ما هي نصيحتكم لمن انتمى إلى جماعة ما من الجماعات الإسلامية المعاصرة مع ذكر المخالفة التي تقع فيها جماعة الإخوان والتبليغ ؟
الشيخ : أظن أن الجواب السابق كان يكفي للإجابة عن هذا السؤال لأنه لا يخرج عن الذي قبله، إلا أنني أُذكر كلَّ المسلمين بأنَّ على كل جماعةٍ أن يكون في منهجهم الرجوع إلى الكتاب وإلى السنَّة وفهمهما على ما كان عليه سلفنا الصالح -رضي الله عنهم- في كل أمور الدين، لا فرق بين ما كان عقيدة أو فقهًا أو سلوكًا، وكلُّ جماعة مِن الجماعات الموجودة اليوم في الساحة الإسلامية لا يوجد فيها مَن يُعلن عن دعوته على هذا النهج الذي نُصرِّح به وندعو إليه، وهو الرجوع إلى كتاب الله وإلى سنة رسول الله وعلى منهج السلف الصالح، هذا المنهج الذي أشار إليه ربنا عز وجل في قوله تبارك وتعالى: (( ومن يُشاقِقِ الرسول مِن بعد ما تبين له الهدى ويبتع غير سبيل المؤمنين نولِّه ما تولّى ونُصلِه جهنم وساءت مصيرًا )): لقد ذكر الله تبارك وتعالى في هذه الآية قوله عز وجل: (( ويتبع غيرَ سبيل المؤمنين )) عطف هذه الجملة على قوله: (( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين )) إشارة منه تعالى إلى وجوب الاقتداء به عليه الصلاة والسلام وعدم مخالفته ومشاققته في طريق اتِّباعنا للمؤمنين الأولين، وهم الذين ذكرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث الفِرَق حيث قال عليه السلام في الحديث المشهور في آخره: (( وستفترق أُمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قالوا: مَن هي يا رسول الله؟ قال: هي الجماعة )) الجماعة هي سبيل المؤمنين المذكور في الآية السابقة، وقد جاء تفسير هذه الجماعة في رواية أخرى، فقال عليهِ الصلاة والسلام: (( هي التي على ما أنا عليه وأصحابي )) ولهذا لا ينبغي أن يكتفيَ المسلم بقوله: أنا على الكتاب والسنة ثم يفسر الكتاب والسنة على ما يعِن ويخطر في باله إن لم نقل: على ما يوافق هواه، هذا لا يكونُ متبعًا لسبيل المؤمنين، وإنما يكون متبعًا لهواه، لذلك أكَّد ربُنا عزوجل في الآية السابقة وقال: (( ويتبع غير سبيل المؤمنين ))، فاتِّباع غير سبيل المؤمنين هو دليل الانحراف عن اتّباع الكتاب والسنة، لأن السلف الأول كانوا على الكتاب والسنة بالمفهوم الصحيح، ولما تفرّق المسلمون بعد القرن الأول بخاصة وما تلاه من القرون إنما تفرقوا بسبب أنهم لم يضعوا نَصْب أعينهم الاقتداء بالصحابة الذين قال -عليه الصلاة والسلام- في الحديث السابق أنهم هم الفرقة الناجية، وأكّد ذلك عليه الصلاة والسلام في حديث العِرباض المعروف لدى الجميع -إن شاء الله- وهو قوله -رضي الله عنه-: ( وعظنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم موعظة وَجِلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: أوصنا يا رسول الله، قال: أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن وُلي عليكم عبد حبشي، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين مِن بعدي )، إلى آخر الحديث وهو معروف، فالملاحظ هنا أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يقتصر على قوله: ( فعليكم بسنتي ) بل عطف على ذلك أيضاً فقال: ( وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي )، ما السر في ذلك ؟
السر في ذلك كالسر في قوله: ( ما أنا عليه وأصحابي ) أي: إن هؤلاء الصحابة وفي مقدمتهم الخلفاء الراشدون هم الذين تلقوا الإسلام مبينًا مُفسرًا من فم النبي صلى الله عليه وآله وسلم غضًّا طريًّا ثم طبقوه دون إفراط أو تفريط، دون ميلٍ يمينًا أو يسارًا، لذلك فهم القوم الذين ينبغي أن يُقتدى بهم في فهم الكتاب والسنة وأن يُحتذى بهم في تطبيقهم إياهما، لذلك كان من الواجب في العصر الحاضر ألّا نقتصر على الدعوة إلى العمل بالكتاب والسنة فحسب، لأن كل الفرق التي جاء ذكرها في الحديث المشار إليه آنفاً وهي ثلاث وسبعون فرقة ما فيها فرقة -وبخاصة في العصر الحاضر الآن، حيث انتبه الناس لضرورة الرجوع إلى الكتاب والسنة- فصارت كل طائفة تُعلن أنها أيضًا هي على الكتاب والسنة ولكنها لا تُعلن أنها على منهج الصحابة وعلى منهج السلف الصالح، بل فيهم من قد يقول: أولئك رجال ونحن رجال، ونحن نفهم الكتاب والسنة كما كانوا يفهمون، وبذلك يضربون بتلك النصوص المتقدمة عُرض الحائط ويخرجون عن كونهم من الفرقة الناجية، لأن علامتها أن يمشوا على ما كان عليه الرسول وأصحابه، هذا ما ينبغي أن نفهمه فيما يتعلق بالجماعات القائمة اليوم، مَن وضعت نصب أعينها السير على كتاب الله وعلى حديث رسول الله وعلى منهج السلف الصالح، فهو الذي يُرجى أن يكون على هدىً مِن ربه، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا منهم.
1 - ما هي نصيحتكم لمن انتمى إلى جماعة ما من الجماعات الإسلامية المعاصرة مع ذكر المخالفة التي تقع فيها جماعة الإخوان والتبليغ ؟ أستمع حفظ
ما هو حال أبي صالح باذام عندكم شيخنا ؟
الشيخ : قبل أن نقرأ ما في الكتاب نحن نضعف أبا صالح باذان هذا أو باذان لا اعتمادًا على أنه كان يكذب، لأننا لو اعتمدنا على تكذيب من نقل عنه أنه كذب لكان حديثه بمنتهى السقوط ولم يكن ضعيفًا، ولكن الكاتب حينما يتكلم عن الرجل يذكر كل ما قيل فيه إذا كان ضعيفًا.
أرجوا توضيح ما ورد في رسالة ا* المسح على الخفين * ذكرت جواز المسح على النعلين، وقد خالف في ذلك كثير من أهل العلم ؟
الشيخ : نعم، لقد خالف في ذلك كثير من أهل العلم ووافقَ، فماذا كان ؟
وهل هناك مسألة لم يختلف فيها العلماء إلا مسائل قليلة جدًّا، فالخلاف ينبغي ألا يشكك المسلم فيما قد صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو عن سلفنا الصالح دون أن يكون هناك في الكتاب ولا في السنة ما يخالف ما قد يكون ثبت عن بعض السلف الصالح.
فالمسح على النعلين قد جاء في عديد مِن الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعن غيره من أصحابه، مِن أشهر هذه الأحاديث ما رواه أبو داود في * سننه * عن المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه-: ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يمسح على الجوربين وعلى النعلين ):
وأنا حين أذكر هذا الحديث أذكر أن بعض من يشترطون في الملبوس على القدمين أن يكون ساترًا لمكان المفروض غسله من القدمين وهو إلى الكعبين كما في نص القرآن الكريم، لقد تأولوا حديث المغيرة هذا فقالوا: إن المسح الذي وقع على الجوربين وعلى النعلين كان المقصود به المسح على الجوربين وليس المقصود به المسح على النعلين.
نحن نقول: إن هذا الحديث يمكن تأويله بتآويل كثيرة، ولكننا إذا جمعنا الأحاديث الواردة عن المغيرة بن شعبة فيما يتعلق بالمسح لوجدناها ثلاثة أقسام: أشهرها وأصحها ما جاء في الصحيحين: ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما كان في سفر وتوضأ وكان لابسًا لخفيه، فلما همَّ المغيرة بن شعبة على خلعهما قال: عليه الصلاة والسلام له: دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين )، فهذا نوع من أنواع المسح الذي رواه المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
النوع الثاني: ما ذكرته آنفاً أنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمسح على الجوربين وعلى النعلين ) وهما ملبوسان، كان الرسول عليه السلام يمسح تارة على الخفين وتارة على الجوربين وتارة على النعلين، والمسح على الجوربين كما جاء عن المغيرة جاء عن غيره أيضًا، وأبو داود رواه عن أبي موسى الأشعري وغيره.
كذلك جاء المسح على النعلين لوحدهما دون أن يُذكر المسح على الجوربين معهما، جاء ذلك من رواية صحابي مشهور بأوس بن أوس الثقفي وهو أيضًا في * سنن أبي دواد *.
المسح الرابع والأخير: جاء أيضًا عن المغيرة بن شعبة: ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يمسح على العمامة )، فإن قد ثبت المسح على النعلين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلا يجوز أن نتردد في قبوله لأن كثيرًا أو قليلًا من العلماء لم يذهبوا إلى جواز المسح على النعلين لما ذكرته آنفًا.
وأنا أقول: لو لم يكن عندنا سوى الأثر الذي أخرجه الإمام أبو جعفر الطحاوي في كتابه الشهير بــــــــ * شرح معاني الآثار *، وأبي بكر البيهقي في كتابه المعروف بـــــــ * السنن الكبرى * فقد أخرجا بإسنداهما الصحيح عن علي رضي الله تعالى عنه: " أنه توضأ ومسح على نعليه ثم أتى المسجد فخلعهما وصلى بالناس إمامًا "، هذا علي -رضي الله عنه- أحد الخلفاء الراشدين وأحد العشرة المبشرين بالجنة يفعل ما سمعتم وروده في تلك الأحاديث من المسح على النعلين.
فبعد هذا كلِّه كيف يجوز للمسلم أن يتردد في قَبول هذه الرخصة وما تردُّدُ مثل هذا في قَبول هذه الرخصة إلا كما يترددُ كثيرون في قَبول رخصة المسح على الجوربين وذلك باشتراط شروطٍ لم تأت في السنة فضلًا عن الكتاب، من مثل قولهم: يجب أن يكون ثخينًا، يجب أن يثبت عن الساقين بنفسه، يجب أن يتمكن من السير عليهما، أي: على الجوربين مسافة كذا وكذا، كل هذه ظنون ما جاء شيء منها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا عن السلف الصالح، بل قد روى غير ما واحد مِن أهل الحديث عن الحسن البصري -رحمه الله- أنه قال: " ما كانت جوارب المهاجرين والأنصار إلا مخرقة "، يشير بذلك إلى رد اشتراط ألّا يكون مخرقًا لأنه ينفذ الماء من هذا الخرق، كل هذا تعقيدٌ لرخصة رخصها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بلاشك بوحي من ربه، وتبيينًا لمثل قوله عز وجل: (( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ))، فإذا صح الحديث وتأكد أيضًا بعمل بعض السلف به وبخاصة إذا كان من العشرة المبشرين بالجنة، بل ومن الخفاء الراشدين، فلم يبقَ هناك مجال في التردد لقبول هذه الرخصة، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قوله: ( إنَّ الله تبارك وتعالى يحب أن تُؤتى رخصُهُ كما يحب أن تؤتى عزائمه ) وفي رواية أخرى: ( كما يكره أن تؤتى معاصيه ) فينبغي أن يحافظ المسلم على أن يترخص فيما رخص فيه الشارع، لأن الله عز وجل يحب ذلك من عبده، تبارك وتعالى، هذا جواب السؤال.
3 - أرجوا توضيح ما ورد في رسالة ا* المسح على الخفين * ذكرت جواز المسح على النعلين، وقد خالف في ذلك كثير من أهل العلم ؟ أستمع حفظ
ما هو الجمع بين حديث: ( إن الله يطوي السموات ثم يأخذهن بيمينه، ويطوي الأرضين ثم يأخذهن بشماله ) الذي رواه مسلم من طريق عمر بن حمزة العمري وهو ضعيف، وبين حديث: ( كلتا يدي ربي يمين ) الذي في الصحيحين ؟
الشيخ : صحيح أنَّ عمرً هذا فيه ضعف ولا يحتج به لوحده، ولكن كون رب العالمين متَّصف باليدين يمينًا وشمالًا قد جاء في غير حديث هذا الضعيف، فالتوفيق حينئذٍ بين هذه الصفة يمين وشمال وبين قوله عليه الصلاة والسلام: ( وكلتا يدي ربي يمين ) فسهل جدًّا، بل هذا الحديث الثاني كتبيان وتفسير لقوله تبارك وتعالى: (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) ففي هذه الآية تنزيه وإثبات، قدَّم التنزيه على الإثبات لكي لا يقع المسلم في تشبيه الخالق بالمخلوق، فقدَّم هذه المقدمة من التنزيه فقال: (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ))، فأثبت لذاته -تبارك وتعالى- هاتين الصفتين، وبين أنه لابد من تنزيهه عزوجل عن مشابهته للحوادث كما يقول العلماء، على هذا النمط جاء قوله عليه الصلاة والسلام: ( وكِلتا يدي ربي يمين ) أي: هو يمينه وشماله ليس كما نتصور نحن البشر، فيمينه وشماله منزهٌ عن مشابهته للبشر، وتأكيدًا لهذا التنبيه قال: ( كلتا يدي ربي يمين ) وليس هذا من صفة البشر، فهو إذن تأكيد لمبدأ (( ليس كمثله شيء )) هذا هو الجواب، ولا أقول فيه تعارض بين الأحاديث التي فيها إثبات اليمين والشمال، وبين قوله عليه السلام: ( كلتا يدي ربي يمين )، بل هو عليه الصلاة والسلام في هذه الجملة ينزه ربه عزوجل في صفة اليمين والشمال أن يكون ذلك كما هو معروف لدى البشر، هذا هو الجواب.
4 - ما هو الجمع بين حديث: ( إن الله يطوي السموات ثم يأخذهن بيمينه، ويطوي الأرضين ثم يأخذهن بشماله ) الذي رواه مسلم من طريق عمر بن حمزة العمري وهو ضعيف، وبين حديث: ( كلتا يدي ربي يمين ) الذي في الصحيحين ؟ أستمع حفظ
أرجو من فضيلتكم أن توضحوا لنا ضابط التشبه بالكفار على ضوء حديث: ( من تشبه بقومٍ فهو منهم ) وجزاكم الله خيرًا ؟
الشيخ : إنَّ مِن كمال شريعة الإسلام أنَّ الله تبارك وتعالى شرع على لسان نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أحكامًا يوجب فيها على كل مسلم أن يحافظ على شخصيته المسلمة، أن يحافظ على مظهره الإسلاميّ وألّا يتزيا بزي الكفار، لأن هذا التزيي وهذا التشبه بالكفار يدل على ضعف المشتبِّه مِن جهة، وقوة المتشبَّه به من جهة أخرى، والمسلم عزيزٌ وقويٌ، وكما قال عليه السلام: ( إنَّ المؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كلٍ خير ) فالمؤمن القوي في إيمانه وفي اعتقاده لكمال شريعة ربه لا يمكنه أن يتزيى بزي الكفار، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد نهى عن ذلك أشد النهي، ومِن الأحاديث المشهورة في هذا الصدد ما رواه أبو داود في *سننه* مختصرًا والإمام أحمد في *مسنده* كاملًا، ألا وهو قوله عليه الصلاة والسلام: ( بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ بالسَّيْفِ، حتى يُعبدَ اللهُ وحدَه لا شريك له، وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلّ رُمْحِي، وَجُعِلَ الذلُّ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ ):
( ومن تشبه بقوم فهو منهم ) : هذه الجملة هي التي رواها أبو داود في *سننه* أما الحديث بتمامه فهو في مسند الإمام أحمد كما ذكرنا.
فقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ( مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ ) يوازي أحاديث كثيرة جدًّا فيها حشرُ الرسول عليه السلام لمن أتى عملًا في زمرة مَن ليس مِن المسلمين، كما قال مثلًا في الحديث الذي في *صحيح مسلم*: ( من غشنا فليس منا ).
فقال في الحديث الأول: ( مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ ) أي: ليس منا، فلا يجوز للمسلم إذن أن يتعاطى لباساً يضيع به شخصيته المسلمة.
5 - أرجو من فضيلتكم أن توضحوا لنا ضابط التشبه بالكفار على ضوء حديث: ( من تشبه بقومٍ فهو منهم ) وجزاكم الله خيرًا ؟ أستمع حفظ
أحكام بعض الألبسة كالبنطلون والقبعة التي قد تكون من باب التشبه بالكفار.
البنطلون فيه مصيبة أخرى غير ظاهرة التشبه وهو أنه ضيق يحجم العورة، وتكره الصلاة فيه كراهة تحريمية للضيق الذي يحجم الإليتين أو الفخذين.
فلا تفهموا من كلامي أنني حين قلت: إن ظاهرة التشبه بالبرنيطة أقوى أن لباس البنطلون لا بأس به، لا، هو لا يجوز لسببين اثنين:
أولًا: فيه تشبه بالكفار.
وثانيًا: فيه تحجيم للعورة كما ذكرنا، لكن غرضي أن قوة التشبه بالبرنيطة أقوى مِن البنطلون، قوة التشبه بالبنطلون أقوى من التشبه مثلًا بالجاكيت أو بالقميص القصير أو ما شابه ذلك.
فالمقصود أن التشبه بكل أنواعه وأقسامه ينبغي على المسلم أن يبتعد عنه، ولكن الحكم يختلف ويتردد ما بين التحريم وما بين الكراهة، وهناك بعض الأحاديث الأخرى التي فيها أو في بعضها: ( أن رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسلَّم عليه، فقال له عليه الصلاة والسلام: هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها ):
يمكن أن يكون النهي هنا عن لباس ذلك النوع الذي كان ذلك الصحابي لابسًا له، إما مِن باب النهي عن التشبه وإما من باب مخالفة المشركين، وهنا فرق مهمٌ جدًّا من الناحية الشرعية وفيه دقة من الناحية الواقعية، النهي عن التشبه كما ذكرنا آنفًا لباس يكون من عادة الكفار ومن تقاليدهم وعاداتهم وأزيائهم فلا يجوز للمسلم أن يتشبه بأولائك الكفار.
أما مخالفة الكفار فدائرتها أوسع بكثير، ذلك لأن المخافة قد تكون في شيء لا يملكونه هم ولا يتصنعونه ولا يتكلفونه، وذلك ما أشار إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الذي أخرجه البخاري في * صحيحه *، أنه قال عليه الصلاة والسلام: ( إنَّ اليهود والنصارى لا يصبِغون شعورهم فخالفوهم ):
هذا البياض الشيب فرضه الله عزوجل على الناس، على كل فردٍ حينما يصل في سنّ معينة لا فرق في ذلك بين مسلم وكافر، لا فرق في ذلك بين مسلم صالح أو مسلم طالح، فكل من بلغ سن الشيب شاب ولابد شاء أم أبى، فهاهنا سنة الله في خلقه (( ولن تجد لسنة الله تبديلًا )) فالكافر يشيب كما يشيب المسلم، فإذا شاب المسلم شابه الكافر في المظهر، لكن هو ليس من صنعه وإنما ذلك من صنع الخالق تبارك وتعالى، مع ذلك قال عليه الصلاة والسلام: خالفوهم واصبغوا شعوركم: ( إنّ اليهود والنصارى لا يصبغون شعورهم فخالفوهم )، إذن في هذا شيء زايد مِن الأمر على قضية التشبه، فمأمور المسلم ألّا يتشبه بالكافر فيما هو من صنعه، وفيما هو من كسبه، أما أمره عليه الصلاة والسلام بمخالفة الكفار فهو يشمل أيضًا فيما ليس من صنعهم كالشيب الذي فرضه الله عز وجل على البشر، فأمر النبيُ صلى الله عليه وآله وسلم المسلمَ الشايب أن يتقصد مخالفة الكافر بصبغ شعره لأن الكفار لا يصبغون، إذا عرفنا معنى التشبه ومعنى المخالفة فنخرج بنتيجة حاسمة وهي:
" أن المسلم يجب أن يحافظ على سمته وعلى دلِّه وعلى شخصيته المسلمة، ولا يجوز له أن يتزيا بزي الكفار مهما كان هذا التزيي شديد الشبه أو ضعيفه فلكل درجته وحكمه ".
إذا قال شيخ الاسلام مثلًا في حديث ما: حسنه الترمذي وفي إسناده نظر، هل يقصد أنه ضعيف ؟
السائل : فضيلة الشيخ هل إذا قال شيخ الاسلام مثلًا في حديث ما: حسنه الترمذي وفي إسناده نظر، هل يقصد أنه ضعيف، وجزاكم الله خير ؟
الشيخ : نعم هو ذلك المقصود بلا ريب، وذلك لأمرين اثنين:
الأمر الأول: أن الترمذي -رحمه الله- معروف بتساهله وتسامحه فيما يطلق على كثير مِن أحاديث كتابه التصحيحَ أو التضعيف.
والشيء الثاني: أن قول العالم في إسنادٍ ما أو في حديثٍ ما أو في راوٍ ما: فيه نظر، فلا شك أنّ في هذه العبارة إشارة إلى ضعف المقول فيه: فيه نظر، بل إنه من المعلوم عند المشتغلين بعلم الحديث أن البخاري -رحمه الله- كان له اصطلاحٌ أشد في التجريح بهذه الكلمة: " فلان فيه نظر " حيث جعلوا من قال فيه البخاري: فيه نظر في أشد درجات الضعف وليس يعني فقط إنه ضعيف، ولذلك فإذا قال ابن تيمية -رحمه الله- في إسناد حسنه الترمذي: فيه نظر فهو يشير إلى القاعدة التي ذكرناها آنفًا: أن الترمذي بصورة عامة متساهل، وأن تساهله هذا في هذا الإسناد قد تحقق أيضًا، فينبغي على طالب العلم ألا يعتمد على هذا التحسين لأنه صدر مِن متساهل فيه، وعليه أن يراجع الإسناد ليتأكد مما لفت ابن تيمية النظر إليه.
هل صح عن أحد من العلماء أنه قال إن حلق الشارب بدعة ؟
الشيخ : نعم ذلك قول إمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس -رحمه الله-، بل أنا أحفظ عنه أنه قال: " حلق الشارب مُثلَة "، والحقيقة أنَّ حلق الشارب أي: استئصاله بالموسى أو بالماكينة الناعِمة هو خلاف السنة.
وهنا بحث لابد لي من شرحه وإن كان قد تأخر الوقتُ بعض الشيء، ولكن من كان محبًّا لسماع العلم فليُطل صبره معي:
سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم تنقسم كما تعلمون إلى قول وفعل وتقرير، وقوله عليه الصلاة والسلام في كثير من الأحيان يتحمل وجوهًا مِن المعاني، وفي هذه الحالة لابد لطالب العلمِ مِن تتبع السنة العملية التي تحدد المراد مِن السنة القولية التي تحتمل أكثر مِن معنىً واحد، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما يتعلق بالأخذ من الشارب بعضُ الألفاظ التي يمكن أن تفسر بعدة معاني، وذلك هو الذي وقع، كقوله عليه الصلاة والسلام: ( حُفّوا الشارب وأعفوا اللحى ) في لفظ آخر: ( جُزوا ) في لفظ ثالث: ( أنهكوا ) وكل هذه الألفاظ تعطينا المبالغة في الأخذ للشارب أو من الشارب، فهل يا ترى المقصود بهذه الألفاظ هو الشارب كلُّه أو بعضه ؟!
هنا وقع الخلاف بين العلماء، وهنا تتدخل السنة العملية التطبيقية لترجيح رأي على رأي، ودفع الاحتمالات الممكنة من لفظ من تلك الألفاظ، وتحديد معنى من تلك المعاني.
سمعتم قوله عليه السلام: ( حُفوا الشارب ) ( جُزّوا ) ( أنهكوا ) معنى ذلك استئصال الشارب كله، لأنه أطلق وقال: ( حُفوا الشارب ) ما قال في هذا اللفظ وفي غيره: بعض الشارب، ولذلك وُجد مِن العلماء قديمًا وحديثًا من يذهب إلى حلق الشارب تمامًا وإعفاء اللحية، لكننا إذا نظرنا إلى شيئين اثنين، أحدهما مِن قوله عليه السلام، والآخر فعله وهو الأهم:
أما قوله فقد بيّن أيضًا أنَّ الحفَّ والأخذ بأي نوع من الأنواع المذكورة في تلك الألفاظ الثلاثة ليس المقصود أخذ الشارب برِمَّته، وإنما المقصود ما يطول على الشَّفَة، المقصود الأخذ من الحافَة، وقوله في اللفظ الأول: ( حُفوا ) لا يعني الاستئصال وإنما يعني الأخذ من الحافة كما في القرآن الكريم: (( وترى الملائكة حافِّين مِن حول العرش )) فحافة الشيء طرفه، تأكد هذا المعنى وترجّح بأحد شيئين اثنين أشرت إليهما آنفًا، أحدهما: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ( من لم يأخذ مِن شاربه فليس منا )، لم يقل: من لم يأخذ شاربه، وإنما قال: ( مَن لم يأخذ من شاربه فليس منا )، إذن هذا نص أنَّ الأخذ لا يكون للشارب كله وإنما يكون أخذًا لبعضه.
هل يؤخذ الشارب كله أم بعضه وما الدليل ؟
ذلك بيانه في فعله عليه السلام وهنا " بيت القصيد " كما يقال، لقد روى الإمام أبو داود في * سننه * والإمام أحمد في * مسنده * عن المغيرة بن شعبة: ( أن رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد وَفَى شاربُه -أي: طال وزاد على الشفة- فأمر عليه الصلاة والسلام بأن يؤتى له بسواك ومقراض، فوضع السواك تحت ما طال من الشارب ثم قرضه )، وهذا فعلٌ يحدد المعنى المقصود مِن كل تلك الألفاظ: أنه ليس المقصود استئصال الشارب كلُّه وإنما استئصال ما زاد عن الشفة وهو المراد بقوله: ( حفوا الشارب واعفوا عن اللحى )، ففعله صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الحديث قد رفع كل المعاني من المعاني التي ذكرناها آنفًا، وعين أن المقصود الأخذ ما زاد على الشفة وليس ما علا عليها، ولهذا فلقد جاء عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه كان يوفر شاربه ولا يأخذه مِن أصله، بل وكان يطيل سِبالته، وقد جاء في موطأ الإمام مالك -رحمه الله- بالسند الصحيح: " أن من خُلِق عمر -رضي الله عنه- أنه كان إذا غضب نفخ وفتل شاربه "، فهذا يدل على أن الشارب لا يؤخذ كلُّه وإنما يؤخذ ما زاد على الشفتين.
وهنا نكتة طبية بعد أن أثبتنا أنَّ الحكم النبوي هو المحافظة على الشارب، لكن استئصال ما زاد على الشفة، في ذلك فائدتان طبيتان:
الأولى: أنَّ الرجل إذا تساهل بشاربه وطال على شفته أن في ذلك نوع من القذارة فيما إذا أكل خاصة إذا كان فيه دُهن أو نحو ذلك، فاستئصال ما طال على الشفتين فيه نظافة تتناسب مع الإسلام الذي هو مِن طبيعته في كل ما جاءنا مِن تشريع المحافظة على النظافة.
ومن جانب آخر فإبقاء الشاربين على الشفة فيه فائدة أخرى طبية وهي كما يقول بعض الأطباء، وهذه ظاهر والله أعلم أمر مشهود: أنه كمصيدة للجراثيم التي تحيط بالإنسان وفي خاصة مِن منخريه، فيجد هناك كالشبكة تصطاد هذه الجراثيم وتمنعها من الدخول في مجرى الأنف، ذلك حكمة مِن إبقاء الشارع على الشارب واستئصال ما زاد على الشفة، ذلك سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وما كان عليه هو وبعض أصحابه العارفين بهديه.
ونسأل الله عز وجل أن يلهمنا اتباع نبينا صلى الله عليه وآله وسلم في كل ما جاءنا به عن ربه.
وأرى أن بعض الحاضرين قد بدأ النعاس يداعب أجفانهم، فلذلك أرى أن تنطلقوا إن شئتم، من شاء منكم، ومن كان عنده نشاط مثل الشيخ المزعوم فأنا جالس معه.
ما صحة حديث: ( ملعون من سأل بوجه الله، ملعون من لم يُجب )، وما حكم السؤال بوجه الله ؟
الشيخ : أنا لا أذكر الآن حال هذا الحديث، ولكني أعلم قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ( لا يُسأل بوجه الله إلا الجنة ) فهذا الحديث يحتاج إلى مراجعة فنِظَرَة إلى ميسرة، أما الحكم الشرعي فلا يجوز للمسلم أن يسأل بالله شيئًا من أمور الدنيا، ولكن من سأل -من وقع في هذا الخطأ- فعلى المحلوف عليه أن يبرَّ قسمه وألّا يحنثه، وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: ( من سألكم بالله فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه ):
فالسؤال بالله وإن كان لا يُشرع إلا أن يُسأل بذلك شيء عظيم ولا أعظم من سؤال الجنة، فمن وقع في مثل هذه المخالفة فيجب علينا أن نستجيب له، ( فمن سألكم بالله فأعطوه ) يغنينا عن ذاك الحديث إن لم تثبت صحته.
10 - ما صحة حديث: ( ملعون من سأل بوجه الله، ملعون من لم يُجب )، وما حكم السؤال بوجه الله ؟ أستمع حفظ
هل صح الحديث الذي فيه حصر أسماء الله الحسنى التسع والتسعين وسردها ؟
السائل : فضيلة الشيخ ما مدى صحة حديث تحديد أسماء الله؟
الشيخ : تحديد !
السائل : حصرها.
الشيخ : يعني المقصود حصر أسماء الله، هناك روايتان إحداهما رواية صحيحة، والأخرى ضعيفة، أما الرواية الصحيحة فما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( إنّ لله تسعة وتسعين اسماً، مائة إلا واحداً، من أحصاها دخل الجنة ) هذا هو الصحيح.
لكن هذا الإحصاء المذكور في * سنن الترمذي * وغيره من كتب السنة له علتان:
العلة الأولى: أن السند بهذه الزيادة التي فيها عدّ الأسماء لا يصح، ومع عدم الصحة فهو مخالفٌ للحديث الصحيح حيث اقتصر على قوله: ( مئة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة ) ثم لم يذكر تلك الزيادة، فيمكن اعتبار هذه الزيادة زيادة شاذة.
وشيء آخر: أن هذه الأسماء تختلف الروايات في عَدِّها، فمنهم من يذكر اسمًا بدل اسمٍ آخر، ولذلك هذا الفضل المذكور في هذا الحديث وهو: ( مَن أحصاها دخل الجنة ) في الحقيقة ليس المقصود به أن يَحفظ الإنسان هذه الأسماء المسرودة في بعض المصنفات كالترمذي، وإلا لكان دخول الجنة ميسَّراً، بينما ذلك على خلاف الحديث الصحيح، ألا وهو قوله عليه الصلاة والسلام: ( حُفّت الجنة بالمكاره، وحُفّت النار بالشهوات ) فأي مكروه في أن يحفظ الإنسان تسعة وتسعين اسماً من كتاب ما ؟!
نحن ليس عندنا دليلٌ من السنة على أن المسلم إذا حفظ القرآن من أوله إلى آخره دخل الجنة، فكيف يُعقل أن يكون في السنة مثل هذا التكليف اليسير ويكون له ذلك الأجر العظيم، من أحصى تسعة وتسعين اسماً مسطورة في كتاب دخل الجنة، ليس هذا هو المقصود، أنا أعتقد أن كبار أهل العلم بالحديث وبتتبع طُرق الحديث نادر جدًّا من وُفق لهذا الإحصاء الذي رُبط به دخول الجنة، لأن المقصود بهذا الإحصاء هو تتبع أسماء الله تبارك وتعالى في كتاب الله وفي أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أولاً، ثم الوقوف عند هذا العدد، وهنا الدقة في الموضوع والصعوبة التي إذا قام بتحقيق هذا الأمر مسلمٌ ما كان أن أثيب دخول الجنة.
ما المقصود بقوله عليه السلام: ( إن لله تسعة وتسعين اسماً ) ؟
لا سبيل إلى ذلك، وإنما فيه الحض على هذا العمل العظيم، وأنا فيما علمتُ لم أجد أحداً مِن علماء المسلمين قد قام بتتبع وإحصاء الأحاديث، بتتبع الأحاديث وإحصاء الأسماء الحسنى كما فعل الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه *فتح الباري*، ومع ذلك وجدناه يتردد بين أن يكون هذا الاسم مكان هذا الاسم أو العكس، المهم أن أسماء الله تبارك وتعالى أكثر من مائة، ولكن من أحصى تسعة وتسعين منها إحصاءً مبنياً على كتاب الله وعلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ووُفِّق لذلك العمل فكان ذلك بشيراً له بدخول الجنة، غيره ؟
السائل : شيخ هو يقول: الإحصاء، يعني: العمل بها ومعرفة حقيقة معانيها والعمل بها.
الشيخ : هذا من تمام الإحصاء، نعم.
ما صحة حديث: ( إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا ) ؟
السائل : فضيلة الشيخ ما صحة حديث: ( إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا ) ؟
الشيخ : أظن أن الحديث ضعيف، ويراجع في ذلك * صحيح الجامع * و * ضعيف الجامع * للتأكد، لأنني لست الآن متأكدًا.
ما مدى صحة حديث: ( ليصل أحدكم بالمسجد الذي يليه ولا يتتبع المساجد ) ؟
الشيخ : هذا الذي هو في ذهني أنّ الحديث ضعيف، ولكن الذاكرة قد تخون والعمدة على الكتاب، كما قال عليه السلام: ( قيدوا العلم بالكتاب ) فمن وجد التحسين في كتاب مِن كتبي ولم يجد أنني وهمت في ذلك، فعليه أن يقف عند ما رأى في الكتاب.
ما صحة حديث: ( فيسلم علي، فيرد الله علي روحي ... ) ؟
السائل : ( الرجل كان يعرفه في الدنيا فيسلم علي فيرد الله عليّ ).
الشيخ : غير صحيح.
السائل : غير صحيح.
الشيخ : إي نعم.
هل يجوز تبيين خطأ الجماعات الأخرى كالتبليغ والإخوان المسلمين بتسمية أشخاصهم ؟
الشيخ : سبق الكلام عنهم.
السائل : هل أنا مثلاً إذا أريد أبين خطأ المنهج عندهم هل يجوز لي أن أسمي أن أقول فلان عنده كذا وكذا أو من باب المصلحة ترك هذا ؟
الشيخ : هذا يختلف، الأصل في ذلك كما جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث الرهط الذين جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلم يجدوه فسألوا نساءه عن عبادته عليه السلام، عن قيامه في الليل وصيامه في النهار وقربانه للنساء، فأخبرنهن بما يعلمن من ذلك، فكان خلاصته ذلك أنه عليه السلام يقوم الليل وينام ويصوم ويفطر ويتزوج النساء، فالقصة طويلة ومعروفة لعلها، المهم أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما جاء فنساؤه أخبرنه بما قاله الرهط، أحدهم قال: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، والثاني قال: أنا أقوم الليل ولا أنام، والثالث قال: أنا لا أتزوج النساء، فخطب الرسول عليه السلام وقال: ( ما بال أقوام يقولون كذا وكذا وكذا )، قال: ( ما بال أقوام ) ولم يقل ما بال فلان وفلان، وهذا من أدبه عليه السلام أنه يوري ولا يصرح، لأن لا فائدة من فضح الناس بقدر الفائدة ببيان خطأ الناس لكي ينتبه المخطئ وألا يقع فيه غير المخطئ، فقال عليه السلام: ( ما بال أقوام يقولون كذا وكذا، أما إني أخشاكم لله وأتقاكم لله أما إني أصوم وأفطر، وأقوم الليل وأنام، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني ).
فاذا كانت الفائدة تتحقق بدون تسمية شخص أو أشخاص أو جماعة، فالنبي صلى الله عليه وسلم كما سمعتم كان من أدبه أن يقول: ( ما بال أقوام يقولون كذا وكذا )، فإذا كانت المصلحة تتحقق دون تسمية شخص أو أشخاص أو جماعة أو جماعات، فيكفي، وإن كانت لا تُفهم ولا تتحقق المصلحة فلا مانع من أن يقال: إن الجماعة الفلانية تقول كذا وتفعل كذا ما حكم شرع الله عز وجل في ذلك ؟
فما في مانع حينذاك بالشرط المذكور آنفًا، واضح ؟
السائل : نعم.
دعوة أحد الطلبة لإنشاء مناقشة علمية بين الشيخ الألباني والشيخ ابن باز في المسائل الخلافية بينهما لتتحد كلمة الطلبة.
الشيخ : وأين هذه الردود التي تشير إليها ؟
السائل : المطبوعة الآن.
الشيخ : إيش هو مثلًا ؟
السائل : مثلًا في حديث دعاء السوق ترى تحسينه.
الشيخ : إي نعم.
السائل : والشيخ ابن باز يرى تضعيفه.
الشيخ : وأين التضعيف ؟
السائل : في هذا الحديث.
الشيخ : أين التضعيف ؟
السائل : لا لم يطبع.
الشيخ : معليش مجرد الرأي ما يكفي، حينما يعرض كل إنسان رأيه على بساط البحث فستتجلى الحقائق، لأنه مثلًا أنا أقولك: ربما الشيخ ابن باز أو غيره -بارك الله في جميع المشايخ- قد يضعف الحديث من وجهة سند معين، فإذا ذكر ذلك وقوبل هذا بتحسين من حسنه فستجد أن هذا التحسين ما جاء من خصوص هذا الإسناد وإنما جاء من خصوص أسانيد أخرى، وجاء الحسن من مجموعة هذه الأسانيد، فأن يبين كل إنسان عنده علم ما عنده فبذلك تتبين الحقائق، أما الذي أنت تطلبه الآن أنا ما عندي شخصيًّا مانع وعشت هذه الحياة كلها وأنا مستعد للقاء، لكن هل هذا أمر متيسر كلما قام خلاف في حديث ما أو في مسألة فقهية بين رجلين أو شيخين فاضلين أن يتموا دائمًا يلتقوا مع بعضهم البعض ويتناقشوا، وهل تظن أن الخلاف بيني وبين الشيخ ابن باز أكثر ولا بيني وبين مشايخ آخرين أكثر، ماذا تظن ؟
السائل : بينك وبين آخرين.
الشيخ : طيب هب أني أنا اجتمعت معه واتفقنا على كلمة سواء، كمان لازم تفرض عليّ ألتقي مع أي شيخ أخالفه، هذا باب واسع لا يمكن سده إطلاقًا، وأنا أريد أن أذكر بحقيقة، وهي:
أن الاختلاف أمر ممكن نقول طبيعي وأظنكم ما تفهمون من كلمة طبيعي أننا طبيعيون، وإنما المقصود طبيعي أي: سنة الله عزوجل في خلقه، كما قال عز وجل: (( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين * إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم ))، إذا كان أصحاب النبي عليه السلام قد اختلفوا، وأظنكم لستم في شك من هذا، أكذلك ؟
السائل : نعم.
الشيخ : لماذا لم يجتمعوا، لماذا لم يتفاهموا، لماذا لم يكونوا على كلمة واحدة؟ هذا أمر مستحيل، الذي يطلب من العلماء في أي عصر أن يكونوا متفقين في كل مسألة فهو يطلب المستحيل، لأن الله عز وجل فرض بإرادته الكونية السابقة أنه لا مجال للاتحاد في كل مسألة هذا أمر مستحيل، وأكبر دليل:
أقرب الناس إلى رسول الله عصرًا وفهمًا وخلقًا وكل شيء يُقتدى به عليه السلام هم أصحابه، فإذا اختلفوا هل يمكن لمن بعدهم أن لا يختلفوا ؟
فإذاً عبثًا تحاول وعبثًا تطلب، ولكن كما نقول: ما دام الصحابة اختلفوا فلا مجال لغيرهم ألا يختلفوا، نقول أيضًا كلمة أخرى لابد منها أنْ تُضم إلى الأولى وهي:
أنهم صحيح اختلفوا ولكنهم ما تفرّقوا وما تعادوا ولا تباغضوا، كذلك ينبغي على المسلمين في كل عصر وفي كل مِصْر حينما يختلفون في بعض المسائل ألا يفرق بينهم هذا الاختلاف في المسائل، والنموذج هو: أصحاب الرسول عليه السلام.
أما أن نقر الاختلاف فما يلازمه عند الكثيرين من التفرق والتباغض فهذا لا يجوز شرعاً، فإذن الصحابة اختلفوا في آرائهم وأفكارهم ولكن ما تفرقوا وهكذا يجب أن يكون الأمر، وهكذا نحن إن شاء الله، فما يضرنا أبدًا أن أحدهم يرى هذا الحديث حسن أو صحيح والآخر يرى عكس ذلك، هذا ما يضر مع التبيه إلى شيء:
أنه لابد من النظر في موضوع تخصص كل عالم في علمه، فيُعطى للمتخصص حقه مِن التقدير أكثر من غيره، فمن كان متخصصًا في التفسير فيرجح إذا كان لا دليل هناك يرجح قول الآخرين عليه فيرجح هو لأنه مجال تخصصه في هذا العلم، كذلك الفقه، كذلك الحديث، كذلك اللغة إلى آخره، فإذا عرف طلاب العلم هذه الحقائق زال منهم الاضطراب الذي أنت واقع فيه واندفعت متسائلًا بكل حرارة لماذا ؟!
لأني أقول: لا يمكن، كيف نجتمع ؟!
هي أنا مضى عليّ يمكن قرابة أربعين سنة بعد أربعين سنة جئت الرياض ثاني مرة، كيف يمكن هذا اللقاء بهذه السهولة التي أنت تتصورها، ولذلك فالمهم في الموضوع شيئان أساسيان:
كل عالم كل باحث يتقي الله فيما يذهب إليه، ثم يعذرُ كل عالم أخاه العالم الثاني ولا يحقد عليه ولا يتباغض لأنه يخالفه في الرأي .
17 - دعوة أحد الطلبة لإنشاء مناقشة علمية بين الشيخ الألباني والشيخ ابن باز في المسائل الخلافية بينهما لتتحد كلمة الطلبة. أستمع حفظ
اقتراح أحد الإخوة على الشيخ بتأليف كتاب فيه تراجعاته الحديثية.
السائل : ألا ترى يا شيخ تأليف كتاب في الأحاديث التي كانت ضعيفة وتراجعت عن تضعيفها، أو كانت صحيحة وتراجعت، أو تكلف أحدًا إذا كنت لا تستطيع أن تكلف أحد طلبة العلم أو المشايخ مثل سليم الهلالي أن يؤلف هذا الكتاب أو يكون دوري هذا الكتاب مثلًا كل سنة يصدر مرتين في الأحاديث التي تراجعت عنها ؟
الشيخ : طبعًا هذا الذي تقوله متسائلًا ألا يمكن! نعم يمكن، لكن كيف يمكن ؟!
لمن وجد الوقت الذي يساعده على تحقيق هذا الأمر الممكن، والمخرج الذي ذكرتَه وهو أن نكلف أحد إخواننا هناك، أنت تتصوره يا فلان كلفناك بكذا، خلص أنا ارتحت ما في شي عملي، لابد من الإشراف على هذا العمل، وهذه المشكلة، صحيح إن هذا بخفف ولكن ليس معنى ذلك أنني نصبتُ شخصًا يمثلني بالمئة مئة، لابد من ألقي نظر أيضًا على ما فعل هذا الانسان هذا شيء.
الشيء الثاني: العلم أخي كل يوم في نضج وفيه استواء وفيه توسع فلذلك فلا يستطيع الإنسان أن يقطع بأن هذا الرأي الذي تبناه هو الصواب بالمئة مئة، خاصة بما يتعلق بعلم الحديث حيث كانت كتبه مطمورة في خزائن ومكاتب الدنيا، وأنا الذي عشت بين جدران المكتبة الظاهرية، أنا أعرف قيمة الوقوف على كثير من المؤلفات التي كانت لم ترَ نور الشمس من المخطوطات، أما الآن فالحمد لله هذا من تمام الصحوة أنه بدأ الطلاب والجامعيون والدكاترة يخرجون للناس بعض المؤلفات التي كانت مخطوطة، فصارت دائرة المعلومات أوسع مما كانت عليه من قبل، وهذا يوجب علينا أن لا نجمد على ما صدر منا، مع أني بفضل الله عزوجل رجعت إلى ألوف الكتب التي لا يرجع إليها حتى اليوم إلى مثلها مع كثرة المطبوعات التي جدت في هذا الزمان، ولكن العلم لا نهاية له، اقتراحك هذا لو كان ليس عندي مشاريع ينبغي عليَّ أن أُتمها لكان هو عين الصواب لكن هذا كما قيل:
" ما كل ما يتمناه المرء يدركه *** تجري الرياح بما لا تشتهي السفن ".
ما رأيك يا شيخ في رد الغزالي في بعض الأحاديث منها رد حديث: ( لحم البقر داء )، وقال إنه يخالف القرآن وكذا، وما لكم يا شيخ كتاب أو مؤلف للرد على الغزالي في هذا ؟
الشيخ : نحن رأينا وسمعنا أكثر مما رأينا، أنَّ كثيرًا من العلماء وطلاب العلم قاموا بالرد عليه، وهو الحقيقة يعني رجل كان يُستشم منه الانحراف عن السنة منذ القديم، ولكن كما يقال بالنسبة إليه: " طفَّ الصاع، وانكشف القناع " وظهر ما كان خافيًا من قبل، فالرجل فكره اعتزالي، فكره من أهل الرأي الذين كانوا يُقدمون آراءهم على الأحاديث الصحيحة، وهو في الواقع وأقولها بصراحة وإن كنا عشنا مع بعض في بعض الظروف، تارة كنا نلتقي معه في الجامعة الإسلامية في المجلس الأعلى منذ سنين، والتقيت معه في قطر ونزلت في الفندق لمدة أُسبوعين ونحو ذلك، وكان المنزل الذي نزلته تجاه منزله هو، وكنا نتلاقى ونتناقش فكنت أرى منه انحرافًا عن السنة وإعمال منه للرأي، حتى مرة دعينا في قطر عند الشيخ إبراهيم الأنصاري فوُجّه سؤال فنسيت الآن كيف تطور الموضوع، وصل الأمر إلى تحية المسجد يوم الجمعة والخطيب يخطب، فقال هو بكل جرأة: أنا لا أرى أن الخطيب يخطب ويأتي واحد يدخل المسجد ويشرع في تحية المسجد، قلنا له: يا شيخ بس هذا خلاف الحديث الصحيح الذي جاء في الصحيحين من قوله عليه السلام: ( إذا دخل أحدكم المسجد يوم الجمعة والإمام يخطب فلا يجلس حتى يصلي ركعتين وليتجوز فيهما )، قال: الإمام مالك قال كذا، قلنا: لكن كيف يرد حديث الرسول برأي إمام من أئمة المسلمين ؟!
ألا يقال هنا: " إذا جاء الأثر بطل النظر، وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل " كما كانوا يقولون قديمًا، المهم كان يبدو منه انحراف في بعض الأمور، لكن لم تكن آراءه مسطرة كما فعل في هذا الكتاب الذي أصدره أخيرًا، فيه ختم الحكم عليه بأنه من أهل الاعتزال والرأي، وقد قام كثير من الناس بالرد عليه ومنهم المجيد ومنهم المتوسط ومنهم المتشدد ومنهم المتلين معه للنهاية، والناس على كل حال يختلفون في طباعهم وفي علمهم، لكن على كل حال لقد كان كتابه هذا سببًا لفضح نفسه، ولو ستر نفسه كان أولى به، والله عز وجل مظهرٌ ما كنتم تكتمون.
19 - ما رأيك يا شيخ في رد الغزالي في بعض الأحاديث منها رد حديث: ( لحم البقر داء )، وقال إنه يخالف القرآن وكذا، وما لكم يا شيخ كتاب أو مؤلف للرد على الغزالي في هذا ؟ أستمع حفظ
ما صحة حديث الأوعال الذي رواه الإمام أحمد ؟
السائل : حديث الأوعال الذي أخرجه الإمام أحمد في * مسنده * وقال في آخره: ( وهو لا يخفى عليه من أعمال بني آدم شيء ؟
الشيخ : غير صحيح هذا، إسناده ضعيف فيه جهالة وفيه ضعف.
ما صحة حديث الوضوء من لبن الإبل ؟
الشيخ : ضعيف من لبن الإبل، الصحيح: ( من لحوم الإبل ) فقط.
ذكرتم الغزالي في مقدمة كتابكم غاية المرام وأثنيتم عليه فهلا حذفتم الثناء عليه في الطبعات القادمة ؟
الشيخ : نعم ؟
السائل : في مقدمة كتابك * بلوغ المرام * ذكرت فيه محمد الغزالي وأثنيت عليه.
الشيخ : إيش قلت: بلوغ المرام ؟!
السائل : أو * غاية المرام * ذكرت في المقدمة محمد الغزالي وأثنيت عليه.
الشيخ : بماذا أثنينا عليه ؟
السائل : بأنه كاتب إسلامي مشهور.
الشيخ : هو كاتب إسلامي في عندك شك ؟
السائل : لا، بس يأتي بعد شوي.
الشيخ : طيب.
السائل : وذكرت بأنه صاحب النفس المطمئنة وكذا، صاحب النفس المطمئنة يعني وما ظهر كما تقول حاليًّا.
الشيخ : إيش نساوي له ؟
السائل : كيف ؟
الشيخ : إيش نساوي له يومئذ، الآن ظهر غير ما مكان يُبطن.
السائل : تحذف مدح الشيخ من المقدمة.
الشيح : تُحذف المقدمة ؟
السائل : لا الكلام حوله فقط.
الشيخ : الكتاب ليس كتابي يا أخي.
السائل : التخريج حقك يا شيخ، مقدمة التخريج.
الشيخ : الكتاب ليس ملكي، هو الكتاب صار ملك الناشر، عرفت ولا كيف ؟
يعني الكتاب أنا ألفته لكن مو أنا نشرته حتى أُعيد النظر وأُحرر وأُدقق كما أفعل بكتبي، ألا ترى فرقًا بين الأمرين ؟
السائل : أكيد في فرق.
الشيخ : ولذلك لا نستطيع أن نتصرف في ملك الغير.
22 - ذكرتم الغزالي في مقدمة كتابكم غاية المرام وأثنيتم عليه فهلا حذفتم الثناء عليه في الطبعات القادمة ؟ أستمع حفظ
ما المقصود بقول ابن تيمية في حديث الأوعال: " هذا الحديث روي من طريقين، والقدح في أحدهما لا يقدح في الآخر " ؟
الشيخ : كيف ؟
السائل : قول ابن تيمية في حديث الأوعال، قال: " هذا الحديث روي من طريقين، والقدح في أحدهما لا يقدح في الآخر "، ماذا يقصد بالطريقين، الذي روي عند ابن خزيمة ؟
الشيخ : عفوًا يا أخي، تمهل وارفع صوتك، والقدح ماذا يقول ابن تيمية ؟
السائل : يقول: " وهو مروي من طريقين والقدح في أحدهما لا يقدح في الآخر ".
الشيخ : طيب ما هما الطريقان ؟ لم يذكرهما.
السائل : لم يذكرهما، ولكن هل يقصد الذي عند الإمام أحمد أو الذي عند ابن خزيمة في كتاب التوحيد ؟
الشيخ : هو طريق واحدة !
وهذا من أوهام ابن تيمية إلا أن يعني الحديث بعموم معناه الذي يفيد علو الله تبارك وتعالى على خلقه، فهناك حديث آخر يُفيد هذا المعنى، لكن التفصيل الموجود هنا ليس موجودًا إلا في هذا الطريق الذي فيه جهالة وفيه ضعف، فلا يُعتمد على كلام ابن تيمية هذا الذي يفيد تقوية الحديث بمجموع الطريقين فإنه ليس له إلا طريق واحد.
السائل : الذي عند أحمد ؟
الشيخ : نعم.
23 - ما المقصود بقول ابن تيمية في حديث الأوعال: " هذا الحديث روي من طريقين، والقدح في أحدهما لا يقدح في الآخر " ؟ أستمع حفظ
ما حكم قول القائل لأخيه: ضع يد الله في يدينا إذا أرادا الذهاب إلى المسجد ؟
الشيخ : ما ينبغي أن يقال هذا.
السائل : ولو كان مجاز ؟
الشيخ : المجاز يقول الرسول عليه السلام بإبطال هذا التأويل: ( لا تكلمن بكلامٍ تعتذر به عند الناس ) وفي حديث آخر: ( إياك وما يُعتذر منه ) إذا أردت أن تقول مثلًا: جاء خادم الأمير فلا تقول: جاء الأمير، لأنك توهم الناس خلاف ما تريد، فما الذي يمنعك أن تفصح عن مرادك، فتقول: جاء خادم الأمير، لا أنا قلت: جاء الأمير ولكن قصدي كذا، ( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، وإياك وما يعتذر منه )، ومن هذا الطريق نحن كنا نرد في سوريا على بعض مشايخ الصوفية الذين يؤمنون بشطحات شيوخهم، تعرفون شطحات الصوفية، وهي: العبارات التي إذا نظرت إليها نظرة عاجلة وسريعة مع الفقه والعلم تراها كفرًا، لكن هم يتأولون تلك الكلمات ويسمون هذه الشطحات، لكن لها معاني جميلة وجائزة.
فكنا نحن نقول لهم مثل هذا الحديث: إذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أدَّبنا وأحسن تأديبنا وعلَّمنا وأحسن تعليمنا، فقال: إذا تكلمت مع الناس فتكلم بكلامٍ واضح مُبين ما تحتاج أن تقول: والله أنا قصدت كذا، وأنا يقع بيني وبين كثير من السائلين كثير مِن البحوث حول هذه النقطة، لأنه يسأل سؤالًا لو وقفتُ عند لفظه لأجبته بجواب لا يريده هو، هو يريد معنى آخر، لكن هذا المعنى الآخر لا يؤخذ من سؤاله، لا يُحسن السؤال، فأقول: يا أخي أنت تريد كذا وكذا أظن، بيقول: إي والله، طيب لماذا لم تقل هكذا؟!
فيجب كما قال أهل العلم: " نصف العلم حسن السؤال "، أن يكون السؤال واضحًا ليكون أيضاً الجواب على ذلك بينًا.
الشاهد أن هؤلاء الصوفية ينقلون كُفريات عن بعض شيوخهم، مثلًا يقولون عن ابن عربي المدفون هناك في دمشق بأنه كان يقول: " كل ما تراه بعينك فهو الله، الخلقُ هو عين الحق "، كفريات صريحة، بل نقلوا عنه أو عن غيره مثل ابن الفارض أنه كان يقول:
" وما الكلبُ والخنزير إلا إلاهنا *** وما اللهُ إلا راهبٌ في كنيسةٍ " :
كفر صريح، إيش يقولوا هم: لا هو ما يقصد هذا، يقصد معنى أنتم ما تفهمونه.
هب أنه يقصد معنى ما يفهمه إلا الخاصة من هؤلاء الصوفية، لكن أين أدب الرسول ؟!
لقد سمع رجلًا يقول له ذات يوم وهو يخطب: ( ما شاء الله وشئت يا رسول الله، قال له عليه السلام: أجعلتني لله ندًّا، قل: ما شاء الله وحده ) أدَّبه وبيّن له أن قوله ما شاء الله وشئت فيه تشريك للرسول مع الله ولو باللفظ، ولكن مع علم الرسول عليه السلام بحسن نية هذا القائل، قال له: ( اجعلتني لله ندًّا قل: ما شاء الله وحده ) إذا كان النبي أنكر هذا اللفظ فلو سمع قائلًا يقول:
" وما الله إلا راهب في كنيسة " أفلا ينكر هذا ؟!
بلا شك. فإذن يجب أن نقولَ قولًا ما نضطر إلى تأويله، كما أنت قلت آنفًا يد الله في يدي، مفهوم أنه ما يعني أن اليد حقيقة كما هو الخلاف بين أهل السنة في قوله تعالى: (( يدُ الله فوق أيديهم )) فأهل السنة يقولون: هذه صفة لله نؤمن بها بدون تكييف، أما المعطلة والمؤولة يقولون: يد الله تارة يقولون بمعنى قدرته وتارة يقولون بمعنى نعمته، فهنا يؤول هذا الكلام لكن لماذا نتكلم بكلام نضطر إلى تأويله، ( لا تكلمن بكلام تعتذر به عند الناس ).
قلتم في حديث في شرح العقيدة الطحاوية بأنه لليس في الصحيحين ووهمتم الشارح، بينما ذات الحديث عزاه للصحيحين ابن تيمية والذهبي، فما وجه ذلك ؟
الشيخ : يا الشيخ الذي أمامك غلطان يا شيخ الإسلام ابن تيمية غلطان، إيش في هذا ؟
السائل : يعني قد يقول قائل: شيخ الإسلام والذهبي حجة ويحيلون الأحاديث إلى الصحيحين.
الشيخ : يعني إذا كان حجة لا يُخطئ ؟
السائل : لكن إذا اجتمع الاثنين في إحالتهم للصحيحين ؟
الشيخ : ما هو شرط هذا، قد يأخذ الذهبي عن ابن تيمية، لأنه ليس كلما أخرج رجلٌ حديثًا يرجع إلى المصدر نفسه، وإنما يكون بين يديه مصدر من المصادر التي يعتمد عليها والذهبي تلميذ لابن تيمية، فهو ممكن أن يكون اعتمد عليه، ويمكن أن يكون قد وهم كل منهما، فإذا أراد أحد منا أن يخطئ الآخر وبخاصة مثلي قلت: أن هذا ليس بالصحيحين، فليجعلني الذي يخطئني أمام الواقع: انظر الحديث في *صحيح البخاري* في كتاب كذا في باب كذا برقم كذا إن كان الحديث مُرقمًا، هكذا يكون إقامة الحجة، أما والله فلان قال كذا وأنت قلت كذا إيش وراء ذلك، إما هذا القائل هو المخطأ أو أنا المخطأ، وأينا لا يخطأ؟! هل هناك من لا يخطئ ؟!
ما في، فإذن ما يترتب من وراء هذا شيء إلا بإقامة الحجة بأن يقول القائل اليوم: أنك أنت يا شيخ قلت كذا إن هذا الحديث ليس في * صحيح البخاري * فهو موجود في كذا، لكن هذا الكلام كله الذي أنت تذكره كلامٌ عائم، فما هو الحديث مثلًا الذي أنا نفيت عزوه للصحيح وشيخ الإسلام زائد الذهبي عزواه للصحيح ما هو؟
السائل : يا شيخ قرأته في كتاب إسماعيل الأنصاري.
الشيخ : دعك والشيخ إسماعيل الانصاري، الله يهديكم، ما عرفتكم أن هذا الرجل حاقد وحاسد، وحسبه أنه جاء ينتصر لحديث هو عماد المبتدعة في تجويزهم للتوسل بالمخلوق، ما حاول أن يرفع مرتبة الحديث إلى درجة الحسن وينتصر للشيخ محمد بن عبد الوهاب الذي أنا رددتُ عليه أنه ذكر من آداب الخروج إلى المسجد: ( اللهم إني أسالك بحق السائلين عليك، وبحق ممشاي ) فعظم الأمر عليه، وطلع وهابي أكثر من الوهابية، حيث انتصر لمحمد بن عبد الوهاب في حديث هو نفسه الشيخ الأنصاري الله يهدينا وإياه نقل عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب وهو بدوره نقل عن ابن تيمية أن إسناد الحديث ضعيف، أليس هذا يصدق عليه: يخرِّبون بيوتهم بأيديهم ؟
25 - قلتم في حديث في شرح العقيدة الطحاوية بأنه لليس في الصحيحين ووهمتم الشارح، بينما ذات الحديث عزاه للصحيحين ابن تيمية والذهبي، فما وجه ذلك ؟ أستمع حفظ
يزعم البعض أنه يمكن ترك السنن أو بعضها لأجل المصلحة الشرعية كمحمد الغزالي فما رأيكم في ذلك ؟
السائل : يا شيخ مسألة المصالح الشرعية، تقدير المصالح في مسألة ترك السنن، بعض الناس يستدل بحديث عائشة.
الشيخ : في مسألة إيش ؟
السائل : ترك السنن مثل جمة الشعر وغيرها، يستدلون بحديث عائشة: ( لولا أن قومك حديثوا عهد بكفر ) يقول: نترك جميع السنن لأجل أن هذه السنن تنفر هل نُسلِّم لهم بهذا القول؟
الشيخ : هذا السؤال ما أدري أنت سألت سابقًا ولا غيرك؟
السائل : سألتك بالتليفون يا شيخ فقلت لي: لأ لا نترك السنن، وكان عندي مسجل في الشريط، وسألتك العصر اليوم فقلت لي خلاف هذا، هل أنت رجعت أو ؟
الشيخ : إيش الخلاف بين القولين ؟
السائل : القول الأول: أنك تقول: لا، لا نترك السنن.
الشيخ : ولا أزال أقول، والقول الأخير الذي تقول رجعت أو لا، ما هو ؟
السائل : تقول: إذا كانوا علماء متقين فيبتوا في هذا الأمر.
الشيخ : هذا نسف لذاك القول ولا توضيح ؟
السائل : والله أنا ما أدري سألت الآن عشان أستبين يا شيخ.
الشيخ : إذا صح أنك لا تدري فما أدري ماذا أقول لك! إدرِ، ههههه، هذا لا ينافي ذاك يا أخي، لأنه ما دام الحديث بين أيدينا لكن من الذي أخر إصلاح بنيان الكعبة وإرجاعها على قواعد إبراهيم عليه السلام، أهو شخص من هؤلاء الأشخاص الذين يقولون من مصلحة الدعوة ترك السنن، أم هو من جاء بالسنن ؟
السائل : مَن جاء بالسنن.
الشيخ : طيب، هات واحد مثله يكون متمكن من علمه حينئذ إذا قال: أنا أرى المصلحة بترك سنة من السنن، فحينئذ نقول:
" إذا قالت حذام فصدقوها *** فإنَّ القول ما قالت حذام ".
فما في فرق بين القولين أبدًا، لأنك أنت تسأل بالهاتف وأنا أجيبك، أعطيك القاعدة لا تترك السنن، لمجرد ما يدَّعي الإنسان -وهذا اليوم يستغل هذا الكلام- أنه لصالح الدعوة نترك السنن، هذا الغزالي يتهكّم بالذين يتمسكون بالسنن، ويريد أنَّ المسلم إذا ذهب إلى أوروبا أن يتأورب وإذا ذهب إلى أمريكا أن يتأمرك وهو مسلم، كيف هذا؟!
قال: لمصلحة الدعوة، وهو لا يرى مصلحة الدعوة أنه مثلاً يلبس جبة كالخرج وعمامة كالبرج وهو الذي ذمه مفتي بلده في زمانه محمد عبده، كان يضرب الأمثال بعلماء الأزهر أن عمائمهم كالأبراج وجببهم كالأخراج، فهو يتزيى بهذا الزي، فإذا ذهب إلى بلاد الكفر ما أدري والله يظل متمسكًا بالزي هذا وهو ليس زيًّا إسلاميًّا أو يتأورب ويتأمرك لا أدري ماذا أقول، لكن منهجه إنكار التمسك بهذه العادات في سبيل مصلحة الدعوة.
لو مصلحة الدعوة رجل يقدرها حق قدرها ويضع الأمور في مواضعها وبحكمة نسلِّم له، لكن أنتم ترونه كيف يحارب السنن ويحارب الأحاديث الصحيحة لمجرد رأيه وعقله الفج الذي لم يتحرر ولم يتنظف بدراسة السنة وتمكين الإيمان في قلبه بالغيب الذي هو أول فرض المؤمن كما قال رب العالمين في كتابه الكريم: (( ألم * ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين )) مَن هم ؟
(( الذين يؤمنون بالغيب ))، وعلماء التفسير يقولون: الإيمان بالغيب هو " التصديق الجازم بكل ما غاب عن عقلك " أي: لم يدركه عقلك، فهذا هو الإيمان بالغيب.
هذا الرجل ما عنده إيمان بالغيب كلما جاءه حديث يحتاج إلى إيمان نسفه نسفًا، هذا مش معقول، هذا مش مقبول، وهذا دليل أنه علماء الحديث ما عندهم فقه ما عندهم علم وما شاء الله هو الفقه كله عنده.
لا عنده فقه بالكتاب ولا بالسنة ولا فيما ذهب إليه الأئمة، فهو تارة تراه حزميًّا ظاهريًّا جامدًا، يستحل آلات الطرب والأغاني حتى ولو كانت أمَّ كلثوم، وتارة ينقم على السلفيين الذين يأخذون بالأحاديث، ويقول: هؤلاء لا يحترمون الأئمة ولا يقدرونهم حق قدرهم، وهو هذا وصفه وليس وصف الآخرين، لأنه إذا دار الأمر بين تقدير الرسول عليه السلام وعدم تقدير بعض العلماء فلا شك أن تقدير الرسول وتوقيره أولى من أولئك، والعكس ليس بصواب، أما هو فهو حينما يقف أمام هوى شخصهِ فلا يوقّر الرسول أيْ في أحاديثه ولا يوقر العلماء أيْ في أحكامهم، فالمذاهب الأربعة متفقين على تحريم آلات الطرب وهو لا يقيم لهم وزنًا، لماذا ؟
لأن ابن حزم ذهب إلى إباحتها، لكن لماذا وما حجته بالحديث الذي رواه البخاري، هذا لا يعلم منه شيئاً إطلاقًا لأنه له علاقة بالحديث والمحدثين، وهو فقيه واكتفى بما عنده وليس عنده لا فقه ولا حديث.