ما حكم مسابقة المأمومين للإمام في قولهم آمين ؟
الشيخ : أجبنا بما جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من قوله: ( إن أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غُفر له ما تقدم من ذنبه ) وتكلمنا طويلًا فنلخص أن هذا الحديث يعني: أن المقتدين لا يجوز لهم أن يسابقوا الإمام بقولهم آمين قبل أن يشرع الإمام نفسه في قوله: آمين، ( إذا أمَّن فأَمِّنوا ) وهذا خطأ شائع في كل المساجد لا نستثني مع الأسف بلدًا من بلاد أخرى، وذلك لغفلة الناس عن حديث الرسول عليه الصلاة والسلام هذا أولًا، ولقلة المنبِّهين على وجوب اتّباع الإمام بصورة عامّة ثانيًا، لقد تعلمون -إن شاء الله- عموم قوله عليه الصلاة والسلام: ( إنما جُعِل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى قائمًا فصلوا قيامًا، وإذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا أجمعين ) هذا هو الأصل في وجوب اتّباع المقتدين للأئمة، وأنه لا يجوز لهم أن يتقدموا عليهم، ( إنما جُعِل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا ) وفي رواية أخرى: ( إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه ): فمن المخالفة للإمام في موضوع التأمين أن يبادر المقتدون الإمامَ بقولهم: آمين قبل أن يقول الإمام نفسه آمين، هذا الحديث صريح وصحيح لأنه في البخاري ومسلم، فأرجو الانتباه له: ( إذا أمَّن الإمام فأَمِّنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه ) فهذا ما ينبغي أن يلاحظه المسلم لعله يحظى بمغفرة الله تبارك وتعالى، هذا خلاصة هذه المسألة، لكنك كنت أثرت مسألة أخرى!
ما تعليقكم على أن كثير من المصلين يبادرون بالخروج من المسجد بعد تسليم الإمام وبعضهم قبل أن ينتهي الإمام من التسليم ؟
الشيخ : نعم، هنا مسألة ينبغي أيضًا الاهتمام بها والتنبه لها، وهي:
لها فرعان، أحدهما: يتعلق بالإمام، والآخر يتعلق بالمقتدين:
أما الإمام فينبغي أن يخطف السلام خطفًا، وألا يمدَّه مدًّا، فلا يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته لأنه حتى ينتهي هو بيكون -كما قال الدكتور- جماهير المصلين أنهوا سلامهم، ولذلك فلكي يقطع استعجال المقتدين عليه هو أن يحذف السلام وأن يختصره فيقول: السلام عليكم ورحمة الله، ثم يلتفت يسارًا فيقول أيضًا: السلام عليكم ورحمة الله، هذه المسألة تتعلق بكل من الإمام والمقتدين، فالإمام يحذف السلام، والمقتدين يتأخرون عنه بالسلام للقاعدة التي سبق أن ذكرتها آنفًا: ( إنما جُعِل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه ).
2 - ما تعليقكم على أن كثير من المصلين يبادرون بالخروج من المسجد بعد تسليم الإمام وبعضهم قبل أن ينتهي الإمام من التسليم ؟ أستمع حفظ
ما الواجب على المصلين المقتدين بالإمام عند انتهائه من الصلاة بقول : السلام عليكم ؟
هذا الذي أردت تفصيل القول فيه حتى لا نعرض صلاة الناس للإفساد أو الإبطال لمجرد أنهم سبقوا الإمام في الخروج مِن الصلاة في التسليمة الثانية، لأن الإمام قد خرج من صلاته بالتسليمة الأولى.
ما هو الدليل على حرمة التعامل مع البنوك من الكتاب والسنة ؟ وكيف يمكننا البعد عنها علماً بأن الأمة ابتليت بها في زماننا بأكثر المعاملات المالية ؟
السائل : بسم الله الرحمن الرحيم:
سيدي الفاضل نحن نعيش في ظروف حرجة جدًّا، وأصبحت المعاملة بدون تدخل البنك من الأمور المستحيلة فكيف نستطيع أن نتعامل بدون الدخول بالحرام، وما هو الدليل من القرآن والسنة بتحريم التعامل مع البنك ووضع الأموال وتحصيل الفائدة، جزاكم الله خيرًا؟
الشيخ : هذا الكلام مِن حيث الواقع كلامٌ صحيح، بمعنى أنه صار من الصعب جدًّا أن يتعامل المسلم معاملة إسلامية صحيحة خالية من مخالفة الشريعة فيما إذا أراد أن يتوسَّع في كسب المال، ولكن هل هذا عُذرٌ يبيح للمسلم أن يخالف الشرع فيما حرم ؟!
أما دليل عدم جواز التعامل مع البنوك ما دامت أنها تتعامل بالربا المحرَّم بإجماع علماء المسلمين وبنص القرآن والسنة الصحيحة، فالدليل على ذلك هو أولًا قوله تبارك وتعالى: (( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ))، لا شكَّ أنَّ هذا الجواب إنما يوجه إلى كل مسلمٍ مؤمنٍ حقًّا بما جاء في كتاب الله وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتحريم الربا سواءٌ قلّ أو كثُر، أمَّا مَن كان في ريب أو في شك من هذا التحريم فهذا يأخذ بحثًا آخر غير البحث الذي طُرح الآن سؤاله ونحن الآن في صدد الجواب عنه، إذا كان مِن المقطوع به أنَّ الربا محرمٌ قليلُه وكثيره حتى قال عليه الصلاة والسلام: ( درهم ربا يأكله الرجل أشدُّ عند الله تبارك وتعالى من ستٍ وثلاثين زَنية ): إذا كانت البنوك تتعامل بهذا الربا المقطوع بتحريمه كما ذكرنا فحينئذٍ الجواب على عدم جواز التعامل مع هذه البنوك إنما هو الآية السابقُ ذكرها ألا وهي قوله تبارك وتعالى: (( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان )).
فقوله عز وجل في آخر هذه الآية: (( ولا تعاونوا على الإثم والعدوان )): قاعدة إسلامية تضع للمسلمين منهجًا في تعاونهم بعضهم مع بعض أنْ يتعاونوا على الخير وعلى المعروف وألَّا يتعاونوا على المنكر، فإذا كان الربا من الكبائر فلا شكَّ ولا ريب حينذاك أنه يحرم تحريمًا شديدًا التعاون مع الذين يتعاطون الربا في معاملاتهم، ويستبيحونه في تعاطيهم القروض والتجارات ونحو ذلك.
ويؤيد هذا أيضًا مِن قوله عليه الصلاة والسلام: ( لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه ): قد يظن بعض الناس أنَّ المحرم مِن الربا هو أن يأكله الآكل ولكن بناءً على القاعدة السابقة أنه لا يجوز التعاون على المنكر قد جاء تفصيل شيء مِن ذلك التعاون على المنكر المتعلق بالربا هذا الحديث الصحيح: ( لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه )، إن هذا الحديث كالتفصيل للآية: (( ولا تعاونوا على الإثم والعدوان )) وكل إنسان عنده شيء مِن التفكير في مثل هذه المعاملات المحرمة يعلم يقينًا بقليلٍ مِن الوعي والتفكير أنه لو لم يكن المطعم للربا لم يكن هناك الآكل للربا، لو لم يكن الموكل للربا لم يكن الآكل للربا، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: ( لعن الله آكل الربا وموكله ) لهذا الارتباط الوثيق الموجود بين الآكل وبين المــــُطعم للحرام، وعَطَفَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك قوله: ( وكاتبه وشاهديه )، ذلك لأنهم تعاونوا على أكل الربا وإطعام الربا، هذا الحديث من الوضوح بمكان أنه كالتفصيل لتلك القاعدة القرآنية: (( ولا تعاونوا عالى الإثم والعدوان ))، وهناك أحاديث أخرى تعتبر زيادة في التفصيل لهذه الآية الكريمة كقوله عليه الصلاة والسلام: ( لعن الله في الخمرة عشر: شاربها وساقيها ومستقيها وبائعها وشاريها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه ) ما أدري إذا كان فاتني العاشر، والشاهد أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد جمع في هذا الحديث أنواعًا مِن الناس لم يشربوا الخمرة، ومع ذلك فقد جمعهم في التحريم بل وفي لعن الله إياهم لأنهم هم السبب في وجود شارب الخمر، فلو لم يكن بائعُ العنب للخمَّار يعصره لم تكن هذه الوسائل ولم تكن هذه الوسائط، ولذلك فينبغي على كل مسلمٍ يؤمن بالله ورسوله حقًّا أن يعلم هذه القاعدة الإسلامية أنَّ المجتمع الإسلامي لا يجوز أنْ يكون متعاونًا على المنكر، بل عليه أن يكون متعاونًا على البر والتقوى.
بعد ذلك يطيبُ للمسلم أن يعيش طيب النفس مطمئن الصدر فقيرًا خير له من أن يعيش غنيًّا يأكل المال الحرام وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: ( كل جسد غُذِّي بالحرام فالنار أولى به ) وتفرع على ذلك أمور لا يتنبه لها كثير من الناس.
4 - ما هو الدليل على حرمة التعامل مع البنوك من الكتاب والسنة ؟ وكيف يمكننا البعد عنها علماً بأن الأمة ابتليت بها في زماننا بأكثر المعاملات المالية ؟ أستمع حفظ
نلمس كثيراً أننا ندعو ولا يُستجاب لنا فما السبب في ذلك ؟
الأسباب كثيرة وكثيرة جدًّا منها أننا ابتلينا بأكل الأموال المحرمة، فقد جاء في *صحيح مسلم* عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: ( إن الله طيبٌ ولا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: (( يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحًا )) ثم ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم الرجلَ يُطيلُ السفر أشعثَ أغبر، ومأكله حرام، ومشربه حرام، وغُذِّي بالحرام يرفع يديه يقول: يا رب يا رب، فأنى يُستجاب له ):
فلا تتساءلوا لماذا ربنا عز وجل لا يستجيب كل هذه الدعوات من كل هذه السنين الطويلات، لأن أكثرنا يعيشُ لا يسأل أَمِن حلال جاءه المال أم من حرام، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم مذكِّرًا للمسلمين: ( يا أيها الناس اتقوا الله وأجملوا في الطلب، فإنَّ نفسًا لن تموت حتى تستكمل رزقها وأَجلَها، فإن ما عند الله لا يُنال بالحرام )، فمصيبة المسلمين اليوم ابتعادهم عن تقوى الله تبارك وتعالى التي تستلزم الإتيان بما أمر الله به والاتجتناب عما نهى الله عنه، ومِن أوائل ذلك الربا أكلًا أو إطعامًا، نحنُ في العصر الحاضر من عللنا الأمراض النفسية أننا طُبعنا كما طُبع الكفار بالتكالب على حب الدنيا والمادَّة، وقد جاء في كثير مِن الأحاديث مِن قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ( ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى عليكم أن تتفتَّح عليكم الدنيا أو زهرة الحياة الدنيا فتتنافسون فيها كما تنافس الذين من قبلكم فتهلككم كما أهلكتهم ) فإقبال الناس اليوم على المادة وعلى كسب المال من أي طريق جاء هو من مصائب المسلمين التي إذا لم يحاولوا الخلاص منها فلن ينجو من هذا الذل الذي ران عليهم في كل بلاد الإسلام ولو كان على نسب متفاوتة، وقد نبأنا الله تبارك وتعالى عن شيء من ذلك على لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بعض الأحاديث الصحيحة التي منها قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ( إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد في سبيل الله، سلَّط الله عليكم ذلًّا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم )، كذلك قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الآخر وهو من أعلام نبوته صلى الله عليه وآله وسلم كالحديث الذي قبله: ( ستداعى -أي: ستتداعى- عليكم الأمم كما تداعى -أي: تتداعى- الأكلة إلى قصعتها قالوا: أوَ مِن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: لا، بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله الرهبةَ من صدور عدوكم وليقذفن في قلوبكم الوهن، قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت ) هذا من أمراض المسلمين اليوم التي أحاطت بقلوبهم وصرفتهم عن القيام بواجباتهم الدينية التي يجمعها كلمة: اتقوا الله، ولذلك عمَّ الفساد في الأرض واستحلَّ الناس الربا بأدنى الحيل.
بيان المقصود ببيع العينة وذكر شيء من صوره.
أتدرون ما العينة ؟! هي التي يتعاطاها كثير من المسلمين اليوم التجار الكبار في بعض البلاد الإسلامية.
العينة مشتقة مِن عين الشيء أي: ذاته، والمقصود به: " بيع حاجة في مجلس واحد بسعرين مختلفين " السع الأول عال والسعر الثاني داني، السعر الأول أكبر والسعر الآخر أصغر، لم؟ لاستحلال الربا، وذلك أنْ يأتيَ الرجل إلى التاجر لا يريد منه أن يشتريَ الحاجة وإنما يريد مالًا، يريد قرضًا حسنًا، ولكن لما كان المسلمون كما هو واقعهم اليوم متفرقون ليسوا كما أراد لهم الرسول عليه السلام حينما ضرب لهم المثل الرائع: ( مثل المؤمنين في تواددهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) ليسوا كذلك.
ولهذا فإذا احتاج محتاجٌ ما قرضًا حسنًا فنادرًا ما يجد مَن يقرضه قرضًا حسنًا، فماذا يفعل؟ يحتال هو، وهو المحتاج، ويتعاون مع الغني المثري الكبير أيضًا هو يحتال على أكل الحرام، فيأتي مثلًا إلى التاجر تاجر السيارات فيقول هذه السيارة بكم تقسيطًا، يقول مثلًا: بخمسين ألف بستين ألف، فيتظاهر بأنه اشترى لكن يتفق معه أو سُرعان ما يتفق معه بأنه يعود يبيعها إياه، يصبح التجار البائع شاريًا والفقير الشاري بائعًا، لماذا؟ لأنه اشترى السيارة بخمسين ألف فيعود يبيعها إلى التاجر نفسه بأربعين بخمسة وثلاثين على ما يتفقان عليه، فيأخذ الأربعين ألفًا وقد سُجِّل عليه خمسون ألفًا، هذا من الاحتيال على أكل أموال الناس بالباطل الذي نهى الله عز وجل عنه في القرآن الكريم، فوقع المسلمون في مثل ما وقع بعض مَن كان قبلهم من الأمم كاليهود الذين ذكرهم الله عز وجل في كتابه ورسوله في سنته أنهم احتالوا على ارتكاب ما حرم الله عز وجل بأدنى الحيل.
بيان صور احتيال اليهود في السبت وغيره وذم الله لهم وبيان حال من وافقهم في التحايل على الربا من هذه الأمة.
( لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها ) أي: ذوبوها، أشار الله عز وجل إلى مثل هذا التحريم في قوله تعالى: (( فبظلمٍ مِن الذين هادوا حرَّمنا عليهم طيباتٍ أُحلَّت لهم )) مِن هذه الطيبات ألا يأكلوا الشحم، فما صبروا على هذا الحكم الإلهي وهو عدلٌ، فاحتالوا عليه بأن أخذوا هذه الشحوم وألقوها على القدور وأوقدوا النار مِن تحتها فذابت وأخذت شكلًا غير الشكل الطبيعي للشحم، فزين لهم الشيطان أنَّ هذا الشحم المحرم عليهم في شرعهم صار بسبب تغير شكله حلالًا، إذن لم يقصّ ربنا عز وجل علينا قصتهم يوم السبت ولا نبيه عليه السلام كيف احتالوا على أكلهم الشحم المحرم عليهم فقط كقصة وإنما لعبرة (( لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ))، فقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري من حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( لتتبعن سَنَنَ مَن قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع حتى لو دخلوا جُحر ضبٍ لدخلتموه )، وفي رواية الترمذي -رحمه الله-: ( كان فيهم من يأتي أمه على قارعة الطريق لكان فيكم من يفعل ذلك ) وواقع المسلمين اليوم مع الأسف الشديد يحقق كثيرًا أو قليلًا من هذا النبأ ( لتتبعن سَنَن من قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضبٍ لدخلتموه ) لا شك أنَّ المسلمين اليوم حينما يحاولون جمهورهم استحلال الربا وبعض خاصتهم استباحتهم هذا الربا بطريقة اللف والدوران كما فعل اليهود في صيدهم يوم السبت وكما ذوبوا الشحوم والشحم لا يزال هو هو، فالآن يسمون الربا إذا أردتم أن تتبينوا بكلمة واحدة كيف احتال الشيطان على المسلمين فأزاحهم عن شيءٍ كبير مِن شرعهم أنهم يُسمون الأشياء المحرمة بنص الكتاب والسنة بأسماء هيّنة ليّنة، فلا تكاد تسمع أحدًا منهم اليوم يقول: أنا أضع المال في البنك لكن ما آخذ الربا، ما تسمع اليوم كلمة الربا أبدًا، وإنما الفائدة، أنا ما آخذ الفائدة، لماذا جرى هذا الاصطلاح اليوم ؟!
هذا من كيد الشيطانِ لبني الإنسانِ كما أشار النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى شيء من ذلك حينما قال: ( لا تقومُ الساعة حتى يكون في أُمتي أُناس يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها )، يشربون الخمر المحرمة بالكتاب والسنة وإجماع الأمة بغير اسمها، ما هو مثلًا؟!
ويسكي، نبيذ، ألفاظ ناعمة لطيفة على اللسان لكنها خبيثة في الميزان، لأنها تصور للإنسان أن هذه المعصية لا قيمة لها، كذلك جاءَهم الشيطان من باب تسمية الربا بالفائدة، ومَن الذي يمتنع من الاستفادة مِن الفائدة ؟!
لا تكاد تجد أحدًا يفعل شيئًا من ذلك إلا من عصم الله.
7 - بيان صور احتيال اليهود في السبت وغيره وذم الله لهم وبيان حال من وافقهم في التحايل على الربا من هذه الأمة. أستمع حفظ
شرح حديث: ( يا أيها الناس اتقوا الله وأجملوا في الطلب )، وبيان شيء من الواجب على المسلمين في تقوى الله.
( فإن ما عند الله لا ينال بالحرام ) أي: لا ينبغي أن يُنال بالحرام.
وإن تعجب فعجبٌ أن المسلمين اليوم بقدر ما يهتمون بإصلاح المظاهر فهم لا يهتمون إطلاقًا بإصلاح البواطن، فهم يتجملون ظاهرًا ويزخرفون الجدر أحيانًا ببعض الآيات الكريمة ولكن القلوب خاوية على عروشها من أن تكون متأثرة بشيء من تلك الآيات التي يزينون بها جدر بيوتهم ومساكنهم.
لقد رأينا في كثير مِن البيوت لافتات مكتوبة بخط جميل، خط ثلث، ومحاط بإطار مذهَّب قوله تعالى: (( ومن يتق الله يجعل مخرجًا * ويرزقه من حيث لا يحتسب )): هل نجد لهذه الآية أثرًا في قلوب الناس الذين يزينون جدورهم بمثل هذه الآية الكريمة ؟
الجواب: لا، لقد زيَّن لهم الشيطان كثيرًا مِن الأعمال ليصدَّهم عن سبيل الله عز وجل يخدعهم بأن عليكم فقط أن تؤمنوا باللفظ وأن تكفروا بالمعنى، هذا الشيء يذكرني بما يعمله بعض الفساق يكونون جالسين على موائد القمار أو على الأقل يشربون الدخان أو يلعبون بالورق فيسمعون الأذان فتجدهم قاموا، إيش هذا القيام؟ تعظيمًا لرب العالمين، أقنعهم الشيطان بأن هذا حسبكم أن تظهروا تعظيمكم لله عز وجل بمثل هذا القيام، أما أن تعظموا الله تبارك وتعالى باتباع شرعه واتباع كلام نبيه صلى الله عليه وسلم فهذا يُغتفر لكم ما دمتم أنكم تعظمون الله بمجرد أن تسمعوا المؤذن يقول: الله أكبر، الله أكبر، زين لهم الشيطان أعمالهم فأضلهم عن سواء السبيل، كذلك نحن اليوم نزين الجدر بآية: (( ومن يتق الله يجعل مخرجًا * ويرزقه من حيث لا يحتسب )): هل حقًّا نحن آمنَّا بهذه الآية وأُعجبنا بها جدًّا حتى زينا بها جدرنا ؟!
واقع المسلمين يكذبهم إن قالوا: نعم نحن آمنا بهذا الآية: (( ومن يتق الله يجعل مخرجًا ))، لأننا حينما نبحث مثل هذا البحث يقوم كثير من الأغنياء يقولون: نحن عندنا أموال فإذا لم نودعها في البنوك فأين نذهب بها، يتسلط عليها اللصوص وقد يستلطون على أصحابها فيقتلونهم ويسرُقون أموالهم، هذا كلام مؤمن بقوله تعالى: (( ومَن يتق الله يجعل مخرجًا * ويرزقه من حيث لا يحتسب )) ؟!
هذا مع أن الله عز وجل لم يَسُدَّ على المسلمين طرق العناية بالمحافظة على المال، ولكن الشيطان أيضًا يحرك هؤلاء الناس المبتلين بارتكاب الربا، فيهم الطرق المشروعة سواء في حفظ المال أو في المتاجرة به، حينما يقول قائلهم: نحن إن لم نودع المال في البنك سُرِق وقُتِل صاحبه كأن الواحد منهم يرى لزامًا عليه أن يضع علمًا على المكان الذي قد يحرز المال فيه فيقول: هنا الكنز الدفين، مَن يخطر في باله أن يفعل مثل هذا، يستطيع أن يودع المال في مكان لا يعرفه أحد إلا هو أو من يثق به من أهله أولًا، لكن هذا من مكر الشيطان ببني الإنسان، إذن هذه الآية: (( ومن يتق الله )) كآيات كثيرة نحن بحاجة إلى أن نطبعها في قلوبنا وليس أن نُزين بها جدر بيوتنا، ونحن عندنا بعض النماذج مما وقع في بعضِ الأزمنة التي تحدث النبي صلى الله عليه وآله وسلم عنها ليأخذ المسلم من تلك الأحاديث ترجمة تفسيرية لهذه الآية الكريمة: (( ومن يتق الله يجعل مخرجًا * ويرزقه من حيث لا يحتسب )) لكن الأمر يحتاج إلى الإيمان الذي يكون سببًا لزعزعة الجبال من أماكنها لو كانوا يعلمون.
8 - شرح حديث: ( يا أيها الناس اتقوا الله وأجملوا في الطلب )، وبيان شيء من الواجب على المسلمين في تقوى الله. أستمع حفظ
تفسير قوله تعالى: (( ومن يتق الله يجعل مخرجًا * ويرزقه من حيث لا يحتسب )) بأحاديث السنة النبوية.
الحديث الأول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( جاءَ رجلٌ ممن قبلكم يستقرض مالًا مِن غني فقال له: أين الكفيل؟ قال: الله الكفيل ): رجل فقير ما عنده من يكفله.
( قال: فأين الشهيد؟ قال: الله الشهيد ): وكانوا مِن قبلُ ذوي نفوس طيبة وقلوب صافية، فما كان من هذا الغني إلا أن نقده مائة دينار، وتواعدا على يوم موعود للوفاء، وأخذ الرجل المائة دينار وانطلق ضاربًا بها في البحر إلى أن جاء اليوم الموعود للوفاء فوجد نفسه لا يستطيع أن يذهب إلى الرجل الدائن ليوفيه دينه، فماذا فعل؟ قد تتعجبون من فعله وأنا معكم لكن الأمر كما قال تعالى: (( والعاقبة للمتقين )) ماذا فعل ؟!
( أخذ خشبة ونقرها نقرًا ودكَّ فيها مائة دينار ذهب دكًّا، ثم جاء إلى ساحل البحر فقال: اللهم أنت كنت الشهيد وأنت كنت الكفيل فرمى بها في البحر ): هذا جنون بلا شك، لكن: " الجنون فنون "، فقال الله عز وجل للأموج: ( خذي هذه الخشبة إلى بلدة الغني )، الغني خرج في اليوم الموعود ينتظر مجيء المدين، انتظر وانتظر عبثًا، فوقع بصره على خشبة تتقاذفها الأمواج بين يديه فأخذها وإذا بها ثقيلة جدًّا، ذهب بها إلى الدار فكسرها فإذا فيها مائة دينار، تعجب مِن هذه القصة ثم جاء المدين، انظروا الآن كيف أن الرجل صافي السريرة وعارف أن ما فعله خلاف النظام الطبيعي، تجاهل ما فعل ونقده مائة دينار كأنه ما فعل شيئًا، انظروا كيف يصدق المثل المعروف على هذين الرجلين في صفاء قلوبها: " إنَّ الطيور على أشكالها تقع "، هذا الغني لما أخذ الخشبة لا يعلم بما حصَّل منها من المائة دينار إلا الله، فلو أنه أخذ المائة دينار التي سلمها إياه المدين وكتم المائة الأولى لا أحد يستطيع أن يحاجَّه فيها، لكن قلبه صافي فقال له: يا فلان قصتي أنني يوم الميعاد خرجت لاستقبالك وانتظرتك فلم تأت، فوجدت خشبة فأخذتها ولما كسرتها وجدت فيها مائة دينار، لم يسعه إلا أن يقول له ماذا فعل، أنه لما ادَّاركه الوقت ولم يستطع أن يذهب إليه ليسلمه المائة دينار فعل كذا وكذا فهو صاحب هذه الخشبة، فقال له: ( بارك الله لك في مالك، وأعاد إليه المائة دينار )، ماذا نفهم من هذه القصة ؟!
نفهم أن الله عز وجل سخر البحر لهذين المتقيين، هذا مِن معاني: (( ومن يتق الله يجعل مخرجًا * ويرزقه من حيث لا يحتسب )).
السائل : هل القصة صحيحة ؟
الشيخ : القصة في *صحيح البخاري* وهل علمت منا أن نروي لك قصة غير صحيحة وفي جمع أيضًا كهذا ؟
لكن يمكن أردتَ التأكيد يعني ولفت النظر -نيته طيبة يعني على كل حال- ههههههه.
9 - تفسير قوله تعالى: (( ومن يتق الله يجعل مخرجًا * ويرزقه من حيث لا يحتسب )) بأحاديث السنة النبوية. أستمع حفظ
بيان شيء من معاني قوله تعالى: (( ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ... )) من خلال قصة النفر الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة.
10 - بيان شيء من معاني قوله تعالى: (( ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ... )) من خلال قصة النفر الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة. أستمع حفظ
تفسير بعض معاني تقوى الله عزوجل من خلال قصة الثلاثة نفر الذين آووا إلى الغار.
ما رأيكم في البنوك الإسلامية اليوم وفوائدها ؟
تكملة للسؤال أو الموضوع السابق، معليش يا شيخ ممكن يعني سؤال بسيط: الآن في البنوك الإسلامية ما هو رأيك فيها ؟
الشيخ : نفس السؤال ؟
السائل : نعم، تكملة، يكون السؤال في نفس موضوع البنوك، الآن البنوك الإسلامية متواجدة ويقال: إن هناك هيئة من الفقهاء يراقبوا أعمالها المالية، فما هو رأيكم ؟
وهل الأرباح التي توزعها هذه البنوك تدخل ضمن الفائدة أو الربا المستتر ؟
الشيخ : هذا السؤال سؤالٌ عامٌّ لا يحسن الجواب عليه، وإنما ينبغي أن يكون إن كان هناك سؤال محدد المعالم حتى نستطيع أن نبدي رأينا فيه، أما المعاملات كثيرة وأكثرها فيما يظهر أنها معاملات ربوية، لكن هل هناك معاملة ليس فيها ربا ؟!
ولذلك إن كان ممكننًا توضيح السؤال فهاته وإلا فلا جواب.
السائل : صعب يا شيخ.
كثير من العاملين في البنوك إذا سأل بعض العلماء عن عمله في البنك يفتيه العالم بأنه يجب عليه أن يبحث عن عمل آخر، ويقره على البقاء في عمله حتى يجد عملًا آخر حلال، فهل هذا الجواب موافق للصواب ؟
الشيخ : الذي أعتقده وأدينُ اللهَ به أنه خطأ مجسم مجسد، وذلك يظهر من الكلمة السابقة، وشيء من التوضيح لا نُفيض فيه كثيرًا:
إنَّ الذي يجيب بهذا الجواب إما أن يكون معنا فيما ذكرنا آنفًا مِن أنه لا يجوز التعامل مع البنوك التي تتعامل بالربا وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعن كل المتعاونين على أكل الربا ومن ذلك بالنسبة لعرف البنوك الموجودة اليوم فأكبر موظف في هذا البنك أو ذاك وأصغر موظف فهم يتعاونون على المنكر، هذا المجيب إن كان معنا في هذا فلا شك أن جوابه خطأٌ كما ذكرت آنفًا، أما إن كان يرى رأيًا آخر خلاف ما سبق ذكره فهو يرد عليه بما تقدم من الآيات ومن الأحاديث.
وفي ظني أن الحل أو أمره إياه بأن يدع العمل في البنك معناه أنه لا يرى جواز العمل في هذا البنك لذلك يأمره بالخلاص منه، لكن هذا من جانب آخر يأمره بأن يظلَّ فيه حتى يجد عملًا آخر، وحينئذٍ أفهم مِن الجواب أنه معنا في الأصل وليس معنا في الفرع، وردُّنا عليه في الفرع أنه خرج بهذا الجواب على القاعدة اللاإسلامية وهي التي تقول: " أن الغاية تبرر الوسيلة "، فإنَّ هذا المجيب إن كما قلتُ آنفًا معنا كما يدل أمره إياه بأن يخرج فلماذا يقره أن يعمل حرامًا وأن يكسب حرامًا ؟!
هذا لا يُتصور إطلاقًا إلا في حالة واحدة وهي الضرورة، أي: أن هذا الرجل لا يوجد عنده ما يقتاته مِن ضروريات الحياة لو أنه ترك العمل في البنك، وهذا تصوره أقرب إلى الخيال منه إلى الواقع، على أنني أرى أنَّ الأمر لا يحوج المسلم في هذا العصر الحاضر -على ما فيه مِن انحراف كثير أو قليل مِن بعض الناس- لا يحوج المسلم مهما كان معدمًا فقيرًا أن يرتكب ما حرم الله لأنه سيجد من يعينه ولو من باب الصدقة أو الهبة أو نحو ذلك، ولو دار الأمر بين أن يكتسب المسلم الربا وبين أن يسأل الناس، وسؤال الناس بلا شك ليس مرغوبًا شرعًا ولكنه ليس محرمًا أيضًا فيما إذا كان المسلم بحاجة إلى السؤال، وإذا دار الأمر بين مصيبتين أو بين شرين، فالجواب: على المسلم والحالة هذه أن يختار أقلَّهما شرًّا، وليس أقلَّهما شرًّا أن يظل يتعاطى العمل المحرم، هذا جوابي عن هذا السؤال.