تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وهذا الموضع من فهمه فهما جيدا وتدبره زالت عنه عامة الشبهات وانكشف له غلط كثير من الأذكياء في هذا المقام , وقد بسط هذا في مواضع كثيرة وبين فيها أن القدر المشترك الكلي لا يوجد في الخارج إلا معينا مقيدا .".
ترى قوله : " فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ . " ترى الفصل هذا خطأ ...
" وبين فيها " جملة مستأنفة ، وهي لا ، لذلك يوضع سهم، " فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ " سهم يمتد إلى " وبيّن فيها " ... .
الطالب : ... .
الشيخ : لا ، جاء ينكر أن يكون شيئا ، ربما قالوا هذا خلاف المشهور عندهم ، ربما قالوا هو شيء لا كالأشياء ، وهذا أيضا فيه إجمال ، لأن كلمة : " لا كالأشياء " وش معناها .؟ قد يقولون : لا كالأشياء في كل الصفات ، لو قالوا : شيء لا يتصف بالنقص ، لكان صحيحا ، لكن لا كالأشياء ما يستقيم ، لأنك تعرف أن المعطّلة يزعمون أن إثبات الصفات أنه تشبيه ، فيكون داخلا ضمن قولهم لا كالأشياء وينكرون الصفات .
أنا أرجو منكم يا جماعة لا تناقشوننا في هذه المسائل الجزئية ، الكلام على القاعدة و هذه مسائل يأتي بها شيخ الإسلام استطرادا ، وإن بقينا على هذا ، وثقوا أن الاختبار يكون في المقرر لا في ... وأنتم بكيفكم وهذه مواضيع جزئية يقولها المؤلف استطرادا ليست هي المقصود بالقاعدة ، القاعدة التي هي الأساسية والتي أطال الكلام فيها ، هي أننا نقول : الاعتماد على مجرد الإثبات بدون تشبيه غير صحيح ، والاعتماد على مجرد نفي التشبيه أيضا غير صحيح ، وكل هذه الأشياء يأتي بها المؤلف أمثلة ومناقشات مع القوم و وهي فرع عن القاعدة ، والمهم المطلوب منكم الآن هو فهم القاعدة ، هذه المسائل الجزئية ما يمكن نعرفها إلا بمعرفة أصولها عند قائليها ، ولو أردنا أن نشرح أصولها عند قائليها ، كان يمكن ما نكمل ولا قاعدة ، لأنه يستلزم أننا نروح إلى شرح أصول هؤلاء ثم هذه المسائل الجزئية ، شيخ الإسلام كان يعرف أصول هؤلاء ، ولذلك كان يتكلم بهذه كأمثلة فقط ، وأنا الشيء الذي أرى أنه لازم لتتميم القاعدة أو توضيحها نقف ونتكلم عليها ، لكن كون نناقش ، ولاحظوا أيضا أن طريقتي هذه تعتبر خلاف نظام الجامعة ، نظام الجامعة أننا نكتب رؤوس أقلام ونشرح ، وأنتم عليكم الاعتماد على هذا الكتاب وغيره أيضا من كتب شيخ الإسلام ، لكن نظرا إلى أنني أنا شخصيا لا أرى أن في ذلك فائدة للطالب الذي يعتبر هذا الفن فنا جدادا عليه ، رأيت أننا نستأذن أو نلمح أننا ، لم نستأذن صراحة ، إذ لو استأذنا صراحة لمنعونا فيما يظهر ، إلا إذا أصررنا وقلنا لابد من هذا ، تريدون هذا أو تركناكم ، لكن مع هذا أنا قصدي أنه لا تتعبوننا وتتعبون أنفسكم في مسائل أتى بها المؤلف شيخ الإسلام لمجرد مثال لما عليه هؤلاء، لأن هذه الأمثلة إذا أردنا أن نشرحها لكم .
أولا : لأن فهمكم ضعيف في التوحيد .
الشيء الثاني : أن هذه الأمثلة لو أردنا أن نشرحها ما نشرحها إلا بعد معرفة أصولهم وقواعدهم ، لو ذهبنا نشرح أصول هؤلاء والقواعد عندهم ما مشينا ، فأنا الآن الشيء الذي أرى أنه لازم لتوضيح القاعدة نحن نقف عنده ونبيّن ، والشيء الذي ليس بلازم والذي يأتي به المؤلف من مائات الأقوال مثال ، هذا ما له داع نفهمه ونتناقش فيه ، إننا الشيء الذي لكم علي أن الشيء الذي أرى أنه لازم لتفهيم القاعدة لابد أن نشرحه ولا نتعدى حتى نفهمه ، أما أن نقف عند كل جزئية ونجد مثلا أننا ما شاء الله من الزمن نفهم واحد من الطلبة فقط أشكلت عليه ، وحق الطلبة كلهم يضيع من أجل هذا، فلا أرى هذا موافقا أبدا ، وسوف لا أجيب عليه ، الشيء الذي من ضرورة فهم القاعدة لابد أن أبينه ، ولكم حق علينا في أن نبينه والشيء الذي يأتي كمثال لما يذهب إليه هؤلاء هو أولا : ليس بمهم للقاعدة و وإنما يريد المؤلف أن يضرب مثالا ليتبين به القاعدة ، أفهمتم الآن .؟ ولا تقولون بعد هذا والله ما تقف فهمنا ، يعني ما أريد أن تكوت الحصة على قواعد جزئية ، وتترك القواعد المقررة علينا، ولا أريد أيضا أن تكون المسألة تفهيم طالب لمسألة لا حاجة إليها إلا على سبيل التمثيل فقط ، وفيه القاعدة التي عندنا سواها من أجل يروح علينا الدرس .
المهم الآن نحن عرفنا القاعدة أن الاعتماد على مجرد نفي التشبيه غير صحيح ، لأن كل من قال إني أثبت لله صفة كذا وصفة كذا وهي نقص لكن بدون مشابهة ، لو أراد أحد يقول هكذا بناء على الاعتماد على مجرد نفي التشبيه لكان له حجة على هذا الشيء ، ولكننا إنما نثبت صفة الكمال على وجه ليس بتشبيه ، والمؤلف بين أن الاشتراك في أصل المعنى لا يعد تشبيها ، بل هو من لازم وجود هذا الشيء ، أن يكون مشاركا للموجود الآخر في أصل الوجود ، من لازم حياة الخالق أن تكون مشاركة لحياة المخلوق في أصل الحياة ، لو لم يكن اشتراك بينهما في أصل المعنى ما كان هناك حياة للخالق ، لكن هل يلزم من الاشتراك في أصل المعنى أن يشتركا فيما يختص كل واحد به ، لا يجب أن يشتركا ، هذا هو المقصود فهمه . وكل ما ذكر المؤلف من هذا التكرار ما هو إلا على سبيل التمثيل فقط .
طيب المؤلف : " وَهَذَا الْمَوْضِعُ مَنْ فَهِمَهُ فَهْمًا جَيِّدًا وَتَدَبَّرَهُ زَالَتْ عَنْهُ عَامَّةُ الشُّبُهَاتِ وَانْكَشَفَ لَهُ غَلَطُ كَثِيرٍ مِنْ الْأَذْكِيَاءِ فِي هَذَا الْمَقَامَ وَقَدْ بُسِطَ هَذَا فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ وَبُيِّنَ فِيهَا أَنَّ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ الْكُلِّيَّ لَا يُوجَدُ فِي الْخَارِجِ إلَّا مُعَيَّنًا مُقَيَّدًا " .
وهذا أيضاً تقدم لنا الكلام عليه أن المشترك الكلي لا يوجد في الخارج ، وإنما يوجد في الذهن . مثلا : أنا وأنتم أحياء ، يتصور الإنسان أن هناك حياة شاملة تجمعنا جميعاً ، هذه الحياة الشاملة هل هي موجودة في الخارج يعني هل هناك حياة كأنها قنديل تشع على الناس جميعاً ؟!
لا . لكنها يتصورها الذهن ويفرضها وهي ليست موجودة في الخارج . ما يمكن أن توجد في الخارج إلا كما قال المؤلف : " إلا على وجه معين مقيد ".
فمثلاً الإنسان الواحد منا توجد حياته في الخارج في هذا الواحد ولهذا يقول المؤلف : " المشترك الكلي لا يوجد في الخارج إلا معيناً ومقيداً " معيناً كحياة فلان . مقيداً بنا يختص به ، فحياة المخلوق تناسبه وحياة الخالق تناسبه . أما أن يوجد قدر مشترك كلي وهو اسم الحياة يوجد في الخارج ، فهذا شيء لا يمكن ، مثلاً كل إنسان يقول: كلنا فينا معنى الإنسانية . هل الإنسانية شيء موجود في الخارج يشار إليه ويسمع ويرى ؟! لا ، ولكن الشخص منا توجد الإنسانية فيه . إنسانية معينة مقيدة . لأن إنسانية هذا الإنسان ... هذا الإنسان الآخر قد يكون هذا الشخص أخذ من الإنسانية بالكمال والثاني أخذ من الإنسانية بالنقص وصار مثل البهيمة .
هذه من القواعد التي هي فرع من القاعدة الأولي وهي : القدرة المشترك الكلي الذي يجمع أشياء لا يوجد في الخارج إلا معيناً مقيدا. المثال .؟
كالحياة مثلا ، الحياة قدر مشترك كلي ، من يشترك فيه .؟ يشترك فيه كل حي ، هذا القدر المشترك الذي هو الحياة ، هل هو موجود في الخارج ، وكلمة الخارج يعني في المشاهد المسموع.؟ لا ، لكنه يوجد في الخارج إذا كان معينا مقيدا ، مثل واحد شخص حيّ ، هذا فيه الحياة الكلية المشتركة لكنها على وجه التعيين وعلى وجه التقييد، التعيين يعني فلانا ، والتقييد يعني أن حياته تخصه .
1 - تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وهذا الموضع من فهمه فهما جيدا وتدبره زالت عنه عامة الشبهات وانكشف له غلط كثير من الأذكياء في هذا المقام , وقد بسط هذا في مواضع كثيرة وبين فيها أن القدر المشترك الكلي لا يوجد في الخارج إلا معينا مقيدا .". أستمع حفظ
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وأن معنى اشتراك الموجودات في أمر من الأمور هو تشابهها من ذلك الوجه وأن ذلك المعنى العام يطلق على هذا وهذا ; لأن الموجودات في الخارج لا يشارك أحدهما الآخر في شيء موجود فيه بل كل موجود متميز عن غيره بذاته وصفاته وأفعاله ولما كان الأمر كذلك كان كثير من الناس متناقضا في هذا المقام ; فتارة يظن أن إثبات القدر المشترك يوجب التشبيه الباطل فيجعل ذلك له حجة فيما يظن نفيه من الصفات حذرا من ملزومات التشبيه وتارة يتفطن أنه لا بد من إثبات هذا على تقدير فيجيب به فيما يثبته من الصفات لمن احتج به من النفاة . ".
الخالق له حياة والمخلوق له حياة . وكل منهما موجود اشتركا في الحياة ، إذن يتشابهان من هذا الوجه فقط . لكن حياة الخالق تخصه وحياة المخلوق تخصه .
إنسان عالم علمه غزير . وإنسان عالم علمه أقل ، كلاهما اشتركا في أصل العلم ، فبينهما تشابه من هذا الوجه . لكن علم هذا يختص به وعلم هذا يختص به ، أليس كذلك .؟
الإنسان والحيوان كلاهما يأكل أليس كذلك، اشتركا في المعنى الكلي للأكل كلاهما آكل ، لكن معلوم أن أكل الحيوان غير أكل الإنسان وأكل الإنسان غير أكل الحيوان .
فهذه قاعدة عامة تنتفع بها ، ،كيف تنتفعون بها .؟
تقول مثلاً الخالق له قدرة والمخلوق له قدرة ، هل يلزم من اشتراكهما في القدرة أن يتشابهان في حقيقة هذه القدرة ؟!
الطالب : لا .
الشيخ : طيب هل يلزم أن يتشابهان في أصل القدرة ؟! نعم . لكن تشابها في هذا الأصل لا يعني تشابها في الحقيقة ، وبهذا يزول الإشكال ، لأننا لو نفينا التشابه كله يعنى مطلق التشابه بين الخالق والمخلوق ، وقعنا في أي شيء .؟ يعني لو أننا نفينا مطلق التشابه وقلنا لا يمكن أن يكون بين الخالق والمخلوق تشابه إطلاقاً ، ما هو معناه ؟!
انتفت صفات الخالق عن الخارج ، وقد سبق أنه إذا نفينا عنه الإثبات ووقعنا في التعطيل شبهناه بالمعدومات ، ثم إذا قال القائل : أنا لا أقول لا كذا ولا كذا شبهناه بالممتنعات المستحيلات ، لأن نفي النقيضين مستحيل كما أن إثباتهما مستحيل .
قال : " وَأَنَّ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْعَامَّ يُطْلَقُ عَلَى هَذَا وَهَذَا لِأَنَّ الْمَوْجُودَاتِ فِي الْخَارِجِ لَا يُشَارِكُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فِي شَيْءٍ مَوْجُودٍ فِيهِ بَلْ كُلُّ مَوْجُودٍ مُتَمَيِّزٌ عَنْ غَيْرِهِ بِذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ "
أظن المعنى هذا واضح .؟
طيب : " وَلَمَّا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ كَانَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ مُتَنَاقِضًا فِي هَذَا الْمَقَامِ ، فَتَارَةً يَظُنُّ أَنَّ إثْبَاتَ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ يُوجِبُ التَّشْبِيهَ الْبَاطِلَ فَيَجْعَلُ ذَلِكَ لَهُ حُجَّةً فِيمَا يَظُنُّ نَفْيَهُ مِنْ الصِّفَاتِ حَذَرًا مِنْ مَلْزُومَاتِ التَّشْبِيهِ ، وَتَارَةً يَتَفَطَّنُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِ هَذَا عَلَى تَقْدِيرٍ " واش عند في الكتاب ، زين يعني على تقدير من التقديرات " فَيُجِيبُ بِهِ فِيمَا يُثْبِتُهُ مِنْ الصِّفَاتِ لِمَنْ احْتَجَّ بِهِ مِنْ النفاة " .
يعني مثلاً : الاستواء على العرش معناه الاستقرار والعلو عليه ، بعض الناس يظن أن إثبات الاستواء للخالق ، وللمخلوق في قوله : (( لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ )) يتضمن التشبيه ، لأنهما اشتركا في أصل معنى الاستواء ، فيظن أن ذلك تشبيه فينفيه ، وتارة يتفطن أنه لابد من قدرة مشترك ولكن هذا القدر المشترك لا يوجب التشبيه فيثبت ويجيب من نفاه بناء على أنه يقتضي التشبيه .
والحاصل أن الذي يجب أن نعرفه نحن ونبني اعتقادنا عليه أنه لابد من الاشتراك في المعنى الكلي . وأن الاشتراك في المعنى الكلى لا يمكن أن يوجد في الخارج . فإثباتنا الاشراك في المعنى الكلي لا يعني التشبيه ، لأنه ليس موجوداً في الخارج ، لأن هذا المعنى الكلي لا يوجد في الخارج إلا معيناً مقيداً ، معيناً بمن اتصف به ، مقيداً بما يختص به كما مر علينا قريبا . وعلى هذا فلا يمكن إذا أثبتنا أن الله قدرة وللمخلوق قدرة لا يمكن أن نقول ذلك تشبيه ، لأنه ضروري أن نثبت هذا .
2 - تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وأن معنى اشتراك الموجودات في أمر من الأمور هو تشابهها من ذلك الوجه وأن ذلك المعنى العام يطلق على هذا وهذا ; لأن الموجودات في الخارج لا يشارك أحدهما الآخر في شيء موجود فيه بل كل موجود متميز عن غيره بذاته وصفاته وأفعاله ولما كان الأمر كذلك كان كثير من الناس متناقضا في هذا المقام ; فتارة يظن أن إثبات القدر المشترك يوجب التشبيه الباطل فيجعل ذلك له حجة فيما يظن نفيه من الصفات حذرا من ملزومات التشبيه وتارة يتفطن أنه لا بد من إثبات هذا على تقدير فيجيب به فيما يثبته من الصفات لمن احتج به من النفاة . ". أستمع حفظ
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " ولكثرة الاشتباه في هذا المقام وقعت الشبهة في أن وجود الرب هل هو عين ماهيته أو زائد على ماهيته ؟ وهل لفظ الوجود مقول بالاشتراك اللفظي أو التواطؤ أو التشكيك ؟ كما وقع الاشتباه في إثبات الأحوال ونفيها وفي أن المعدوم هل هو شيء أم لا ؟ وفي وجود الموجودات هل هو زائد على ماهيتها أم لا ؟ .".
الله سبحانه ذات مقدسة قائم بنفسه ، إذا قلت وجود الله هل وجوده هو نفسه أو هل هو أمر زائد على نفسه ؟!
هذا هو الذي اختلف فيه الناس ، وفي الحقيقة أن هذا الاختلاف أشبه أن يكون أمراً جدلياً فقط ، لأنه ما دمنا أثبتنا أنه إله فلابد أن نثبت أنه موجود ، وإذا أثبتنا أنه موجود فلابد فيه من الوجود ، إذ لا يوصف الشيء بأنه موجود إلا حيث تحقق الوجود . إذا لم يتحقق وجوده كيف يكون موجوداً ، ولكن مع ذلك نقول إن الوجود صفة زائدة على الذات لكنها لازمة للذات الموجودة .
دعنا نضرب بنا المثل نحن لأجل أن نتكلم على ما نشاء ، عندما أقول : وجودي أنا ، هل وجودي هو نفس ذاتي أو شيء زائد عليها.؟! شيء زائد عليها لأنه صفة . لكنه في الحقيقة صفة لازمة . إذا مجرد كوني إنساناً وأوجدت في هذا الوجود ، فماذا يلزم منه ؟ !
الطالب : الحياة .
الشيخ : لسنا نتكلم عن الحياة ، يلزم منه الوجود . مجرد خروجي لهذا الكون معناه أنني وجدت ، فوجودي إذاً لازم ، الوجود إذا لازم. كوننا نبحث هل هو عين ماهيته أو هو أمر زائد على ماهيته ، هذا في الحقيقة جدل محض .
الآن وجودي صحيح ليس هو هذا الجسم المكون من لحم ودم وعظم وعصب ، لا ، ليس فيه شك أنه ليس هو أو ليس إياه على الأصح، لكنه لازم لهذا ، ما دام أمامكم الآن شخص قائم فلا بدأن يكون موجوداً . ولابد أن يكون صفته الوجود . فالبحث في هذه الأمور هو من الأمور الجدلية المحضة ، ما الذي ينفعنا إذا أذهبنا أعمارنا وأفكارنا في مثل هذا البحث .؟
شيء موجود ، من ضرورة الوجود أن يكون له وجود ، وانتهينا ، نحن بدل ما نكتب ثلاث صفحات أربع صفحات على هذه الكلمة، نقول : كل موجود فلا بد أن يكون الوجود صفته .
طيب كذلك أيضا : " وَهَلْ لَفْظُ الْوُجُودِ مَقُولٌ بِالِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ أَوْ التَّوَاطُؤِ أَوْ التَّشْكِيكِ ؟ ". هذه مرت علينا أيضا :
المشترك اللفظي : ما اتفق لفظه واختلف معناه . مثل : العين بالنسبة للعين الباصرة بالنسبة للماء النابع .
المتواطئ : ما اتفق لفظه ومعناه .
المشكك : ما اتفق في أصله واختلف في وصفه ، يعني فيه اشتراك وفيه تواطئ ، ولهذا يسميه بعض الناس مشكك .
وقد تقدم أن المؤلف ، نقلنا لكم وإلا هو ما ذكره في هذا الكتاب ذكره في الحموية ، أن المؤلف يرى أنه من المتواطئ ، ولكنه نوع خاص منه ، نظراً إلى أن العبرة بالأصل لا بالوصف ، فمثلاً المعية تقال لله وتقال لغيره . يقال إن الله معنا . ويقال فلان معي . هل المعية هنا من باب المشرك . يعني أن كلمة ( مع ) أطلقت على معية لله وهي مستقلة . ومعية للمخلوق مستقلة . أو هي من المتواطئ لأنها كلها بمعنى المصاحبة ؟ ! أومن باب المشكك لأنها اتفقت في أصل المعنى وهو المصاحبة ، لكن تختلف في الإضافة ، فمعية الخالق ليس كمعية المخلوق .
فعلى هذا نقول مشككة معناها أنها تشكك الإنسان هل هي من المتواطئ أو من المشترك ، فلذلك نقول أن الصحيح أنها من المتواطئ .
كلمة الوجود الآن . الله له وجود . والإنسان له وجود . فكلمة الوجود مقولة للخالق والمخلوق . يوصف بها الخالق والمخلوق ، هل إن هذا اللفظ وجود مشترك بحيث نجعل وجود الخالق معناً مستقلاً لا يشاركه المخلوق في شيء .؟
أو من المتواطئ بحيث نجعل حقيقة الوجود في الله وفي الإنسان شيء واحد ؟! أو من المشكك لأنها اشتركت في أصل المعنى وهو الوجود واختلفت في وصفه ، لأن وجود الخالق واجب ووجود المخلوق ممكن أو جائز .؟
طيب أما القول بأنه من المتواطئ نظراً إلى أصل المعنى ، والوجود مشترك كلي ، يرونه أنه من المتواطئ ويقولون أن الاختلاف في الوصف لا يخرج عن كونه متواطئاً .
والذين يقولون إنه مشترك لفظي يعتبرونه وصفاً ، ويقولون ما دام أن الخالق نقول وجوده واجب والمخلوق وجوده ممكن فقد اختلف الوجودان اختلافا متبايناً ، فهو كما لو قلت ( عين ) للعين الباصرة وللعين النابعة فهذان متباينان ، كذلك وجود الخالق مباين لوجود المخلوق فهما من المشترك .
طيب الآن صار من نظر إلى أصل معنى الوجود يرونه من متواطئ ، ومن نظر إلى اختلاف معنى الوجود . يعني وصف الوجود بالنسبة للخالق والمخلوق جعله من المشترك ، لهذا قال بعض العلماء أنا أتوسط أقول مثل هذه الأشياء اسميها مشككة ، ونحن قدمنا فيما سبق الكلمات إلى أربع أقسام :
متباينة ومتواطئة ومترادفة ومشتركة . هذا متفق عليه عند العلماء ، لكن يبقى القسم الخامس المشكك الذي اتفق في أصل المعنى واختلف في وصفه . فمنهم من يراه مشتركا . ومنهم من يراه . ومنهم من يراه قسم مستقلاً ويسميه مشككا .
" كَمَا وَقَعَ الِاشْتِبَاهُ فِي إثْبَاتِ الْأَحْوَالِ وَنَفْيِهَا وَفِي أَنَّ الْمَعْدُومَ هَلْ هُوَ شَيْءٌ أَمْ لَا .؟ " الأحوال : يقولون مثلا القدرة صفة والقادر موصوف .
فالذين ينكرون الصفات يثبتون الأحوال ، بعضهم يثبت الأحوال . يقول : ما أقول إن الله قادر بمعنى أنه له قدرة فأثبت الصفة . ولكني أقول قادر حاله القدرة . ولا أقول صفته القدرة . يعنى معنى قادر ذو قدرة ، ولكن ليس له قدرة .
طبعا هذا الكلام غير صحيح . لأنك إذا قلت ذو قدرة أو حاله القدرة، وش معنى هذا .؟ أنه قدر أو لا .؟ نعم له قدرة .
ولهذا يقولون : " إن الأحوال من الأمور التي لا حقيقة لها . مما يقال ولا حقيقة تحته تبدو إلى الأذهان الأفهام ، الكسب عند الأشعري والحال عند الهاشمي وطفرة النظام " .
هذه ثلاثة أشياء كل واحد عليهما طائفة . وما هي حقيقة ، الكسب عند الأشعري . والحال عند الهاشمي ، هذه الأحوال التي قال المؤلف ، وطفرة النظام ، النظام معروف من المعتزلة ، يقول : إن الخلق لا نقول أنه وجد من العدم ولكن وجد طفرة ...
يقول : كذلك المعدوم هل هو شيء أو ليس شيئا .؟
الطالب : ليس بشيء .
الشيخ : أي نعم ، ما دام معدوما فليس بشيء .
اختلفوا أيضا : " وَفِي وُجُودِ الْمَوْجُودَاتِ هَلْ هُوَ زَائِدٌ عَلَى مَاهِيَّتِهَا أَمْ لَا ؟ " والصحيح أن وجود الموجودات وصف . ولكن لا بد لكل موجود من الاتصاف به ، وإلا لما صح أن نقول أنه موجود .
الطالب : ... .
الشيخ : الماهية هي حقيقة الشيء ، لأن الماهية هي التي يعبر عنها بما هو .؟
الطالب : ... .
الشيخ : ... ومن نظر إلى أصل المعنى ... مشكك معناه يشكك الناظر فيه ... .
3 - تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " ولكثرة الاشتباه في هذا المقام وقعت الشبهة في أن وجود الرب هل هو عين ماهيته أو زائد على ماهيته ؟ وهل لفظ الوجود مقول بالاشتراك اللفظي أو التواطؤ أو التشكيك ؟ كما وقع الاشتباه في إثبات الأحوال ونفيها وفي أن المعدوم هل هو شيء أم لا ؟ وفي وجود الموجودات هل هو زائد على ماهيتها أم لا ؟ .". أستمع حفظ
مراجعة كلام المؤلف : كما وقع الاشتباه في إثبات الأحوال ونفيها, وفي أن المعدوم هل هو شيء أو لا .؟ وفي وجود الموجودات هل هو زائد على ماهيتها أم لا ؟
ما هو آخر ما قرأنا .؟
الطالب : ... .
الشيخ : في أي القواعد .؟
الطالب : ... .
الشيخ : وأخذنا هل المعدوم شيء أو لا .؟
بسم الله الرحمن الرحيم ، كما وقع الاشتباه في إثبات الأحوال ونفيها، وفي أن المعدوم هل هو شيء أم لا .؟ وفي وجود الموجودات هل هو زائد على ماهيتها أم لا ؟
هذه الأشياء مثل ما قلنا أولا ، قلنا الاشتباه ما يمكن أن يكون حدا فاصلا فيما يوصف الله به ، بحيث نقول : إن الله تعالى يثبت له كذا بدون تشبيه ، لأنه يجوز لقائل على هذا أن يقول إن الله يأكل وليس كأكل المخلوقين ، وإن له رأسا وليس كرأس المخلوقين ، فالاعتماد على مجرد نفي التشبيه أمر لا يجوز ، وإنما يثبت لله تعالى الكمال ، وذلك أن الناس يختلفون فيما يمكن أن يكون ثابتا لله وفيما لا يمكن أن يكون ثابتا .
وأنا قلت لكم كثيرا أن المهم من هذا أن نعرف القاعدة ، أما هذه الاستطرادات التي يأتي بها المؤلف فليس معنيين بها ... بمعنى أننا لا نحب أن تكون حائلا دون تكميل الكتاب ، لأن الكتاب فيه مباحث أهم من هذا ، فالشيء الذي يمكن تصوره بسهولة يمكن تصوره ، والذي لا يمكن ليس بلازم ، إلا فيما يتعلق بأصل القاعدة فهذا لابد أن نعرفها معرفة جيدة .
طيب الآن : هل المعدوم شيء أو لا .؟ المعدوم ليس بشيء .
هل وجود الموجودات زائد على معيتها أم لا .؟
الحقيقة أن الموجود موجود ومن صفته الوجود ، فإذا أريد بالماهية مثلا الشيء المركب أو جسم الشيء أو ما أشبه ذلك . لا شك أن الجسم غير موجود ، وإذا أريد الملازمة فلا شك أن الموجود ملازم للوجود ، وأنه لا يمكن موجود بدون وجود ، كما أنه لا يمكن وجود بدون موجود ، وجميع هذا من الأمور التي شغل الناس بها في العصور الوسطى لهذه الأمة ، لأنهم ما عندهم شيء ، الجهاد معطل. وليس عند الإنسان إلا أن يتكلم بهذا الكلام الذي أدخله المتكلمون على الأمة الإسلامية ، وشغلوا به المسلمين عما ينبغي أن يشتغلوا به .
مثل ما يوجد في الفقه أشياء تفريعات لا وجود لها في الحقيقة ، مثل إذا هلك هالك عن عشرين جدة وعن عشرة أجداد وما أشبه ذلك ، هل يمكن أن يوجد هذا .؟! ما يمكن وجود هذا .
فالحاصل أن هذه كلها مما شغل الناس بها وهو لا فائدة فيها .
4 - مراجعة كلام المؤلف : كما وقع الاشتباه في إثبات الأحوال ونفيها, وفي أن المعدوم هل هو شيء أو لا .؟ وفي وجود الموجودات هل هو زائد على ماهيتها أم لا ؟ أستمع حفظ
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وقد كثر من أئمة النظار الاضطراب والتناقض في هذه المقامات ; فتارة يقول أحدهم القولين المتناقضين ويحكي عن الناس مقالات ما قالوها ; وتارة يبقى في الشك والتحير وقد بسطنا من الكلام في هذه المقامات وما وقع من الاشتباه والغلط والحيرة فيها لأئمة الكلام والفلسفة ما لا تتسع له هذه الجمل المختصرة وبينا أن الصواب هو أن وجود كل شيء في الخارج هو ماهيته الموجودة في الخارج ; بخلاف الماهية التي في الذهن فإنها مغايرة للموجود في الخارج ; وأن لفظ الذات والشيء والماهية والحقيقة ونحو ذلك فهذه الألفاظ كلها متواطئة فإذا قيل : إنها مشككة لتفاضل معانيها فالمشكك نوع من المتواطئ العام الذي يراعى فيه دلالة اللفظ على القدر المشترك سواء كان المعنى متفاضلا في موارده أو متماثلا . وبينا أن المعدوم شيء أيضا في العلم والذهن لا في الخارج فلا فرق بين الثبوت والوجود لكن الفرق ثابت بين الوجود العلمي والعيني مع أن ما في العلم ليس هو الحقيقة الموجودة ولكن هو العلم التابع للعالم القائم به وكذلك الأحوال التي تتماثل فيها الموجودات وتختلف : لها وجود في الأذهان وليس في الأعيان إلا الأعيان الموجودة وصفاتها القائمة بها المعينة فتتشابه بذلك وتختلف به وأما هذه الجملة المختصرة فإن المقصود بها التنبيه على جمل مختصرة جامعة من فهمها علم قدر نفعها وانفتح له باب الهدى وإمكان إغلاق باب الضلال ; ثم بسطها وشرحها له مقام آخر ; إذ لكل مقام مقال . والمقصود : هنا أن الاعتماد على مثل هذه الحجة فيما ينفى عن الرب وينزه عنه - كما يفعله كثير من المصنفين - خطأ لمن تدبر ذلك وهذا من طرق النفي الباطلة .".
ومن نعمة الله تعالى على هذه الأمة أن هذه الأشياء تعرف بالضرورة ، وأن كل إنسان يعرف أن كل موجود لا بد له من وجود، وأن المعدوم ليس بشيء إلا إن قلنا هذا شيء معدوم واعتبرته شيئا بهذا المعنى . ولذلك من نظر إلى مثل هذا التعليل قال إنه شيء . ومن نظر إلى أن المعدوم غير موجود فليس بشيء . وعلى كل حال هذه كلها مثل ما قال المؤلف كلام بدون فائدة .
" وَقَدْ بَسَطْنَا مِنْ الْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْمَقَامَاتِ وَمَا وَقَعَ مِنْ الِاشْتِبَاهِ وَالْغَلَطِ وَالْحَيْرَةِ فِيهَا لِأَئِمَّةِ الْكَلَامِ وَالْفَلْسَفَةِ مَا لَا تَتَّسِعُ لَهُ هَذِهِ الْجُمَلُ الْمُخْتَصَرَةُ ، وَبَيَّنَّا أَنَّ الصَّوَابَ هُوَ أَنَّ وُجُودَ كُلِّ شَيْءٍ فِي الْخَارِجِ هُوَ مَاهِيَّتُه الْمَوْجُودَةُ فِي الْخَارِجِ ، بِخِلَافِ الْمَاهِيَّةِ الَّتِي فِي الذِّهْنِ فَإِنَّهَا مُغَايِرَةٌ لِلْمَوْجُودِ فِي الْخَارِجِ ، وَأَنَّ لَفْظَ الذَّاتِ وَالشَّيْءِ وَالْمَاهِيَّةِ وَالْحَقِيقَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ كُلُّهَا مُتَوَاطِئَةٌ ".
المؤلف رحمه الله تعالى يقول إن وجود كل شيء فِي الْخَارِجِ هُوَ مَاهِيَّتُه مثل ما قلنا ، الشيء الجسم مثلا وجوده هو نفسه ، فهو موجود بوجوده ، لكن عندنا تتصور أن هناك وجودا منفصلا فإنما تتصوره في ذهنك ، هو متصور في الذهن قد لا تكون له حقيقة في الخارج .
" فَإِذَا قِيلَ : إنَّهَا مُشَكِّكَةٌ لِتَفَاضُلِ مَعَانِيهَا فَالْمُشَكِّكُ نَوْعٌ مِنْ الْمُتَوَاطِئِ الْعَامِّ الَّذِي يُرَاعَى فِيهِ دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرِكِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَعْنَى مُتَفَاضِلًا فِي مَوَارِدِهِ أَوْ مُتَمَاثِلًا "
وهذا أيضا سبق لنا الكلام عليه ، وبينا أن الكلمات تنقسم باعتبار اتحادها في المعنى واللفظ إلى أربعة أقسام :
" وَبَيَّنَّا أَنَّ الْمَعْدُومَ شَيْءٌ أَيْضًا فِي الْعِلْمِ وَالذِّهْنِ لَا فِي الْخَارِجِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الثُّبُوتِ وَالْوُجُودِ لَكِنَّ الْفَرْقَ ثَابِتٌ بَيْنَ الْوُجُودِ الْعِلْمِيِّ وَالْعَيْنِيِّ مَعَ أَنَّ مَا فِي الْعِلْمِ لَيْسَ هُوَ الْحَقِيقَةَ الْمَوْجُودَةَ وَلَكِنْ هُوَ الْعِلْمُ التَّابِعُ لِلْعَالِمِ الْقَائِمِ بِهِ "
الآن يقول المؤلف : " الفرق ثابت بين الوجود العلمي والعيني " فما هو الفرق بين الوجود العلمي والعيني ؟!
العلمي ما وجد في الذهن ، والعيني ما وجد في الخارج ، فعندما أعلم أن هذا الشيء ... فهذا وجود علمي ، بمعنى أنه وجد فعلاً ، وعندما يبرز هذا الشيء ويشاهد يكون موجوداً عينيا .
فأنتم الآن ذكرتم أن الاختبار في السادس عشر من هذا الشهر ، علمنا بأنه سيكون في السادس عشر من هذا الشهر هذا وجود علم . لكن عندما يقع هذا الاختبار يكون وجوداً عينياً ، وهو في شبيه بقولنا فيما سبق الوجود الذهني والوجود الخارجي .
" وَكَذَلِكَ الْأَحْوَالُ الَّتِي تَتَمَاثَلُ فِيهَا الْمَوْجُودَاتُ وَتَخْتَلِفُ لَهَا وُجُودٌ فِي الْأَذْهَانِ وَلَيْسَ فِي الْأَعْيَانِ إلَّا الْأَعْيَانُ الْمَوْجُودَةُ وَصِفَاتُهَا الْقَائِمَةُ بِهَا الْمُعَيَّنَةُ فَتَتَشَابَهُ بِذَلِكَ وَتَخْتَلِفُ بِهِ ".
الأحوال أيضا مثل ما قال المؤلف تختلف باختلاف أصحابها ، ولكن ليس لها وجود في الخارج إلا إذا وجدت ، فوجود الله سبحانه وتعالى ووجود الإنسان مشتركان في أصل الوجود ، لكنّ حال وجود الله سبحانه وتعالى ليس كحال وجود الإنسان ، تختلف الأحوال فيها ، ومن ثم يقال : هل الوجود يقال بالاشتراك أو يقال بالتواطئ أو يسمى مشككاً ؟
المؤلف ذكر أن العلماء اختلفوا فيه ، وأن الصحيح أنها نوع من المتوطئ ، لكنها تختص بكل محلّ بما تختص به .
" وَأَمَّا هَذِهِ الْجُمْلَةُ الْمُخْتَصَرَةُ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ بِهَا التَّنْبِيهُ عَلَى جُمَلٍ مُخْتَصَرَةٍ جَامِعَةٍ مَنْ فَهِمَهَا عَلِمَ قَدْرَ نَفْعِهَا وَانْفَتَحَ لَهُ بَابُ الْهُدَى وَإِمْكَانُ إغْلَاقِ بَابِ الضَّلَالِ " .
قوله في الطبعة : " وإمكان إغلاق باب الضلال " الصواب : وأمكنه. " وأمكنه إغْلَاقِ بَابِ الضَّلَالِ ، ثُمَّ بَسْطُهَا وَشَرْحُهَا لَهُ مَقَامٌ آخَرُ ، إذْ لِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالٌ " .
والمؤلف بسط هذه الأمور في كتاب له يسمى : درء تعارض العقل والنقل ، وبعضهم يسميه : كتاب العقل والنقل . ويسمى أيضا : موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول ، له ثلاثة أسماء هذا، الكتاب وهو معروف كان بالأول على هامش كتاب منهاج السنة ، ولكنه الآن طبع طبعة منفردة بنحو ثمانية أجزاء ، وهو كتاب مهم جدا ، يقول ابن القيم في النونية :
" وله ـ يعني شيخ الإسلام ـ كتاب العقل والنقل الذي *** ما في الوجود له نظير ثاني " . فقد مدحه بهذه العبارة ، هذا يسميها : كتاب العقل والنقل ، ويسمى أيضا : درء تعارض العقل والنقل ، ويسمى : موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول .
" وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْحُجَّةِ فِيمَا يُنْفَى عَنْ الرَّبِّ وَيُنَزَّهُ عَنْهُ - كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ - خَطَأٌ لِمَنْ تَدَبَّرَ ذَلِكَ وَهَذَا مِنْ طُرُقِ النَّفْيِ الْبَاطِلَةِ ."
إذا الاعتماد على مجرد النفي لا يصح ، وعلى مجرد الإثبات بلا تشبيه لا يصح أيضا . لأن في الاعتماد على هذا أو هذا فيه اشتباه حصل ، وعرفتموه بما اختلف فيه أهل العلم من هذه الأمور التي يدعي بعض الناس أن إثبات هذا يستلزم التشبيه ، وبعضهم يقول هذا لا يقتضي التشبيه . ثم بعضهم يقول : إثبات هذا ليس فيه تشبيه، وبعضهم يقول : إثبات هذا فيه تشبيه .
5 - تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وقد كثر من أئمة النظار الاضطراب والتناقض في هذه المقامات ; فتارة يقول أحدهم القولين المتناقضين ويحكي عن الناس مقالات ما قالوها ; وتارة يبقى في الشك والتحير وقد بسطنا من الكلام في هذه المقامات وما وقع من الاشتباه والغلط والحيرة فيها لأئمة الكلام والفلسفة ما لا تتسع له هذه الجمل المختصرة وبينا أن الصواب هو أن وجود كل شيء في الخارج هو ماهيته الموجودة في الخارج ; بخلاف الماهية التي في الذهن فإنها مغايرة للموجود في الخارج ; وأن لفظ الذات والشيء والماهية والحقيقة ونحو ذلك فهذه الألفاظ كلها متواطئة فإذا قيل : إنها مشككة لتفاضل معانيها فالمشكك نوع من المتواطئ العام الذي يراعى فيه دلالة اللفظ على القدر المشترك سواء كان المعنى متفاضلا في موارده أو متماثلا . وبينا أن المعدوم شيء أيضا في العلم والذهن لا في الخارج فلا فرق بين الثبوت والوجود لكن الفرق ثابت بين الوجود العلمي والعيني مع أن ما في العلم ليس هو الحقيقة الموجودة ولكن هو العلم التابع للعالم القائم به وكذلك الأحوال التي تتماثل فيها الموجودات وتختلف : لها وجود في الأذهان وليس في الأعيان إلا الأعيان الموجودة وصفاتها القائمة بها المعينة فتتشابه بذلك وتختلف به وأما هذه الجملة المختصرة فإن المقصود بها التنبيه على جمل مختصرة جامعة من فهمها علم قدر نفعها وانفتح له باب الهدى وإمكان إغلاق باب الضلال ; ثم بسطها وشرحها له مقام آخر ; إذ لكل مقام مقال . والمقصود : هنا أن الاعتماد على مثل هذه الحجة فيما ينفى عن الرب وينزه عنه - كما يفعله كثير من المصنفين - خطأ لمن تدبر ذلك وهذا من طرق النفي الباطلة .". أستمع حفظ
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : "وأفسد من ذلك : ما يسلكه نفاة الصفات أو بعضها إذا أرادوا أن ينزهوه عما يجب تنزيهه عنه مما هو من أعظم الكفر مثل أن يريدوا تنزيهه عن الحزن والبكاء ونحو ذلك ويريدون الرد على اليهود : الذين يقولون إنه بكى على الطوفان حتى رمد وعادته الملائكة والذين يقولون بإلهية بعض البشر وأنه الله فإن كثيرا من الناس يحتج على هؤلاء بنفي التجسيم والتحيز ونحو ذلك ويقولون لو اتصف بهذه النقائص والآفات لكان جسما أو متحيزا وذلك ممتنع وبسلوكهم مثل هذه الطريق استظهر عليهم هؤلاء الملاحدة نفاة الأسماء والصفات فإن هذه الطريقة لا يحصل بها المقصود لوجوه : أحدها : أن وصف الله تعالى بهذه النقائص والآفات أظهر فسادا في العقل والدين من نفي التحيز والتجسيم ; فإن هذا فيه من الاشتباه والنزاع والخفاء ما ليس في ذلك وكفر صاحب ذلك معلوم بالضرورة من دين الإسلام والدليل معرف للمدلول ومبين له ; فلا يجوز أن يستدل على الأظهر الأبين بالأخفى كما لا يفعل مثل ذلك في الحدود .".
الطالب : ... رمد .؟
الشيخ : يصح هذا وهذا مثل مُرِض ومَرِض ، أصيب بالرمد ...
هذا كذب ما فيه من شك ، اليهود لا يتورعون أن يصفوا الله تعالى بصفات النقص ، النقص المعنوي والنقص غير المعنوي ، فهم يقولون أن الله لما خلق السموات والأرض في ستة أيام تعب ، الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة ، تعب . فلما كان يوم السبت استراح ، ما صار يفعل ، ولهذا عندهم الراحة يوم السبت ، هذه واحدة .
ويقولون : إن الله فقير ونحن أغنياء . ويقولون إن الله بخيل يد الله مغلولة . فهم ـ والعياذ بالله ـ وصفوا الله تعالى بأسوأ الصفات . وصفوه بأسواء الصفات لا الصفات المعنوية ولا غير معنوية .
ويقولون أيضا : إنه بكى على الطوفان وأنه أصابه الرمد في عينه وعادته الملائكة ، قبحهم الله ، يعني ما قدروا الله حق قدره .
وكذلك الذين يقولون بألوهية بعض البشر وأنه الله ، إذا أراد نفاة الصفات أن ينزهوه عما يجب من هذا الأمور ، يقول :
" فإن كثيرا مِنْ النَّاسِ يَحْتَجُّ عَلَى هَؤُلَاءِ بِنَفْيِ التَّجْسِيمِ وَالتَّحَيُّزِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَيَقُولُونَ لَوْ اتَّصَفَ بِهَذِهِ النَّقَائِصِ وَالْآفَاتِ لَكَانَ جِسْمًا أَوْ مُتَحَيِّزًا وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ ".
أنظر كيف يردون ! يقولون لليهود : لو أننا وصفناه بأنه يبكي لكان جسما ، فهل يمكن أن يرد على اليهود بمثل هذا ؟! أبداً .
لأنهم قد يقولون : طيب إذا كان جسما فما المانع ؟ وحينئذ يثبتون أن الله تعالى يبكى . فنفي هذه الأشياء هذه النقائص العظيمة بهذا الأمر الذي ليس بنقض وفيه تفصيل ، هذا خطأ .
" وَبِسُلُوكِهِمْ مِثْلَ هَذِهِ الطَّرِيقِ اسْتَظْهَرَ عَلَيْهِمْ هَؤُلَاءِ الْمَلَاحِدَةُ نفاة الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ فَإِنَّ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ لَا يَحْصُلُ بِهَا الْمَقْصُودُ لِوُجُوهِ "
استظهر عليهم .؟ أي : استعلوا ومنه قوله تعالى : (( لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ )) أي : ليعليه .
الطالب : ... .
الشيخ : المراد بالنفاة نفاة الصفات ، الأشاعرة وغيرهم ، يحتج هؤلاء على اليهود بنفي التجسيم .
طيب يقول : " فإن هذه الطريقة لا يحصل بها المقصود لوجوده :
أَحَدُهَا : أَنَّ وَصْفَ اللَّهِ تَعَالَى بِهَذِهِ النَّقَائِصِ وَالْآفَاتِ أَظْهَرُ فَسَادًا فِي الْعَقْلِ وَالدِّينِ مَنْ نَفْيِ التَّحَيُّزِ وَالتَّجْسِيمِ ".
هذه يمكن أن نقول عنوان البحث : اتخذ بعض النفاة في الرد على اليهود مسلكا ، وهو أن وصف الله بما ذكره اليهود يستلزم أن يكون جسماً والجسم ممتنع . فهل هذا المسلك صحيح .؟ يمكن أن نجعل عنوان هذا البحث هو هذا .
يقول : يجب أن تنتفي هذه لأجل إثبات التحيز والتجسيم ، يجب أن تنتفي لإثبات التحيز والتجسيم .
نقول : انتفاء هذه النقائص عن الله ، أبين وأظهر من انتفاء التحيز والتجسيم ، لماذا .؟
لأن وصفه بهذه النقائض أظهر فسادا من وصفه بالتحيز والتجسيم.
فيبدوا أن العبارة فيها انقلاب ، فأرجوا الآن أن تمشوا معي ، الآن هؤلاء وصفوا الله بالنقائص اليهود ، ونحن نريد أن ننفيهما ، فما هو الطريق لنفيهما ؟!
الطريق أن نقول : لأن الله ليس بجسم ولا متحيز . فنقول انتفاء هذه النقائض عن الله أظهر من انتفاء التحيز والتجسيم .
أيهما أظهر عند قول إن الله ليس بجسم أو نقول إن الله ليس يبكي ولا يتعب .؟ إذا ظهور انتفاء ما وصفه به اليهود أبين من انتفاء التحيز والتجسيم .
فالنتيجة : وصف الله بهذه النقائص ، ليس نفيها ، إثبات النقائص لله المذكورة أعظم فسادا من إثبات التجسيم والتحيز ، وبهذا عرفتم أن كلمة : من نفي التحيز والتجسيم ، فيها شيء من الالتباس .
فنقول : " إنَّ وَصْفَ اللَّهِ تَعَالَى بِهَذِهِ النَّقَائِصِ وَالْآفَاتِ أَظْهَرُ فَسَادًا فِي الْعَقْلِ وَالدِّينِ مَنْ نَفْيِ التَّحَيُّزِ وَالتَّجْسِيمِ " .
الطالب : ... .
الشيخ : طيب ممكن تقولون : منْ وصفه بالتَّحَيُّزِ وَالتَّجْسِيمِ أو من نفس ، أظهر فسادا من نفس ، يعني من وصفه بنفس وصفه بالتحيز والتجسيم .
طيب : " فَإِنَّ هَذَا فِيهِ مِنْ الِاشْتِبَاهِ وَالنِّزَاعِ وَالْخَفَاءِ مَا لَيْسَ فِي ذَلِكَ " .
" فإن هذا " الضمير يعود على التحيز والتجسيم " فيه من الاشتباه والنزاع والحفاء ما ليس في ذلك " كيف ذلك ؟ لأنه سبق أن وصف الله بالجسم أو التحيز ، وش قلنا في تفصيليه .؟
إن أراد بالجسمية أن الله سبحانه وتعالى هو القائم بنفسه المتصف بما يليق به ، فهذا حق بلا شك .
وإن أراد بالجسم أنه المحدث المكون من أعضاء وأجزاء فهذا ممتنع على الله . إذا ففيه تفصيل . لكن عندنا نقول إن الله تعالى بكى على الطوفان وأصابه الضحك لا يصلح فيه التفصيل . يصح أن نفصل ونقول إن أريد كذا وأريد كذا .؟ لا ، لأنه كله نقص .
إن الله بكى حتى رمد كله نقص على كل تفصل ، فلا يجوز فيه التفصيل . إذا أيهما أعظم فساداً ؟؟ الذي يمكن أن يكون على الوجه صحيح أو الذي لا يمكن أن يصلح على أي وجه .؟!
الذي لا يمكن أن يصلح على أي وجه أشد . ولهذا يقول المؤلف : " فإن هذا " الضمير يعود على التحيز والتجسيم " فيه من الاشتباه والنزاع والخفاء ما ليس في ذلك " وصفه بأنه رمد حتى عادته الملائكة .
" وَكُفْرُ صَاحِبِ ذَلِكَ " وش يعني الذي وصفه بأنه رمد وعادته الملائكة " مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ وَالدَّلِيلُ مُعَرِّفٌ لِلْمَدْلُولِ وَمُبَيِّنٌ لَهُ ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَدَلَّ عَلَى الْأَظْهَرِ الْأَبْيَنِ بِالْأَخْفَى كَمَا لَا يُفْعَلُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحُدُودِ ".
عندما نريد أن نستدل على انتفاء ما وصفه به اليهود بانتفاء الجسم والتحيز عن الله . هل هذا دليل هذا الاستدلال ؟!.
ليس دليلا . ما السبب ؟! لأننا الآن استدلنا بالأخفى على الأظهر . لأن انتفاء الرمد عن الله أظهر من انتفاء التميز والتجسيم ، أو لا وهل يعقل أن نستدل بالأخفى على الأظهر ؟! لا .
أيضا نقول : كفر من يقول إن الله تعالى رمد حتى عادته الملائكة أظهر من كفر من يقول أن الله جسم . بلا شك . لأن " إن الله جسم " إذا أراد بالجسم القائم بنفسه المتصف بالصفات ، فهذا حق. أليس كذلك .
هذا وجه يبين فساد احتجاج هؤلاء المتكلمين على إبطال ما وصفه به اليهود .
6 - تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : "وأفسد من ذلك : ما يسلكه نفاة الصفات أو بعضها إذا أرادوا أن ينزهوه عما يجب تنزيهه عنه مما هو من أعظم الكفر مثل أن يريدوا تنزيهه عن الحزن والبكاء ونحو ذلك ويريدون الرد على اليهود : الذين يقولون إنه بكى على الطوفان حتى رمد وعادته الملائكة والذين يقولون بإلهية بعض البشر وأنه الله فإن كثيرا من الناس يحتج على هؤلاء بنفي التجسيم والتحيز ونحو ذلك ويقولون لو اتصف بهذه النقائص والآفات لكان جسما أو متحيزا وذلك ممتنع وبسلوكهم مثل هذه الطريق استظهر عليهم هؤلاء الملاحدة نفاة الأسماء والصفات فإن هذه الطريقة لا يحصل بها المقصود لوجوه : أحدها : أن وصف الله تعالى بهذه النقائص والآفات أظهر فسادا في العقل والدين من نفي التحيز والتجسيم ; فإن هذا فيه من الاشتباه والنزاع والخفاء ما ليس في ذلك وكفر صاحب ذلك معلوم بالضرورة من دين الإسلام والدليل معرف للمدلول ومبين له ; فلا يجوز أن يستدل على الأظهر الأبين بالأخفى كما لا يفعل مثل ذلك في الحدود .". أستمع حفظ
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " الوجه الثاني : أن هؤلاء الذين يصفونه بهذه الصفات : يمكنهم أن يقولوا نحن لا نقول بالتجسيم والتحيز كما يقوله من يثبت الصفات وينفي التجسيم فيصير نزاعهم مثل نزاع مثبتة الكلام وصفات الكمال فيصير كلام من وصف الله بصفات الكمال وصفات النقص واحدا ويبقى رد النفاة على الطائفتين بطريق واحد وهذا في غاية الفساد . الثالث : أن هؤلاء ينفون صفات الكمال بمثل هذه الطريقة واتصافه بصفات الكمال واجب ثابت بالعقل والسمع فيكون ذلك دليلا على فساد هذه الطريقة .".
الوجه الثاني : أن هؤلاء الذين يصفونه بهذه الصفات ، يعني بهم اليهود ، يمكن أن يقولون : نحن لا نقول بالتجسيم ، يقول رمد ولكن لا نقول إنه جسم . أليس كذلك .؟ يمكنهم في باب المجادلة أن يقولوا: نحن لا نقول بالتجسيم وبالتحيز ، ولكننا نصفه بهذه الصفات ، نقول تعب ، ونقول حزن ، ونقول إنه سبحانه وتعالى على رأيهم فقير . وأنه بخيل . ومع ذلك ما يقولون أنه جسم ، لا يسلمون بالجسم .
كما أن الذين يثبتون الصفات لله تعالى هل يلزمون التجسيم أو لا ؟! عندما نقول لله يد ووجه وعين وقدرة وسمع هل يلزمنا القول بالتجسيم ؟!
الطالب : لا .
الشيخ : فعلى هذا نقول لهؤلاء المنكرين الذين استدلوا على بطلان ما قال اليهود بأن لو ثبت ما قالوه لكان جسماً . يمكن لليهود أن يقولوا : نحن نثبت ذلك بدون تشبيه ، مثل ما قال أهل السنة والجماعة : نحن نثبت لله قدرة وسمعاً وبصراً واستواء ... إلى آخره ولا يلزمنا أن نقول أنه جسم . هذا واحد .
" الوجه الثَّالِثُ : أَنَّ هَؤُلَاءِ يَنْفُونَ صِفَاتِ الْكَمَالِ بِمِثْلِ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ وَاتِّصَافُهُ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَاجِبٌ ثَابِتٌ بِالْعَقْلِ وَالسَّمْعِ فَيَكُونُ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى فَسَادِ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ " .
" أن هؤلاء " الضمير يعود على الذين ردوا ما قال اليهود بنفي التجسيم ، يعني بهم الأشاعرة المثبتين لبعض الصفات ، هؤلاء المثبتين لبعض الصفات نفوا صفات الكمال بمثل هذه الطريقة ، ماذا قالوا ؟! قالوا : لو استواء على العرش لزم أن يكون جسماً ، والجسم ممتنع فيجب امتناع استواء الله على عرشه .
الطريقة التي يكون بهذا إثبات صفات الكمال هل ... اعتمد نفاة الصفات على نفي ما قاله اليهود على نفي التجسيم .
نقول : هذه الطريقة فاسدة ، الدليل على أنها فاسدة .؟ الوجهان الأولان واضحان .
الوجه الثالث : أنكم بطريقتكم هذه نفيتم صفات الكمال لله ، لأنهم يقولون : إثبات الوجه يستلزم التجسيم ، والجسم ممتنع فيجب إبطال أو نفي صفة الوجه ، يقولون : إثبات صفة الاستواء يستلزم التجسيم فيجب نفي الاستواء ، إثبات الرمد في عين الله يستلزم التجسيم فيجب نفي الرمد ، فهذه الطريقة التي مشوا عليها صارت تبطل صفات الكمال وصفات النقص ، وكل طريقة لا تميز بين ما يجب على الله وما يمتنع على الله ، فهل هي طريقة سليمة أو طريقة باطلة.؟ باطلة ، ولهذا يقول المؤلف : " أَنَّ هَؤُلَاءِ يَنْفُونَ صِفَاتِ الْكَمَالِ بِمِثْلِ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ وَاتِّصَافُهُ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَاجِبٌ ثَابِتٌ بِالْعَقْلِ وَالسَّمْعِ فَيَكُونُ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى فَسَادِ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ " أظنه واضح إن شاء الله . طيب من يبين لي الوجه الثالث هذا .؟
الطالب : ... .
الشيخ : هذه الطريقة ليست بسليمة لماذا .؟ لأنه كما أنكرون بها صفة النقص ينكرون بها صفة الكمال ، فتقولون لو ثبت استواؤه على العرش لكان جسما والجسم ممتنع ، طيب . الأخ فاهم .؟
الطالب : ... .
الشيخ : تعرف اليهود يقولون إن الله حزن على الطوفان ، وبكى وأصابه الرمد من البكاء فعادته الملائكة ، طيب الذين نفوا الصفات يردون على اليهود وش يقولون .؟
الطالب : ... .
الشيخ : أو متحيز وذلك ممتنع على الله ، هل ردهم على اليهود بهذه الطريقة صحيح أو لا .؟
الطالب : غير صحيح .
الشيخ : وش الدليل على بطلانه .؟ الدليل وجهان سابقان ، الوجه الثالث وش هو .؟
الطالب : ... استوى على العرش .
الشيخ : لكان جسما ، والجسم ممتنع ، طيب استدلالهم على نفي الاستواء بهذه الطريقة صحيح أو غير صحيح .؟
الطالب : غير صحيح .
الشيخ : غير صحيح ، ليش .؟ لأننا نقول : يمكن أن يكون مستو على العرش وليس بجسم ، لأنه قد سبق أن الشيء قد يوصف بالصفات وليس بجسم ، وقلنا أنكم تقولون : يوم شديد ويوم طويل ، وكله ليس بجسم .
الذي جنبه ، لو قلنا إنه يعتمد في نفي الصفات على نفي الجسمية لزم نفي صفات الكمال على هذا الأساس ، لأنهم هم يقولون : إن الله تعالى لا يستوي على العرش وليس له وجه ولا عين ولا يد ، لأن إثبات ذلك يستلزم التجسيم ، الكلام في الجسم ، نقول : هذه الطريقة فاسدة لأنها تتضمن نفي صفات الكمال على الله سبحانه وتعالى ، وكل شيء يتضمن إبطال ما ثبت لله فهو باطل .
شوفوا يا جماعة أنا أنصحكم أن التوحيد مهم ، ولكنه لذيذ لمن رزقه الله فهما ، هو في الحقيقة لذيذ وزين لأنه يغذي العقل ، يجب عليكم أمران :
الأمر الأول : أن يكون لديكم قبل أن أحضر سابق علم بالدرس ، وفي ظني أنكم كلكم ما ... على الدرس قبل أن يبدأ الدرس ، يجب عليكم أولا أن يكون عندكم شيء من التصور ، تصور عن الدرس المقبل ، لأجل ما يصير الدرس عبارة عن شرح له ، كتوضيح وتهذيب لهذا الذي جاء .
7 - تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " الوجه الثاني : أن هؤلاء الذين يصفونه بهذه الصفات : يمكنهم أن يقولوا نحن لا نقول بالتجسيم والتحيز كما يقوله من يثبت الصفات وينفي التجسيم فيصير نزاعهم مثل نزاع مثبتة الكلام وصفات الكمال فيصير كلام من وصف الله بصفات الكمال وصفات النقص واحدا ويبقى رد النفاة على الطائفتين بطريق واحد وهذا في غاية الفساد . الثالث : أن هؤلاء ينفون صفات الكمال بمثل هذه الطريقة واتصافه بصفات الكمال واجب ثابت بالعقل والسمع فيكون ذلك دليلا على فساد هذه الطريقة .". أستمع حفظ
مناقشة الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وأفسد من ذلك : ما يسلكه نفاة الصفات أو بعضها إذا أرادوا أن ينزهوه عما يجب تنزيهه عنه مما هو من أعظم الكفر مثل أن يريدوا تنزيهه عن الحزن والبكاء ونحو ذلك ويريدون الرد على اليهود : الذين يقولون إنه بكى على الطوفان حتى رمد وعادته الملائكة والذين يقولون بإلهية بعض البشر وأنه الله فإن كثيرا من الناس يحتج على هؤلاء بنفي التجسيم والتحيز ونحو ذلك ويقولون لو اتصف بهذه النقائص والآفات لكان جسما أو متحيزا وذلك ممتنع وبسلوكهم مثل هذه الطريق استظهر عليهم هؤلاء الملاحدة نفاة الأسماء والصفات فإن هذه الطريقة لا يحصل بها المقصود لوجوه : ... ".
الطالب : ... .
الشيخ : يعني أن وصف الله تعالى بالنقائص التي ذكرها اليهود أعظم امتناعا من وصفه بالتجسيم . زين ، ولا يمكن أن نستدل بالأخفى على الأبين الأظهر ، زين استرح ، فاهمين هذا .؟
الوجه الثاني يا أخ .؟
الطالب : ... .
الشيخ : يمكنهم أن يقولوا نحن نصفه بهذا ... صحيح يمكنهم أن يقولوا هذا ، أنه نثبت أن الله تعالى توجعه عينه وترمد وليس بجسم ، كما يقوله الذين يثبتون الصفات وينفون التجسيم ، بارك الله فيه .
الوجه الثالث .؟
الطالب : ... .
الشيخ : أنهم بهذه الطريقة نفوا عنه صفات الكمال ، وش معنى بهذه الطريقة نفوا عنه صفات الكمال .؟
الطالب : ... .
الشيخ : لا نثبت لله وجها لأنه يستلزم التجسيم ... يعني أنه هذه الطريقة فاسدة لأنه يتوصل بها إلى نفي ما يجب لله من صفات الكمال ، ولو كانت هذه الطريقة سليمة ما أدت لهذا المعنى الفاسد الذي هو نفي صفات الكمال عن الله .
8 - مناقشة الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وأفسد من ذلك : ما يسلكه نفاة الصفات أو بعضها إذا أرادوا أن ينزهوه عما يجب تنزيهه عنه مما هو من أعظم الكفر مثل أن يريدوا تنزيهه عن الحزن والبكاء ونحو ذلك ويريدون الرد على اليهود : الذين يقولون إنه بكى على الطوفان حتى رمد وعادته الملائكة والذين يقولون بإلهية بعض البشر وأنه الله فإن كثيرا من الناس يحتج على هؤلاء بنفي التجسيم والتحيز ونحو ذلك ويقولون لو اتصف بهذه النقائص والآفات لكان جسما أو متحيزا وذلك ممتنع وبسلوكهم مثل هذه الطريق استظهر عليهم هؤلاء الملاحدة نفاة الأسماء والصفات فإن هذه الطريقة لا يحصل بها المقصود لوجوه : ... ". أستمع حفظ
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " الرابع : أن سالكي هذه الطريقة متناقضون فكل من أثبت شيئا منهم ألزمه الآخر بما يوافقه فيه من الإثبات كما أن كل من نفى شيئا منهم ألزمه الآخر بما يوافقه فيه من النفي . فمثبتة الصفات - كالحياة والعلم والقدرة والكلام والسمع والبصر - إذا قالت لهم النفاة كالمعتزلة : هذا تجسيم ; لأن هذه الصفات أعراض والعرض لا يقوم إلا بالجسم أو لأنا لا نعرف موصوفا بالصفات إلا جسما . قالت لهم المثبتة : وأنتم قد قلتم : إنه حي عليم قدير . وقلتم : ليس بجسم ; وأنتم لا تعلمون موجودا حيا عالما قادرا إلا جسما فقد أثبتموه على خلاف ما علمتم فكذلك نحن وقالوا لهم : أنتم أثبتم حيا عالما قادرا ; بلا حياة ولا علم ولا قدرة وهذا تناقض يعلم بضرورة العقل ثم هؤلاء المثبتون إذا قالوا لمن أثبت أنه يرضى ويغضب ويحب ويبغض أو من وصفه بالاستواء والنزول والإتيان والمجيء أو بالوجه واليد ونحو ذلك إذا قالوا : هذا يقتضي التجسيم لأنا لا نعرف ما يوصف بذلك إلا ما هو جسم قالت لهم المثبتة : فأنتم قد وصفتموه بالحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والكلام وهذا هكذا ; فإذا كان هذا لا يوصف به إلا الجسم فالآخر كذلك , وإن أمكن أن يوصف بأحدهما ما ليس بجسم فالآخر كذلك ; فالتفريق بينهما تفريق بين المتماثلين ولهذا لما كان الرد على من وصف الله تعالى بالنقائص بهذه الطريق طريقا فاسدا : لم يسلكه أحد من السلف والأئمة فلم ينطق أحد منهم في حق الله بالجسم لا نفيا ولا إثباتا ولا بالجوهر والتحيز ونحو ذلك لأنها عبارات مجملة لا تحق حقا ولا تبطل باطلا ولهذا لم يذكر الله في كتابه فيما أنكره على اليهود وغيرهم من الكفار ما هو من هذا النوع ; بل هذا هو من الكلام المبتدع الذي أنكره السلف والأئمة .".
المثال .؟ عندنا مثلا : " مثبتة الصفات كالحياة والعلم والقدرة والكلام والسمع والبصر" هؤلاء ست صفات ، يعني وغيرها من الصفات .
" إذا قالت لهم النفاة كالمعتزلة هذا تجسيم " هذا : أي إثبات هذه الصفات تجسيم " لأن هذه الصفات أعراض والعرض لا يقوم إلا بجسم" يعنى يقولون مثلاً : العلم والقدرة والكلام ... إلى آخره هذه أعراض يعنى معاني لا تقوم إلا بجسم . إذ لا حياة إلا بحي . ولا قدرة إلا بقادر وهكذا . أو يقولون أيضاً : لأنا لا نعرف موصوفاً بالصفات إلا بجسم . يعنى لهم في استلزام هذا الإثبات للتجسيم لهم طريقان :
تارة يقولون : هذه أعراض والأعراض لا يقوم إلا بجسم .
وتارة يقولون : لا نعرف موصوفا بالصفات إلا جسما . وقد مر علينا قبل كم من درس بيان أن هذا القول ليس بصحيح ، إذ أننا نرى ما يوصف بالصفات وليس بجسم . لكن نحن نتنزل معهم لنخاصمهم
" قالت لهم المثبتة " المثبتة هم مثبتة هذه الصفات : أنتم قد قلتم إنه حي عليم قدير وقلتم ليس بجسم . وأنتم لا تعلمون موجوداً حيا عالماً قادراً إلا جسما كذا أو لا ، وأيضا الحياة والعلم والقدرة أعراض والأعراض لا تكون إلا بجسم . فقد تناقضتم . أليس كذلك هذا تناقض .
فقد أثبتموه على خلاف ما علمتم . ماذا أثبتموه ؟! يعنى أثبتم هذه الصفات وأنتم تعلمون أنه لا يتصف بها إلا ما هو جسم . فأثبتموها وقلتم ليس بجسم . أثبتم الأمر على خلاف ما علمتم .
طيب جواب آخر : " وَقَالُوا لَهُمْ : أَنْتُمْ أَثْبَتُّمْ حَيًّا عَالِمًا قَادِرًا ، بِلَا حَيَاةٍ وَلَا عِلْمٍ وَلَا قُدْرَةٍ وَهَذَا تَنَاقُضٌ يُعْلَمُ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ " صحيح .
أيضا قالوا لهم المثبتة لهؤلاء المعتزلة أنتم تقولون إن الله حي بلا حياة وعليم بلا علم ، وقدير بلا قدرة ، وهل هذا يمكن ؟!
المؤلف يقول هذا تناقض يعلم بضرورة العقل ، إذ كيف تقولون أن هذا حي وليس به حياة ، أو هذا قدير وليس به قدرة أو هذا عليم وليس فيه علم ، لو أنك قلت للصبى الذي خرج من بطن أمه لآن : هذا عليم يعرف الفقه ويعرف التدمرية ويعرف شرح الطحاوية ويعرف ... يصلح أو لا ؟! ما يصلح .
كذلك أيضا لو تقول لإنسان ميت هذا حي وهو ما فيه حياة ما صح . فكيف تقولون إن الله حي لكن بلا حياة . عليم لكن بلا علم . قدير لكن بلا قدرة ؟! هذا غير معقول . لأن كلمة قدير اسم مشتق من القدرة وعليم اسم مشتق من العلم . وكذلك الحي اسم من الحياة . فعلى هذا نقول هذا أيضا تناقض .
طيب هذه أربعة وجوه ، صارت الوجوه التي تدل على بطلان هذا الاعتماد أربعة .
" ثُمَّ هَؤُلَاءِ الْمُثْبِتُونَ إذَا قَالُوا لِمَنْ أَثْبَتَ أَنَّهُ يَرْضَى وَيَغْضَبُ وَيُحِبُّ وَيُبْغِضُ أَوْ مَنْ وَصَفَهُ بِالِاسْتِوَاءِ وَالنُّزُولِ وَالْإِتْيَانِ وَالْمَجِيءِ أَوْ بِالْوَجْهِ وَالْيَدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ إذَا قَالُوا : هَذَا يَقْتَضِي التَّجْسِيمَ لِأَنَّا لَا نَعْرِفُ مَا يُوصَفُ بِذَلِكَ إلَّا مَا هُوَ جِسْمٌ قَالَتْ لَهُمْ الْمُثْبِتَةُ : ... " إلى آخره .
الآن أنظر كلام المؤلف رحمه الله ، في الأول النزاع بين المعتزلة والأشاعرة . لأنه قال المثبتة كالحياة والعلم والقدرة والكلام والسمع والبصر ما بقي إلا واحدة ، لعل المؤلف إما أنه سهى عنها أو سقطت من النساخ وهي الإرادة .
نأتي إلى النازع الآن بين أهل السنة والجماعة المثبتة إثباتا كاملاً وبين الأشعرية هؤلاء المثبتون للصفات السبع .
" إذَا قَالُوا لِمَنْ أَثْبَتَ أَنَّهُ يَرْضَى وَيَغْضَبُ وَيُحِبُّ وَيُبْغِضُ أَوْ مَنْ وَصَفَهُ بِالِاسْتِوَاءِ وَالنُّزُولِ وَالْإِتْيَانِ وَالْمَجِيءِ أَوْ بِالْوَجْهِ وَالْيَدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ إذَا قَالُوا : هَذَا يَقْتَضِي التَّجْسِيمَ لِأَنَّا لَا نَعْرِفُ مَا يُوصَفُ بِذَلِكَ إلَّا مَا هُوَ جِسْمٌ قَالَتْ لَهُمْ الْمُثْبِتَةُ " لأي شيء .؟ لجميع الصفات ، وهم أهل السنة " فَأَنْتُمْ قَدْ وَصَفْتُمُوهُ بِالْحَيَاةِ وَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْكَلَامِ وَهَذَا هَكَذَا ، فَإِذَا كَانَ هَذَا لَا يُوصَفُ بِهِ إلَّا الْجِسْمُ فَالْآخَرُ كَذَلِكَ ، وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يُوصَفَ بِأَحَدِهِمَا مَا لَيْسَ بِجِسْمِ فَالْآخَرُ كَذَلِكَ ، فَالتَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا تَفْرِيقٌ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ " .
واضح أظن يا جماعة ، مع أن هذا قد تقدم لنا ، تقدم في أول الكتاب ، والكتاب كما قلنا سابقا فيه تكرار ، هو في الحقيقة يحتاج إلى أحد ينقحه ويحذف الشيء المكرر فيه لأجل يتضح ، لأنه قد يظن الطالب لاسيما إذا كان الطالب ما فهم الكتاب حق الفهم ، يظن أن هذا الكلام غير الكلام الأول ، إذا صار الواحد ما حذق هذا العلم حذقا كاملا يظن أن هذا غير الأول ، والحقيقة أنه هو الأول ، سوى تفضيل على أوجه متعددة فقط ، وإلا المعنى واحد .
الحاصل أننا نقول لهؤلاء المثبتة الذين يثبتون بعض الصفات وينكرون البعض نقول لهم أنتم متناقضون ، لأنه يلزمكم فيما نفيتموه نظير فيما يلزمكم فيما أثبتموه . نعم .
" وَلِهَذَا لَمَّا كَانَ الرَّدُّ عَلَى مَنْ وَصَفَ اللَّهَ تَعَالَى بِالنَّقَائِصِ بِهَذِهِ الطَّرِيقِ طَرِيقًا فَاسِدًا لَمْ يَسْلُكْهُ أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ ، فَلَمْ يَنْطِقْ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِي حَقِّ اللَّهِ بِالْجِسْمِ لَا نَفْيًا وَلَا إثْبَاتًا وَلَا بِالْجَوْهَرِ وَالتَّحَيُّزِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِأَنَّهَا عِبَارَاتٌ مُجْمَلَةٌ لَا تُحِقُّ حَقًّا وَلَا تُبْطِلُ بَاطِلًا " .
وإنما إذا أرادوا نفي هذه النقائص عن الله ـ السلف ـ لا يقولون لأن هذا يقتضي التجسيم أو يقتضي التحيز ، يقولون لأن هذا نقص مثلا، عندما يقول اليهود إن الله رمد وبكى وما أشبه ذلك ، يقولون إن الله منزه عن ذلك لأنه يقتضي التجسيم .؟ لا ، ولكن لأنه نقص والله تعالى منزه عن النقص أليس هكذا الموضوع .
يقول إن السلف ما نطقوا بالجسم ، ولهذا الصحيح في مسألة الجسم أنه لا يجوز بالنسبة للفظه لا يجوز إثباته أو نفيه ، لا نقول إن الله جسم أو ليس بجسم ، لكن في معناه يجب أن تستفصل ، فإذا أردت بالجسم أنه سبحانه ذات قائم بنفسه متصف بما يجب له فهذا حق .
وإن أردت بذلك أنه جسم مركب من أعضاء وعظام وأعصاب فهذا ليس بجائز نعم .
" وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ فِيمَا أَنْكَرَهُ عَلَى الْيَهُودِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْكُفَّارِ مَا هُوَ مِنْ هَذَا النَّوْعِ ، بَلْ هَذَا هُوَ مِنْ الْكَلَامِ الْمُبْتَدَعِ الَّذِي أَنْكَرَهُ السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ ."
الطالب : ... .
الشيخ : لأن أصل معتزلة يردون على اليهود ، في قولهم أن الله تعالى رمد يقولون لو قلتم بهذا لزم أن يكون جسما والجسم ممتنع .
الطالب : ... .
الشيخ :أي نعم في الأول بين المعتزلة واليهود ، ثم بين المعتزلة والأشاعرة ، ثم بين الأشاعرة وأهل السنة .
9 - تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " الرابع : أن سالكي هذه الطريقة متناقضون فكل من أثبت شيئا منهم ألزمه الآخر بما يوافقه فيه من الإثبات كما أن كل من نفى شيئا منهم ألزمه الآخر بما يوافقه فيه من النفي . فمثبتة الصفات - كالحياة والعلم والقدرة والكلام والسمع والبصر - إذا قالت لهم النفاة كالمعتزلة : هذا تجسيم ; لأن هذه الصفات أعراض والعرض لا يقوم إلا بالجسم أو لأنا لا نعرف موصوفا بالصفات إلا جسما . قالت لهم المثبتة : وأنتم قد قلتم : إنه حي عليم قدير . وقلتم : ليس بجسم ; وأنتم لا تعلمون موجودا حيا عالما قادرا إلا جسما فقد أثبتموه على خلاف ما علمتم فكذلك نحن وقالوا لهم : أنتم أثبتم حيا عالما قادرا ; بلا حياة ولا علم ولا قدرة وهذا تناقض يعلم بضرورة العقل ثم هؤلاء المثبتون إذا قالوا لمن أثبت أنه يرضى ويغضب ويحب ويبغض أو من وصفه بالاستواء والنزول والإتيان والمجيء أو بالوجه واليد ونحو ذلك إذا قالوا : هذا يقتضي التجسيم لأنا لا نعرف ما يوصف بذلك إلا ما هو جسم قالت لهم المثبتة : فأنتم قد وصفتموه بالحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والكلام وهذا هكذا ; فإذا كان هذا لا يوصف به إلا الجسم فالآخر كذلك , وإن أمكن أن يوصف بأحدهما ما ليس بجسم فالآخر كذلك ; فالتفريق بينهما تفريق بين المتماثلين ولهذا لما كان الرد على من وصف الله تعالى بالنقائص بهذه الطريق طريقا فاسدا : لم يسلكه أحد من السلف والأئمة فلم ينطق أحد منهم في حق الله بالجسم لا نفيا ولا إثباتا ولا بالجوهر والتحيز ونحو ذلك لأنها عبارات مجملة لا تحق حقا ولا تبطل باطلا ولهذا لم يذكر الله في كتابه فيما أنكره على اليهود وغيرهم من الكفار ما هو من هذا النوع ; بل هذا هو من الكلام المبتدع الذي أنكره السلف والأئمة .". أستمع حفظ
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وأما في طرق الإثبات : فمعلوم أيضا أن المثبت لا يكفي في إثباته مجرد نفي التشبيه إذ لو كفى في إثباته مجرد نفي التشبيه لجاز أن يوصف سبحانه من الأعضاء والأفعال بما لا يكاد يحصى مما هو ممتنع عليه - مع نفي التشبيه وأن يوصف بالنقائص التي لا تجوز عليه مع نفي التشبيه كما لو وصفه مفتر عليه بالبكاء والحزن والجوع والعطش مع نفي التشبيه . وكما لو قال المفتري : يأكل لا كأكل العباد ويشرب لا كشربهم ويبكي ويحزن لا كبكائهم ولا حزنهم ; كما يقال يضحك لا كضحكهم ويفرح لا كفرحهم ويتكلم لا ككلامهم . ولجاز أن يقال : له أعضاء كثيرة لا كأعضائهم كما قيل : له وجه لا كوجوههم ويدان لا كأيديهم . حتى يذكر المعدة والأمعاء والذكر وغير ذلك مما يتعالى الله عز وجل عنه سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا . فإنه يقال لمن نفى ذلك مع إثبات الصفات الخبرية وغيرها من الصفات : ما الفرق بين هذا وما أثبته إذا نفيت التشبيه وجعلت مجرد نفي التشبيه كافيا في الإثبات فلا بد من إثبات فرق في نفس الأمر .".
هذا أيضا واضح وقررناه من قبل ، لو قلنا إنه يكفي أن تعتمد في الإثبات على نفي التشبيه ، لو قلنا هكذا هل يصح هذا أم لا يصلح ؟
لا يصلح أن تقول : أنا أثبت لله الصفات بدون تشبيه ، ما يمكن هذا .
أولاً : لأنه سبق لنا ذكر القاعدة : أن صفات الله توقيفية ما يمكن أن نثبتها من عند أنفسنا .
والثاني : ثبت أن الله تعالى لا يمكن أن يوصف بالنقص لا على وجه التشبيه أو على غير وجه تشبيه .
لو قلت مثلاً ــ ولله المثل الأعلى وحاشاه أن يكون ـ لو قلت أن الله أعرج لكن ليس كعرج الإنسان ، يجوز أو ما يجوز .؟ ما يجوز . لو قلت : يأكل ولكن ليس كأكل الإنسان .؟ لا يجوز .
إذا فالاعتماد في الإثبات على نفي الشبيه غير جائز . ولهذا المؤلف أنظر ماذا يقول : " إذ لو كفي في إثباته مجرد نفي التشبيه لجاز أن يوصف سبحانه من الأعضاء والأفعال بما لا يكاد يحصى مما هو ممتنع عليه مع نفي التشبيه ". صح أو لا .؟
أي نعم ، إنسان نقول مثلا .اليد اليد ثابثة كأن يقول له رأس وله أذن وله سرة وله كذا وله كذا ولكن بدون تشبيه . هذا لا يجوز ولا يصح .
وكأن نقول بالنسبة للأفعال أنه يفعل كذا ويفعل كذا مما يمتنع عليه ولكن بدون تشبيه ، هذا أيضا لا يجوز .
يقول كذلك أيضا : " وأن يوصف بالنقائض التي لا تجوز عليه مع نفي التشبيه " كأن يقال مثلا إنه أعور ولكن ليس كعور الناس أو أنه أصم ولكن ليس كصمم الإنسان مثلاً .
إذن لا يجوز أن نثبت له أن نعتمد في الإثبات على نفي التشبيه .
" كَمَا لَوْ وَصَفَهُ مُفْتَرٍ عَلَيْهِ بِالْبُكَاءِ وَالْحُزْنِ وَالْجُوعِ وَالْعَطَشِ مَعَ نَفْيِ التَّشْبِيهِ " يجوز هذا أو ما يجوز .؟ ما يجوز " وَكَمَا لَوْ قَالَ الْمُفْتَرِي: يَأْكُلُ لَا كَأَكْلِ الْعِبَادِ وَيَشْرَبُ لَا كَشُرْبِهِمْ وَيَبْكِي وَيَحْزَنُ لَا كَبُكَائِهِمْ وَلَا حُزْنِهِمْ ، كَمَا يُقَالُ : يَضْحَكُ لَا كَضَحِكِهِمْ وَيَفْرَحُ لَا كَفَرَحِهِمْ وَيَتَكَلَّمُ لَا كَكَلَامِهِمْ . "
يضحك ويفرح ويتكلم يقال هكذا أو ما يقال ؟! يقال ، لأن الفرج والضحك والكلام صفات كمال ، ولهذا يقول الرسول عليه السلام : ( لله أشد فرحاً بتوبة أحدكم من أحدكم براحلته ... ) إلى آخر الحديث ويقول : ( يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الأخر كلاهما يدخل الجنة ) ويقول : ( لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ) .
الحاصل أننا نقول هذه الأمثلة يجوز لأن الله أثبتها لنفسه ، لكن الأكل والنوم والشرب وما أشبه لا يجوز لأن الله نفاها عن نفسه .
" وَلَجَازَ أَنْ يُقَالَ : لَهُ أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ لَا كَأَعْضَائِهِمْ كَمَا قِيلَ : لَهُ وَجْهٌ لَا كَوُجُوهِهِمْ " يجوز أن نقول له وجه لا كوجوههم .؟ نعم يجوز .
" وَيَدَانِ لَا كَأَيْدِيهِمْ . حَتَّى يَذْكُرَ الْمَعِدَةَ وَالْأَمْعَاءَ وَالذَّكَرَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَالَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا ".
ولهذا قال بعض المشبهة : سلوني عما شئتم وأعفوني من ذكر اللحية والفرج ـ أعوذ بالله ـ يعني كل شيء تريدون أن أعلمكم عن الله أنا أعلمكم ، إلا مسألتين اللحية والفرج ، أنا ما أقدر أن أقول أن الله له لحية ولا أقدر أن قول أن الله له فرج . والباقي كل الذي تريدون أعلمكم به ـ والعياذ بالله ـ وهذا من الافتراء على الله والجرأة على الله سبحانه وتعالى .
والحاصل أننا نقول الاعتماد في الإثبات على نفي التشبيه لا يجوز وهذا الذي ذكره المؤلف أمثلة فقط .
الطالب : ... ما حدد .
الشيخ : لا حدد ، كيف ما حدد .؟!
الطالب : فواصل .
الشيخ : لا ليس بفواصل : " كَمَا لَوْ وَصَفَهُ مُفْتَرٍ عَلَيْهِ بِالْبُكَاءِ وَالْحُزْنِ وَالْجُوعِ وَالْعَطَشِ مَعَ نَفْيِ التَّشْبِيهِ ، وَكَمَا لَوْ قَالَ الْمُفْتَرِي: يَأْكُلُ لَا كَأَكْلِ الْعِبَادِ وَيَشْرَبُ لَا كَشُرْبِهِمْ وَيَبْكِي وَيَحْزَنُ لَا كَبُكَائِهِمْ وَلَا حُزْنِهِمْ ، كَمَا يُقَالُ " يعني كما أنه يقال حقا " يَضْحَكُ لَا كَضَحِكِهِمْ وَيَفْرَحُ لَا كَفَرَحِهِمْ . " وكذلك في الأخير : " وَلَجَازَ أَنْ يُقَالَ : لَهُ أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ لَا كَأَعْضَائِهِمْ كَمَا قِيلَ : لَهُ وَجْهٌ " وهذا القول الأخير حق ، يعني أنه يقيس هذا على هذا ، يريد أن يقول له أعضاء كالوجه ، وأنه يحزن كما يفرح ، مفهوم .؟ طيب .
" فَإِنَّهُ يُقَالُ لِمَنْ نَفَى ذَلِكَ مَعَ إثْبَاتِ الصِّفَاتِ الْخَبَرِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الصِّفَاتِ : مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَمَا أَثْبَتَّهُ إذَا نَفَيْت التَّشْبِيهَ وَجَعَلْت مُجَرَّدَ نَفْيِ التَّشْبِيهِ كَافِيًا فِي الْإِثْبَاتِ فَلَا بُدُّ مِنْ إثْبَاتِ فَرْقٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ " . المهم أن المؤلف أصّل هذه القاعدة المهمة العظمية .
وهي أنه لا يكفى في صفات الله الاعتماد على إثبات بدون تشبيه ، ولا على مجرد نفي التشبيه .
أما الأول : الاعتماد على مجرد نفي التشبيه فقد سبق بيان بطلانه . لأنه ما من أحد ينفي شيئا إلا ويدعي أنه تشبيه . فلا يمكن الاعتماد عليه .
كذلك الإثبات بدون تشبيه لو اعتمدنا عليه لقلنا إن كل إنسان يجوز أن يصف الله بكل وصف ويقول بلا تشبيه وهذا ممتنع .
10 - تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وأما في طرق الإثبات : فمعلوم أيضا أن المثبت لا يكفي في إثباته مجرد نفي التشبيه إذ لو كفى في إثباته مجرد نفي التشبيه لجاز أن يوصف سبحانه من الأعضاء والأفعال بما لا يكاد يحصى مما هو ممتنع عليه - مع نفي التشبيه وأن يوصف بالنقائص التي لا تجوز عليه مع نفي التشبيه كما لو وصفه مفتر عليه بالبكاء والحزن والجوع والعطش مع نفي التشبيه . وكما لو قال المفتري : يأكل لا كأكل العباد ويشرب لا كشربهم ويبكي ويحزن لا كبكائهم ولا حزنهم ; كما يقال يضحك لا كضحكهم ويفرح لا كفرحهم ويتكلم لا ككلامهم . ولجاز أن يقال : له أعضاء كثيرة لا كأعضائهم كما قيل : له وجه لا كوجوههم ويدان لا كأيديهم . حتى يذكر المعدة والأمعاء والذكر وغير ذلك مما يتعالى الله عز وجل عنه سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا . فإنه يقال لمن نفى ذلك مع إثبات الصفات الخبرية وغيرها من الصفات : ما الفرق بين هذا وما أثبته إذا نفيت التشبيه وجعلت مجرد نفي التشبيه كافيا في الإثبات فلا بد من إثبات فرق في نفس الأمر .". أستمع حفظ
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " فإن قال : العمدة في الفرق هو السمع فما جاء به السمع أثبته دون ما لم يجئ به السمع قيل له أولا : السمع هو خبر الصادق عما هو الأمر عليه في نفسه فما أخبر به الصادق فهو حق من نفي أو إثبات ; والخبر دليل على المخبر عنه والدليل لا ينعكس ; فلا يلزم من عدمه عدم المدلول عليه فما لم يرد به السمع يجوز أن يكون ثابتا في نفس الأمر وإن لم يرد به السمع ; إذا لم يكن نفاه ومعلوم أن السمع لم ينف هذه الأمور بأسمائها الخاصة فلا بد من ذكر ما ينفيها من السمع وإلا فلا يجوز حينئذ نفيها كما لا يجوز إثباتها .". وأيضا : فلا بد في نفس الأمر من فرق بين ما يثبت له وينفى فإن الأمور المتماثلة في الجواز والوجوب والامتناع يمتنع اختصاص بعضها دون بعض في الجواز والوجوب والامتناع فلا بد من اختصاص المنفي عن المثبت بما يخصه بالنفي ولا بد من اختصاص الثابت عن المنفي بما يخصه بالثبوت .".
إذا قال القائل : أنا أعتمد في ذلك على السمع . قيل له :
أولاً : السمع هو خبر الصادق عما هو الأمر عليه في نفسه ، السمع الذي يجب قبوله هو خبر الصادق عما هو عليه الأمر في نفس الأمر . في نفسه أي في نفس الأمر . مثل الذي أخبر الله عن نفسه أن له وجهاً فهذا خبر صادق عما هو الأمر عليه في نفس الأمر .
الأمر الواقع أن الله له وجهاً أخبر الله به عن نفسه فهو خبر ، ولكن الاعتماد على الخبر في هذا الأمر في الحقيقة مصادرة لأنه ما يكفي أن تقول هذا الكلام ، لأنك لو اعتمدت على مجرد السمع ما استطعت أن تنفي عن الله الأكل ، اللهم إلا إذا قلنا : (( وهو لا يُطعم ولا يطعم )) لكن ما تستطيع أن تنفي أن الله له أمعاء . فليس في القرآن ولا في السنة نفي الأمعاء عن الله ، ما في القرآن ولا في السنة نفي الأذن عن الله ، ما في القرآن ولا في السنة نفي السرة عن الله ولا إثباتها .
إذن انظر المؤلف ما يقول : " والخبر دليل على المخبر عنه " إذا أخبر الله عن شيء فإن هذا الخبر دليل على المخبر عنه " والدليل لا ينعكس " وش معنى لا ينعكس .؟ " فلا يلزم من عدمه عدم المدلول عليه " المعنى أننا إذا عدمنا الدليل على شيء ، والمراد الدليل المعين كما مر علينا في أول الكتاب ، هل يلزم من نفي الدليل المعين انتفاء المدلول .؟ لا ، لماذا لا يلزم .؟ لأنه قد يكون له دليل آخر سوى هذا الدليل ، وهذا كثير من مسائل العلم تجدون أن المسألة الواحدة لها عدة أدلة ، فإذا انتفى عنها دليل واحد من هذه الأدلة ثبتت بالدليل الآخر .
فنحن نقول الآن : إذا قدرنا أن السمع لم يرد بنفي هذه الصفات عن الله ، هو المؤلف يريد أن يركز في الرد على من يقول : أنا اعتمد على السمع فما أثبته أثبته وما نفاه نفيه ، فالسمع الآن ما ورد أنه نفى عن الله هذه الصفات التي أنكرناها عليهم مثل : الحزن والبكاء والرمد ، وكذلك أيضا التعب ، لكن التعب موجود في القرآن نفيه، الأمعاء الأذن هذه لم يرد نفيها ، لكن هل نقول لما لم يرد نفيها يجب ألا تكون منتفية عن الله ؟ ! لا ، لماذا .؟ يقول :
" لا يلزم من عدم الدليل عدم المدلول عليه فَمَا لَمْ يَرِدْ بِهِ السَّمْعُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَإِنْ لَمْ يَرِدْ بِهِ السَّمْعُ ، إذَا لَمْ يَكُنْ نَفَاهُ " ولكن إذا وجد في العقل ما يمنعه وجب أن نمنعه ، هذا الذي ذكرنا : الرمد والحزن والخوف ، أن الله يخاف ، هذا ما ورد به السمع، وما ورد نفيه بالسمع ، لكن هل نقول لما لم يرد به السمع بنفيه يجوز إثباته .؟ لا ، لأنه هناك دليل آخر عقلي يمنع وجوده .
" فمعلوم أن السمع لم ينفي هذه الأمور بأسمائها الخاصة فلابد من ذكر ما ينفيها من السمع وإلا فلا يجوز حينئذ نفيهما كما لا يجوز إثباتهما " ولكننا نقول كما تقرر من قبل إنه ما ورد أن السمع نفاها بأسمائها الخاصة لكن نفاها بالمعنى العام ، ما هو المعنى العام هو.؟
أن الله موصوف بصفات الكمال منزه عن صفات النقص ، فكلما اقتضى نقصاً أو حدوثاً فإن الله تعالى منزه عنه .
قال : " وَأَيْضًا : فَلَا بُدَّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مِنْ فَرْقٍ بَيْنَ مَا يُثْبَتُ لَهُ " يعني لله " وَيُنْفَى فَإِنَّ الْأُمُورَ الْمُتَمَاثِلَةَ فِي الْجَوَازِ وَالْوُجُوبِ وَالِامْتِنَاعِ يَمْتَنِعُ اخْتِصَاصُ بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ فِي الْجَوَازِ وَالْوُجُوبِ وَالِامْتِنَاعِ ، فَلَا بُدَّ مِنْ اخْتِصَاصِ الْمَنْفِيِّ عَنْ الْمُثْبِتِ بِمَا يَخُصُّهُ بِالنَّفْيِ وَلَا بُدَّ مِنْ اخْتِصَاصِ الثَّابِتِ عَنْ الْمَنْفِيِّ بِمَا يَخُصُّهُ بِالثُّبُوتِ " .
كما قال المؤلف لابد من فرق بين ما يثبت له وما ينفى عنه ، لابد أن نفرق وإلا وقعنا في حيرة ، والتفريق مداره كما أراد المؤلف ، مداره على الكمال والنقص ، فما اقتضى نقصاً فإنه ممنوع عن الله ، وما لم يقتض نقصاً فإنه ثابت لله .
لو قال قائل : أنا أثبت أن الله يحزن كما يفرح ، فماذا نقول له ؟ !
نقول لا ، والفرق بينهما ظاهر ، الفرح صفة كمال والحزن صفة نقص ، لماذا صفة نقص ؟!
لأن الحزين معناه أنه عاجز عن دفع ما نزل به ، لكن الفرح ليس فيه نقص أبداً ، بل هو دليل على كمال الفارح ، فإن الله إذا كان يفرح بتوبة عبده دليل على محبته للكرم والتوبة على عباده .
11 - تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " فإن قال : العمدة في الفرق هو السمع فما جاء به السمع أثبته دون ما لم يجئ به السمع قيل له أولا : السمع هو خبر الصادق عما هو الأمر عليه في نفسه فما أخبر به الصادق فهو حق من نفي أو إثبات ; والخبر دليل على المخبر عنه والدليل لا ينعكس ; فلا يلزم من عدمه عدم المدلول عليه فما لم يرد به السمع يجوز أن يكون ثابتا في نفس الأمر وإن لم يرد به السمع ; إذا لم يكن نفاه ومعلوم أن السمع لم ينف هذه الأمور بأسمائها الخاصة فلا بد من ذكر ما ينفيها من السمع وإلا فلا يجوز حينئذ نفيها كما لا يجوز إثباتها .". وأيضا : فلا بد في نفس الأمر من فرق بين ما يثبت له وينفى فإن الأمور المتماثلة في الجواز والوجوب والامتناع يمتنع اختصاص بعضها دون بعض في الجواز والوجوب والامتناع فلا بد من اختصاص المنفي عن المثبت بما يخصه بالنفي ولا بد من اختصاص الثابت عن المنفي بما يخصه بالثبوت .". أستمع حفظ