تتمة تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وقد قال تعالى في التوكل : (( وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين )) (( وعلى الله فليتوكل المؤمنون )) وقال : (( قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون )) وقال تعالى : (( ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون )). فقال في الإتيان : (( ما آتاهم الله ورسوله )) وقال في التوكل : (( وقالوا حسبنا الله )) ولم يقل : ورسوله ; لأن الإتيان هو الإعطاء الشرعي وذلك يتضمن الإباحة والإحلال الذي بلغه الرسول فإن الحلال ما أحله والحرام ما حرمه والدين ما شرعه قال تعالى : (( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا )) وأما الحسب فهو الكافي والله وحده كاف عبده كما قال تعالى : (( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل )) فهو وحده حسبهم كلهم , وقال تعالى : (( يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين )) أي حسبك وحسب من اتبعك من المؤمنين هو الله فهو كافيكم كلكم وليس المراد أن الله والمؤمنين حسبك كما يظنه بعض الغالطين إذ هو وحده كاف نبيه وهو حسبه ليس معه من يكون هو وإياه حسبا للرسول وهذا في اللغة كقول الشاعر : فحسبك والضحاك سيف مهند وتقول العرب : حسبك وزيدا درهم أي يكفيك وزيدا جميعا درهم وقال في الخوف والخشية والتقوى : (( ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون )) فأثبت الطاعة لله والرسول وأثبت الخشية والتقوى لله وحده كما قال نوح عليه السلام : (( إني لكم نذير مبين )) (( أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون )) فجعل العبادة والتقوى لله وحده وجعل الطاعة للرسول ; فإنه من يطع الرسول فقد أطاع الله . وقد قال تعالى : ((فلا تخشوا الناس واخشون )) وقال تعالى : (( فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين )) وقال الخليل عليه السلام : (( وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون )) (( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون )) وفي الصحيحين عن ابن مسعود أنه قال : لما نزلت هذه الآية شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا : وأينا لم يظلم نفسه ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنما هو الشرك أولم تسمعوا إلى قول العبد الصالح : إن الشرك لظلم عظيم )). وقال تعالى : (( فإياي فارهبون )) (( وإياي فاتقون )) ومن هذا الباب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبته : ( من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه ولن يضر الله شيئا . ) وقال : ( ولا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء محمد ) ففي الطاعة : قرن اسم الرسول باسمه بحرف الواو , وفي المشيئة : أمر أن يجعل ذلك بحرف ( ثم ) وذلك لأن طاعة الرسول طاعة لله فمن أطاع الرسول فقد أطاع الله , وطاعة الله طاعة الرسول بخلاف المشيئة فليست مشيئة أحد من العباد مشيئة لله , ولا مشيئة الله مستلزمة لمشيئة العباد بل ما شاء الله كان وإن لم يشأ الناس , وما شاء الناس لم يكن إن لم يشأ الله .".
الشيخ : ... وحسبك من اتبعك من المؤمنين ، وهو ليس كذلك ، لأنه لا يمكن أن يكون أحد كافياً مع الله ، بل الله وحده هو الكافي ، ثم على فرض أن يكون الكفاية تحصل بغير الله ، فإنه لا يمكن أن تشرك كفاية الله مع غيره بالواو . فقال الله : (( ومن اتبعك )) فالمعنى فاسد على كل تقدير ، أعني المعنى عند من يقول : حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين حسبك أيضا ، فالمعنى الصحيح إذا : حسبك الله ومن اتبعك ، الواو حرف عطف وهي معطوفة على الكاف في قوله : حسبك ، يعني وحسب من اتبعك من المؤمنين ، لأن الحسب وهو الكفاية لا تصح إلا لله ، واستشهد المؤلف لذلك بهذا البيت : فحسبك والضحاك سيف مهند . يعني حسبك أنت والضحاك جميعاً ، حسبكما السيف ، فالآية على ميزان هذا البيت ، بمعنى أن هذا البيت بيت لغة مشهور والآية تتنزل عليه . وليس المعنى أن المؤمنين حسب له مع الله ، أبدا ، هذا هو تقرير هذا الأصل ، وهو أن العبادة لا تكون إلا لله وحده ، أما الطاعة فإنها تكون لله ولرسله ولمن دون الرسل ، قال تعالى : (( وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا )) وفي غير ذلك أطعهما ولهذا يؤمر الإنسان بطاعة والديه ، وكذلك : (( أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي )) وقال الرسول : ( اسمع وأطع ) .
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " الأصل الثاني : حق الرسول صلى الله عليه وسلم . فعلينا أن نؤمن به ونطيعه ونتبعه ونرضيه ونحبه ونسلم لحكمه وأمثال ذلك قال تعالى : (( من يطع الرسول فقد أطاع الله )) وقال تعالى : (( والله ورسوله أحق أن يرضوه )) وقال تعالى : (( قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره )) وقال تعالى : (( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما )) .".
الطالب : " الْأَصْلُ الثَّانِي : حَقُّ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَعَلَيْنَا أَنْ نُؤْمِنَ بِهِ وَنُطِيعَهُ وَنَتَّبِعَهُ وَنُرْضِيَهُ " . الشيخ : طيب ما معنى : نرضيه ، أما لو قال : نرتضيه ، كان أمرا واضحا ، لكن نرضيه .؟ إذا قيل : كيف ترضيه وهو ميت .؟ أقول : أفعل ما يرضى به : (( وَاللّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إن كانوا مؤمنين )) وقد يقال إن الرسول صلى الله عليه وسلم تعرض عليه أعمال أمته كما روي ذلك عنه صلى الله عليه وسلم وإن كان الحديث ضعيفا ، لكنه إذا كان كذلك فإنه إذا علم بعمل أمته فإنه يرضى أو يغضب ولو كان ميتا ، وإذا قلنا بعدم صحة ذلك فإن معنى إرضائه أن نفعل ما يرضيه وإن لم يتحقق ذلك بالفعل لأنه ميت صلى الله عليه وسلم . الطالب : ... . الشيخ : نعم ، صحيح يبلغ السلام ويرد . الطالب : ... . الشيخ : إذا كان الميت غير الرسول عليه الصلاة والسلام إذا سلم عليه من يعرفه رد عليه كما جاء ذلك في حديث ذكره ابن عبد البر وصححه ، فما بالك بالرسول عليه الصلاة والسلام . الطالب : " وَنُحِبَّهُ وَنُسَلِّمَ لِحُكْمِهِ وَأَمْثَالُ ذَلِكَ ، قَالَ تَعَالَى : (( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ )) وَقَالَ تَعَالَى : (( وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ )) . وَقَالَ تَعَالَى : (( قُلْ إنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ )) وَقَالَ تَعَالَى : (( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا )) . " الشيخ : شف الآن هذا القسم : (( فَلاَ وَرَبِّكَ )) اللام هذه نافية أو لا .؟ ليست نافية ، لو كانت نافية لانتفى القسم ، لكنها مؤكدة للتنبيه والتأكيد ، فهي من حيث الإعراب زائدة . الأصل : فوربك لا يؤمنون . وقوله : (( حَتَّى يُحَكِّمُوكَ ... ثُمَّ لَا يَجِدُوا .. وَيُسَلِّمُوا )) اختلاف الشروط ، لا يؤمنون إلا بهذه الأمور الثلاثة : يحكموك فيما شجر بينهم ، فلا يحكموا غيرك من القوانين ولا من الطواغيت إلا يحكموك يحكموا الرسول صلى الله عليه وسلم . ثانيا : لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ، وش معنى حرجا .؟ أي ضيقاً ، ما يجدون في ما جاء به الرسول ضيقا كما يوجد في بعض الناس ، وإذ وجدت أن نفسك تضيق بشيء من الشرع فاعلم أن إيمانك ناقص ، لو شفت بأن نفسك تضيق بصلاة الجماعة ، أو تضيق بوجوب كذا وكذا من الأمور الواجبة عليك ، أو تضيق بتحريم شيء من الأشياء التي تهواها ، إذا وجدت نفسك تضيق بهذا ، فاعلم أن إيمانك ضعيف ، لأن الله تعالى أقسم بربوبيته لرسوله ألا يؤمنوا . كذلك لابد من أمر ثالث : يسلموا تسليماً ، تسليماً شف التأكيد بهذا المصدر دليل على أنه لا بد من تسليم تام للغاية ، ما فيه أي تردد ، وهذا التنفيذ ، فهنا ذكر الوسيلة والاطمئنان القلبي والتنفيذ الفعلي ، فالوسيلة : يحكموك ، لأن هذه طريق الوصول إلى معرفة الشرع ، تحكيم الرسول عليه الصلاة والسلام ، والاطمئنان القلبي بأي كلمة .؟ لا يجدوا حرجاً مما قضيت ، يعني قلوبهم ما تضيق ويجدوا في ذلك ضيقا ، والتنفيذ الفعلي : يسلموا تسليما . هذه الشروط الثلاثة يجب أن تطبقها على نفسك في كل شيء ، ولتنظر هل أنت إذا أشكل عليك شيء تروح ترجع إلى الكتاب الفلاني وإلى قول فلان وقول فلان .؟ إن كان الجواب بالإيجاب فإيمانك ناقص ، إذا كان الجواب بالنفي وأنك عندما تريد الحكم لا تروح إلا للكتاب والسنة فإيمانك صحيح ، وسيلتك الآن صحيحة لمعرفة الحق . يبقى عندنا وصلت إلى الحكم ، وعرفت أن الحكم يحرم عليك كذا وكذا ، نفذت هذا الحكم بسهولة أو قبلت هذا الحكم بقلبك بدون أن تجد فيه ضيقا ، انشرح صدرك له ، فأنت مؤمن ، ضاق صدرك به فأنت ناقص الإيمان ، نأتي إلى المرتبة الثالثة : انشرح قلبك له ورضيت به واطمأننت لهذا الحكم لكن صار عندك تهاون في تنفيذه ، فالإيمان ضعيف ، لابد أن تسلم تسليما ، هذه يا جماعة الأوصاف التي ترد في القرآن وكذلك في السنة ، ليس معناه أننا نقرأها فقط ، لنعلم بها ، لكن نقرأها لأجل أن نطبقها على أنفسنا ، حتى يكون سيرنا ومنهاجنا على شريعة الله ، أما أن تقرأ ولا تعمل فأي فائدة .؟ أي فائدة للإنسان ، لابد أن يقرأ ليعلم ثم يعمل ، نظر فعلم فعمل ، وإلا أصبح تلاوتنا لكتاب الله ولسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أصبحت لا شيء ، بل أصبحت ضررا علينا ، لأن من حمل شيئا من كتاب الله أو سنة رسوله فهو إما له وإما عليه . الطالب : الشروط الثلاثة هذه من كمال الإيمان .؟ الشيخ : قد يكون لكمالها أو لأصلها أيضا ، حسب ما يقوم بالعبد . الطالب : (( وأموال اقترفتموها )) ما نوعها .؟ الشيخ : اكتسبتموه . الطالب : ... . الشيخ : وأخوانكم غلط ، وإخوانكم بالكسر .
يجوز أن نقول الله ورسوله أعلم في الأمور الشرعية .؟
الطالب : يجوز أن نقول الله ورسوله أعلم . الشيخ : أي نعم ، يجوز أن نقول : الله ورسوله أعلم في الأمور الشرعية ، لا في الأمور الكونية ، فمثلا لو يقول : هل سينزل غدا مطر .؟ وش تقول .؟ الله أعلم ، ما تقول الله ورسوله أعلم ، هل هذا حلال .؟ الله ورسوله أعلم ، لأن الرسول يعلم الأحكام الشرعية ... . في كل وقت ، هو في هذا الوقت لو فرض أنه موجود لعلمه ، ... يعلم الحكم الشرعي ، لأن الحكم الشرعي ثابت من قبل أن يموت الرسول عليه الصلاة والسلام ، جميع هذه الأحكام الشرعية التي في هذه الشريعة ثابتة من قبل أن يموت الرسول صلى الله عليه وسلم ، يعني ما فيه حكم تجدد أبدا ، الحلال حلال والحرام حرام قبل أن يموت الرسول ، ولهذا ليس فيه نسخ بعد الرسول ولا إيجاب بعد الرسول صلى الله عليه وسلم ، هل يمكن أن نحدث حكما جديدا بعد وفاة الرسول .؟ لا يمكن ، إذا فالأحكام ... هل الزنا حرام .؟ الله ورسوله أعلم ، لأن الرسول يعلم أنه حرام ، فهمت أو لا .؟ الطالب : ... . الشيخ : لا ، معناه أن الأحكام الشرعية ما تغيرت بعد موته ، وهو يعلمها عليه الصلاة والسلام ، ولذلك قلنا لك الأحكام القدرية ما تقول : الله ورسوله أعلم . حتى الذي وقع الآن مثلا ، هل يعرف المراوح .؟ وش تقول .؟ الله يعلم ... ، والرسول .؟ ما يعلم ، لأن هذه مسألة قدرية ، لكن أيّ مسألة شرعية فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلمها ، لأن الشرع قد كمل (( اليوم أكملت لكم دينكم )) هذه نزلت في حياة الرسول أو بعده .؟ في حياة الرسول ، إذن المسائل الشرعية نقول فيها : الله ورسوله أعلم ، والمسائل الكونية نقول فيها : الله وحده أعلم . الطالب : ... . الشيخ : أبلغ من هذا : (( والله ورسوله أحق أن يرضوه )) فيه ضمير واحد نعم . الطالب : ... . الشيخ : أقول من أي ناحية واش فيه ... يجوز ، لكن يقال إن الرسول مرّ أو سمع خطيبا يقول : من يطع الله ورسوله رشد ومن يعصهما فقد غوى ، فقال : ( بئس خطيب القوم أنت ) هذا هو الذي فيه المقال .
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وقال تعالى : (( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله )) وأمثال ذلك .".
الطالب : " وَقَالَ تَعَالَى : (( قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ )) وَأَمْثَالُ ذَلِكَ . " . الشيخ : هذه الآية تسمى آية المحنة ، قوم ادعوا أنهم يحبون الله فجاءت هذه الآية امتحاناً : (( قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ )) فميزان محبة الله اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم ، فبقدر اتباعك للرسول صلى الله عليه وسلم تكون محبتك لله تبارك وتعالى ، وتأمّل : (( قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي )) وش تتوقع الجواب .؟ الطالب : ... . الشيخ : لا ما تتوقع الجواب هذا ! تتوقع : (( قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي )) فاصدقوا في ذلك ، هذا الذي يتوقع ، يعني تصدقوا وتكونوا محبين لله ، لكن جاء الجواب فوق الشرط يحببكم الله . قال أهل العلم : ليس الشأن أن تحب الله ولكن الشأن أن يحبك الله ، وهذه هي النتيجة والثمرة العظيمة أن يكون الله تبارك وتعالى محباً لك ، فيكون الجواب هنا أفاد فائدتين : انتبهوا يا جماعة . أفاد تصديقك في دعواك . وزيادة على ذلك ثوابك عليه ، وثوابك على ذلك ما هو .؟ أن يحبك الله . فاتباع الرسول صلى الله عليه وسلم تصديق لدعواك محبة الله ، وثواب لك لمحبة الله لك .
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وإذا ثبت هذا : فمن المعلوم أنه يجب الإيمان بخلق الله وأمره : بقضائه وشرعه . وأهل الضلال الخائضون في القدر انقسموا إلى ثلاث فرق : مجوسية ومشركية وإبليسية فالمجوسية : الذين كذبوا بقدر الله وإن آمنوا بأمره ونهيه ; فغلاتهم أنكروا العلم والكتاب ومقتصدوهم أنكروا عموم مشيئته وخلقه وقدرته وهؤلاء هم المعتزلة ومن وافقهم والفرقة الثانية : المشركية الذين أقروا بالقضاء والقدر وأنكروا الأمر والنهي ; قال تعالى : (( سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء )) فمن احتج على تعطيل الأمر والنهي بالقدر فهو من هؤلاء وهذا قد كثر فيمن يدعي الحقيقة من المتصوفة .".
الطالب : " وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا : فَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ يَجِبُ الْإِيمَانُ بِخَلْقِ اللَّهِ وَأَمْرِهِ بِقَضَائِهِ وَشَرْعِهِ " . الشيخ : كذا عندك .؟ " وبِقَضَائِهِ ". الطالب : " وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا : فَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ يَجِبُ الْإِيمَانُ بِخَلْقِ اللَّهِ وَأَمْرِهِ وبِقَضَائِهِ وَشَرْعِهِ ، وَأَهْلُ الضَّلَالِ الْخَائِضُونَ فِي الْقَدَرِ انْقَسَمُوا إلَى ثَلَاثِ فِرَقٍ : مَجُوسِيَّةٍ ومشركية وإبليسية . فَالْمَجُوسِيَّةُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِقَدَرِ اللَّهِ وَإِنْ آمَنُوا بِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ ، فَغُلَاتُهُمْ أَنْكَرُوا الْعِلْمَ وَالْكِتَابَ ، وَمُقْتَصِدُوهُمْ أَنْكَرُوا عُمُومَ مَشِيئَتِهِ وَخَلْقِهِ وَقُدْرَتِهِ ، وَهَؤُلَاءِ هُمْ الْمُعْتَزِلَةُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ ". الشيخ : ... أنتم فاهمين أظن هذا البحث ، فاهمين أن القدرية وهم المعتزلة هم مجوس هذه الأمة ، لأنهم أنكروا قدر الله سبحانه وتعالى فيما يتعلق بأفعال العبد ، ولكنهم عظموا الأمر والشرع ، ولكنهم ... في الخلق والقضاء والقدر ، غلاتهم أنكروا العلم والكتاب ، ومقتصدوهم أنكروا المشيئة والخلق ، وقد مر علينا أن القضاء والقدر يتضمن أربع مراتب وهي : الإيمان بالعلم ، ثم الكتابة ، ثم المشيئة ، ثم الخلق . وأنشدناكم في ذلك بيتا ، ما أدري هو على أذهانكم الآن أو لا .؟ الطالب : " علم كتابة تقديره مشيئته *** وخلقه وهو إيجاد وتكوين " . طيب القدرية انقسموا إلى فريقين : غلاتهم السابقون أنكروا العلم والكتابة ومن باب أولى أن ينكروا المشيئة والخلق ، يقولون : إن الله لا يعلم عن العباد إلا إذا وقعت ، ولا كتبها في اللوح المحفوظ ، وإنما الأمر أنف أي مستأنف . ما يعلم الله عن أفعالنا شيئا أبدا . ولكن المقتصدين منهم الذين استقر رأي المعتزلة عليه ، هم الذين يقولون إن الله تعالى يعلم وكتب لكن لا يشاء ولا يخلق ، فالعبد مستقل بعمله ، لا لله فيه مشيئة ولا خلق ، هؤلاء وش وصفهم .؟ مجوسية ، ولهذا جاء في الحديث وإن كان ضعيفاً : ( القدرية مجوسية هذه الأمة ) . الطالب : موجودين القدرية .؟ الشيخ : لا ، ليسوا موجودين ، لكن هذا مما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم من أمور الغيب . الطالب : ... . الشيخ : المقتصدين الذين ليسوا من الغلاة ، المقتصد يعني المعتدل . الطالب : " وَالْفِرْقَةُ الثَّانِيَةُ : المشركية الَّذِينَ أَقَرُّوا بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ وَأَنْكَرُوا الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ ، قَالَ تَعَالَى : (( سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ )) فَمَنْ احْتَجَّ عَلَى تَعْطِيلِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ بِالْقَدَرِ فَهُوَ مِنْ هَؤُلَاءِ ، وَهَذَا قَدْ كَثُرَ فِيمَنْ يَدَّعِي الْحَقِيقَةَ مِنْ الْمُتَصَوِّفَةِ ". الشيخ : هذا مذهب من .؟ الطالب : المشركية . الشيخ : لكن من أي طوائف المبتدعة .؟ الطالب : الجهمية . الشيخ : الجبرية الجهمية ، لأن الجهمية جبرية كما مر علينا ، ومرجئة كما مر علينا ، فيهم ثلاث جيمات . هؤلاء يقولون ليس لكم حق تلومننا على المعاصي ، لأن الله كتبها وأجبرنا عليها : (( لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا )) الآية فقالوا : نحن ما علينا لا أمر ولا نهي ولا شيء ، نحن أناس نتحرك بغير إرادة ونفعل بغير إرادة ، إذا يقتل ويزني ويسرق ويقول أنا لست ملوم على هذا ، لماذا .؟ لأنه مقدر عليّ ، وقد قيل إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد جيء إليه بسارق يسرق ، فأمر بقطع يده ، فقال الرجل : مهلاً يا أمير المؤمنين والله ما سرقت إلا بقدر الله ، فقال أمير المؤمنين : نعم ، ونحن لا نقطعك إلا بقدر الله ، فقابل الحجة بالحجة ، مع أن أمير المؤمنين معه حجتان : حجة شرعية لأنه مأمور بقطع يد السارق . وحجة قدرية وهو أنه سيقطع يد هذا السارق بقدر الله . والسارق ليس معه إلا حجة قدرية ، وليس مأمورا بالشرع أن يسرق . مع أن الحجة القدرية باطلة أو لا .؟ باطلة ، لأنها لو كانت صحيحة لما كان لله على الناس حجة بعد الرسل ، لصار الرسل ليسوا بحجة . لأن القدر باق مع إرسال الرسل . طيب : " من يدعي الحقيقة من المتصوفة " تعرفون المتصوفة .؟ هم قوم لهم منهاج معين في العبادة ، وهم يغلون في العبادة ، وسموا متصوفة : قيل إنه من الصفا ، وقيل إنهم من الصوف ، وقيل من الصفة ، ثلاثة أقوال في الاشتقاق : من الصفا زعموا أن قلوبهم مع الله صافية ، ولكن هذا ليس بصحيح ، لأنه لو كانت من الصفا ما سميناهم صوفية ، وش سميناهم .؟ الصفوية ، وهو لا يسمون الصفوية . قالوا من الصفة تشبيها بأهل الصفة الذين قدموا مهاجرين إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ليس لهم أهل ولا مال ، فيأوون في الصفاة في المسجد ، وهذا أيضا ليس بصحيح ، السبب .؟ لكن نسميهم الصفية ، نسبة للصفة . إذا ما بقس علينا الصوف والصوفية تماما ، وسموا بذلك لأن شعارهم لبس الصوف تزهدا ، يقولون ما نلبس الكتان نلبس الصوف ، لكن ليس صوفا ناعما ، الذي يلبس الآن الغالي هذا ، أنتم تعرفون العدول التي تجعل بها العيش البر .؟ خشنة جدا ، هم يلبسون من هذا ، صوف ينسج باليد ، حباله غليظة فيلبسون ذلك تزهدا ، يقولون ما نلبس الكتان وذوات الخيوط الدقيقة ، نلبس هذا الخيش لأننا لا نريد أن نتمتع بالدنيا ، فلذلك يسمون صوفية .
الرسول صلى الله عليه وسلم كان يلبس من الثياب ما خشن .؟
الطالب : الرسول صلى الله عليه وسلم كان يلبس من الثياب ما خشن .؟ الشيخ : الرسول إن صح من ثبوت هذا ، طبعا الرسول يلبس ما خشن ولبس الكتان ، ولبس غيره أيضا من الأشياء الرقيقة ، هو يلبس هذا وهذا ، يعني بحسب ما يتيسر له صلى الله عليه وسلم ، ما يتعبد باللباس الخشن أبدا .
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " والفرقة الثالثة : وهم الإبليسية الذين أقروا بالأمرين لكن جعلوا هذا متناقضا من الرب - سبحانه وتعالى - وطعنوا في حكمته وعدله كما يذكر ذلك عن إبليس مقدمهم ; كما نقله أهل المقالات ونقل عن أهل الكتاب .".
الطالب : " وَالْفِرْقَةُ الثَّالِثَةُ : وَهُمْ الإبليسية الَّذِينَ أَقَرُّوا بِالْأَمْرَيْنِ لَكِنْ جَعَلُوا هَذَا مُتَنَاقِضًا مِنْ الرَّبِّ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - وَطَعَنُوا فِي حِكْمَتِهِ وَعَدْلِهِ كَمَا يُذْكَرُ ذَلِكَ عَنْ إبْلِيسَ مُقَدِّمِهِمْ ، كَمَا نَقَلَهُ أَهْل الْمَقَالَاتِ وَنُقِلَ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ " . الشيخ : الإبليسية الآن يحتجون على الله تعالى بالشرع ، يقولون كيف تأمرنا وتنهانا وأنت الذي تجبرنا ، مثل ما قال إبليس عندما أمره الله أن يسجد لآدم قال : أنا خير منه ، كيف تأمرني أن أسجد له وأنا خير منه ، فاحتج على شرع الله بقدر الله ، هم أيضا يحتجون بالشرع على القدر وبالعكس ، يرون أن هذا تناقض ، ويقول لقائل منهم : " ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له *** إياك إياك أن تبتل بالماء " اليم معروف عندنا وهو .؟ البحر ، كتف واحدا وادفعه بالبحر ، وقال إياك أن تبتل بالماء ، يمكن هذا أو لا .؟ لا يمكن . هم يقولون الله أمرنا ونهانا افعلوا كذا ولا تفعلوا كذا ، ثم يجبرنا على أن نعصي الله ، فيصير هذا تناقضا ، فهم يحتجون على شرع الله بقدر الله ، يقولون كيف أن الله أمرنا ونهانا وهو يجبرنا على ما نريد ، ومعلوم أن هذا ليس بصحيح . فالذين عطلوا الأمر والنهي هؤلاء مشركون ، والذين أقروا بالأمر والنهي وبالقدر لكن جعلوا ذلك تناقضاً هؤلاء إبليسية ، ووجه المشابهة بينهم وبين إبليس .؟ أنهم احتجوا على الشرع بالقدر مثل ما احتج إبليس بالشرع على القدر ، أمر أن يسجد فقال : أنا خير منه ، والأولون مجوسية لأنهم زعموا أن العبد خالق مع الله عزّ وجل وأنه مستقل بفعله .
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " والمقصود أن هذا مما تقوله أهل الضلال ; وأما أهل الهدى والفلاح : فيؤمنون بهذا وهذا ويؤمنون بأن الله خالق كل شيء وربه ومليكه وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن وهو على كل شيء قدير وأحاط بكل شيء علما وكل شيء أحصاه في إمام مبين ويتضمن هذا الأصل من إثبات علم الله وقدرته ومشيئته ووحدانيته وربوبيته وأنه خالق كل شيء وربه ومليكه : ما هو من أصول الإيمان . ومع هذا فلا ينكرون ما خلقه الله من الأسباب التي يخلق بها المسببات ; كما قال تعالى : (( حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات )) وقال تعالى : (( يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام )) وقال تعالى : (( يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا )) فأخبر أنه يفعل بالأسباب .".
الطالب : " وَالْمَقْصُودُ أَنَّ هَذَا مِمَّا تَقَوَّلَهُ أَهْلُ الضَّلَالِ ، وَأَمَّا أَهْلُ الْهُدَى وَالْفَلَاحِ : فَيُؤْمِنُونَ بِهَذَا وَهَذَا ، وَيُؤْمِنُونَ بِأَنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَرَبُّهُ وَمَلِيكُهُ ، وَمَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، وَأَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ، وَكُلُّ شَيْءٍ أَحْصَاهُ فِي إمَامٍ مُبِينٍ " الشيخ : وش معنى إمام .؟ كتاب ، وسمي الكتاب إمام لأنه يؤم ويقصد . الطالب : " وَيَتَضَمَّنُ هَذَا الْأَصْلُ مِنْ إثْبَاتِ عِلْمِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَوَحْدَانِيِّتِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ ، وَأَنَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَرَبُّهُ وَمَلِيكُهُ مَا هُوَ مِنْ أُصُولِ الْإِيمَانِ . وَمَعَ هَذَا فَلَا يُنْكِرُونَ مَا خَلَقَهُ اللَّهُ مِنْ الْأَسْبَابِ الَّتِي يَخْلُقُ بِهَا الْمُسَبِّبَاتِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : (( حَتَّى إذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ )) وَقَالَ تَعَالَى : (( يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ )) وَقَالَ تَعَالَى : (( يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا )) فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يَفْعَلُ بِالْأَسْبَابِ ". الشيخ : شف نحن نؤمن بالقدر ونؤمن أيضا بالأسباب ، نؤمن بأن القدر له سبب ، هذا السبب من الذي خلقه .؟ الله ، لكن الله سبحانه وتعالى حكيم يجعل لكل شيء سببا ، شف : (( حَتَّى إذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ )) أي بالماء (( مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ )) فالماء إذا سبب لإخراج الثمرات . (( يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ )) يَهْدِي بِهِ : أي بالكتاب ، فهو سبب للهداية . (( يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا )) فهو سبب للإضلال وللهداية ، والله أعلم .
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وقال تعالى : (( يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام )) وقال تعالى : (( يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا )) فأخبر أنه يفعل بالأسباب ومن قال : إنه يفعل عندها لا بها فقد خالف ما جاء به القرآن وأنكر ما خلقه الله من القوى والطبائع وهو شبيه بإنكار ما خلقه الله من القوى التي في الحيوان التي يفعل الحيوان بها مثل قدرة العبد كما أن من جعلها هي المبدعة لذلك فقد أشرك بالله وأضاف فعله إلى غيره .".
الطالب : بسم الله الرحمن الرحيم ، قال رحمه الله تعالى : " وقال تعالى : (( يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام )) وقال تعالى : (( يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا )) فأخبر أنه يفعل بالأسباب . وَمَنْ قَالَ : إنَّهُ يَفْعَلُ عِنْدَهَا لَا بِهَا فَقَدْ خَالَفَ مَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ ، وَأَنْكَرَ مَا خَلَقَهُ اللَّهُ مِنْ الْقُوَى وَالطَّبَائِعِ ، وَهُوَ شَبِيهٌ بِإِنْكَارِ مَا خَلَقَهُ اللَّهُ مِنْ الْقُوَى الَّتِي فِي الْحَيَوَانِ الَّتِي يَفْعَلُ الْحَيَوَانُ بِهَا مِثْلَ قُدْرَةِ الْعَبْدِ ، كَمَا أَنَّ مَنْ جَعَلَهَا هِيَ الْمُبْدِعَةَ لِذَلِكَ فَقَدْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ وَأَضَافَ فِعْلَهُ إلَى غَيْرِهِ ". الشيخ : الآن في هذه الأسطر الأربعة المؤلف أشار إلى ثلاثة أراء بدعية : أولا : من يقول إنه يفعل عند الأسباب لا بها ، وهذا مذهب الأشاعرة الذين ينكرون تأثير الأسباب بالمسببات ، ويقولون أن المسببات تحصل عند السبب لا به ، فمثلاً إذا كسرت الزجاج وانكسرت لا يقولون إن الانكسار حصل بالكسر ، ولكن حصل عند الكسر لا به ، عندما توقد النار وتفور الماء يقولون : إن الماء لا يفور بالنار ولكنه يفور عند النار لا بها ، عندما تغلق الفرجة وتنغلق يقولون إن هذا الانغلاق ما حصل بفعلك وإنما عند فعلك لا بد ، ينكرون أن يكون للأسباب تأثير في مسبباتها ، ويقولون : إن تأثير الأسباب ليس مباشر للمسببات ، ولكنه يحصل عند الأسباب لا بالأسباب ، عندما يأكل الإنسان حتى يملأ بطنه ويشبع يقولون شبع عند الطعام أو بالطعام .؟ عند الطعام ما شبع بالطعام ، مع أن الإنسان لو بقي سنين عديدة والطعام أمامه وهو ما أكله ، يشبع أو ما يشبع .؟ فليس عنده بل هو شبع به ، عندما يكوي الإنسان شيئا من جسمه فيحترق ، يقولون : احترق بالنار أو عند النار .؟ عند النار لا به ، ليش يا جماعة .؟ قالوا : لأننا لو قلنا أن الأسباب مؤثرة بنفسها شابهنا القدرية الذين يقولون إنه ثم خالق غير الله ، وفي الحقيقة أنهم كما قال الشيخ : أولا : خالفوا ما جاء به القران الكريم فإن الله أثبت أن للأشياء أسبابا ، وخالفوا أيضا أنكروا ما خلقه الله من القوى والطبائع ، النار عندما تحتمي الحديدة بالنار هل هي احتمت بالنار أو عند النار .؟ بالنار ، عندهم عند النار ، مع أنك لو تحط حديدة عند النار ساعتين ما احتمت ، لكن حطها وسط النار تنقلب إلى حمراء ... فخطأ هذا أنكروا ما أودع الله تعالى من القوى والطبائع في هذه الأشياء . يقول : " شَبِيهٌ بِإِنْكَارِ مَا خَلَقَهُ اللَّهُ مِنْ الْقُوَى الَّتِي فِي الْحَيَوَانِ الَّتِي يَفْعَلُ الْحَيَوَانُ بِهَا " وهذا مذهب من .؟ الطالب : الأشاعرة . الشيخ : لا ، مذهب الأشاعرة الذين يقولون أن الأسباب ما تأثر ، تحصل عندها لا بها ، لكن الأخير : " وهو شَبِيهٌ بِإِنْكَارِ مَا خَلَقَهُ اللَّهُ مِنْ الْقُوَى الَّتِي فِي الْحَيَوَانِ الَّتِي يَفْعَلُ الْحَيَوَانُ بِهَا مثل قدرة العبد " مذهب من .؟ مذهب الجبرية الذين ينكرون أن يكون للعبد قدرة على عمل ، يقولون العبد يفعل بدون اختيار وبدون قدرة ، وأنه مسلوب القدرة عن فعله ،فهؤلاء أشبهوا الجبرية من هذه الناحية . طيب : " كما أن من جعلها " أي : القوى التي في الحيوان يفعل بها الحيوان " هي المبدعة لذلك فقد أشرك بالله " هذا مذهب من .؟ مذهب القدرية . فعندنا الآن المؤلف أشار إلى ثلاثة مذاهب ، مذهب الأشاعرة ومذهب الجبرية ومذهب القدرية ، بقي مذهب أهل السنة والجماعة . مذهب أهل السنة والجماعة خلاف هذه المذاهب ، وش يقولون .؟ يقولون : إن الأسباب مؤثرة في مسبباتها مباشرة ، والذي جعل الأسباب مؤثرة هو الله سبحانه وتعالى ، ولهذا ألقي إبراهيم عليه السلام في النار وهي تتأجج تحرق ما حولها فضلا عمن فيها ، وصارت برداً وسلاما عليه ، فعلم الآن أن خالق هذه الأسباب التي أودع فيها القوة الفاعلة هو الله عزّ وجل ، ونحن إذا قلنا هذا الشيء يحرق ، هذا الشيء يتلف ، هذا الشيء يفعل كذا وكذا ، فلسنا نعني أنه ينفرد بذلك عن الله ، بل نعني أن الله خلق فيه هذه القوة المؤثرة ، وهل هذا فيه شيء .؟ فيه إشراك بالله .؟ فيه تشريك مع الله .؟ لا ، ما دمنا نؤمن بأن هذا الطبيعة الفاعلة أنها خلقها الله عز وجل ، فهذا مذهب أهل السنة والجماعة ، يؤمنون بأن الأسباب مؤثرة في مسبباتها ، وأن المسببات تحصل بالأسباب لا عند الأسباب ، طيب هذه واحدة . مذهب الأشاعرة ماذا يقولون .؟ يقولون الأسباب لا تأثر وإنما يحصل الشيء عندها لا بها ، شف عندما يصلي الواحد ، صلاته هل حصلت بقدرته .؟ ولكن عند قدرته ، مع أن الله يقول : (( فاتقوا الله ما استطعتم )) ويقول الرسول : ( وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ) ويقول : ( صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا ) إذا القيام في الصلاة والركوع والسجود حصل بالقدرة . طيب المذهب الثالث : مذهب الجبرية الذين ينكرون أن يكون للعبد قدرة يفعل بها ، ويقولون الإنسان يفعل أفعاله بلا قدرة وبغير اختيار ، وأنه يجبر عليها . والرابع من يقولون إن للعبد قدرة مؤثرة بنفسها ، وليس لله تعالى فيها أي شيء ، وهذا مذهب من .؟ القدرية ، وهو إشراك مع الله سبحانه وتعالى نعم . الطالب : أهل السنة ... الشيخ : أي الأول ، لكن ما أشار إليه المؤلف لأنه مفهوم من كونه ذكر الرأي السديد للرد . معروف : " ومع هذا فلا ينكرون ما خلقه الله من الأسباب " ذكره المؤلف " ومن قال ... " هذا ضد مذهب أهل السنة والجماعة . ما موجودة عندكم هذه .؟ أمس درسناها : " ومع هذا فلا ينكرون ما خلقه الله من الأسباب التي يخلق بها المسببات " هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة . نعم .
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وذلك أنه ما من سبب من الأسباب إلا وهو مفتقر إلى سبب آخر في حصول مسببه ولا بد من مانع يمنع مقتضاه إذا لم يدفعه الله عنه فليس في الوجود شيء واحد يستقل بفعل شيء إذا شاء إلا الله وحده قال تعالى : (( ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون )) أي فتعلمون أن خالق الأزواج واحد ولهذا من قال : إن الله لا يصدر عنه إلا واحد - لأن الواحد لا يصدر عنه إلا واحد - كان جاهلا فإنه ليس في الوجود واحد صدر عنه وحده شيء - لا واحد ولا اثنان - إلا الله الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون فالنار التي خلق الله فيها حرارة لا يحصل الإحراق إلا بها وبمحل يقبل الاحتراق ; فإذا وقعت على السمندل والياقوت ونحوهما لم تحرقهما وقد يطلى الجسم بما يمنع إحراقه والشمس التي يكون عنها الشعاع لا بد من جسم يقبل انعكاس الشعاع عليه فإذا حصل حاجز من سحاب أو سقف : لم يحصل الشعاع تحته وقد بسط هذا في غير هذا الموضع والمقصود هنا : أنه لا بد من الإيمان بالقدر فإن الإيمان بالقدر من تمام التوحيد كما قال ابن عباس : هو نظام التوحيد فمن وحد الله وآمن بالقدر تم توحيده ومن وحد الله , وكذب بالقدر نقض توحيده .".
الطالب : " وَذَلِكَ أَنَّهُ مَا مِنْ سَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ إلَّا وَهُوَ مُفْتَقِرٌ إلَى سَبَبٍ آخَرَ فِي حُصُولِ مُسَبَّبِهِ ، وَلَا بُدّ مِنْ مَانِعٍ يَمْنَعُ مُقْتَضَاهُ " الطالب : " لَا بُدّ مِنْ عدم مَانِعٍ يَمْنَعُ مُقْتَضَاهُ ". الشيخ : لا ، صح : " مِنْ عدم مَانِعٍ يَمْنَعُ مُقْتَضَاهُ ". الطالب : " وَلَا بُدّ مِنْ عدم مَانِعٍ يَمْنَعُ مُقْتَضَاهُ إذَا لَمْ يَدْفَعْهُ اللَّهُ عَنْهُ فَلَيْسَ فِي الْوُجُودِ شَيْءٌ وَاحِدٌ يَسْتَقِلُّ بِفِعْلِ شَيْءٍ إذَا شَاءَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ قَالَ تَعَالَى : (( وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ )) أَيْ فَتَعْلَمُونَ أَنَّ خَالِقَ الْأَزْوَاجِ وَاحِدٌ " . الشيخ : صحيح : (( ومن كل شيء خلقنا زوجين )) زوجين يحصل بها هذا الشيء ، يقولون ما من شيء من الموجودات إلا وهو مركب ، ولم يكن إلا سبب ومسبب لكان هذا زوجاً ، ليعلم من كل شيء خلقنا زوجين ليعلم أن الخالق واحد . الطالب : " وَلِهَذَا مَنْ قَالَ : إنَّ اللَّهَ لَا يَصْدُرُ عَنْهُ إلَّا وَاحِدٌ - لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَصْدُرُ عَنْهُ إلَّا وَاحِدٌ - كَانَ جَاهِلًا ، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْوُجُودِ وَاحِدٌ صَدَرَ عَنْهُ وَحْدَهُ شَيْءٌ - لَا وَاحِدَ وَلَا اثْنَانِ - إلَّا اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ ، فَالنَّارُ الَّتِي جعل فِيهَا حَرَارَةً " . الشيخ :" الَّتِي خَلَقَ اللَّهُ فِيهَا حَرَارَةً " لكن الذي عندنا أحسن . الطالب : " جعل فِيهَا حَرَارَةً لَا يَحْصُلُ الْإِحْرَاقُ إلَّا بِهَا وَبِمَحَلِّ يَقْبَلُ الِاحْتِرَاقَ ، فَإِذَا وَقَعَتْ عَلَى السمندل وَالْيَاقُوتِ وَنَحْوِهِمَا لَمْ تُحْرِقْهُمَا وَقَدْ يُطْلَى الْجِسْمُ بِمَا يَمْنَعُ إحْرَاقَهُ ". الشيخ : القوة التي في النار وهي قوة الحرارة تحرق ، لكن قد يكون هناك مانع يمنع من الإحراق ، مثلا : قدرة الله عز وجل مثل ما حصل لنار إبراهيم عليه السلام ، وكذلك بعض الأدوية أو بعض المركبات تمنع من الاحتراق ، السمندل يقول المؤلف والياقوت ونحوهما ما تحترق في النار ولا تؤثر عليها ، ويوجد الآن غير السمندل ، رأيت في الدفايات حديد محيط بالدفاية ولكنه لا يحترق ولا تأثر عليه النار شيئا ، طبعا إذا يبقى بارد معناه ما يحترق ، كذلك ربما يطلي إنسان بطلاء يمنع من الاحتراق ، وهذا أظنه موجود عنه الإطفاء ، يطلون به ويدخلون بالنار . ويقولون أن شيخ البطائحية وهو من المبتدعة ، وهم صنف أظنه من الصوفية ، تناظر هو وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مسألة من المسائل ، وقال له شيخ البطائحية إذا كان كلامك حق أو كلامي أنا حق ، فلنوقد نارا وندخل بها ، والتي لا تأكله النار هو الذي معه الصواب ، أنا أو أنت ، هذا الرجل الشيخ قد طلا جسمه بشيء يمنع من الاحتراق ، ففطن شيخ الإسلام لهذا وقال له : ما فيه مانع وندخل أنا وإياك في النار ، والذي على الصواب ما تأكله النار لأن إبراهيم على حق ولم تأكله النار ، ولكن أشترط عليك شرطا أننا الآن ننزل ونغتسل ونغسل أجسامنا ، وبعد أن نغتسل ندخل النار ، فقال الرجل : لا ، فقصدي أن هذا شيء قديم هذا الطلاء الذي إذا اطلى به الإنسان امتنع من الاحتراق . فإذا السبب موجود ولكن المانع منع نفوذ هذا السبب ، والأشياء لا يمكن تتم إلا بوجود أسبابها وانتفاء موانعها . الطالب : " وَالشَّمْسُ الَّتِي يَكُونُ عَنْهَا الشُّعَاعُ لَا بُدَّ مِنْ جِسْمٍ يَقْبَلُ انْعِكَاسَ الشُّعَاعِ عَلَيْهِ ، فَإِذَا حَصَلَ حَاجِزٌ مِنْ سَحَابٍ أَوْ سَقْفٍ لَمْ يَحْصُلْ الشُّعَاعُ تَحْتَهُ ، وَقَدْ بُسِطَ هَذَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ". الشيخ : وهذا صحيح الآن الجو هذا مظلم أو نور .؟ الجو مظلم ، ما يمكن أن يتبين نور الشمس إلا إذا قابلها جسم ينعكس عليه الضوء ، وإلا الجو هذا مظلم ، فعندما يكون هناك غبار بالجو تجده أبيض ، من أين هذا النور الأبيض .؟ من الشمس ، لأنها انعكست على ذرات الغبار فبان ضياؤها ، لكن عندما تكون السماء صافية وش تجد .؟ تجد زرقة مظلمة ، ولا يمكن أن تنعكس إلا إذا قابلت جسما يمنعه ، إذا كان هذا الجسم كثيف فإن الضوء لا تنفذ من وراءه ، بخلاف ما إذا كان خفيفا فإنه تمضي من وراءه ، فالحاصل أن كل شيء لابد من وجود أسبابه وانتفاء موانعه . الطالب : الزرقة هذه هل هي لون السماء أو انعكاس الضوء .؟ الشيخ : لا ما فيه انعكاس ، السماء صافية ظلمة ، لكن هذا الذي نرى ظاهر القرآن أنه لون السماء : (( أفلم ينظروا إلى السماء )) فلولا أنه يمكن رؤيته ما تحداهم الله به ، وبعض المتأخرين اليوم الذين يدعون العلم يقول : لا ، السماء نفسها الأجرام لا نراها ، لأنها بعيدة ، لكن هذا الذي نراه الفضاء ، الله أعلم . الطالب : " وَالْمَقْصُودُ هُنَا : أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِيمَانِ بِالْقَدَرِ فَإِنَّ الْإِيمَانَ بِالْقَدَرِ مِنْ تَمَامِ التَّوْحِيدِ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : هُوَ نِظَامُ التَّوْحِيدِ ، فَمَنْ وَحَّدَ اللَّهَ وَآمَنَ بِالْقَدَرِ تَمَّ تَوْحِيدُهُ ، وَمَنْ وَحَّدَ اللَّهَ وَكَذَّبَ بِالْقَدَرِ نَقَضَ تَوْحِيدَهُ ." الشيخ : لا ، نقص ، لأنه في مقابل تم ، تم توحيده فيكون هذا نقص .
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " ولا بد من الإيمان بالشرع وهو الإيمان بالأمر والنهي والوعد والوعيد كما بعث الله بذلك رسله وأنزل كتبه والإنسان مضطر إلى شرع في حياته الدنيا فإنه لا بد له من حركة يجلب بها منفعته , وحركة يدفع بها مضرته ; والشرع هو الذي يميز بين الأفعال التي تنفعه والأفعال التي تضره وهو عدل الله في خلقه , ونوره بين عباده ; فلا يمكن للآدميين أن يعيشوا بلا شرع يميزون به بين ما يفعلونه ويتركونه . وليس المراد بالشرع مجرد العدل بين الناس في معاملاتهم بل الإنسان المنفرد لا بد له من فعل وترك ; فإن الإنسان همام حارث كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أصدق الأسماء حارث وهمام ) وهو معنى قولهم متحرك بالإرادات فإذا كان له إرادة فهو متحرك بها ولا بد أن يعرف ما يريده هل هو نافع له أو ضار ؟ وهل يصلحه أو يفسده ؟ وهذا قد يعرف بعضه الناس بفطرتهم كما يعرفون انتفاعهم بالأكل والشرب وكما يعرفون ما يعرفون من العلوم الضرورية بفطرتهم وبعضهم يعرفونه بالاستدلال كالذي يهتدون به بعقولهم وبعضه لا يعرفونه إلا بتعريف الرسل وبيانهم لهم وهدايتهم لهم .".
الطالب : " وَلَا بُدَّ مِنْ الْإِيمَانِ بِالشَّرْعِ وَهُوَ الْإِيمَانُ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ كَمَا بَعَثَ اللَّهُ بِذَلِكَ رُسُلَهُ وَأَنْزَلَ كُتُبَهُ ، وَالْإِنْسَانُ مُضْطَرٌّ إلَى شَرْعٍ فِي حَيَاتِهِ الدُّنْيَا فَإِنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ حَرَكَةٍ يَجْلِبُ بِهَا مَنْفَعَتَهُ ، وَحَرَكَةٍ يَدْفَعُ بِهَا مَضَرَّتَهُ ، وَالشَّرْعُ هُوَ الَّذِي يُمَيِّزُ له بَيْنَ الْأَفْعَالِ الَّتِي تَنْفَعُهُ وَالْأَفْعَالِ الَّتِي تَضُرُّهُ ، وَهُوَ عَدْلُ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ ، وَنُورُهُ بَيْنَ عِبَادِهِ ، فَلَا يُمْكِنُ لِلْآدَمِيِّينَ أَنْ يَعِيشُوا بِلَا شَرْعٍ يُمَيِّزُونَ بِهِ بَيْنَ مَا يَفْعَلُونَهُ وَيَتْرُكُونَهُ ". الشيخ : صحيح ، يعني ما من أمة إلا ولها شرع ، هذا الشرع إما أن يكون شرعاً منزلاً أو شرعاً مبدلاً أو شرعاً مؤولا ، فلابد من شريعة ، المسلمين شريعتهم منزلة من عند الله ، وأهل التأويل والبدع شرعهم مؤول ، وأهل الانحراف شرعهم مبدل ، استبدلوا شريعة الله بغيرها ، يعني لا يمكن لأمة إلا وتمشي على نظام ، إما نظام من عند الله وهو الشرع المنزل أو نظام من عندها وهو الشرع المبدل أو شرع مؤول بالتحريف أو لا ، الشيوعيين عندهم أنظمة يمشون عليها ، النصارى والرأسماليون عندهم أنظمة يمشون عليها ، كل أمة لابد لها من نظام تمشي عليه ، وإلا أصبح الناس فوضى وهذا لا ينتفع به الناس . لكن ما هو النظام الذي يقوم به صلاح الخلق على الإطلاق .؟ هو نظام الله عزّ وجل ، لأنه نظام من علم بأحوال الخلق وما ينفعهم وما يضرهم ، نظام من هو أرحم بالخلق من أنفسهم، الله يقول : (( وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً )) إذا فالله أرحم بي من نفسي ، ولهذا نهاني أن أقتل نفسي لأنه رحيم ، فالحاصل أننا نقول كما قال الشيخ رحمه الله تعالى أنه لا بد من شرع ، ولكن لا شرع يصلح الخلق إلا شرع الله لأنه العدل والنور نعم . الطالب : " وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالشَّرْعِ مُجَرَّدَ الْعَدْلِ بَيْنَ النَّاسِ فِي مُعَامَلَاتِهِمْ ، بَلْ الْإِنْسَانُ الْمُنْفَرِدُ لَا بُدَّ لَهُ مَنْ فِعْلٍ وَتَرْكٍ ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ هَمَّامٌ حَارِثٌ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَصْدَقُ الْأَسْمَاءِ حَارِثٌ وَهَمَّامٌ ) وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ مُتَحَرِّكٌ بِالْإِرَادَاتِ ، فَإِذَا كَانَ لَهُ إرَادَةٌ فَهُوَ مُتَحَرِّكٌ بِهَا وَلَا بُدَّ أَنْ يَعْرِفَ مَا يُرِيدُهُ هَلْ هُوَ نَافِعٌ لَهُ أَوْ ضَارٌّ ؟ وَهَلْ يُصْلِحُهُ أَوْ يُفْسِدُهُ ؟ ". الشيخ : طيب وش معنى حارث وهمام .؟ حارث يعني فاعل بالحرك يتحرك ويفعل ، همام من الهمة وهي الإرادة ، كل إنسان عنده إرادة وعنده حركة ، لكن هل هذه الإرادة والحركة تنفعه أو لا تنفعه .؟ من أين يعرف أنها تنفعه أو لا تنفعه .؟ من الشرع . الطالب : " وَهَذَا قَدْ يَعْرِفُ بَعْضَهُ النَّاسُ بِفِطْرَتِهِمْ كَمَا يَعْرِفُونَ انْتِفَاعَهُمْ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَكَمَا يَعْرِفُونَ مَا يَعْرِفُونَ مِنْ الْعُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ بِفِطْرَتِهِمْ ، وَبَعْضُهُمْ يَعْرِفُونَهُ بِالِاسْتِدْلَالِ كَاَلَّذِي يَهْتَدُونَ بِهِ بِعُقُولِهِمْ ، وَبَعْضُهُ لَا يَعْرِفُونَهُ إلَّا بِتَعْرِيفِ الرُّسُلِ وَبَيَانِهِمْ وَهِدَايَتِهِمْ لَهُمْ ". الشيخ : اصبر ، الظاهر أن عندنا خطأ : " وَهَذَا قَدْ يَعْرِفُ بَعْضَهُ النَّاسُ بِفِطْرَتِهِمْ كَمَا يَعْرِفُونَ انْتِفَاعَهُمْ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَكَمَا يَعْرِفُونَ مَا يَعْرِفُونَ مِنْ الْعُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ بِفِطْرَتِهِمْ ، وَبَعْضُهُمْ " أو : وبعضه .؟ الظاهر أنه : وبعضه ، اكتبوا لعلها : وبعضه . الطالب : ... . الشيخ : إيه " لَا يَعْرِفُونَهُ إلَّا بِتَعْرِيفِ الرُّسُلِ " إذا : بعضه ، يعني قسم الأشياء المعروفة ثلاثة أقسام : معروفة بالفطرة و ومعروفة بالاستدلال بالعقل ، ومعروفة بالوحي من طريق الرسل . الطالب : ... . الشيخ : لا ، بعضه يعني بعض هذا المعروف يعرف بالفطرة ، وبعضه بالعقل وبعضه من طريق الرسل ، وهذا صحيح ، المعلومات التي نتعلمها إما بالفطرة مثل أنك تعرف إذا أكلت شبعت ، وإما بالعقل والاستنتاج مثل أن تعرف أن الأثر لا بد له من مأثر ، وبعضه تعرفه عن طريق الرسل وهو الوحي الذي جاءت به الرسل ، فأنتم أكتبوا : لعله " وبعضه يعرفونه ". الطالب : شيخ : " وبعضهم يعرفه " .؟ الشيخ : لا ، الصواب أن الذي عندنا أحسن ، نحن قلنا : " وبعضه يعرفونه " . أنت عندك : " وبعضهم يعرفه " لا ما يصلح . حطوا : وبعضه " وبعضه يعرفونه بالاستدلال الذي يهتدون إليه بعقولهم " نعم . الطالب : " وَبَعْضُهُ لَا يَعْرِفُونَهُ إلَّا بِتَعْرِيفِ الرُّسُلِ وَبَيَانِهِمْ وَهِدَايَتِهِمْ لَهُمْ " .
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وفي هذا المقام تكلم الناس في أن الأفعال هل يعرف حسنها وقبيحها بالعقل أم ليس لها حسن ولا قبيح يعرف بالعقل ؟ كما قد بسط في غير هذا الموضع وبينا ما وقع في هذا الموضع من الاشتباه . فإنهم اتفقوا على أن كون الفعل يلائم الفاعل أو ينافره يعلم بالعقل وهو أن يكون الفاعل سببا لما يحبه الفاعل ويلتذ به وسببا لما يبغضه ويؤذيه وهذا القدر يعلم بالعقل تارة وبالشرع أخرى وبهما جميعا أخرى ; لكن معرفة ذلك على وجه التفصيل ومعرفة الغاية التي تكون عاقبة الأفعال : من السعادة والشقاوة في الدار الآخرة لا تعرف إلا بالشرع فما أخبرت به الرسل من تفاصيل اليوم الآخر وأمرت به من تفاصيل الشرائع لا يعلمه الناس بعقولهم كما أن ما أخبرت به الرسل من تفصيل أسماء الله وصفاته لا يعلمه الناس بعقولهم وإن كانوا قد يعلمون بعقولهم جمل ذلك وهذا التفصيل الذي يحصل به الإيمان وجاء به الكتاب هو ما دل عليه قوله تعالى : (( وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا )) وقوله تعالى : (( قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي إنه سميع قريب )) وقوله تعالى : (( قل إنما أنذركم بالوحي )) .".
الطالب : " وَفِي هَذَا الْمَقَامِ تَكَلَّمَ النَّاسُ فِي أَنَّ الْأَفْعَالَ هَلْ يُعْرَفُ حُسْنُهَا وَقَبِيحُهَا بِالْعَقْلِ ، أَمْ لَيْسَ لَهَا حَسَنٌ وَلَا قَبِيحٌ يُعْرَفُ بِالْعَقْلِ ؟ كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَبَيَّنَّا مَا وَقَعَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ الِاشْتِبَاهِ . فَإِنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ كَوْنَ الْفِعْلِ يُلَائِمُ الْفَاعِلَ أَوْ يُنَافِرُهُ يُعْلَمُ بِالْعَقْلِ ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْفَاعِلُ سَبَبًا لِمَا يُحِبُّهُ الْفَاعِلُ وَيَلْتَذُّ بِهِ وَسَبَبًا لِمَا يُبْغِضُهُ وَيُؤْذِيه " . الطالب : أَنْ يَكُونَ الْفَاعِلُ سَبَبًا لِمَا يُحِبُّهُ ... أو سببا . أحسن : أو سببا. الشيخ :" وَهَذَا الْقَدْرُ يُعْلَمُ بِالْعَقْلِ تَارَةً وَبِالشَّرْعِ أُخْرَى وَبِهِمَا جَمِيعًا أُخْرَى ، لَكِنَّ مَعْرِفَةَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّفْصِيلِ وَمَعْرِفَةَ الْغَايَةِ الَّتِي تَكُونُ عَاقِبَةُ الْأَفْعَالِ مِنْ السَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ لَا تُعْرَفُ إلَّا بِالشَّرْعِ " . الشيخ : أنتم فاهمين هذه المسألة : مسألة الحسن والقبيح ، هل يعلم حسن الشيء وقبحه بالشرع ، أو يعلم حسنه وقبحه بالعقل .؟ الصواب أن بعضه يعرف بالعقل وبعضه بالشرع ، وبعضه بهما جميعاً ، بمعنى أن بعض الأشياء نعرف أنه حسن أو قبيح وإن لم يرد به الشرع ، وليس معناه أننا إذا حسنا شيئا أو قبحناه أن الشرع لا يحسنه ولا يقبحه ، وبعضه لا نعرف أنه حسن أو قبيح إلا بطريق الشرع ، وبعضه نعلم أنه حسن أو قبيح بالعقل والشرع أيضا ورد به ، فبعض الأشياء من الأمور لا نعرف نحن عنها جيداً الحكمة في التشريع ، إذا قبحها إن كانت منهي عنها أو حسنها إن كانت واجبة هذا معلوم بالشرع . كما لو قيل مثلا : لماذا لا تصح الصلاة في أعطان الإبل ؟ عند الذين يقولون إن العلة تعبديه يعلم قبح الصلاة في أعطان الإبل بالشرع لا بالعقل ، عندما نقول : لماذا يجب الوضوء من لحم الإبل ؟ الذين يقولون إن الوضوء من لحم الإبل تعبدي لا نعرف علته ، يعلم حسنه بالشرع لا بالعقل . مثلاً الاعتداء على الناس والأذية للناس معلوم قبحه بالشرع وبالعقل ، وبالشرع لأنه نهى عنه ، وبالعقل لأن كل إنسان يعرف أن العدوان على الغير أمر مكروه عند الناس ومبغوض عندهم فهو قبيح . يوجد أشياء العقل يهتدي إلى حسنها وقبحها وإن لم يرد بها الشرع ، حتى لو فرض أن الشرع سكت عنها فإن الإنسان يعلم قبحها أو حسنها بعقله ، مثل ما يتعارفه الناس في عاداتهم من الأمور التي ما جرى بها الشرع ، لكن الناس يرون أنها قبيحة أو أنها حسنة ، فهذا الذي ذكره المؤلف رحمه الله تعالى هو الصواب ، أن نقول : الأشياء الحسنة والقبيحة منها ما يعلم قبحه بالشرع أو حسنة و ومنها ما يعلم بالشرع والعقل و ومنها ما يعلم بالعقل وحده . الطالب : ... . الشيخ : يعني أشياء مثلا ما نص عليها الشرع لكن عقلنا يهدينا إلى أن هذا أمر قبيح ، مثل ما قلت لك في أمور العادات التي ما ورد الشرع بها وإن كان عمومات الشرع تشهد له ، ما نصت عليه بعينه حتى لا يمكن النزاع فيه ، لأن ما كان يدخل في العمومات قد ينازع فيه ، وأما ما نص عليه فليس فيه منازعة . الطالب : ... . الشيخ : لا ، إذا كان ما عينه الشرع فلا يدخل في الشرع ، لأنه داخل في العمومات قد ينازع فيه من ينازع ، ويقول هذا ما يدخل في العموم مثلا . ولهذا يقول المؤلف : " وَهَذَا الْقَدْرُ يُعْلَمُ بِالْعَقْلِ تَارَةً وَبِالشَّرْعِ أُخْرَى وَبِهِمَا جَمِيعًا ". الطالب : الدخان بالعقل والشرع .؟ الشيخ : إيه هذا يعلم بالعقل والشرع ، لأن الشرع نهى عن كل ما فيه مضرة ، والعقل يقبح كل ما فيه مضرة . لكن طيب إذا استحسن العقل شيئا قبحه الشرع .؟ كما لو استحسن حلق اللحية أو تحسين تسويد شعرها إذا ابيض ، ويقول : أبقى شابا أحسن من أن أصير شايبا ، ربما يستحسن ، نقول : هذا العقل ليس بعقل ، هو عقل منحرف في الواقع ، لأن تحسين العقل أن ينزل كل إنسان في منزلته الشايب يجب أن يكون شايبا ، والشاب يجب أن يكون شابا ، أما نكذب على أنفسنا ونخدع أنفسنا ، ونقول احلق لحيتك ما وصلت بعد إلى ثلاثين سنة ، هذه مخادعة في الحقيقة ، والخداع العقل يقبحه . الطالب : " فَمَا أَخْبَرَتْ بِهِ الرُّسُلُ مِنْ تَفَاصِيلِ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَمَرَتْ بِهِ مِنْ تَفَاصِيلِ الشَّرَائِعِ لَا يَعْلَمُهُ النَّاسُ بِعُقُولِهِمْ ، كَمَا أَنَّ مَا أَخْبَرَتْ بِهِ الرُّسُلُ مِنْ تَفْصِيلِ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ لَا يَعْلَمُهُ النَّاسُ بِعُقُولِهِمْ ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ يَعْلَمُونَ بِعُقُولِهِمْ جُمَلَ ذَلِكَ ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْإِيمَانُ وَجَاءَ بِهِ الْكِتَابُ هُوَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى : (( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا )) وقَوْله تَعَالَى : (( قُلْ إنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إلَيَّ رَبِّي إنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ )) وقَوْله تَعَالَى : (( قُلْ إنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ )) " الشيخ : طيب هنا : (( إنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ )) هل هذه المسألة فرضية أو واقعية يمكن وقوعها .؟ فرضيه ، هذا من باب التنزل مع الخصم : (( إنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ على نفسي )) مثل قول المؤمن من آل فرعون : (( إِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ )) وهذا المؤمن يعتقد أنه صادق ، لكن قاله على سبيل التنزل مع الخصم . (( آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ )) كيف هذا آلله خير أما يشركون ، هل بينهما مفاضلة .؟ معلوم أن الله جل وعلا خير ، لكن لماذا قال ذلك .؟ دليل التنزل مع الخلق . (( وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ )) نحن أو أنتم ، والجواب .؟ نحن على الهدى ، لكن هذا من باب التنزل مع الخصم والإنصاف معه ، يعني يقول : (( وَإِنَّا )) المسلمون (( أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ )) صحيح هذا نحن أو أنتم ، لكن من المعلوم أن المسلمين على هدى وأن الكفار على ضلال مبين . الطالب : على أي شيء ... قوله : (( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا )) .؟ الشيخ : على أساس أن العقل ما يستقل بالتحسين والتقبيح وأنه لا بد له من الشرع .
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " ولكن توهمت طائفة أن للحسن والقبح معنى غير هذا وأنه يعلم بالعقل وقابلتهم طائفة أخرى ظنت أن ما جاء به الشرع من الحسن والقبح : يخرج عن هذا فكلا الطائفتين اللتين أثبتتا الحسن والقبح العقليين أو الشرعيين وأخرجتاه عن هذا القسم غلطت ثم إن كلتا الطائفتين لما كانتا تنكر أن يوصف الله بالمحبة والرضا والسخط والفرح ونحو ذلك مما جاءت به النصوص الإلهية ودلت عليه الشواهد العقلية : تنازعوا بعد اتفاقهم على أن الله لا يفعل ما هو منه قبيح هل ذلك ممتنع لذاته وأنه لا يتصور قدرته على ما هو قبيح وأنه سبحانه منزه عن ذلك لا يفعله لمجرد القبح العقلي الذي أثبتوه ؟ على قولين والقولان في الانحراف من جنس القولين المتقدمين أولئك لم يفرقوا في خلقه وأمره بين الهدى والضلال والطاعة والمعصية والأبرار والفجار وأهل الجنة وأهل النار والرحمة والعذاب ; فلا جعلوه محمودا على ما فعله من العدل أو ما تركه من الظلم ولا ما فعله من الإحسان والنعمة وما تركه من التعذيب والنقمة والآخرون نزهوه بناء على القبح العقلي الذي أثبتوه ولا حقيقة له وسووه بخلقه فيما يحسن ويقبح , وشبهوه بعباده فيما يأمر به وينهى عنه .".
الطالب : " وَلَكِنْ تَوَهَّمَتْ طَائِفَةٌ أَنَّ لِلْحُسْنِ وَالْقُبْحِ مَعْنًى غَيْرَ هَذَا وَأَنَّهُ يُعْلَمُ بِالْعَقْلِ ، وَقَابَلَتْهُمْ طَائِفَةٌ أُخْرَى ظَنَّتْ أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ الشَّرْعُ مِنْ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ يَخْرُجُ عَنْ هَذَا ، فَكِلَا الطَّائِفَتَيْنِ اللَّتَيْنِ أَثْبَتَتَا الْحُسْنَ وَالْقُبْحَ الْعَقْلِيَّيْنِ أَوْ الشَّرْعِيَّيْنِ وَأَخْرَجَتَاهُ عَنْ هَذَا الْقِسْمِ غَلِطَتْ ، ثُمَّ إنَّ كِلْتَا الطَّائِفَتَيْنِ لَمَّا كَانَتَا تُنْكِرُ أَنْ يُوصَفَ اللَّهُ بِالْمَحَبَّةِ وَالرِّضَا وَالسُّخْطِ وَالْفَرَحِ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا جَاءَتْ بِهِ النُّصُوصُ الْإِلَهِيَّةُ وَدَلَّتْ عَلَيْهِ الشَّوَاهِدُ الْعَقْلِيَّةُ ، تَنَازَعُوا بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ اللَّهَ لَا يَفْعَلُ مَا هُوَ مِنْهُ قَبِيحٌ هَلْ ذَلِكَ مُمْتَنِعٌ لِذَاتِهِ ، وَأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ قُدْرَتُهُ عَلَى مَا هُوَ قَبِيحٌ ، وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ لَا يَفْعَلُهُ لِمُجَرَّدِ الْقُبْحِ الْعَقْلِيِّ الَّذِي أَثْبَتُوهُ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ ". الشيخ : اصبر : " وَأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ قُدْرَتُهُ عَلَى مَا هُوَ قَبِيحٌ أو أَنَّهُ سُبْحَانَهُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ لَا يَفْعَلُهُ لِمُجَرَّدِ الْقُبْحِ الْعَقْلِيِّ الَّذِي أَثْبَتُوهُ ؟ " لأنه يقول : " تَنَازَعُوا بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ اللَّهَ لَا يَفْعَلُ مَا هُوَ مِنْهُ قَبِيحٌ هَلْ ذَلِكَ مُمْتَنِعٌ لِذَاتِهِ ، وَأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ قُدْرَتُهُ عَلَى مَا هُوَ قَبِيحٌ أو أَنَّهُ سُبْحَانَهُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ " وإن كان يقدر ، حطوا " أو" لأجل يصير قولين ، لأنك لو ما جعلت " أو " صار قولا واحدا " أو أَنَّهُ سُبْحَانَهُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ " . نضرب لكم مثالا في الظلم ، الظلم قبيح شرعاً وعقلاً ، هل هو ممتنع عن الله لذاته ، بمعنى أنه ما يتصور أن يقدر على الظلم .؟ أو أن الله منزه عن الظلم مع قدرته عليه .؟ نعم منزه عن الظلم مع قدرته عليه ، وهذا في الحقيقة هو وجه المدح والكمال أنه يكون قادرا لكنه منزه عنه ، لأننا لو قلنا إنه مستحيل الظلم وأن كل قبيح فهو مستحيل على الله لذاته ، هل يمدح على هذا أو لا .؟ الذي لا يقدر على أنه يسرق ونقول السرقة مستحيلة عليه لذاته ، لأنه ما له يدان ولا رجلان ... هل يمدح على ترك السرقة .؟ ما يمدح على ترك السرقة ، لأنه عاجز ، لكن رجل نشيط وقوي وسبوق يقضي الشيء ويسرقه وينفر ولا أحد يلحقه ، ولكنه يترك السرقة ، يمدح أو ما يمدح .؟ الطالب : يمدح . الشيخ : أي نعم ، إذا فهم يقولون : هل هذا القبيح الذي يرون أنه قبيح ، هل هو ممتنع على الله لذاته ، بمعنى أن الله لا يقدر عليه ، أو أن الله منزه عنه وإن كان قادرا عليه .؟ الصواب أن نقول منزه عنه وإن كان قادرا عليه ، لكن يجب أن نعرف أنه ليست عقولنا هي الميزان للعقل القبيح والحسن ، لو كانت عقولنا هي الميزان لكنا مثلا نحسن أن يكون الناس كلهم أمة واحدة على الحق ، أحسن من كون بعضهم بالنار وبعضهم بالجنة ، مثلا قد يحسن عقلنا هذا ، لكن هل هذا صحيح أن الحسن أن يكون الناس كلهم أمة واحدة على الحق حتى لا يعذب أحد .؟ لا ، ليس هذا هو الحسن ، الحسن ما اقتضته حكمة الله عز وجل ، لهذا يجب عليك أن تعرف أنك وإن أثبت الحسن والقبح العقليين فليس معنى ذلك أن عقلك هو الميزان للحسن والقبح باعتبار فعل الله ، لأننا نحن لا نحيط بقدرة الله وحكمته حتى نحكم عليه بعقولنا ، ونقول هذا حسن لماذا لم يفعله الله وهذا قبيح لماذا فعله ؟! لا ، هذا ما يمكن . الطالب : " وَالْقَوْلَانِ فِي الِانْحِرَافِ مِنْ جِنْسِ الْقَوْلَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ أُولَئِكَ لَمْ يُفَرِّقُوا فِي خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ بَيْنَ الْهُدَى وَالضَّلَالِ وَالطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ وَالْأَبْرَارِ وَالْفُجَّارِ وَأَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ وَالرَّحْمَةِ وَالْعَذَابِ ، فَلَا جَعَلُوهُ مَحْمُودًا عَلَى مَا فَعَلَهُ مِنْ العذاب " . الشيخ :" مَا فَعَلَهُ مِنْ الْعَدْلِ ". الطالب : " أَوْ مَا تَرَكَهُ مِنْ الظُّلْمِ ، وَلَا مَا فَعَلَهُ مِنْ الْإِحْسَانِ وَالنِّعْمَةِ وَمَا تَرَكَهُ مِنْ التَّعْذِيبِ وَالنِّقْمَةِ ، وَالْآخَرُونَ نَزَّهُوهُ بِنَاءً عَلَى الْقُبْحِ الْعَقْلِيِّ الَّذِي أَثْبَتُوهُ وَلَا حَقِيقَةَ لَهُ ، وَسَوَّوْهُ بِخَلْقِهِ فِيمَا يَحْسُنُ وَيَقْبُحُ ، وَشَبَّهُوهُ بِعِبَادِهِ فِيمَا يَأْمُرُ بِهِ وَيَنْهَى عَنْهُ .". الشيخ : قصده : " وَالْقَوْلَانِ فِي الِانْحِرَافِ مِنْ جِنْسِ الْقَوْلَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ " يعني في القضاء والقدر ، الذي هو قول الجبرية وقول القدرية ، فالجبرية عظموا الأمر والنهي ، ولكنهم عطلوا القضاء والقدر ، والقدرية على العكس ، وقد مر علينا هذا ، الجبرية يقولون إنه يجب على الإنسان أن يكون طائعا لله تعالى في ترك المعاصي وفي فعل العبادات ، لكنهم يقولون إنه خاضع للقدر ، فعظموا القدر وغلوا فيه وتهاونوا في الأمر والنهي حتى إننا سبق أن قلنا إن الجبرية مرجئة ، ويقولون : إن العاصي الفاسق مؤمن كامل الإيمان ، والقدرية بالعكس . الطالب : لماذا ما ذكر قول الأشاعرة ... . الشيخ : لأن قول الأشاعرة من جنس قول القدرية ، بل قريب من قول الجبرية ، فهو داخل فيه .
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " والآخرون نزهوه بناء على القبح العقلي الذي أثبتوه ولا حقيقة له وسووه بخلقه فيما يحسن ويقبح , وشبهوه بعباده فيما يأمر به وينهى عنه . فمن نظر إلى القدر فقط وعظم الفناء في توحيد الربوبية ووقف عند الحقيقة الكونية : لم يميز بين العلم والجهل والصدق والكذب والبر والفجور والعدل والظلم والطاعة والمعصية والهدى والضلال والرشاد والغي وأولياء الله وأعدائه وأهل الجنة وأهل النار وهؤلاء مع أنهم مخالفون بالضرورة لكتب الله ودينه وشرائعه فهم مخالفون أيضا لضرورة الحس والذوق وضرورة العقل والقياس فإن أحدهم لا بد أن يلتذ بشيء ويتألم بشيء فيميز بين ما يأكل ويشرب وما لا يأكل ولا يشرب وبين ما يؤذيه من الحر والبرد وما ليس كذلك وهذا التمييز بين ما ينفعه ويضره هو الحقيقة الشرعية الدينية . ومن ظن أن البشر ينتهي إلى حد يستوي عنده الأمران دائما : فقد افترى وخالف ضرورة الحس ; ولكن قد يعرض للإنسان بعض الأوقات عارض كالسكر والإغماء ونحو ذلك مما يشغل عن الإحساس ببعض الأمور فأما أن يسقط إحساسه بالكلية مع وجود الحياة فيه فهذا ممتنع فإن النائم لم يفقد إحساس نفسه بل يرى في منامه ما يسوءه تارة وما يسره أخرى فالأحوال التي يعبر عنها بالاصطلام والفناء والسكر ونحو ذلك إنما تتضمن عدم الإحساس ببعض الأشياء دون بعض فهي مع نقص صاحبها - لضعف تمييزه - لا تنتهي إلى حد يسقط فيه التمييز مطلقا ومن نفى التمييز في هذا المقام مطلقا وعظم هذا المقام فقد غلط في الحقيقة الكونية والدينية : قدرا وشرعا وغلط في خلق الله وفي أمره حيث ظن أن وجود هذا ; لا وجود له وحيث ظن أنه ممدوح ولا مدح في عدم التمييز : العقل والمعرفة . وإذا سمعت بعض الشيوخ يقول : أريد أن لا أريد أو أن العارف لا حظ له وأنه يصير كالميت بين يدي الغاسل ونحو ذلك فهذا إنما يمدح منه سقوط إرادته التي يؤمر بها وعدم حظه الذي لا يؤمر بطلبه وأنه كالميت في طلب ما لم يؤمر بطلبه وترك دفع ما لم يؤمر بدفعه ومن أراد بذلك أنه تبطل إرادته بالكلية وأنه لا يحس باللذة والألم ; والنافع والضار فهذا مكابر مخالف لضرورة الحس والعقل .".
الطالب : بسم الله الرحمن الرحيم ، قال رحمه الله تعالى : " والآخرون نزهوه بناء على القبح العقلي الذي أثبتوه ، ولا حقيقة له ، وسووه بخلقه فيما يحسن ويقبح ، وشبهوه بعباده فيما يأمر به وينهى عنه . فَمَنْ نَظَرَ إلَى الْقَدَرِ فَقَطْ وَعَظَّمَ الْفَنَاءَ فِي تَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ وَوَقَفَ عِنْدَ الْحَقِيقَةِ الْكَوْنِيَّةِ لَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ وَالصِّدْقِ وَالْكَذِبِ وَالْبِرِّ وَالْفُجُورِ وَالْعَدْلِ وَالظُّلْمِ وَالطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ وَالْهُدَى وَالضَّلَالِ وَالرَّشَادِ وَالْغَيِّ وَأَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَأَعْدَائِهِ وَأَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ . ". الشيخ : أظنه واضح السبب ... الذين ينظرون إلى الحقيقة الكونية فقط ما يمكن ... لأنهم يقولون : الكل من إرادة الله ونحن نفنى في توحيد الله توحيد الربوبية فلا نقول هذا حسن وهذا قبيح لأن الكل يعتبر حسنا عنده ، كله من تقدير الله فهو يفنى أن يشاهد الحسن والقبح فيما يقع من أفعال الله عزّ وجل ، ويقول : إن كل ما أوجده الله سبحانه وتعالى فإنه حسن ، لأنه يقف أمام القدر وقوف الميت بين يدي الغاسل ، لا يشعر بما يفعل فيه ، فهو يقول : نحن نعظم القدر غاية التعظيم بتوحيد الربوبية ونفنى بهذا التوحيد عما سواء . ومعنى الفناء فيه : الانغماس بحيث يضمحل وجود المرء في هذا الباب . فتبين الآن أن هؤلاء الذين يعظمون الفناء في توحيد الربوبية ويقفون عند الحقيقة الكونية ، لا يميزون بين الضار والنافع لماذا .؟ لأن الكل بتقدير الله . فهم يقولون : كل ما قدر الله فلا فرق فيه ، يجب أن نستسلم للربوبية استلاما كاملا أعمى . فلا نفرق بين الضار والنافع ولا بين الحسن والقبيح ، ولا بين الظلم والعدل . لأن الكل من فعل الله . فهم يفنون في هذا التوحيد عن كلما يقع من جانب الربوبية . والإنسان الذي لا يحس بجانب الشيء طبعا لا يفرق بين أجزائه النافعة والضارة والملائمة وغير الملائمة ، هذا وجه كلام المؤلف أنه : " لَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ وَالصِّدْقِ وَالْكَذِبِ وَالْبِرِّ وَالْفُجُورِ وَالْعَدْلِ وَالظُّلْمِ ... " إلى آخره ، لماذا .؟ لأنهم يقولون : كل هذا بقدر الله ، فيجب أن نفنى في هذا القدر عن كل ما يصدر منه ، ومعنى الفناء هو ما نسمّيه بالذوبان ، الذوبان أمام هذا الشيء بحيث لا نحسّ ولا نفرق بين ما يكون من جانب الربوبية . واضح .؟ هذا معنى قول المؤلف : " فمن نظر إلى القدر فقط أعظم الفناء في توحيد الربوبية ووقف لم يميز ". لاحظوا يا جماعة لا تفوتكم هذه الأشياء معانيها ، لا تقولوا نمر عليها مر الكرام ، لأنها مهمة وهي من صميم الموضوع ، فيجب عليكم أن تعرفوا إذا مر مثل هذه الأشياء ... هذه الأخيرة مهمة . الطالب : " وَهَؤُلَاءِ مَعَ أَنَّهُمْ مُخَالِفُونَ بِالضَّرُورَةِ لِكُتُبِ اللَّهِ وَدِينِهِ وَشَرَائِعِهِ فَهُمْ مُخَالِفُونَ أَيْضًا لِضَرُورَةِ الْحِسِّ وَالذَّوْقِ وَضَرُورَةِ الْعَقْلِ وَالْقِيَاسِ ، فَإِنَّ أَحَدَهُمْ لَا بُدَّ أَنْ يَلْتَذَّ بِشَيْءِ وَيَتَأَلَّمَ بِشَيْءِ فَيُمَيِّزَ بَيْنَ مَا يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ وَمَا لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ ، وَبَيْنَ مَا يُؤْذِيه مِنْ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَمَا لَيْسَ كَذَلِكَ ، وَهَذَا التَّمْيِيزُ بَيْنَ مَا يَنْفَعُهُ وَيَضُرُّهُ هُوَ الْحَقِيقَةُ الشَّرْعِيَّةُ الدِّينِيَّةُ .". الشيخ : هذا صحيح ، كلام المؤلف رحمه الله واضح في الرد عليهم ، يقول : أنتم الآن تفرقون الذي يلائمكم وبين الذي لا يلائمكم والذي ينفعكم والذي يضركم ، فكيف تفنون في توحيد الربوبية ، والتفريق بين هذه الأشياء هو ما جاءت به الشريعة ، فكونكم تفنون في جانب الربوبية وتنسون ما جاءت به الشريعة هذا أمر مخالف للكتاب والسنة والفطرة وحتى القياس الصحيح . الطالب : " وَمَنْ ظَنَّ أَنَّ الْبَشَرَ يَنْتَهِي إلَى حَدٍّ يَسْتَوِي عِنْدَهُ الْأَمْرَانِ دَائِمًا فَقَدْ افْتَرَى وَخَالَفَ ضَرُورَةَ الْحِسِّ ، وَلَكِنْ قَدْ يَعْرِضُ لِلْإِنْسَانِ بَعْضَ الْأَوْقَاتِ عَارِضٌ كَالسُّكْرِ وَالْإِغْمَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَشْغَلُه عَنْ الْإِحْسَاسِ بِبَعْضِ الْأُمُورِ، فَأَمَّا أَنْ يَسْقُطَ إحْسَاسُهُ بِالْكُلِّيَّةِ مَعَ وُجُودِ الْحَيَاةِ فِيهِ فَهَذَا مُمْتَنِعٌ ، فَإِنَّ النَّائِمَ لَمْ يَفْقِدْ إحْسَاسَ نَفْسِهِ بَلْ يَرَى فِي مَنَامِهِ مَا يَسُوءُهُ تَارَةً وَمَا يَسُرُّهُ أُخْرَى ، فَالْأَحْوَالُ الَّتِي يُعَبَّرُ عَنْهَا بِالِاصْطِلَامِ وَالْفَنَاءِ " . الطالب : بالاصطلاح والفناء . الشيخ : وش عنك أنت .؟ اكتبوها نسخة ، لأن الذي عند مستقيم . الطالب : الاصطلام وش هو .؟ الشيخ : الاصطلام أن يصطلم شيء بشيء فيفنى به ويذوب فيه ، هذا معناه . الطالب : " وَالسُّكْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ إنَّمَا تَتَضَمَّنُ عَدَمَ الْإِحْسَاسِ بِبَعْضِ الْأَشْيَاءِ دُونَ بَعْضٍ فَهِيَ مَعَ نَقْصِ صَاحِبِهَا - لِضَعْفِ تَمْيِيزِهِ - لَا تَنْتَهِي إلَى حَدٍّ يَسْقُطُ فِيهِ التَّمْيِيزُ مُطْلَقًا ، وَمَنْ نَفَى التَّمْيِيزَ فِي هَذَا الْمَقَامِ مُطْلَقًا وَعَظَّمَ هَذَا الْمَقَامَ فَقَدْ غَلِطَ فِي الْحَقِيقَةِ الْكَوْنِيَّةِ وَالدِّينِيَّةِ قَدْرًا وَشَرْعًا ، وَغَلِطَ فِي خَلْقِ اللَّهِ وَفِي أَمْرِهِ حَيْثُ ظَنَّ أَنَّ وُجُودَ هَذَا ولَا وُجُودَ لَهُ ، وَحَيْثُ ظَنَّ أَنَّهُ مَمْدُوحٌ وَلَا مَدْحَ فِي عَدَمِ التَّمْيِيزِ الْعَقْلُ وَالْمَعْرِفَةُ .". الشيخ : حطوا وفقدان " وَلَا مَدْحَ فِي عَدَمِ التَّمْيِيزِ وفقدان الْعَقْلُ وَالْمَعْرِفَةُ .". الطالب : " وَإِذَا سَمِعْت بَعْضَ الصوفية يَقُولُ " . الشيخ : بَعْضَ الشُّيُوخِ في معنى : بَعْضَ الصوفية ، قولوا يعني الصوفية . الطالب : " يَقُولُ : أُرِيدُ أَنْ لَا أُرِيدَ أَوْ أَنَّ الْعَارِفَ لَا حَظَّ لَهُ وَأَنَّهُ يَصِيرُ كَالْمَيِّتِ بَيْنَ يَدَيْ الْغَاسِلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، فَهَذَا إنَّمَا يُمْدَحُ مِنْهُ سُقُوطُ إرَادَتِهِ الَّتِي يُؤْمَرُ بِهَا وَعَدَمُ حَظِّهِ الَّذِي لَا يُؤْمَرُ بِطَلَبِهِ ، وَأَنَّهُ كَالْمَيِّتِ فِي طَلَبِ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِطَلَبِهِ وَتَرْكِ دَفْعِ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِدَفْعِهِ ، وَمَنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُ تَبْطُلُ إرَادَتُهُ بِالْكُلِّيَّةِ وَأَنَّهُ لَا يُحِسُّ بِاللَّذَّةِ وَالْأَلَمِ ، وَالنَّافِعِ وَالضَّارِّ فَهَذَا مكابر مُخَالِفٌ لِضَرُورَةِ الْحِسِّ وَالْعَقْلِ " . الشيخ : مكابر ليست عندنا ، حطوها : " مكابر مُخَالِفٌ لِضَرُورَةِ ". الشيخ : أنتم تتصورون قضية الفناء هذه .؟ الذين ينفون في توحيد الربوبية يرون أنهم كالسّابح في البحر تتلاطمه الأمواج وهو لا إرادة له ولا شعور ولا قدرة . ماشي معها ، إن ارتفعت ارتفع . وإن انخفضت انخفض . فهو يقول : الكل حسن ولا أفرق بين الضار والنافع ولا بين الحسن والقبح . ولا بين الواجب والمحرم ، لماذا ؟ لأنني سائر في قدر الله وتحت إرادته وسيطرته الكاملة فأنا لا أفرق. ولا شك أن هذا كما قال المؤلف مخالف للشرع ومخالف للحسّ والعقل وللفطرة وللقدر أيضاً ، حتى القدر فيه أشياء ما ألزمنا بأن نرضى بها . هل يجوز لنا مثلاً أن نرضى بالمعاصي مع أنها بقدر الله .؟ لا يجوز أن نرضى بها وإن كانت من قدر الله ، بل يجب علينا مدافعتها وإزالة المنكر ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسناه فإن لم يستطع فبقلبه ) والحاصل أن هذه الطريقة من الفناء والتي يزعم هؤلاء الشيوخ ـ الذين يسمون أنفسهم بالعارفين بالله ـ يزعمون أن هذه هي حقيقة توحيد الربوبية . نقول هذه حقيقة الجنون ، فإن من لا يميز لا فرق بينه وبين المجنون ، والبهيمة خير منه لأن البهيمة تميز بين ما ينفعها ويضرها ، فتأكل ما ينفعها وتترك ما يضرها .
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " ومن مدح هذا فهو مخالف لضرورة الدين والعقل . والفناء يراد به ثلاثة أمور : أحدها : هو الفناء الديني الشرعي الذي جاءت به الرسل وأنزلت به الكتب وهو أن يفنى عما لم يأمر الله به بفعل ما أمر الله به : فيفنى عن عبادة غيره بعبادته وعن طاعة غيره بطاعته وطاعة رسوله وعن التوكل على غيره بالتوكل عليه وعن محبة ما سواه بمحبته ومحبة رسوله ; وعن خوف غيره بخوفه بحيث لا يتبع العبد هواه بغير هدى من الله , وبحيث يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما كما قال تعالى : (( قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره )) فهذا كله هو مما أمر الله به ورسوله . وأما الفناء الثاني : وهو الذي يذكره بعض الصوفية وهو أن يفنى عن شهود ما سوى الله تعالى فيفنى بمعبوده عن عبادته وبمذكوره عن ذكره وبمعروفه عن معرفته بحيث قد يغيب عن شهود نفسه لما سوى الله تعالى فهذا حال ناقص قد يعرض لبعض السالكين وليس هو من لوازم طريق الله ولهذا لم يعرف مثل هذا للنبي صلى الله عليه وسلم وللسابقين الأولين ومن جعل هذا نهاية السالكين فهو ضال ضلالا مبينا وكذلك من جعله من لوازم طريق الله فهو مخطئ بل هو من عوارض طريق الله التي تعرض لبعض الناس دون بعض ليس هو من اللوازم التي تحصل لكل سالك .".
الطالب : " وَمَنْ مَدَحَ هَذَا فَهُوَ مُخَالِفٌ لِضَرُورَةِ الدِّينِ وَالْعَقْلِ . وَالْفَنَاءُ يُرَادُ بِهِ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ : أَحَدُهَا : هُوَ الْفَنَاءُ الدِّينِيُّ الشَّرْعِيُّ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ وَأُنْزِلَتْ بِهِ الْكُتُبُ ، وَهُوَ أَنْ يَفْنَى عَمَّا لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ بِهِ بِفِعْلِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ ، فَيَفْنَى عَنْ عِبَادَةِ غَيْرِهِ بِعِبَادَتِهِ وَعَنْ طَاعَةِ غَيْرِهِ بِطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ ، وَعَنْ التَّوَكُّلِ عَلَى غَيْرِهِ بِالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ وَعَنْ مَحَبَّةِ مَا سِوَاهُ بِمَحَبَّتِهِ وَمَحَبَّةِ رَسُولِهِ ، وَعَنْ خَوْفِ غَيْرِهِ بِخَوْفِهِ بِحَيْثُ لَا يَتبِعُ الْعَبْدُ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّهِ ، وَبِحَيْثُ يَكُونُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا " الشيخ : أحب منصوبة على أنها خبر يكون . الطالب : " أَحَبَّ إلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا كَمَا قَالَ تَعَالَى : (( قُلْ إنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ )) فَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ .". الشيخ : ... طيب الآن فهمنا هذا الفناء الديني الشرعي وهو الفناء بالطاعة عن المعصية ، وبعبارة أعم بكل ما أمر الله به عما نهى الله عنه . ومعنى الفناء كما قلت لكم هو الانشغال الذوبان وكلمة : الفناء الديني ، فيما أعتقد أن الشيخ رحمه الله تعالى قالها من باب تتميم الأقسام ، وإلا فلا يصح أن نقول أن هذا فناء . نقول اشتغال لا بأس ، اشتغل بطاعة الله عن معصية . اشتغل بالتوكل على الله عن التوكل على غيره ، اشتغل بخوف الله عن خوف غيره . أما كلمة فناء فإنها كلمة محدثة بلا شك . ولهذا ما نجد في القرآن ولا في السنة أن الله تعالى سمى أو رسوله سمى الاشتغال بالعبادة فناء . لكن المؤلف جاء به من باب تتميم الأقسام فقط ، وإلا في الحقيقة أن الاشتغال بالدين تسميته فناء أمر محدث لا وجود له لا في الكتاب ولا في السنة . ما عمرنا سمعنا أن الإنسان يقول : يفنى بالصلاة عن ترك الصلاة ، ولا يفنى بالصيام عن الإفطار ، ما سمعنا هذا . لكن من باب تتميم الأقسام حتى تنضبط المسألة أتى به المؤلف . الطالب : " وأما الْفَنَاءُ الثَّانِي : وَهُوَ الَّذِي يَذْكُرُهُ بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ وَهُوَ أَنْ يَفْنَى عَنْ شُهُودِ مَا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى فَيَفْنَى بِمَعْبُودِهِ عَنْ عِبَادَتِهِ وَبِمَذْكُورِهِ عَنْ ذِكْرِهِ ، وَبِمَعْرُوفِهِ عَنْ مَعْرِفَتِهِ بِحَيْثُ يَغِيبُ عَنْ شُهُودِ نَفْسِهِ لِمَا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى " . الشيخ : عندنا : بِحَيْثُ قَدْ يَغِيبُ ، قد ما لها معنى " بحيث يغيب ". الطالب : " فَهَذَا حَالٌ نَاقِصٌ قَدْ يَعْرِضُ لِبَعْضِ السَّالِكِينَ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ لَوَازِمَ طَرِيقِ اللَّهِ ، وَلِهَذَا لَمْ يُعْرَفْ مِثْلُ هَذَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِلسَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ ، وَمَنْ جَعَلَ هَذَا نِهَايَةَ السَّالِكِينَ فَهُوَ ضَالٌّ ضَلَالًا مُبِينًا ، وَكَذَلِكَ مَنْ جَعَلَهُ مِنْ لَوَازِمِ طَرِيقِ اللَّهِ فَهُوَ مُخْطِئٌ خطأ فاحشا بَلْ هُوَ مِنْ عَوَارِضِ طَرِيقِ اللَّهِ " . الشيخ : فَهُوَ مُخْطِئٌ خطأ فاحشا . الطالب : " بَلْ هُوَ مِنْ عَوَارِضِ طَرِيقِ اللَّهِ الَّتِي تَعْرِضُ لِبَعْضِ النَّاسِ دُونَ بَعْضٍ لَيْسَ هُوَ مِنْ اللَّوَازِمِ الَّتِي تَحْصُلُ لِكُلِّ سَالِكٍ ". الشيخ : طيب إذا هذا الفناء ليس بمحمود ، لماذا .؟ لأنه مادام لم يعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن السابقين الأولين فهو مبتدع ، وقد مر علينا هذا من قبل ، وأن بعضهم جعل هذا من تمام التوحيد ، وقلنا إن الرسول عليه الصلاة والسلام ليس يغيب بمعبوده عن عبادته ، بل إنه كان أعبد الناس لربه ومع ذلك لا يغيب عن عبادته ، بل إنه يخفف الصلاة إذا سمع بكاء الصبي مخافة أن تفتتن أمه ، وكان يحمل أمامة بنت زينب وهو في صلاته . وكان عمر رضي الله عنه يقول : إني لأجهز جيشي وأنا في الصلاة ، فهل هؤلاء غابوا بمعبودهم عن عبادتهم .؟ لا ، بل شهدوا عبادتهم وشهدوا معبودهم ، فهم يعبدون الله كأنهم يرونه ، لم يكونوا ينسون عبادتهم ولا يدرون هم يعبدون أو ما يعبدون ، اشتغالاً بمعبودهم . فالحاصل أن هذا الفناء ليس بطريق سليم . الطالب : ... . الشيخ : هذه عروة بن الزبير رحمه الله تعالى من كبار الفقهاء ، ولكنه ما غاب عن عبادته بمعبوده ، غاب بعبادته عما سيفعل به ، فرق بين هذا وهذا ، يعني هو قال : تقطعونها إذا دخلت في صلاتي ، ففعلوا . لكن ليس معناه أنه غاب بمعبوده عن عبادته ، بل هو غاب بعبادته عما سوى العبادة ، هذا ليس كما قال هؤلاء . الطالب : ... الفرق بين القسم الأول والقسم الثاني .؟ الشيخ : القسم الأول قلت لكم أن التعبير بالفناء هذا مبتدع ، لكن معناه أن الإنسان يشتغل بالطاعة عن المعصية ، يعني بدل ما يروح يعصي الله يعبد الله ، أما هذا فإنه يغيب ويذهل عن العبادة بالمعبود ، يعني إذا قام يصلي ما يشعر كأنه في صلاة ، لا يشعر بأن الله أمامه مثلا ، وينسى كل شيء كأنه لا يصلي ، ولا يدري هل ركع أو ما ركع ، أو سجد أو ما سجد ، غائب ، ذاهل بما شاهد ، مثل ما لو أن أحدا منا شاهدا أمرا مفزعا له ، أليس ينسى عما سواه ، تجد أن الإنسان إذا فزع الإنسان من شيء وهرب ، تكسر رجله الحصى وتضربه الشوك وكل شيء ، وهو ما يشعر .