فجعلوا وجود المخلوقات عين وجود الخالق مع أنه لا شيء أبعد عن مماثلة شيء وأن يكون إياه أو متحدا به ; أو حالا فيه من الخالق مع المخلوق فمن اشتبه عليه وجود الخالق بوجود المخلوقات كلها حتى ظنوا وجودها وجوده ; فهم أعظم الناس ضلالا من جهة الاشتباه . وذلك أن الموجودات تشترك في مسمى الوجود فرأوا الوجود واحدا ولم يفرقوا بين الواحد بالعين والواحد بالنوع وآخرون توهموا أنه إذا قيل : الموجودات تشترك في مسمى الوجود لزم التشبيه والتركيب فقالوا : لفظ الوجود مقول بالاشتراك اللفظي فخالفوا ما اتفق عليه العقلاء مع اختلاف أصنافهم من أن الوجود ينقسم إلى قديم ومحدث ونحو ذلك من أقسام الموجودات وطائفة ظنت أنه إذا كانت الموجودات تشترك في مسمى الوجود لزم أن يكون في الخارج عن الأذهان موجود مشترك فيه وزعموا أن في الخارج عن الأذهان كليات مطلقة مثل وجود مطلق وحيوان مطلق وجسم مطلق ونحو ذلك فخالفوا الحس والعقل والشرع وجعلوا ما في الأذهان ثابتا في الأعيان وهذا كله من نوع الاشتباه ومن هداه الله فرق بين الأمور وإن اشتركت من بعض الوجوه وعلم ما بينهما من الجمع والفرق والتشابه والاختلاف ; وهؤلاء لا يضلون بالمتشابه من الكلام لأنهم يجمعون بينه وبين المحكم الفارق الذي يبين ما بينهما من الفصل والافتراق وهذا كما أن لفظ ( إنا ) و ( نحن ) وغيرهما من صيغ الجمع يتكلم بها الواحد له شركاء في الفعل ويتكلم بها الواحد العظيم الذي له صفات تقوم كل صفة مقام واحد وله أعوان تابعون له ; لا شركاء له فإذا تمسك النصراني بقوله تعالى : (( إنا نحن نزلنا الذكر )) ونحوه على تعدد الآلهة كان المحكم كقوله تعالى : (( وإلهكم إله واحد )) ونحو ذلك مما لا يحتمل إلا معنى واحدا يزيل ما هناك من الاشتباه ; وكان ما ذكره من صيغة الجمع مبينا لما يستحقه من العظمة والأسماء والصفات وطاعة المخلوقات من الملائكة وغيرهم .".
الشيخ : ثم قال : " وَقَدْ وَقَعَ بَنُو آدَمَ فِي عَامَّةِ مَا يَتَنَاوَلُهُ هَذَا الْكَلَامُ مِنْ أَنْوَاعِ الضَّلَالَاتِ " وش يعني بالكلام .؟ كلام الإمام أحمد : أكثر ما يخطأ الناس من جهة التأويل والقياس . يقول : " وَقَدْ وَقَعَ بَنُو آدَمَ فِي عَامَّةِ مَا يَتَنَاوَلُهُ هَذَا الْكَلَامُ " يعني كلام الإمام أحمد " مِنْ أَنْوَاعِ الضَّلَالَاتِ حَتَّى آلَ الْأَمْرُ إلَى مَنْ يَدَّعِي التَّحْقِيقَ وَالتَّوْحِيدَ وَالْعِرْفَانَ مِنْهُمْ إلَى أَنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِمْ وُجُودُ الرَّبِّ بِوُجُودِ كُلِّ مَوْجُودٍ ، فَظَنُّوا أَنَّهُ هُوَ ، فَجَعَلُوا وُجُودَ الْمَخْلُوقَاتِ عَيْنَ وُجُودِ الْخَالِقِ " . شف هذا والعياذ بالله ، هذا من أبعد الضلال ، شف كيف اشتبه على هؤلاء ! قالوا : نحن نريد أن نوحد نحن أهل التوحيد . توحيد الخالق بما يجب له .؟ لا ، التوحيد بين الخالق والمخلوق ، وجعلوهما واحدا، شف كيف الخطأ العظيم منهم ، هم يدعون أنهم هم أهل التوحيد والتحقيق ، قالوا نعم نحن الموحد ليس أنتم ، ليش .؟ قالوا : لأن التوحيد هو جعل الأعيان واحدة ، ومعنى ذلك أن الخالق هو عين المخلوق ، أما أن تقول خالق ومخلوق فما وحدت ، وإنما ثنيت ، أنت ثنيت الآن عندما تقول واحد اثنان ، خالق مخلوق ، فالخالق عين المخلوق وهذا حقيقة التوحيد ، صحيح هذا الكلام .؟ غير صحيح . لكن اشتبه عليهم معنى التوحيد فأخطأوا في فهمه ثم فسروه حسب ما فهموه . فهؤلاء يقول المؤلف ردا عليهم : " مَعَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ أَبْعَدَ عَنْ مُمَاثَلَة شَيْءٍ ، وَأَنْ يَكُونَ إيَّاهُ أَوْ مُتَّحِدًا بِهِ أَوْ حَالًّا فِيهِ مِنْ الْخَالِقِ مَعَ الْمَخْلُوقِ " أنت لو قلت مثلا الأخ ما هو اسمك .؟ الطالب : بدر الدين . الشيخ : بدر الدين لو قلت أن بوذا هو بدر الدين ، هو عينه بدر الدين ، وأنك إذا ضربت بوذا الذي يقول أح بدر الدين ، لو قيل هذا لكان أقرب إلى المعقول من أن تقول الإنسان هو الخالق أو لا .؟ أو أن الإنسان هو الخالق هو السموات والأرض والنجوم والشمس والقمر ، أيهم أبعد .؟ الأول ، الذي نحن قلنا أن بوذا هو بدر الدين أو الثاني الذي نقول أن الخالق هو السموات والأرض والمخلوق والبعير وكل شيء ، أيهم .؟ الثاني أبعد ، لأن الأولين من جنس ، وكم رأينا من اثنين يخرجون من بطن واحد ، وكم رأينا من اثنين متلاصقين ، لكن خالق ومخلوق بينهما من التباين ، الكبير الذي ما يمكن أن يعقل شيئا ، أشد تباينا من تباين الخالق مع المخلوق ، ومع ذلك اشتبه على هؤلاء الجماعة أهل وحدة الوجود ، وظنوا أن حقيقة التوحيد أن تجعل الخالق عين المخلوق ، ولا شك أن هذا من أشد الضلالات والعياذ بالله . والحاصل أن التشابه الخاص الذي وصف به بعض القرآن هو مزلة الأقدام ، ومضلة الأفهام ، هو الذي تزل به الأقدام وتضل فيه الأفهام ويظن فيه الباطل حقا والحق باطلا ، الذي هو التشابه .؟ لأن التشابه الخاص هو خفاء المعنى بحيث يكون اللفظ مشابها لغيره من وجه ومخالفا له من وجه آخر ، فيأتي الإنسان الخاطئ ويلحق ما ليس مثله بما ليس مثله ، ويفرق بين المتماثلين . ثم قال : " فَمَنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ وُجُودُ الْخَالِقِ بِوُجُودِ الْمَخْلُوقَاتِ كُلِّهَا حَتَّى ظَنُّوا وُجُودَهَا وُجُودَهُ ، فَهُمْ أَعْظَمُ النَّاسِ ضَلَالًا مِنْ جِهَةِ الِاشْتِبَاهِ . وَذَلِكَ أَنَّ الْمَوْجُودَاتِ تَشْتَرِكُ فِي مُسَمَّى الْوُجُودِ فَرَأَوْا الْوُجُودَ وَاحِدًا وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْوَاحِدِ بِالْعَيْنِ وَالْوَاحِدِ بِالنَّوْعِ " . بينهما فرق الواحد بالنوع قد تتحد أمور كثيرة في نوع واحد ، كلنا الآن مشتركون بنوع واحد على أننا إنسان ومن بني آدم ، لكن واحد بالعين متوحدين أو لا .؟ نحن واحد بالعين .؟ لا ، فيجب أن نفرق بين الواحد بالعين والواحد بالنوع ، الخالق موجود المخلوق موجود، إذاً هما في نوع الوجود متحدان ، لكن في عين الموجود .؟ غير متحدين . فاشتبه على بعض الناس ، اشتبهت الوحدة بالنوع مع الوحدة بالعين ، فجعلوا هذا هو هذا ، ومعلوم الفرق بينهما . الطالب : اسم الموجود ... . الشيخ : لا ، هذه موجودة في مسألة الموجودات ، كلها موجودة ، كل يشترك في أن هذا موجود ، لأننا عندنا موجود ، وقسيمه .؟ معدوم ، الموجودات تشترك في نوع الوجود ، لكن في أعيانها تختلف أو لا .؟ تختلف ما فيه شك تختلف اختلافا واضحا . يقول : " وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْوَاحِدِ بِالْعَيْنِ وَالْوَاحِدِ بِالنَّوْعِ ، وَآخَرُونَ تَوَهَّمُوا أَنَّهُ إذَا قِيلَ : الْمَوْجُودَاتُ تَشْتَرِكُ فِي مُسَمَّى الْوُجُودِ لَزِمَ التَّشْبِيهُ وَالتَّرْكِيبُ فَقَالُوا : لَفْظُ الْوُجُودِ مَقُولٌ بِالِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ فَخَالَفُوا مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْعُقَلَاءُ مَعَ اخْتِلَافِ أَصْنَافِهِمْ مِنْ أَنَّ الْوُجُودَ يَنْقَسِمُ إلَى قَدِيمٍ وَمُحْدَثٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ أَقْسَامِ الْمَوْجُودَاتِ " . هذا أيضا خطأ ثاني ، وهو أنهم ظنوا ـ بلفظ المعنى أخطأوا ـ ظنوا أن لفظ الوجود مشترك اشتركاً لفظياً بحيث يشمل وجود الخالق ووجود المخلوق على حد سواء ، وإن اختلف الخالق عن المخلوق، ولكن هؤلاء قد أخطأوا لأننا نعلم أن في الموجود ما هو قديم وما هو حادث . ثم قال : " وَطَائِفَةٌ ظَنَّتْ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْمَوْجُودَاتُ تَشْتَرِكُ فِي مُسَمَّى الْوُجُودِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ فِي الْخَارِجِ عَنْ الْأَذْهَانِ مَوْجُودٌ مُشْتَرَكٌ فِيهِ وَزَعَمُوا أَنَّ فِي الْخَارِجِ عَنْ الْأَذْهَانِ كُلِّيَّاتٍ مُطْلَقَةً مِثْلَ وُجُودٍ مُطْلَقٍ وَحَيَوَانٍ مُطْلَقٍ وَجِسْمٍ مُطْلَقٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، فَخَالَفُوا الْحِسَّ وَالْعَقْلَ وَالشَّرْعَ وَجَعَلُوا مَا فِي الْأَذْهَانِ ثَابِتًا فِي الْأَعْيَانِ ، وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ نَوْعِ الِاشْتِبَاهِ " ترى هذا سبق الكلام عليه يا جماعة ، ما تذكرون أن بعض من أنكر صفات الله قالوا يلزم أنه إذا كان الله موجودا أن يكون مشابها للموجودات ، حيث ظنوا أن هناك موجود مطلق تشترك فيه الموجودات ، فهذا الأخير يشير إلى مذهب المعتزلة . قال : " وَمَنْ هَدَاهُ اللَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْأُمُورِ وَإِنْ اشْتَرَكَتْ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ ، وَعَلِمَ مَا بَيْنَهُمَا " ما بينها الظاهر . وش عندك .؟ الطالب : " ما بينهما " . الشيخ : فيها ميم وألف ، أو ما بينها .؟ الذي يظهر : ما بينها أحسن . يقول : " فَرَّقَ بَيْنَ الْأُمُورِ وَإِنْ اشْتَرَكَتْ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ ، وَعَلِمَ مَا بَيْنَها " أي بين الأمور ، ما بينها صلحوا " مِنْ الْجَمْعِ وَالْفَرْقِ وَالتَّشَابُهِ وَالِاخْتِلَافِ ، وَهَؤُلَاءِ لَا يَضِلُّونَ بِالْمُتَشَابِهِ مِنْ الْكَلَامِ لِأَنَّهُمْ يَجْمَعُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُحْكَمِ الْفَارِقِ الَّذِي يُبَيِّنُ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْفَصْلِ وَالِافْتِرَاقِ " ثم أتى المؤلف بمثال ، فقال : " وَهَذَا كَمَا أَنَّ لَفْظَ " إنَّا " وَ" نَحْنُ " وَغَيْرُهُمَا مِنْ صِيَغِ الْجَمْعِ يَتَكَلَّمُ بِهَا الْوَاحِدُ لَهُ شُرَكَاءُ فِي الْفِعْلِ ، وَيَتَكَلَّمُ بِهَا الْوَاحِدُ الْعَظِيمُ الَّذِي لَهُ صِفَاتٌ تَقُومُ كُلُّ صِفَةٍ مَقَامَ وَاحِدٍ ، وَلَهُ أَعْوَانٌ تَابِعُونَ لَهُ لَا شُرَكَاءَ لَهُ ، فَإِذَا تَمَسَّكَ النَّصْرَانِيُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (( إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ )) وَنَحْوَهُ عَلَى تَعَدُّدِ الْآلِهَةِ كَانَ الْمُحْكَمُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (( وَإِلَهُكُمْ إلَهٌ وَاحِدٌ )) ". هذا مثال : مثل " إنا " و " نحن " عندما يقول واحد منكم : نحن فاهمون للدرس ، فإن ذلك يقتضي التعدد ، يعني نحن كل من في الفصل وهذا متعدد بلا شك ، عندما يقول الملك : إنا سنفعل كذا إننا سنقتل فلانا المجرم ، يقصد هو وأعوانه أو لا .؟ لأنه معروف أن الملك ليس لازما بالسيف يقتل هذا الرجل يعني بأعوانه . يقول الله تعالى : (( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ )) يقول النصراني : إنا جمع نحن جمع نزلنا جمع ، إذاً فالله ثالث ثلاثة ، وهذا اشتباه أو لا.؟ اشتبه عليه هذا الضمير الجمع بأنه يلزم من تعدد الآلهة فقال إن الله ثالث ثلاثة . طيب نقول عندنا آية محكمه : (( وَإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ )) هذه الآية محكمة أو لا .؟ شف النصراني في قلبه زيغ فتبع المتشابه ، والراسخون في العلم قالوا عندنا آية محكمة يجب أن ترد إليها المتشابه : (( وَإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ )) . " وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ إلَّا مَعْنًى وَاحِدًا يُزِيلُ مَا هُنَاكَ مِنْ الِاشْتِبَاهِ ، وَكَانَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ صِيغَةِ الْجَمْعِ مُبَيِّنًا لِمَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ الْعَظَمَةِ وَالْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ وَطَاعَةِ الْمَخْلُوقَاتِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَغَيْرِهِمْ." يعني إذا قال تعالى : (( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ )) كيف قال : (( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ )) وهو واحد .؟ نقول : لأنه له من الصفات العظيمة التي تكون كل صفة بمنزلة واحد ، مما جعله يقول : (( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْر )). ولهذا قال : " وَيَتَكَلَّمُ بِهَا الْوَاحِدُ الْعَظِيمُ الَّذِي لَهُ صِفَاتٌ تَقُومُ كُلُّ صِفَةٍ مَقَامَ وَاحِدٍ " فالله تعالى له صفات عظيمة ، فهو عظم نفسه لما له من الصفات .
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وأما حقيقة ما دل عليه ذلك من حقائق الأسماء والصفات وما له من الجنود الذين يستعملهم في أفعاله فلا يعلمهم إلا هو (( وما يعلم جنود ربك إلا هو )) وهذا من تأويل المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله بخلاف الملك من البشر إذا قال : قد أمرنا لك بعطاء فقد علم أنه هو وأعوانه مثل كاتبه وحاجبه وخادمه ونحو ذلك أمروا به وقد يعلم ما صدر عنه ذلك الفعل من اعتقاداته وإراداته ونحو ذلك والله - سبحانه وتعالى - لا يعلم عباده الحقائق التي أخبر عنها من صفاته وصفات اليوم الآخر ولا يعلمون حقائق ما أراد بخلقه وأمره من الحكمة ولا حقائق ما صدرت عنه من المشيئة والقدرة وبهذا يتبين أن التشابه يكون في الألفاظ المتواطئة كما يكون في الألفاظ المشتركة التي ليست بمتواطئة وإن زال الاشتباه بما يميز أحد النوعين : من إضافة أو تعريف كما إذا قيل : فيها أنهار من ماء فهناك قد خص هذا الماء بالجنة فظهر الفرق بينه , وبين ماء الدنيا لكن حقيقة ما امتاز به ذلك الماء غير معلوم لنا وهو مع ما أعده الله لعباده الصالحين - مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر - من التأويل الذي لا يعلمه إلا الله .".
الشيخ : طيب : " وَأَمَّا حَقِيقَةُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ مِنْ حَقَائِقِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ وَمَا لَهُ مِنْ الْجُنُودِ الَّذِينَ يَسْتَعْمِلُهُمْ فِي أَفْعَالِهِ فَلَا يَعْلَمُهُمْ إلَّا هُوَ (( وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إلَّا هُوَ )) وَهَذَا مِنْ تَأْوِيلِ الْمُتَشَابِهِ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ ، بِخِلَافِ الْمَلِكِ مِنْ الْبَشَرِ إذَا قَالَ : قَدْ أَمَرْنَا لَك بِعَطَاءِ ، فَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ هُوَ وَأَعْوَانُهُ مِثْلُ كَاتِبِهِ وَحَاجِبِهِ وَخَادِمِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ أُمِرُوا بِهِ ، وَقَدْ يعْلَمُ مَا صَدَرَ عَنْهُ ذَلِكَ الْفِعْلُ مِنْ اعْتِقَادَاتِهِ وَإِرَادَاتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ". الملك عندما يقول : أمرنا لك بكذا وكذا ، قد يكون الذي أمرنا لك بعطاء قد يكون الآمر من ؟ وزير المالية ، أمر بكذا وعرضه على الملك ووافق ، فهل الملك هو الذي انفرد بالأمر به .؟ لا ، لكن أعوانه ، أما الله جل وعلا فإنه سبحانه وتعالى عندما يقول : أمرنا بكذا أو فعلنا كذا فهو بمفرده ، لكن لعظمه وصفاته العظيمة جاء بصيغة التعظيم أي نعم . فالحاصل أن المؤلف رحمه الله تعالى جاب لنا مثال بالمتشابه وحمله على المحكم ، المتشابه ما هو .؟ (( إنا نحن نزلنا الذكر )) اشتبه على من ؟ النصراني فادعى أن الله ثالث ثلاثة ، قلنا له المحكم: (( وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم )) فجمع : (( إنا نحن نزلنا )) لعظيم صفاته لا لتعدد ذاته . قال : " وَاَللَهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - لَا يُعْلِمُ عِبَادَهُ الْحَقَائِقَ الَّتِي أَخْبَرَ عَنْهَا مِنْ صِفَاتِهِ وَصِفَاتِ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يَعْلَمُونَ حَقَائِقَ مَا أَرَادَ بِخَلْقِهِ وَأَمْرِهِ مِنْ الْحِكْمَةِ وَلَا حَقَائِقَ مَا صَدَرَتْ عَنْهُ مِنْ الْمَشِيئَةِ وَالْقُدْرَةِ " صحيح . الملك وبنو آدم قد يعلم الناس حقائق ما أمر به ، وأما الله عزّ وجل فنحن لا نعلم هذه الحقائق ، ولا نعلم حكمته العظيمة البالغة في أمره وخلقه . " وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ التَّشَابُهَ يَكُونُ فِي الْأَلْفَاظِ الْمُتَوَاطِئَةِ كَمَا يَكُونُ فِي الْأَلْفَاظِ الْمُشْتَرَكَةِ الَّتِي لَيْسَتْ بِمُتَوَاطِئَةِ ، وَإِنْ زَالَ الِاشْتِبَاهُ بِمَا يُمَيِّزُ أَحَدَ النَّوْعَيْنِ مِنْ إضَافَةٍ أَوْ تَعْرِيفٍ ، كَمَا إذَا قِيلَ : فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ فَهُنَاكَ قَدْ خَصَّ هَذَا الْمَاءَ بِالْجَنَّةِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَاءِ الدُّنْيَا لَكِنَّ حَقِيقَةَ مَا امْتَازَ بِهِ ذَلِكَ الْمَاءُ غَيْرُ مَعْلُومٍ لَنَا ، وَهُوَ مَعَ مَا أَعَدَّهُ اللَّهُ لِعِبَادِهِ الصَّالِحِينَ مِمَّا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ - مِنْ التَّأْوِيلِ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ ". يقول المتواطئة والمشتركة ، ما الفرق بين المتواطئة والمشتركة .؟ المتواطئة ما اتفقت في اللفظ والمعنى ، والمشتركة ما اتفقت في اللفظ واختلفت في المعنى ، مثلوا لي بالمتواطئة ما اتفقت في اللفظ والمعنى، والمشتركة ما اتفقت في اللفظ واختلفت في المعنى . يا جماعة أعطونا متواطئة ومشتركة ، أقول لكم اللفظ إذا اتفق في اللفظ والمعنى فهو متواطئ ، وإذا اتفق في اللفظ واختلف في المعنى فهو مشترك . الطالب : ... . الشيخ : لا ، لأن المشترك لابد أن يختلف المعنى أصلا وحقيقة . الطالب : ... . الشيخ : زين استرح . في يا جماعة عندنا متواطئة وعندنا مشتركة ، وعندنا شيء بينهما ، مثلاً " إنسان " هذا من اللفظ المتواطئ ، لأن إنسان يصدق عليّ وعليك وعلى الثاني والثالث والرابع ، يصدق باللفظ والمعنى ، فهذه " إنسان " من الألفاظ المتواطئة لاتفاق لفظها ومعناها في كل ما تضاف له . عندما أقول فلان إنسان وأنا إنسان والثالث إنسان والرابع إنسان ، فهذا لفظ متواطئ لاتفاق اللفظ والمعنى يطلق علي وعلى الثاني والثالث والرابع على حد سواء ، إذا التعدد هنا بالعين . طيب كلمة " عين " يقولون إنها تطلق على العين هذه الباصرة وتطلق على نبع الماء ، وتطلق على الشمس وتطلق على الذهب ، يقال عين ، طيب هذه العين الفوارة ، اللفظ واحد والمعنى متعدد بالنوع أو بالعين .؟ بالنوع ، هذا ماء وهذا عين ، وكلها يسمى عين، هذا يسمونه مشترك اللفظ واحد والمعنى مختلف أصلا وفصلا . فيه كلمات مثل " الحي " تطلق على الإنسان وتطلق على الخالق سبحانه وتعالى ، هل هي من المشترك أم من المتواطئ .؟ من نظر إلى أصل الحياة قال إنها من المتواطئ ، ومن نظر إلى الاختلاف والتباين بين حياة الإنسان وحياة الخالق ، قال أنها من المشترك ، ولهذا سماها بعض الناس مشككة ، لتشككك الإنسان فيها هل هي من المشترك أم من المتواطئ ، وهذه مرت عليكم في الثالثة ثانوي ، الفتوى الحموية ، ولكن شيخ الإسلام رجح في الفتوى أنها نوع من المتواطئ ، قال : لأن الحقيقة أننا إذا نظرنا إلى المعنى فهو متواطئ ، الحياة ، فالاختلاف بين حياة الخالق وحياة المخلوق في أصل الحياة أو في الصفة .؟ في صفة الحياة ، لكن الاختلاف بين العين الباصرة والعين النابعة في الصفة أو الحقيقة .؟ في الحقيقة . أرجو الانتباه يا جماعة ، فصار الآن المتواطئ وش معناه ما اتفق لفظه ومعناه ، والمشترك ما اتفق لفظه واختلف معناه ، بحيث يدل هذا على حقيقة وهذا على حقيقة ، في شيء بينهما تكون الحقيقة واحدة ولكن الوصف أو الصفة مختلفة فبعض العلماء يقول متواطئ وبعضهم يقول مشترك ، ومشكك يقول ، والصحيح على ما اختاره شيخ الإسلام أنها من باب المتواطئة لأن المعنى واحد لكن يختلف في الصفة ... .
مراجعة الشيخ لكلام شيخ الإسلام ابن تيمية : بأن القرآن محكم ومتشابه , وأن التشابه يكون في الألفاظ المتواطئة , ويكون أيضا في الألفاظ المشتركة .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم ، سبق أن المؤلف رحمه الله تعالى قرر بأن القرآن محكم ومتشابه ، ويوصف به كل القرآن أو بعض القرآن ، وسبق أيضا معنى الإحكام العام ومعنى الإحكام الخاص ، ومعنى التشابه العام ومعنى التشابه الخاص ، وذكر أن التشابه الخاص إنما يكون فيما يشبه غير من وجه دون وجه ، وأن هذا هو محل اختلاف الناس ، فمنهم من إذا رآه موافقا لغيره من وجه خمله عليه ، ومنهم من إذا رآه مخالفا لغيره من وجه أبعده منه . وذكر المؤلف أن التشابه يكون في الألفاظ المتواطئة ، ويكون أيضا في الألفاظ المشتركة ، ومثل للتشابه الخاص باستدلال النصراني على تعدد الآلهة بقول الله تعالى : (( إنا نحن )) وما أشبه ذلك ، قال فهذا ضمير جمع والأصل أن الجمع تعدد ، وبين رحمه الله تعالى أن هذا التشابه يحمل على المحكم و مثل قوله : (( وإلهكم إله واحد )) ويكون الجمع الذي يصف الله به نفسه به إشارة إلى عظمة الله تبارك وتعالى وما له من صفة ، من صفات الكمال التي تعد كل صفة أنها شيء مستقل ، فلذلك يأتي ذكر الجمع مضافا إلى الله سبحانه وتعالى. وبيّنا نحن وشرحنا لكم الألفاظ المتواطئة والألفاظ المشتركة ، وأن المتواطئة هي ما اتفق لفظه ومعناه ، وأن المشتركة ما اتفق لفظه واختلف معناه ، وأن من الأشياء ما يكون متواطئا مشتركا باعتبارين ويسميه بعض العلماء مشككا ، وأن شيخ الإسلام حقق بأنه متواطئ لكن نوع خاص من المتواطئ ، اعتباراً بالأصل . ومثل المؤلف لذلك بكلمة " وجود " ، كلمة " وجود " هل هي من الألفاظ المتواطئة أو من الألفاظ المشتركة .؟ نشوف : وجود الله سبحانه وتعالى ووجود المخلوق ، مفترق أو متفق .؟ في أصل المعني متفق لكنه في حقيقته ووصفه لا ، الوصف مختلف ، فوجود الخالق واجب ، والمخلوق وجوده ممكن ، ووجود الخالق لا عدم معه ، وجود المخلوق وجود معه عدم ، إذا هل ننظر إلى اختلاف الصفة ونقول إنه من المشترك ، أو إلى أصل المعنى ونقول أنه من المتواطئ .؟ ننظر إلى أصل المعنى ونقول إنه من المتواطئ ولكنه متواطئ على نوع خاص ... الطالب : ... المشترك هو متفق في اللفظ ومختلف في المعنى ... يكون في المعاني وإن اختلفت الألفاظ ... اتفق في اللفظ واختلف في المعنى أو ما اختلف في المعنى واختلف في اللفظ ؟ الشيخ : لا ، ما اتفق في المعنى واختلف في اللفظ اسمه المترادف ، يعني مثلا البر والقمح ، اللفظ متعدد والمعنى واحد ، يسمون هذا مترادف ، الأسد والهزبر والضرام والضيرم ، اللفظ متعدد لكن المعنى واحد ، يسمونه مترادفا . الطالب : يقول هذا التشابه يكون في المعاني ... . الشيخ : نعم ويكون فيهما . الطالب : ... . الشيخ : إيه قصده هذا التشابه الذي في القرآن ، ليس التشابه الكلمي ، يعني أن القرآن تختلف ألفاظه لكنه لا تتناقض ، فهي تتشابه من حيث دلالتها على الصدق دلالتها على العدل ، ولا ينقض بعضها بعضا ، هذا المراد بالمعنى المتفق ، المتفق معناه الذي لا يناقض بعضه بعضا ، هذا المراد بالاتفاق هنا ، لا أن مدلوله واحد ، فهمت .؟ هذا في الحقيقة دلالات الألفاظ على معانيها قد يتعدد اللفظ ويتحد اللفظ ، وقد يتحد المعنى ويتحد اللفظ ، وقد يتفقان ، إذا تعدد المعنى واتفق اللفظ ، وش يصير .؟ يسمى المشترك ، إذا تعدد المعنى واتفق اللفظ ، اللفظ واحد والمعنى مختلف هذا المشترك ، وإذا اتحد المعنى وتعدد اللفظ ، عكس هذا يسمى مترادفا ، وإذا اتفق اللفظ والمعنى فهذا متواطئ ، وإذا اختلف المعنى واللفظ فهذا متباين ، مثل إنسان وحجر ، كلمة حجر تدل على معنى غير إنسان ، وكلمة إنسان تدل على معنى غير الحجر . فهذه أقسام الألفاظ أربعة : متباينة ومتواطئة ومشتركة ومترادفة ، فالمتباينة عكس المتواطئة ، هذه دعوة عامة : لمحاضرة يلقيها الدكتور مدير المعهد العالي للقضاء بجامعة الإمام محمد بن سعود بعنوان : " من مشكلات الشباب وكيف عالجها الإسلام " الليلة ، تمام الساعة الثامنة والنصف من مساء ليلة الثلاثاء ، وذلك بقاعة محاضر الكلية . الآن فهمتم أقسام الألفاظ بالنسبة للمعاني أربعة : متباينة ومشتركة ومتواطئة ومترادفة ، فالمتباينة تقابل المتواطئة ، لأن المتباينة ما تعدد لفظه ومعناه ، والمتواطئ ما اتحد لفظه ومعناه، المشتركة والمترادفة متقابلان ، المشترك ما اتحد لفظه واختلف معناه ، والمترادف ما اتحد معناه وتعدد لفظه ، عكس المشترك . طيب إنسان بشر وش يسمى هذا .؟ مترادفان ، لأنه معناه واحد ، كلمة إنسان بالنسبة لكل واحد من الناس متواطئ ، لأن اللفظ واحد والمعنى واحد ، فهذا أخ إنسان وهذا أخ إنسان . وعين بالنسبة للذهب والماء النابع مشترك ، وبقي القسم الرابع : حجر وإنسان هذا متباين لأن اللفظ والمعنى مختلفان .
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وكذلك مدلول أسمائه وصفاته الذي يختص بها التي هي حقيقة لا يعلمها إلا هو ; ولهذا كان الأئمة كالإمام أحمد وغيره ينكرون على الجهمية وأمثالهم - من الذين يحرفون الكلم عن مواضعه - تأويل ما تشابه عليهم من القرآن على غير تأويله كما قال أحمد : في كتابه الذي صنفه في الرد على الزنادقة والجهمية فيما شكت فيه من متشابه القرآن وتأولته على غير تأويله وإنما ذمهم لكونهم تأولوه على غير تأويله وذكر في ذلك ما يشتبه عليهم معناه وإن كان لا يشتبه على غيرهم وذمهم على أنهم تأولوه على غير تأويله ولم ينف مطلق لفظ التأويل كما تقدم : من أن لفظ التأويل يراد به التفسير المبين لمراد الله به فذلك لا يعاب بل يحمد ويراد بالتأويل الحقيقة التي استأثر الله بعلمها فذاك لا يعلمه إلا هو وقد بسطنا هذا في غير هذا الموضع . ومن لم يعرف هذا : اضطربت أقواله مثل طائفة يقولون إن التأويل باطل وإنه يجب إجراء اللفظ على ظاهره ويحتجون بقوله تعالى : (( وما يعلم تأويله إلا الله )) ويحتجون بهذه الآية على إبطال التأويل وهذا تناقض منهم ; لأن هذه الآية تقتضي أن هناك تأويلا لا يعلمه إلا الله وهم ينفون التأويل مطلقا وجهة الغلط أن التأويل الذي استأثر الله بعلمه هو الحقيقة التي لا يعلمها إلا هو . وأما التأويل المذموم والباطل : فهو تأويل أهل التحريف والبدع الذين يتأولونه على غير تأويله ويدعون صرف اللفظ عن مدلوله إلى غير مدلوله بغير دليل يوجب ذلك ويدعون أن في ظاهره من المحذور ما هو نظير المحذور اللازم فيما أثبتوه بالعقل ويصرفونه إلى معان هي نظير المعاني التي نفوها عنه فيكون ما نفوه من جنس ما أثبتوه فإن كان الثابت حقا ممكنا كان المنفي مثله وإن كان المنفي باطلا ممتنعا كان الثابت مثله وهؤلاء الذين ينفون التأويل مطلقا ويحتجون بقوله تعالى : (( وما يعلم تأويله إلا الله )) قد يظنون أنا خوطبنا في القرآن بما لا يفهمه أحد ; أو بما لا معنى له أو بما لا يفهم منه شيء . ".
الشيخ : طيب يقول المؤلف : " وَكَذَلِكَ مَدْلُولُ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ الَّذِي " أو التي .؟ الطالب : الذي . الشيخ :" الذي يَخْتَصُّ بِهَا الَّتِي هِيَ حَقِيقَةٌ لَا يَعْلَمُهَا إلَّا هُوَ ، وَلِهَذَا كَانَ الْأَئِمَّةُ كَالْإِمَامِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ يُنْكِرُونَ عَلَى الجهمية وَأَمْثَالِهِمْ - مِنْ الَّذِينَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ـ " ينكرون عليهم " تَأْوِيلَ مَا تَشَابَهَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْقُرْآنِ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ " تَأْوِيلِهِ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ ، المراد تأويله الأول صرف لفظه عن ظاهره ، عن المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح ، وعلى غير تأويله تفسيره . " كَمَا قَالَ أَحْمَدُ : فِي كِتَابِهِ الَّذِي صَنَّفَهُ فِي الرَّدِّ عَلَى الزَّنَادِقَةِ والجهمية فِيمَا شَكَّتْ فِيهِ مِنْ مُتَشَابِهِ الْقُرْآنِ وَتَأَوَّلَتْهُ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ ، وَإِنَّمَا ذَمَّهُمْ لِكَوْنِهِمْ تَأَوَّلُوهُ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ وَذَكَرَ فِي ذَلِكَ مَا يَشْتَبِهُ عَلَيْهِمْ مَعْنَاهُ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَشْتَبِهُ عَلَى غَيْرِهِمْ ، وَذَمَّهُمْ عَلَى أَنَّهُمْ تَأَوَّلُوهُ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ ، وَلَمْ يَنْفِ مُطْلَقَ لَفْظِ التَّأْوِيلِ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ لَفْظَ التَّأْوِيلِ يُرَادُ بِهِ التَّفْسِيرُ الْمُبَيِّنُ لِمُرَادِ اللَّهِ بِهِ ، فَذَلِكَ لَا يُعَابُ بَلْ يُحْمَدُ وَيُرَادُ بِالتَّأْوِيلِ الْحَقِيقَةُ الَّتِي اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهَا فَذَاكَ لَا يَعْلَمُهُ إلَّا هُوَ وَقَدْ بَسَطْنَا هَذَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ " وهذا معروف لنا ، التأويل ينقسم إلى ثلاثة أقسام : صرف اللفظ عن المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح ، والتأويل بمعنى التفسير ، والتأويل بمعنى الحقيقة . وذكرنا أن تأويل الأمر فعله ، وتأويل الخبر وقوع المخبر به . " وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ هَذَا : اضْطَرَبَتْ أَقْوَالُهُ مِثْلُ طَائِفَةٍ يَقُولُونَ إنَّ التَّأْوِيلَ بَاطِلٌ وَإِنَّهُ يَجِبُ إجْرَاءُ اللَّفْظِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَيَحْتَجُّونَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلَّا اللَّهُ )) وَيَحْتَجُّونَ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى إبْطَالِ التَّأْوِيلِ ، وَهَذَا تَنَاقُضٌ مِنْهُمْ ، لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَقْتَضِي أَنَّ هُنَاكَ تَأْوِيلًا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ ، وَهُمْ يَنْفُونَ التَّأْوِيلَ مُطْلَقًا ". في الحقيقة إذا قال لك قائل : هل التأويل مذموم أو لا .؟ نقول : فيه تفصيل : التأويل بمعنى التفسير لا يذم بل يحمد صاحبه . التأويل بمعنى صرف اللفظ عن ظاهره أو عن المعنى الراجح هذا هو المذموم إلا إذا قام عليه دليل . والتأويل بمعنى الحقيقة التي يؤول إليها هذا لا أحد يتكلم فيه ، ومن حاول أن يتكلم فيه فهو مخطأ ، لأنه لا يمكن الوصول إلى ذلك. قال : " وَجِهَةُ الْغَلَطِ " يعني في نفي التأويل مطلقا ، فالتأويل لا ينفى مطلقا ، جهة الغلط " أَنَّ التَّأْوِيلَ الَّذِي اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ هُوَ الْحَقِيقَةُ الَّتِي لَا يَعْلَمُهَا إلَّا هُوَ ، وَأَمَّا التَّأْوِيلُ الْمَذْمُومُ وَالْبَاطِلُ فَهُوَ تَأْوِيلُ أَهْل التَّحْرِيفِ وَالْبِدَعِ الَّذِينَ يَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ ، وَيَدَّعُونَ صَرْفَ اللَّفْظِ عَنْ مَدْلُولِهِ إلَى غَيْرِ مَدْلُولِهِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ يُوجِبُ ذَلِكَ ، وَيَدَّعُونَ أَنَّ فِي ظَاهِرِهِ مِنْ الْمَحْذُورِ مَا هُوَ نَظِيرُ الْمَحْذُورِ اللَّازِمِ فِيمَا أَثْبَتُوهُ بِالْعَقْلِ " ترى هذا تكرار لما سبق في قوله : إن القول في بعض الصفات كالقول في بعض ، وأن الذي ينفي المحبة ويثبت الإرادة يلزمه فيما أثبت نظير ما يلزمه فيما نفى . قال : " وَيَدَّعُونَ أَنَّ فِي ظَاهِرِهِ مِنْ الْمَحْذُورِ مَا هُوَ نَظِيرُ الْمَحْذُورِ اللَّازِمِ فِيمَا أَثْبَتُوهُ بِالْعَقْلِ ، وَيَصْرِفُونَهُ إلَى مَعَانٍ هِيَ نَظِيرُ الْمَعَانِي الَّتِي نَفَوْهَا عَنْهُ ، فَيَكُونُ مَا نَفَوْهُ مِنْ جِنْسِ مَا أَثْبَتُوهُ ، فَإِنْ كَانَ الثَّابِتُ حَقًّا مُمْكِنًا كَانَ الْمَنْفِيُّ مِثْلَهُ ، وَإِنْ كَانَ الْمَنْفِيُّ بَاطِلًا مُمْتَنِعًا كَانَ الثَّابِتُ مِثْلَهُ " واضح هذا يا جماعة .؟ طيب : " وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَنْفُونَ التَّأْوِيلَ مُطْلَقًا وَيَحْتَجُّونَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلَّا اللَّهُ )) قَدْ يَظُنُّونَ أَنَّا خُوطِبْنَا فِي الْقُرْآنِ بِمَا لَا يَفْهَمُهُ أَحَدٌ ، أَوْ بِمَا لَا مَعْنَى لَهُ أَوْ بِمَا لَا يُفْهَمُ مِنْهُ شَيْءٌ " . وصحيح هذا الكلام أو لا .؟ هؤلاء الذين يقولون أنه لا يمكننا أن نعلم التأويل أبدا ، على رأيهم نقول خوطبنا إذا بشيء لا يفهمه أحد ، إذا قلتم : (( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلَّا اللَّهُ )) فإذا في القرآن أشياء لا يعلمها أحد ، أو أننا خوطبنا بما لا معنى له ، وهذا أيضا خطأ لا يمكن ، القرآن كل ما فيه فله معنى ، اللهم إلا الحروف الهجائية في أول بعض السور ، والصحيح أنه ليس لها معنى ، لأنها حروف هجائية ، ما ركبت ما هي كلمة ، وليست كلاماً أيضاً ، فهي ليست رموزا كما قيل ، وليست لها معاني الله أعلم بمراده بها ، بل إننا حسب ما فهمنا من اللغة العربية والقرآن باللغة العربية أنه ليس لها معنى، ولهذا ذهب بعض السلف منهم مجاهد إلى أنها حرف هجاء ما لها معنى ، مثل : ( ألم ) و ( ألر ) لكن لها مغزى ، أن هذا القرآن الذي نزل وأعجزكم هو من هذه الحروف التي هي مادة لغتكم ، ومع ذلك أعجزكم . كذلك قد يظن الإنسان الذي ينفي التأويل مطلقاً أننا خوطبنا بما لا يفهم منه شيء ، وهذا لا شك أنه نقص في القرآن ، ولهذا قال شيخ الإسلام في كلامه له : إن أهل التفويض إن قولهم من شر أقوال أهل البدع والإلحاد ، الذين يقولون : نقرأ آيات الصفات ونفوض . (( الرحمن على العرش استوى )) ما نقول شيء ، نفوض علمه إلى الله وهذا خطأ ، بل نقول الاستواء معلوم كما قال أئمة السلف . الطالب : ... . الشيخ : مثلا الإرادة ، هذا سبق ، قلنا إنه تكرار لما سبق ، الإرادة أثبتوها ، أليس الأشاعرة يثبتون سبع صفات ، أثبتوا الإرادة ونفوا المحبة ، نقول لهم إن كانت الإرادة التي أثبتموها حقا فالمحبة التي نفيتموها حق ، لأنه لا فرق بينهما ، وإن كان المنفي الذي نفيتموه باطلا وهو المحبة كانت الإرادة باطلة ، لأنهم يقولون : ما نثبت لله محبة إذ المحبة ميل الإنسان إلى ما يحب ، ولا يمكن أن الله يميل ، الرحمة هي ضعف وانكسار يكون في قلب الراحم ، والله تعالى منزه عن ذلك ، نقول والإرادة أيضا هي ميل المريد إلى ما يجلب له منفعة أو يدفع عنه مضرة ، فإن كان ما أثبتموه من الإرادة حقا فما نفيتموه من الرحمة والمحبة ونحوها حق ، وإن كان ما نفيتموه باطلا فما أثبتموه فهو باطل . إذ لا فرق بينهما ... . الطالب : ... . الشيخ : لا ، هو للمعظم نفسه ، معروف عند النحويين وفي اللغة العربية ، يكون للمعظم نفسه وللجماعة .
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وهذا مع أنه باطل فهو متناقض لأنا إذا لم نفهم منه شيئا لم يجز لنا أن نقول له تأويل يخالف الظاهر ولا يوافقه ; " .
الشيخ :" وَهَذَا مَعَ أَنَّهُ بَاطِلٌ فَهُوَ مُتَنَاقِضٌ " وش الإشارة إليه .؟ الإشارة إلى نفي التأويل مطلقا ، لأنه قال : وهؤلاء الذين ينكرون التأويل . " وَهَذَا " أي نفي التأويل مطلقا " مَعَ أَنَّهُ بَاطِلٌ فَهُوَ مُتَنَاقِضٌ لِأَننَّا إذَا لَمْ نَفْهَمْ مِنْهُ شَيْئًا لَمْ يَجُزْ لَنَا أَنْ نَقُولَ لَهُ تَأْوِيلٌ يُخَالِفُ الظَّاهِرَ وَلَا يُوَافِقُهُ " صحيح إذا كنا لا نفهم من اللفظ شيء يا جماعة ، هل يصح أن نقول لهذا اللفظ تأويل لا يعلمه إلا الله .؟ تقولون : لا ، لكن يجب أن نقول لا عن علم ، لا ، لا نقول إن له تأويلا لا يعلمه إلا الله لأننا إذا كنا لا نفهم عنه شيئا فإنه يمكن أن يكون له تأويلا ، ويمكن أن لا يكون له تأويلا ، ويمكن أن يكون له تأويلا يعلمه الله فقط ، ويمكن أن يكون له تأويلا يعلمه الله وغيره . أرجو الانتباه ، إذا كنت ما تفهم عن هذا الكلام شيئا كيف تقول له تأويل لا يعلمه إلا الله .؟ إذا قلت له تأويل لا يعلمه إلا الله معناه عرفت أن له تأويلا وأنه لا يعلمه إلا الله ، لأنك إذا قلت له تأويل ، الجملة هنا إثبات أو نفي .؟ الطالب : إثبات . الشيخ : طيب ، لا يعمه إلا الله نفي ، فحكمت الآن بإثبات ونفي ، وأنت تقول لا يمكن التأويل ، لا يمكن أن نفهم منه شيئا ، نقول الآن فهمت الكلام ، وش فهمت .؟ أن له تأويلا وأنه لا يعلمه إلا الله ، والإنسان الذي لا يفهم من الشيء شيئا لا يفهم شيئا ، لأننا نقول هذا اللفظ الذي أنت لم تفهمه نشوف الحصر الآن ، إما أن يكون له معنى أو لا يكون له معنى ،أليس كذلك أجيبوا ! هذا الذي أنت ما فهمت إما أن يكون له معنى أو لا يكون له معنى ، ثم إن قدر له معنى فإما أن يكون معلوما لكل أحد أو مجهولا لكل أحد ، وعلى تقدير أنه معلوم فهل يكون معلوما لكل أحد او لله وحده .؟ أليس كل هذه الاحتمالات واردة ، فالذي يقول له تأويل لا يعلمه إلا الله ، يكون فهم منه شيئا أو لا .؟ نعم يكون فاهما شيئا ، فهم الآن أن هذا اللفظ له تأويل ، وأن تأويله لا يعلمه إلا الله ، فإذا تناقض هذا ، كونه يقول ما نفهم شيئا ، ثم يقول له تأويل لا يعلمه إلا الله هذا تناقض . ووجه التناقض الحصر الذي أشرت إليه ، لأننا نقول هذا اللفظ الذي تقول إنه لا يفهم منه شيء ، هذه نقطة مهمة ، لأنها مفيدة في الجدل ، هذا الذي لا تفهم منه شيئا ، إما أن يكون له معنى أو لا ، حصر هذا أو لا .؟ هل فيه قسم ثالث غير ذا .؟ لا ، وإذا قدر أن له معنى فإما أن يكون هذا المعنى معلوما أو مجهولا ،أليس كذلك فيه قسم ثالث .؟ لا ، إذا حصر ، وإذا قدر أنه معلوم فإما أن يكون معلوما لكل أحد أو لا يعلمه إلا الله أو لا .؟ فيه قسم ثالث أنه لا يعلمه الذي نزله .؟ لا يمكن هذا ، أنت الآن حكمت بأن له معنى وأنه لا يعلمه إلا الله ، فقد فهمت منه شيئا ، وإلا لو كنت لا تفهم ما حكمت هذا الحكم ، إذ أن الذي لا يفهم يقول مادام أنه تحتمل هذه الاحتمالات الستة يجب ألا أتكلم به ، الآن أنت حكمت عليه والحكم على الشيء يكون فرعا عن تصوره . يقول المؤلف مبينا ذلك : " وهذا مَعَ أَنَّهُ بَاطِلٌ فَهُوَ مُتَنَاقِضٌ لِأَنَّا إذَا لَمْ نَفْهَمْ مِنْهُ شَيْئًا لَمْ يَجُزْ لَنَا أَنْ نَقُولَ : لَهُ تَأْوِيلٌ يُخَالِفُ الظَّاهِرَ وَلَا يُوَافِقُهُ " .
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " لإمكان أن يكون له معنى صحيح وذلك المعنى الصحيح : لا يخالف الظاهر المعلوم لنا فإنه لا ظاهر له على قولهم فلا تكون دلالته على ذلك المعنى دلالة على خلاف الظاهر فلا يكون تأويلا ولا يجوز نفي دلالته على معان لا نعرفها على هذا التقدير . فإن تلك المعاني التي دل عليها قد لا نكون عارفين بها ولأنا إذا لم نفهم اللفظ ومدلوله فلأن لا نعرف المعاني التي لم يدل عليها اللفظ أولى ; لأن إشعار اللفظ بما يراد به أقوى من إشعاره بما لا يراد به ; فإذا كان اللفظ لا إشعار له بمعنى من المعاني ولا يفهم منه معنى أصلا لم يكن مشعرا بما أريد به فلأن لا يكون مشعرا بما لم يرد به أولى فلا يجوز أن يقال : إن هذا اللفظ متأول بمعنى أنه مصروف عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح فضلا عن أن يقال : إن هذا التأويل لا يعلمه إلا الله . اللهم إلا أن يراد بالتأويل ما يخالف " .
الشيخ :" ... لَإمَكَانَ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَعْنًى صَحِيحٌ وَذَلِكَ الْمَعْنَى الصَّحِيحُ لَا يُخَالِفُ الظَّاهِرَ الْمَعْلُومَ لَنَا ، فَإِنَّهُ لَا ظَاهِرَ لَهُ عَلَى قَوْلِهِمْ فَلَا تَكُونُ دَلَالَتُهُ عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى دَلَالَةً عَلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ فَلَا يَكُونُ تَأْوِيلًا ". والكلام مثل ما قلنا في الأول ، بالتقسيم ، تقسم حتى تنحصر الأقسام ، وحينئذ يتبين لك الموضوع . " وَلَا يَجُوزُ نَفْيُ دَلَالَتِهِ عَلَى مَعَانٍ لَا نَعْرِفُهَا عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ " الطالب : " وَلَا يَجُوزُ دَلَالَتِهِ عَلَى مَعَانٍ لَا نَعْرِفُهَا عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ " الشيخ : الظاهر أن الذي عندك أحسن : " وَلَا يَجُوزُ دَلَالَتِهِ عَلَى مَعَانٍ لَا نَعْرِفُهَا عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ " يعني على تقدير أنه غير مفهوم لنا ، إذا قدرنا أنه غير مفهوم لنا فإنه لا يجوز أن تقول أنه دال على معان لا نعرفها ، لأن الذي يقول إن له معنى لا يعلمه إلا الله وش يقول .؟ إنه دل على معان لكنها ليست معروفة ، وهو إذا كان مفهوما لا يمكن أن نقول هذا على تقدير أنه ليس بمفهوم . طيب الذي عندك يكون أحسن . " نفي " اشطب عليها . " وَلَا يَجُوزُ دَلَالَتِهِ عَلَى مَعَانٍ لَا نَعْرِفُهَا عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ ، فَإِنَّ تِلْكَ الْمَعَانِيَ الَّتِي دَلَّ عَلَيْهَا قَدْ لَا نَكُونُ عَارِفِينَ بِهَا وَلِأَنّنَّا إذَا لَمْ نَفْهَمْ اللَّفْظَ وَمَدْلُولَهُ فَلِأَنْ لَا نَعْرِفَ الْمَعَانِيَ الَّتِي لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهَا اللَّفْظُ أَوْلَى ، لِأَنَّ إشْعَارَ اللَّفْظِ بِمَا يُرَادُ بِهِ أَقْوَى مِنْ إشْعَارِهِ بِمَا لَا يُرَادُ بِهِ " كل هذا في الحقيقة كلام رزين لكن يحتاج إلى تأمل ، فأنتم يجب أن تتأملوه أولا ، والآن نشرح هذا المعنى : يقول تلك المعاني التي دل عليها قد لا نكون عارفين بها ، وش يقابل هذا التقسيم .؟ وقد نكون عارفين به ، ولكن إذا لم نفهم اللفظ ومدلوله على زعمهم أن في القرآن ما ليس مفهوم ، وأن التأويل منتفي ، إذا لم نفهم اللفظ ومدلوله فلأن لا نعرف المعاني التي لم يدل عليها اللفظ أولى ، إذا صار أنك ما تفهم اللفظ ولا تفهم معناه فالمعاني التي ما دل عليها أولى أن تكون مجهولة عندك ، لأنه مادام أن اللفظ لا تفهمه ولا تفهم معناه المراد به ، فكيف تفهم شيئا لا يدل عليه اللفظ .؟ فامتناع فهم ما دل عليه اللفظ دليل على امتناع فهم ما لم يدل عليه ، لماذا .؟ قال : " لأن إشعار اللفظ بما يراد به أقوى من إشعاره بما لا يراد به " وهذا معنى صحيح ، وكلام معقول . الطالب : ... . الشيخ : إشعار اللفظ بما يراد به ، يعني دلالته على ما يراد به أقوى من دلالته على ما لا يرد به . فإذا كنت الآن تقول : له معان لا يعلمها إلا الله ، مع أن اللفظ ذو معنى ، فأنت الآن ادّعيت أنك تعلم شيئا يخالف الظاهر وحكمت عليه بأنه لا يعلمه إلا الله . فنفيت دلالة اللفظ الذي يشعر بها اللفظ وأثبت دلالة لا يشعر بها اللفظ ، هذا كلام المؤلف . يقول : " فَإِذَا كَانَ اللَّفْظُ لَا إشْعَارَ لَهُ بِمَعْنَى مِنْ الْمَعَانِي وَلَا يُفْهَمُ مِنْهُ مَعْنًى أَصْلًا لَمْ يَكُنْ مُشْعِرًا بِمَا أُرِيدَ بِهِ فَلَأَنْ لَا يَكُونَ مُشْعِرًا بِمَا لَمْ يُرَدْ بِهِ أَوْلَى ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ : إنَّ هَذَا اللَّفْظَ مُتَأَوَّلٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ مَصْرُوفٌ عَنْ الِاحْتِمَالِ الرَّاجِحِ إلَى الِاحْتِمَالِ الْمَرْجُوحِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يُقَالَ : إنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ " رحمه الله جيد جدا هذا . خلاصة القول الآن ، التي أريد أن تفهموها ، ويمكنكم أن تحللوا ألفاظ المؤلف إليه ، أن الذين ينكرون التأويل مطلقا ، ينفون التأويل مطلقا مخطئون أو مصيبون .؟ مخطئون ، لأنهم ينفون التأويل ثم يتناقضون فيقولون إن لهذه الألفاظ تأويلا لا يعلمه إلا الله ، نقول لهم كيف تقولون إنكم لا تفهمون الآن المتشابه ثم تدعون أن له تأويلا لا يعلمه إلا الله .؟ هذا خلاف المعقول ، تناقض ، لأن من حكم بأن لها تأويلا لا يعلمه إلا الله فقد أثبت لها فهما ، لكنه حمله على أمر لا يدل عليه لفظها ، حيث إنه قال لا يعلمها إلا الله ، فنقول له : إذا أنك ترى أن التأويل منتف فيكف تقول إن لها تأويلا لا يعلمه إلا الله و لأنك إذا كنت غير عالم به ، فكيف تحكم بأنه معلوم ولا يعلمه إلا الله ، فهذا من التناقض البين . قال : " اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالتَّأْوِيلِ مَا يُخَالِفُ ظَاهِرُهُ الْمُخْتَصُّ بِالْخَلْقِ" إذا أرد هذا التأويل ونفى التأويل مريداً به هذا المعنى فكلامه صحيح أو لا .؟ إذا قال أنا أقول : آيات الصفات ليس لها تأويل بمعنى أنه لا يراد بها ما يختص بالمخلوق ، نقول له كلامك صحيح ، كلامك حق ، لأن هذه الآيات لا يراد بظاهرها ما يختص بالمخلوق. " فَلَا رَيْبَ أَنَّ مَنْ أَرَادَ بِالظَّاهِرِ هَذَا لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ لَهُ تَأْوِيلٌ يُخَالِفُ ظَاهِرَهُ . لَكِنْ إذَا قَالَ هَؤُلَاءِ : أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا تَأْوِيلٌ يُخَالِفُ الظَّاهِرَ أَوْ أَنَّهَا تُجْرِي عَلَى الْمَعَانِي الظَّاهِرَةِ مِنْهَا كَانُوا مُتَنَاقِضِينَ ". لأنه كيف يقول : لها تأويل لا يعلمه إلا الله ثم يقول تُجرى على خلاف الظاهر ، هذا أيضاً تناقض ، إذا كان أنك تقول لها تأويل لا يعلمه إلا الله فلا تقول تجرى على خلاف الظاهر ، إذ أنه من الجائز أن يكون ظاهرها هو التأويل الذي يعلمه الله ، فكيف تنفي .؟ هذا تناقض ، ولكن الظاهر أن نتكلم وكأننا عجم بين عرب أو عربي بين عجم ، أنا أتصور أنكم ما فهمتم . الطالب : ... لها تأويل لا يعلمه إلا الله ، قلت هذا تناقض .؟ الشيخ : لا ، ليس لها مفهوم تأويل ، ثم يقول لها تأويل لا يعلمه إلا الله ، نعم نقول هذا تناقض واضح ، لأنه إذا قال : إنها غير مفهومة لنا فكيف يقول إن لها تأويلا لا يعلمه إلا الله ، لأن الذي يثبت له تأويلا معناه أنه فاهم ، وعارف أنه ما تدل على هذا المعنى ، فإذا كان يعرف أنه ما تدل على هذا المعنى وإنما تدل على معنى لا يعلمه إلا الله ، فهي مفهومة عنده . هو قصده هذا اللفظ له تأويل ما يعلمه إلا الله ، وش يصر له تأويل ما يعلمه إلا الله .؟ ليس الكلام مراد بظاهره ، فإذا قال : له تأويل لا يعلمه إلا الله عرفنا ، قلنا الآن أنت تناقضت ... الآن تقول لها معنى لا يعلمه إلا الله ... لو أجريتها على ظاهرها لكان ذلك باطلا ، ولهذا قلت لها تأويل لا يعلمه إلا الله ، إذا أنت متناقض . إذا يقول المؤلف : إذا أراد بالتأويل مخالفة الظاهر لما يختص به المخلوقين فهذا حق ، لكنهم لا يريدون ذلك ، هم يريدون بالتأويل الذي لا يعلمه إلا الله المعنى الحقيقي ، ولذلك ينكرون المعنى الحقيقي . قال : " فَلَا رَيْبَ أَنَّ مَنْ أَرَادَ بِالظَّاهِرِ هَذَا " وش قصده بأَنَّ مَنْ أَرَادَ بِالظَّاهِرِ هَذَا .؟ يعني ما يختص به الخلق " لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ لَهُ تَأْوِيلٌ يُخَالِفُ ظَاهِرَهُ ، لَكِنْ إذَا قَالَ هَؤُلَاءِ : إنَّهُ لَيْسَ لَهَا تَأْوِيلٌ يُخَالِفُ الظَّاهِرَ أَوْ أَنَّهَا تُجرِي عَلَى الْمَعَانِي الظَّاهِرَةِ مِنْهَا كَانُوا مُتَنَاقِضِينَ " لكن إذا قال هؤلاء ، وهل قالوا .؟ لا ، هم لا يقولون ذلك ، بل يقولون إن لها معنى يخالف الظاهر لا يعلمه إلا الله . " وَإِنْ أَرَادُوا بِالظَّاهِرِ هُنَا مَعْنًى وَهُنَاكَ مَعْنًى فِي سِيَاقٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ كَانَ تَلْبِيسًا " يعني إن أرادوا بالظاهر ما يختص بالمخلوق في موضع ، وأرادوا بالظاهر المعنى الذي يليق بالله في موضع ، ثم نفوا الظاهر مطلقا صاروا ملبسين لأن الواجب التفصيل . " وَإِنْ أَرَادُوا بِالظَّاهِرِ مُجَرَّدَ اللَّفْظِ أَيْ تَجْرِى عَلَى مُجَرَّدِ اللَّفْظِ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ غَيْرِ فَهْمٍ لِمَعْنَاهُ كَانَ إبْطَالُهُمْ لِلتَّأْوِيلِ أَوْ إثْبَاتُهُ تَنَاقُضًا " مثل ما قلنا قبل قليل " لِأَنَّ مَنْ أَثْبَتَ تَأْوِيلًا أَوْ نَفَاهُ فَقَدْ فَهِمَ مَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي . وَبِهَذَا التَّقْسِيمِ يَتَبَيَّنُ تَنَاقُضُ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ مِنْ نفاة الصِّفَاتِ وَمُثْبِتِيهَا فِي هَذَا الْبَابِ . " الطالب : ... . الشيخ : أن تجرى يعني توضيح ... الله يعيننا وإياكم ... .
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " القاعدة السادسة أنه لقائل أن يقول : لا بد في هذا الباب من ضابط يعرف به ما يجوز على الله مما لا يجوز في النفي والإثبات إذ الاعتماد في هذا الباب على مجرد نفي التشبيه أو مطلق الإثبات من غير تشبيه ليس بسديد وذلك أنه ما من شيئين إلا بينهما قدر مشترك وقدر مميز فالنافي إن اعتمد فيما ينفيه على أن هذا تشبيه قيل له : إن أردت أنه مماثل له من كل وجه فهذا باطل ; وإن أردت أنه مشابه له من وجه دون وجه أو مشارك له في الاسم لزمك هذا في سائر ما تثبته وأنتم إنما أقمتم الدليل على إبطال التشبيه والتماثل الذي فسرتموه بأنه يجوز على أحدهما ما يجوز على الآخر ويمتنع عليه ما يمتنع عليه ويجب له ما يجب له .".
الشيخ :" الْقَاعِدَةُ السَّادِسَةُ : أَنَّهُ لِقَائِلِ أَنْ يَقُولَ : لَا بُدَّ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ ضَابِطٍ يُعْرَفُ بِهِ مَا يَجُوزُ عَلَى اللَّهِ مِمَّا لَا يَجُوزُ فِي النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ ، إذْ الِاعْتِمَادُ فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى مُجَرَّدِ نَفْيِ التَّشْبِيهِ أَوْ مُطْلَقِ الْإِثْبَاتِ مِنْ غَيْرِ تَشْبِيهٍ لَيْسَ بِسَدِيدِ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ مَا مِنْ شَيْئَيْنِ إلَّا بَيْنَهُمَا قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ وَقَدْرٌ مُمَيَّزٌ ". هذا في الحقيقة المؤلف جاء به بصيغة الاستفهام ، يقول مثلا : هل هناك ضابط يعرف به ما يجوز على الله مما لا يجوز في باب النفي وباب الإثبات .؟ لأنك لو تقول : أنا أثبت من غير تشبيه ، وأنا أنفي من غير تعطيل ، ما يكفي هذا ، لو قلت أثبت لله كذا من غير تشبيه ما يكفي ، كذلك أيضا في النفي ، لو قلت : أنا أنفي عن الله التشبيه وأطلقت ، ما يكفي هذا ، لهذا يقول : " إذْ الِاعْتِمَادُ فِي هَذَا الْبَابِ " باب الأسماء والصفات " عَلَى مُجَرَّدِ نَفْيِ التَّشْبِيهِ أَوْ مُطْلَقِ الْإِثْبَاتِ مِنْ غَيْرِ تَشْبِيهٍ لَيْسَ بِسَدِيدِ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ مَا مِنْ شَيْئَيْنِ إلَّا بَيْنَهُمَا قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ وَقَدْرٌ مُمَيَّزٌ ". وهذا صحيح ، قدر مشترك مثلاً الحياة لله والحياة للإنسان هذا قدر مشترك . قدر مميز أن حياة الله سبحانه وتعالى كاملة ليس فيها نقص وحياة الإنسان ناقصة . " فَالنَّافِي إنْ اعْتَمَدَ فِيمَا يَنْفِيهِ عَلَى أَنَّ هَذَا تَشْبِيهٌ قِيلَ لَهُ : إنْ أَرَدْت أَنَّهُ مُمَاثِلٌ لَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَهَذَا بَاطِلٌ ، وَإِنْ أَرَدْت أَنَّهُ مُشَابِهٌ لَهُ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ أَوْ مُشَارِكٌ لَهُ فِي الِاسْمِ لَزِمَك هَذَا فِي سَائِرِ مَا تُثْبِتُهُ ، وَأَنْتُمْ إنَّمَا أَقَمْتُمْ الدَّلِيلَ عَلَى إبْطَالِ التَّشْبِيهِ وَالتَّمَاثُلِ الَّذِي فَسَّرْتُمُوهُ بِأَنَّهُ يَجُوزُ عَلَى أَحَدِهِمَا مَا يَجُوزُ عَلَى الْآخَرِ وَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ مَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ ، وَيَجِبُ لَهُ مَا يَجِبُ لَهُ " يقول عندنا نفي وعندنا إثبات ، قد يقول قائل : إن الاعتماد على مجرد نفي التشبيه . كأن تقول إن الله لا شبيه له ، لا يكفي هذا في الواقع ، لأنه وش معنى لا شبيه له .؟ هل معناه أنه لا يوجد له أحد مشارك له في كل اسم من أسمائه ولو في أصل المعنى .؟ طبعا لا ، هل تريد أنه ليس له مشابه من كل وجه .؟ طبعا لا ، لأنه فيه مشابهة من وجه دون وجه ، فأصل المعنى متفق ، ولكن حقيقة هذا المعنى بالنسبة لله ولغيره مختلفة . يقول : " فَالنَّافِي إنْ اعْتَمَدَ فِيمَا يَنْفِيهِ عَلَى أَنَّ هَذَا تَشْبِيهٌ " قال : أنا أنفي هذا لأنه تشبيه ، ما يكفي هذا الاعتماد . لأن الذين ينكرون الاستواء لماذا ينكرونه .؟ يقولون : إنه تشبيه ، والذين ينكرون اليد لله سبحانه وتعالى ، يقولون : ننكرها لأن إثباتها تشبيه ، وهكذا ، إذا لا يكفي أن تقول يصح في الاعتماد على مجرد التشبيه ، لأن كل ناف ينفي شيئا يدعي أن إثباته تشبيه . ولهذا يقول : " قِيلَ لَهُ : إنْ أَرَدْت أَنَّهُ مُمَاثِلٌ لَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَهَذَا بَاطِلٌ " يعني إن أردت بقولك أن هذا تشبيه فأنفيه ، أنه مماثل لله من كل وجه فهذا باطل ، والمثال كما قلت مثل لو قال : أنا أنكر أن لله يدا فإن إثباتها تشبيه . نقول : إن أردت أن ذلك تشبيه للخالق بالمخلوق من كل وجه فهذا باطل ، لأنه لا يقتضي إذا كان لله يد وللإنسان يد أن يكون مشابها له من كل وجه . " وَإِنْ أَرَدْت أَنَّهُ مُشَابِهٌ لَهُ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ أَوْ مُشَارِكٌ لَهُ فِي الِاسْمِ لَزِمَك هَذَا فِي سَائِرِ مَا تُثْبِتُهُ " وإذا قلت أنفي اليد لأنها مشابه لله ، وأردت أنه مشابه له من وجه دون وجه ، أو أن المراد بالمشابهة المشاركة في الاسم . قلنا له : هذا التشبيه الذي اعتمدت في نفي اليد عليه يلزمك فيما تثبته، يثبت القدرة مثلا ، يثبت الحياة يثبت العلم كما مر علينا بالنسبة لمن يثبتون سبع صفات . نقول : إذا كان أنك تقول أنا أنفي هذا لأن فيه تشبيه من وجه دون وجه . قلنا له : إذا يجب عليك أن تنفي القدرة وتنفي الإرادة وتنفي العلم والحياة ، لأن في ذلك مشابهة من وجه دون وجه أو مشاركة في الاسم دون الحقيقة . فصار الآن الاعتماد على مجرد نفي التشبيه في تنزيه الله ، صحيح أو غير صحيح .؟ الاعتماد إذا قال قائل : أنا أعتمد في كل ما أنفيه عن الله على نفي التشبيه ، وأقول : أنفي ذلك نفيا لتشبيه الله بالخلق . نقول له : إن أردت بالمشابهة التي نفيتها واعتمدت في نفي هذه الصفة عليها المشابهة من كل وجه ، هذا باطل ، وش معنى باطل .؟ أنه ما يمكن المشابهة من كل وجه ، المشابهة من كل وجه ما تمكن، وإن أردت المشابهة من بعض الوجوه أو أردت المشاركة في الاسم دون الحقيقة . قلنا له : إذا يلزمك أن تنفي ما أثبته ، لأن ما أثبته يتضمن التشبيه من وجه دون وجه أو المشاركة في الاسم دون الحقيقة ، مفهوم يا جماعة هذا .؟ طيب ثم قال : " وَأَنْتُمْ " يخاطب من ينكرون ما ينكرون اعتمادا على النفي التشبيه " وَأَنْتُمْ إنَّمَا أَقَمْتُمْ الدَّلِيلَ عَلَى إبْطَالِ التَّشْبِيهِ وَالتَّمَاثُلِ الَّذِي فَسَّرْتُمُوهُ بِأَنَّهُ يَجُوزُ عَلَى أَحَدِهِمَا مَا يَجُوزُ عَلَى الْآخَرِ وَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ مَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ ، وَيَجِبُ لَهُ مَا يَجِبُ لَهُ " . هذا التشبيه الذي عند هؤلاء ، يقولون أن التشبيه والتماثل أن يكون الشيئان المتماثلان يجوز على أحدهما ما يجوز على الآخر ، ويمتنع عليه ما يمتنع عليه ويجب له ما يجب له ، هذا معنى المماثل ، هذا الشيء مماثل للشيء ، إيش معنى مماثل له أي أنه يجوز عليه ما يجوز عليه ، يمتنع عليه ما يمتنع عليه ، ويجب له ما يجب له ، إذاً المماثلة بين الخالق والمخلوق بهذا المعنى هل تمكن أو لا تمكن .؟ لا تمكن ، حتى عندهم التماثل ... بأن التماثل كون الشيئين المتماثلين يجوز على أحدهما ما يجوز على الآخر ، ويمتنع عليه ما يمتنع على الآخر، ويجب له ما يجب الآخر ، هذا شيء لا يمكن ولا ... أرجوا الانتباه . لأنه مثلاً يجوز على الإنسان الموت ، ولا يجوز على الله ، كذلك يمتنع على الإنسان الدوام ولا يمتنع على الله ، ويجب لله الكمال ولا يجب للإنسان ، فكيف يمكن التماثل بين الخالق والمخلوق بمجرد إثبات يد حقيقة لله عز وجل .؟ فإذن نقول لهؤلاء الذين يعتمدون في نفي ما نفوه من الصفات على مجرد نفي التشبيه ، نقول لهم : إن أردتم المشابهة من كل وجه فهذا باطل ، لأنكم تفسرون المشابهة والتماثل : بأنه يجوز على المتماثلين ما يجوز على الآخر ، وما يمتنع عليه وما يجب له ، وهذا شيء مستحيل ، وإن أردتم المشابهة من وجه دون وجه ، فأنتم تثبتون لله بعض الصفات وذلك مشابهة من وجه دون وجه أو مشاركة في الاسم ، فعليه يلزمكم الآن ألا تعتمدوا على مجرد نفي التشبيه ، لأن المشابهة من جميع الوجوه ممتنعة أو لا .؟ ممتنعة حتى عندكم ، إذا الشبيه عندكم هو الذي يجب له ما يجب للآخر المشابه ، ويمتنع عليه يمتنع ما عليه ، ويجوز عليه ما يجوز عليه ، وهذا شيء ممتنع. وإن أردتم بالتشبيه الذي نفيتموه المشابهة من وجه دون وجه أو المشاركة في الاسم دون الحقيقة فأنتم قد أثبتم هذا التشبيه فيما أثبتموه من الصفات ، إذا قلتم هذا التشبيه الذي أعتمد في نفي الصفات عليه ، اتضح المقام يا جماعة أو لا .؟ طيب الإنسان الذي يعتمد في نفي الصفات عن الله على مجرد التشبيه ، هل هذا الاعتماد صحيح أو غير صحيح .؟ الجواب : غير صحيح ، لماذا .؟ أولا : إذا قصد بالتشبيه التشبيه المطلق من كل وجه فهذا باطل ، ولا يمكن أن يكون ، لماذا .؟ لأنهم يفسرون المماثل أو المشابه بأنه ما يجوز عليه ويجب ويمتنع مثل ما يجوز على الآخر ويجب ويمتنع ، وهذا شيء مستحيل حتى لو أثبت الصفات لله ما تحقق ذلك . الوجه الثاني : أنك إذا أردت بالمشابهة التي نفيتها المشابهة من وجه دون وجه ، فإننا نقول : هذه المشابهة في الواقع أنت قد أثبتها ، لأنك أثبت بعض الصفات ، فيلزمك فيما أثبت أن تكون مشبها ، لأنك أثبت لله حياة وعلما وقدرة إلى آخره ، واضح الآن .؟
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " ومعلوم أن إثبات التشبيه بهذا التفسير مما لا يقوله عاقل يتصور ما يقول ; فإنه يعلم بضرورة العقل امتناعه ولا يلزم من نفي هذا نفي التشابه من بعض الوجوه كما في الأسماء والصفات المتواطئة ولكن من الناس من يجعل التشبيه مفسرا بمعنى من المعاني ثم أن كل من أثبت ذلك المعنى قالوا : إنه مشبه , ومنازعهم يقول : ذلك المعنى ليس هو من التشبيه .".
الشيخ : طيب : " وَمَعْلُومٌ أَنَّ إثْبَاتَ التَّشْبِيهِ بِهَذَا التَّفْسِيرِ مِمَّا لَا يَقُولُهُ عَاقِلٌ يَتَصَوَّرُ مَا يَقُولُ "" وش يعني بالتفسير .؟ أن نقول إن المتشابهين هما اللذان يجوز على أحدهما ما يجوز الآخر، ويمتنع عليه ما يمتنع، ويجب له ما يجب ، إثبات التشبيه بهذا التفسير لا يقوله عاقل أبدا ، لا أحد يقول إن الله مشابه للمخلوق بهذا المعنى ، هذا ما أحد يقوله ، هل أحد يقول إن الله مشابه للمخلوق في أنه يجب للمخلوق ما يجب لله ، ويمتنع عليه ما يمتنع على الله ، ويجوز عليه ما يجوز على الله .؟ لا ، لَا يَقُولُهُ عَاقِلٌ يَتَصَوَّرُ مَا يَقُولُ . " فَإِنَّهُ يُعْلَمُ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ امْتِنَاعُهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ هَذَا نَفْيُ التَّشَابُهِ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ كَمَا فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ الْمُتَوَاطِئَةِ ، وَلَكِنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَجْعَلُ التَّشْبِيهَ مُفَسَّرًا بِمَعْنَى مِنْ الْمَعَانِي ثُمَّ إنَّ كُلَّ مَنْ أَثْبَتَ ذَلِكَ الْمَعْنَى قَالُوا : إنَّهُ مُشَبِّهٌ ، وَمُنَازِعُهُمْ يَقُولُ : ذَلِكَ الْمَعْنَى لَيْسَ مِنْ التَّشْبِيهِ " من الناس من يفسر التشبيه بمعنى آخر ، لأنه عرفنا أن التشبيه بالمعنى الذي قالوا ممتنع أو لا .؟ الطالب : ممتنع . الشيخ : ولا أحد يقوله ، مثل ما قال ، حتى المعتزلة والجهمية وجميع المبتدعة وأهل السنة ما يقولون بالتشبيه الذي هو التماثل بحيث يجوز على أحدهما ما يجوز الآخر، ويجب له ما يجب ، ويمتنع عليه ما يمتنع ، ما أحد يقوله . وش بقي لنا .؟ بقينا في التشبيه الآخر الذي هو دونه ، بحيث يشبهه من وجه دون وجه ، فهنا من الناس من يجعل هذا تشبيها ممتنعا ، فينكر من أجله الصفات ، ومن الناس من ينازعه ويقول : ليس هذا من التشبيه الممتنع . والمثال .؟ الإرادة إذا قال المعتزلة إثباتهما من التشبيه فينكرونها ، والأشاعرة يقولون إثباتهما ليس بتشبيه فلا ينكرونها ، الرحمة يقول الأشعرية إثباتها تشبيه فينكرونها ، ويقول أهل السنة إثباتها ليس بتشبيه فيثبتونها ، أليس كذلك .؟ إذا كل من ادّعى تشبيها دون المعنى الأول الذي هو التماثل ، كل من ادعى تشبيها فإنه ينازع فيه ، ولهذا ادّعت المعتزلة أن إثبات الإرادة تشبيه ، من نازعهم .؟ الأشاعرة ... ادعت الأشاعرة أن إثبات الرحمة تشبيه و من نازعهم .؟ نازعهم أهل السنة ، طيب ففهمنا الآن أن الاعتماد في تنزيه الله عن الصفات التي ينزه عنها الاعتماد على مجرد نفي التشبيه اعتماد صحيح أو غير صحيح .؟ غير صحيح ، وجه ذلك .؟ لأنه إن أريد بالتشبيه التشبيه المطلق الذي هو تساوي المتشابهين فيما يجب ويجوز ويمتنع ، إن أريد به هذا فهذا باطل لا يقوله عاقل، ما أحد يقوله ، لا المثبتة ولا النافية ، ما أحد يقول هذا . وإن أريد بالتشبيه التشبيه من وجه دون وجه أو المشاركة في الاسم دون الحقيقة ، إن أريد به هذا فإنه لا يصح الاعتماد عليه ، لماذا لا يصح الاعتماد عليه .؟ لأن من يدعي أن هذا تشبيه ينازعه فيه غيره ، فهو إذا قال هذا تشبيه فيجب أن أنكر هذه الصفة قال له المثبت : لا ، ليس هذا بتشبيه فلا يجوز الإنكار ، وألزمه أيضا المثبت أن ينكر ما أثبته هو، والمسألة واضحة ، ما هي إلا شبه تكرار لما سبق لكن بعبارة أخرى. ونحن الآن ضربنا مثلا بصفتين من صفة الله ، الإرادة والرحمة ، قلنا الإرادة أثبتها الأشاعرة وأنكرها المعتزلة ، والرحمة أثبتها أهل السنة وأنكرها الأشاعرة ، هذا المثال الذي مثلنا هو الأقرب للمعنى، الإرادة أنكرها المعتزلة لأنهم يزعمون أن إثباتها تشبيه ، كذا .؟ طيب . الأشاعرة أنكروا الرحمة يزعمون أن إثباتها تشبيه ، واضح .؟ نقول لا ، إذا قلت أيها الأشعري إن إثبات الرحمة تشبيه قلنا لك : وإثبات الإرادة تشبيه كما قاله المعتزلة ، المعتزلة أيضا يقولون الإرادة تشبيه فيجب عليك أن تنكرها ، وطبعا إذا قال : لا أنكرها لأن العقل دل عليها ، قلنا له : والرحمة أيضا دل العقل عليها معروف هذا . فالمهم أننا يجب أن نعرف أن الاعتماد على مجرد نفي التشبيه ما يصلح ، أيضا لو اعتمدنا يا جماعة على مجرد نفي التشبيه لكنا نقول إن الله سبحانه وتعالى يمرض لكن ليس كمرض المخلوقين ، ونجيب كل صفة ونقول ليست كصفة المخلوقين ، أو لا لو جعلنا المناط ، مناط الحكم ، والمقياس هو نفي التشبيه لكنا نثبت ما شئنا لله من الصفات ونقول بدون تشبيه .