تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وأما الأصل الثاني ( وهو التوحيد في العبادات ) المتضمن للإيمان بالشرع والقدر جميعا . فنقول : لا بد من الإيمان بخلق الله وأمره فيجب الإيمان بأن الله خالق كل شيء وربه ومليكه وأنه على كل شيء قدير وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ولا حول ولا قوة إلا بالله وقد علم ما سيكون قبل أن يكون وقدر المقادير وكتبها حيث شاء كما قال تعالى : (( ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير )) وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " (إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء ) .".
الشيخ : الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، وبعد : قال رحمه الله تعالى : " وَأَمَّا الْأَصْلُ الثَّانِي : وَهُوَ التَّوْحِيدُ فِي الْعِبَادَاتِ " صفحة مائة وثمانية. قوله : " الأصل الثاني " هذا معطوف على قوله في أول الكتاب : " الأصل الأول التوحيد في الصفات " وعلى هذا فيكون الأصلان والمثلان المضروبان والقواعد الست كلها تتعلق بالتوحيد في الصفات . هنا التوحيد في العبادات . " الْمُتَضَمِّنُ لِلْإِيمَانِ بِالشَّرْعِ وَالْقَدَرِ جَمِيعًا " التَّوْحِيدُ فِي الْعِبَادَاتِ يتضمن الإيمان بالشرع والقدر جميعاً ، الشرع وما شرعه الله تعالى على ألسنة رسله من العبادات كالصلاة والزكاة والصيام والحج ... وما أشبهها . والقدر هو ما يقضيه الله تعالى على عبادة مما تقتضيه الحكمة ، وذلك أن أحكام الله نوعان : حكم شرعي : يجب على العبد الرضا به وتنفيذه . حكم قدري : تنفيذه على الله ، ويجب على العبد الرضا بالله تبارك وتعالى وبما يقدره عليه . " فَنَقُولُ : لَا بُدَّ مِنْ الْإِيمَانِ بِخَلْقِ اللَّهِ وَأَمْرِهِ " لا بد من الإيمان بهاذين الأمرين : بخلق الله وهو يتعلق بالقدر . وبأمره وهو الشرع . " فَيَجِبُ الْإِيمَانُ بِأَنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَرَبُّهُ وَمَلِيكُهُ وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّهُ مَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ " . هذا يتعلق بالقدر ، تعلم بأن الله خالق كل شيء وربه ومليكه وأنه على كل شيء قدير . وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ولا حول ولا قوة إلا بالله . كل هذا يتعلق بالقدر . كذلك قال : " وَقَدْ عَلِمَ مَا سَيَكُونُ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ وَقَدَّرَ الْمَقَادِيرَ وَكَتَبَهَا حَيْثُ شَاءَ كَمَا قَالَ تَعَالَى : (( أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ )) وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( إنَّ اللَّهَ قَدَّرَ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ) . ". إلى هنا انتهى كلامه على القدر ، فصار يجب علينا بالنسبة للقدر الإيمان بما يلي : أولاً : عموم علم الله . لقوله : "عَلِمَ مَا سَيَكُونُ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ " كل ما سيكون فإن الله تعالى قد علمه . فيجب أن نؤمن بعموم علم الله تعالى . ثانياً : أن نؤمن بأن الله كتب مقادير كل شيء لقوله : (( أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ )) الآية هذه جمعت الدليل للأمرين جميعا ، وهما : العلم والكتابة . الأمر الثالث مما يجب علينا في القدر : أن نؤمن بأن كل ما كان فهو بمشيئة الله لقول المؤلف : " مَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ " فكل ما يوجد في الكون مما يفعله الله تعالى أو يفعله الخلق فإنه واقع بمشيئة الله . هذه ثلاثة أشياء . الأمر الرابع : أن نؤمن بأن كل شيء مخلوق لله : " وأَنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَرَبُّهُ وَمَلِيكُهُ " إذا فكل ما وقع في الكون فهو مخلوق لله سبحانه وتعالى . هذه هي المراتب في القضاء والقدر ، أربع مراتب المرتبة الأولى ... والثانية ... والثالثة المشيئة والرابعة الخلق وإليه يشير القائل : " علم كتابة مولانا مشيئته *** وخلقه وهو إيجاد وتكوين " . فالمراتب في القضاء والقدر جمعت في هذا البيت ، من يقرأه لنا .؟ الطالب : " علم كتابة مولانا مشيئته *** وخلقه وهو إيجاد وتكوين " . الشيخ : طيب هذه المراتب الأربع هي مراتب الإيمان بالقدر ، لا يتم الإيمان بالقدر إلا بهذه المراتب . طيب خلق الله المقادير قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ، كتب سبحانه وتعالى مقادير كل شيء ، مقادير الخلق ، وهذه الكتابة في اللوح المحفوظ ، وثمة كتابات أخرى تكون بحسب ما تقتضيه حكمة الله . ففي ليلة القدر تكتب مقادير السنة . وإذا خلق الإنسان في بطن أمه بعث إليه الملك فكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد . إنما الكتابة الأولى العامة الشاملة قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة . المؤلف ما بسط القول في هذا بذكر الأدلة والمعارضات والمناقشات لكن مادام اختصر نختصر ، وإن جاء شيء ذكرناه إن شاء الله .
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " ويجب الإيمان بأن الله أمر بعبادته وحده لا شريك له كما خلق الجن والإنس لعبادته وبذلك أرسل رسله وأنزل كتبه وعبادته تتضمن كمال الذل والحب له وذلك يتضمن كمال طاعته (( من يطع الرسول فقد أطاع الله )) وقد قال تعالى : (( وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله )) وقال تعالى : (( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم )) وقال تعالى : ((واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون )) (( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون )) وقال تعالى : (( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه )) وقال تعالى : (( يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم * وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون )) فأمر الرسل بإقامة الدين وأن لا يتفرقوا فيه ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : ( إنا معاشر الأنبياء ديننا واحد والأنبياء إخوة لعلات وإن أولى الناس بابن مريم لأنا ; إنه ليس بيني وبينه نبي ) .".
الشيخ :" وَيَجِبُ الْإِيمَانُ بِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ كَمَا خَلَقَ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ لِعِبَادَتِهِ وَبِذَلِكَ أَرْسَلَ رُسُلَهُ وَأَنْزَلَ كُتُبَهُ ، وَعِبَادَتُهُ تَتَضَمَّنُ كَمَالُ الذُّلِّ وَالْحُبِّ لَهُ وَذَلِكَ يَتَضَمَّنُ كَمَالَ طَاعَتِهِ : (( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ )) .". هذه الجملة تتعلق بالشرع ، تؤمن بأمر الله سبحانه وتعالى ، وأن الأمر له والتشريع إليه وعلى هذا فتعبده ، والعبادة كما يقول المؤلف ــ رحمه الله ـ تتضمن كمال الذل والحب له . لأن العبادة في الحقيقة من الذل ومن القصد ، ففيها إذا حب وذل ، فبالحب يفعل الإنسان الأوامر وبالذل يتجنب النواهي . لأن المحبوب مطلوب والمطلوب يفعل الإنسان الطرق التي توصل إليه . والمتذلل له مخوف فيهرب الإنسان من مخالفته ، ولهذا نقول العبادة مبنية على هذين الأمرين : وهما كما قال المؤلف : كمال الحب والذل ، فبكمال الحب يحصل فعل الأوامر ، لأن الأوامر هذه سلم يوصلك إلى الله عز وجل ، الصلاة والصيام والزكاة والحج وبر الوالدين ... إلى آخره ، هذه عبارة عن سلم تصل به إلى الله . وبكمال الذل يحصل اجتناب المحذور ، لأنك تذل فتخاف ، والخائف لا يخالف . يقول : (( من يطع الرسول فقد أطاع الله )) الرسول المراد به هنا محمد صلى الله عليه وسلم . ولكن مع ذلك من أطاع غيره من الرسل في زمن قيام رسالته فقد أطاع الله . " وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : (( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ )) ". إلا ليطاع ، لكن حتما أو لا .؟ لا ، بإذن الله ، كم من رسول أرسل فلم يطع ، لأن الله لم يأذن بذلك . " وَقَالَ تَعَالَى : (( قل إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ )) ." . هذه نزلت في قوم ادّعوا أنهم يحبون الله فأنزل الله تعالى : (( قل إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي )) فأي إنسان يزعم بأنه يحب الله ، بماذا نزن قوله هذا .؟ بإتباع الرسول صلى الله عليه وسلم . إن كان متبعاً له فقوله حق . وإن كان مخالف له فقوله باطل. ولهذا هؤلاء المبتدعة الذين يبتدعون الموالد للرسول صلى الله عليه وسلم وغيرها من مناسبات كمسألة المعراج وما أشابهه ، إذا قالوا نفعل ذلك محبة للرسول صلى الله عليه وسلم وتعظيماً له . نقول : كذبتم في هذا . لو كان عندكم محبة وتعظيم للرسول عليه الصلاة والسلام للزمتم طريقه وسنته ، وليست المسألة دعوى ، ( لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال دماء قوم وأموالهم ) . ولكان المشرك يدعي أنه يحب الله ويتوسل إليه تعالى بالصنم ، ولكننا نقول كل إنسان يدعي أنه يحب الله ورسوله فلنقس هذا بعمله ، إذا كان عمله متابع للرسول عليه الصلاة والسلام فهو حق وإلا فهو كاذب . " وَقَالَ تَعَالَى : (( وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ )) ". الرسول يقول له الله اسأل ، طيب هل أدرك أحدا من الرسل ؟! كيف يؤمر بأمر لا يطيقه ؟! الجواب : أن المعنى أن كتبهم موجودة ورسالتهم موجودة وأخبارهم موجودة فابحث ، اسأل من أرسلنا من قبلك ومن ذلك أحبارهم المنصفون ، فالعلماء ورثة الأنبياء ، فعندما نقول اسأل نبيا يعني اسأل أتباعه ، ولكن المراد المنصفون المعتدلون ، وأما المحرفون فلا. طيب سألنا هل جعل الله من دون الرحمن آلهة يعبدون ؟! وش الجواب .؟ لا . " وقال تعالى : (( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إلَّا نُوحِي إلَيْهِ أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ )) وَقَالَ تَعَالَى : (( شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى )) " ما هو هذا المشروع والموصى به .؟ " (( أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إلَيْهِ )) ". هذه الآية وآية أخرى في سورة الأحزاب : (( وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ )) قال أهل العلم : في هاتين الآيتين ذكر أولي العزم من الرسل ، لأن أولي العزم من الرسل خمسة : الرسول صلى الله عليه وسلم وإبراهيم وموسى ونوح وعيسى ، هؤلاء هم ألوا العزم وهم مذكورون في هذه الآية كما أنهم مذكورون في آية الأحزاب . " وَقَالَ تَعَالَى : (( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ )) فَأَمَرَ الرُّسُلَ بِإِقَامَةِ الدِّينِ وَأَنْ لَا يَتَفَرَّقُوا فِيهِ ، وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : ( إنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ دِينُنَا وَاحِدٌ وَالْأَنْبِيَاءُ إخْوَةٌ لِعَلَّاتِ وَإِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِابْنِ مَرْيَمَ لَأَنَا ، إنَّهُ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ ) ". أولاد العلات هم الأخوة من الأم وأبوهم متفرق . يعني الأصل واحد والفروع مختلفة ، هذه أولاد العلات . وقوله : ( إنه ليس بيني وبينه نبي ) في هذا دليل على بطلان قول المؤرخين الذين يقولون إن أناس من الجاهلية كانوا أنبياء . مثل خالد بن سنان وغيره . هؤلاء كذبوا في ذلك . فليس بين عيسى بن مريم ومحمد صلى الله عليه وسلم نبي لا من العرب ولا من غيرهم.
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وهذا الدين هو دين الإسلام الذي لا يقبل الله دينا غيره لا من الأولين ولا من الآخرين فإن جميع الأنبياء على دين الإسلام قال الله تعالى عن نوح : (( واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم وشركاءكم )) إلى قوله : (( وأمرت أن أكون من المسلمين )) . وقال عن إبراهيم : ((ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه )) إلى قوله : (( إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين )) إلى قوله : (( فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون )) وقال عن موسى : (( يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين )) وقال في خبر المسيح : (( وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون )) وقال فيمن تقدم من الأنبياء : (( يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا )) وقال عن بلقيس أنها قالت : (( رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين )) فالإسلام يتضمن الاستسلام لله وحده ; فمن استسلم له ولغيره كان مشركا ومن لم يستسلم له كان مستكبرا عن عبادته والمشرك به والمستكبر عن عبادته كافر والاستسلام له وحده يتضمن عبادته وحده وطاعته وحده . فهذا دين الإسلام الذي لا يقبل الله غيره ; وذلك إنما يكون بأن يطاع في كل وقت بفعل ما أمر به في ذلك الوقت ; فإذا أمر في أول الأمر باستقبال الصخرة ثم أمرنا ثانيا باستقبال الكعبة : كان كل من الفعلين حين أمر به داخلا في الإسلام فالدين هو الطاعة والعبادة له في الفعلين ; وإنما تنوع بعض صور الفعل وهو وجه المصلى فكذلك الرسل دينهم واحد وإن تنوعت الشرعة والمنهاج والوجه والمنسك ; فإن ذلك لا يمنع أن يكون الدين واحدا كما لم يمنع ذلك في شريعة الرسول الواحد .".
الشيخ :" وَهَذَا الدِّينُ هُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ الَّذِي لَا يَقْبَلُ اللَّهُ دِينًا غَيْرَهُ لَا مِنْ الْأَوَّلِينَ وَلَا مِنْ الآخرين فَإِنَّ جَمِيعَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ نُوحٍ : (( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ )) إلَى قَوْلِهِ : (( وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ )) . وَقَالَ عَنْ إبْرَاهِيمَ : (( وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إبْرَاهِيمَ إلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ )) إلَى قَوْلِهِ ، (( إذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ )) إلَى قَوْلِهِ : (( فَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )) وَقَالَ عَنْ مُوسَى : (( يَا قَوْمِ إنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ )) وَقَالَ فِي خَبَرِ الْمَسِيحِ : (( وَإِذْ أَوْحَيْتُ إلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ )) ". الطالب : وقال في حواري المسيح . الشيخ : هذا صح " وقال في حواري المسيح : (( وَإِذْ أَوْحَيْتُ إلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ )) وَقَالَ فِيمَنْ تَقَدَّمَ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ : (( يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا )) وَقَالَ عَنْ بلقيس أَنَّهَا قَالَتْ : (( رَبِّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )) ". الطالب : (( يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ )) . الشيخ : التوراة (( إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذي أسلموا )) . هذه الآيات ساقها المؤلف ليبن لنا أن الإسلام هو دين الأنبياء ، ليس هو دين محمد عليه الصلاة والسلام . لكن بعد أن بعث محمد ونسخ الأديان صار الإسلام هو دين الرسول عليه الصلاة والسلام فقط . وإلا في زمن موسى ما هو الإسلام .؟ اليهودية ، وفي زمن عيسى الإسلام النصرانية ، وفي زمن إبراهيم الإسلام دين ، وهكذا الإسلام هو دين الرسل ، لكن خص الإسلام بالمعنى المفهوم عرفاً الآن بدين محمد صلى الله عليه وسلم ، لأن كل ما سواه من الأديان أصبحت منسوخة باطلة به . فلم تكن الآن إسلاما ، فالنصارى مثلا ليسوا مسلمين اليوم ، لكنهم في زمن عيسى مسلمون ، اليهود ليسوا مسلمين اليوم لكنهم في زمن موسى مسلمون ، وبهذا كل الآيات كما رأيتم كلها تدل على أن الإسلام دين الأنبياء . إذا كان الإسلام دين الأنبياء فما هو الإسلام بالمعنى العام .؟ يقول المؤلف : " فَالْإِسْلَامُ يَتَضَمَّنُ الِاسْتِسْلَامَ لِلَّهِ وَحْدَهُ ، فَمَنْ اسْتَسْلَمَ لَهُ وَلِغَيْرِهِ كَانَ مُشْرِكًا وَمَنْ لَمْ يَسْتَسْلِمْ لَهُ كَانَ مُسْتَكْبِرًا عَنْ عِبَادَتِهِ، وَالْمُشْرِكُ بِهِ وَالْمُسْتَكْبِرُ عَنْ عِبَادَتِهِ كَافِرٌ ، وَالِاسْتِسْلَامُ لَهُ وَحْدَهُ يَتَضَمَّنُ عِبَادَتَهُ وَحْدَهُ وَطَاعَتَهُ وَحْدَهُ . ". إذا يا جماعة الآن هنا نأخذ من ذلك : أولا : ما هو الإسلام ؟! نقول : هو الاستسلام لله وحده بهذا القيد ، فمن لم يستسلم له فهو مستكبر عن عبادته ، ومن استسلم له ولغيره فهو مشرك في عبادته ، والمستكبر عن عبادته والمشرك به في عبادته كلاهما كافر . هذا التعريف للإسلام هل يختص بالإسلام الذي بعث به محمد صلى الله عليه وسلم الإسلام أو هو عام .؟ هو عام ، فالإسلام هو الاستسلام لله وحده ، لكنه بعد أن بعث محمد ونسخ جميع الأديان صار خاصاً بما عليه محمد صلى الله عليه وسلم . قال : " فَهَذَا " المشار إليه : الاستسلام لله وحده " دِينُ الْإِسْلَامِ الَّذِي لَا يَقْبَلُ اللَّهُ غَيْرَهُ ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِأَنْ يُطَاعَ فِي كُلِّ وَقْتٍ بِفِعْلِ مَا أَمَرَ بِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ " فهمتم يا جماعة وش هذا التعريف ، الاستسلام أن يطاع في كل وقت بفعل ما أمر به في ذلك الوقت، الآن نقول الإسلام لله في زمن موسى هو طاعته في اتباع التوراة، وفي زمن عيسى طاعته بإتباع الإنجيل ، وفي زمن محمد طاعته في اتباع القرآن . " فَإِذَا أَمَرَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ بِاسْتِقْبَالِ الصَّخْرَةِ ثُمَّ أَمَرَنَا ثَانِيًا بِاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ كَانَ كُلٌّ مِنْ الْفِعْلَيْنِ حِينَ أَمَرَ بِهِ دَاخِلًا فِي الْإِسْلَامِ ". المسلمون حيث قدموا المدينة . يصلون إلى بيت المقدس ، وبعد ذلك صرفوا إلى الكعبة . فصلاتهم إلى بيت المقدس إسلام أو لا .؟ الطالب : إسلام . الشيخ : وصلاتهم إلى الكعبة بعد أن نسخ إسلام . ولهذا قال الله تعالى : (( وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ )) قال العلماء : معنى إيمانكم صلاتكم إلى بيت المقدس . فسماه الله تعالى إيماناً . مع أن الإنسان لو يصلي الآن إلى بيت المقدس صار مجرماً وصار فاعلاً للمحرم ، وإذا استحله أو أوجبه كان كافراً . فالحاصل أن نقول الإسلام هو الاستسلام لله تبارك وتعالى وحده ، وذلك بطاعته في كل وقت بما أمر به في ذلك الوقت ، سواء كان ذلك في الشريعة كاملة أو كان في جزء من أجزاء الشريعة ، ففي الشريعة كاملة مثل طاعة الله تعالى باتباع التوراة في زمن موسى ، وش نعتبره .؟ إسلاما ، وفي جزء الرسالة ، طاعة الله في استقبال بيت المقدس أول الهجرة إسلام ، ثم إلى الكعبة إسلام أيضا . قال : " فَالدِّينُ هُوَ الطَّاعَةُ وَالْعِبَادَةُ لَهُ فِي الْفِعْلَيْنِ ، وَإِنَّمَا تَنَوُّعُ بَعْضِ صُوَرِ الْفِعْلِ وَهُوَ وَجْهُ الْمُصَلَّى ، فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ دِينُهُمْ وَاحِدٌ وَإِنْ تَنَوَّعَتْ الشِّرْعَةُ وَالْمِنْهَاجُ وَالْوَجْهُ وَالْمَنْسَكُ ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ الدِّينُ وَاحِدًا كَمَا لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ فِي شَرِيعَةِ الرَّسُولِ الْوَاحِدِ ". صحيح، الدين واحد وهو الإسلام لله سبحانه وتعالى سواء بهذا أو بهذا ، مادام أن الشرع قائم في شريعة واحدة أو في شرائع فالإسلام هو طاعة الله تعالى في ذلك الدين .
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " والله تعالى جعل من دين الرسل : أن أولهم يبشر بآخرهم ويؤمن به وآخرهم يصدق بأولهم ويؤمن به قال الله تعالى : (( وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين )) قال ابن عباس : لم يبعث الله نبيا إلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث محمد وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه وقال تعالى : (( وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا )) وجعل الإيمان متلازما وكفر من قال : إنه آمن ببعض وكفر ببعض قال الله تعالى : (( إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا )) وقال تعالى : (( أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب )) إلى قوله : (( تعملون )) .".
الشيخ :" وَاَللَّهُ تَعَالَى جَعَلَ مِنْ دِينِ الرُّسُلِ : أَنَّ أَوَّلَهُمْ يُبَشِّرُ بِآخِرِهِمْ وَيُؤْمِنُ بِهِ وَآخِرَهُمْ يُصَدِّقُ بِأَوَّلِهِمْ وَيُؤْمِنُ بِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (( وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ )) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : لَمْ يَبْعَثْ اللَّهُ نَبِيًّا إلَّا أَخَذَ عَلَيْهِ الْمِيثَاقَ لَئِنْ بُعِثَ مُحَمَّدٌ وَهُوَ حَيٌّ لِيُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَيَنْصُرُنَّهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمِيثَاقَ عَلَى أُمَّتِهِ لَئِنْ بُعِثَ مُحَمَّدٌ وَهُمْ أَحْيَاءٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَيَنْصُرُنَّهُ وَقَالَ تَعَالَى : (( وَأَنْزَلْنَا إلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا )) ". أظن هذا واضح .؟ كله يفيد بأن الرسل أولهم يبشر بآخرهم ويؤمن به ، حتى عيسى آخر الأنبياء قال لقومه : (( إني رسول الله إليكم مصدقاً لما بين يدي من التوراة ومبشراً برسول من بعد اسمه أحمد)). ولهذا النصارى يعتبرون الآن كافرين بعيسى كماهم كافرون بمحمد . لأن عيسى بشرهم بشارة خاصة بهذا الرسول . وهل يبشر الإنسان بما لا ينتفع به ؟! وهل يمكن أن ينتفعوا بمحمد إلا بأتباعه .؟ لا ... فالمهم أن هذا الذي قاله المؤلف يدلنا على أن الإسلام هو الاستسلام لله تعالى وذلك بطاعته في كل وقت بما أمر به في ذلك الوقت . الطالب : ... . الشيخ : إصري : أي عهدي ، الإصر العهد ، وسمي العهد إصرا لأنه يثقل المعاهد . " وَجَعَلَ الْإِيمَانَ مُتَلَازِمًا وَكَفَّرَ مَنْ قَالَ : إنَّهُ آمَنَ بِبَعْضٍ وَكَفَرَ بِبَعْضٍ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (( إنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا )) وَقَالَ تَعَالَى : (( أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ )) إلَى قَوْلِهِ : (( تَعْمَلُونَ )) ". (( وما الله بغافل عما تَعْمَلُونَ )) . فالآية الأولى تدل على أن من فرق بين الرسل فهو كافر : (( وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ )) . والآية الثانية تدل على أن من كفر ببعض شريعة النبي وآمن ببعض فهو أيضا مستحق للعقوبة (( فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إلَّا خِزْيٌ )) . وعلى هذا فالإسلام لله هو أن يستسلم لله ظاهراً وباطناً بطاعة الله تعالى في كل وقت بما أمر به في ذلك الوقت . وبهذا المعنى يكون هذا التعريف شاملا للإسلام في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وما كان قبله .
الطالب : ... . الشيخ : كل الكفار مخاطبون بأصول الشريعة وفروع الشريعة ، كل الكفار يخاطبون بالأفرع والأصل لأن الله يعاقبهم عليه ، قال : (( ما سلككم في سقر * قالوا لم نك من المصلين * ولم نك نطعم المسكين * وكنا نخوض مع الخائضين * وكنا نكذب بيوم الدين * حتى أتانا اليقين )) فهم مخاطبون بكل شيء ، وكيف أن المسلم إذا عصى الله بهذا الذنب يعذب والكافر لا يعذب .؟! من باب أولى .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين : تقدم أن المؤلف ذكر أن الأصل الثاني هو التوحيد في العبادة ، وأما الأصل الأول فهو التوحيد في الصفات ، وذكر أن الإسلام هو الاستسلام لله وحده ، فمن لم يستسلم لله فهو مستكبر ، ومن استسلم له ولغير فهو مشرك ، وكل منهما كافر ، وذكر أيضا أن الإسلام هو طاعة الله تبارك وتعالى في ما أمر به في ذلك الوقت الذي أمر به ، وأن هذا يشمل الشرائع عامة أو بعض أجزاء الشريعة ، وذكر لهذا أمثلة ، فالرسل السابقون عليهم الصلاة والسلام وأتباعهم مسلمون أو لا .؟ الطالب : مسلمون . الشيخ : لأنهم أطاعوا الله في الوقت الذي أمرهم به ، والمسلمون حين كانوا متجهين إلى بيت المقدس كانوا مسلمين لله قبل أن تحول القبلة ، فالمهم أن الإسلام هو الاستسلام لله تعالى بالتزام طاعته في كل وقت بما أمر به . الطالب : ... على إطلاقه .؟ الشيخ : ما يصلح إلا ما ذكره المؤلف .
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وقد قال لنا : (( قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم )) فأمرنا أن نقول : آمنا بهذا كله ونحن له مسلمون .
فمن بلغته رسالة محمد صلى الله عليه وسلم فلم يقر بما جاء به لم يكن مسلما ولا مؤمنا ; بل يكون كافرا وإن زعم أنه مسلم أو مؤمن . كما ذكروا أنه لما أنزل الله تعالى : (( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين )) قالت اليهود والنصارى : فنحن مسلمون : فأنزل الله : (( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا )) فقالوا : لا نحج فقال تعالى : (( ومن كفر فإن الله غني عن العالمين )) فإن الاستسلام لله لا يتم إلا بالإقرار بما له على عباده من حج البيت ; كما قال صلى الله عليه وسلم : ( بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله , وأن محمدا رسول الله , وإقام الصلاة , وإيتاء الزكاة , وصوم رمضان , وحج البيت ) ولهذا لما وقف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة أنزل الله تعالى : (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )) .
وقد تنازع الناس فيمن تقدم من أمة موسى وعيسى هل هم مسلمون أم لا ؟ وهو نزاع لفظي فإن الإسلام الخاص الذي بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم المتضمن لشريعة القرآن : ليس عليه إلا أمة محمد صلى الله عليه وسلم والإسلام اليوم عند الإطلاق يتناول هذا وأما الإسلام العام المتناول لكل شريعة بعث الله بها نبيا فإنه يتناول إسلام كل أمة متبعة لنبي من الأنبياء . ".
الشيخ :" وَقَدْ قَالَ لَنَا : (( قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إلَى إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ )) ". الأسباط في بني إسرائيل وقد قيل أنهم هم أولاد يعقوب ، وقيل إنهم غيرهم . وأما قوله : (( ونحن له مسلمون )) فالضمير في قوله : (( له )) يعود على الله (( ونحن له )) أي لله مسلمون . وفي تقديم المعمول (( له مسلمون )) دليل على الحصر . وأننا لا نسلم إلا لله تبارك وتعالى . وفي قوله : (( فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ ... )) دليل على أن هذا هو الإيمان . وأنه بعد بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام لا يصح الإسلام إلا على هذا الوصف . " فَأَمَرَنَا أَنْ نَقُولَ : آمَنَّا بِهَذَا كُلِّهِ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ . فَمَنْ بَلَغَتْهُ رِسَالَةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُقِرَّ بِمَا جَاءَ بِهِ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا وَلَا مُؤْمِنًا ، بَلْ يَكُونُ كَافِرًا وَإِنْ زَعْم أَنَّهُ مُسْلِمٌ أَوْ مُؤْمِنٌ " المهم أمرنا الله أَنْ نَقُولَ : آمَنَّا بالله وما أنزل إلينا ... إلى آخره . فَمَنْ بَلَغَتْهُ هذه الرِسَالَةُ رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يؤمن به لم يكن مؤمنا حتى لو قال إنه مؤمن ، فإنه لا يمكن أن يكون مؤمنا مع كفره بالرسول صلى الله عليه وسلم . " كَمَا ذَكَرُوا أَنَّهُ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : (( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ )) قَالَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى : فَنَحْنُ مُسْلِمُونَ : فَأَنْزَلَ اللَّهُ : (( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا )) فَقَالُوا : لَا نَحُجُّ فَقَالَ تَعَالَى : (( وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ )) ". قوله : " كما ذكروا " يعنى المفسرين . ذكروا هذا . ولكن هذا ليس له سند يعتمد عليه . وإنما هو منقطع ، وعلى كل حال فالآية عامة وهي قوله : (( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ )) والإسلام كما مر هو الِاسْتِسْلَامَ لِلَّهِ وحده ، وهو أيضا طاعته في كل وقت بما أمر به . فبعد بعثة الرسول ما هو الإسلام .؟ دين الرسول عليه الصلاة والسلام ، واليهود والنصارى ليسوا مسلمين حتى لو قالوا إنا مسلمون ، نقول : لا ، لأنكم لم تأمنوا بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم . " فَإِنَّ الِاسْتِسْلَامَ لِلَّهِ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْإِقْرَارِ بِمَا لَهُ عَلَى عِبَادِهِ مِنْ حِجِّ الْبَيْتِ ، كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ ، وَحَجِّ الْبَيْتِ ) وَلِهَذَا لَمَّا وَقَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : (( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا )) " اليوم يعني به يوم عرفة ، فـ " ال " يسمونها للعهد الحضوري ، يعني اليوم هذا أي اليوم الحاضر (( أكملت لكم دينكم ... )) إلى آخره . الشيخ :" وَقَدْ تَنَازَعَ النَّاسُ فِيمَنْ تَقَدَّمَ مِنْ أُمَّةِ مُوسَى وَعِيسَى هَلْ هُمْ مُسْلِمُونَ أَمْ لَا ؟ وَهُوَ نِزَاعٌ لَفْظِيٌّ ، فَإِنَّ الْإِسْلَامَ الْخَاصَّ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتَضَمِّنُ لِشَرِيعَةِ الْقُرْآنِ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالْإِسْلَامُ الْيَوْمَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَتَنَاوَلُ هَذَا ، وَأَمَّا الْإِسْلَامُ الْعَامُّ الْمُتَنَاوِلُ لِكُلِّ شَرِيعَةٍ بَعَثَ اللَّهُ بِهَا نَبِيًّا فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ إسْلَامَ كُلِّ أُمَّةٍ مُتَّبِعَةٍ لِنَبِيِّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ . ". والصواب أن نقول أنهم مسلمون . الذين تقدموا من اتباع موسى وعيسى وغيرهما أيضا كلهم مسلمون ، وقد ذكر المؤلف فيما سبق آيات كثيرة منذ نوح إلى عيسى ، كلها تدل على أن الإسلام في أولئك الأمم ، وأنهم يوصفون بالإسلام ، لكن كما قال المؤلف : بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم لا يوصف بالإسلام إلا من كان على دين محمد صلى الله عليه وسلم . وقوله إن النازع لفظي ، صحيح النازع لفظي ، يعني لا يؤدي إلى تفرق في المعنى ، فالذين يقولون أنهم ليسوا مسلمين . يعنون أنهم ليسوا مسلمين باعتبار اليوم ، والذين يقولون أنهم مسلمون باعتبار قيام شريعتهم ، فهم وقت قيام شريعتهم مسلمين ، أما اليوم فإنهم ليسوا بمسلمين ، لأنه نسخت الأديان بهذه الشريعة . الطالب : ... . الشيخ : ... يعني فالمؤلف يبين لماذا قال الله : (( ومن كفر فإن الله غني على العالمين )) فجعله كافرا ، قال : لأن الإسلام ما يتم إلا بالإقرار بما فرض الله على عباده من الحج .
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " ورأس الإسلام مطلقا شهادة أن لا إله إلا الله وبها بعث جميع الرسل كما قال تعالى : (( ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت )) وقال تعالى : (( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون )) وقال عن الخليل : (( وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنه سيهدين وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون ))} وقال تعالى عنه : (( أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون فإنهم عدو لي إلا رب العالمين )) وقال تعالى : (( قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله )) وقال : (( واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون )) وذكر عن رسله : كنوح وهود وصالح وغيرهم أنهم قالوا لقومهم : (( اعبدوا الله ما لكم من إله غيره )) وقال عن أهل الكهف : (( إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السموات والأرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا )) إلى قوله : (( فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا )) وقد قال سبحانه : (( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء )) ذكر ذلك في موضعين من كتابه .
وقد بين في كتابه الشرك بالملائكة , والشرك بالأنبياء , والشرك بالكواكب , والشرك بالأصنام - وأصل الشرك الشرك بالشيطان - فقال عن النصارى : (( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون )) وقال تعالى : (( وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم )) وقال تعالى : (( ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله )) إلى قوله : (( ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون )) ؟ فبين أن اتخاذ الملائكة والنبيين أربابا كفر .".
قال : " وَرَأْسُ الْإِسْلَامِ مُطْلَقًا شَهَادَةُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " قوله : ورأس الإسلام مطلقاً . يعني به الإسلام الذي بعد بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام والإسلام الذي قبله ، فإن رأس الرسالات التي جاءت بها الرسل هي شهادة ألا إله إلا الله . " وَبِهَا بُعِثَ جَمِيعُ الرُّسُلِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : (( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ )) ". قوله : (( واجتنبوا الطاغوت )) المراد بالطاغوت : كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع ، هذا هو الطاغوت ، كل ما تجاوز الإنسان به حده من معبود فالأصنام نسميها طواغيت ، أو متبوع كالأحبار والرهبان المضلين . أو مطاع كالأمراء الفسقة ، فإن كلهم يسمون طواغيت ، لأنهم تجاوزوا الحد وطغوا ، والطغيان في الأصل مجاوزة الحد ، فأمر الله بعبادته وحده واجتناب الطاغوت، والطاغوت كما سمعت هو : كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع . " وَقَالَ تَعَالَى : (( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إلَّا نُوحِي إلَيْهِ أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ )) وَقَالَ عَنْ الْخَلِيلِ : (( وَإِذْ قَالَ إبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ )) ". (( وجعلها )) أي هذه البراءة (( كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون )) شف (( إنني برئ مما تعبدون إلا الذي فطرني )) هذه في المعنى على وزان قول : لا إله إلا الله . لا إله تبرء من جميع العالم . إلا الله إثبات للألوهية لله عز وجل ، فقوله هنا (( إنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إلَّا الَّذِي فَطَرَنِي )) بمعنى لا إله إلا الله . وقوله : (( وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ )) أي هذه البراءة من عبادة غير الله جعلها كلمة باقية في عقبه أي عقب إبراهيم ، فيدخل فيهم اليهود والنصارى ، لأن اليهود والنصارى من بني إسرائيل وإسرائيل هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم . " وَقَالَ تَعَالَى عَنْهُ : (( أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ )) " القائل من : (( أَفَرَأَيْتُمْ ... )) .؟ إبراهيم . " وَقَالَ تَعَالَى : (( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا )) " إلى متى .؟ " (( حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وحده )) وَقَالَ : (( وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ )) ". تقدم الكلام على إشكال حول هذا ، ما هو الإشكال في هذه الآية الذي أوردناه أمس وأجبنا عنه .؟ الطالب : ... . الشيخ : هو كيف يؤمر بأن يسأل من أرسل وقد مات ، وهل هذا إلا أمر بما لا يطاق .؟ وأجبنا عنه بأن المراد الرجوع إلى أتباعهم من العلماء والكتب التي بقيت في أيديهم . " وَذَكَرَ عَنْ رُسُلِهِ : كَنُوحِ وَهُودٍ وَصَالِحٍ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ: (( اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إلَهٍ غَيْرُهُ )) وَقَالَ عَنْ أَهْلِ الْكَهْفِ : (( إنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إذًا شَطَطًا )) " . الطالب : ... . الشيخ : أنت ظننت ندعوا ... نعم لو كان هذه الواو ضميرا لكن هذه الواو من الفعل ولهذا نصبت (( لن ندعوا )) ... القوم يدعون ثم تقول القوم لم يدع أحدا ... الألف تأتي بعد واو الضمير لا بعد واو الفعل (( إذًا شَطَطًا )) أي قولا بعيدا عن الصواب . " إلَى قَوْلِهِ : (( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا )) وَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ : (( إنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ )) ذَكَرَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ كِتَابِهِ ". وكلا الموضعين في سورة النساء : (( إنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ )) فدل هذا عظم الشرك . وهل يشمل الشرك الأصغر فيكون غير مغفور أو المراد الشرك الأكبر .؟ ننظر الآية : (( إنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ )) لا يغفر نفي . وأن يشرك به مؤول بمصدر . فيغفر إشراكاً به ، والمعروف أن النكرة في سياق النفي تفيد العموم ، ولهذا قال شيخ الإسلام رحمه الله: الشرك لا يغفره الله ولو كان أصغر . فالذي يحلف بغير الله لا يغفر له هذا إلا إذا تاب منه . وقد روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : " لأن أحلف بالله كاذباً أحب إليّ أن أحلف بغيره صادقاً " لأن الحلف بغير الله كاذبا من الكبائر . والحلف بغيره صادقاً من الشرك ، وخطيئة الشرك أعظم من خطيئة الكبائر ، فالمهم أن هذا فيه دليل على عظم الشرك وأنه لا يغفر ، وظاهر الآية الكريمة ولو كان أصغر ، ولكن ليس معنى لا يغفر أنه إذا تاب الإنسان منه لا يغفر له ، لا ، لكنه إذا تاب منه غفر له . الشيخ :" وَقَدْ بَيَّنَ فِي كِتَابِهِ الشِّرْكَ بِالْمَلَائِكَةِ ، وَالشِّرْكَ بِالْأَنْبِيَاءِ ، وَالشِّرْكَ بِالْكَوَاكِبِ ، وَالشِّرْكَ بِالْأَصْنَامِ ، وَأَصْلُ الشِّرْكِ الشِّرْكُ بِالشَّيْطَانِ " . الطالب : ... . الشيخ :" وَأَصْلُ الشِّرْكِ الشِّرْكُ بِالشَّيْطَانِ " ليس موجودا ، حتى مشكلة العبارة هذه . " فَقَالَ عَنْ النَّصَارَى : (( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إلَّا لِيَعْبُدُوا إلَهًا وَاحِدًا لَا إلَهَ إلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ )) " هذا شرك بالمسيح ، الأحبار والرهبان والمسيح . " وَقَالَ تَعَالَى : (( وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ مَا قُلْتُ لَهُمْ إلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ )) ". قول الله تعالى لعيسى هذا يكون يوم القيامة ، والغرض منه توبيخ عابديه . أما الله يعلم أنه ما قال لهم إلا ما أمر به . لكن المراد توبيخ عابدي عيسى ، مثل قوله تعالى : (( وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ )) المؤودة تسأل توبيخاً لمن قتلها . وليس توبيخا لها هي ، لأنها هي مجترئ عليها ، إذا السؤال لتوبيخ من اتخذوه إله من دون الله . " وَقَالَ تَعَالَى : (( ومَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ )) إلَى قَوْلِهِ : (( وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )) فَبَيَّنَ أَنَّ اتِّخَاذَ الْمَلَائِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا كُفْرٌ " كيف بين ذلك .؟ بقوله : (( أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ )) .
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " ومعلوم أن أحدا من الخلق لم يزعم أن الأنبياء والأحبار والرهبان والمسيح ابن مريم شاركوا الله في خلق السموات والأرض . بل ولا زعم أحد من الناس أن العالم له صانعان متكافئان في الصفات والأفعال . بل ولا أثبت أحد من بني آدم إلها مساويا لله في جميع صفاته بل عامة المشركين بالله : مقرون بأنه ليس شريكه مثله بل عامتهم يقرون إن الشريك مملوك له سواء كان ملكا أو نبيا أو كوكبا أو صنما ; كما كان مشركو العرب يقولون في تلبيتهم : ( لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك ) .
فأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتوحيد وقال : ( لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ) وقد ذكر أرباب المقالات : ما جمعوا من مقالات الأولين والآخرين في الملل والنحل والآراء والديانات فلم ينقلوا عن أحد إثبات شريك مشارك له في خلق جميع المخلوقات ولا مماثل له في جميع الصفات ; بل من أعظم ما نقلوا في ذلك قول الثنوية الذين يقولون بالأصلين : النور والظلمة وأن النور خلق الخير , والظلمة خلقت الشر ثم ذكروا لهم في الظلمة قولين : أحدهما : أنها محدثة فتكون من جملة المخلوقات له والثاني : أنها قديمة لكنها لم تفعل إلا الشر فكانت ناقصة في ذاتها وصفاتها ومفعولاتها عن النور .".
الشيخ :" وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَحَدًا مِنْ الْخَلْقِ لَمْ يَزْعُمْ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَالْأَحْبَارَ وَالرُّهْبَانَ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ شَارَكُوا اللَّهَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ " صحيح هذا أو لا .؟ أي نعم . بل إنهم إذا سئلوا من خلق السموات والأرض يقولون الله . " بَلْ وَلَا زَعَمَ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ أَنَّ الْعَالَمَ لَهُ صَانِعَانِ مُتَكَافِئَانِ فِي الصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ " صحيح هذا ، لكن من المشهور أن المجوس يقولون إن للعالم صانعين أو خالقين . لكنهم لا يرون أن هذين الخالقين متكافئان في الصفات والأفعال . بل يقولون إن النور أفضل من الظلمة . لأن الخالقين عندهم هما النور والظلمة ، لكنهم يقولون إن النور خير وأفضل من الظلمة ولذلك يخلق الخير والظلمة تخلق الشر . فهم أي المجوس جعلوا للخلق صانعين ولمنهم لم يجعلوهما متساويين ومتكافئين ، بل يفضل أحدهما على الآخر . قوله : " بَلْ وَلَا أَثْبَتَ أَحَدٌ مِنْ بَنِي آدَمَ إلَهًا مُسَاوِيًا لِلَّهِ فِي جَمِيعِ صِفَاتِهِ ". ما رأيكم في هذه الجملة .؟ لأن فرعون يقول لقومه : (( مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ )) فهو يقول لهم : (( مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي )) فكيف يكون كلام المؤلف هنا صحيحا ؟! وقد ذكر الله عن فرعون أنه يقول لقومه : (( مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي )) .؟ ... يقول ما أثبت أحد من بني آدم أن لله تعالى إلها مساويا له في الصفات والأفعال ، فهل كلام المؤلف هنا والله يقول عن فرعون أنه قال لقومه : (( مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي )) .؟ الطالب : ... . الشيخ : لكن المؤلف ابن تيمية يقول : ليس فيه أحد يثبت إلها مساويا لله تعالى في الصفات والأفعال ، وفرعون ليس يثبت إلها ، يرى أنه ليس فيه إله إلا هو .؟ ... طيب من يجيب .؟ الطالب : ... . الشيخ : ...نقول إن فرعون في قرارة نفسه لا يرى ما يقول ، ولهذا قال له موسى : (( لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَـؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَآئِرَ )) يقول موسى له ، ما قال : أبدا ما علمت هذا ، يقول له موسى : (( لَقَدْ عَلِمْتَ )) يخاطب فرعون (( مَا أَنزَلَ هَـؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَآئِرَ )) بعد ذلك سكت لم ينكر ، كذلك يقول الله تعالى عنهم : (( وجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ )) . فلا يمكن لأي أحد أن يستقر على هذا القول ، على أن للعالم خالقين متساويين في الصفات والأفعال . لا يمكن أبداً ، بل ولا يمكن لأي عاقل أن يقر له قدم على أنه لا خالق للخلق أبداً ، حتى الشيوعيون الآن لا شك أن العاقل منهم يدرون بأن للعالم خالقا ، لكنهم طبعا مثل فرعون لا يقرون . طيب يقول : " بَلْ عَامَّةُ الْمُشْرِكِينَ بِاَللَّهِ مُقِرُّونَ بِأَنَّهُ لَيْسَ شَرِيكُهُ مِثْلَهُ ، بَلْ عَامَّتُهُمْ يُقِرُّونَ أَنَّ الشَّرِيكَ مَمْلُوكٌ لَهُ سَوَاءٌ كَانَ مَلَكًا أَوْ نَبِيًّا أَوْ كَوْكَبًا أَوْ صَنَمًا ، وكَمَا كَانَ مُشْرِكُو الْعَرَبِ يَقُولُونَ فِي تَلْبِيَتِهِمْ : ( لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك إلَّا شَرِيكًا هُوَ لَك تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ ) ". انظر التناقض . لا شريك لك إلا شريكا هو لك . إذا كان له كيف يصير شريكا .؟! هل يكون المملوك شريكاً للمالك .؟ لا ، هذا تناقض ، مالك ما يمكن يصير المملوك شريكا له ، ولهذا يقول الله تعالى : (( ضَرَبَ لَكُم مَّثَلاً مِنْ أَنفُسِكُمْ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاء فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء )) وش الجواب .؟ يعني أن الإنسان عنده عبيد فهل عبيده يشاركونه في ملكه ؟! لا . (( هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاء فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء )) الجواب : لا ، إذا كان كذلك فكيف تقولون إن لله تبارك وتعالى شركاء فيما هو خالقهم ، هذا متناقض ، ولكن الجهل . " فَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّوْحِيدِ وَقَالَ : ( لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ ) " ولا قال : إلا شريكا هو لك ، لكن قال بدلها : " ( إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَك ) " هذا التوحيد . " وَقَدْ ذَكَرَ أَرْبَابُ الْمَقَالَاتِ مَا جَمَعُوا مِنْ مَقَالَاتِ الْأَوَّلِينَ والآخرين فِي الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ وَالْآرَاءِ وَالدِّيَانَاتِ فَلَمْ يَنْقُلُوا عَنْ أَحَدٍ إثْبَاتَ شَرِيكٍ مُشَارِكٍ لَهُ فِي خَلْقِ جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ ، وَلَا مُمَاثِلَ لَهُ فِي جَمِيعِ الصِّفَاتِ ، بَلْ مِنْ أَعْظَمِ مَا نَقَلُوا فِي ذَلِكَ قَوْلَ الثنوية الَّذِينَ يَقُولُونَ بِالْأَصْلَيْنِ النُّورِ والظُّلْمَةِ ، وَأَنَّ النُّورَ خَلَقَ الْخَيْرَ ، وَالظُّلْمَةَ خَلَقَتْ الشَّرّ ، ثُمَّ ذَكَرُوا لَهُمْ فِي الظُّلْمَةِ قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهَا مُحْدَثَةٌ فَتَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَخْلُوقَاتِ لَهُ " لمن .؟ للنور . " وَالثَّانِي : أَنَّهَا قَدِيمَةٌ لَكِنَّهَا لَمْ تَفْعَلْ إلَّا الشَّرَّ فَكَانَتْ نَاقِصَةً فِي ذَاتِهَا وَصَفَاتِهَا وَمَفْعُولَاتِهَا عَنْ النُّورِ " . والله الموفق .
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وقد أخبر سبحانه عن المشركين من إقرارهم بأن الله خالق المخلوقات ما بينه في كتابه فقال : (( ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون )) وقال تعالى : (( قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل أفلا تذكرون قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم سيقولون لله قل أفلا تتقون )) إلى قوله : (( فأنى تسحرون )) إلى قوله : (( ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون )) وقال : (( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون )) .".
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين : سبق أن المؤلف رحمه الله تعالى نقل عن الذين يتكلمون في مقالات الناس الخلافيات أنهم لم ينقلوا أن أحدا من الناس قال بإثبات صانعين للعالم متساويين ، وهذا صحيح ، ليس فيه أحد قال إن للعالم خالقين متساويين أبدا ، ولا يمكن أن يقوله عاقل .يقول : " بل من أعظم ما نقلوا في ذلك قول الثنوية الذين يقولون بالأصلين : النور والظلمة ، وأن النور خلق الخير ، والظلمة خلقت الشر ، ثم ذكروا لهم في الظلمة قولين : أحدهما : أنها محدثة فتكون من جملة المخلوقات له ." أي : للنور . " والثاني : أنها قديمة لكنها لم تفعل إلا الشر فكانت ناقصة في ذاتها وصفاتها ومفعولاتها عن النور . وَقَدْ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ عَنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ إقْرَارِهِمْ بِأَنَّ اللَّهَ خَالِقُ الْمَخْلُوقَاتِ مَا بَيَّنَهُ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ : (( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ )) " الله فاعل لفعل محذوف تقديره خلقهن الله ، وهذا إقرار بأن الله وحده هو الخالق . " (( قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ )) " الجواب : لا " (( أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ )) " لا ، إذن " (( قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ )) " حسبي بمعنى كافيني . " وَقَالَ تَعَالَى : (( قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ )) إلَى قَوْلِهِ : (( فَأَنَّى تُسْحَرُونَ )) " وش الآية الثالثة .؟ (( قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون * سيقولون لله قل فأنى تسحرون )) كل هذه الآيات تدل على أن المشركين كانوا مقرين بأن الله تبارك وتعالى وحده هو الخالق . وقال : " إلَى قَوْلِهِ : (( مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إلَهٍ إذًا لَذَهَبَ كُلُّ إلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ )) ". (( مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ )) لماذا لم يتخذ ولداً ؟! لكمال غناه عن الولد ، ولأنه ليس كمثله شيء، فهو مستغن عن الولد ، لا يحتاج إلى الولد يعينه ولا يساعده ولا يبقي ذكره ، وكذلك أيضا لا شبيه له ، والولد لو فرض أن له ولداً لكان مشابها له ، والله سبحانه وتعالى منزه عن ذلك : ثانيا : (( وما كان معه من إله )) من حرف جر زائد من حيث الإعراب ، لكنه من حيث المعنى للتوكيد ، يعني وما كان معه إله . (( إذا )) هذا التنوين عوض عن جملة تقديرها إذ لو كان معه إله (( لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون )) لو كان معه إله لوجوب أن ينفرد كل إله بما خلق ، فيكون للعالم بذلك خالقين ، لازم يكون له خالقين ، وكل خالق ينفرد بما خلق . ونحن الآن نشاهد أن الكون شيء واحد ليس فيه تناقض ولا تنافر ولا يصادم بعضه بعضا . ولا يخالف بعضه بعضا ، مما يدل دلالة قطعية على أن مدبره واحد ، لو كان هناك إلهين كان كل واحد له مملكة ، مثل ما نرى في ملوك الدنيا كل ملك له مملكة وحده ، لا يمكن يدخل عليه الأخر ولا هو يدخل على الآخر . ونحن نشاهد الآن الكون أنه شيء واحد لا تناقض فيه . كذلك أيضا الأمر الثاني مما يدل على الامتناع (( ولعلا بعضهم على بعض )) هذا أيضا ضروري أن يعلوا بعضهم على بعض ، فإذا علا بعضهم على بعض فمن الذي يستحق أن يكون إلها ؟! العالي هو الذي يستحق أن يكون إلها وحينئذ ينفرد بالألوهية . وإن عجز بعضهم أن يعلو بعضا صار الجميع غير صالح للألوهية لأن الإله لا يكون عاجز . أرجو الانتباه لهذا الدليل ، لو كان مع الله إله لزم أن ينفرد كل إله بما خلق ، وحينئذ إذا انفرد كل إله بما خلق إما أن يعلو بعضهم على بعض ـ أحسن جمع حتى يشمل الإله ومن معه ـ إما أن يعلو بعضهم على بعض ، أو يعجز بعضهم عن بعض ، إن علا بعضهم على بعض فالعالي هو الإله ، وتتعين الألوهية فيه ، وإن عجز بعضهم عن بعض فكل منهم غير صالح أن يكون إلها ، لأن الإله لا يكون عاجزا ، وحينئذ يبطل تعدد الآلهة على كل تقدير . فتبين بهذه الآية الكريمة امتناع تعدد الآلهة من وجهين : الوجه الأول : لو تعددت الآلهة لذهب كل إله بما خلق ، ونحن نرى الآن ان الكون شيء واحد لا اضطراب فيه ، الشمس تطلع على ما هي عليه وتغيب على ما هي عليه ، ما فيه واحد يقول : لا ، أنا أريدها اليوم ما تطلع ، القمر أريد أن لا يطلع اليوم ، نجد أن الكون كله واحد ، ولسنا مكلفين بما لا نعلم ، كل ما نعلمه من الكون نجد أنه يدبر بتدبير إله واحد . الشيء الثاني مما يدل على الامتناع : أنه لو تعددوا وذهب كل إله بما خلق لعلا بعضهم على بعض ، أو عجز بعضهم عن بعض ، فإن علا بعضهم على بعض فالعالي هو الإله والمعلو عليه ليس بإله ، وإن عجز كل منهما على الآخر فكل منهما لا يصلح إلها ، وهذا دليل قطعي جدا من أوضح ما يكون .
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وبهذا وغيره يعرف ما وقع من الغلط في مسمى التوحيد فإن عامة المتكلمين الذين يقررون التوحيد في كتب الكلام والنظر : غايتهم أن يجعلوا التوحيد ثلاثة أنواع . فيقولون : هو واحد في ذاته لا قسيم له , وواحد في صفاته لا شبيه له , وواحد في أفعاله لا شريك له وأشهر الأنواع الثلاثة عندهم هو الثالث وهو توحيد الأفعال . وهو أن خالق العالم واحد وهم يحتجون على ذلك بما يذكرونه من دلالة التمانع وغيرها ويظنون أن هذا هو التوحيد المطلوب , وأن هذا هو معنى قولنا لا إله إلا الله حتى قد يجعلوا معنى الإلهية القدرة على الاختراع ومعلوم أن المشركين من العرب الذين بعث إليهم محمد صلى الله عليه وسلم أولا : لم يكونوا يخالفونه في هذا بل كانوا يقرون بأن الله خالق كل شيء حتى إنهم كانوا يقرون بالقدر أيضا وهم مع هذا مشركون فقد تبين أن ليس في العالم من ينازع في أصل هذا الشرك ; ولكن غاية ما يقال : إن من الناس من جعل بعض الموجودات خلقا لغير الله كالقدرية وغيرهم ; لكن هؤلاء يقرون بأن الله خالق العباد وخالق قدرتهم وإن قالوا إنهم خلقوا أفعالهم .".
الشيخ : وَقَالَ : " وَبِهَذَا وَغَيْرِهِ يُعْرَفُ مَا وَقَعَ مِنْ الْغَلَطِ فِي مُسَمَّى التَّوْحِيدِ فَإِنَّ عَامَّةَ الْمُتَكَلِّمِينَ الَّذِينَ يُقَرِّرُونَ التَّوْحِيدَ فِي كُتُبِ الْكَلَامِ وَالنَّظَرِ ، غَايَتُهُمْ أَنْ يَجْعَلُوا التَّوْحِيدَ ( ثَلَاثَةَ أَنْوَاعٍ ) . فَيَقُولُونَ : هُوَ وَاحِدٌ فِي ذَاتِهِ لَا قَسِيمَ لَهُ ، وَوَاحِدٌ فِي صِفَاتِهِ لَا شَبِيهَ لَهُ ، وَوَاحِدٌ فِي أَفْعَالِهِ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَرُ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ عِنْدَهُمْ هُوَ الثَّالِثُ وَهُوَ تَوْحِيدُ الْأَفْعَالِ ، وَهُوَ أَنَّ خَالِقَ الْعَالَمِ وَاحِدٌ ... ". إلى آخره . يقولون هو واحد في ذاته لا قسيم له . معناه أنه ما ينقسم " واحد في ذاته " ما يمكن أن ينقسم ، واحد في صفاته لا شبيه له في صفاته ، صفاته تختص به . واحد في أفعاله لا شريك له ، كذلك أيضا أفعاله لا يشاركه أحد فيها ، هو الذي يخلق السموات والأرض وهو الذي يحي ويميت ويعز ويذل ... إلى آخره ، هذا الكلام إذا قرأته تظن أنه غاية التوحيد لأنه كلام طيب ، هل الله ينقسم ؟! الطالب : لا . الشيخ : إذا هو واحد ، لا يمكن أن يكون له قسيم . هل الله له مشابه في صفاته ؟! الطالب : لا . الشيخ : إذا هو واحد في صفاته لا شبيه له . هل لله مشارك في أفعاله ؟! لا ، إذن الله تعالى واحد هذا التوحيد . لكن نقول بقي علينا توحيد مهم . التوحيد الذي بعثت به الرسل إلى الآن لم تأتوا به ، وهو أن الله واحد في ألوهيته ، لأن توحيد الألوهية الآن ساقط على رأي هؤلاء . ولهذا يقول : " وَأَشْهَرُ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ عِنْدَهُمْ هُوَ الثَّالِثُ وَهُوَ تَوْحِيدُ الْأَفْعَالِ ، وَهُوَ أَنَّ خَالِقَ الْعَالَمِ وَاحِدٌ وَهُمْ يَحْتَجُّونَ عَلَى ذَلِكَ بِمَا يَذْكُرُونَهُ مِنْ دَلَالَةِ التَّمَانُعِ وَغَيْرِهَا ، وَيَظُنُّونَ أَنَّ هَذَا هُوَ التَّوْحِيدُ الْمَطْلُوبُ ، وَأَنَّ هَذَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِنَا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ حَتَّى يَجْعَلُوا مَعْنَى الْإِلَهِيَّةِ الْقُدْرَةَ عَلَى الِاخْتِرَاعِ ". احذفوا : قد . أَشْهَرُ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ هُوَ تَوْحِيدُ الْأَفْعَالِ عندهم ، يعني أعلى أقسام التوحيد عندهم تَوْحِيدُ الْأَفْعَالِ ، عندنا نحن أهل السنة والجماعة نقول التوحيد ثلاثة أقسام : توحيد الربوبية : وهو توحيد الأفعال . توحيد الألوهية : وهو توحيد العبادة أي توحيد الله بأفعالك . توحيد الأسماء والصفات : توحيد الله بأسمائه وصفاته . هم في الحقيقة جاؤوا بقسم ثالث لا حاجة إليه ، وهو قولهم : واحد لا قسيم له . لأنه من المعلوم أن الله عز وجل إله واحد ، وكلمة قسيم ما جاءت في الشرع . فنقول : هو واحد في صفاته لا شبيه له ولا شريك له فيها أيضا ، وفي أفعاله لا شريك له . وفي ألوهية لا شريك له . الطالب : أليس توحيد الألوهية هو معنى قوله : واحد في ذاته لا قسيم له ، لأنه يقتضي أن يعبد الله وحده .؟ الشيخ : لا ، لأنه قصده أن ذات الله سبحانه وتعالى ما تتجزأ . المؤلف يرد عليهم ، قال : " وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ مِنْ الْعَرَبِ الَّذِينَ بُعِثَ إلَيْهِمْ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَوَّلًا : لَمْ يَكُونُوا يُخَالِفُونَهُ " أي يخالفون الرسول صلى الله عليه وسلم " فِي هَذَا بَلْ كَانُوا يُقِرُّونَ بِأَنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إنَّهُمْ كَانُوا يُقِرُّونَ بِالْقَدَرِ أَيْضًا " الطالب : بالقدرة . الشيخ : الظاهر أن بالقدرة أحسن ، لأن المقام مقام الأفعال . " بِالْقدرة أَيْضًا وَهُمْ مَعَ هَذَا مُشْرِكُونَ ". يعني مع كونهم يقرون بأن الله هو الخالق وحده ، ويقرون بقدرة الله ، وأنه الذي بيده ملكوت كل شيء ، مع هذا هم مشركون . فتبين أن هذا التوحيد الذي سلكه هؤلاء النظار وأهل الكلام أنه توحيد قاصر ، لأنهم أسقطوا ركن من أهم أركان التوحيد وهو توحيد الله في ألوهية في العبادة ، بمعنى أن لا نعبد سواه . " فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنْ لَيْسَ فِي الْعَالَمِ مَنْ يُنَازِعُ فِي أَصْلِ هَذَا الشِّرْكِ ، وَلَكِنْ غَايَةُ مَا يُقَالُ : إنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ جَعَلَ بَعْضَ الْمَوْجُودَاتِ خَلْقًا لِغَيْرِ اللَّهِ كَالْقَدَرِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ ، لَكِنَّ هَؤُلَاءِ يُقِرُّونَ بِأَنَّ اللَّهَ خَالِقُ الْعِبَادِ وَخَالِقُ قُدْرَتِهِمْ وَإِنْ قَالُوا إنَّهُمْ خَلَقُوا أَفْعَالَهُمْ " . قوله : " في أصل هذا الشرك " يعني أنه ليس في العالم من يقول هذا ليس بشرك . والمراد بالشرك هنا الشرك في الأفعال ، كل العالم متفقون على أن الله سبحانه وتعالى واحد في أفعاله ، وأنه ليس مع الله شريك يساويه في هذا ، قد مر علينا قبل قليل أن الثنوية يقولون : إن للعالم خالقين ، لكن مع ذلك مع قول الثنوية ، هل يقولون إنهما متساويان .؟ لا . يقول : " تَبَيَّنَ أَنّه لَيْسَ فِي الْعَالَمِ مَنْ يُنَازِعُ فِي أَصْلِ هَذَا الشِّرْكِ " بل العالم متفقون على هذا أنه شرك ، أي أن من أثبت مع الله خالقا مشاركا في أفعاله فإنه مشرك . " وَلَكِنْ غَايَةُ مَا يُقَالُ : إنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ جَعَلَ بَعْضَ الْمَوْجُودَاتِ خَلْقًا لِغَيْرِ اللَّهِ كَالْقَدَرِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ " القدرية جعلوا بعض الموجودات خلقا لغير الله . والمراد بالقدرية هنا الذين يثبتون القدر أو ينفون القدر .؟ المراد الذين ينفون القدر ، لأن الذين يثبتون القدر نوعان : معتدلون . وغالون ، المعتدلون أهل السنة والجماعة ، والغالون الجبرية الذين يقولون إن الإنسان مجبر . قابلهم في ذلك القدرية الذين ينكرون قدر الله في أفعال العباد ، ويقولون إن أفعال الإنسان ليست مخلوقة لله ، من خلقها إذا ؟ خلقها الإنسان ، هل نقول أنهم أثبتوا مع الله خالقا .؟ المؤلف أراد أن يبين أنه حتى على قول هؤلاء لا يثبتون مع الله خالقا ، ولهذا قال : " لَكِنَّ هَؤُلَاءِ يُقِرُّونَ بِأَنَّ اللَّهَ خَالِقُ الْعِبَادِ وَخَالِقُ قُدْرَتِهِمْ وَإِنْ قَالُوا إنَّهُمْ خَلَقُوا أَفْعَالَهُمْ " . أرجو الانتباه يا جماعة . الكلام هنا يقول : ليس في العالم من يقول إن للعالم خالقين متساويين ، إذا فجميع العالم مطبقون على أن هذا من الشرك ، الذي يثبت مع الله شريكا في أفعاله مساويا له فهو مشرك ، بقينا هل في العالم من يجعل شيئا مخلوقا لغير الله .؟ الجواب : نعم ، أفعال العباد عند القدرية مخلوقة لغير الله ، من خالقها .؟ الإنسان ، لكن مع ذلك فهم يقولون : نفس الإنسان الذي خلق هذه الأفعال مخلوق لله عز وجل ، قدرته مخلوقة لله . في الحقيقة أن خالق الأصل خالق للفرع ، ما دام أن الإنسان نفسه مخلوق لله وقدرته مخلوق لله . إذا فالأفعال الناتجة عنه وعن قدرته تكون مخلوقه لله ، لكن هم ينكرون ذلك . يقولون الإنسان خالق لفعله . فعل كل حال ليس في العالم من يقول إن للعالم خالقين متساويين أبدا .
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وكذلك أهل الفلسفة والطبع والنجوم الذين يجعلون أن بعض المخلوقات مبدعة لبعض الأمور هم مع الإقرار بالصانع يجعلون هذه الفاعلات مصنوعة مخلوقة لا يقولون إنها غنية عن الخالق مشاركة له في الخلق فأما من أنكر الصانع فذاك جاحد معطل للصانع كالقول الذي أظهر فرعون والكلام الآن مع المشركين بالله المقرين بوجوده فإن هذا التوحيد الذي قرروه لا ينازعهم فيه هؤلاء المشركون بل يقرون به مع أنهم مشركون كما ثبت بالكتاب والسنة والإجماع وكما علم بالاضطرار من دين الإسلام .".
الشيخ :" وَكَذَلِكَ أَهْلُ الْفَلْسَفَةِ وَالطَّبْعِ وَالنُّجُومِ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ " عندك : " أَنَّ بَعْضَ " .؟ الطالب : لا . الشيخ : اشطبوا على أن يا جماعة . " الَّذِينَ يَجْعَلُونَ بعض الْمَخْلُوقَاتِ مُبْدِعَةٌ لِبَعْضِ الْأُمُورِ هُمْ مَعَ الْإِقْرَارِ بِالصَّانِعِ يَجْعَلُونَ هَذِهِ الْفَاعِلَاتِ مَصْنُوعَةً مَخْلُوقَةً ولَا يَقُولُونَ إنَّهَا غَنِيَّةٌ عَنْ الْخَالِقِ مُشَارِكَةٌ لَهُ فِي الْخَلْقِ ، فَأَمَّا مَنْ أَنْكَرَ الصَّانِعَ فَذَاكَ جَاحِدٌ مُعَطِّلٌ لِلصَّانِعِ كَالْقَوْلِ الَّذِي أَظْهَرَ فِرْعَوْنُ " . أهل الفلسفة والطبع . وش معنى الطبع : الذين يجعلون الأمور تتفاعل بطبائعها . وكذلك أصحاب النجوم . الذين يجعلون النجوم لها تأثير في الخلق . يقولون هذا النجم الفلاني يأتي بالمطر وما أشبه ذلك ، أو هذا النجم الفلاني إذا ولد فيه الإنسان يكون سعيداً أو إذا ولد فيه يكون شقيا وما أشبه ذلك . أصحاب هذه النجوم يجعلون بعض المخلوقات مبدعة لبعض الأمور . مثلاً يجعلون الطبيعة تتفاعل . وبعضها ينشئ بعضا ، النجوم يجعلونها تفعل وتسعد الإنسان أو تشقيه ، تنزل المطر أو تمنعه ومع ذلك يجعلون هذه الفاعلات مصنوعة مخلوقة . لا يقولون إنها غنية عن الخالق . مشاركة له في الخلق . كأن المؤلف ــ رحمه الله ــ يريد أن يجيب عن أشياء فيها شبهة ، خلاصة الشبهة أنه قرر في أول كلامه أنه لا يوجد من يقول إن للعالم خالقين متساويين ، أورد على نفسه قضية الثانوية ، أجاب عنها ، أورد قضية القدرية ، الذين يقولون إن الإنسان خالق أفعاله ، أجاب عنها بأنهم يقولون أن الإنسان مخلوق ، أورد على نفسه أهل الطبع والنجوم الذين يقولون أن بعض المخلوقات تفعل ، أجاب عنها بأنهم لا يقولون أنها غنية عن الخالق بل يرون أنها من جملة المخلوقات . قال : " فَأَمَّا مَنْ أَنْكَرَ الصَّانِعَ فَذَاكَ جَاحِدٌ مُعَطِّلٌ لِلصَّانِعِ كَالْقَوْلِ الَّذِي أَظْهَرَ فِرْعَوْنُ " هذا في الحقيقة غير مشرك لأنه جاحد قال الله تعالى : (( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ )) هذا أصلا لم يثبت خالقا . يقول عن نفسه أنا ربكم الأعلى ، هو من الأصل ما أثبت خالقا حتى نقول إنه أثبت شريكا ، هو لم يقل : أنا والله سواء . بل قال هو نفسه الرب . وهذا أيضا قدره المؤلف سؤالاً وأجاب عنه ، كأنه قيل : فرعون أنكر الخالق . قال : نعم . لكن ما جعله شريكا ، والقضية التي أثبتها من قبل أنه لم يقل أحد من الناس إن للعالم خالقين ، حتى فرعون ما قال إن للعالم خالقين ، أنكر الخالق إطلاقاً ، وقال : (( ما علمت لكم من إله غيري )) . الطالب : ... . الشيخ : لا ، متساويين ضروري ، لأن المتساويين هما الذين يصحون أن يصيروا ربا . ثم قال : " وَالْكَلَامُ الْآنَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ بِاَللَّهِ الْمُقِرِّينَ بِوُجُودِهِ فَإِنَّ هَذَا التَّوْحِيدَ الَّذِي قَرَّرُوهُ لَا يُنَازِعُهُمْ فِيهِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بَلْ يُقِرُّونَ بِهِ مَعَ أَنَّهُمْ مُشْرِكُونَ كَمَا ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَكَمَا عُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ ". نقول : أنتم يا أهل الكلام توحيدكم هذا الذي زعمتم أنه هو التوحيد، ما هو توحيد أهل الكلام .؟ أن الله واحد في ذاته لا قسيم له . وواحد في صفاته لا شبيه له ، واحد في أفعاله لا شريك له ، هذا الذي يزعمونه غاية التوحيد ، وأن هذا هو التوحيد الذي جاءت به الرسل وهو الذي كلف به الإنسان ، نقول هذا التوحيد الذي أنتم جعلتموه توحيدا هو توحيد المشركين ، فإنه لا يوجد أحد من المشركين قال إن الله ينقسم . ولا إن الله له شبيه في صفاته ، ولا إن الله له شريك في أفعاله ، ليقولن الله ليقولن الله . هذا التوحيد الذي هو توحيد المشركين هل أخرجهم من الشرك .؟ الجواب : لا ، بقوا مشركين مع أنهم يوحدون هذا التوحيد الذي زعمتم أنه هو التوحيد ، وهذا شيء معلوم بالضرورة كما قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى . الطالب : ... . الشيخ : معلوم لأن المشركين ما ينازعونهم في هذا التوحيد ، ما ينازعون المشركين الذين قرروا أن التوحيد ما سبق ، أنه واحد في لا قسيم له . ولا شبيه له في الصفات ، ولا شريك له في الأفعال . الطالب : ... . الشيخ : هؤلاء المشركين ، الآن التوحيد هذا ما يخرجهم من الشرك ، هذا التوحيد الذي زعموا أنه توحيد الله لا يخرجهم من الشرك و هو يقول الكلام الآن مع المشركين بالله المقرين بوجوده ، فإن هذا التوحيد الذي قرروه ـ أهل الكلام ـ لا ينازعهم فيه هؤلاء المشركون ، هذا سبق ، المشركين ... بالله في العبادة مقرين بوجوده . الطالب : ... . الشيخ : نعم المشركين بالله في عبادته وألوهيته ، مثل كفار مكة و وغيرهم ممن إذا سئلوا عن الربوبية أقروا بها ، فهم يقرون بالله وبوجوده وبربوبيته لكن ينكرون توحيده في أفعالهم هم ، في العبادة يعني . الطالب : ... . الشيخ : ... المشركين الذين أقروا بأن الله واحد في ذاته وفي صفاته وفي أفعاله ولكن يعبدون معه غيره ، أليسوا مشركين هؤلاء أو لا .؟ هؤلاء المشركين لو أخذنا تعريف التوحيد على حسب ما قاله هؤلاء المتكلمون لكان هؤلاء الذين يقرون به ويعبدون غيره لكانوا موحدين ، والأمر ليس كذلك ، فالله تعالى جعلهم مشركين وأجمع المسلمون على أنهم مشركون ، ومع ذلك هم يقرون بالتوحيد الذي زعم هؤلاء أنه هو التوحيد ، مفهوم .؟ والمهم الآن أن نعرف أن هذا التوحيد الذي ذكره أهل الكلام والنظر هو توحيد صحيح أو لا .؟ غير صحيح ، لأنه قاصر ، هم لو زودوا وواحد في ألوهيته لا يعبد سواه ، لو قالوا هكذا لكان توحيدهم صحيحا ، لكان كلامهم صحيحا ، لكن هم قصروا التوحيد مع الأسف على الأفعال والصفات ، أما مسألة واحد في ذاته لا قسيم له ، فما علمنا أحدا قاله ، ولا حاجة إلى ذكره لأنه معلوم أن الرب سبحانه وتعالى ليس بأعضاء ، ليس يتقطع أعضاء ما أحد قال بهذا ، لكن هم يريدون أن ينمقوا الكلام بدل ما يقول أهل السنة والجماعة ثلاثة أقسام هم يقولون التوحيد ثلاثة أقسام ، واحد في ذاته وواحد في صفاته وواحد في أفعاله ، لكن فرق بين الثلاثة والثلاثة الطالب : ... . الشيخ : نعم : " بَلْ يُقِرُّونَ بِهِ مَعَ أَنَّهُمْ مُشْرِكُونَ كَمَا ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَكَمَا عُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ " .
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وكذلك النوع الثاني - وهو قولهم : لا شبيه له في صفاته - فإنه ليس في الأمم من أثبت قديما مماثلا له في ذاته سواء قال إنه يشاركه . أو قال : إنه لا فعل له ; بل من شبه به شيئا من مخلوقاته فإنما يشبهه به في بعض الأمور وقد علم بالعقل امتناع أن يكون له مثل في المخلوقات يشاركه فيما يجب أو يجوز أو يمتنع عليه ; فإن ذلك يستلزم الجمع بين النقيضين كما تقدم .".
الشيخ :" وَكَذَلِكَ النَّوْعُ الثَّانِي - وَهُوَ قَوْلُهُمْ : لَا شَبِيهَ لَهُ فِي صِفَاتِهِ - " إذا ما هو النوع الأول الذي ذكر .؟ توحيد الأفعال ، لأنه عندهم الآن الأنواع ثلاثة : توحيد الذات وتوحيد الصفات وتوحيد الأفعال ، توحيد الذات لا قسيم له ، الأفعال لا شريك له ، الصفات لا شبيه له ، تكلم المؤلف عن النوع الأول الذي هو أشهر الأنواع عندهم وهو توحيد الأفعال ، وبين أن الاقتصار عليه باطل ، وأن المشركين الذين وصفهم الله بالشرك وأجمعت الأمة عليه كانوا يوحدون الله تعالى هذا التوحيد الذي قالوا . " وَكَذَلِكَ النَّوْعُ الثَّانِي - وَهُوَ قَوْلُهُمْ : لَا شَبِيهَ لَهُ فِي صِفَاتِهِ - فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْأُمَمِ مَنْ أَثْبَتَ قَدِيمًا مُمَاثِلًا لَهُ فِي ذَاتِهِ سَوَاءٌ قَالَ إنَّهُ يُشَارِكُهُ . أَوْ قَالَ : إنَّهُ لَا فِعْلَ لَهُ ، بَلْ مَنْ شَبَّهَ بِهِ شَيْئًا مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ فَإِنَّمَا يُشَبِّهُهُ بِهِ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ " . الطالب : مَنْ أَثْبَتَ قَدِيمًا مُمَاثِلًا لَهُ فِي الاستواء . وقَالَ إنَّهُ يُشَارِكُهُ .. الشيخ : الذي عندنا أحسن ، في الاستواء عندك .؟ الذي عندنا مشكلة والذي عندك مشكلة ... إنما الذي عندنا الآن : " أَثْبَتَ قَدِيمًا مُمَاثِلًا لَهُ فِي ذَاتِهِ سَوَاءٌ قَالَ إنَّهُ يُشَارِكُهُ . أَوْ قَالَ : إنَّهُ لَا فِعْلَ لَهُ " الذي عندنا في الحقيقة مشكلة ، لأن الكلام ليس في توحيد الذات الآن ، الكلام في توحيد الصفات ، والذي في الكتاب الثاني في النسخة الثانية : أنه مماثل له في الاستواء ، صحيحة الاستواء صفة من الصفات ، لكن قصره على الاستواء مشكلة أيضا ، لو قال : لا قسيم له في صفاته ، دعونا من هذه حتى نراجع النسخ الثانية إن كانت موجودة . يقول : " لَيْسَ فِي الْأُمَمِ مَنْ أَثْبَتَ قَدِيمًا مُمَاثِلًا لَهُ " الظاهر والله أعلم أن الصواب : " في صفاته " لأن الكلام ما هو .؟ " وَهُوَ قَوْلُهُمْ : لَا شَبِيهَ لَهُ فِي صِفَاتِهِ ... سَوَاءٌ قَالَ إنَّهُ يُشَارِكُهُ . أَوْ قَالَ : إنَّهُ لَا فِعْلَ لَهُ ، بَلْ مَنْ شَبَّهَ بِهِ شَيْئًا مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ فَإِنَّمَا يُشَبِّهُهُ بِهِ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ " . ترجأ هذه حتى نراجعها في الكتب الأخرى ... . يقول المؤلف : " وَقَدْ عُلِمَ بِالْعَقْلِ امْتِنَاعُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلٌ فِي الْمَخْلُوقَاتِ يُشَارِكُهُ فِيمَا يَجِبُ أَوْ يَجُوزُ أَوْ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ الْجَمْعَ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ ". تقدم هذا أو ما تقدم .؟ الطالب : تقدم . الشيخ : تقدم في أي قاعدة .؟ لو قلنا أن لله تعالى مشابها يشاركه فيما يجب ويجوز ويمتنع لزم الجمع بين النقيضين ضرورة ، لكان الخالق واجب الوجود والمخلوق واجب الوجود ، فهذا جمع بين النقيضين ، أو كان الخالق جائز الوجود والمخلوق جائز الوجود ، هذا أيضا ممتنع ، أو كان يجوز على الخالق النقص والعجز كما يجوز على المخلوق ، وهذا ممتنع ، فالمهم أن الجمع بين النقيضين ما يمكن يصير اثنان كلاهما واجب بنفسه ، مستحيل هذا ، مستحيل أن يكون اثنان كل منهما واجب الوجود بنفسه ، تناقض هذا ، لأنه واجب الوجود لا بد أن يقابله جائز الوجود ، أما واجبان قديمان فهذا شيء ممتنع ، جمع بين النقيضين . " وعلم أيضا بالعقل أن كل موجودين قائمين بأنفسهما فلا بد بينهما من قدر مشترك " صحيح هذا .؟