تتمة تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " فإن قال : العمدة في الفرق هو السمع فما جاء به السمع أثبته دون ما لم يجئ به السمع قيل له أولا : السمع هو خبر الصادق عما هو الأمر عليه في نفسه فما أخبر به الصادق فهو حق من نفي أو إثبات ; والخبر دليل على المخبر عنه والدليل لا ينعكس ; فلا يلزم من عدمه عدم المدلول عليه فما لم يرد به السمع يجوز أن يكون ثابتا في نفس الأمر وإن لم يرد به السمع ; إذا لم يكن نفاه ومعلوم أن السمع لم ينف هذه الأمور بأسمائها الخاصة فلا بد من ذكر ما ينفيها من السمع وإلا فلا يجوز حينئذ نفيها كما لا يجوز إثباتها .".
وأيضا : فلا بد في نفس الأمر من فرق بين ما يثبت له وينفى فإن الأمور المتماثلة في الجواز والوجوب والامتناع يمتنع اختصاص بعضها دون بعض في الجواز والوجوب والامتناع فلا بد من اختصاص المنفي عن المثبت بما يخصه بالنفي ولا بد من اختصاص الثابت عن المنفي بما يخصه بالثبوت .".
الشيخ : لو قال قائل : أنا أثبت أن الله يحزن كما يفرح ، فماذا نقول له ؟ ! نقول لا ، والفرق بينهما ظاهر ، الفرح صفة كمال والحزن صفة نقص ، لماذا صفة نقص ؟! لأن الحزين معناه أنه عاجز عن دفع ما نزل به ، لكن الفرح ليس فيه نقص أبداً ، بل هو دليل على كمال الفارح ، فإن الله إذا كان يفرح بتوبة عبده دليل على محبته للكرم والتوبة على عباده . لو قال قائل : إن الله يكره كما أنه يحب ، ماذا نقول ؟ ! نقول : نعم الكراهة وردت ليس فيها شيء ، قال تعالى : (( وَلَـكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ )) . وأيضا لو قال : لماذا لا تثبتون الحزن مثل ما أثبتم الكراهية ؟! نقول : الحزن يدل على ضعف الحزين والكراهية ما تدل على ضعف الكاره ، فالإنسان يكون كارها للشيء وهو أقوى ما يكون بالنسبة له ، أليس كذلك إذن الكراهية لا تقتضي النقص ولذلك ثبتت لله وهي ضد المحبة والحزن يقتضي النقص ولذلك وجب نفيه عن الله دون الفرح . فالفرق إذن بين ما نثبته لله من هذه الصفات وما ننفيه .؟ هو أن ما اقتضى النقص فهو منفي عن الله عقلاً وسمعاً . وما لم يقتض النقص بل اقتضى الكمال فهو ثابت لله تعالى عقلاً وسمعاً وإن لم ينص عليه بعينه . الطالب : ... . الشيخ : كل شيء يقتضى النقص فالله منزه عنه . الطالب : شيء لا يقتضي النقص .؟ الشيخ : وش يقتضي .؟ الطالب : كمالا غير وارد . الشيخ : نعم إذا كان يقتضي الكمال وهو غير وارد فإننا لا ننفيه عن الله ، ولكننا نتوقف في إثابته ونستفصل في معناه ، فهذه الأشياء نحن الآن لدينا قاعدة : ولكن الشيء بخصوصه بحيث نقول أثبت هذا لأنه يقتضي كمالاً ، قد يكون يقتضي كمالاً بحسب مفهومي أنا ولكنه في الواقع لا يقتضي كمالاً ، فالشيء الذي لم يرد في الكتاب ولا السنة وهو في نظري يقتضي كمالاً لا يجوز إثباته بعينه، لكني أقول إن كان كمالاً فهو ثابت لله وإن كان نقصاً فهو منزه عنه ، أما أني أثبته أنا لله فهذا لا يجوز لأنه يمكن أن أكون أنا أعتقد أنه كمال وهو في نفس الأمر ليس بكمال . الطالب : ... . الشيخ : لا ، أصلا لا يمكن أن يرد السمع إلا بما اقتضى كمالا. الطالب : قد يدعي مدعي أن إثبات اليد يستلزم التشبيه . الشيخ : لا ، هو إذا قال أن إثبات اليد يستلزم التشبيه نحن قلنا أن الاعتماد في الإثبات على نفي التشبيه لا يصح ، لأن التشبيه ربما يدّعي مدّعي أن هذا تشبيه ، وكذلك على نفي التجسيم لا يصح لأنه ربما يدعي مدع أن هذا تجسيم وليس كذلك . المهم أن ما ورد به الشرع إثباتاً أو نفياً هذا أمره معلوم لا يثبت الله لنفسه إلا ما هو كمال ولا ينفي إلا ما هو نقص ، ولكن بالنسبة لنا هل نقول لنا أن نثبت بدون تشبيه ؟! لا ، ما نثبت لله بدون تشبيه ، لأنه ما يثبت له إلا صفات كمال ، فإذا قال الإنسان : أنا اعتمد على السمع فما أثبته أثبته وما نفاه عن نفسه نفيه . قلنا له : وهذا أيضا غير كاف ، لأن الشرع أو السمع قد لا ينص على هذا المعنى بعينه وهو يكون منتفياً عن الله . فهل نفى الله عن نفسه الرمد .؟ ليس في القرآن ولا في السنة ذلك ، لكننا نعلم أنه منتف عن الله لأنه صفة نقص نعم . الطالب : ... . الشيخ : لكنه صفة كمال يستر نقصا ، فيكون هذا الكمال مكمل لنقص فيه ، والله سبحانه وتعالى لا يحتاج إلى تكميل ، بل نحن نعلم الآن أن امتناع اللباس عن الله سبحانه وتعالى بهذا السبب ، لأن كون اللباس كمالا في الإنسان من أجل أن الإنسان ناقص يحتاج إلى تكميله باللباس نعم . الطالب : ما هو السمع . الشيخ : السمع المقصود به القرآن والسنة . الطالب : " فلا بد من اختصاص المنفي عن المثبت بما يخصه بالنفي ولا بد من اختصاص الثابت عن المنفي بما يخصه بالثبوت " .؟ الشيخ : أي نعم ، أليس عندنا الأشياء قسمان و قسم مثبت وقسم منفي ، مثل ما قلنا قبل قليل : الكراهة والحزن ، الكراهة مثبتة والحزن منفي ، لابد من فرق يميز ليش هذا نفي وليش هذا أثبت .؟ فالنفي هنا نفي لأنه إذا أثبت كان نقصا ، والمثبت لأنه إذا نفي كان نقصا ، لأن كل ما أثبته الله لنفسه إذا انتفى صار نقصا ، واضح .؟
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وقد يعبر عن ذلك بأن يقال : لا بد من أمر يوجب نفي ما يجب نفيه عن الله كما أنه لا بد من أمر يثبت له ما هو ثابت وإن كان السمع كافيا كان مخبرا عما هو الأمر عليه في نفسه فما الفرق في نفس الأمر بين هذا وهذا ؟ فيقال : كلما نفي صفات الكمال الثابتة لله فهو منزه عنه فإن ثبوت أحد الضدين يستلزم نفي الآخر فإذا علم أنه موجود واجب الوجود بنفسه وأنه قديم واجب القدم علم امتناع العدم والحدوث عليه , وعلم أنه غني عما سواه . فالمفتقر إلى ما سواه في بعض ما يحتاج إليه لنفسه ليس هو موجودا بنفسه بل بنفسه وبذلك الآخر الذي أعطاه ما تحتاج إليه نفسه فلا يوجد إلا به . ".
الشيخ : طيب : " وَقَدْ يُعَبَّرُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنْ يُقَالَ : لَا بُدَّ مِنْ أَمْرٍ يُوجِبُ نَفْيَ مَا يَجِبُ نَفْيُهُ عَنْ اللَّهِ كَمَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَمْرٍ يُثْبِتُ لَهُ مَا هُوَ ثَابِتٌ ، وَإِنْ كَانَ السَّمْعُ كَافِيًا كَانَ مُخْبِرًا عَمَّا هُوَ الْأَمْرُ عَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ ، فَمَا الْفَرْقُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا ؟ " ... الآن المؤلف يريد أن يقرر الفرق " فَيُقَالُ : كُلَّ مَا نافى صِفَاتُ الْكَمَالِ الثَّابِتَةِ لِلَّهِ فَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنْهُ ، فَإِنَّ ثُبُوتَ أَحَدِ الضِّدَّيْنِ يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْآخَرِ فَإِذَا عُلِمَ أَنَّهُ مَوْجُودٌ وَاجِبُ الْوُجُودِ بِنَفْسِهِ وَأَنَّهُ قَدِيمٌ وَاجِبُ الْقِدَمِ ، عُلِمَ امْتِنَاعُ الْعَدَمِ وَالْحُدُوثِ عَلَيْهِ ، وَعُلِمَ أَنَّهُ غَنِيٌّ عَمَّا سِوَاهُ ". وش صار الجواب .؟ الجواب يقال : كل ما نافى صفات الكمال الثابتة لله فهو منزه عنه .هذا الضابط . مثاله : إذا علمنا أنه موجود واجب الوجود بنفسه . موجود هذه واحدة . واجب الوجوب هذه الثانية . بنفسه ثلاثة ، وأنه قديم واجب القدم علم امتناع العدم ، لأن العدم ضد الوجود ، والحدوث عليه ضد القدم ، وعلم أنه غني عما سواه ، من أين نأخذها .؟ من قوله : بنفسه ، فهو غني بنفسه عما سواه . لو قال قائل : هل يجوز الحدوث على الله . أن يكون حادثا ؟. لا . وش الدليل .؟ لأنه واجب الوجود ، ووجوب الوجود بنفسه صفة كمال، وتجويز الحدوث عليه أو افتقاره إلى غيره صفة نقص، فعلى هذا نعرف أن الحدوث أو افتقار الله إلى غيره ممتنع لأنه مناف لصفات الكمال الذي هو وجوب الوجود بنفسه . " فَالْمُفْتَقِرُ إلَى مَا سِوَاهُ فِي بَعْضِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِنَفْسِهِ لَيْسَ هُوَ مَوْجُودًا بِنَفْسِهِ بَلْ بِنَفَسِهِ وَبِذَلِكَ الْآخَرِ الَّذِي أَعْطَاهُ مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ نَفْسُهُ فَلَا يُوجَدُ إلَّا بِهِ . ". كالإنسان مثلا . الطالب : " لَيْسَ هُوَ مَوْجُودًا بِنَفْسِهِ بَلْ وجود بِنَفَسِهِ " عندي وجود زيادة . الشيخ : وش بعد .؟ الطالب : " وَبِذَلِكَ الْآخَرِ الَّذِي أَعْطَاهُ مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ نَفْسُهُ" . الشيخ : بس أنا الذي عندك إعادة العامل وهو واضح. على كل حال إن شاء الله تدرسونه جيدا ، لأن هذه البحوث عقلية إلا أن معناها العام هو أننا لا نعتمد في الإثبات أو النفي بما يثبت لله وينفى عنه . لا نعتمد على مجرد نفي التشبيه أو على الإثبات بلا تشبيه . والله أعلم .
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " فالمفتقر إلى ما سواه في بعض ما يحتاج إليه لنفسه ليس هو موجودا بنفسه بل بنفسه وبذلك الآخر الذي أعطاه ما تحتاج إليه نفسه فلا يوجد إلا به . وهو سبحانه غني عن كل ما سواه فكل ما نافى غناه فهو منزه عنه ; وهو سبحانه قدير قوي فكل ما نافى قدرته وقوته فهو منزه عنه وهو سبحانه حي قيوم فكل ما نافى حياته وقيوميته فهو منزه عنه . وبالجملة فالسمع قد أثبت له من الأسماء الحسنى وصفات الكمال ما قد ورد فكل ما ضاد ذلك فالسمع ينفيه كما ينفي عنه المثل والكفؤ فإن إثبات الشيء نفي لضده ولما يستلزم ضده والعقل يعرف نفي ذلك كما يعرف إثبات ضده فإثبات أحد الضدين نفي للآخر ولما يستلزمه . فطرق العلم بنفي ما ينزه عنه الرب متسعة لا يحتاج فيها إلى الاقتصار على مجرد نفي التشبيه والتجسيم كما فعله أهل القصور والتقصير الذين تناقضوا في ذلك وفرقوا بين المتماثلين حتى أن كل من أثبت شيئا احتج عليه من نفاه بأنه يستلزم التشبيه وكذلك احتج القرامطة على نفي جميع الأمور حتى نفوا النفي فقالوا : لا يقال لا موجود ولا ليس بموجود ولا حي ولا ليس بحي ; لأن ذلك تشبيه بالموجود أو المعدوم فلزم نفي النقيضين : وهو أظهر الأشياء امتناعا . ثم إن هؤلاء يلزمهم من تشبيهه بالمعدومات والممتنعات والجمادات أعظم مما فروا منه من التشبيه بالأحياء الكاملين فطرق تنزيهه وتقديسه عما هو منزه عنه متسعة لا تحتاج إلى هذا . ".
الشيخ : قال المؤلف : " فالمفتقر إلى ما سواه في بعض ما يحتاج إليه لنفسه ليس هو موجودا بنفسه بل بنفسه وبذلك الآخر الذي أعطاه ما تحتاج إليه نفسه فلا يوجد إلا به . وَهُوَ سُبْحَانَهُ غَنِيٌّ عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ فَكُلُّ مَا نَافَى غِنَاهُ فَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنْهُ ، وهو سبحانه قدير قوي فكل ما نافى قدرته وقوته فهو منزه عنه ". يعني لو قال أحد : إن الله تعالى يفتقر إلى كذا . إلى الأكل إلى الشرب إلى اللباس إلى النوم مثلاً . لقلنا : إن الله منزه عنه حتى وإن لم يرد في الشرع نفي ذلك . لأننا نعلم أن الله سبحانه وتعالى غني عما سواه . وافتقاره إلى هذه الأشياء ينافي غناه ، فكل ما نافى صفات كماله فهو منزه عنه . كذلك هو قدير قوي . لو قال لنا قائل : إن الله تعالى خلق السماوات والأرض فتعب كما قال اليهود ، قلنا هذا ممتنع . لأن التعب ينافي كمال القوة . فكلما نافى كمال الصفات فهو منزه عنه . حتى وإن لم يرد في قوله سبحانه وتعالى : (( وما مسنا من لغوب )) مثلا ، فإننا ننزهه عن اللغوب لأن ذلك ينافي كمال صفاته . يقول المؤلف : " وَهُوَ سُبْحَانَهُ حَيٌّ قَيُّومٌ فَكُلُّ مَا نَافَى حَيَاتَهُ وقيوميته فَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنْهُ " . إذا القاعدة فيما ينزه عنه الله ليس هذ بالجسم كما قال المعتزلة ، وليس هو تشبيه كما يقول من يقوله ويعتمدون على مجرد نفي التشبيه ، وإنما ينزه عن كل ينافي كمال صفاته . " وَبِالْجُمْلَةِ فَالسَّمْعُ قَدْ أَثْبَتَ لَهُ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِ الْكَمَالِ مَا قَدْ وَرَدَ ، فَكُلُّ مَا ضَادَّ ذَلِكَ فَالسَّمْعُ يَنْفِيه كَمَا يَنْفِي عَنْهُ الْمِثْلَ وَالْكُفُؤَ فَإِنَّ إثْبَاتَ الشَّيْءِ نَفْيٌ لِضِدِّهِ وَلِمَا يَسْتَلْزِمُ ضِدَّهُ وَالْعَقْلُ يَعْرِفُ نَفْيَ ذَلِكَ كَمَا يَعْرِفُ إثْبَاتَ ضِدِّهِ فَإِثْبَاتُ أَحَدِ الضِّدَّيْنِ نَفْيٌ لِلْآخَرِ ولما يستلزمه " . أظن أن هذا أيضا ليس فيه إشكال ، ليس فيه إشكال أننا إذا وصفنا الله بصفات الكمال ، فكل ما نافى صفات الكمال فالله منزه عنه ، والله تعالى قد وصف نفسه بصفات الكمال كما في الكتاب والسنة ، فكل ما نافى هذه الصفات الكاملة فإنه يجب أن ينزه الله عنه ، لماذا .؟ لأن إثبات الشيء نفي لضده ولما يستلزمه ذلك الضد . " فَطُرُقُ الْعِلْمِ بِنَفْيِ مَا يُنَزَّهُ عَنْهُ الرَّبُّ مُتَّسِعَةٌ لَا يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى الِاقْتِصَارِ عَلَى مُجَرَّدِ نَفْيِ التَّشْبِيهِ وَالتَّجْسِيمِ كَمَا فَعَلَهُ أَهْلُ الْقُصُورِ وَالتَّقْصِيرِ " . الفرق بين القصور والتقصير واضح ، القصور معناه أن الإنسان ليس لديه علم فهو قاصر . والتقصير عنده علم لكنه مقصر ، فهؤلاء عندهم قصور في العلم وعندهم تقصير في طلبه أيضا ، وأيهما أشد القصور أو التقصير.؟ التقصير أشد من القصور ، لأن التقصير من فعل الإنسان ، والقصور من غير فعله . قد يكون الإنسان قاصرا لا يستطيع الكمال ، وقد يكون يستطيع الكمال ولكنه مقصر في طلبه ، فهؤلاء عندهم قصور وعندهم أيضا تقصير بحيث لم يطلبوا ما يجب لله وما يمتنع عليه ، ما طلبوه من الكتاب والسنة ،من أين طلبوه ، طلبوه من عقولهم التي هي متناقضة كما مر علينا كثيرا ، فإذا هم أهل قصور وأهل تقصير . يقول رحمه الله تعالى : " الَّذِينَ تَنَاقَضُوا فِي ذَلِكَ وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ حَتَّى أَنَّ كُلَّ مَنْ أَثْبَتَ شَيْئًا احْتَجَّ عَلَيْهِ مَنْ نَفَاهُ بِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ التَّشْبِيهَ ، وَكَذَلِكَ احْتَجَّ الْقَرَامِطَةُ عَلَى نَفْيِ جَمِيعِ الْأُمُورِ حَتَّى نَفَوْا النَّفْيَ ، فَقَالُوا : لَا يُقَالُ لَا مَوْجُودَ وَلَا لَيْسَ بِمَوْجُودِ وَلَا حَيَّ وَلَا لَيْسَ بِحَيِّ ، لِأَنَّ ذَلِكَ تَشْبِيهٌ بِالْمَوْجُودِ أَوْ الْمَعْدُومِ فَلَزِمَ نَفْيُ النَّقِيضَيْنِ ، وَهُوَ أَظْهَرُ الْأَشْيَاءِ امْتِنَاعًا " وهذا مر علينا في أول الكلام أو لا .؟ مر علينا ، وبعضهم قال : لا أشبهه بالموجودات فلا أثبت له صفة وجود ، وبعضهم يقول لا أشبهه بالموجودات ولا بالمعدومات ، فأقول لا موجود ولا معدوم ، وتقدم أن هذا تشبيه له بالممتنعات . " ثُمَّ إنَّ هَؤُلَاءِ يَلْزَمُهُمْ مِنْ تَشْبِيهِهِ بِالْمَعْدُومَاتِ وَالْمُمْتَنِعَاتِ وَالْجَمَادَاتِ أَعْظَمُ مِمَّا فَرُّوا مِنْهُ مِنْ التَّشْبِيهِ بِالْأَحْيَاءِ الْكَامِلِينَ ، فَطُرُقُ تَنْزِيهِهِ وَتَقْدِيسِهِ عَمَّا هُوَ مُنَزَّهٌ عَنْهُ مُتَّسِعَةٌ لَا تَحْتَاجُ إلَى هَذَا " شف الآن المؤلف : طُرُقُ تَنْزِيهِهِ مُتَّسِعَةٌ ، تكررت في نصف صفحة تقريبا ، فالكلام في الكتاب هذا ، لو يجرد من التكرار لكان واضحا ، لكنه كما قلت لكم وأقوله أيضا ، إن هذا الكتاب فيه تكرار ، ولكن من عرف القواعد والأسس سهل عليه تصريف هذا التكرار ، لأن المؤلف رحمه الله تعالى لأجل إيضاح الأمور ينوع العبارات ، وإن كانت متكررة لأجل ترسخ في ذهن السامع .
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وقد تقدم أن نفي ما ينفى عنه - سبحانه - النفي المتضمن للإثبات إذ مجرد النفي لا مدح فيه ولا كمال فإن المعدوم يوصف بالنفي والمعدوم لا يشبه الموجودات وليس هذا مدحا له لأن مشابهة الناقص في صفات النقص نقص مطلقا كما أن مماثلة المخلوق في شيء من الصفات تمثيل وتشبيه ينزه عنه الرب تبارك وتعالى والنقص ضد الكمال ; وذلك مثل أنه قد علم أنه حي والموت ضد ذلك فهو منزه عنه ; وكذلك النوم والسنة ضد كمال الحياة فإن النوم أخو الموت وكذلك اللغوب نقص في القدرة والقوة والأكل والشرب ونحو ذلك من الأمور فيه افتقار إلى موجود غيره كما أن الاستعانة بالغير والاعتضاد به ونحو ذلك تتضمن الافتقار إليه والاحتياج إليه . وكل من يحتاج إلى من يحمله أو يعينه على قيام ذاته وأفعاله فهو مفتقر إليه ليس مستغنيا عنه بنفسه فكيف من يأكل ويشرب والآكل والشارب أجوف والمصمت الصمد أكمل من الآكل والشارب ولهذا كانت الملائكة صمدا لا تأكل ولا تشرب وقد تقدم أن كل كمال ثبت لمخلوق فالخالق أولى به وكل نقص تنزه عنه المخلوق فالخالق أولى بتنزيهه عن ذلك . والسمع قد نفى ذلك في غير موضع كقوله تعالى : (( الله الصمد )) والصمد الذي لا جوف له ولا يأكل ولا يشرب وهذه السورة هي نسب الرحمن أو هي الأصل في هذا الباب وقال في حق المسيح وأمه : (( ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام )) فجعل ذلك دليلا على نفي الألوهية فدل ذلك على تنزيهه عن ذلك بطريق الأولى والأحرى والكبد والطحال ونحو ذلك : هي أعضاء الأكل والشرب فالغني المنزه عن ذلك : منزه عن آلات ذلك بخلاف اليد فإنها للعمل والفعل وهو سبحانه موصوف بالعمل والفعل ; إذ ذاك من صفات الكمال ; فمن يقدر أن يفعل أكمل ممن لا يقدر على الفعل .".
الشيخ :" وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ نفي مَا يُنْفَى عَنْهُ - سُبْحَانَهُ - نَّفْي مُتَضَمِّن للنفي والإِثْبَاتِ إذْ مُجَرَّدُ النَّفْيِ لَا مَدْحَ فِيهِ وَلَا كَمَالَ " هذا تقدم لنا أيضا ، أن النفي ـ ما نفاه الله عن نفسه ـ فهو نفي متضمن للإثبات ، لأن مجرد النفي ليس مدحاً ، وقد قلنا فيما سبق إن النفي قد يكون لكون الشيء غير قابل له، كما لو قلت : الجدار لا يظلم ، وقد يكون النفي لضعف في المنفي عنه ، مثل قول الشاعر : " قبيلة لا يغدرون بذمة *** ولا يظلمون الناس حبة خردل " فتجد أن نفي الغدر ونفي الظالم هنا مدح أو ذم .؟ ذم . فإذا النفي المجرد ليس مدحاً ، والله سبحانه وتعالى ليس له من الصفات إلا الكاملة ، وما ليس مدحاً فليس بكمال ، وعلى هذا فلا يمكن أن يكون في صفات الله نفي مجرد ، ما يمكن أن يكون في صفات الله نفي مجرد . عندما نقول : (( وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً )) عندما نقرأ هذه الآية لماذا .؟ الطالب : لكمال عدله . الشيخ : يجب أن نقول لكمال العدل . لا لأنه عاجر عن الظالم ، ولا لأنه غير قادر له . أليس كذلك ، فتبين لنا أنه لا يوجد في صفات الله نفي مجرد ، والمؤلف علله هنا وعلله سابقا ، بأن مجرد النفي لا مدح فيه ولا كمال ، مجرد النفي هكذا ما يدل على كمال ولا هو مدح أيضا . " فَإِنَّ الْمَعْدُومَ يُوصَفُ بِالنَّفْيِ ، وَالْمَعْدُومَ لَا يُشْبِهُ الْمَوْجُودَاتِ وَلَيْسَ هَذَا مَدْحًا لَهُ لِأَنَّ مُشَابَهَةَ النَّاقِصِ فِي صِفَاتِ النَّقْصِ نَقْصٌ مُطْلَقًا ، كَمَا أَنَّ مُمَاثَلَةَ الْمَخْلُوقِ فِي شَيْءٍ مِنْ الصِّفَاتِ تَمْثِيلٌ وَتَشْبِيهٌ يُنَزَّهُ عَنْهُ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ". أرجو أنه فهمنا الآن . فهمنا من كلام المؤلف أن الله تعالى لا يوجد في صفاته نفي مجرد حتى يكون هذا النفي متضمناً للكمال ، وذلك لأن النفي المجرد ليس فيه مدح وليس فيه كمال كما سبقت الإشارة إليه . قال : " وَالنَّقْصُ ضِدُّ الْكَمَالِ ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنَّهُ قَدْ عُلِمَ أَنَّهُ حَيٌّ وَالْمَوْتُ ضِدُّ ذَلِكَ فَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنْهُ ، وَكَذَلِكَ النَّوْمُ وَالسِّنَةُ ضِدَّ كَمَالِ الْحَيَاةِ فَإِنَّ النَّوْمَ أَخُو الْمَوْتِ وَكَذَلِكَ اللُّغُوبُ نَقْصٌ فِي الْقُدْرَةِ وَالْقُوَّةِ ، وَالْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ فِيهِ افْتِقَارٌ إلَى مَوْجُودٍ غَيْرِهِ ، كَمَا أَنَّ الِاسْتِعَانَةَ بِالْغَيْرِ وَالِاعْتِضَادَ بِهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ تَتَضَمَّنُ الِافْتِقَارَ إلَيْهِ وَالِاحْتِيَاجَ إلَيْهِ ". وقد قال الله تبارك وتعالى : (( قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير )) . من ظهير يعين معين . وذلك لأنه مستغن عن غيره فلا يحتاج إلى معين ولا إلى شريك ولا إلى أحد يساعد على خلقه . " وَكُلُّ مَنْ يَحْتَاجُ إلَى مَنْ يَحْمِلُهُ أَوْ يُعِينُهُ عَلَى قِيَامِ ذَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ فَهُوَ مُفْتَقِرٌ إلَيْهِ لَيْسَ مُسْتَغْنِيًا عَنْهُ بِنَفْسِهِ ، فَكَيْفَ مَنْ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ وَالْآكِلُ وَالشَّارِبُ أَجْوَفُ ، وَالْمُصْمَتُ الصَّمَدُ أَكْمَلُ مِنْ الْآكِلِ وَالشَّارِبِ ، وَلِهَذَا كَانَتْ الْمَلَائِكَةُ صمدا لَا تَأْكُلُ وَلَا تَشْرَبُ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ كُلَّ كَمَالٍ ثَبَتَ لِمَخْلُوقِ فَالْخَالِقُ أَوْلَى بِهِ ، وَكُلُّ نَقْصٍ تَنَزَّهَ عَنْهُ الْمَخْلُوقُ فَالْخَالِقُ أَوْلَى بِتَنْزِيهِهِ عَنْ ذَلِكَ " شف: وَكُلُّ نَقْصٍ ينَزَّهَ عَنْهُ الْمَخْلُوقُ ، ما قال : كل ما يجب أن ينزه عنه مخلوق، لأنه مر علينا أن من صفات الله ما لا يجوز للمخلوق أن يتصف به مثل المتكبر . " وَالسَّمْعُ قَدْ نَفَى ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (( اللَّهُ الصَّمَدُ )) وَالصَّمَدُ الَّذِي لَا جَوْفَ لَهُ وَلَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ وَهَذِهِ السُّورَةُ هِيَ نَسَبُ الرَّحْمَنِ أَوْ هِيَ الْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ ". هي نسب الرحمن ، لأن المشركين قالوا : يا محمد انسب لنا ربك ، من أين هو من أي قبيلة من أي ناس .؟ فأنزل الله سبحانه وتعالى : (( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ )) . " وَقَالَ فِي حَقِّ الْمَسِيحِ وَأُمِّهِ : (( مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ )) فَجَعَلَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى نَفْيِ الْأُلُوهِيَّةِ ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى تَنْزِيهِهِ عَنْ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى ، وَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ وَنَحْوُ ذَلِكَ هِيَ أَعْضَاءُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَالْغَنِيُّ الْمُنَزَّهُ عَنْ ذَلِكَ مُنَزَّهٌ عَنْ آلَاتِ ذَلِكَ ، بِخِلَافِ الْيَدِ فَإِنَّهَا لِلْعَمَلِ وَالْفِعْلِ وَهُوَ سُبْحَانَهُ مَوْصُوفٌ بِالْعَمَلِ وَالْفِعْلِ ، إذْ ذَاكَ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ ، فَمَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَفْعَلَ أَكْمَلُ مِمَّنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْفِعْلِ . ". طيب إذا مثلا لو قال قائل : هل يجوز أن نثبت لله أمعاء وكبداً ومعدة وما أشبه ذلك ؟ نقول : لا يجوز هذا ، لأن هذه إنما هي للأكل والشرب أوعية الأكل والشرب ، والله سبحانه وتعالى لا يأكل ولا يشرب ، فليس بحاجة إلى هذا . لا إلى الأكل ولا إلى الشرب ولا إلى آلتهما . بخلاف اليد ، اليد فيجوز أن نثبت لله ، بل يجب أن نثبت لله لأنها آلة الفعل ، والله سبحانه وتعالى يفعل ويعمل : (( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً )) وقال تعالى : (( وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ )) .
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وهو سبحانه منزه عن الصاحبة والولد وعن آلات ذلك وأسبابه وكذلك البكاء والحزن : هو مستلزم الضعف والعجز الذي ينزه عنه سبحانه ; بخلاف الفرح والغضب : فإنه من صفات الكمال فكما يوصف بالقدرة دون العجز وبالعلم دون الجهل وبالحياة دون الموت وبالسمع دون الصمم وبالبصر دون العمى وبالكلام دون البكم : فكذلك يوصف بالفرح دون الحزن وبالضحك دون البكاء ونحو ذلك . وأيضا فقد ثبت بالعقل ما أثبته السمع من أنه سبحانه لا كفؤ له ولا سمي له وليس كمثله شيء فلا يجوز أن تكون حقيقته كحقيقة شيء من المخلوقات ولا حقيقة شيء من صفاته كحقيقة شيء من صفات المخلوقات فيعلم قطعا أنه ليس من جنس المخلوقات لا الملائكة ولا السموات ولا الكواكب ولا الهواء ولا الماء ولا الأرض ولا الآدميين ولا أبدانهم ولا أنفسهم ولا غير ذلك بل يعلم أن حقيقته عن مماثلات شيء من الموجودات أبعد من سائر الحقائق وأن مماثلته لشيء منها أبعد من مماثلة حقيقة شيء من المخلوقات لحقيقة مخلوق آخر فإن الحقيقتين إذا تماثلتا : جاز على كل واحدة ما يجوز على الأخرى ووجب لها ما وجب لها . فيلزم أن يجوز على الخالق القديم الواجب بنفسه ما يجوز على المحدث المخلوق من العدم والحاجة وأن يثبت لهذا ما يثبت لذلك من الوجوب والفناء فيكون الشيء الواحد واجبا بنفسه غير واجب بنفسه موجودا معدوما وذلك جمع بين النقيضين وهذا مما يعلم به بطلان قول المشبهة الذين يقولون : بصر كبصري أو يد كيدي ونحو ذلك تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا وليس المقصود هنا استيفاء ما يثبت له ولا ما ينزه عنه واستيفاء طرق ذلك ; لأن هذا مبسوط في غير هذا الموضع . وإنما المقصود هنا التنبيه على جوامع ذلك وطرقه وما سكت عنه السمع نفيا وإثباتا ولم يكن في العقل ما يثبته ولا ينفيه سكتنا عنه فلا نثبته ولا ننفيه . فنثبت ما علمنا ثبوته وننفي ما علمنا نفيه ونسكت عما لا نعلم نفيه ولا إثباته والله أعلم .".
الشيخ : يقول : " وَهُوَ سُبْحَانَهُ مُنَزَّهٌ عَنْ الصَّاحِبَةِ وَالْوَلَدِ وَعَنْ آلَاتِ ذَلِكَ وَأَسْبَابِهِ وَكَذَلِكَ الْبُكَاءُ وَالْحُزْنُ : هُوَ مُسْتَلْزِمٌ الضَّعْفَ وَالْعَجْزَ الَّذِي يُنَزَّهُ عَنْهُ سُبْحَانَهُ ، بِخِلَافِ الْفَرَحِ وَالْغَضَبِ : فَإِنَّهُ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ فَكَمَا يُوصَفُ بِالْقُدْرَةِ دُونَ الْعَجْزِ وَبِالْعِلْمِ دُونَ الْجَهْلِ وَبِالْحَيَاةِ دُونَ الْمَوْتِ وَبِالسَّمْعِ دُونَ الصَّمَمِ وَبِالْبَصَرِ دُونَ الْعَمَى وَبِالْكَلَامِ دُونَ الْبُكْمِ ، فَكَذَلِكَ يُوصَفُ بِالْفَرَحِ دُونَ الْحُزْنِ وَبِالضَّحِكِ دُونَ الْبُكَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ . وَأَيْضًا فَقَدْ ثَبَتَ بِالْعَقْلِ مَا أَثْبَتَهُ السَّمْعُ مِنْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا كُفُؤَ لَهُ وَلَا سَمِيَّ لَهُ وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ حَقِيقَتُهُ كَحَقِيقَةِ شَيْءٍ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ وَلَا حَقِيقَةِ شَيْءٍ مِنْ صِفَاتِهِ كَحَقِيقَةِ شَيْءٍ مِنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقَاتِ ، فَيُعْلَمُ قَطْعًا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْمَخْلُوقَاتِ لَا الْمَلَائِكَةِ وَلَا السَّمَوَاتِ وَلَا الْكَوَاكِبِ وَلَا الْهَوَاءِ وَلَا الْمَاءِ وَلَا الْأَرْضِ وَلَا الْآدَمِيِّينَ وَلَا أَبْدَانِهِمْ وَلَا أَنْفُسِهِمْ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ بَلْ يَعْلَمُ أَنَّ حَقِيقَتَهُ عَنْ مُمَاثَلَاتِ شَيْءٍ مِنْ الْمَوْجُودَاتِ أَبْعَدُ مِنْ سَائِرِ الْحَقَائِقِ ، وَأَنَّ مُمَاثَلَتَهُ لِشَيْءِ مِنْهَا أَبْعَدُ مِنْ مُمَاثَلَةِ حَقِيقَةِ شَيْءٍ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ لِحَقِيقَةِ مَخْلُوقٍ آخَرَ ، فَإِنَّ الْحَقِيقَتَيْنِ إذَا تَمَاثَلَتَا جَازَ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مَا يَجُوزُ عَلَى الْأُخْرَى وَوَجَبَ لَهَا مَا وَجَبَ لَهَا . فَيَلْزَمُ أَنْ يَجُوزَ عَلَى الْخَالِقِ الْقَدِيمِ الْوَاجِبِ بِنَفْسِهِ مَا يَجُوزُ عَلَى الْمُحْدَثِ الْمَخْلُوقِ مِنْ الْعَدَمِ وَالْحَاجَةِ، وَأَنْ يُثْبَتَ لِهَذَا مَا يُثْبَتُ لِذَلِكَ مِنْ الْوُجُوبِ وَالْفَنَاءِ ، فَيَكُونُ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ وَاجِبًا بِنَفْسِهِ غَيْرَ وَاجِبٍ بِنَفْسِهِ مَوْجُودًا مَعْدُومًا وَذَلِكَ جَمْعٌ بَيْنُ النَّقِيضَيْنِ ، وَهَذَا مِمَّا يُعْلَمُ بِهِ بُطْلَانُ قَوْلِ الْمُشَبِّهَةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ : بَصَرٌ كَبَصَرِي أَوْ يَدٌ كَيَدِي وَنَحْوِ ذَلِكَ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ قَوْلِهِمْ عُلُوًّا كَبِيرًا ، وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ هُنَا اسْتِيفَاءَ مَا يَثْبُتُ لَهُ وَلَا مَا يُنَزَّهُ عَنْهُ وَاسْتِيفَاءَ طُرُقِ ذَلِكَ ، لِأَنَّ هَذَا مَبْسُوطٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ . وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ هُنَا التَّنْبِيهُ عَلَى جَوَامِعِ ذَلِكَ وَطُرُقِهِ وَمَا سَكَتَ عَنْهُ السَّمْعُ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا وَلَمْ يَكُنْ فِي الْعَقْلِ مَا يُثْبِتُهُ وَلَا يَنْفِيه سَكَتْنَا عَنْهُ فَلَا نُثْبِتُهُ وَلَا نَنْفِيه . فَنُثْبِتُ مَا عَلِمْنَا ثُبُوتَهُ وَنَنْفِي مَا عَلِمْنَا نَفْيَهُ وَنَسْكُتُ عَمَّا لَا نَعْلَمُ نَفْيَهُ وَلَا إثْبَاتَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ". طيب . عندي : وإنك لتجد في شرح العقيدة الطحاوية التفصيل ما أجمله شيخ الإسلام في هذه الرسالة ، فانظر الطبعة الجديدة من هذا الشرح القيم ، وقد جرى تحقيقها على مخطوطات نادرة ، وخرّج أحاديثها محدث الديار الشامية ، الشيخ ناصر الدين الألباني . المؤلف رحمه الله تعالى أطال في هذه القاعدة السادسة ، ولكنّ خلاصتها كما قلنا وسبق لنا ، أخذت منا أربع محاضرات ، هي أن نقول : إنه لا يجوز الاعتماد في نفي أو إثبات صفات الله على مجرد نفي التشبيه أو الإثبات بلا تشبيه ، ما يجوز أن نعتمد على هذا ، وذلك لأن كل من هاتين القاعدتين مثلاً يرد عليها ما يرد مما ذكره المؤلف ، لأنك إذا قلت أعتمد على مجرد نفي التشبيه . ادّعى أحد من الذين ينكرون الصفات بأن هذا تشبيه فنفوه . وأيضا إذا قلت : أعتمد على مجرد نفي التشبيه . فإنك تقول : الله ليس له حياة لأن الإنسان له حياة ، وليس بصر لأن الإنسان له بصر ، كذلك إذا اعتمدت على مجرد الإثبات بدون تشبيه يلزمك على هذا أن تثبت بأن الله .؟ إذا قلت أعتمد على مجرد الإثبات بدون تشبيه يلزمك .؟ أن تصفه بصفات النقص بدون تشبيه ، فتقول : يأكل لا كأكل المخلوقين وينام لا كنوم المخلوقين وهكذا . وهذا أيضاً ممتنع . إذا ما هو الاعتماد الصحيح على ما يجب إثباته ونفيه ، أن نقول هو الكمال والنقص ، وقد ورد في السمع في آيات كثيرة بإثبات الكمال له وورد أيضاً بنفي النقائض عنه . ثم العقل ـ كما قال المؤلف في الأخير ـ يثبت الكمال لله على سبيل الإطلاق لا على سبيل التفضيل ، وينفي النقص على سبيل الإطلاق أيضاً لا على سبيل التفصيل. طيب ما ورد إثباته من صفات الكمال فإننا نقول يجب نفي ضده من صفات النقص ، فإذا ورد السمع بأنه سميع، يجب نفي الصمم . بصير يجب نفي العمى . يعني ليس في القرآن ولا في السنة أن الله ليس بأعمى، لكنه ورد أنه بصير والبصر صفة كمال وضده العمى صفة النقص ، إذا فالعمى منتفي عن الله بدلالة السمع وبدلالة العقل ، دلالة السمع لأن الله أثبت لنفسه البصر، ودلالة العقل لأن العمى نقص ، والله تعالى منزه عنه .
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " القاعدة السابعة أن يقال : إن كثيرا مما دل عليه السمع يعلم بالعقل أيضا والقرآن يبين ما يستدل به العقل ويرشد إليه وينبه عليه ; كما ذكر الله ذلك في غير موضع . فإنه سبحانه وتعالى : بين من الآيات الدالة عليه وعلى وحدانيته وقدرته وعلمه وغير ذلك : ما أرشد العباد إليه ودلهم عليه ; كما بين أيضا ما دل على نبوة أنبيائه ; وما دل على المعاد وإمكانه فهذه المطالب هي شرعية من جهتين : - من جهة أن الشارع أخبر بها . ومن جهة أنه بين الأدلة العقلية التي يستدل بها عليها والأمثال المضروبة في القرآن هي أقيسة عقلية . وقد بسط في غير هذا الموضع وهي أيضا عقلية من جهة أنها تعلم بالعقل أيضا .".
الشيخ : طيب : " الْقَاعِدَةُ السَّابِعَةُ أَنْ يُقَالَ : إنَّ كَثِيرًا مِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ السَّمْعُ " . والسمع سألني أحدهم عنه أمس ، وقلت له : إنه هو الكتاب والسنة، وسمي سمعاً لأنه يسمع ، ليس للعقل فيه مجال إنما يدرك بالسمع يسمعه الناس بعضهم من بعض . يقول : " أَنْ يُقَالَ : إنَّ كَثِيرًا مِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ السَّمْعُ يُعْلَمُ بِالْعَقْلِ أَيْضًا ، وَالْقُرْآنُ يُبَيِّنُ مَا يَسْتَدِلُّ بِهِ الْعَقْلُ وَيُرْشِدُ إلَيْهِ وَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ ، كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ " انتبه للقاعدة الآن : " إنَّ كَثِيرًا مِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ السَّمْعُ يُعْلَمُ بِالْعَقْلِ أَيْضًا " هذا صحيح ، كثير مما دل عليه السمع يعلم بالعقل . فمثلاً كون الله تبارك وتعالى سميعاً بصيراً عليماً قادراً إلى آخره هذا دل عليه السمع ، ويدل عليه العقل ، ولهذا استدل إبراهيم على أبيه بأن الأصنام لا تصلح أن تكون إلهاً بقوله : (( يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً )) هذا استدلال عقلي على أبيه ، الذي لا يسمع ولا يبصر ولا يغني شيئا لضعفه وعجزه لا يمكن أن يعبد . طيب استواء الله على العرش دل عليه السمع ولكن لم يدل عليه العقل ، يعني لولا أن الله أخبرنا أنه استوى على العرش ما علمنا أنه استوى على العرش . العلو دل عليه السمع ودل عليه العقل ، لأن الرب لا ينبغي أن يكون في أسفل ، بل لابد أن يكون عالياً . وبهذا عرفنا أن المؤلف احتاط قال : " إن كثيراً مما دل عليه السمع " ولم يقل إن ما دل عليه السمع ، لأن في صفات الله مما دل عليه السمع ما لم يدل عليه العقل . وش الذي خرج من كلمة كثيراً .؟ خرج به أن شيئا مما دل عليه السمع لا يدل عليه العقل ، وبأي شيء تمثل لو طلب منك .؟ كالاستواء على العرش ، وإثبات اليد مثلا لله ، والنزول إلى السماء الدنيا ، هذا ما دل عليه العقل لكن دل عليه السمع . طيب نعم . الطالب : ... . الشيخ : ... خمسة عشر صفحة ساقطة منك ، الظاهر يخلف الله عليك ، اشترك مع الأخ . قال : " أَنْ يُقَالَ : إنَّ كَثِيرًا مِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ السَّمْعُ يُعْلَمُ بِالْعَقْلِ أَيْضًا ، وَالْقُرْآنُ يُبَيِّنُ مَا يَسْتَدِلُّ بِهِ الْعَقْلُ وَيُرْشِدُ إلَيْهِ وَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ ، كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بَيَّنَ مِنْ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ وَعَلَى وَحْدَانِيِّتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَعِلْمِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مَا أَرْشَدَ الْعِبَادَ إلَيْهِ وَدَلَّهُمْ عَلَيْهِ ، كَمَا بَيَّنَ أَيْضًا مَا دَلَّ عَلَى نُبُوَّةِ أَنْبِيَائِهِ ، وَمَا دَلَّ عَلَى الْمُعَادِ وَإِمْكَانِهِ ، فَهَذِهِ الْمَطَالِبُ هِيَ شَرْعِيَّةٌ مِنْ جِهَتَيْنِ : - مِنْ جِهَةِ أَنَّ الشَّارِعَ أَخْبَرَ بِهَا . - وَمِنْ جِهَةِ أَنَّهُ بَيَّنَ الْأَدِلَّةَ الْعَقْلِيَّةَ الَّتِي يَسْتَدِلُّ بِهَا عَلَيْهَا ..." إلى آخره . نقول هذا المطالب ، يعني بالمطالب : ما يطلب من إثبات صفات الله تعالى أو نفيها عنه ، يقول هي شرعية من جهتين : أولاً : من جهة أن الشرع أخبر بها ، فكل ما أخبر به الشرع من صفات الله فإنه شرعي بلا شك ، والثاني : أنه بيّن الأدلة العقلية التي يستدل بها عليها ، مثال ذلك ببيانه : " وَالْأَمْثَالُ الْمَضْرُوبَةُ فِي الْقُرْآنِ هِيَ أَقْيِسَةٌ عَقْلِيَّةٌ ، وَقَدْ بُسِطَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ، وَهِيَ أَيْضًا عَقْلِيَّةٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا تُعْلَمُ بِالْعَقْلِ أَيْضًا " صارت هذه المطالب شرعية من جهتين : الجهة الأولى : ان الشرع أخبر بها . والجهة الثانية : أن الشرع بيّن الأدلة العقلية الدالة عليها وذلك مثل الأمثال المضروبة . الأمثال المضروبة هي أقيسة عقلية ، مثلاً ضرب الله مثلاً بقدرته على إحياء الموتى بأنه يحي الأرض بعد موتها وقال : (( إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى )) فهذا قياس عقلي أو لا .؟ عقلي ، يعني الأرض تأتيها يابسة هامدة ، أشجارها تتكسر ، ما فيها شيء فينزل عليها المطر فإذا هي رابية تهتز ، أليس في هذا دليل على قدرة الله على إحياء الموتى .؟ بلى فيه دليل . طيب كون الشارع يرشدنا إلى الاستدلال بهذا القياس العقلي ، هذا إرشاد شرعي ، فهذه المطالب نقول إنها شرعية من وجهين : الوجه الأول يا جماعة ، ترى هذه قاعدة يجب أن نفهمها قبل كل شيء : القاعدة هذه ، يقول المؤلف إن كثيرا مما أخبر به السمع من صفات الله دل عليه العقل ، إذا فهذه المطالب التي هي أسماء الله وصفاته أو ما يجب أن يثبت أو ينفى عن الله ، هي شرعية وعقلية ، شرعية من وجهين : الوجه الأول : أن الشرع أخبر بها . الوجه الثاني : أنه أرشد إلى الاستدلال بالعقل عليها . يعني قال انظروا . نعم . طيب هذا الاستدلال إذا قيل ما مثاله .؟ نقول مثاله الأمثال المضروبة . المشركون اتخذوا إلها مع الله أو لا .؟ اتخذوا إلها مع الله هذا ممتنع لأنه نقص : (( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ )) هذا مثال للموحد وللمشرك ، فالموحد السلم لرجل ، والمشرك الذي فيه شركاء متشاكسون ، إذا هنا استدل على وحدانية الله بمثل مضروب . معنى ذلك أن هذا من الأدلة الشرعية لكنها بواسطة العقل الذي أرشد الشرع إليه . أرجو أن تضبطوا هذه القاعدة الآن ، هذه المطالب ونعني بالمطالب ما يجب أن يثبت أو ينفى عن الله ، شرعية عقلية ، شرعية من جهتين : أن الشرع أخبر بها . ثانيا : أن الشرع أرشد إلى إثباتها بالطريق العقلي . وهي أيضا عقلية يقول المؤلف " وهي عقلية من جهة أنها تعلم بالعقل أيضاً " . ذكرنا قبل قليل أن سمع الله وبصره وعلمه وقدرته ... إلى آخره ، تعلم بالشرع وتعلم أيضا بالعقل ، فالمؤلف إذا قال : إن هذه المطالب شرعية وعقلية ، شرعية من جهة أن الشرع أخبر بها وأرشد إلى الاستدلال بالعقل عليها، وعقليه من جهة أن العقل أيضاً يدل عليها .
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وكثير من أهل الكلام يسمي هذه الأصول العقلية لاعتقاده أنها لا تعلم إلا بالعقل فقط فإن السمع هو مجرد إخبار الصادق وخبر الصادق الذي هو النبي لا يعلم صدقه إلا بعد العلم بهذه الأصول بالعقل ثم إنهم قد يتنازعون في الأصول التي تتوقف إثبات النبوة عليها . فطائفة تزعم أن تحسين العقل وتقبيحه داخل في هذه الأصول وأنه لا يمكن إثبات النبوة بدون ذلك ويجعلون التكذيب بالقدر مما ينفيه العقل . و طائفة تزعم أن حدوث العالم من هذه الأصول وأن العلم بالصانع لا يمكن إلا بإثبات حدوثه وإثبات حدوثه لا يمكن إلا بحدوث الأجسام , وحدوثها يعلم إما بحدوث الصفات , وإما بحدوث الأفعال القائمة بها فيجعلون نفي أفعال الرب ونفي صفاته من الأصول التي لا يمكن إثبات النبوة إلا بها .".
الشيخ : ثم استمر المؤلف : " وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ يُسَمِّي هَذِهِ الْأُصُولُ الْعَقْلِيَّةُ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّهَا لَا تُعْلَمُ إلَّا بِالْعَقْلِ فَقَطْ " الأصول العقلية يعني ما يجب إثباتها أو نفيها عن الله يسميه بالأصول العقلية ، لأنه يزعم أنها لا تثبت إلا بالعقل لا تعلم إلا بالعقل فقط . " فَإِنَّ السَّمْعَ هُوَ مُجَرَّدُ إخْبَارِ الصَّادِقِ وَخَبَرُ الصَّادِقِ الَّذِي هُوَ النَّبِيُّ لَا يُعْلَمُ صِدْقُهُ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِهَذِهِ الْأُصُولِ بِالْعَقْلِ " وسيبين المؤلف خطأ هذه الطريقة ، وأن القول بأن هذا لا يعلم إلا بالعقل ، ووجه أن ذلك لا يعلم إلا بالعقل .؟ يقولون : لأن هذه ثبتت بخبر النبي ، فصفات الله المثبتة والمنفية ثبتت بأخبار الأنبياء ، الأنبياء لا نعلم أنهم أنبياء إلا بعد دلالة العقل على نبوتهم ، ولهذا ما أرسل الله نبياً إلا جعل له آيات يستدل بها الناس على نبوته ، وطبعا الاستدلال بالعقل ، فهم يقولون هذه عقلية لأنها جاءت من طريق النبي ، والنبي لا يعلم أنه نبي إلا بطريق العقل ، وسيتبين ضعف قولهم هذا . " ثُمَّ إنَّهُمْ قَدْ يَتَنَازَعُونَ فِي الْأُصُولِ الَّتِي تَتَوَقَّفُ إثْبَاتُ " يتوقف هذا الصواب ، لأن إثبات مذكر " الَّتِي يَتَوَقَّفُ إثْبَاتُ النُّبُوَّةِ عَلَيْهَا . فَطَائِفَةٌ تَزْعُمُ : أَنَّ تَحْسِينَ الْعَقْلِ وَتَقْبِيحَهُ دَاخِلٌ فِي هَذِهِ الْأُصُولِ ، وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ النُّبُوَّةِ بِدُونِ ذَلِكَ ، وَيَجْعَلُونَ التَّكْذِيبَ بِالْقَدَرِ مِمَّا يَنْفِيهِ الْعَقْلُ . وطَائِفَةٌ تَزْعُمُ أَنَّ حُدُوثَ الْعَالَمِ مِنْ هَذِهِ الْأُصُولِ وَأَنَّ الْعِلْمَ بِالصَّانِعِ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِإِثْبَاتِ حُدُوثِهِ ، وَإِثْبَاتِ حُدُوثِهِ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِحُدُوثِ الْأَجْسَامِ ، وَحُدُوثُهَا يُعْلَمُ إمَّا بِحُدُوثِ الصِّفَاتِ ، وَإِمَّا بِحُدُوثِ الْأَفْعَالِ الْقَائِمَةِ بِهَا فَيَجْعَلُونَ نَفْيَ أَفْعَالِ الرَّبِّ وَنَفْيَ صِفَاتِهِ مِنْ الْأُصُولِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ النُّبُوَّةِ إلَّا بِهَا " . أولا نقول يتنازعون في الأصول التي يتوقف إثبات النبوة عليها ، شف الاختلاف ، أولا : طائفة تقول بتحسن العقل وتقبيحه ، وأن من الأصول التي يعلم بها ثبوت النبوة تحسين العقل وتقبيحه ، فمعنى ذلك أن العقل مثلاً يحسن أن الله تبارك وتعالى يرسل الرسل حتى يبين للناس ، ويقبح أن يجعل الله الناس بدون رسل ، فيقولون إذا إثبات النبوة أو إثبات صحة النبوة مبنية على تحسين العقل وتقبيحه . لأن العقل يحسن أن يبعث الله الرسل ، ويقبح ألا يبعث الله الرسل ، يلزم بذلك إثبات رسالة الرسل بناء على تحسين العقل وتقبيحه . ومسألة التحسين والتقبيح من المسائل التي كثر فيها النزاع والجدال ، هل العقل يحسن ويقبح أو لا يحسن ولا يقبح ، أو يحسن ويقبح ولكن لا يوجب ولا يحرم ، وهذه المسألة لا ندخل فيها لأنها طويلة ، ويمكن تشوش عليكم ، المهم أن طائفة من هؤلاء يثبتون النبوة بطريق العقل ، بناء على تحسين العقل وتقبيحه ، وتقول إن العقل يحسن بعث الرسل فيجب بعثهم ، يقبح عدم إرسالهم فيمنع عدم إرسالهم . هذه طائفة . طائفة أخرى تقول : حدوث العالم من هذه الأصول ، وأن العالم بالصانع لا يمكن إلا بإثبات حدوثه ، حدوث الصانع أو حدوث العالم .؟ اقرؤوا معي العبارة : " تَزْعُمُ أَنَّ حُدُوثَ الْعَالَمِ مِنْ هَذِهِ الْأُصُولِ وَأَنَّ الْعِلْمَ بِالصَّانِعِ " والمراد بالصانع الله ، ولكن المؤلف رحمه الله تعالى يقوله من باب الخبر لا من باب التسمية " وَأَنَّ الْعِلْمَ بِالصَّانِعِ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِإِثْبَاتِ حُدُوثِهِ " حدوث إيش .؟ الطالب : الصانع . الشيخ : لا ، حدوث العالم ، الصانع ليس بحادث لأنه خالق . " لَا يُمْكِنُ إلَّا بِإِثْبَاتِ حُدُوثِهِ " أي : حدوث العالم " وَإِثْبَاتِ حُدُوثِهِ " حدوث العالم " لَا يُمْكِنُ إلَّا بِحُدُوثِ الْأَجْسَامِ " يعني لا نعرف أن العالم حادث إلا بحدوث الأجسام ، فجسمي وجسمك وجسم الثاني والثالث هذا حادث ، كنا قبل لسنا بشيء (( هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا )) . طيب بأي شيء نعرف حدوث الأجسام ؟! يقول : يعلم بحدوث الصفات وإما بحدوث الأفعال القائمة بها ، سبحان الله ! ما يقولون العلم بحدوثها وجودها ، لا، العلم بحدوثها إما بحدوث الصفات وإما بحدوث الأفعال القائمة بها ، وش مثال حدوث الصفات .؟ كأن يكون طويلاً بعد أن كان قصيراً . ويكون ذكيا بعد أن كان بليد . ويغضب بعد أن يكون هادئاً وهكذا ، هذا حدوث الصفات . حدوث الصفات في هذا الجسم تدل على أن الجسم حادث ، وطبعا هذه القاعدة ليست بصحيحة . لأننا لو قلنا بهذا لزم أن نقول بنفي الفرح عن الله ونفي الغضب ، وإلا لزم أن تقول إن الله حادث ، وهذا ليس بصحيح . وبعضهم يقول : نعلم حدوث الأجسام بحدوث الأفعال القائمة بها ، مثال إيش حدوث الأفعال .؟ كشخص ذهب إلى الصلاة فيفعل . يأتي إلى المدرسة فيفعل ، يقول حدوث هذا الفعل لما قمت من النوم وصليت هذا حدث ، حدوث هذا الفعل من هذا الجسم يدل على حدوث الجسم ، وهذا أيضاً في الحقيقة ليس بدليل صحيح . لأننا لو قلنا بهذا لزم إذا قلنا : إن الله ينزل إلى السماء الدنيا ويستوي على العرش ، يلزم أن نقول أن الله تعالى حادث ، إذا قلنا أن حدوث الأفعال يدل على حدوث الأجسام ، وهذا ليس بصحيح ، لكن هم قالوا هذا. المؤلف الأن يحكي قول غيره ، وليس يقره . قال : " فيجعلوا نفي أفعال الرب ونفي صفاته من الأصول التي لا يمكن إثبات النبوة إلا بها " أعوذ بالله ! هل هذا صحيح .؟ طبعا هذا ليس بصحيح ، يعني نقول ما يمكن أن تثبت النبوة إلا إذا نفيتها عن الرب وصفات الرب .؟! لا يمكن ، وهذا تناقض أيضا ، وسيأتي إن شاء الله بقية البحث .
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " ثم هؤلاء لا يقبلون الاستدلال بالكتاب والسنة على نقيض قولهم لظنهم أن العقل عارض السمع - وهو أصله - فيجب تقديمه عليه والسمع : إما أن يؤول وإما أن يفوض وهم أيضا عند التحقيق لا يقبلون الاستدلال بالكتاب والسنة على وفق قولهم لما تقدم , وهؤلاء يضلون من وجوه : - منها : ظنهم أن السمع بطريق الخبر تارة وليس الأمر كذلك بل القرآن بين من الدلائل العقلية التي تعلم بها المطالب الدينية ما لا يوجد مثله في كلام أئمة النظر فتكون هذه المطالب : شرعية عقلية .".
الشيخ : نقرأ الآن يا جماعة ونمشي عشان ما معنا وقت، بسم الله الرحمن الرحيم : " ثُمَّ هَؤُلَاءِ لَا يَقْبَلُونَ الِاسْتِدْلَالَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى نَقِيضِ قَوْلِهِمْ لِظَنِّهِمْ أَنَّ الْعَقْلَ عَارِضُ السَّمْعِ - وَهُوَ أَصْلُهُ - فَيَجِبُ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهِ ، وَالسَّمْعُ إمَّا أَنْ يُؤَوَّلَ وَإِمَّا أَنْ يُفَوَّضَ وَهُمْ أَيْضًا عِنْدَ التَّحْقِيقِ لَا يَقْبَلُونَ الِاسْتِدْلَالَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى وَفْقِ قَوْلِهِمْ لِمَا تَقَدَّمَ " نعم . يقول المؤلف : إن هؤلاء لا يقبلون الاستدلال بالكتاب والسنة على نقيض قولهم ، يعني معناه أن الكتاب والسنة لا يقبلونه في الأمر الذي يخالف قولهم ، لماذا .؟ قال : لظنهم أن العقل عارض السمع وهو أصله فيجب تقديمه عليه ، يقولوا إن العقل عارض السمع في هذا، وهذا الأصل العقل أو السمع .؟ عندهم هم أن العقل هو الأصل . وإذا كان العقل هو الأصل وعارض الفرع فالواجب تقديم الأصل . فيقولون مثلاً : إن هذه الصفات يمنعها العقل فهو معارض للسمع ، وإذا كان هو أصل السمع فإن الأصل يجب أن يقدم على الفرع وتنفى هذه الصفات . يقول الشيخ رحمه الله تعالى ـ ما طريقتهم إذا جاء شيء يخالف العقل ـ : " إما أن يؤول وإما أن يفوض " . يؤول : يصرف عن ظاهره . يفوض : لا يتكلم في معناه إطلاقاً ، ويقال هذا ما ندري عنه . مثال ذلك : استوى على العرش . له ثلاثة معان : معنى صحيح . ومعنى مؤول . ومعنى مفوض . المعنى الصحيح أن يقال : استوى على العرش أي علا عليه واستقر على الوجه الذي يليق به . المعنى المؤول : استوى بمعنى استولى . المعنى المفوض : استوى ما نقول في معناه شيئاً ، نقرأه ولا نتكلم في معناه ، فيكون عندنا بمنزلة اللغة الأجنبية التي لا نعرف معناها ، مثل لو جاء إنسان إنجليزي ورطن علينا ونحن لا نعرف رطانتهم ، لو قيل لنا ماذا يقول .؟ قلنا لا نعلم . هم يقولون المفوضة : إن الصفات ـ كل آيات الصفات وأحاديثها ـ بمنزلة اللسان الأعجمي أمام اللسان العربي، وأننا لا نعرف معناها إطلاقاً هذا التفويض . قال المؤلف : " وهم أيضا عند التحقيق لا يقبلون الاستدلال بالكتاب والسنة على وفق قولهم لما تقدم ". يقول أنتم الآن حتى على طريقتكم لا تقبلون الكتاب والسنة . وهذا نحتج به على من .؟ على جميع النفاة . حتى من نفى جميع الصفات يمكن أن نحتج عليهم بمثل ما احتجوا به . فإنه سبق لنا المجادلة مع هؤلاء : مع الذين ينفون بعض الصفات ويثبتون بعض ، ومع الذين يثبتون الأسماء وينكرون الصفات ، ومع الذين ينكرون الأسماء والصفات ، ومع الذين ينكرون الإثبات والنفي ، كلهم سبق أنه بطريقة عقلية يلزمهم أن يقبلوا ما جاء به الكتاب والسنة ، وهم بالطريقة العقلية كما قال المؤلف : لا يقبلون الكتاب والسنة ، مع أن العقل يلزمهم به ، فالذي ينكر الصفات مثل ما مر ، نقول له : لماذا أثبت الأسماء .؟ أو نقول أولا : لماذا أنكرت الصفات .؟ قال : لأني لا أجد في الشاهد ما يتصف بهذه الصفات إلا ما هو جسم والتجسيم ممتنع ، نقول له : ولا نجد في الشاهد ما يسمى بالحي والعليم والقادر إلا ما هو جسم والتجسيم عنك ممنوع ، فلماذا أنكرت هذا وأثبت هذا .؟ وسبق الكلام على هذه المسائل ، وبينا أن كل الذين ينكرون ما جاء في الكتاب والسنة من أسماء الله وصفاته يلزمهم أن يقولوا بها بطريق عقلي ، كما أنه يلزمهم بطريق السمع . يقول : " وَهَؤُلَاءِ يَضِلُّونَ مِنْ وُجُوهٍ : مِنْهَا : ظَنُّهُمْ أَنَّ السَّمْعَ بِطَرِيقِ الْخَبَرِ تَارَةً وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بَلْ الْقُرْآنُ بَيَّنَ مِنْ الدَّلَائِلِ الْعَقْلِيَّةِ - الَّتِي تُعْلَمُ بِهَا الْمَطَالِبُ الدِّينِيَّةُ - مَا لَا يُوجَدُ مِثْلُهُ فِي كَلَامِ أَئِمَّةِ النَّظَرِ فَتَكُونُ هَذِهِ الْمَطَالِبُ : شَرْعِيَّةً عَقْلِيَّةً " . يظنون هم أن السمع ما هو إلا خبر فقط ، وليس مبنيا على معقولات ودلائل عقلية ، والشيخ رحمة الله يقول: أبدا هذا ليس بصحيح . بل في القرآن من الأدلة العقلية ما لا يوجد مثله في كلام هؤلاء . ولنضرب لذلك مثال بالبعث بعد الموت . هل البعث بعد الموت ثابت بالطريق السمعي الخبري فقط ؟! أو بطريق السمع الخبري والنظر العقلي .؟ ! والنظر العقلي أيضا ، والله تبارك وتعالى يضرب الأمثال دائما لإمكان البعث بأنه ينزل الماء على الأرض اليابسة الهامدة فإذا هي رابية تهتز : (( إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى )) . كذلك أيضا يضرب الله تعالى أمثالاً معقولة للمشركين به : (( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً )) طبعا هذا مثل عقلي أنهما لا يستويان . وضرب مثلاً أيضا بالذين يدعون من دون الله : (( لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ )) إنسان بسط كفيه إلى الماء في النهر، بسطهما بسطا ، يريد الماء يصل إلى الماء فمه ، وهل يصل .؟ ما يصل أبدا ، لأن اليدين مبسوطتين لم يضم بعضها إلى بعض ليمنع الماء من التسرب ، ما يمكن أن يبقى بها ماء . فالحاصل أن في القرآن الكريم من الأدلة العقلية ما لا يوجد نظير في كلام هؤلاء ... .
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " منها : ظنهم أن الرسول لا يعلم صدقه إلا بالطريق المعينة التي سلكوها وهم مخطئون قطعا في انحصار طريق تصديقه فيما ذكروه فإن طرق العلم بصدق الرسول كثيرة كما قد بسط في غير هذا الموضع .
ومنها : ظنهم أن تلك الطريق التي سلكوها صحيحة وقد تكون باطلة .
ومنها : ظنهم أن ما عارضوا به السمع معلوم بالعقل ويكونون غالطين في ذلك ; فإنه إذا وزن بالميزان الصحيح وجد ما يعارض الكتاب والسنة من المجهولات ; لا من المعقولات وقد بسط الكلام على هذا في غير هذا الموضع .".
الشيخ :" ومِنْهَا : ظَنُّهُمْ أَنَّ الرَّسُولَ لَا يُعْلَمُ صِدْقُهُ إلَّا بِالطَّرِيقِ الْمُعَيَّنَةِ الَّتِي سَلَكُوهَا وَهُمْ مُخْطِئُونَ قَطْعًا فِي انْحِصَارِ طَرِيقِ تَصْدِيقِهِ فِيمَا ذَكَرُوهُ فَإِنَّ طُرُقَ الْعِلْمِ بِصِدْقِ الرَّسُولِ كَثِيرَةٌ كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ " . هم يقولون مثلاً : إننا نعلم صدق الرسول ويعلمون صدقه بطريق معين يعلمون به صدقه ويتركون ما سواه. وهل العلم برسالة النبي صلى الله عليه وسلم منحصراً فيما ذكروه من الطريق .؟ مثل أن يقولوا مثلا : الرسول جاء بأشياء تعجز البشر فهذا الطريق طريق إثبات النبوات ، فنحن نقول لهم : لا ، الرسول جاء بأشياء تعجز البشر ، وأشاء تحير العقول ، وأنظمة بديعة تصلح الخلق إلى آخره . القرآن ليس دليلاً على رسالة الرسول عليه الصلاة والسلام من حيث الإعجاز فقط ، بل من حيث أحكامه وحكمه وأسراره وأخباره وغير ذلك مما ينتفع به الخلق، فكونهم مثلا يقولون : ما نعلم رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم إلا بطريق معين ، ولا نعلم ما يستحقه الرب إلا بطريق معين هذا خطأ منهم ، لأن الأدلة أكثر أو أوسع من المدلول ، قد يكون الشيء عليه دليل واحد فقط. وقد يكون عليه أدلة متعددة تحصر أو لا تحصر . كونكم تحصرون الدليل على النبوة بهذا الطريق المعين هذا خطأ . بل إننا نعلم رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم بطرق كثيرة غير ما ذكروا . " ومِنْهَا : ظَنُّهُمْ أَنَّ تِلْكَ الطَّرِيقَ الَّتِي سَلَكُوهَا صَحِيحَةٌ وَقَدْ تَكُونُ بَاطِلَةً " وهذا هو الواقع لأنهم يظنون أن ما هم عليه هو الحق ، وأن من سواهم على باطل ، ولهذا يسمون أهل السنة الجماعة المجسمة والمشبهة . يقولون: إنهم إذا قيل لهم هذا تجسيم . قالوا : لا . نقول هذا بلا كيف . فيزعمون أن قول أهل السنة والجماعة بلا تشبيه وبلا تكييف هو فرار من التجسيم وليس على سبيل الحقيقة . ومن المعلوم أن من سلك هذا المسلك فقد أخطأ ، يعني الذي يسلك هذا المسلك ، بأن الذي هو يسلكه هو الحق وما عداه فهم على باطل . هؤلاء مخطئون لأن الحق لا يتعين بما قاله فلان أو فلان . " وَمِنْهَا : ظَنُّهُمْ أَنَّمَا عَارَضُوا بِهِ السَّمْعَ مَعْلُومٌ بِالْعَقْلِ " عندي : أنما ، والصواب : أن ما ، يعني يجعل ما اسم موصول ، ليست : أنما ، التي للحصر . " ظَنُّهُمْ أَنَّ مَا عَارَضُوا بِهِ السَّمْعَ مَعْلُومٌ بِالْعَقْلِ ، وَيَكُونُونَ غَالِطِينِ فِي ذَلِكَ ، فَإِنَّهُ إذَا وُزِنَ بِالْمِيزَانِ الصَّحِيحِ وُجِدَ مَا يُعَارِضُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ مِنْ الْمَجْهُولَاتِ لَا مِنْ الْمَعْقُولَاتِ وَقَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ " هذا أيضا مبني على ما سبق . حيث ظنوا أن ما عارضوا به السمع معلوم بالعقل . فنقول لهم : كل ما عارض الكتاب والسنة إذا وزن بالميزان الصحيح هل يمكن أن يكون معقولا أو هو من المجهولات .؟ المؤلف يقول : هو من المجهولات لا من المعقولات . ونحن نزيد أيضا أن نقول : هو من السّفاهات أيضاً ، لا من المعقولات لأن الله يقول : (( وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ )) فكل من عارض الكتاب والسنة وزعم أن المعقول ما ذهب إليه ، نقول : لا . ما ذهبت إليه فهو المجهول هو السفه لأن الله يقول : (( وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ )) . وهذا كما يكون في البحث في أسماء الله وصفاته يكون أيضا في تشريعات الله ، فالذين يسنون القوانين ويزعمون أن ما جاء به الكتاب والسنة من القوانين أمر لا يصلح الخلق في الوقت الحاضر ، هم أيضا على خطأ ، بل نقول ما يصلح الخلق إلا ما جاء به الحق من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم . كم هذا من وجه .؟ واحد اثنان ثلاثة أربعة .
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " والمقصود هنا : أن من صفات الله تعالى ما قد يعلم بالعقل كما يعلم أنه عالم وأنه قادر وأنه حي ; كما أرشد إلى ذلك قوله : (( ألا يعلم من خلق )) وقد اتفق النظار من مثبتة الصفات : على أنه يعلم بالعقل عند المحققين أنه حي ; عليم ; قدير ; مريد ; وكذلك السمع ; والبصر والكلام . يثبت بالعقل عند المحققين بل وكذلك الحب والرضا والغضب . يمكن إثباته بالعقل وكذلك علوه على المخلوقات ومباينته لها مما يعلم بالعقل كما أثبتته بذلك الأئمة : مثل أحمد بن حنبل وغيره . ومثل : عبد العالي المكي وعبد الله بن سعيد بن كلاب ; بل وكذلك إمكان الرؤية : يثبت بالعقل , لكن منهم من أثبتها بأن كل موجود تصح رؤيته ومنهم من أثبتها بأن كل قائم بنفسه يمكن رؤيته . وهذه الطريق أصح من تلك وقد يمكن إثبات الرؤية بغير هذين الطريقين بتقسيم دائر بين النفي والإثبات كما يقال : إن الرؤية لا تتوقف إلا على أمور وجودية فإن ما لا يتوقف إلا على أمور وجودية يكون الموجود الواجب القديم : أحق به من الممكن المحدث والكلام على هذه الأمور مبسوط في غير هذا الموضع والمقصود هنا : أن من الطرق التي يسلكها الأئمة ومن اتبعهم من نظار السنة في هذا الباب أنه لو لم يكن موصوفا بإحدى الصفتين المتقابلتين للزم اتصافه بالأخرى ; فلو لم يوصف بالحياة لوصف بالموت ; ولو لم يوصف بالقدرة لوصف بالعجز ; ولو لم يوصف بالسمع والبصر والكلام لوصف بالصمم والخرس والبكم وطرد ذلك أنه لو لم يوصف بأنه مباين للعالم لكان داخلا فيه . فسلب إحدى الصفتين المتقابلتين عنه يستلزم ثبوت الأخرى وتلك صفة نقص ينزه عنها الكامل من المخلوقات فتنزيه الخالق عنها أولى . وهذه الطريق غير قولنا إن هذه صفات كمال يتصف بها المخلوق ; فالخالق أولى فإن طريق إثبات صفات الكمال بأنفسها مغاير لطريق إثباتها بنفي ما يناقضها . ".
الشيخ : قال : " وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى مَا قَدْ يُعْلَمُ بِالْعَقْلِ كَمَا يُعْلَمُ أَنَّهُ عَالِمٌ وَأَنَّهُ قَادِرٌ وَأَنَّهُ حَيٌّ ، كَمَا أَرْشَدَ إلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تعالى : (( أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ )) " . هنا : (( أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ )) فيها إثبات الحكم والدليل ، فالحكم إثبات العلم لله . والدليل الخلق . فإنه لا يمكن أن يكون الخالق غير عالم بما خلق . طيب : (( مَنْ خَلَقَ )) فيه فاعل أو مفعول .؟ لا ، فاعل أحسن ، هي يصلح أن تكون مفعولا ، يعني : ألا يعلم الذي خلقه ، ولكنها فاعل أولى ، يعني : ألا يعلم الخالق مخلوقه ؟! الجواب : بلى ، فالاستفهام هنا للتقرير . إذا ففي الآية جملة واحدة في الحقيقة ، هي ثلاث كلمات، ذكرت الحكم والدليل ، والآن لو تذهب للطرق العقلية في إثبات العلم لله ، لأتيت بعدة جمل ولكنها لا تفيد ما تفيده هذه الجملة . الشيخ :" وَقَدْ اتَّفَقَ النُّظَّارُ مِنْ مُثْبِتَةِ الصِّفَاتِ عَلَى أَنَّهُ يُعْلَمُ بِالْعَقْلِ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ حَيٌّ ، عَلِيمٌ ، قَدِيرٌ ، مُرِيدٌ ، وَكَذَلِكَ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَالْكَلَامُ يَثْبُتُ بِالْعَقْلِ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ منهم ، بَلْ وَكَذَلِكَ الْحُبُّ وَالرِّضَا وَالْغَضَبُ يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِالْعَقْلِ ، وَكَذَلِكَ عُلُوُّهُ عَلَى الْمَخْلُوقَاتِ وَمُبَايَنَتُهُ لَهَا مِمَّا يُعْلَمُ بِالْعَقْلِ . كَمَا أَثْبَتَتْهُ بِذَلِكَ الْأَئِمَّةُ : مِثْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِ . وَمِثْلُ : عَبْدِ الْعَالِي الْمَكِّيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ كِلَابٍ ، بَلْ وَكَذَلِكَ إمْكَانُ الرُّؤْيَةِ يَثْبُتُ بِالْعَقْلِ ، لَكِنْ مِنْهُمْ مَنْ أَثْبَتَهَا بِأَنَّ كُلَّ مَوْجُودٍ تَصِحُّ رُؤْيَتُهُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَثْبَتَهَا بِأَنَّ كُلَّ قَائِمٍ بِنَفْسِهِ يُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ . وَهَذِهِ الطَّرِيقُ أَصَحُّ مِنْ تِلْكَ " . الآن عندنا الرؤية . إثبات إمكان رؤية الله هل هو ثابت بالشرع أو العقل ؟! الطالب : بالشرع . الشيخ : بالشرع وبالعقل ، لا ، إمكانه ثابت بالعقل . ووجوبه ثابت بالشرع ، لأنه لولا أن الله أخبرنا بأنه يرى ما علمنا بذلك . لكن إمكان رؤية الله ثابتة بالعقل ، والإمكان غير الوجود ، كيف يمكن .؟ على أحد طريقتين : 1- إما أن نقول : كل قائم بنفسه يمكن رؤيته . 2- أو نقول : كل موجود تصح رؤيته . أيهما أصح .؟ لا ، كل قائم بنفسه تصح رؤيته ، لا كل موجود ، لأنه مثلا أنا فيّ قوة وفيّ علم وفيّ قدرة ، القدرة والعلم والقوة موجودة عندي ، هل ترونها .؟ لا ، لكن كل قائم بنفسه يمكن رؤيته ، صحيح أو غير صحيح.؟ الطالب : صحيح . الشيخ : أي نعم ، لأنك إذا قلت كل موجود دخل في ذلك الأعيان والصفات ، والصفات منها ما يرى ومنها ما لا يرى ، فاحمرار الوجه مثلا صفة ، ترى أو ما ترى .؟ الطالب : ترى . الشيخ : طيب ، والعقل والعلم والإدراك صفة لا يرى ، لكن كل قائم بنفسه يرى ، فهو أصح مثل ما قال المؤلف. قال : " وَقَدْ يُمْكِنُ إثْبَاتُ الرُّؤْيَةِ بِغَيْرِ هَذَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ بِتَقْسِيمِ دَائِرٍ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ كَمَا يُقَالُ : إنَّ الرُّؤْيَةَ لَا تَتَوَقَّفُ إلَّا عَلَى أُمُورٍ وُجُودِيَّةٍ ، فَإِنَّ مَا لَا يَتَوَقَّفُ إلَّا عَلَى أُمُورٍ وُجُودِيَّةٍ يَكُونُ الْمَوْجُودُ الْوَاجِبُ الْقَدِيمُ أَحَقَّ بِهِ مِنْ الْمُمْكِنِ الْمُحْدَثِ ". كذا عندكم في النسخة الثانية .؟ طيب. " الرُّؤْيَةَ لَا تَتَوَقَّفُ إلَّا عَلَى أُمُورٍ وُجُودِيَّةٍ ، فَإِنَّ مَا لَا يَتَوَقَّفُ " أو ما يتوقف ، وش عندكم .؟ الطالب : وما لا يتوقف . الشيخ : طيب : " وما لا يتوقف إلَّا عَلَى أُمُورٍ وُجُودِيَّةٍ يَكُونُ الْمَوْجُودُ الْوَاجِبُ الْقَدِيمُ أَحَقَّ بِهِ مِنْ الْمُمْكِنِ الْمُحْدَثِ ". أنا عندي أن هذه الطريقة الثانية هي شبيهة بالطريقة الأولى ، وهي إمكان الوجود . وهي الوجود وغير الوجود . إمكان الرؤية مقيد بالوجود . يقول مثلاً : الرؤية لابد أن تكون فيها أمور وجودية ، محل موصل ومحل قائم ، عندما يكون الإنسان أعمى فإن الرؤية لا تثبت . لأنه ليس له الآلة التي يتوصل بها إلى البصر ، وعندما يكون الشيء غير قائم بنفسه لا تمكن رؤيته وإن كان الإنسان عنده بصر ، لأن هذا لا يمكن أن يرى مثل الصفات المعنوية . فيقال مثلا : إذا كانت الرؤية متوقفة على أمور وجودية فالموجود الواجب الوجود أحق بها من الممكن المحدث . " وَالْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْأُمُورِ مَبْسُوطٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ " مسألة الرؤية الآن تبيّن لنا أنها تثبت بالعقل إمكانا، وتثبت بالشرع وجوباً ، يعني فإن كان وجودها ثابت بالعقل لكن وجوب وجودها ثابت في الشرع . " وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ مِنْ الطُّرُقِ الَّتِي يَسْلُكُهَا الْأَئِمَّةُ وَمَنْ اتَّبَعَهُمْ مِنْ نُظَّارِ السُّنَّةِ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَوْصُوفًا بِإِحْدَى الصِّفَتَيْنِ الْمُتَقَابِلَتَيْن لَلَزِمَ اتِّصَافُهُ بِالْأُخْرَى ، فَلَوْ لَمْ يُوصَفْ بِالْحَيَاةِ لَوُصِفَ بِالْمَوْتِ ، وَلَوْ لَمْ يُوصَفْ بِالْقُدْرَةِ لَوُصِفَ بِالْعَجْزِ ، وَلَوْ لَمْ يُوصَفْ بِالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْكَلَامِ لَوُصِفَ بِالصَّمَمِ وَالْخَرَسِ وَالْبُكْمِ، وَطَرْدُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُوصَفْ بِأَنَّهُ مُبَايِنٌ لِلْعَالَمِ لَكَانَ دَاخِلًا فِيهِ . فَسَلْبُ إحْدَى الصِّفَتَيْنِ الْمُتَقَابِلَتَيْن عَنْهُ يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ الْأُخْرَى ، وَتِلْكَ صِفَةُ نَقْصٍ يُنَزَّهُ عَنْهَا الْكَامِلُ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ فَتَنْزِيهُ الْخَالِقِ عَنْهَا أَوْلَى . وَهَذِهِ الطَّرِيقُ غَيْرُ قَوْلِنَا إنَّ هَذِهِ صِفَاتُ كَمَالٍ يَتَّصِفُ بِهَا الْمَخْلُوقُ ، فَالْخَالِقُ أَوْلَى ، فَإِنَّ طَرِيقَ إثْبَاتِ صِفَاتِ الْكَمَالِ بِأَنْفُسِهَا مُغَايِرٌ لِطَرِيقِ إثْبَاتِهَا بِنَفْيِ مَا يُنَاقِضُهَا ". واضح هذا أو لا .؟ هو واضح في الحقيقة ، إثبات صفات الكمال الآن له طريقتان ـ المؤلف بين ـ : طريقا نقول هذه صفة كمال فيجب إثباتها لله . السمع صفة كمال يجب إثباتها لله . طريق آخر أن نقول : يقابل السمع الصمم . والصمم صفة نقص ينزه الله عنها ، إذا كان ينزه عن الصمم لأنها صفة نقص فيجب إثبات السمع ، فصار إثبات السمع له طريقان مثل ما قال المؤلف ، كل طريق غير الثاني : أولا : أن نقول السمع صفة كمال فيجب إثباتها لله ، وهذه طريقة منفصلة عن صفة النقص . ثانيا أن نقول : السمع يقابله الصمم ، والصمم صفة نقص ينزه الله عنه ، فإذا نزه عن الصمم الذي هو النقص يجب ثبوت السمع لله عز وجل . وقد علمتم فيما سبق ، وهذا الكتاب مثل ما قلت لكم مكرر ، علمتم فيما سبق أنه قد يعارض هذا فيقال : إن نفي أحد النقيضين يستلزم إثبات الآخر فيما يكون قابلا لهما ، أليس كذلك مر عليكم .؟ وقلنا : أن هذا مسلم لكن هذا أولا : أنه اصطلاح ، والاصطلاح لا يغير الحقائق . وثانيا أن نقول : أيهما أكمل ما لا يقبل الاتصاف بهذه الصفات أو ما يقبلها .؟ ما يقبلها أولى مما لا يقبلها ، لأنك إذا قلت أن الله لا يقبل أن يكون سميعا ولا أصم ، شبهته الآن بأي شيء .؟ بالجمادات ، بالجدار والحصى وبالخشب وما أشبه ذلك ، لكن إذا قلت مثلا : إنه أعمى وحاشاه من ذلك ، وصفته بعين تقبل أن تكون بصيرة ، وما يقبل أن يكون بصيرا أولى مما لا يقبل أن يكون بصيرا . وقد سبق الكلام على هذا يا جماعة ، وهذا في الحقيقة إذا عرفتم ما سبق في أول الكتاب سهل عليكم تصور هذه العبارات ، لأنه الحقيقة مثل ما قلت أنها مكررة ، والشيخ يحب أن يكرر الأشياء بأساليب مختلفة لأجل تثبيتها .
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وقد اعترض طائفة من النفاة على هذه الطريقة باعتراض مشهور لبسوا به على الناس ; حتى صار كثير من أهل الإثبات يظن صحته ويضعف الإثبات به مثل ما فعل من فعل ذلك من النظار حتى ... مع أنه أصل قول القرامطة الباطنية وأمثالهم من الجهمية . فقالوا : القول بأنه لو لم يكن متصفا بهذه الصفات ; كالسمع والبصر والكلام مع كونه حيا : لكان متصفا بما يقابلها فالتحقيق فيه متوقف على بيان حقيقة المتقابلين . وبيان أقسامهما . فنقول : وأما المتقابلان فلا يجتمعان في شيء واحد من جهة واحدة وهو إما ألا يصح اجتماعهما في الصدق ولا في الكذب : أو يصح ذلك في أحد الطرفين ; ولأنهما متقابلان بالسلب والإيجاب وهو تقابل التناقض ; والتناقض هو اختلاف القضيتين بالسلب والإيجاب على وجه لا يجتمعان في الصدق ولا في الكذب لذاتيهما ; كقولنا : زيد حيوان زيد ليس بحيوان . ومن خاصة استحالة اجتماع طرفيه في الصدق والكذب : أنه لا واسطة بين الطرفين ولا استحالة لأحد الطرفين من جهة واحدة ولا يصح اجتماعهما في الصدق ولا في الكذب ; إذ كون الموجود واجبا بنفسه وممكنا بنفسه . لا يجتمعان ولا يرتفعان فإذا جعلتم هذا التقسيم : وهما النقيضان ما لا يجتمعان ولا يرتفعان فهذان لا يجتمعان ولا يرتفعان وليس هما السلب والإيجاب فلا يصح حصر النقيضين - اللذين لا يجتمعان ولا يرتفعان - في السلب والإيجاب وحينئذ فقد ثبت وصفان - شيئان - لا يجتمعان ولا يرتفعان ; وهو خارج عن الأقسام الأربعة على هذا فمن جعل الموت معنى وجوديا : فقد يقول إن كون الشيء لا يخلو من الحياة والموت هو من هذا الباب ; وكذلك العلم والجهل والصمم والبكم ونحو ذلك .".
الشيخ : قال : " وَقَدْ اعْتَرَضَ طَائِفَةٌ مِنْ النفاة عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ بِاعْتِرَاضِ مَشْهُورٍ لَبَّسُوا بِهِ عَلَى النَّاسِ ، حَتَّى صَارَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ يَظُنُّ صِحَّتَهُ وَيُضَعِّفُ الْإِثْبَاتَ بِهِ ، مِثْلَ مَا فَعَلَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ النُّظَّارِ حَتَّى ... " الطالب : ... . الشيخ :" مَعَ أَنَّهُ أَصْلُ قَوْلِ الْقَرَامِطَةِ الْبَاطِنِيَّةِ وَأَمْثَالِهِمْ مِنْ الجهمية . فَقَالُوا : الْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُتَّصِفًا بِهَذِهِ الصِّفَاتِ ، كَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْكَلَامِ مَعَ كَوْنِهِ حَيًّا لَكَانَ مُتَّصِفًا بِمَا يُقَابِلُهَا فَالتَّحْقِيقُ فِيهِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى بَيَانِ حَقِيقَةِ الْمُتَقَابِلَيْنِ وَبَيَانُ أَقْسَامِهِمَا . فَنَقُولُ : وأَمَّا الْمُتَقَابِلَانِ فَلَا يَجْتَمِعَانِ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ " . المتقابلان كالضدين مثلاً والنقيضين ، لا يجتمعان في شيء واحد من جهة واحدة . فلا يصح أن يكون الإنسان سميعاً أصم ، لكن يمكن أن يكون سميعاً في وقت وأصم في وقت آخر . لكن من جهة واحدة لا . " وَهُوَ إمَّا أَلَّا يَصِحَّ اجْتِمَاعُهُمَا فِي الصِّدْقِ وَلَا فِي الْكَذِبِ ، أَوْ يَصِحَّ ذَلِكَ فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ ، وَلِأَنَّهُمَا مُتَقَابِلَانِ بِالسَّلْبِ وَالْإِيجَابِ وَهُوَ تَقَابُلُ التَّنَاقُضِ ، وَالتَّنَاقُضُ هُوَ اخْتِلَافُ الْقَضِيَّتَيْنِ بِالسَّلْبِ وَالْإِيجَابِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي الصِّدْقِ وَلَا فِي الْكَذِبِ لِذَاتَيْهِمَا ، كَقَوْلِنَا : زَيْدٌ حَيَوَانٌ زَيْدٌ لَيْسَ بِحَيَوَانِ " . عندنا الآن قضيتان إحداها صادقة والأخرى كاذبة لا يجتمعان في الصدق ولا يجتمعان أيضا في الكذب . بل أحدهما صادق ولابد . زيد حيوان . زيد ليس بحيوان . أيهما الصادقة ؟! زيد الحيوان صادق . وليس بحيوان كاذبة . الطالب : ... . الشيخ : هذا على لغتنا نحن ، وأنا قلت لكم فيما سبق ، وأظن أن أحدكم سأل ، وقلت لكم إن الإنسان حيوان لكنه يوصف بوصف يخرجه عن بقية الحيوانات ، وهو ناطق، فعندما تقول زيد حيوان زيد ليس بحيوان ، نشوف الآن نطبقها على ما سبق ، كلاهما كاذبة ، زيد حيوان على إطلاقه ليس بصحيح . وزيد ليس بحيوان على إطلاقه ليس بصحيح . فهما كاذبتان سلباً وإيجاباً . متى يصحان إيجاباً .؟ إذا قلت زيد حيوان ناطق . صحت الإيجابية ، تصح السلبية إذا قلت : زيد ليس بحيوان غير ناطق ، فالتقابل إذا يقول المؤلف : " إما أن لا يصح اجتماعهما في الصدق ولا في الكذب أو يصح ذلك في أحد الطرفين " يعني السلب والإيجاب . فالذي لا يصح اجتماعهما في الصدق والكذب ، زيد حيوان زيد ليس بحيوان ، ما يصح ، إذ لا بد من إدخال قيد حتى تصدق إحداهما ، وهو : ناطق ، بالنسبة للإيجابية ، وليس بناطق ، بالنسبة للسلبية ، زيد ليس بحيوان ليس بناطق ، بل هو حيوان ناطق . الآن يفصل المؤلف ، قال : " وَمِنْ خَاصَّةِ اسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ طَرَفَيْهِ فِي الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ أَنَّهُ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ وَلَا اسْتِحَالَةَ لِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَلَا يَصِحُّ اجْتِمَاعُهُمَا فِي الصِّدْقِ وَلَا فِي الْكَذِبِ ، إذْ كَوْنُ الْمَوْجُودِ وَاجِبًا بِنَفْسِهِ وَمُمْكِنًا بِنَفْسِهِ لَا يَجْتَمِعَانِ وَلَا يَرْتَفِعَانِ " . وهذا أيضا تقدم لنا ، وهو موجود في تقسيم الأشياء إلى أربعة أقسام : متماثلان ومختلفان . وضدان ونقيضان . فالضدان كما قال المؤلف : لا يمكن إذا نفي أحدهما إلا أن يثبت الآخر، فالصمم والسمع متناقضان ، إذا قلت أن الله ليس بسميع لزمك أن تصفه بالصمم ، فإذا قلت هذا فيما يقبل ، قلنا : كونك تقول هذا فيما يقبل أو ما لا يقبل هذا أمر اصطلاحي ، ولذلك وصف الله الأصنام بأنها أوات غير أحياء وهي لا تقبل الموت والحياة على اصطلاحك . وثانياً نقول : ما لا يقبل أعظم امتناعا مما يقبل وأعظم نقصاً وسبق هذا . " فَإِذَا جَعَلْتُمْ هَذَا التَّقْسِيمَ : وَهُمَا النَّقِيضَانِ مَا لَا يَجْتَمِعَانِ وَلَا يَرْتَفِعَانِ فَهَذَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ وَلَا يَرْتَفِعَانِ وَلَيْسَ هُمَا السَّلْبُ وَالْإِيجَابُ فَلَا يَصِحُّ حَصْرُ النَّقِيضَيْنِ - اللَّذَيْنِ لَا يَجْتَمِعَانِ وَلَا يَرْتَفِعَانِ - فِي السَّلْبِ وَالْإِيجَابِ " السلب يعني النفي ، وَالْإِيجَابِ يعني الإثبات . " وَحِينَئِذٍ فَقَدَ ثَبَتَ وَصْفَانِ - شَيْئَانِ - لَا يَجْتَمِعَانِ وَلَا يَرْتَفِعَانِ ، وَهُوَ خَارِجٌ عَنْ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى هَذَا فَمَنْ جَعَلَ الْمَوْتَ مَعْنًى وُجُودِيًّا فَقَدْ يَقُولُ : إنَّ كَوْنَ الشَّيْءِ لَا يَخْلُو مِنْ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ هُوَ مِنْ هَذَا الْبَابِ ، وَكَذَلِكَ الْعِلْمُ وَالْجَهْلُ والصم والبكم ونحو ذلك . الوجه الثاني : أن يقال ... " . الوجه الأول أين هو.؟ قوله : مُتَوَقِّفٌ عَلَى بَيَانِ حَقِيقَةِ الْمُتَقَابِلَيْنِ وَبَيَانُ أَقْسَامِهِمَا . فَنَقُولُ : وأَمَّا الْمُتَقَابِلَانِ ... .
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " الوجه الثاني : أن يقال : هذا القسيم يتداخل ; فإن العدم والملكة : يدخل في السلب والإيجاب وغايته أنه نوع منه والمتضايفان يدخلان في المتضادين إنما هما نوع منه فإن قال : أعني بالسلب والإيجاب : فلا يدخل في العدم والملكة - وهو أن يسلب عن الشيء ما ليس بقابل له - ولهذا جعل من خواصه أنه لا استحالة لأحد طرفيه . إلى آخره قيل له : عن هذا جوابان : - أحدهما : أن غاية هذا أن السلب ينقسم إلى نوعين : أحدهما : سلب ما يمكن اتصاف الشيء به والثاني : سلب ما لا يمكن اتصافه به . فيقال : الأول إثبات ما يمكن اتصافه ولا يجب والثاني : إثبات ما يجب اتصافه به ; فيكون المراد به سلب ممتنع . وإثبات الواجب . كقولنا زيد حيوان فإن هذا إثبات واجب , وزيد ليس بحجر فإن هذا سلب ممتنع .".
الشيخ :" والْوَجْهُ الثَّانِي : أَنْ يُقَالَ : هَذَا الْقَسِيمُ يَتَدَاخَلُ ، فَإِنَّ الْعَدَمَ وَالْمَلَكَةَ يَدْخُلُ فِي السَّلْبِ وَالْإِيجَابِ وَغَايَتُهُ أَنَّهُ نَوْعٌ مِنْهُ ، والمتضايفان يَدْخُلَانِ فِي الْمُتَضَادَّيْنِ إنَّمَا هُمَا نَوْعٌ مِنْهُ ". المؤلف أرد أن يحصر الأقسام الأربعة في قسمين ، يريد أن يجعل ما يتقابلان تقابل العدم والملكة داخلان في السلب والإيجاب ... السمع والصمم متقابلان تقابل العدم والملكة لأنهما قد يرتفعان عن ما لا يمكن أن يسمع ويبصر ، قد يقال هذا الجدار ليس سمعياً ولا أصم فهما متقابلان تقابل العدم والملكة . شيخ الإسلام يقول يمكن أن نجعل ما يتقابلان تقابل العدم والملكة من باب النقيضين الذي هو تقابل السلب والإيجاب ، لأن تقابل السلب والإيجاب يعني الإثبات و النفي بالاتفاق أنه من باب تقابل المتناقضين ، فالشيء إما موجود أو غير موجود ، كذلك الشيء إما سميع وإما أصم ، فالجدار وإن كان لا يصح أن نصفه بأنه أصم أو سميع ، هو في الحقيقة لابد أن يتصف بأحدهما ، فإن أردت بالسمع الذي هو كسمع الإنسان فهذا قد نقول إنه غير ممكن لأنه لا شعور له . وإن أردت بالسمع الذي هو أعم فإن الله يقول : (( يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا )) وهل تحدث بما لا تسمع .؟ الأرض يوم القيامة تشهد على من عمل فيها من خير أو شر قولا أو فعلا ، تشهد به عند الله ، إذن فهي تسمع وتبصر ، تسمع ما يقال عليها وتشهد به ، وتبصر ما يفعل عليها وتشهد به . فهنا تقابل السمع والصمم تقابل العدم والملكة ومع ذلك صح أن نجعلهما من باب تقابل السلب والإيجاب . بالنسبة للخلافين ، يقول أيضا الخلافين يمكن أن نجعلهما من باب المتضادين ، ولكنهما نوع منه ، وسبق أن الخلافين هما اللذان يجتمعان ويرتفعان ، لكنها معناهما ليس بواحد ، مثلا قيام الإنسان وكونه أبيض ، فالبياض غير القيام ، يمكن أن يجتمعان ويمكن أن يرتفعان يسمونه الخلافان . المتضايفان يقولون هما ما لا يعقل أحدهما بدون الآخر، مثل إذا قلت : الصبح قبل المساء ، هذان متضايفان لأنك لما قلت : قبل المساء فهم أنه صبح . وإذا قلت : هذا ولد فلان ، فالولد لا يعقل إلا بإضافة الأب له ، فمجرد إثبات الولد لابد أن يكون له أباً ، وطبعا هذا حسب العادة لا حسب العقل ، وإلا فالله تعالى قد خلق آدم من غير أم و أب وخلق عيسى من غير أب . يقول : " فَإِنْ قَالَ : أَعْنِي بِالسَّلْبِ وَالْإِيجَابِ فَلَا يَدْخُلُ فِي الْعَدَمِ وَالْمَلَكَةِ - وَهُوَ أَنْ يُسْلَبَ عَنْ الشَّيْءِ مَا لَيْسَ بِقَابِلِ لَهُ - وَلِهَذَا جُعِلَ مِنْ خَوَاصِّهِ أَنَّهُ لَا اسْتِحَالَةَ لِأَحَدِ طَرَفَيْهِ . إلَى آخِرِهِ . قِيلَ لَهُ : عَنْ هَذَا جَوَابَانِ : - أَحَدُهُمَا : أَنَّ غَايَةَ هَذَا أَنَّ السَّلْبَ يَنْقَسِمُ إلَى نَوْعَيْنِ : أَحَدُهُمَا : سَلْبُ مَا يُمْكِنُ اتِّصَافُ الشَّيْءِ بِهِ ، وَالثَّانِي : سَلْبُ مَا لَا يُمْكِنُ اتِّصَافُهُ بِهِ . فَيُقَالُ : الْأَوَّلُ إثْبَاتُ مَا يُمْكِنُ اتِّصَافُهُ وَلَا يَجِبُ ، وَالثَّانِي : إثْبَاتُ مَا يَجِبُ اتِّصَافُهُ بِهِ ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ سَلْبٌ مُمْتَنِعٌ وَإِثْبَاتُ الْوَاجِبِ. كَقَوْلِنَا زَيْدٌ حَيَوَانٌ فَإِنَّ هَذَا إثْبَاتٌ وَاجِبٌ ، وَزَيْدٌ لَيْسَ بِحَجَرِ فَإِنَّ هَذَا سَلْبٌ مُمْتَنِعٌ " . طيب انتبه للجواب على هذا : أن يقال : إن غاية هذا أن السلب ـ وش معنى السلب .؟ يعنى النفي ـ ينقسم إلى نوعين : أحدهما : سلب ما يمكن اتصاف الشيء به ، كما إذا قلنا: زيد ليس بأعمى ، سلبنا عنه العمى وهو يمكن اتصافه به . والثاني : سلب ما لا يمكن اتصافه به ، مثل أن نقول : الجدار ليس بأعمى ، هذا سلب لكنه سلب لشيء لا يمكن اتصافه به . وهو صحيح هذا السلب أو غير صحيح ، إذا قلنا : الجدار ليس بأعمى .؟ لأنه ليس قابلا له ، الجدار ليس ببصير صحيح أو لا .؟ صحيح ، لأنه ليس بقابل له. فكما أن السلب يكون فيما يمكن اتصافه به ولا يمكن ، فالأول : إثبات ما يمكنه اتصابه به ولا يجب . وَالثَّانِي : إثْبَاتُ مَا يَجِبُ اتِّصَافُهُ بِهِ ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ سَلْبٌ مُمْتَنِعٌ وَإِثْبَاتُ الْوَاجِبِ . كَقَوْلِنَا زَيْدٌ حَيَوَانٌ فَإِنَّ هَذَا إثْبَاتٌ وَاجِبٌ . وقولنا ليس بحجر صحيح ، ولكنه سلب شيء ممتنع ، ليس بحجر ممتنع أن يكون زيد حجراً . ومع ذلك صح سلبه عنه . كذلك نقول : الجدار ليس بأعمى ، وهو ممتنع أن يكون مبصرا وأعمى ومع ذلك يصح أن نسلبه عنه ... . الله يعينكم على فهمه ، لأن هذه من أصعب القواعد ... الله يعنيكم على الفهم لأن هذه من أصعب القواعد ... .
الطالب : ... . الشيخ : العدم والملكة معناه القبول وعدم القبول ، يعني يكون الشيء قابلا أو غير قابل ، العدم غير قابل ، والملكة قابل ، يعني مثلا : السّمع والبصر بالنسّبة للإنسان هذا قابل ، وبالنسّبة للجدار ليس بقابل ، هذا عدم وملكة ، لكن وجود وعدم هذا سلب وإيجاب ، لأن كل شيء يمكن أن يوصف بأنه موجود ويمكن أن يوصف بأنه عدم ، مفهوم .؟ السلب والإيجاب معناه النفي والإثبات ، هذا ليس بعدم وملكة ، السلب لأنه يمكن أن يوصف به كل شيء ، لكن سميع وأصم ، وبصير وأعمى وش تقابلهما .؟ تقابل عدم وملكة ، ليش .؟ لأنهما قد يقبلا أن يتصف بهما هذا الشيء ولا يتصف بهما الشيء الآخر ، وشيخ الإسلام يقول بطريق عقلي يمكن أن يجعل العدم والملكة أيضا من باب السلب والإيجاب ، فنقول هذا الجدار ليس بأعمى ، صحيح أنه ليس بأعمى ، كما نقول فلانا ليس بحجر ، صحيح أو لا .؟ وهو ممتنع أن يكون حجرا . والله أعلم .