تتمة تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وأما الفناء الثاني : وهو الذي يذكره بعض الصوفية وهو أن يفنى عن شهود ما سوى الله تعالى فيفنى بمعبوده عن عبادته وبمذكوره عن ذكره وبمعروفه عن معرفته بحيث قد يغيب عن شهود نفسه لما سوى الله تعالى فهذا حال ناقص قد يعرض لبعض السالكين وليس هو من لوازم طريق الله ولهذا لم يعرف مثل هذا للنبي صلى الله عليه وسلم وللسابقين الأولين ومن جعل هذا نهاية السالكين فهو ضال ضلالا مبينا وكذلك من جعله من لوازم طريق الله فهو مخطئ بل هو من عوارض طريق الله التي تعرض لبعض الناس دون بعض ليس هو من اللوازم التي تحصل لكل سالك .".
الشيخ : ... بمعبود إن كان في عبادة أو متبوع إن كان في ذكر ، حتى في جانب الربوبية يغيب أو يفنى بمشهوده عن مشاهدته ، هذا ليس بصحيح ، هذه بعد حالة مثل الجنون ، وليست بممدوحة كما قال شيخ الإسلام ، ومن قال إن هذا ممدوح فهذا خطأ ، فهمت الفرق الآن .
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وأما الثالث : فهو الفناء عن وجود السوي بحيث يرى أن وجود المخلوق هو عين وجود الخالق وأن الوجود واحد بالعين فهو قول أهل الإلحاد والاتحاد الذين هم من أضل العباد وأما مخالفتهم لضرورة العقل والقياس : فإن الواحد من هؤلاء لا يمكنه أن يطرد قوله فإنه إذا كان مشاهدا للقدر من غير تمييز بين المأمور والمحظور فعومل بموجب ذلك مثل أن يضرب ويجاع حتى يبتلى بعظيم الأوصاب والأوجاع فإن لام من فعل ذلك به وعابه فقد نقض قوله وخرج عن أصل مذهبه وقيل له : هذا الذي فعله مقضي مقدور فخلق الله وقدره ومشيئته : متناول لك وله وهو يعمكما فإن كان القدر حجة لك فهو حجة لهذا وإلا فليس بحجة لا لك ولا له فقد تبين بضرورة العقل فساد قول من ينظر إلى القدر ويعرض عن الأمر والنهي .".
الطالب : " وَأَمَّا الثَّالِثُ : فَهُوَ الْفَنَاءُ عَنْ وُجُودِ السِّوَى " . الشيخ : السوى يعني سوى المفني فيه ، يفنى عن وجود سوى الذي فني فيه ، هي كلمة سوى كذا وكذا ، بمعنى عن وجود الغير ، سوى هذا أي غير هذا . رأيت القوم سوى زيد أي غير زيد ، فمعنى السوى الغير ، لكن المؤلف رحمه الله تعالى يذكر العبارات هذه لأن هذه عبارات الصوفية ، لكن يمشي معهم في التعبير ، وإلا لو قال الفناء عن وجود الغير لكان أوضح ، أوضح من السوى . الطالب : " بِحَيْثُ يَرَى أَنَّ وُجُودَ الْمَخْلُوقِ هُوَ عَيْنُ وُجُودِ الْخَالِقِ وَأَنَّ الْوُجُودَ فيهما وَاحِدٌ بِالْعَيْنِ ، فَهذا قَوْلُ أَهْلِ الْإِلْحَادِ وَالِاتِّحَادِ الَّذِينَ هُمْ مِنْ أَضَلِّ الْعِبَادِ " . الشيخ : شف الآن والعياذ بالله هذا الفناء الفاسد ، يغيب عن وجود سوى الله ، بمعنى أنه يعتقد أن الخالق والمخلوق شيء واحد ، وأن لا إله إلا الله أي لا موجود إلا الله ، هذا التفسير هو تفسير الحلولية والإتحادية ، يغيبون عن وجود السوى ، أي وجود شيء سوى الله ، فيجعلون المخلوق هو عين الخالق ، صار هذا وش يغيب عنه .؟ يغيب عن كل شيء ، ويرى أن كل شيء فهو الله ، ما يرى أمامه إلا الله ، الباب الله المروحة الله فلان الله ، ما يشاهد إلا الله ، على رأيه طبعا ، هذا ما فيه شك أنه مثل ما قال شيخ الإسلام من أضل العباد ، هذا أيضاً فناء أهل وحدة الوجود . وبهذه المناسبة أحذركم من رجل يأتي بالتلفزيون يسمى : مصطفى محمود . وله كتب موجودة ، ويزعم أنه كان شاكاً في الأول ثم صار موقناً ، وله كتاب بهذه العبارة : " رحلتي من الشك إلى اليقين " وفي الحقيقة أنه والله أعلم ارتحل من الشك إلى يقين الكفر ، لأنه له كتاب تفسير القرآن بالمفهوم العصري ، فيقول معنى لا إله إلا الله أي : لا موجود إلا الله ، وهذا تفسير بعينه هو تفسير أهل وحدة الوجود ، ونقل لي عنه أنه في الشهر الماضي كان يتكلم بالتلفزيون ويقول أنه ما يجوز أن نعتقد أن الله سبحانه وتعالى مباين للخلق ، وأنه على العرش وأنه في العلو ، هذا لا يمكن ، الله سبحانه وتعالى لا يتصور أن يكون كذا ، يحاول أن يقرر مذهب الجهمية وهم حلولية كما تعرفون ، يرون أن الله تعالى بذاته في كل مكان ، وهذا من الأمور التي يأسف لها أن يتسرب أمثال هؤلاء إلى الإعلام هنا ، أو إلى نشر كتبه في بلدنا ، لأنه وإن تظاهروا بالصلاح فهم ضالون ، سواء كانوا متعمدين ومستكبرين عن الدين أم كانوا جاهلين ، نحن ما نقول إنه مستكبر لأنه ما نقشنا الرجل ، لكننا نقول إنه ضال بلا شك ، وأن ما زعمه من الرحلة من الشك إلى اليقين فإنه ضلال ، بل إنه إن كان شاكا بالأول فقد انتقل إلى مرحلة أخبث من شكه ، انتقل إلى مرحلة يقين الكفر في بعض كتبه التي قرأناها ، فأنا بينت لكم هذا لتحذروا منه وتحذروا منه أيضا . الطالب : " وَأَمَّا مُخَالَفَتُهُمْ لِضَرُورَةِ الْعَقْلِ وَالْقِيَاسِ فَإِنَّ الْوَاحِدَ مِنْ هَؤُلَاءِ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَطْرُدَ قَوْلَهُ ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ مُشَاهِدًا لِلْقَدَرِ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ بَيْنَ الْمَأْمُورِ وَالْمَحْظُورِ فَعُومِلَ بِمُوجِبِ ذَلِكَ ، مِثْلَ أَنْ يُضْرَبَ وَيُجَاعَ حَتَّى يُبْتَلَى بِعَظِيمِ الْأَوْصَابِ وَالْأَوْجَاعِ ، فَإِنْ لَامَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِهِ وَعَابَهُ فَقَدْ نَقَضَ قَوْلُهُ وَخَرَجَ عَنْ أَصْلِ مَذْهَبِهِ ، وَقِيلَ لَهُ : هَذَا الَّذِي فَعَلَهُ بك مَقْضِيٌّ مَقْدُورٌ ، فَخَلْقُ اللَّهِ وَقَدَرُهُ وَمَشِيئَتُهُ مُتَنَاوَلٌ لَك وَلَهُ وَهُوَ يَعُمُّكُمَا ، فَإِنْ كَانَ الْقَدَرُ حُجَّةً لَك فَهُوَ حُجَّةٌ لِهَذَا وَإِلَّا فَلَيْسَ بِحُجَّةِ لَا لَك وَلَا لَهُ ، فَقَدْ تَبَيَّنَ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ فَسَادُ قَوْلِ مَنْ يَنْظُرُ إلَى الْقَدَرِ وَيُعْرِضُ عَنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ .".
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " والمؤمن مأمور بأن يفعل المأمور ويترك المحظور ويصبر على المقدور كما قال تعالى : (( وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا )). وقال في قصة يوسف : (( إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين )) فالتقوى فعل ما أمر الله به وترك ما نهى الله عنه ولهذا قال الله تعالى : (( فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار )).".
الطالب : " وَالْمُؤْمِنُ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَفْعَلَ الْمَأْمُورَ وَيَتْرُكَ الْمَحْظُورَ وَيَصْبِرَ عَلَى الْمَقْدُورِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : (( وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا )) . وَقَالَ فِي قِصَّةِ يُوسُفَ : (( إنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ )) فَالتَّقْوَى فِعْلُ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَتَرْكُ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (( فَاصْبِرْ إنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ )) ". الشيخ : عندنا : والأبكار ، وهذا الظاهر جمع بكر ، خطأ . طيب المؤلف يقول : " فَالتَّقْوَى فِعْلُ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَتَرْكُ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ " وجه ذلك .؟ أن التقوى مأخوذة من الوقاية ، وهي أن يتخذ الإنسان وقاية من عذاب الله ، ولا يقي من عذاب الله إلا فعل ما أمر الله وترك ما نهى .
الشيخ : طيب الآن أقسام الفناء كم صارت .؟ الطالب : ثلاثة . الشيخ : أقسام الفناء ثلاثة : الفناء الديني الشرعي ، وهو الفناء بطاعة الله عن معصيته . والثاني : الفناء القدري ، يعني أن يفنى بالمشهود عن الشهادة ، وبالمذكور عن الذكر . والثالث : الفناء عن وجود السِّوى ، عن وجود الغير ، بأن يفنى عن وجود ما سوى الله سبحانه وتعالى ، ويرى في نفسه أن الموجود كله شيء واحد بالعين ، واحد بالعين ليس بالجنس ، فالرب عندهم هو عين المربوب ، والخالق عين المخلوق ، والعابد عين المعبود وهكذا ، ما يمكن أن يرى شيئا مباينا لله عزّ وجل ، يرى أن الشيء كله واحد بالعين . الطالب : ... . الشيخ : الثاني الفناء في الربوبية ... .
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " فأمره مع الاستغفار بالصبر ; فإن العباد لا بد لهم من الاستغفار أولهم وآخرهم قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : " ( يا أيها الناس ! توبوا إلى ربكم فوالذي نفسي بيده إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة ) وقال : ( إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم مائة مرة ). وكان يقول : ( اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني ; اللهم اغفر لي خطئي وعمدي وهزلي وجدي وكل ذلك عندي ; اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر ) وقد ذكر عن آدم أبي البشر أنه استغفر ربه وتاب إليه فاجتباه ربه فتاب عليه وهداه ; وعن إبليس أبي الجن - لعنه الله - أنه أصر متعلقا بالقدر فلعنه وأقصاه فمن أذنب وتاب وندم فقد أشبه أباه ومن أشبه أباه فما ظلم قال الله تعالى : (( وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما )) .
ولهذا قرن الله سبحانه بين التوحيد والاستغفار في غير آية كما قال تعالى : (( فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات )) وقال تعالى : (( فاستقيموا إليه واستغفروه )) وقال تعالى : (( الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى )) وفي الحديث الذي رواه ابن أبي عاصم وغيره : ( يقول الشيطان أهلكت الناس بالذنوب وأهلكوني بلا إله إلا الله والاستغفار ; فلما رأيت ذلك بثثت فيهم الأهواء فهم يذنبون ولا يتوبون لأنهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ) وقد ذكر سبحانه عن ذي النون أنه نادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين قال تعالى : (( فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين )) قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( دعوة أخي ذي النون ما دعا بها مكروب إلا فرج الله كربه ) . ".
الشيخ :" فَأَمَرَهُ مَعَ الِاسْتِغْفَارِ بِالصَّبْرِ ... ". الطالب : " فَأَمَرَهُ مَعَ الِاسْتِغْفَارِ بِالصَّبْرِ ، فَإِنَّ الْعِبَادَ لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ الِاسْتِغْفَارِ أَوَّلَهُمْ وَآخِرَهُمْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إلَى رَبِّكُمْ فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنِّي لَأَسْتَغْفِر اللَّهَ وَأَتُوبُ إلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةٍ ) وَقَالَ : ( إنَّهُ ليغان عَلَى قَلْبِي وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِر اللَّهَ وَأَتُوبُ إلَيْهِ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ ) ". الشيخ : يغان عليه : معناه يضيق حتى يستغفر ، وهذه من نعمة الله على العباد أن الإنسان إذا لها عن العبادة حس بشيء في نفسه حتى يرجع إلى عبادة الله ، وانظر ما حصل حين سلم الرسول صلى الله عليه وسلم من إحدى صلاتي العشي ، سلم من ركعتين ، فقام إلى خشبة معروضة في المسجد وشبك بين أصابعه ، واتكأ عليها كأنه غضبان ، يعني أنه منقبض النفس محجم مثل الغضبان ، لماذا .؟ لأن عبادته لم تكمل ، وهذا إحساس نفسي لا يشعر به المرء ، لكنه من نعمة الله على العبد إذا حصل له مثل هذا يحصل هذا الانقباض ليعود إلى العبادة ، فالرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أنه يغان على قلبه وهو يستغفر في اليوم مئة مرة . أما الإنسان الذي لا يحس بهذه الأمور ويبقى على ضلاله وعلى معصيته ولا يحس بطاعة ولا بمعصية . الطالب : " وَكَانَ يَقُولُ : ( اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطَئِي وَعَمْدِي وَهَزْلِي وَجِدِّي وَكُلَّ ذَلِكَ عِنْدِي ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْت وَمَا أَخَّرْت وَمَا أَسْرَرْت وَمَا أَعْلَنْت وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ ) .". الشيخ : في هذا الحديث دليل واضح على أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد يخطئ ، وأنه ليس معصوما من الذنوب ، خلافاً لمن قال إنه معصوم من الذنوب ، فالذين يقولون بأنه معصوم من الذنوب قولهم خطا جدا . فالله في القرآن يقول : (( وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ))(( لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ))(( عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ )) والغريب أن الذين يقولون بأنه معصوم يحرفون القرآن تحريفاً بالغاً يقول : (( لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ )) أي : ليغفر لأمتك ، طيب : (( وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ )) ما يقدرون يجيبون عليها ، لأنه ذكر لذنبك وللمؤمنين . لكن الشيء الذي يجب أن نعرفه هو أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقر على خطأ ، وهذا هو الفرق بينه وبين غيره ، غير النبي يمكن يعمل بالخطأ ويمشي ، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يقر لا شرعا ولا قدرا على معصية ، إما أن ينبهه الله عز وجل بالوحي مثل : (( عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين )) وإما أن ييسر له ذلك قدراً فيقلع عنه ، مثل : ( إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله ) . وهل إذا قلنا أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد يخطأ ولكنه معصوم من الإقرار على الخطأ ، هل في ذلك قدح فيه .؟ لا ، بل هذا غاية الكمال ، و كم من إنسان ابتلي بذنب وتاب منه ، وكان بعد التوبة أحسن حالا منه قبلها ، وهذا شيء مشاهد ، لأن النفس إذا عصت وعرفت قدرها ولجأ الإنسان إلى الله عز وجل بالتوبة والاستغفار وكثرة الأعمال الصالحة ، كان في هذا مصلحة عظيمة وكبيرة ، بخلاف الإنسان المستمر على حالة واحدة فإنه قد لا يحصل له ... الطالب : " وَقَدْ ذَكَرَ عَنْ آدَمَ أَبِي الْبَشَرِ أَنَّهُ اسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَتَابَ إلَيْهِ فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَاهُ ، وَعَنْ إبْلِيسَ أَبِي الْجِنِّ أَنَّهُ أَصَرَّ مُتَعَلِّقًا بِالْقَدَرِ " . الشيخ : عندكم : " لَعَنَهُ اللَّهُ " هذا خطأ اشطبوا عليه ، هذه دائما يقول الناس لعنه الله ما يصلح . الطالب : ... . الشيخ : خبر هذا ليس دعاء ، لو قال : عن إبليس أبي الجن اللعين ، لا بأس و أما لعنه الله فهو دعاء بتحصيل حاصل ، وال يرد على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ألعنك بلعنه الله ) لما تخلف عليه الشيطان وهو يصلي ، لأن هذا يقول : ألعنك أنت ، يعني أطردك وأبعدك ، وليس يدعو عليه بأن يلعنه الله ، فالمشهور لنا عندما يذكر إبليس ، المشهور لنا : أعاذنا الله منه ، أو نحو هذا ، وقد ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله تعالى في كتاب زاد المعاد ، وأنه لا ينبغي للإنسان أن يقول لعن الله إبليس أو أخزى الله إبليس أو ما أشبه ذلك ، وأن ذلك مما يزيده كبرا ، يقول هذا ابن آدم يدعو عليّ بهذا الدعاء ، لكن أنت إذا استجرت بالله منه وقلت : أعوذ بالله منه ، فهذا هو المشروع ، المهم أن النسخ الصحيحة ما هي موجودة ، التي عندنا أصح من النسخة التي عندكم . الطالب : " فَلَعَنَهُ وَأَقْصَاهُ ، فَمَنْ أَذْنَبَ وَتَابَ وَنَدِمَ فَقَدْ أَشْبَهَ أَبَاهُ ، وَمَنْ أَشْبَهَ أَبَاهُ فَمَا ظَلَمَ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (( وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا )) وَلِهَذَا قَرَنَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بَيْنَ التَّوْحِيدِ وَالِاسْتِغْفَارِ فِي غَيْرِ آيَةٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى : (( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ )) وَقَالَ تَعَالَى : (( فَاسْتَقِيمُوا إلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ )) وَقَالَ تَعَالَى : (( الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ أَلَّا تَعْبُدُوا إلَّا اللَّهَ إنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى )) وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ وَغَيْرُهُ : ( يَقُولُ الشَّيْطَانُ أَهْلَكْت النَّاسَ بِالذُّنُوبِ وَأَهْلَكُونِي بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَالِاسْتِغْفَارِ ، فَلَمَّا رَأَيْت ذَلِكَ بَثَثْت فِيهِمْ الْأَهْوَاءَ ، فَهُمْ يُذْنِبُونَ وَلَا يَتُوبُونَ ، لِأَنَّهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ) .". الشيخ : ما هو الاستغفار .؟ الاستغفار هو طلب المغفرة ، والمغفرة هي ستر الذنب والتجاوز عنه ، يدل على ذلك : أولاً : الاشتقاق لأنه مشتق من المغفر ، والمغفر يستر الرأس ويقيه ، فالاستغفار هو ستر الذنب والتجاوز عنه ، أن يوقى الإنسان عقوبته ، وليس مجرد الستر كما قيل ، لأن مجرد الستر ليس فيه غفر ، ويدل لذلك أيضاً مع دلالة اللغة التي أشرت إليه قوله تبارك وتعالى في الحديث : أن الله تعالى يخلو بعبده المؤمن ويقرره بذنوبه فيقول : ( عملت كذا يوم كذا وكذا فإذا أقر قال : قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم ) ففرق بين الستر وبين الغفر ، ففي الدنيا ستر وفي الآخرة مغفرة ، يعني أنه لا يؤاخذ عليها ، فأنت إذا قلت : أستغفر الله ، يعني أسأله تعالى أن يستر علي ذنوبي وأن يقيني عذابها ، ليس مجرد الستر أي نعم . الطالب : " وَقَدْ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ عَنْ ذِي النُّونِ أَنَّهُ نَادَى فِي الظُّلُمَاتِ : (( أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ سُبْحَانَك إنِّي كُنْت مِنْ الظَّالِمِينَ )) وقَالَ تَعَالَى : (( فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ )) وقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( دَعْوَةُ أَخِي ذِي النُّونِ مَا دَعَا بِهَا مَكْرُوبٌ إلَّا فَرَّجَ اللَّهُ كَرْبَهُ ) .". الشيخ : ذي النون وش معناه .؟ يعني صاحب الحوت ، فالنون الحوت ، وليس منه قوله تعالى : (( ن والقلم وما يسطرون )) فإن : (( ن )) هذه حرف هجاء ، وليست اسما للحوت كما قيل به ، لأن النون للحوت كيف يكتب ؟ يكتب بحسب لفظه النون ثم الواو ثم النون .
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وجماع ذلك أنه لا بد له في الأمر من أصلين ولا بد له في القدر من أصلين . ففي الأمر عليه الاجتهاد في الامتثال علما وعملا فلا تزال تجتهد في العلم بما أمر الله به والعمل بذلك . ثم عليه أن يستغفر ويتوب من تفريطه في المأمور وتعديه الحدود ولهذا كان من المشروع أن يختم جميع الأعمال بالاستغفار فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثا وقد قال الله تعالى : (( والمستغفرين بالأسحار )) فقاموا بالليل وختموه بالاستغفار , وآخر سورة نزلت قول الله تعالى : (( إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا )) وفي الصحيح أنه كان صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده : ( سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي ) يتأول القرآن . وأما في القدر فعليه أن يستعين بالله في فعل ما أمر به ويتوكل عليه ويدعوه ; ويرغب إليه ويستعيذ به ويكون مفتقرا إليه في طلب الخير وترك الشر وعليه أن يصبر على المقدور ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه ; وإذا آذاه الناس علم أن ذلك مقدر عليه .".
الشيخ :" وَجِمَاعُ ذَلِكَ ... ". الطالب : " وَجِمَاعُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ فِي الْأَمْرِ مَنْ أَصْلَيْنِ وَلَا بُدَّ لَهُ فِي الْقَدَرِ مِنْ أَصْلَيْنِ . فَفِي الْأَمْرِ عَلَيْهِ الِاجْتِهَادُ فِي الِامْتِثَالِ عِلْمًا وَعَمَلًا ، فَلَا يزَالُ يجْتَهِدُ فِي الْعِلْمِ " . الشيخ : عندنا : فلا تزال تجتهد ، والصواب : فلا يزال يجتهد . الطالب : " فَلَا يزَالُ يجْتَهِدُ فِي الْعِلْمِ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَالْعَمَلِ بِذَلِكَ . ثُمَّ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَغْفِرَ وَيَتُوبَ مِنْ تَفْرِيطِهِ فِي الأْوامرِ وَتَعَدِّيهِ الْحُدُودَ " . الشيخ : عندنا : فِي الْمَأْمُورِ ، يصح . الطالب : " وَلِهَذَا كَانَ مِنْ الْمَشْرُوعِ أَنْ يَخْتِمَ جَمِيعَ الْأَعْمَالِ بِالِاسْتِغْفَارِ فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا صلى اسْتَغْفَرَ ثَلَاثًا ". الشيخ : عندنا : إذا انْصَرَفَ مِنْ صِلَاتِهِ ، والمعنى واحد . الطالب : " وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (( وَالْمُسْتَغْفِرِين بِالْأَسْحَارِ )) فَقَامُوا بِاللَّيْلِ وَخَتَمُوهُ بِالِاسْتِغْفَارِ ، وَآخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : (( إذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إنَّهُ كَانَ تَوَّابًا )) وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ : ( سُبْحَانَك اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِك اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ) يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ .". الشيخ : إذا هذان الأصلان في الأمر ، الأصلان في الأمر هما : 1. الاجتهاد في المأمور علماً وعملاً . يجتهد في معرفة الشرع ثم يجتهد في العمل به . 2. وأما الأصل الثاني هو الاستغفار ، لأنه ما من إنسان إلا ويتعدى ، يفرط في الواجب ويتعدى بالحرام ، فعليه الاستغفار عن نقص حصل أو عن تجاوز حصل . حطوا بالكم هذان الأصلان : الاجتهاد في المأمور علما وعملا . والثاني الاستغفار من الخلل والنقص . الطالب : " وَأَمَّا فِي الْقَدَرِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَعِينَ بِاَللَّهِ فِي فِعْلِ مَا أَمَرَ بِهِ وَيَتَوَكَّلَ عَلَيْهِ وَيَدْعُوَهُ ، وَيَرْغَبَ إلَيْهِ وَيَسْتَعِيذَ بِهِ ، وَيَكُونَ مُفْتَقِرًا إلَيْهِ فِي طَلَبِ الْخَيْرِ وَتَرْكِ الشَّرِّ ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَصْبِرَ عَلَى الْمَقْدُورِ وَيَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ " . الشيخ : ... " لِيُصِيبَهُ " من يعرف إعرابها .؟ الطالب : فعل مضارع منصوب بأن المضمرة بعد اللام . الشيخ : يسمونها لام الجحود . لأن لام الجحود يتقدمها كون منفي ماض أو مضارع ، (( لم يكن الله ليغفر لهم ))( لم يكن ليخطئك )(( وما كان الله ليعذبهم )) . الطالب : " وَإِذَا آذَاهُ النَّاسُ عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ مُقَدَّرٌ عَلَيْهِ ". الشيخ : إذا فالمقدور أصلان : ما هما .؟ أن يستعين بالله على فعل المأمور وترك المحظور ، لأن الله إذا لم يعنه ما استطاع ذلك ، ولهذا جمع الله بين الاستعانة والعبادة في قوله تعالى : (( إياك نعبد وإياك نستعين ))(( إياك نعبد )) وهذا مقصود (( وإياك نستعين )) وهذه وسيلة ، لا يمكن تحقيق العبادة إلا بمعونة الله . فعلينا أن نستعين بالله ونلجأ إليه على فعل المأمور وترك المحظور وأما الأصل الثاني : فهو الصبر على المقدور ، لأن الله تعالى قد يقدر على الإنسان ما لا يلائمه من فوات المحبوب وحصول المكروه ، فعليه أن يصبر على ذلك ، ومن هذا إيذاء الناس له بالقول أو بالفعل هو من المقدور الذي قدره الله عليه ، وسواء آذوه في ماله أو في دينه أو في بدنه . حتى لو كانت الأذية في الدين ، وهي من الأمور التي يجب أن يصبر عليها ويتحملها أكثر ، قد يؤذى الإنسان في دينه يسخر به إذا ذهب يصلي ، يستهزأ به إذا عفى لحيته ، كذلك أيضا ينكر عليه إذا أمر بفعل المعروف وترك عن المنكر ، كل هذا يجب عليه أن يصبر ، لأنه لابد من هذا ، وإذا أردت أن تعرف قدر هذه المسألة فانظر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ماذا حصل له من الأذى ، حصل له ما لا يصبر عليه إلا أمثاله صلى الله عليه وسلم (( فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ )) . وكذلك أيضا لا تيأس وتقول مثلا : زال أهل الخير وانتهى الخير من الناس ، لا ، لأننا نقول : كم من إنسان صبر وكانت العاقبة له ، ثم إن صاحب الخير الذي يدعو إليه ليس يدعو لنفسه شخصياً ، وإنما يدعو للخير نفسه ، فلنفرض أنك أنت مثلا بليت وحبست وربما تقتل أو تموت لكن الدعوة التي تريدها باقية ، وهذا هو المهم ، ولهذا الذي يدعو إلى الخير ليس يدعو لنفسه في الحقيقة ، بل الذي يدعو لنفسه ينكر عليه ذلك ، الذي يدعو الناس لأجل أن يكون رئيسا فيهم أو قدوة فيهم هذا لا يجوز ، نقص في الإخلاص ، لكن الذي يدعو الناس لدين الله ، ولهذا قال : (( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ )) يقوله لمن .؟ للرسول صلى الله عليه وسلم ، الرسول وهو رسول يقال له : (( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ )) ولم يقل : ادع لنفسك . فالإنسان الذي يتصور أنه بدعوته إلى الله يدعو الناس لنفسه ، هذا ناقص الإخلاص ، والغالب أنه لا يوفق ، وأما الإنسان الذي يريد الحق فهو يدعو إلى الله ، ولا يبالي سواء الناس رأسوه أو جعلوه قدوة أم لا ، المهم أنه يدعو إلى الله ، فإذا شعرت بهذا الشعور فإنك لابد أن تصبر على الأذية ولا تيأس .
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " ومن هذا الباب احتجاج آدم وموسى لما قال : ( يا آدم أنت أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأسجد لك ملائكته ; لماذا أخرجتنا ونفسك من الجنة ؟ فقال له آدم : أنت موسى الذي اصطفاك الله بكلامه فبكم وجدت مكتوبا علي من قبل أن أخلق : (( وعصى آدم ربه فغوى )) .؟ قال : بكذا وكذا فحج آدم موسى . وذلك أن موسى لم يكن عتبه لآدم لأجل الذنب فإن آدم قد كان تاب منه والتائب من الذنب كمن لا ذنب له ; ولكن لأجل المصيبة التي لحقتهم من ذلك . وهم مأمورون أن ينظروا إلى القدر في المصائب وأن يستغفروا من المعائب كما قال تعالى : (( فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك )) .".
الطالب : " ومنْ هَذَا الْبَابِ احْتِجَاجُ آدَمَ وَمُوسَى لَمَّا قَالَ موسى : يَا آدَمَ أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ خَلَقَك اللَّهُ بِيَدِهِ ، وَنَفَخَ فِيك مِنْ رُوحِهِ وَأَسْجَدَ لَك مَلَائِكَتَهُ ، لِمَاذَا أَخْرَجْتنَا وَنَفْسَك مِنْ الْجَنَّةِ ؟ فَقَالَ لَهُ آدَمَ : أَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاك اللَّهُ بِكَلَامِهِ فَبِكَمْ وَجَدْتَ مَكْتُوبًا عَلَيَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ أُخْلَقَ : (( وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى )) .؟ " الشيخ : يعني هذا مكتوب عليه ، هذه المعصية مكتوبة علي قبل أن أخلق . الطالب : " قَالَ : بِكَذَا وَكَذَا ، فَحَجَّ آدَمَ مُوسَى ، وَذَلِكَ أَنَّ مُوسَى لَمْ يَكُنْ عَتْبُهُ لِآدَمَ لِأَجْلِ الذَّنْبِ ، فَإِنَّ آدَمَ قَدْ كَانَ تَابَ مِنْهُ ، وَالتَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ ، وَلَكِنْ لِأَجْلِ الْمُصِيبَةِ الَّتِي لَحِقَتْهُمْ مِنْ ذَلِكَ . وَهُمْ مَأْمُورُونَ أَنْ يَنْظُرُوا إلَى الْقَدَرِ فِي الْمَصَائِبِ ، وَأَنْ يَسْتَغْفِرُوا مِنْ المعائب كَمَا قَالَ تَعَالَى : (( فَاصْبِرْ إنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ )) .". الشيخ : هذا الحديث كما تعرفون القصة فيه : هو أن آدم وموسى عليه الصلاة والسلام تحاجوا ، فموسى عليه الصلاة والسلام احتج على آدم قال : لماذا أخرجتنا ونفسك من الجنة .؟ ونسب الإخراج إليه لأنه هو سببه ، هو الذي عصى فأخرج بمعصيته من الجنة ، طيب لكن آدم قال له : غن هذا أمراً قد كتبه الله علي ، أتلومني على أمر قد كتبه الله عليّ قبل أن أخلق ؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( فحج آدم موسى ) بمعنى غلبه في الحجة . هذا الحديث اختلف فيه الناس ، فالمعتزلة أنكروه وكذبوه مع أنه ثابت في الصحيحين ، لكن طريقة المعتزلة أنه إذا جاءت الأحاديث على خلاف رأيهم لا يبالون أن يطعنوا بها وينكروها ويكذبوها ويقولون أن الرواة كلهم كذابون لا يبالون به . ومنهم من قبل هذا الحديث واحتج به على الجبر وهؤلاء الجبرية . شف الآن طائفتان : طائفة أنكرت الحديث وهم القدرية المعتزلة ، وطائفة قبلت الحديث واحتجت به على باطلها وهو الجبر . وأهل السنة والجماعة قبلوا الحديث ولم يحتجوا به على الجبر ، قالوا : لأن موسى عليه الصلاة والسلام ما أراد أن يحتج على آدم بفعل المعصية ، وآدم ما أراد أن يبرر المعصية بأنها كتبت عليه ، ولكن موسى احتج على آدم قال : لماذا أخرجتنا ، ولم يقل : لماذا عصيت ، والإخراج من الجنة مصيبة ، فهو عاتبه على المصيبة التي هو سببها لا على ذنبه ، لأن ذنبه تاب منه ، ومن تاب من الذنب كمن لا ذنب له ، وموسى عليه الصلاة والسلام لا يمكن أن يجهل أن آدم ليس عليه لوم بعد أن تاب ، ولهذا قال : (( ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى )) . خليكم معنا ، لأن هذا الحديث من المشكلات في الواقع ، لأنه إذا صححناه قد نذهب إلى القول بالجبر ، ولكننا عندما نسلك ما سلكه شيخ الإسلام ابن تيمية ، نقول : هنا لا جبر ، وموسى إنما احتج على آدم لا بالمعصية ولكن بالمصيبة ، كأنه يقول : كيف أخرجتنا كيف فعلت هذه المعصية التي أخرجتنا من الجنة ، لا التي كانت ذنبا لك ، فآدم عليه الصلاة والسلام قال : هذا أمر قد كتب ، الإخراج قد كتب قبل أن أخلق ، ولكن السبب مني ، والإخراج مكتوب من قبل وأنا سببه وسببه قد تبت منه فلا لوم عليّ فيه . فيكون هنا من باب الاحتجاج بالقدر على المصائب أو على المعائب .؟ على المصائب ، ولهذا يقول المؤلف رحمه الله : " وهم مأمورون أن ينظروا إلى القدر في المصائب " وليس هنا احتجاجاً بالقدر على العايب ، وهذا ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية . وذهب تلميذه ابن القيم إلى مسلك آخر وقال : إن الحديث إذا حملناه على أنه احتجاج من موسى على آدم للإخراج فقط ، فإن في هذا تعسفاً ، ثم قد يكون مردوداً فيقال : الإخراج ما سببه .؟ المعصية ، فيكون الاحتجاج على الإخراج احتجاجاً على سبب الإخراج ، لأنه لولا السبب ما حصل الإخراج ، ولكن يقول ابن القيم : نذهب إلى القول بأن الاحتجاج بالقدر على المعاصي بعد الفعل هذا لا بأس به ، لأنه حقيقة ، ولكن ليس حجة للمرء على الاستمرار ، يحتج به أي بالقدر على المصيبة بعد فعلها مع أنه يجب أن يتوب ، وأيّد رأيه بأن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء إلى علي بن أبي طالب وفاطمة وهما نائمان لم يقوما في الليل ، فقال : ( ما منعكما أن تقوما ) أو كما قال صلى الله عليه وسلم ، فقال عليّ : يا رسول الله إن أنفسنا بيد الله لو شاء أن نقوم لقمنا ، فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضرب على فخذه ويقول : ( وكان الإنسان أكثر شيء جدلا ). فهنا احتج عليّ بالقدر لكن بعد وقوع الأمر ، مع أن الرسول عليه الصلاة والسلام في حقيقة قد نقول إنه لم يقرّه ، لأنه جعل هذا من باب الجدل ، بدليل قوله : (( وكان الإنسان أكثر شيء جدلا )). ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليه هذا الجدل بل جعله جدلا ولكنه لم ينكره . فالمهم يا جماعة أن ما ذهب إليه ابن القيم جيد ، فصارت الآن المسالك في هذا الحديث للناس أربعة ، ويجب أن نعرفها يجب أ، نعرف مسالك الناس في هذا الحديث : قوم قبلوه واحتجوا به على القدر أي على الجبر . وقسم آخر أنكروه وقالوا هذا لا يصح ، لأنه يخالف مذهبهم وهم القدرية . وآخرون قبلوه وجعلوه من باب الاحتجاج بالقدر على المصائب لا على المعايب ، وهذا مسلك شيخ الإسلام ابن تيمية . وآخرون قبلوه وقالوا إنه من باب الاحتجاج بالقدر على المعايب بعد أن تفلت من الإنسان وأن تقع منه ، وهو حينئذ له أن يحتج بأن هذا أمر قد كتب عليه ، ولكني أستغفر الله وأتوب إليه ، ويرجع إلى الله ، ففرق بين الذي يحتج بالقدر على معصيته ويستمر ، والذي يحتج بالقدر على معصية زالت منه مع استعتابه منها . أظن بينهما فرق ، واحد مثلا قيل له : ليش فاتتك صلاة الفجر .؟ قال : والله هذا القضاء والقدر ولكني أستغفر الله ولن أعود ، ماذا نقول له ، نقول : هذا صحيح إذا كان فعل الأسباب التي تنبهه ، ولكنه فاته بغير اختياره ، لكن رجل يقول : والله هذا قدر وقدر ، ويجي الظهر ما صلى ، ليش قال : القدر ، العصر ما صلى ، قضى وقدر وامشي ، يصلح هذا .؟ هذا ما يصلح ، لأنه الآن تبين أن الرجل مبطل يريد أن يجعل القضاء والقدر حجة له على معاصي الله . الطالب : ... القدرية .؟ الشيخ : القدرية يرون أن فعل العبد لا تعلق لله به ، وهنا آدم احتج بقدر الله على فعله . الطالب : ... . الشيخ : أنا أميل إلى رأي ابن القيم ، لأن تصور ما قاله شيخ الإسلام بالنسبة للحديث فيه صعوبة ، قد يكون تمحلا ، مثل ما قلت لكم أنه إذا كان سبب الإخراج هو فعل آدم ، ففاعل السبب فاعل للمسبب أي نعم .
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " فمن راعى الأمر والقدر كما ذكر : كان عابدا لله مطيعا له مستعينا به متوكلا عليه من الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ; وحسن أولئك رفيقا وقد جمع الله سبحانه بين هذين الأصلين في مواضع كقوله : (( إياك نعبد وإياك نستعين )) وقوله : (( فاعبده وتوكل عليه )) وقوله : (( عليه توكلت وإليه أنيب )) وقوله : (( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا )) فالعبادة لله والاستعانة به . وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول عند الأضحية : ( اللهم منك ولك ) فما لم يكن بالله لا يكون ; فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله وما لم يكن بالله فلا ينفع ولا يدوم . ولا بد في عبادته من أصلين . :
أحدهما : إخلاص الدين له . والثاني : موافقة أمره الذي بعث به رسله ; ولهذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول في دعائه : اللهم اجعل عملي كله صالحا واجعله لوجهك خالصا ولا تجعل لأحد فيه شيئا ; وقال الفضيل بن عياض في قوله تعالى : (( ليبلوكم أيكم أحسن عملا )) قال : أخلصه وأصوبه قالوا يا أبا علي : ما أخلصه وأصوبه ؟ قال : إذا كان العمل خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا صوابا ; والخالص أن يكون لله والصواب أن يكون على السنة . ولهذا ذم الله المشركين في القرآن على اتباع ما شرع لهم شركاؤهم من الدين ما لم يأذن به الله من عبادة غيره وفعل ما لم يشرعه من الدين كما قال تعالى : (( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله )) كما ذمهم على أنهم حرموا ما لم يحرمه الله . والدين الحق أنه لا حرام إلا ما حرمه الله ولا دين إلا ما شرعه الله .".
الطالب : " فَمَنْ رَاعَى الْأَمْرَ وَالْقَدَرَ كَمَا ذكرَ كَانَ عَابِدًا لِلَّهِ مُطِيعًا لَهُ مُسْتَعِينًا بِهِ مُتَوَكِّلًا عَلَيْهِ مِنْ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ، وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ، وَقَدْ جَمَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بَيْنَ هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ فِي مَوَاضِعَ كَقَوْلِهِ : (( إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ )) وَقَوْلِهِ : (( فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ )) وَقَوْلِهِ : (( عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ )) وَقَوْلِهِ : (( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا )) . " . الشيخ : أما : (( فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ )) فواضح ، و (( إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ )) واضح فيها الأصلين . (( عليه توكلت وإليه أنيب )) فيها الأصلين : التوكل يعود للقدر ، والإنابة عبادة تعود للأمر . لكن : (( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ... )) فيها أيضاً الأمرين : من يتق الله هذا الأمر ، تعظيم الأمر والشرع . ومن يتوكل : القدر . الطالب : " فَالْعِبَادَةُ لِلَّهِ وَالِاسْتِعَانَةُ بِهِ ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عِنْدَ الْأُضْحِيَّةِ : ( اللَّهُمَّ مِنْك وَلَك ) فَمَا لَمْ يَكُنْ بِاَللَّهِ لَا يَكُونُ ، فَإِنَّهُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ ، وَمَا لَمْ يَكُنْ للَّهِ فَلَا يَنْفَعُ وَلَا يَدُومُ ". الشيخ : صحيح ، الحقيقة العبارة جيدة : " ما لم يكن بالله لا يكون " لأن الله إذا لم يرد شيئاً لم يكن " وما لم يكن لله فلا ينفع ولا يدوم " يعني حتى لو نفعت ما يدوم ، الذي ليس لله لا ينفع ، فلا بد من أن يكون الشيء بالله ولله ، ونحن نزيد أيضاً شيئاً ثالثاً : في الله . لا بد أن يكون الشيء لله وبالله وفي الله . لله هذا الإخلاص ، بالله الاستعانة ، وفي الله المتابعة ، في الله يعني في شريعته ، ففي للظرفية ، فهذه الحروف الثلاثة هي في الحقيقة مبنى العبادة . أن تكون لله وبالله وفي الله . ولهذا نقول : قوموا لله بالله في الله . فالأول الإخلاص والثاني الاستعانة والثالث الاتباع . الطالب : " وَلَا بُدَّ فِي عِبَادَتِهِ مِنْ أَصْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا إخْلَاصُ الدِّينِ لَهُ . وَالثَّانِي مُوَافَقَةُ أَمْرِهِ الَّذِي بَعَثَ بِهِ رُسُلَهُ ، وَلِهَذَا كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ : اللَّهُمَّ اجْعَلْ عَمَلِي كُلَّهُ صَالِحًا وَاجْعَلْهُ لِوَجْهِك خَالِصًا وَلَا تَجْعَلْ لِأَحَدِ فِيهِ شَيْئًا ، وَقَالَ الفضيل بْنُ عِيَاضٍ فِي قَوْله تَعَالَى : (( لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا )) قَالَ : أَخْلَصُهُ وَأَصْوَبُهُ ، قَالُوا يَا أَبَا عَلِيٍّ : مَا أَخْلَصُهُ وَأَصْوَبُهُ ؟ قَالَ : إذَا كَانَ الْعَمَلُ خَالِصًا وَلَمْ يَكُنْ صَوَابًا لَمْ يُقْبَلْ ، وَإِذَا كَانَ صَوَابًا وَلَمْ يَكُنْ خَالِصًا لَمْ يُقْبَلْ حَتَّى يَكُونَ خَالِصًا صَوَابًا ، وَالْخَالِصُ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ ، وَالصَّوَابُ أَنْ يَكُونَ عَلَى السُّنَّةِ ". الشيخ : صحيح ، إذا العبادة لابد فيها من أصلين: الإخلاص . والمتابعة موافقة الأمر ، لماذا .؟ لأن العبادة مبنية على الحب والتعظيم ، وهذا مر عليكم فبالحب يكون الإخلاص ، وبالتعظيم تكون الموافقة ، فلهذا نقول كل عبادة لابد فيها من هذين الأصلين : الإخلاص لله الذي منشأه المحبة ، لأنك إذا أحببت شيئاً أخلصت له ، والثاني : المتابعة التي منشأها التعظيم لله ، لأن من عظم الله لا يمكن أن يخرج عن شريعته ، فإذا خرج عن شريعته فليس عنده تعظيم ، نقص من تعظيمه لله سبحانه وتعالى بمقدار ما خرج من شريعته . الطالب : " وَلِهَذَا ذَمَّ اللَّهُ الْمُشْرِكِينَ فِي الْقُرْآنِ عَلَى اتِّبَاعِ مَا شَرَعَ لَهُمْ شُرَكَاؤُهُمْ مِنْ الدِّينِ الذي لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ " الطالب : " مِنْ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ " . الشيخ : لا ، الذي لَمْ يَأْذَنْ ، أحسن : " مِنْ الدِّينِ الذي لَمْ يَأْذَنْ ". الطالب : الآية ... . الشيخ : أي لكن شرعوا لهم من الدين ، ليس هذا بشرع ، على اتباع ما شرعه لهم شركاؤهم من الدين الذي لم يأذن به الله . الطالب : ... . الشيخ : تقول ما اسم موصول .؟ هي اسم موصول لكن ما تصح أن تكون صفة . الطالب : " لَمْ يَأْذَنْ به الله مِنْ عِبَادَةِ غَيْرِهِ ، وعبادته بمَا لَمْ يَشْرَعْهُ مِنْ الدِّينِ " . الشيخ : لا اصبر " مِنْ عِبَادَةِ غَيْرِهِ ، وَفِعْلِ مَا لَمْ يَشْرَعْهُ " وش عندك .؟ الطالب : " مِنْ عِبَادَةِ غَيْرِهِ ، وعبادته بمَا لَمْ يَشْرَعْهُ مِنْ الدِّينِ " . الشيخ : حطوها : " وعبادته بمَا لَمْ يَشْرَعْهُ مِنْ الدِّينِ " ... . الطالب : " وعبادته بمَا لَمْ يَشْرَعْهُ مِنْ الدِّينِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : (( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ )) كَمَا ذَمَّهُمْ عَلَى أَنَّهُمْ حَرَّمُوا مَا لَمْ يُحَرِّمْهُ اللَّهُ . وَالدِّينُ الْحَقُّ أَنَّهُ لَا حَرَامَ إلَّا مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَلَا دِينَ إلَّا مَا شَرَعَهُ .".
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " ثم إن الناس في عبادته واستعانته على أربعة أقسام : فالمؤمنون المتقون هم له وبه يعبدونه ويستعينونه . وطائفة تعبده من غير استعانة ولا صبر فتجد عند أحدهم تحريا للطاعة والورع ولزوم السنة ; لكن ليس لهم توكل واستعانة وصبر ; بل فيهم عجز وجزع . وطائفة فيهم استعانة وتوكل وصبر من غير استقامة على الأمر ولا متابعة للسنة فقد يمكن أحدهم ويكون له نوع من الحال باطنا وظاهرا ويعطى من المكاشفات والتأثيرات ما لم يعطه الصنف الأول ولكن لا عاقبة له فإنه ليس من المتقين والعاقبة للتقوى ; فالأولون لهم دين ضعيف ولكنه مستمر باق ; إن لم يفسده صاحبه بالجزع والعجز ; وهؤلاء لأحدهم حال وقوة ولكن لا يبقى له إلا ما وافق فيه الأمر واتبع فيه السنة وشر الأقسام من لا يعبده ولا يستعينه ; فهو لا يشهد أن علمه لله ولا أنه بالله فالمعتزلة ونحوهم - من القدرية الذين أنكروا القدر - هم في تعظيم الأمر والنهي والوعد والوعيد خير من هؤلاء الجبرية القدرية الذين يعرضون عن الشرع والأمر والنهي والصوفية هم في القدر ومشاهدة توحيد الربوبية : خير من المعتزلة ولكن فيهم من فيه نوع بدع مع إعراض عن بعض الأمر والنهي . والوعد والوعيد حتى يجعلوا الغاية هي مشاهدة توحيد الربوبية والفناء في ذلك ويصيرون أيضا معتزلين لجماعة المسلمين وسنتهم فهم معتزلة من هذا الوجه وقد يكون ما وقعوا فيه من البدعة شرا من بدعة أولئك المعتزلة وكلتا الطائفتين نشأت من البصرة .".
الطالب : " ... فَتَجِدُ عِنْدَ أَحَدِهِمْ تَحَرِّيًا لِلطَّاعَةِ وَالْوَرَعِ وَلُزُومِ السُّنَّةِ ، ولَكِنْ لَيْسَ لَهُمْ تَوَكُّلٌ وَاسْتِعَانَةٌ وَلا صَبْرٌ ، بَلْ فِيهِمْ عَجْزٌ وَجَزَعٌ . وَطَائِفَةٌ فِيهِمْ اسْتِعَانَةٌ وَتَوَكُّلٌ وَصَبْرٌ مِنْ غَيْرِ اسْتِقَامَةٍ عَلَى الْأَمْرِ وَلَا مُتَابَعَةٍ لِلسُّنَّةِ ، فَقَدْ يُمَكَّنُ أَحَدُهُمْ وَيَكُونُ لَهُ نَوْعٌ مِنْ الْحَالِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا ، وَيُعْطَى مِنْ الْمُكَاشَفَاتِ وَالتَّأْثِيرَاتِ مَا لَمْ يُعْطَهُ الصِّنْفُ الْأَوَّلُ ، وَلَكِنْ لَا عَاقِبَةَ لَهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمُتَّقِينَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ، فَالْأَوَّلُونَ لَهُمْ دِينٌ ضَعِيفٌ وَلَكِنَّهُ مُسْتَمِرٌّ بَاقٍ ، إنْ لَمْ يُفْسِدْهُ صَاحِبُهُ بِالْجَزَعِ وَالْعَجْزِ ، وَهَؤُلَاءِ لِأَحَدِهِمْ حَالٌ وَقُوَّةٌ وَلَكِنْ لَم يَبْقَ لَهُ " . الشيخ : لا يبقى له . عند لم .؟ طيب ما يخالف . الطالب : " وَلَكِنْ لَم يَبْقَى لَهُ إلَّا مَا وَافَقَ فِيهِ الْأَمْرَ وَاتَّبَعَ فِيهِ السُّنَّةَ ". الشيخ : إذا المؤلف فرق بين الثاني والثالث ، لأن الأول عاقبته أحسن من الثاني ، لأن الأول عنده عبادة وتقوى لكن عنده جزع وعجز ، والثاني أحسن حالاً وليس أحسن عاقبة ، والذي أحسن حالاً الذي عنده استعانة وصبر تجد عنده من الجلد والاعتماد على الله ما ليس عند الأول ، لكن عنده ضعف في دينه ، وقلة فعل للأوامر وعدم اجتناب النواهي ، ولهذا تكون عاقبته أقل من عاقبة الأول ، فإذا الفرق بينهما من حيث العاقبة والحاضر ، أيهما أحسن حالا ؟ الثاني الذي عنده استعانة وصبر ، لكن الأول أحسن عاقبة . الطالب : ... . الشيخ : أي نعم ، لأن هذا عنده عبادة وهذا ما عنده عبادة ، لكن هذا لصبره وقوته وجلده يكون في الحال وممارسة الأمور أحسن من الأول . فالفرق بينهما من حيث الحال والمآل ، الأول أحسن مآلا وهذا أحسن حالا . يعني مثلاً إنسان في الصنف الثالث على تقدير المؤلف عنده مثلا إقدام وقوة في الحرب وغيره وفي الدفاع لكن ليس عنده العبادة التامة . فهو من حيث الحال أحسن من الأول ، لأن الأول عاجز ضعيف لكن عنده قوة في الطاعة . الطالب : " وَشَرُّ الْأَقْسَامِ مَنْ لَا يَعْبُدُهُ وَلَا يَسْتَعِينُهُ ، فَهُوَ لَا يَشْهَدُ أَنَّ عِلْمَهُ لِلَّهِ وَلَا أَنَّهُ بِاَللَّهِ ، فَالْمُعْتَزِلَةُ وَنَحْوُهُمْ - مِنْ الْقَدَرِيَّةِ والَّذِينَ " . الشيخ : ... الذين ، اشطب على الواو . الطالب : " الذين أَنْكَرُوا الْقَدَرَ - هُمْ فِي تَعْظِيمِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ خَيْرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ الْجَبْرِيَّةِ الْقَدَرِيَّةِ الَّذِينَ يُعْرِضُونَ عَنْ الشَّرْعِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ ، وَالصُّوفِيَّةُ هُمْ فِي الْقَدَرِ وَمُشَاهَدَةِ تَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ خَيْرٌ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ ، وَلَكِنْ فِيهِمْ مَنْ فِيهِ نَوْعُ بِدَعٍ مَعَ إعْرَاضٍ عَنْ بَعْضِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ حَتَّى يَجْعَلُوا الْغَايَةَ هِيَ مُشَاهَدَةُ تَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ وَالْفَنَاءِ فِي ذَلِكَ ، وَيَصِيرُونَ أَيْضًا مُعْتَزِلِينَ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَسُنَّتِهِمْ ، فَهُمْ مُعْتَزِلَةٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ، وَقَدْ يَكُونُ مَا وَقَعُوا فِيهِ مِنْ الْبِدْعَةِ شَرًّا مِنْ بِدْعَةِ أُولَئِكَ الْمُعْتَزِلَةِ وَكِلْتَا الطَّائِفَتَيْنِ نَشَأَتْ مِنْ الْبَصْرَةِ ". الشيخ : طيب المعتزلة هم في تعظيم الأمر والنهي والوعد والوعيد خير من الجبرية ، وش وجه ذلك أنهم خير من الجبرية .؟ نريد وجه ذلك .؟ الطالب : ... . الشيخ : طيب المعتزلة القدرية يرون أن الإنسان يفعل باختياره ، وإذا كان يفعل باختياره فإنه يلحقه اللوم إذا فعل ما لا ينبغي ، ويدرك الثواب إذا فعل ما ينبغي ، والإنسان الذي يشعر بأن الثواب والعقاب على حسب فعله لابد أن يكون قائماً بالأوامر تاركاً للنواهي ، فهو معظم لها لأنه يعرف أنه ملام على المعصية ، ومثاب على الطاعة ، وأما الجبرية فيقولون إن الإنسان مجبر على عمله فلا يلام على مكروه ولا يحمد على محبوب ، فعلى هذا إذا شعر الإنسان أنه لا لوم عليه بالمعصية ، وأنه لا مدح له بالطاعة ، فإنه لا يعظم الأمر والنهي لأنه لا يهمه ، يقول : أنا العاصي والمطيع سواء ، كل منهما لا اختيار له في مراده وفعله ، فلا يستحق هذا اللوم ولا هذا المدح ، فلهذا لا يعظمون الأمر والنهي لأنهم يرون أن الإنسان مجبور على عمله . طيب عندنا الصوفية يقول : " هم في القدر خير من المعتزلة ، لكن فيه من فيه نوع بدع ... " إلى آخره ، لأن هؤلاء المعتزلة يرون أن الإنسان مستقل في عمله فلا يستعينون بالله ، الذي يرى أن الإنسان مستقل بعمله ليس لله فيه تعلق ، طبعا لا يستعين بالله ولا يتوكل عليه ، لأنه يرى نفسه مستغن عن ربه ، لكن الصوفية لا يرون ربهم كذلك ، يرون أن الإنسان محتاج إلى ربه تبارك وتعالى إلا أنهم يخطئون في المبالغة في مشاهدة الربوبية ، وقد سبق أن الواحد منهم يفنى بمشهوده عن شهوده وبمعبوده عن عبادته ... إلى آخره . الطالب : القسم الرابع ما ذكر ... . الشيخ : لا ، ليس قصده التمثيل لكل قسم ، لأن القسم الرابع وهم أهل السنة والجماعة الذين يعبدوه الله تعالى ويستعينونه . الطالب : القدرية ... . الشيخ : لا القدرية يراد بهم المعتزلة فقط ، بين القدرية في الأخير الغالون في القدر ، والقدرية بالأول الذي هو الإطلاق عليهم هم النافون للقدر ، لأن القدرية يطلق على النافي للقدر وهو الأصل ، إذا قال القدرية يعني الذين ينفون القدر بالنسبة لفعل العبد ، ويطلق على القدرية المثبتة للقدر لكنه لا يقال إلا مقيدة ، ولهذا شف قال : الجبرية القدرية ، لو قال خير من هؤلاء القدرية ما صح .
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وإنما دين الله ما بعث به رسله وأنزل به كتبه وهو الصراط المستقيم وهو طريقة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خير القرون وأفضل الأمة وأكرم الخلق على الله تعالى بعد النبيين , قال تعالى : (( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه )) فرضي عن السابقين الأولين رضا مطلقا ورضي عن التابعين لهم بإحسان وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة : ( خير القرون القرن الذي بعثت فيهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) وكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول : من كان منكم مستنا فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة ; أولئك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبر هذه الأمة قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا ; قوم اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم وإقامة دينه فاعرفوا لهم حقهم وتمسكوا بهديهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم وقال حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما : يا معشر القراء ! استقيموا وخذوا طريق من كان قبلكم فوالله لئن اتبعتموهم لقد سبقتم سبقا بعيدا ولئن أخذتم يمينا وشمالا لقد ضللتم ضلالا بعيدا وقد قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : ( خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا وخط حوله خطوطا عن يمينه وشماله ثم قال : هذا سبيل الله وهذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ثم قرأ : (( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله )) . ). وقد أمرنا سبحانه أن نقول في صلاتنا (( اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين )) وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضالون ) ; وذلك أن اليهود عرفوا الحق ولم يتبعوه والنصارى عبدوا الله بغير علم . ولهذا كان يقال : تعوذوا بالله من فتنة العالم الفاجر والعابد الجاهل فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون ; " .
الطالب : " وَإِنَّمَا دِينُ اللَّهِ مَا بَعَثَ بِهِ رُسُلَهُ وَأَنْزَلَ بِهِ كُتُبَهُ وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ وَهُوَ طَرِيقَةُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرِ الْقُرُونِ وَأَفْضَلِ الْأُمَّةِ ، وَأَكْرَمِ الْخَلْقِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ النَّبِيِّينَ قَالَ تَعَالَى : (( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ )) " . الشيخ : أنت قلت : قال الله تعالى ، ثم قلت : قال تعالى . هذه لا بأس ، لأن الواحد إذا قال : قال الله تعالى ، ثم قال : قال تعالى . والمعنى واحد ، يمكن قال الله تعالى أحسن من قال تعالى . الطالب : " قَالَ الله تَعَالَى : (( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ )) فَرَضِيَ عَنْ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ رِضًا مُطْلَقًا وَرَضِيَ عَنْ التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ " . الشيخ : نعم لأن التابعين للأولين قد يكونون تبعوا بإحسان وقد يكونوا تبعوا بغير إحسان ، وهذا دليل على أن مذهب السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار مذهب صحيح ، ما فيه تقسيم إلى إحسان وعدم إحسان ، لكن المذاهب الأخيرة التي بعدهم هي التي فيها إحسان وغير إحسان ، وبه نعرف صحة قول من يقول : إن عمل الصحابة حجة ولو بعد الرسول صلى الله عليه وسلم ، لأنهم من المهاجرين والأنصار . الطالب : " وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ : ( خَيْرُ الْقُرُونِ الْقَرْنُ الَّذِي بُعِثْت فِيهِمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ) وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ : " مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُسْتَنًّا فَلْيَسْتَنَّ بِمَنْ قَدْ مَاتَ فَإِنَّ الْحَيَّ لَا تُؤْمَنُ عَلَيْهِ الْفِتْنَةُ ، أُولَئِكَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَرُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ قُلُوبًا وَأَعْمَقُهَا عِلْمًا وَأَقَلُّهَا تَكَلُّفًا ، قَوْمٌ اخْتَارَهُمْ اللَّهُ لِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِقَامَةِ دِينِهِ" " . الشيخ : طبعا هو يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : " من كان مستناً فليستن بمن قد مات " هل هذا ينطبق على كل عصر .؟ الطالب : لا . الشيخ : لأنه لو كان ينطبق على كل عصر لقلنا الذين جاءوا بعد عبد الله بن مسعود أيضاً أهل لأن يقتدى بهم ، لكن مراد ابن مسعود في العصر الذي هو يتكلم فيه ، والذين ماتوا في عهده ... المهم كلام ابن مسعود يريد بذلك من ماتوا في عهده من الصحابة لأنهم ماتوا قبل الفتنة ، لكن يقول : الحي لا تؤمن عليه الفتنة ، صحيح فكم من إنسان يكون في أول أمره مستقيماً ثم في آخر الأمر يفتتن ، فإذا قلدته أنت واتبعته واتخذته إماماً في حال استقامته ربما ينحرف وأنت لا تشعر لأنك وثقت فيه ، وحينئذ تهلك معه والحي لا تؤمن عليه الفتنة ؟ . الطالب : ... جواز التقليد .؟ الشيخ : معلوم ، لكن الصحابة رضي الله تعالى عنهم يجوز تقليدهم ، الإمام أحمد رحمه الله يرى أن قول الصحابي حجة إذا لم يخالف ، هو يعني بذلك الصحابة ، لأنك تعرف ابن مسعود متى مات .؟ مبكر ، ولكن غير الصحابة ما نرى جواز التقليد إلا للضرورة . الطالب : " فَاعْرِفُوا لَهُمْ حَقَّهُمْ وَتَمَسَّكُوا بِهَدْيِهِمْ فَإِنَّهُمْ كَانُوا عَلَى الْهُدَى الْمُسْتَقِيمِ ، وَقَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : يَا مَعْشَرَ الْقُرَّاءِ اسْتَقِيمُوا وَخُذُوا طَرِيقَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَوَاَللَّهِ لَئِنْ اتَّبَعْتُمُوهُمْ لَقَدْ سَبَقْتُمْ سَبْقًا بَعِيدًا ، وَلَئِنْ أَخَذْتُمْ يَمِينًا وَشِمَالًا لَقَدْ ضَلَلْتُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا . وَقَدْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : ( خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّا وَخَطَّ حَوْلَهُ خُطُوطًا عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ ثُمَّ قَالَ : هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ وَهَذِهِ سُبُلٌ عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إلَيْهِ ثُمَّ قَرَأَ : (( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ )) .). وَقَدْ أَمَرَنَا سُبْحَانَهُ أَنْ نَقُولَ فِي صِلَاتِنَا : (( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ )) وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْيَهُودُ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِمْ وَالنَّصَارَى ضَالُّونَ )) وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُودَ عَرَفُوا الْحَقَّ وَلَمْ يَتَّبِعُوهُ وَالنَّصَارَى عَبَدُوا اللَّهَ بِغَيْرِ عِلْمٍ . ". الشيخ : قوله عليه الصلاة والسلام : ( اليهود مغضوب عليهم ) ليس هذا معناه أن معنى قوله : (( غير المغضوب عليهم )) يعني اليهود ، وإنما المعنى أن اليهود من المغضوب عليهم ، وكل من عرف الحق وخالفه فهو مغضوب عليه ، وفيه شبه من اليهود . وكل من عبد الله على ضلاله فهو ضال من الضالين ، وفيه شبه من النصارى ، وهذه الأمة ينقسمون إلى ثلاثة أقسام : قسم علم الحق وأتبعه، وهذا من الذين أنعم الله عليهم . وقسم علم الحق وخالفه ، وهذا من المغضوب عليهم . وقسم جهل الحق وعمل بالباطل ، فهذا من الضالين ، فخير هذه الأمة من علم الحق واتبعه نعم . الطالب : " وَلِهَذَا كَانَ يُقَالُ : تَعَوَّذُوا بِاَللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الْعَالِمِ الْفَاجِرِ وَالْعَابِدِ الْجَاهِلِ ، فَإِنَّ فِتْنَتَهُمَا فِتْنَةٌ لِكُلِّ مَفْتُونٍ " . الشيخ : العالم الفاجر والعياذ بالله مضل ، لأنه عالم لا يخفى عليه الحق ، والعابد الجاهل مضل لأنه يعبد الله على جهل ، فيظن من يراه أنه على خير ، وهؤلاء الأئمة أئمة الكفر ، إنما غروا الناس بسبب جهلهم ، يظنون بهم خيرا وهم ليسوا على خير أي نعم .
تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وقال تعالى : (( فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا )) قال ابن عباس رضي الله عنهما : تكفل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة وقرأ هذه الآية وكذلك قوله تعالى : (( الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون )) فأخبر أن هؤلاء مهتدون مفلحون وذلك خلاف المغضوب عليهم والضالين فنسأل الله العظيم أن يهدينا وسائر إخواننا صراطه المستقيم ; صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا وحسبنا الله ونعم الوكيل والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .".
الطالب : " وَقَالَ تَعَالَى : (( فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا )) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : تَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ أَنْ لَا يَضِلَّ فِي الدُّنْيَا وَلَا يَشْقَى فِي الْآخِرَةِ وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ . وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : (( الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )) فَأَخْبَرَ أَنَّ هَؤُلَاءِ مُهْتَدُونَ مُفْلِحُونَ وَذَلِكَ خِلَافُ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَالضَّالِّينَ . فَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ أَنْ يَهْدِيَنَا وَسَائِرَ إخْوَانِنَا صِرَاطَهُ الْمُسْتَقِيمَ ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيَّيْنِ والصديقين وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ، وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا ". الشيخ : طيب أولا : قوله تعالى : (( فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ... )) من يعرب الآية .؟ أنتم الآن في المرحلة الرابعة من الدراسة ، تجاوزتم الابتدائي والمتوسط والثانوي وأنتم الآن في الجامعي . الطالب : ... . الشيخ : إما : أصلها إن ما ، فإن شرطية فهمتم ؟ ، وما زائدة للتوكيد ، يأتين : فعل مضارع مجزوم بإن الشرطية لكنه مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد ، وهدى : فاعل يأتي ، فمن : الفاء رابطة للجواب ، من : اسم شرط جازم ، واتبع فعل الشرط ، وجملة فلا يضل جواب الشرط ، والجملة من فعل الشرط الثاني وجوابه في مجل جزم جواب الشرط الأول . طيب من المراد بالشهداء ؟ في قوله تعالى : (( والشهداء والصالحين )) .؟ قيل المراد بهم العلماء لأنهم يشهدون على شريعة الله ، ويشهدون على عباد الله ، وقيل المراد بالشهداء من قتلوا في سبيل الله ، والصحيح أنها تشمل هذا وهذا ، فإن أهل العلم شهداء ومن قتل في سبيل الله فهو شهيد . وقوله : (( وحسن أولئك رفيقا )) أي رفقاء ، فرفيق هنا يستوى فيه الجمع والمفرد . رفيقا تمييز . طيب عندنا باق أظن القاعدة السابعة ، القاعدة السابعة كما رأيتم في النسخ القديمة ما هي موجودة ، وأنا طلبت من العمادة في الرياض ، يقولون إن فيه واحد محقق الكتاب ، وطلبت أنهم يرسلون لي نسخة ، وقالوا نريد أن نبحث عنها هي موجودة أو لا ، فالظاهر أنها غير موجودة التحقيق هذا ، أو أنهم نسوا ما أدري ، لكنه لم يصلنا إلى الآن شيء ، وليس بإمكاننا الآن دراستها فيما بقي ، ما بقي عندنا إلا ثلاثة حصص ، وغدا أربع حصص ، لا يمكن . الطالب : ... . الشيخ : إذا باقي علينا أربع محاضرات ، غدا والأسبوع الثاني ثلاث محاضرات . والذي بعده ما في دراسة تقولون . الطالب : ... . الشيخ : مع أن الشيخ الله يرحمه الشيخ فالح الذي شرح الكتاب هذا يقول : تأملت القاعدة السابعة فوجدت أنها ما تخرج عن القواعد السابقة ، يعني أن معناها موجود فيما قبلها ، وأني تركتها ، ما شرح عليها هو . الطالب : ... نراجع بعض المواد الصعبة . الشيخ : ... أو نشوف إذا كان عندكم بعض الدروس تحتاجون إليها ، وش عندكم .؟ الطالب : التوحيد والفقه ... . الشيخ : ... .