تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وعلم أيضا بالعقل أن كل موجودين قائمين بأنفسهما فلا بد بينهما من قدر مشترك كاتفاقهما في مسمى الوجود والقيام بالنفس والذات ونحو ذلك فإن نفي ذلك يقتضي التعطيل المحض وإنه لا بد من إثبات خصائص الربوبية وقد تقدم الكلام على ذلك . ثم إن الجهمية من المعتزلة وغيرهم أدرجوا نفي الصفات في مسمى التوحيد فصار من قال : إن لله علما أو قدرة أو إنه يرى في الآخرة أو إن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق يقولون : إنه مشبه ليس بموحد . ".
الشيخ : ... " وَعُلِمَ أَيْضًا بِالْعَقْلِ أَنَّ كُلَّ مَوْجُودَيْنِ قَائِمَيْنِ بِأَنْفُسِهِمَا فَلَا بُدَّ بَيْنَهُمَا مِنْ قَدْرٍ مُشْتَرَكٍ " صحيح هذا .؟ " كُلَّ مَوْجُودَيْنِ قَائِمَيْنِ بِأَنْفُسِهِمَا فَلَا بُدَّ بَيْنَهُمَا مِنْ قَدْرٍ مُشْتَرَكٍ " صحيح .؟ الطالب : نعم . الشيخ : أي نعم ، ما هو القدر المشترك .؟ " كاتفاقهما في مسمّى الوجود والقيام بالنفس " أليس موجودين .؟ إذا اشتركا في الوجود ، لكن هل يلزم من اشتراكهما في الوجود تساويهما فيه .؟ لا ، قد يكون هذا موجوداً واجب الوجود والثاني موجودا جائز الوجود . طيب اشتركا أيضاً في القيام بالنفس أليس كذلك ، كل منهما قائم بنفسه ، لكن بينهما فرق : أحدهما قائم بنفسه استقلالاً ، والثاني قائم بنفسه بإقامة غيره له . " كاتفاقهما في مسمى الوجود والقيام بالنفس وَالذَّاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ " ما معنى الذات .؟ يعني كل شيئين قائمين بأنفسهما ، كل منهما ذات . إذاً لابد في ضرورة العقل من تساوي كل شيئين موجودين في الأصل المشترك بينهما ، وهو الوجود والقيام بالنفس والذات والاتفاق في الصفات وما أشبه ذلك . " فَإِنَّ نَفْيَ ذَلِكَ يَقْتَضِي التَّعْطِيلَ الْمَحْضَ وَأنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِ خَصَائِصِ الرُّبُوبِيَّةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ " . " فَإِنَّ نَفْيَ ذَلِكَ يَقْتَضِي التَّعْطِيلَ الْمَحْضَ وَأنَّهُ ... " كذا عندك أنت .؟ الطالب : الأولى : وأن نفي ذلك . الشيخ : يعني : وعلم أن نفي ذلك يَقْتَضِي التَّعْطِيلَ الْمَحْضَ ، ما يخالف . الشيخ :" ثُمَّ إنَّ الجهمية مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ أَدْرَجُوا نَفْيَ الصِّفَاتِ فِي مُسَمَّى التَّوْحِيدِ فَصَارَ مَنْ قَالَ : إنَّ لِلَّهِ عِلْمًا أَوْ قُدْرَةً أَوْ إنَّهُ يُرَى فِي الْآخِرَةِ أَوْ إنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ مُنَزَّلٌ غَيْرُ مَخْلُوقٍ يَقُولُونَ : إنَّهُ مُشَبَّهٌ لَيْسَ بِمُوَحَّدٍ " . شف والعياذ بالله يقولون نفي الصفات من توحيد الله ، ولا يتم التوحيد إلا بنفي الصفات ، لأنه مر علينا مقالة الجهمية والمعتزلة أن إثبات الصفات يستلزم التشبيه ، والتشبيه تشريك بين الخالق والمخلوق في هذه الصفة ، فليزم على قولهم أن من شرط التوحيد نفي الصفات ، ولذلك هم قالوا نحن أهل التوحيد ، نحن الذين وحدنا الله . وأنتم إذا قلتم أن لله علماً معناه أثبتم مع الله شيئاً وهو العلم ، إذا قلتم لله قدرة أثبتم أن مع الله شيئاً وهو القدرة ، وهذا ليس بتوحيد . ولذلك يقول : كذلك إذا قالوا إن الله يرى في الآخرة ، قال ما هذا توحيد ، لأن الإنسان يرى ، فقد جعلت لله تعالى شريكاً بالرؤية وهكذا ، وقد تقدم أن هذا أمر ليس بصحيح وأنه لا يلزم التشبيه .
مراجعة الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وبهذا وغيره يعرف ما وقع من الغلط في مسمى التوحيد فإن عامة المتكلمين الذين يقررون التوحيد في كتب الكلام والنظر : غايتهم أن يجعلوا التوحيد ثلاثة أنواع . فيقولون : هو واحد في ذاته لا قسيم له , وواحد في صفاته لا شبيه له , وواحد في أفعاله لا شريك له وأشهر الأنواع الثلاثة عندهم هو الثالث وهو توحيد الأفعال . وهو أن خالق العالم واحد وهم يحتجون على ذلك بما يذكرونه من دلالة التمانع وغيرها ويظنون أن هذا هو التوحيد المطلوب , وأن هذا هو معنى قولنا لا إله إلا الله حتى قد يجعلوا معنى الإلهية القدرة على الاختراع ومعلوم أن المشركين من العرب الذين بعث إليهم محمد صلى الله عليه وسلم أولا : لم يكونوا يخالفونه في هذا بل كانوا يقرون بأن الله خالق كل شيء حتى إنهم كانوا يقرون بالقدر أيضا وهم مع هذا مشركون فقد تبين أن ليس في العالم من ينازع في أصل هذا الشرك ; ولكن غاية ما يقال : إن من الناس من جعل بعض الموجودات خلقا لغير الله كالقدرية وغيرهم ; لكن هؤلاء يقرون بأن الله خالق العباد وخالق قدرتهم وإن قالوا إنهم خلقوا أفعالهم ... ".
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين : تقدم أن المؤلف رحمه الله قال : إنه لا يوجد في مقالات أحد من الناس إثبات خالقين للعالم متساويين في جميع الصفات . وسبق أنه يقول : إن النظار من المتكلمين وغيرهم يرون أن التوحيد هو : أولاً أن الله تعالى واحد في ذاته لا قسيم له ، بمعنى أنه لا ينقسم ، وواحد في صفاته لا شبيه له ، وواحد في أفعاله لا شريك له ، ويرون أن هذا هو غاية التوحيد ، وقال المؤلف عنهم : إن أشهر أنواع التوحيد عندهم هو النوع الثالث أنه واحد في أفعاله لا شريك له . وبين المؤلف رحمه الله أنه لم يقل أحد من الخلق أن الله تعالى له مشارك في أفعاله مساو له من كل وجه أبدا ، وأن هذا التوحيد الذي قالوه هو التوحيد الذي قاله المشركون على حد سواء ، فإن المشركين الذين يعبدون معه غيره لا ينازعون هؤلاء في قولهم إن الله واحد في أفعاله لا شريك له ، بل هم يقولون أي المشركون إن الله واحد في أفعاله لا شريك له . وبيّنا أن هذه الأنواع الثلاثة عندهم قد نقصها نوع مهم وهو توحيد الألوهية ، لأنهم لم يقولوا واحد في ألوهيته لا شريك له ، ما قالوا هكذا وإنما معنى الإله عندهم هو القادر على الاختراع ، فيجعلون إله بمعنى آله ، والحقيقة أن إله بمعنى مألوه وليس بمعنى آله ، أي معبود كما سيذكر المؤلف فيما بعد . ثم ذكر المؤلف رحمه الله بعد هذا أن هذا التوحيد بجميع أنواعه فيه نقص ، فسيأتي أن قولهم واحد في ذاته لا قسيم له ، أنهم يريدون بذلك نفي الصفات الخبرية ، بأن الله ليس له يد ولا وجه ولا عين ولا رجل . وما أشبه ذلك ، يقولون لو كان له هكذا لكان له قسيم، وكان يتجزأ ويتقسم من أقسام وأجزاء ، فجعلوا هذا التوحيد يتضمن إنكار الصفات التي وصف الله بها نفسه ، كذلك واحد في صفاته لا شبيه له ، هذا أيضاً قاصر ، لأن كلمة لا شبيه له ، المعتزلة ينكرون الصفات ويقولون إن هذا توحيد ، لأننا لو أثبتنا الصفات لشبهنا الله بخلقه ، والله تعالى واحد في صفاته لا شبيه له . فتبين أيضاً أن هذا التوحيد مجمل فيه حق وباطل ، لأنهم إن أرادوا لا شبيه مطلق المشابهة فهذا ليس بصحيح ، كما قال المؤلف أمس : ما من موجدين إلا وبينهما اشتراك في مطلق الصفة كالوجود والذات والقيام بالنفس وما أشبه ذلك ... لو أرادوا لا شبيه له المشابهة المطلقة هذا أيضاً خطأ ، لأنه ما من أحد يقول إن الله تعالى له شبيه مشابهة مطلقة فتبين أيضاً أن هذا التعريف للتوحيد ناقص . واحد في أفعاله لا شريك له ، المؤلف أيضا سينتقدهم على هذا الإطلاق والإجمال ، لأنه يقول : ما من أحد يقول أن لله مشارك في أفعاله مساوٍ له من كل وجه أبداً ، حتى القدرية الذين يقولون أن العبد يخلق فعله وأن الله ما خلق فعل العبد لا يرون أن العبد مستقل ومشارك ، يرون أن الله خالق للعبد وخالق لقدرته التي مكنته من الفعل . كل هذا أظنه متضح في درس أمس .؟ إذا نريد أن نناقش هذا الكلام أو هذا التوحيد الذي زعم هؤلاء النظار أنه هو التوحيد ، فصار مناقشتنا له : بيان أن هذه الكلمات الرنانة الظنانة التي من سمعها قال هذا هو الغاية ، عليها مؤاخذات أولا عليها مؤاخذات ، كما أنه ناقص هذا التعريف أيضاً ، ناقص من جهة أنهم أسقطوا توحيد الإلهية ، وتعرفون أن الكتاب هذا يتضمن أمرين توحيد الصفات وقد سبق ، والثاني توحيد العباد وهذا هو الأصل الثاني كما مر علينا ، والمؤلف رحمه الله يناقشهم مناقشة دقيقة ، ويأخذ بأنفاسهم في كل ما يقولون نعم . الطالب : ... . الشيخ : كل الكلام الآن المقبل علينا في تقرير إبطال هذا التنويع ثم الإتيان بتوحيد الألوهية . الشيخ : اقرأ يا محمد .
تتمة تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " ثم إن الجهمية من المعتزلة وغيرهم أدرجوا نفي الصفات في مسمى التوحيد فصار من قال : إن لله علما أو قدرة أو إنه يرى في الآخرة أو إن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق يقولون : إنه مشبه ليس بموحد . ".
الطالب : بسم الله الرحمن الرحيم ، قال رحمه الله تعالى : " ثم إن الجهمية من المعتزلة وغيرهم أدرجوا نفي الصفات في مسمى التوحيد فصار من قال : إن لله علما أو قدرة أو أنه يرى في الآخرة أو إن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق يقولون : إنه مشبه ليس بموحد " . الشيخ : شف الآن صار واحد في صفاته لا شبيه له ، هذا الإجمال صحيح أو لا .؟ لا ، غير صحيح ، الإجمال هذا غير صحيح يحتاج إلى تفصيل ، ولذلك شف الجهمية يقولون : إن نفي الصفات توحيد ، إذا أثبت لله صفة فأنت مشبه غير موحد .
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وزاد عليهم غلاة الفلاسفة والقرامطة فنفوا أسماءه الحسنى وقالوا : من قال إن الله عليم قدير عزيز حكيم فهو مشبه ليس بموحد وزاد عليهم غلاة الغلاة وقالوا : لا يوصف بالنفي ولا الإثبات ; لأن في كل منهما تشبيها له وهؤلاء كلهم وقعوا من جنس التشبيه فيما هو شر مما فروا منه فإنهم شبهوه بالممتنعات والمعدومات والجمادات فرارا من تشبيههم - بزعمهم - له بالأحياء .".
الطالب : " وَزَادَ عَلَيْهِمْ غُلَاةُ الْفَلَاسِفَةِ وَالْقَرَامِطَةِ فَنَفَوْا أَسْمَاءَهُ الْحُسْنَى وَقَالُوا : مَنْ قَالَ إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ عَزِيزٌ حَكِيمٌ فَهُوَ مُشَبِّهٌ لَيْسَ بِمُوَحِّدٍ ، وَزَادَ عَلَيْهِمْ غُلَاةُ الْغُلَاةِ وَقَالُوا : لَا يُوصَفُ بِالنَّفْيِ وَلَا الْإِثْبَاتِ ، لِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا تَشْبِيهًا لَهُ ، وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ وَقَعُوا مِنْ جِنْسِ التَّشْبِيهِ فِيمَا هُوَ شَرٌّ مِمَّا فَرُّوا مِنْهُ ، فَإِنَّهُمْ شَبَّهُوهُ بِالْمُمْتَنِعَاتِ وَالْمَعْدُومَاتِ وَالْجَمَادَاتِ فِرَارًا مِنْ تَشْبِيهِهِمْ بِزَعْمِهِمْ لَهُ بِالْأَحْيَاءِ " . الشيخ : حتى الأشاعرة الذين أنكروا بعض الصفات يقولون : إن نفي الصفات التي نفيناها هو توحيد ، ثم الذين أنكروا الصفات وأثبتوا الأسماء مثل الجهمية والمعتزلة يقولون : إن نفي الصفات وإثبات الأسماء توحيد ، ثم إن الذين أنكروا حتى الأسماء مثل غلاة الفلاسفة والقرامطة وشبههم يقولون : إن نفينا للأسماء والصفات توحيد ، ثم غلاة الغلاة الذين أنكروا وصفه بالإثبات وبالنفي يقولون : إن هذا هو التوحيد ، لأن إثبات ذلك تشبيه والتشبيه ينافي التوحيد، لأنه واحد في صفاته لا شبيه له . فتبين الآن أنه حتى التعريف الثاني وهو قولهم : واحد في صفاته لا شبيه له ، أنه على إجماله فيه حق وباطل ، وهذه المناقشة من المؤلف قوية جدا ، وهكذا الذي يجب علينا أن لا نغتر بظاهر اللفظ ، لأننا إذا قرأنا أقسام هذا التوحيد عند هؤلاء النظار نظن أن هذا هو غاية التوحيد وهذه القمة ، لكن عندما نناقش ونعرف ما يريد هؤلاء نعرف المقصود . فالحاصل أنه يجب علينا أن نعرف كيف نبطل هذا التعريف للتوحيد عند هؤلاء النظار . واضح يا جماعة .؟
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " ومعلوم أن هذه الصفات الثابتة لله لا تثبت له على حد ما يثبت لمخلوق أصلا وهو سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله فلا فرق بين إثبات الذات وإثبات الصفات ; فإذا لم يكن في إثبات الذات إثبات مماثلة للذوات : لم يكن في إثبات الصفات إثبات مماثلة له في ذلك فصار هؤلاء الجهمية المعطلة يجعلون هذا توحيدا ; ويجعلون مقابل ذلك التشبيه , ويسمون أنفسهم الموحدين وكذلك النوع الثالث وهو قولهم : هو واحد لا قسيم له في ذاته أو لا جزء له أو لا بعض له ; لفظ مجمل فإن الله سبحانه أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ; فيمتنع عليه أن يتفرق أو يتجزأ أو يكون قد ركب من أجزاء ; لكنهم يدرجون في هذا اللفظ نفي علوه على عرشه ومباينته لخلقه وامتيازه عنهم ونحو ذلك من المعاني المستلزمة لنفيه وتعطيله ويجعلون ذلك من التوحيد , فقد تبين أن ما يسمونه توحيدا فيه ما هو حق , وفيه ما هو باطل ولو كان جميعه حقا ; فإن المشركين إذا أقروا بذلك كله لم يخرجوا من الشرك الذي وصفهم به في القرآن وقاتلهم عليه الرسول صلى الله عليه وسلم ; بل لا بد أن يعترفوا أنه لا إله إلا الله .".
الطالب : " وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ الثَّابِتَةَ لِلَّهِ لَا تَثْبُتُ لَهُ عَلَى حَدٍّ مَا يَثْبُتُ لِمَخْلُوقِ أَصْلًا ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ لَا فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي صِفَاتِهِ وَلَا فِي أَفْعَالِهِ ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ إثْبَاتِ الذَّاتِ وَإِثْبَاتِ الصِّفَاتِ ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي إثْبَاتِ الذَّاتِ إثْبَاتُ مُمَاثَلَةٍ لِلذَّوَاتِ لَمْ يَكُنْ فِي إثْبَاتِ الصِّفَاتِ إثْبَاتُ مُمَاثَلَةٍ لَهُ فِي ذَلِكَ ، فَصَارَ هَؤُلَاءِ الجهمية الْمُعَطِّلَةُ يَجْعَلُونَ هَذَا تَوْحِيدًا ، وَيَجْعَلُونَ مُقَابِلَ ذَلِكَ تشبيها وَيُسَمُّونَ أَنْفُسَهُمْ الْمُوَحِّدِينَ " . الشيخ : نحن عندنا : " مُقَابِلَ ذَلِكَ التَّشْبِيهَ ". والصحيح أن تشبيها ، الذي قال أحسن من المثبت . يعني : " وَيَجْعَلُونَ مُقَابِلَ ذَلِكَ التشبيه " وهي : تشبيها " وَيَجْعَلُونَ مُقَابِلَ ذَلِكَ تشبيها ". الطالب : تحذف الألف واللام . الشيخ : لو حذفتموها يكون طيب ، ويكون : تشبيها بالنصب . الطالب : " وَكَذَلِكَ النَّوْعُ الثَّالِثُ : وَهُوَ قَوْلُهُمْ : هُوَ وَاحِدٌ لَا قَسِيمَ لَهُ فِي ذَاتِهِ أَوْ لَا جُزْءَ لَهُ " . الشيخ : ترى المؤلف بدأهم من الآخر ، يعني رد أولا على قولهم واحد في أفعاله لا شريك له ، ثم رد على قولهم واحد في صفاته لا شبيه له ، ثم رد على قولهم واحد لا قسيم له في ذاته ، فجعل التوع الأول عند الرد جعله النوع الثالث . يسمون هذا لفا ونشرا مشوشا ، يعني غير مرتب . الطالب : " وَكَذَلِكَ النَّوْعُ الثَّالِثُ : وَهُوَ قَوْلُهُمْ : هُوَ وَاحِدٌ لَا قَسِيمَ لَهُ فِي ذَاتِهِ أَوْ لَا جُزْءَ لَهُ أَوْ لَا بَعْضَ لَهُ ، لَفْظٌ مُجْمَلٌ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَحَدٌ صَمَدٌ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ، فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَفَرَّقَ أَوْ يَتَجَزَّأَ " . الطالب : " فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَفَرَّقَ أَوْ يتحيز " . الشيخ : والله أحسن " أَوْ يتحيز " أحسن ، لأنه " أَوْ يَكُونَ قَدْ رُكِّبَ مِنْ أَجْزَاءٍ " هذا يتجزأ ، يتفرق أو يتحيز . حطوا : أو يتحيز ، بدل: أو يتجزأ . " فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَفَرَّقَ أَوْ يتحيز أَوْ يَكُونَ قَدْ رُكِّبَ مِنْ أَجْزَاءٍ " . نعم . الطالب : " لَكِنَّهُمْ يُدْرِجُونَ فِي هَذَا اللَّفْظِ نَفْيَ عُلُوِّهِ عَلَى عَرْشِهِ وَمُبَايَنَتَهُ لِخَلْقِهِ وَامْتِيَازَهُ عَنْهُمْ " الشيخ : يعني يقول التحيز ممنوع فلا يمكن أن يصير فوق العالم ولا ينحاز عن المخلوقات وما أشبه ذلك . الطالب : " وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْمَعَانِي الْمُسْتَلْزِمَةِ لِنَفْيِهِ وَتَعْطِيلِهِ وَيَجْعَلُونَ ذَلِكَ مِنْ التَّوْحِيدِ ". الشيخ : كذلك أيضاً ينكرون اليد والوجه والعين بحجة أن هذه أجزاء ، وأن التوحيد هو أن توحد الله في ذاته فتقول لا قسيم له ، ويجعلون هذا من التقسيم ، فصاروا في الحقيقة يريدون بهذه الكلمات المجملة معنى باطلاً ، ويجب هنا أن نلاحظ أنهم يدسون السم في الدسم ، يقولون مثلاً ـ وهذه ليست من الدرس لكن على سبيل التمثيل ـ : ( سبحان من تنزه عن الفحشاء ) زينة أو لا .؟ سبحان من تنزه عن الفحشاء الله يقول : (( إن الله لا يأمر بالفحشاء )) .؟ فأنت عندما تقول هذا الكلمة تقول هذه طيبة ، لكن هم يريدون بقولهم : ( سبحان من تنزه عن الفحشاء ) أن فعال العباد ليست مخلوقه لله لأن أفعال العباد تتضمن الفحشاء ، ويقولون : ( سبحان من تنزه عن الأبعاض والأعراض والأغراض ) بالغين ، هذه كلمات مجملة وزينه ظاهرا ، لكن يريدون بمن تنزه عن الأبعاض يعني أنه ليس له وجه ولا يد ولا عين ، والأعراض يعني : ما يغضب ولا يحب ولا يرضى ولا يكره لأن هذه أعراض صفات عرضيه ، والأغراض يعني الحكمة ، أن الله ليس بحكيم ، فمن يسمع هذه الكلمات يقول إنها طيبة . نحن عندما قرأنا التوحيد أمس بأقسامه قلنا ما فيه إلا نقص ، توحيد الألوهية ، تبين الآن أنه كله نقص ، تبين من مناقشة المؤلف رحمه الله تعالى له بأنه يعرف خباياهم ، تبين أنه كله نقص . لأنهم يريدون بهذا اللفظ المجمل معاني باطل . ولاحظ يا جماعة ما يترتب أو ما يعارض به كل واحد من هذه الأقسام الثلاثة لأن هذا مهم جدا ، يعني الأسئلة والاعتراض الذي يمكن أن يورد على كل قسم من هذه الأقسام ، أنتم فاهمين الحين .؟ فهمتن ما يورد على قولهم : في أفعاله لا شريك له .؟ وما يورد على قولهم في صفاته لا شبيه له ، وأن منهم من جعل إنكار الصفات من التوحيد ، وما يرد على قولهم : واحد في ذاته لا قسيم له و فيجب هنا أن تنتبهوا لهذا الأمر ، نعم . الطالب : " فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ مَا يُسَمُّونَهُ تَوْحِيدًا فِيهِ مَا هُوَ حَقٌّ ، وَفِيهِ مَا هُوَ بَاطِلٌ ، وَلَوْ كَانَ جَمِيعُهُ حَقًّا " الشيخ : يعني لو قدر أنهم أرادوا بظاهره معناه الحقيقي مع أنهم ما يريدون هذا كما سبق ، لكن لو فرض أنهم أرادوا المعنى الحقيقي المتبادر من هذا اللفظ هو حق ، فإن المشركين إذا أقروه بهذه الأشياء هل يكونوا موحدين .؟ لا ، وينقصهم توحيد الألوهية . الطالب : " فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ إذَا أَقَرُّوا بِذَلِكَ كُلِّهِ لَمْ يَخْرُجُوا مِنْ الشِّرْكِ الَّذِي وَصَفَهُمْ بِهِ فِي الْقُرْآنِ " . الشيخ :" لَمْ يَخْرُجُوا مِنْ الشِّرْكِ الَّذِي وَصَفَهُمْ الله بِهِ " . الطالب : " لَمْ يَخْرُجُوا مِنْ الشِّرْكِ الَّذِي وَصَفَهُمْ الله بِهِ فِي الْقُرْآنِ وَقَاتَلَهُمْ عَلَيْهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَعْتَرِفُوا أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ". الطالب : " لَا بُدَّ أَنْ تؤمنوا بأَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ". الشيخ : لا ، يعترفوا أحسن . طيب يا جماعة فهمنا أن هذا التعريف للتوحيد الذي زعمه المتكلمون أنه غاية التوحيد عليه مناقشات : أولاً : من جهة قصوره حيث أسقط توحيد الألوهية ، وعلى هذا فليس بصالح إطلاقاً . ثانياً : من جهة إجماله حيث أن هذا الكلام الذي قالوه يدخل فيه أشياء هم أنكروها والله تعالى أثبتها ، فهذه المناقشة يعني : إذا قيل لك ناقش هذه العبارة من جميع الوجوه ، تناقشها أولاً : من حيث معناها الذي فيه حق وباطل . وتناقشها أيضاً من حيث قصورها حيث سقط منها توحيد الألوهية ، يعني حتى لو قدر أن هذه الكلمات الثلاث حق فإنه قد سقط منها توحيد الألوهية الذي قاتل الرسول صلى الله عليه وسلم المشركين عليه .
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وليس المراد بالإله هو القادر على الاختراع كما ظنه من ظنه من أئمة المتكلمين حيث ظنوا أن الإلهية هي القدرة على الاختراع دون غيره وأن من أقر بأن الله هو القادر على الاختراع دون غيره فقد شهد أن لا إله إلا هو . فإن المشركين كانوا يقرون بهذا وهم مشركون كما تقدم بيانه بل الإله الحق هو الذي يستحق بأن يعبد فهو إله بمعنى مألوه ; لا إله بمعنى آله ; والتوحيد أن يعبد الله وحده لا شريك له والإشراك أن يجعل مع الله إلها آخر وإذا تبين أن غاية ما يقرره هؤلاء النظار ; أهل الإثبات للقدر المنتسبون إلى السنة إنما هو توحيد الربوبية وأن الله رب كل شيء ومع هذا فالمشركون كانوا مقرين بذلك مع أنهم مشركون .".
الشيخ : نعم . الطالب : " وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْإِلَهِ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى الِاخْتِرَاعِ كَمَا ظَنَّهُ مَنْ ظَنَّهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُتَكَلِّمِينَ حَيْثُ ظَنُّوا أَنَّ الْإِلَهِيَّةَ هِيَ الْقُدْرَةُ عَلَى الِاخْتِرَاعِ دُونَ غَيْرِهِ ، وَأَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى الِاخْتِرَاعِ دُونَ غَيْرِهِ فَقَدْ شَهِدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ . فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يُقِرُّونَ بِهَذَا وَهُمْ مُشْرِكُونَ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ ، بَلْ الْإِلَهُ الْحَقُّ هُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ بِأَنْ يُعْبَدَ فَهُوَ إلَهٌ بِمَعْنَى مَأْلُوهٍ ، لَا إلَهَ بِمَعْنَى آلِهٍ ، وَالتَّوْحِيدُ أَنْ يُعْبَدَ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَالْإِشْرَاكُ أَنْ يُجْعَلَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ " . الشيخ : إذا الإله بمعنى مألوه ، ومعنى مألوه .؟ أي معبود أو مستحق أن يعبد ، حتى لو قلت لا معبود غير صحيح في الواقع ، لأنه قد عبد من دون الله من ليس إله ، فإذن نقول : مستحق و لذلك يقول المؤلف رحمه الله تعالى : " بَلْ الْإِلَهُ الْحَقُّ هُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ بِأَنْ يُعْبَدَ " أما هذه الآلهة فليست حقا ، ليست آلهة حقا لماذا .؟ لأنها لا تستحق أن تعبد . الطالب : ... . الشيخ : آلة اسم فاعل ، وإذا قلنا الإله القادر على الاختراع صار معنى الإله الآله القادر . نعم . الطالب : " وَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّ غَايَةَ مَا يُقَرِّرُهُ هَؤُلَاءِ النُّظَّارُ أَهْلُ الْإِثْبَاتِ لِلْقَدَرِ الْمُنْتَسِبُونَ إلَى السُّنَّةِ إنَّمَا هُوَ تَوْحِيدُ الرُّبُوبِيَّةِ ، وَأَنَّ اللَّهَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ ، وَمَعَ هَذَا فَالْمُشْرِكُونَ كَانُوا مُقِرِّينَ بِذَلِكَ مَعَ أَنَّهُمْ مُشْرِكُونَ ". الشيخ : إذاً ليس ما يقرره هؤلاء هو التوحيد ، ما دام أن المشركين يقرون به ويقررونه (( ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله )) ومع ذلك فهم مشركون ، فدل هذا على أن ما ذكره هؤلاء ليس بتوحيد عند الله . الطالب : " فقد تبين أن ما يسمونه توحيدا فيه ما هو حق ، وفيه ما هو باطل " هل الحق قولهم : إن الله واحد في أفعاله لا شريك له .؟ الشيخ : إذا جعلناه على ظاهره ، لأن معنى لا شريك له هؤلاء القدرية مثلا ينكرون أن الله تبارك وتعالى يخلق أفعال العباد ، فيجعلون لله شريكا ، لكن لا يساوي الله تعالى في خلقه ، وكذلك الثنوية كما رأيتم ، يقولون : إن العالم له خالقان ، النور والظلمة . فإذا جعلناه على ظاهره فهو حق ، كما أن قوله : واحد في صفاته لا شبيه له ، على ظاهره حق ، لكنهم هم يريدون به معنى باطلا . فلذلك نقول هذا فيه حق وفيه باطل ، أما إذا أرادوا به المعنى الحق صار حقا ، وإن أرادوا به معنى باطلا صار باطلا ، ولهذا يقول المؤلف : إنه لفظ مجمل ، اللفظ المجمل الذي يحتمل المعنيين . الطالب : ... أصحاب المقالة هم القدرية ، الذين قالوا .؟ الشيخ : أي مقالة ؟ لا ، هؤلاء المتكلمون مثل ما قال هو ، قال : هذا التوحيد عند المتكلمين وكثير من النظار . الطالب : ... . الشيخ : نحن نريد توحيدا تتفق عليه الأمة ، وهذا التوحيد ما اتفقت عليه الأمة ، ففيه مثلا من يخرج شيئا ويدخل شيئا . شف هو رد حتى على قولهم واحد في أفعاله لا شريك له ، أول ما ردّ عليه المؤلف ، فيجب أن نرجع إلى هذا ونناقش هذه العبارة ، قال ما فيه أحد من الخلق يقولون إن مع الله خالقا مساويا .
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وكذلك طوائف من أهل التصوف والمنتسبين إلى المعرفة والتحقيق والتوحيد : غاية ما عندهم من التوحيد هو شهود هذا التوحيد وأن يشهد أن الله رب كل شيء ومليكه وخالقه لا سيما إذا غاب العارف بموجوده عن وجوده وبمشهوده عن شهوده وبمعروفه عن معرفته ودخل في فناء توحيد الربوبية بحيث يفنى من لم يكن ويبقى من لم يزل فهذا عندهم هو الغاية التي لا غاية وراءها ومعلوم أن هذا هو تحقيق ما أقر به المشركون من التوحيد ولا يصير الرجل بمجرد هذا التوحيد مسلما فضلا عن أن يكون وليا لله أو من سادات الأولياء وطائفة من أهل التصوف والمعرفة : يقررون هذا التوحيد مع إثبات الصفات فيفنون في توحيد الربوبية مع إثبات الخالق للعالم المباين لمخلوقاته , وآخرون يضمون هذا إلى نفي الصفات فيدخلون في التعطيل مع هذا , وهذا شر من حال كثير من المشركين .".
الطالب : " وَكَذَلِكَ طَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ التَّصَوُّفِ وَالْمُنْتَسِبِينَ إلَى الْمَعْرِفَةِ وَالتَّحْقِيقِ وَالتَّوْحِيدِ غَايَةُ مَا عِنْدَهُمْ مِنْ التَّوْحِيدِ هُوَ شُهُودُ هَذَا التَّوْحِيدِ ، وَأَنْ يَشْهَدَ أَنَّ اللَّهَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكُهُ وَخَالِقُهُ لَا سِيَّمَا إذَا غَابَ الْعَارِفُ بِمَوْجُودِهِ عَنْ وَجُودِهِ وَبِمَشْهُودِهِ عَنْ شُهُودِهِ وَبِمَعْرُوفِهِ عَنْ مَعْرِفَتِهِ ، وَدَخَلَ فِي فَنَاءِ تَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ بِحَيْثُ يَفْنَى مَنْ لَمْ يَكُنْ وَيَبْقَى مَنْ لَمْ يَزَلْ ، فَهَذَا عِنْدَهُمْ هُوَ الْغَايَةُ الَّتِي لَا غَايَةَ وَرَاءَهَا " . الشيخ : حطوا بالكم لهذا ، العارف يطلقونه على الصوفية ، شيوخ الصوفية يسمونهم العارفون ، يقولون هو الذين عرف الله ، هؤلاء عندهم فناء في التوحيد في توحيد الربوبية ، بمعنى كما قال المؤلف أنه يشهد أن الله رب كل شيء ومليكه وخالقه ، لكنه يغيب بموجوده عن وجوده ، وبمشهوده عن شهوده ، وبمعروفه عن معرفته ، ما معنى أنه يأتي بهذه الأشياء .؟ يعني عندما يفكر ـ هو بزعمه ـ في الله سبحانه وتعالى يغيب حتى عن نفسه ، ينسى نفسه ، يقول إنه يغيب بموجوده عن وجوده ، موجوده هو الله ، عن وجوده عن كل الوجود ، ويصير ينسى كل شيء حتى نفسه ، ولا شك أن هذه حالة قد ترد للإنسان مع قوة العبادة والرغبة والمحبة ، لكنها قاصرة في الحقيقة ، لأنه إذا غاب بموجوده عن وجوده صار كأنه آلة لا تعمل بنية ، ويغيب حتى عن عبادته ما يدري ماذا يصنع في عبادته ، لأنه مثل ما لو قلنا إن الإنسان إذا لاقاه صديق له يحبه حبا شديداً ، لاقاه لأول مرة تجد أنه .؟ وش يكون حاله .؟ يندهش وينسى كل شيء كأن لا شيء أمامه سوى هذا الإنسان ، حتى إنه ربما يتصرف من شدة الفرح تصرفاً غير لائق ، لأنه اندهش ذهب ذهنه وفكره وقلبه لهذا الشيء الوارد على قلبه . هؤلاء يغيبون بمعبودهم عن عبادتهم ، حتى عن العبادة ما يدري ماذا يصلي الآن هو يركع ويسجد ويقوم ويقعد ويسبح ويقرأ . يغيب عن هذا لأن ما في قلبه الآن مشاهد إلا المعبود ، فيغيب عن نفسه وعن فعله ، يرون أن هذه غاية الكمال ، والصواب أنها ليست غاية الكمال ، بل هذه نقص ، الرسول صلى الله عليه وسلم لاشك أنه أكمل العابدين وأول العابدين ، هل غاب بمعبوده عن عبادته !؟ أبداً ، كان يسمع بكاء الصبي وهو في الصلاة فيوجز مخافة أن تفتتن أمه ، أليس كذلك ، وكان صلى الله عليه وسلم يرى أصحابه من وراءه، ويراهم إذا تأخروا في الصفوف ، وكان صلى الله عليه وسلم أيضا يبقى للحسن وهو ساجد حتى يقضي نهمته من ركوبه على ظهره ، فهل غاب الرسول صلى الله عليه وسلم بمعبوده عن عبادته ؟! لا ، وهل هؤلاء أكمل من الرسول !؟ لا ، ليسوا أكمل من الرسول صلى الله عليه وسلم بلا شك . فالحاصل أن هؤلاء يجعلون غاية المعرفة والحقيقة أن يصل المرء إلى هذه الغاية ، نقول : لا ، الغاية أن يكون الإنسان متزناً قائماً بهذا وبهذا ، يعبد الله حقاً لكنه لا يغيب بمعبوده عن عبادته ، ولا بموجوده عن وجوده . ولا بمعروفه عن معرفته ـ المعروف الله سبحانه وتعالى ـ يغيب بالمعروف عن معرفته حتى كأنه لا يعلم شيئاً ، ولا كأن شيئاً أمامه من الدنيا ، كل هذا في الحقيقة وإن كانوا يعدونها كمالاً فهي في الواقع نقص بلا شك . الطالب : هل أن تقول : يا موجودي ... . الشيخ : لا ، أبدا ، هذه بدعة وأيضا ربما تؤدي إلى وحدة الوجود ، إذا قال : أنت وجودي ، معناه يجعل نفسه هو الله .. لا هذه منكر عظيمة جدا ، أولا : لأنه لم يرد الشرع (( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها )) وهل من أسماء الله : موجود .؟ لا ، ليس من أسمائه الموجود ، يصح أن تخبر بأن الله موجود ، لكن لا يجوز أن تسمي الله بأنه موجود ، لأن الموجود اسم مطلق يشمل الناقص والكامل والخبيث والطيب ، وما كان منقسماً لا يمكن أن يقال بإطلاقه على الله سبحانه وتعالى ، لكن هذه من العبارات المبتدعة التي يجب النهي عنها وإنكارها . يقول كذلك أيضا: " وَدَخَلَ فِي فَنَاءِ تَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ بِحَيْثُ يَفْنَى مَنْ لَمْ يَكُنْ " ما هو الذي يفنى من لم يكن .؟ كل شيء يفنى إلا الله ، يفنى من لم يكن ، كل الكائنات لك تكن من قبل ، ويبقى من لم يزل ، من هو .؟ الله ، لم يزل ول يزال موجودا ، المعنى أنه يغيب عن كل شيء ، إلا عن الله ، ولا شك أن هذه حالة قاصرة وأنها لا تكمل بها لا دنيا ولا دين ، حتى الدين لا يكمل بها فضلا عن الدنيا ، الدنيا بلا شك ليست بكاملة في هذه الحالة ، وكذلك الدين لا يكمل بها ، وهذا مما يدخله الشيطان على بعض الناس ، وأقول لكم أن هذه مسائل خطيرة ، لأن حقيقة العبادة الاتباع ، العبادة مبنية على أمرين هامين : الحب ، والثاني : التعظيم ، فبالحب يكون الإخلاص ، لأنك إذا أحببت الله أخلصت له ، وبالتعظيم تكون المتابعة وعدم الخروج عن شرعه ، كل إنسان يعبد الله بغير هذين الأصلين فليس بعابد ، فلا بد من إخلاص منشأه الحب ، وهذه مرت علينا قبل ، ولا بد من متابعة ، متابعة الشرع منشأها التعظيم. الطالب : ... . الشيخ : سيذكره المؤلف ، كل الفناء سيأتينا أنه أقسامه ثلاثة ، ويذكره المؤلف إن شاء الله . الطالب : " وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا هُوَ تَحْقِيقُ مَا أَقَرَّ بِهِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ التَّوْحِيدِ وَلَا يَصِيرُ الرَّجُلُ بِمُجَرَّدِ هَذَا التَّوْحِيدِ مُسْلِمًا فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ وَلِيًّا لِلَّهِ أَوْ مِنْ سَادَاتِ الْأَوْلِيَاءِ ، وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّصَوُّفِ وَالْمَعْرِفَةِ : يُقَرِّرُونَ هَذَا التَّوْحِيدَ مَعَ إثْبَاتِ الصِّفَاتِ فَيَفْنَوْنَ فِي تَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ مَعَ إثْبَاتِ الْخَالِقِ لِلْعَالَمِ الْمُبَايِنِ لِمَخْلُوقَاتِهِ ، وَآخَرُونَ يَضُمُّونَ هَذَا إلَى نَفْيِ الصِّفَاتِ فَيُدْخُلُونَ فِي التَّعْطِيلِ مَعَ هَذَا ، وَهَذَا شَرٌّ مِنْ حَالِ كَثِيرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ". الشيخ : نعم ، لأن بعض المشركين يقرون بالصفات وينكرون البعض ، وهؤلاء ينكرون جميع الصفات ، فما رأيكم في توحيد يكون كثير من المشركين خيرا منه ؟! ... هذا التوحيد ليس بتوحيد .
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وكان جهم ينفي الصفات ويقول بالجبر فهذا تحقيق قول جهم لكنه إذا أثبت الأمر والنهي والثواب والعقاب : فارق المشركين من هذا الوجه لكن جهما ومن اتبعه يقول بالإرجاء ; فيضعف الأمر والنهي والثواب والعقاب عنده والنجارية والضرارية وغيرهم : يقربون من جهم في مسائل القدر والإيمان مع مقاربتهم له أيضا في نفي الصفات .والكلابية والأشعرية : خير من هؤلاء في باب الصفات فإنهم يثبتون لله الصفات العقلية , وأئمتهم يثبتون الصفات الخبرية في الجملة كما فصلت أقوالهم في غير هذا الموضع وأما في باب القدر ومسائل الأسماء والأحكام فأقوالهم متقاربة . والكلابية هم أتباع أبي محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب الذي سلك الأشعري خطته وأصحاب ابن كلاب كالحارث المحاسبي , وأبي العباس القلانسي ونحوهما . خير من الأشعرية في هذا وهذا فكلما كان الرجل إلى السلف والأئمة أقرب كان قوله أعلى وأفضل والكرامية قولهم في الإيمان قول منكر لم يسبقهم إليه أحد حيث جعلوا الإيمان قول اللسان وإن كان مع عدم تصديق القلب فيجعلون المنافق مؤمنا ; لكنه يخلد في النار فخالفوا الجماعة في الاسم دون الحكم , وأما في الصفات والقدر والوعيد فهم أشبه من أكثر طوائف الكلام التي في أقوالها مخالفة للسنة " .
الطالب : " وَكَانَ جَهْمٌ يَنْفِي الصِّفَاتِ وَيَقُولُ بِالْجَبْرِ فَهَذَا تَحْقِيقُ قَوْلِ جَهْمٍ لَكِنَّهُ إذَا أَثْبَتَ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ وَالثَّوَابَ وَالْعِقَابَ فَارَقَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ، لَكِنَّ جَهْمًا وَمَنْ اتَّبَعَهُ يَقُولُ بِالْإِرْجَاءِ ، فَيَضْعُفُ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالثَّوَابُ وَالْعِقَابُ عِنْدَهُ ". الشيخ : صحيح ... أولا تعرفون أن الجهمية يقولون بالجبر ، معناه أن الإنسان مجبر على عمله ما له إرادة ولا اختيار ، هذا يكون فيه تعظيم للأمر والنهي ، لكنه يقول بالإرجاء ، والقول بالإرجاء يضعف الأمر والنهي ، الإرجاء معناه أن الطاعات ليست داخلة في الإيمان ، وأن الإيمان هو الإقرار بالقلب ، وعلى هذا فالأعمال لا تدخل في الإيمان ، فلا ينقص الإيمان معصية ولا يزيده طاعة ، يقول أفجر الناس وأتقى الناس في الإيمان سواء ولذلك عند جهم ومن تابعه : الزاني والسارق وشارب الخمر واللائط ، كل هؤلاء ليسوا فساقاً ، هؤلاء مؤمنون كاملوا الإيمان ، إيمانهم مثل إيمان جبريل وميكائيل ومحمد صلى الله عليه وسلم ، فإذا كان الإنسان يعتقد هذه العقيدة هل يضعف الأمر والنهي في حقه .؟ بمعنى هل يتهاون بالأمر والنهي أم لا .؟ يتهاون ، ما دام يقول الرجل إنه سيكون مؤمنا كامل الإيمان لو زنا ولو سرق ولو شرب الخمر ولو قتل النفس ، الإيمان يكون الأمر والنهي لديه ضعيفا ولذلك يقول : إن الإرجاء يضعف الأمر والنهي والعقاب والثواب ، عنده الزاني والسارق وقاتل النفس وما أشبه ذلك لا يدخلون النار ، لأن عنده هذا ما له تعلق بالإيمان ، وكل مؤمن فهو بالجنة ، وعلى هذا فكل من عمل هذه الكبائر فإنها لا تنقص إيمانه ولا تحول بينه وبين دخول الجنة بدون أن يدخل النار . رجل يعتقد هذه العقيدة ، ماذا يكون ميزان الأمر والنهي والعقاب والثواب عنده .؟ لا شيء ، ولا يهمه . فحقيقة مذهب جهم الذي هو الإرجاء ، الحقيقة أنه يصلح لفساق هذا الزمان ، يقولون : ما دام أن الواحد يزني ويسرق ويشرب الخمر وكل شيء وهو مؤمن كإيمان جبريل وميكائيل ومحمد ، هذا طيب خلونا نسرق ونزني ونفعل الأشياء التي نريد ، والحمد لله ، ونرفع الرايات على أننا مؤمنون كإيمان محمد وجبريل وميكائيل ، ولا شك أن هذا قول من أبطل الأقوال . يقولون أن الجهمية فيهم ثلاث جيمات ـ أعاذك الله من الجيمات ـ: الجهم والجبر والإرجاء ، وبئس الجيمات الثلاث . الطالب : المرجئة هم الجهمية .؟ الشيخ : لا ، غلاة المرجئة هم الجهمية ، وإلا فيه مرجئة آخرون ـ كما سيذكره المؤلف إن شاء الله قريبا ـ فيهم مرجئة آخرون أقل منهم ، أقل من وجه وأرجأ من وجه آخر . نعم . الطالب : " والنجارية والضرارية وَغَيْرُهُمْ يَقْرَبُونَ مِنْ جَهْمٍ فِي مَسَائِلِ الْقَدَرِ وَالْإِيمَانِ مَعَ مُقَارَبَتِهِمْ لَهُ أَيْضًا فِي نَفْيِ الصِّفَاتِ . والكلابية وَالْأَشْعَرِيَّةُ : خَيْرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ فِي بَابِ الصِّفَاتِ فَإِنَّهُمْ يُثْبِتُونَ لِلَّهِ الصِّفَاتِ الْعَقْلِيَّةَ ، وَأَئِمَّتُهُمْ يُثْبِتُونَ الصِّفَاتِ الْخَبَرِيَّةَ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا فُصِّلَتْ أَقْوَالُهُمْ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ، وَأَمَّا فِي بَابِ الْقَدَرِ وَمَسَائِلِ الْأَسْمَاءِ وَالْأَحْكَامِ فَأَقْوَالُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ . والكلابية هُمْ أَتْبَاعُ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ كِلَابٍ الَّذِي سَلَكَ الْأَشْعَرِيُّ خُطَّتَهُ " . الشيخ : يعني صار الكلابية متقدمين على الأشعرية . الكلابية هم أتباع هذا الرجل أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ . الطالب : " وَأَصْحَابُ ابْنُ كِلَابٍ كَالْحَارِثِ الْمُحَاسَبِيِّ ، وَأَبِي الْعَبَّاسِ القلانسي وَنَحْوِهِمَا . خَيْرٌ مِنْ الْأَشْعَرِيَّةِ فِي هَذَا وَهَذَا ، فَكُلَّمَا كَانَ الرَّجُلُ إلَى السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ أَقْرَبَ كَانَ قَوْلُهُ أَعْلَى وَأَفْضَلَ ". الطالب : بالنسبة للأشعرية هل يحكم بكفرهم .؟ الشيخ : لا ، ما يحكم بكفرهم ، ومسألة التكفير ما علينا ، نحن الآن ما نتكلم بالتكفير وغير التكفير ، نتكلم بالمقالات ، هذه المقالة خاطئة وهذه خاطئة ، لأن مسألة التكفير مسألتها دقيقة جداً ولا تعنينا . الطالب : ... . الشيخ : في الحقيقة ما نستطيع أن نحكم حكماً عاماً ، لأن بعضهم يكون أقرب إلى أهل السنة والجماعة في باب ، وأبعد في باب آخر . فمثلاً الأشاعرة بالنسبة للمعتزلة لا شك أنهم أقرب إلى أهل السنة والجماعة في باب الصفات . الطالب : ... . الشيخ : لا ، ... فلا يمكن أن تفضل بعضا على بعضا على سبيل الإطلاق ، نقول في الصفات لا شك أن أقربهم الأشعرية بل الماتوريدية أقرب منهم ، لأنهم يزيدون على الأشعرية بعض الصفات التي ينكرها الأشاعرة . الطالب : هل يجوز موالاتهم .؟ الشيخ : ما أتكلم عن هذا ، هذه مسألة تعود إلى مسألة أخرى ، موالاتهم مناصرتهم والحكم بفسقهم أو كفرهم هذا باب آخر ، نتكلم عن مقالاتهم وهل هي توحيد على زعمهم أو غير توحيد . الطالب : ... كتاب في الحكم على الطوائف .؟ الشيخ : هذا يتكلم عليه شيخ الإسلام بالفتاوى ، يتكلم عليه يقينا لكن مشتت ليس في مقام واحد . الطالب : " والكرامية قَوْلُهُمْ فِي الْإِيمَانِ قَوْلٌ مُنْكَرٌ لَمْ يَسْبِقْهُمْ إلَيْهِ أَحَدٌ حَيْثُ جَعَلُوا الْإِيمَانَ قَوْلَ اللِّسَانِ وَإِنْ كَانَ مَعَ عَدَمِ تَصْدِيقِ الْقَلْبِ فَيَجْعَلُونَ الْمُنَافِقَ مُؤْمِنًا ، لَكِنَّهُ يَخْلُدُ فِي النَّارِ فَخَالَفُوا الْجَمَاعَةَ فِي الِاسْمِ دُونَ الْحُكْمِ ، وَأَمَّا فِي الصِّفَاتِ وَالْقَدَرِ وَالْوَعِيدِ فَهُمْ أَشْبَهُ مِنْ أَكْثَرِ طَوَائِفِ الْكَلَامِ الَّتِي فِي أَقْوَالِهَا مُخَالَفَةٌ لِلسُّنَّةِ ". الشيخ : هؤلاء أيضا من المرجئة ، المرجئة الأولون الجهمية يقولون : الإيمان مجرد إقرار القلب ، إذا أقررت أن الله موجود خلاص هذا الإيمان ، القول لا يدخل في الإيمان الفعل لا يدخل في الإيمان ، الكرامية يقولون : العقيدة ما لها دخل في الإيمان ، الإيمان قول اللسان فقط ، وإن كان مع عدم تصديق القلب ، طيب على رأي هؤلاء يكون المنافقون مؤمنين ، أو لا طيب لكن مع ذلك يقولون المنافقين مؤمنين مخلدين في النار ، وافقوا أهل السنة والجماعة في الحكم دون الاسم، الحكم واحد ، يقول : فخالفوا الجماعة في الاسم دون الحكم ، إذا وافقوهم في الحكم دون الاسم ، يعني المنافق نحن نقول مخلد في النار ، وهم يقولون مخلد في النار ، لكن نحن نقول منافق ليس بمؤمن ، وهم يقولون مؤمن . فصار عندنا الآن طائفة المرجئة الذين يجعلون الإيمان مجرد الاعتقاد بالقلب ، الثاني : الكرامية ، يقولون : الإيمان هو قول اللسان ، أهل السنة والجماعة يقولون الإيمان هو إقرار القلب وقول اللسان وعمل الأركان ، كلها من الإيمان . والله الموفق . الطالب : الكرامية .؟ الشيخ : أتباع عبد الله بن كرام ، في هذا كتاب للشهرستاني الملل والنحل ... . الطالب : منشأ هذه الطوائف .؟ الشيخ : منشأهم من أمتنا ، يضل الواحد ، ولهذا زلة العالم ليست هينة .
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وأما المعتزلة فهم ينفون الصفات ويقاربون قول جهم لكنهم ينفون القدر ; فهم وإن عظموا الأمر والنهي والوعد والوعيد ; وغلوا فيه ; فهم يكذبون بالقدر ففيهم نوع من الشرك من هذا الباب , والإقرار بالأمر والنهي والوعد والوعيد مع إنكار القدر خير من الإقرار بالقدر مع إنكار الأمر والنهي والوعد والوعيد ولهذا لم يكن في زمن الصحابة والتابعين من ينفي الأمر والنهي والوعد والوعيد وكان قد نبغ فيهم القدرية كما نبغ فيهم الخوارج : الحرورية وإنما يظهر من البدع أولا ما كان أخفى وكلما ضعف من يقوم بنور النبوة قويت البدعة فهؤلاء المتصوفون الذين يشهدون الحقيقة الكونية مع إعراضهم عن الأمر والنهي : شر من القدرية المعتزلة ونحوهم : أولئك يشبهون المجوس وهؤلاء يشبهون المشركين الذين قالوا : (( لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء )) والمشركون شر من المجوس .".
الطالب : بسم الله الرحمن الرحيم ، قال رحمه الله تعالى : " وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ فَهُمْ يَنْفُونَ الصِّفَاتِ وَيُقَارِبُونَ قَوْلَ جَهْمٍ لَكِنَّهُمْ يَنْفُونَ الْقَدَرَ ، فَهُمْ وَإِنْ عَظَّمُوا الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ وَالْوَعْدَ وَالْوَعِيدَ ، وَغَلَوْا فِيهِ ، فَهُمْ يُكَذِّبُونَ بِالْقَدَرِ فَفِيهِمْ نَوْعٌ مِنْ الشِّرْكِ مِنْ هَذَا الْبَابِ .". الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم ، أظنكم تعرفون الفرق بين المعتزلة والجهمية والموافقة .؟ يوافقون الجهمية المعتزلة في نفي الصفات ، والمؤلف يقول : " يقاربون قول جهم " لأن جهماً ينكر جميع الصفات بدون تفصيل ، وأولئك يثبتون ثلاث صفات وهي : الحياة والعلم والقدرة . الذين هم المعتزلة ، وإن كانوا يفسرونها بغير تفسير أهل السنة والجماعة ، فهم في الصفات في الحقيقة مثل الجهمية أو مقاربون لهم ، في باب الإرجاء المعتزلة على العكس من الجهمية ، لأن الجهمية يقولون بالإرجاء والمعتزلة على العكس يقولون : في المنزلة بين المنزلتين ، مثال ذلك : مثلاً فاعل الكبيرة عند الجهمية ما حكمه .؟ مؤمن كامل الإيمان ، وعند المعتزلة ليس بمؤمن ولا كافر أيضا ، لكنه مخلد في النار وهو في منزلة بين المنزلتين ، شف الفرق بينهم الآن واضح ، الجهمية يقولون إن فاعل الكبيرة مؤمن كامل الإيمان ولا يدخل النار ، وأولئك يقولون : فاعل الكبيرة ليس عنده إيمان ليس بمؤمن ، لكن ليس بكافر بل في منزلة بين منزلتين ، أما في الآخرة فهو مخلد في النار ، فخالفوا الجهمية مخالفة تامة في أحكام الدنيا وأحكام الآخرة . في باب القدر أيضا على العكس من الجهمية تماماً ، لأن المعتزلة ينكرون القدر والجهمية يثبتونه مع المغالاة فيثبتون الجبر ، وفرق بين الإنسان الذي يقول أن العبد يفعل فعله باختياره وإرادته وليس لله فيه إرادة ولا اختيار ، وبين الذي يقول : أن العبد يفعل بدون اختيار ولا إرادة وهو مجبر على فعله لأن ذلك تقدير الله . إذا فهمتم الآن الوجوه التي يتفق فيها الجهمية والمعتزلة ويختلفون فيها . هم يعظمون الأمر والنهي والوعد والوعيد لأنهم مثل ما قلت لكم ، يقولون : الذي يفعل الكبيرة ليس بمؤمن ولا كافر أيضا في منزلة بين المنزلتين ، وهذا هو تعظيم الأمر والنهي لكنه مغال فيه ، يقولون أي مخالفة تقع من الإنسان في الكبائر يخرجه من الإيمان ، وهذا يكون تعظيماً للأمر والنهي . أولئك لا يعظمون الأمر والنهي لأنهم يقولون : كل معصية من الإنسان لا تضره ، لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة . الطالب : ... . الشيخ : هذا كلامهم ، يقولون أنه لا يقدر أفعال العبد ، لأنه لو قدر أفعاله وعاقبه عليها صار ظلما . الطالب : (( وما أصابك من سيئة فمن نفسك )) .؟ الشيخ : وش فيه .؟ (( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم )) هذا هو معنى : (( وما أصابك من سيئة فمن نفسك )) يعني أنت سببها ، هذا المعنى . فسروها الآية : (( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير )) الحسنة تفضلا من الله ما لك فيها حول ولا قوة ، وأما السيئات فأنت أسبابها . الطالب : " فَهُمْ يُكَذِّبُونَ بِالْقَدَرِ فَفِيهِمْ نَوْعٌ مِنْ الشِّرْكِ مِنْ هَذَا الْبَابِ وَالْإِقْرَارُ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ مَعَ إنْكَارِ الْقَدَرِ خَيْرٌ مِنْ الْإِقْرَارِ بِالْقَدَرِ مَعَ إنْكَارِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ ". الشيخ : صحيح ، وهذا واضح أنه خير ، لأن الثاني يتضمن أن أمر الله ونهيه يكون عبثاً ، الذي يعظم القضاء والقدر وينكر الأمر والنهي والوعد والوعيد ، يصير أمر الله ونهيه من سبيل العبث ليس فيه فائدة ، ما دام أنك تأمره ثم تجبره ألا يفعل ، وتنهاه وتجبره أن يفعل ، فيكون هذا من باب العبث ، أدنى ما نقول إنه عبث قد نقول إنه ظلماً أيضا ، ولكن الذي يعظم الأمر والنهي ويقول إن الإنسان له اختيار وإرادة ، وإذا فعل المنهيات وترك المأمورات فهو يعاقب عليها ، هذا خير من الذي يقول إنه لا يعاقب ، لأنه إذا عوقب فهو مظلوم . الطالب : " وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ مَنْ يَنْفِي الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ وَالْوَعْدَ وَالْوَعِيدَ ، وَكَانَ قَدْ نَبَغَ فِيهِمْ الْقَدَرِيَّةُ كَمَا نَبَغَ فِيهِمْ الْخَوَارِجُ الحرورية " . الشيخ : عندنا : " الْخَوَارِجُ والحرورية " ما تقتضي المغايرة ، لأن المعروف أن الخوارج يلقبون بالحرورية ، وإن كانوا أعم ، الخوارج أعم من الحرورية ، لأنه يشمل كل من خرج عن الإمام ، وأما الحرورية فهي خاصة بطائفة معينة منهم ، وهم الذين خرجوا على علي بن أبي طالب . الطالب : " وَكَانَ قَدْ نَبَغَ فِيهِمْ " العطف على ماذا .؟ الشيخ :" لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ من ينفي الأمر ... وَكَانَ قَدْ نَبَغَ فِيهِمْ " معطوفة على النفي في قوله : " لَمْ يَكُنْ " ، يعني : ما كان في زمن الصحابة من ينفي الأمر والنهي كما تقول الجبرية لكن فيهم القدرية ، ونبغ هنا بمعنى ظهر . الطالب : في زمن التابعين .؟ الشيخ : لا ، في زمنهم ، المراد في زمنهم مثل ما قال : " لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِ ... نَبَغَ فِيهِمْ " يعني في زمنهم . الطالب : " وَإِنَّمَا يَظْهَرُ مِنْ الْبِدَعِ أَوَّلًا مَا كَانَ أَخْفَى ، وَكُلَّمَا ضَعُفَ مَنْ يَقُومُ بِنُورِ النُّبُوَّةِ قَوِيَتْ الْبِدْعَةُ ، فَهَؤُلَاءِ الْمُتَصَوِّفُونَ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ الْحَقِيقَةَ الْكَوْنِيَّةَ مَعَ إعْرَاضِهِمْ عَنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ شَرٌّ مِنْ الْقَدَرِيَّةِ الْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهِمْ ، أُولَئِكَ يُشْبِهُونَ الْمَجُوسَ وَهَؤُلَاءِ يُشْبِهُونَ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَالُوا : (( لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ )) وَالْمُشْرِكُونَ شَرٌّ مِنْ الْمَجُوسِ ". الشيخ : صحيح ، المشركون شر من المجوس بلا شك ، ولهذا المجوس يقرون بالجزية بالنص ، والمشركون لا يقرون بالجزية عند أكثر أهل العلم ، وإن كان الصحيح أنهم يقرون لكنهم عند أكثر أهل العلم لا يقرون ، فصاروا أي المشركون شراً من المجوس ، وإن كان المجوس يطلق عليهم أنهم مشركون لأنهم يعبدون النار ، لكن المشركون المراد الذين يعبدون الأوثان ولا يدينون بدين المجوس . طيب من الذين يشبهون المشركين من الجهمية والمعتزلة .؟ الجهمية هم الذين يشبهون المشركين ، والذي يشبه المجوس هم القدرية المعتزلة لأنهم يقولون إن الإنسان خالق أفعاله ، كما أن المجوس يقولون إن العالم له خالقان . الطالب : " الَّذِينَ يَشْهَدُونَ الْحَقِيقَةَ الْكَوْنِيَّةَ مَعَ إعْرَاضِهِمْ عَنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ " ما المقصود بالحقيقة الكونية .؟ الشيخ : المراد بشهود الحقيقة الكونية ما سبق أنهم يغيبون عن مشاهد الكون بالخالق سبحانه وتعالى ، ولا يعظمون الأمر والنهي حتى إن بعضهم ـ ربما يذكره المؤلف أو لا يذكره ـ يسقط الأمر والنهي ، إذا بلغ الإنسان منهم مرتبة معينة قالوا : خلاص هذا شهد الحقيقة فلا يؤمر ولا ينهى ، حتى فسروا قول الله تعالى : (( واعبد ربك حتى يأتيك اليقين )) ... . حتى قالوا في قوله تعالى : (( واعبد ربك حتى يأتيك اليقين )) إن المراد باليقين مشاهدة مقام الربوبية ، أي أنك تعبد الله إلى أن تصل إلى هذه الدرجة فإذا وصلت سقطت عنك العبادة ، وهذا بلا شك تحريف للقرآن ، وأن المراد حتى يأتيك الموت ، لأن الموت يتيقن به الإنسان ما وعد ويشاهد أمور الآخرة ، الحاصل أن هؤلاء المتصوفة الذين يشهدون الحقيقة الكونية يغفلون عن الشرع والقدر ، يغيبون بمشهودهم عن شهادتهم وبمعبودهم عن عبادتهم ، وبموجودهم عن وجودهم كما سبق .
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " فهذا أصل عظيم على المسلم أن يعرفه ; فإنه أصل الإسلام الذي يتميز به أصل الإيمان من أهل الكفر وهو الإيمان بالوحدانية والرسالة شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله . وقد وقع كثير من الناس في الإخلال بحقيقة هذين الأصلين أو أحدهما مع ظنه أنه في غاية التحقيق والتوحيد والعلم والمعرفة . فإقرار المشرك بأن الله رب كل شيء ومليكه وخالقه : لا ينجيه من عذاب الله إن لم يقترن به إقراره بأنه لا إله إلا الله فلا يستحق العبادة أحد إلا هو ; وأن محمدا رسول الله فيجب تصديقه فيما أخبر وطاعته فيما أمر فلا بد من الكلام في هذين الأصلين :
الْأَصْلُ الْأَوَّلُ : تَوْحِيدُ الْإِلَهِيَّةِ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ أَخْبَرَ عَنْ الْمُشْرِكِينَ كَمَا تَقَدَّمَ بِأَنَّهُمْ أَثْبَتُوا وَسَائِطَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ يَدْعُونَهُمْ وَيَتَّخِذُونَهُمْ شُفَعَاءَ بِدُونِ إذْنِ اللَّهِ قَالَ تَعَالَى : (( وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ )) فَأَخْبَرَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا هَؤُلَاءِ شُفَعَاءَ مُشْرِكُونَ وَقَالَ تَعَالَى عَنْ مُؤْمِنِ يس : (( وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ إنِّي إذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ إنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ )) وَقَالَ تَعَالَى : (( وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ )) فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ عَنْ شُفَعَائِهِمْ أَنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّهُمْ فِيهِمْ شُرَكَاءُ ، وَقَالَ تَعَالَى : (( أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إلَيْهِ تُرْجَعُونَ )) وَقَالَ تَعَالَى : (( مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ )) وَقَالَ تَعَالَى : (( وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ )) وَقَالَ تَعَالَى : (( مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلَّا بِإِذْنِهِ )) وَقَالَ تَعَالَى : (( وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ )) وَقَالَ تَعَالَى : (( وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى )) وَقَالَ تَعَالَى : (( قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ )) وَقَالَ تَعَالَى : (( قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا )) ".
الطالب : " فَهَذَا أَصْلٌ عَظِيمٌ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَعْرِفَهُ ، فَإِنَّهُ أَصْلُ الْإِسْلَامِ الَّذِي يَتَمَيَّزُ بِهِ أَصْلُ الْإِيمَانِ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ وَهُوَ الْإِيمَانُ بالوحدانية وَالرِّسَالَةِ : شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ . وَقَدْ وَقَعَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فِي الْإِخْلَالِ بِحَقِيقَةِ هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا مَعَ ظَنِّهِ أَنَّهُ فِي غَايَةِ التَّحْقِيقِ وَالتَّوْحِيدِ وَالْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ .". الشيخ :" مَعَ ظَنِّهِ أَنَّهُ " الضمير يعود على نفس الضال هذا ، يظن أنه في غَايَةِ التَّحْقِيقِ وَالتَّوْحِيدِ وَكمال الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ ، ومع ذلك فهو جاهل ، كما مر قريبا في تعريف التوحيد عند هؤلاء المتكلمين الذين يزعمون أنهم هم أهل التوحيد ، وقد عرفتم ما يدخل في مسمى التوحيد عندهم من الضلالات والكفر . الطالب : " فَإِقْرَارُ المرء بِأَنَّ اللَّهَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكُهُ وَخَالِقُهُ : لَا يُنْجِيهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ " . الطالب : " فَإِقْرَارُ الْمُشْرِكِ ". الشيخ : الْمُشْرِكِ عندك .؟ الطالب : " فَإِقْرَارُ المرء بِأَنَّ اللَّهَ " . الشيخ : يعني عندك المرء بدل المشرك ، هذا صحيح : " فَإِقْرَارُ المرء ". الطالب : " فَإِقْرَارُ المرء بِأَنَّ اللَّهَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكُهُ وَخَالِقُهُ لَا يُنْجِيهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ إنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ إقْرَارُهُ بِأَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، فَلَا يَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ أَحَدٌ إلَّا هُوَ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَيَجِبُ تَصْدِيقُهُ فِيمَا أَخْبَرَ وَطَاعَتُهُ فِيمَا أَمَرَ فَلَا بُدَّ مِنْ الْكَلَامِ فِي هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ : " . الشيخ : طيب على رأي المتكلمين إذا أقر الإنسان بأن الله ربه وخالقه ومليكه ، وأنه متصف بالصفات التي لا شبيه له فيها على زعمهم ، ويفسرون أيضا لا شبيه بحسب ما يرون ، وأنه واحد لا قسيم له في ذاته ، على رأيهم يكون موحدا ناجيا من عذاب الله ، وهذا ليس بصحيح ، المشركون يقرون بأكثر مما أقر به هؤلاء ، يقرون بالله وبخلقه وبعموم مشيئته وقدرته ، وهؤلاء لم يكونوا موحدين بل قاتلهم الرسول عليه الصلاة والسلام . الطالب : " الْأَصْلُ الْأَوَّلُ تَوْحِيدُ الْإِلَهِيَّةِ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ أَخْبَرَ عَنْ الْمُشْرِكِينَ كَمَا تَقَدَّمَ بِأَنَّهُمْ أَثْبَتُوا وَسَائِطَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ يَدْعُونَهُمْ وَيَتَّخِذُونَهُمْ شُفَعَاءَ بِدُونِ إذْنِ اللَّهِ قَالَ تَعَالَى : (( وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ )) وَقَالَ تَعَالَى عَنْ مُؤْمِنِ يس " . الشيخ :" فَأَخْبَرَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا هَؤُلَاءِ شُفَعَاءَ مُشْرِكُونَ " عنك هذه .؟ الطالب : ما عندنا . الشيخ : طيب ما تضر في الحقيقة ، لكن عندنا في النسخة هذه صحيحة . الطالب : " وَقَالَ تَعَالَى عَنْ مُؤْمِنِ يس " . الشيخ : أنا عندي : عَنْ مُؤْمِنِ سن ، هذه غلط ، لو كان خلاه ياسين حسب النطق لا بأس ، لكن كونه يكتبه بالحروف ثم يحط نون خطأ . الطالب : " (( وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ إنِّي إذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ إنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ )) وَقَالَ تَعَالَى : (( وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ )) وَقَالَ تَعَالَى : (( أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ ))" . الشيخ : عندنا تكميل الآية ولا بأس ما يخالف : " (( لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ )) ". الطالب : " وَقَالَ تَعَالَى : (( أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ ... )) ". الشيخ : اصبر : " فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ عَنْ شُفَعَائِهِمْ أَنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّهُمْ فِيهِمْ شُرَكَاءُ " هذه ما هي عندك .؟ الطالب : لا . الشيخ : طيب ما يخالف . الطالب : " وَقَالَ تَعَالَى : (( ... قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إلَيْهِ تُرْجَعُونَ )) وَقَالَ تَعَالَى : (( مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ )) وَقَالَ تَعَالَى : (( وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ )) وَقَالَ تَعَالَى : (( مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلَّا بِإِذْنِهِ )) وَقَالَ تَعَالَى : (( وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ )) وَقَالَ تَعَالَى : (( قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ ... )) . " . الشيخ : عندنا آية : " وَقَالَ تَعَالَى : (( وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي ... )) ". ممكن عندك تقديم وتأخير .؟ الطالب : ما عندنا . الشيخ : طيب الذي عندنا صواب : " وَقَالَ تَعَالَى : (( وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى )) ". الطالب : " وَقَالَ تَعَالَى : (( قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ )) وَقَالَ تَعَالَى : (( قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا )) ". الشيخ : المهم الآن ، عندنا كل الآيات هذه فيها أن الشفاعة لا يمكن أن تقع إلا بشرطين : أحدهما : أن يأذن الله . الثاني : أن يرضى الله . يرضى عن من .؟ يرضى الشفاعة ، عن الشفاع والمشفوع له : (( إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى )) فلا بد من هذين الشرطين في الشفاعة المذكورة في الآية : (( إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى )) فهؤلاء المشركون الذين زعموا أن أصنامهم شفعاء ، نقول لهم : إن أصنامكم لا تنفعكم ، لأن الله تعالى لم يرض بذلك ولم يأذن ولن يأذن أيضاً بهذه الأصنام التي تعبد أن تشفع . بل قال تعالى : (( إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم )) ومن كان حصبا لجهنم هل يمكن أن يشفع .؟ إذا كان هو لا ينجي نفسه فكيف ينجي غيره .؟! إذاً هذه الأصنام التي اتخذوها وأرادوا أن تكون وسيلة إلى ربهم لا تنفعهم ، أيضاً من اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم شفيعاً بينه وبين الله وصار يدعو رسول الله عليه الصلاة والسلام أو اتخذ علي بن أبي طالب شفيعاً عند الله فإن ذلك لا ينفعه . لأنه لا تتحقق فيه الشروط ، وهي : إذن الله ورضاه سبحانه وتعالى ، لأننا نعلم أن الله لن يرضى أن أحدا يشفع بدون إذنه ، ولن يأذن لمشرك أن تكون له الشفاعة من أي أحد كان !، حتى ولا من الأنبياء لا يشفعون له . وفي الآية الأخيرة قوله تعالى : (( قل ادعو الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض وما لهم فيها من شرك وما له منه من ظهير عنده )) قطع الله سبحانه وتعالى جميع الأسباب التي يتعلق بها هؤلاء : - (( لا يملكون مثقال ذرة )) استقلالا . - (( وما لهم فيهما من شرك )) شركة يعني : ولا مشاركة مع الله في ملكه . - (( وما له )) أي لله (( منهم )) مما يدعون من دون الله (( من ظهير )) من معين ، أيضا نفى أن تكون هذه الأصنام معينة لله ، يعني وليس لها حتى ولا إعانة في ما يخلق الله عز وجل ، فبقي الشفاعة هل تشفع أو لا .؟ (( ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له )) وهؤلاء لن يؤذن لهم ، فنفى الله عزّ وجل جميع علق المشركين الذين تعلقوا بهذه الأصنام ، بأن هذه الأصنام ليس لها حق في ملكوت السموات والأرض لا استقلالاً ولا مشاركة ولا مساعدة ولا شفاعة . الطلب : الإذن لمن يكون .؟ الشيخ : للشافع ، والرضا للجميع للشافع والمشفوع له ، لأنه ما يمكن يأذن للشافع إلا بعد رضاه ، ولا يأذن له أن يشفع لأحد إلا لمن ارتضى مثل ما قال الله تعالى . الطالب : ... . الشيخ : إذا ظن أو اعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم يستجيب دعاءه فإنه كفر ، شرك ، الرسول صلى الله عليه وسلم ما يملك لنفسه شيئا : (( قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله )) ... . الطالب : ... . الشيخ : هو لا يشاء إلا بالشرطين ، لأنه اعلمنا أنه سبحانه وتعالى لا تحصل الشفاعة إلا بهذين الشرطين ، إذا فلو شاءها مع تخلف أحد منهما لكان خبره .؟ أخبر أنه لا يمكن الشفاعة إلا بشرطين ، لو أنه شاءها مع تخلف واحد منهما صار خبره .؟ صار كذبا ، ولا يمكن أن يكون خبر الله كاذبا ، فمشيئة الله للشفاعة ما تكون إلا إذا وجد الشرطان . الطالب : " قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ : كَانَ قَوْمٌ يَدْعُونَ الْعُزَيْرَ وَالْمَسِيحَ وَالْمَلَائِكَةَ فَأَنْزَلَ اللّهُ هَذِهِ الْآيَةَ يُبَيِّنُ فِيهَا أَنَّ الْمَلَائِكَةَ وَالْأَنْبِيَاءَ يَتَقَرَّبُونَ إلَى اللَّهِ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ " . الشيخ :(( أولئك الذين يدعون )) أين خبر أولئك .؟ (( يبتغون إلى ربهم الوسيلة )) يعني هم أنفسهم يبغون إلى ربهم الوسيلة ، فكيف تتخذونهم أنتم وسائل ووسائط ويرجون رحمته ويخافون عذابه، إذا كان هم يرجون رحمة الله ويخافون عذابه ويطلبون الوسيلة ، فكيف أنتم تتخذونهم وسائط .؟! هذا المعنى . الطالب : يقصد هذه الآية : (( قل ادعوا الذين زعمتم )) . الملائكة والأنبياء .؟ الشيخ : لا ، آخر الآية : (( أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة )) . الطالب : ... . الشيخ : كشفه بدون أن يتحول إلى غيره ، تحويل يحوله من زيد إلى عمرو ، والكشف ... نهائيا ، دعا النبي صلى الله عليه وسلم أن ينقل حمى المدينة إلى الجحفة ، هذا واش يصير .؟ هذا تحويل ، وإذا قلت : اللهم اشفني ، هذا كشف .
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " ومن تحقيق التوحيد : أن يعلم أن الله تعالى أثبت له حقا لا يشركه فيه مخلوق ; كالعبادة والتوكل والخوف والخشية والتقوى كما قال تعالى : (( لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا )) وقال تعالى : (( إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين )) وقال تعالى : (( قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين )) وقال تعالى : (( قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون )) إلى قوله : (( الشاكرين )) وَكُلٌّ مِنْ الرُّسُلِ يَقُولُ لِقَوْمِهِ : (( اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إلَهٍ غَيْرُهُ )) .".
الطالب : " وَمِنْ تَحْقِيقِ التَّوْحِيدِ : أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَثْبَتَ لَهُ حَقًّا لَا يَشْرِكُهُ فِيهِ مَخْلُوقٌ ، كَالْعِبَادَةِ وَالتَّوَكُّلِ وَالْخَوْفِ وَالْخَشْيَةِ وَالتَّقْوَى ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (( لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا ))." . الشيخ : لاحظوا هذه الأمور من العبادة ما تصلح لغير الله ولو بثم ، يعني مثلا لو واحد يريد أن يعبد غير الله بعد الله ، يصلح .؟ لا ، بخلاف الأمور القدرية فلا مانع أن تشرك مع الله غيره بحرف يقتضي الترتيب: ما شاء الله ثم شئت ، لولا الله ثم أنت مثلا ، هذا لا بأس به ، لكن تقول : أعبد الله ثم أعبدك ، يجوز أو لا .؟ الطالب : ما يجوز . الشيخ : طيب ، قول الناس الآن ـ التوكل من العبادة ـ : أنا متوكل على الله ثم عليك ، أليس يقولون هكذا .؟ يقولون هكذا : أنا متوكل على الله ثم عليك ، طيب أليس التوكل عبادة ؟ التوكل عبادة مثل ما قال المؤلف ، لأن الله قال : (( فاعبده وتوكل عليه )) لكن يجب أن نعرف أن توكل العبادة هو الذي يقتضي الحب والتعظيم أو الذل والخشوع ، هذا هو توكل العبادة الذي لا يجوز إلا لله جل وعلا . أما التوكل الذي هو الاعتماد المطلق ولو مع اعتقاد المتوكل أنه فوق المتوكل عليه فهذا يصلح لله ولغيره ، ولهذا فرق الله بينهم : (( فاعبده وتوكل عليه )) فليس التوكل بجميع أقسامه أو على وجه الإطلاق من العبادة . خليكم معنا حتى تعرفوا الفرق لئلا يلتبس ، فالتوكل الذي هو مطلق الاعتماد هذا يصح لله ولغيره ، ولهذا تقول : هذا وكيل لي وأنا موكله ، وتوكلت عليه ، يعني : اعتمدت ، ،تقول : فوضت الأمر إلى فلان ، وتقول : أفوض أمري إلى الله . لأن التوكل الذي هو العبادة هو ما يقتضي الذل والخضوع والتعظيم ، لكن التوكل الذي هو مطلق الاعتماد ولو مع اعتقاد الموكل أنه فوق رتبة المتوكل هذا يجوز لغير الله . ومثله أيضاً الخوف والخشية : الخوف أيضاً منقسم : (( فلا تخافوهم وخافون أن كنتم مؤمنين )) الخوف يكون عبادة ويكون غير عبادة ، فخوف الإنسان من المخلوق ، ما نقول إذا خفت من أحد فهذا حرام لأنك عبدت غير الله ، لأن الخوف يكون من كل ما يخاف ، لكن خوف العبادة الذي يقتضي الذل والخضوع هذا إلى الله وحده ، ولذلك تخافه فتطيع أمره حبا وتعظيما . تخاف الملك أو القائد أو السلطان أو ما أشبه ذلك ، وتفعل أمره لكن لا محبة وتعظيماً إنما تمشياً مع أمر الله تعالى بقوله : (( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم )) ولهذا لو فصل هذا كونه ضابطا أو كونه مديرا له ، تطيعه أو لا .؟ لا . إذا الطاعة ليست لذاته ولكن لأمر الله تعالى بطاعته ، فأنا عندما أطيع أميري مثلا أو رئيسي أو مديري أو ما أشبه ذلك أو مدرسا ولو زعلتم أنتم ، عندما تطيعه لا تطيعه من أجله هو ، ولكن من أجل أمر الله (( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم )). فتبين أن طاعته إنما هي طاعة لله عزّ وجل ، والخوف منه ليس تقربا إليه ، فهذه الفروق يجب أن نعرفها ، حتى لا يلتبس علينا الأمر ، ونظن كل شيء منها يكون عبادة فلا يجوز . الطالب : في فرق بين الخشية والخوف .؟ الشيخ : الخشية تكون من قوة المخشي وعظمته ، والخوف يكون من ضعف الخائف ، فالخشية أعلى وأقوى ، حتى في غير الله إذا صار أقوى منك خشيته معناه أنك خفت منه ، لأن الله يقول : (( فلا تخشوا الناس واخشون )) . الطالب : ... . الشيخ : يكون من باب المباح ، وش قصدك ما يستحق الطاعة .؟ الطالب : ... . الشيخ : هو ولي أمر لك .؟ ولي الأمر العاصي تجب طاعته ، ما لم يكن كافرا ، إن كفر عند كفر صريح عندنا فيه من الله برهان ما نطيعه ، وإما إذا كان يشرب الخمر ويزني ويتلوط ويقتل النفس بغير الحق ، فإنه يجب طاعته ، حتى لو ضربك ، قال أعطني مالك الذي في الصندوق ، وقام يضربك ضربا ، يجب عليك أن تطيعه . الطالب : أليس في هذا مفسدة .؟ الشيخ : ما فيها مفسدة . الطالب : تسلط العصيان ويستمرون .؟ الشيخ : هذا على الله ، المفسدة أنك تنابذهم ، لأنك إذا نابذتهم حصل ردة فعل منهم عليك وعلى غيرك ، ولو استمر ، لأن مجابهتهم ما تزيد الأمر إلا شدة ، ما الذي أفسد الأمة الإسلامية إلا خروج والعصيان ، الرسول يقول : ( اسمع وأطع وإن ضرب ضهرك وأخذ مالك ) هذا لفظ الحديث صحيح ، ما ضر الأمة إلا العصيان والتمرد ، هذا يتمرد وهذا يتمرد ثم يزداد الولاة شدة عليهم بسبب ظلمهم : (( وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون )) لكن لو أنهم استسلموا للأمر فربما هؤلاء يخجلون ، الذين هم الولاة المسلطون ، يخجلون ويمتنعون ، أو ربما يأتيهم ناصح بأسلوب هادئ ويحصل الخير . الطالب : " وَقَالَ تَعَالَى : (( إنَّا أَنْزَلْنَا إلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ )) وَقَالَ تَعَالَى : (( قُلْ إنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ )) وَقَالَ تَعَالَى : (( قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ )) إلَى قَوْلِهِ : (( الشَّاكِرِينَ )) وَكُلٌّ مِنْ الرُّسُلِ يَقُولُ لِقَوْمِهِ : (( اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إلَهٍ غَيْرُهُ )) . " . الشيخ : في هذا دليل على أن كل من أمر بالشرك فهو جاهل ولو كان عالما ، وكل من أشرك أيضا فهو سفيه ولو كان عاقلا ، لقوله تعالى : (( وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ )) وقال تعالى : (( أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ )) فالذين الآن يصفون الغرب وغير الغرب ممن أعطوا علم الكون يصفونهم بالعلم ، وإذا حصل أقل شيء قال هذا العلم وهؤلاء العلماء ، وتجده يثني على هؤلاء بالعلم أكثر مما يثني على علماء الشريعة بالعلم ، هذا في الحقيقة يدل على جهله ، لأن العلم بطبائع الكون هو كعلم البهائم بأن هذا العلف ملائم لها فتأكله وغير ملائم فلا تأكله ، وهو علم يدرك أي إنسان يضع باله لهذا الشيء يدركه ، لكن علم الشريعة الذي لا يتلقى إلا من الوحي هذا ما يدركه إلا من وفقه الله عز وجل . فهؤلاء الذين يعظمون العلم إنما يعظمونه لجهلهم ، وفي الحقيقة هو لا يحتاج إلى تعظيم ، لأنه كما أشرت إنما هو علم بشيء محسوس يشترك في علمه حتى البهائم ، البهيمة تعرف إذا قدمت لها علفين ، تعرف من يكون صالحا ومن يكون غير صالح ، بل أحيانا بعض البهائم تأكل من هذا إذا صار ما يصلح العلف المختلط ، تأكل من هذا لقمة ومن هذا لقمة ، لتخلط هذا بهذا ، أو تأكل من هذا ما تظن أنه لا يضرها ثم تأكل من الثاني ما تظن أنه ينفعها . فالحاصل ما ينبغي أن يكون محط المدح والعلم بما في الكون أو علم ما في طبيعة الكون ، هذا في الحقيقة ليس بعلم . هو علم إن استعان به الإنسان على معرفة الخالق والاطلاع على حكمته فهذا يكون خيراً ، لكن لا خيراً ذاتياً ولكنه خير لغيره ، وأما إذا كان إنما ينتفع به لمجرد الدنيا فهذا لا ينفعه إلا في الدنيا ، وما لا ينفع إلا في الدنيا فكأنه ليس بشيء . ثم هذه المعلومات أيضا كما قلت لكم ، لو أن أي واحد من الناس عنده تجربة يستطيع أن يدركها ، وهم في الحقيقة ما سبقوا بموهبة وهبهم الله تعالى على وجه يمدحون عليه ، إنما هي موهبة صالحة لكل إنسان يستطيع أن يعمل مثل هذه الأعمال . الطالب : ... . الشيخ : يمكن ، لكن لا على أساس أنه ممدوح . لأنه مشكلة العقل المعيشي الآن أصبح يقال للناس الذين إذا قيل لهم : (( لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون )) يقول : خل عندك عقل معيشي داهن الكفار والفساق وامش مع المطاوعة ، هذا ليس بصحيح ، هذا معناه النفاق ، لكن إن أريد بالعقل المعيشي الذي يتوصل الإنسان به إلى أن يعيش عيشة حميدة ، طيب هذا .
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وقد قال تعالى في التوكل : (( وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين )) (( وعلى الله فليتوكل المؤمنون )) وقال : (( قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون )) وقال تعالى : (( ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون )). فقال في الإتيان : (( ما آتاهم الله ورسوله )) وقال في التوكل : (( وقالوا حسبنا الله )) ولم يقل : ورسوله ; لأن الإتيان هو الإعطاء الشرعي وذلك يتضمن الإباحة والإحلال الذي بلغه الرسول فإن الحلال ما أحله والحرام ما حرمه والدين ما شرعه قال تعالى : (( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا )) وأما الحسب فهو الكافي والله وحده كاف عبده كما قال تعالى : (( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل )) فهو وحده حسبهم كلهم , وقال تعالى : (( يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين )) أي حسبك وحسب من اتبعك من المؤمنين هو الله فهو كافيكم كلكم وليس المراد أن الله والمؤمنين حسبك كما يظنه بعض الغالطين إذ هو وحده كاف نبيه وهو حسبه ليس معه من يكون هو وإياه حسبا للرسول وهذا في اللغة كقول الشاعر : فحسبك والضحاك سيف مهند وتقول العرب : حسبك وزيدا درهم أي يكفيك وزيدا جميعا درهم وقال في الخوف والخشية والتقوى : (( ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون )) فأثبت الطاعة لله والرسول وأثبت الخشية والتقوى لله وحده كما قال نوح عليه السلام : (( إني لكم نذير مبين )) (( أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون )) فجعل العبادة والتقوى لله وحده وجعل الطاعة للرسول ; فإنه من يطع الرسول فقد أطاع الله . وقد قال تعالى : ((فلا تخشوا الناس واخشون )) وقال تعالى : (( فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين )) وقال الخليل عليه السلام : (( وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون )) (( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون )) وفي الصحيحين عن ابن مسعود أنه قال : لما نزلت هذه الآية شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا : وأينا لم يظلم نفسه ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنما هو الشرك أولم تسمعوا إلى قول العبد الصالح : إن الشرك لظلم عظيم )). وقال تعالى : (( فإياي فارهبون )) (( وإياي فاتقون )) ومن هذا الباب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبته : ( من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه ولن يضر الله شيئا . ) وقال : ( ولا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء محمد ) ففي الطاعة : قرن اسم الرسول باسمه بحرف الواو , وفي المشيئة : أمر أن يجعل ذلك بحرف ( ثم ) وذلك لأن طاعة الرسول طاعة لله فمن أطاع الرسول فقد أطاع الله , وطاعة الله طاعة الرسول بخلاف المشيئة فليست مشيئة أحد من العباد مشيئة لله , ولا مشيئة الله مستلزمة لمشيئة العباد بل ما شاء الله كان وإن لم يشأ الناس , وما شاء الناس لم يكن إن لم يشأ الله .".
الطالب : بسم الله الرحمن الرحيم ، قال رحمه الله تعالى : " وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي التَّوَكُّلِ : (( وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ))(( وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ )) وَقَالَ : (( قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ )) وَقَالَ تَعَالَى : (( وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إنَّا إلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ )) . فَقَالَ فِي الْإِتْيَانِ : (( مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ )) وَقَالَ فِي التَّوَكُّلِ : (( وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ )) وَلَمْ يَقُلْ : وَرَسُولُهُ ، لِأَنَّ الْإِتْيَانَ هُوَ الْإِعْطَاءُ الشَّرْعِيُّ وَذَلِكَ يَتَضَمَّنُ الْإِبَاحَةَ وَالْإِحْلَالَ الَّذِي بَلَغَهُ الرَّسُولُ ، فَإِنَّ الْحَلَالَ مَا أَحَلَّهُ وَالْحَرَامَ مَا حَرَّمَهُ وَالدِّينَ مَا شَرَعَهُ قَالَ تَعَالَى : (( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا )) وَأَمَّا الحسب فَهُوَ الْكَافِي ، وَاَللَّهُ وَحْدَهُ كَافٍ عَبْدَهُ . الشيخ : كافي عبده وتقول كاف تقول عبده ، أنا عندي كاف عبده ... . الطالب : كَمَا قَالَ تَعَالَى : (( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ )) فَهُوَ وَحْدَهُ حَسْبُهُمْ كُلَهُمْ ، وَقَالَ تَعَالَى : (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ )) أَيْ حَسْبُك وَحَسْبُ مَنْ اتَّبَعَك مِنْ الْمُؤْمِنِينَ هُوَ اللَّهُ فَهُوَ كَافِيكُمْ كُلُّكُمْ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ اللَّهَ وَالْمُؤْمِنِينَ حَسْبُك كَمَا يَظُنُّهُ بَعْضُ الغالطين إذْ هُوَ وَحْدَهُ " . الشيخ : ترى وحده ، دائما منصوبة على الحال . الطالب : " إذْ هُوَ وَحْدَهُ كَافٍ نَبِيَّهُ وَهُوَ حَسْبُهُ لَيْسَ مَعَهُ مَنْ يَكُونُ هُوَ وَإِيَّاهُ حسبا لِلرَّسُولِ ، وَهَذَا فِي اللُّغَةِ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ : فَحَسْبُك وَالضَّحَّاكَ سَيْفٌ مُهَنَّدُ ، وَتَقُولُ الْعَرَبُ : حَسْبُك وَزَيْدًا دِرْهَمٌ ، أَيْ يَكْفِيك وَزَيْدًا جَمِيعًا دِرْهَمٌ ، وَقَالَ فِي الْخَوْفِ وَالْخَشْيَةِ وَالتَّقْوَى : (( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ )) فَأَثْبَتَ الطَّاعَةَ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ وَأَثْبَتَ الْخَشْيَةَ وَالتَّقْوَى لِلَّهِ وَحْدَهُ ، كَمَا قَالَ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ : (( إنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ )) فَجَعَلَ الْعِبَادَةَ وَالتَّقْوَى لِلَّهِ وَحْدَهُ ، وَجَعَلَ الطَّاعَةَ لِلرَّسُولِ ، فَإِنَّهُ مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : (( فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ )) وَقَالَ تَعَالَى : (( فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ )) وَقَالَ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ : (( وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ )) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالُوا : وَأَيُّنَا لَمْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ ، أَوَلَمْ تَسْمَعُوا إلَى قَوْلِ الْعَبْدِ الصَّالِحِ : (( إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ )). ) . وَقَالَ تَعَالَى : (( فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ))(( وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ )) وَمِنْ هَذَا الْبَابِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ : ( مَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ إلَّا نَفْسَهُ وَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا . ) وَقَالَ : ( وَلَا تَقُولُوا مَا شَاءَ اللَّهُ وَشَاءَ مُحَمَّدٌ وَلَكِنْ قُولُوا مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شَاءَ مُحَمَّدٌ ) فَفِي الطَّاعَةِ : قَرَنَ اسْمَ الرَّسُولِ بِاسْمِهِ بِحَرْفِ الْوَاوِ ، وَفِي الْمَشِيئَةِ أَمَرَ أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ بِحَرْفِ ( ثُمَّ ) وَذَلِكَ لِأَنَّ طَاعَةَ الرَّسُولِ طَاعَةٌ لِلَّهِ ، فَمَنْ أَطَاعَ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ، وَطَاعَةُ اللَّهِ طَاعَةُ الرَّسُولِ بِخِلَافِ الْمَشِيئَةِ فَلَيْسَتْ مَشِيئَةُ أَحَدٍ مِنْ الْعِبَادِ مَشِيئَةً لِلَّهِ ، وَلَا مَشِيئَةُ اللَّهِ مُسْتَلْزِمَةً لِمَشِيئَةِ الْعِبَادِ بَلْ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَإِنْ لَمْ يَشَأْ النَّاسُ ، وَمَا شَاءَ النَّاسُ لَمْ يَكُنْ إنْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ . ". الشيخ : طيب المهم الآن هذا الأصل يتحقق بأن العبادة ما تكون إلا لله وحده ، وهذا توحيد العبادة والأول توحيد الأسماء والصفات ، وتوحيد الأسماء والصفات هو من تمام توحيد الربوبية ، وإن كان أهل العلم يقولون إن التوحيد ثلاثة أقسام : توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات وتوحيد الألوهية . تجدون الآن في الآيات التي ساقها المؤلف ، منها ما يجعله الله تعالى لنفسه خاصة ، ومنها ما يجعله لنفسه وللرسل ، فالطاعة والإتيان والشرع والعلم وما أشبه ذلك يكون لله وللرسل ، ولهذا نحن نقول : الله ورسوله أعلم ، ويقول : (( سيؤتينا الله من فضله ورسوله ))(( ولو أنهم رضوا ما أتاهم الله ورسوله )) وهذا إتيان شرعي لا إتيان قدري . والإتيان الشرعي يكون للرسول كما يكون لله ، بل قد يكون لمن دون الرب (( وآتوهم من مال الله الذي أتاكم ))(( ولا تؤتوا السفهاء أموالكم )) وما أشبه ذلك ، المهم أن الأشياء التي لا تصلح إلا لله لا يجوز أن يشّرك مع الله فيها أحد لا على وجه الاستقلال ولا على وجه التبعية ، فلا يجوز أن أقول : اخش فلاناً خشية العبادة ، ولا اخش الله ثم اخش فلان لا يجوز لا هذا ولا هذا ، والشيء الذي يكون لله ولغيره لا يعد شريك غير الله معه فيه شركاً ، لأنه لله ولغيره مثل ما قلنا الطاعة (( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول )) الإتيان الشرعي ما أتاهم الله ورسوله . الحسب وهو الكفاية ، هل تكون لله وللرسول أم لله وحده .؟ الطالب : لله وحده . الشيخ : نعم ، وأما قوله تعالى : (( يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين )) فإن الواو حرف عطف لكنها ليست معطوفة على الله ، وذلك لفساد المعنى ، لأن المعنى يصير : حسبك الله وحسبك من اتبعك من المؤمنين ، وليس كذلك ، لأنه لا يمكن أن يكون أحد كافياً مع الله ، بل الله وحده هو الكافي ، ثم على فرض أن تكون الكفاية تحصل بغير الله ، فإنه لا يمكن أن تشرك كفاية الله مع غيره بالواو . فقال الله : (( ومن اتبعك )) فالمعنى فاسد على كل تقدير لأعني عند معنى من يقول إن المعنى ...