نجد وللأسف العلماء مقصرين في القضايا المستجدة في الطب ونحوه، فما هو توجيهكم لمثل هذا ؟
الشيخ : وعليكم السلام.
السائل : فضيلة الشيخ السؤال الذي أريد أسأله قد يكون خارج عن النطاق المألوف للأسئلة، وهو يخص أو يهم فئة مُعينة مِن الناس وهم الأطباء المسلمين الذين يعملون في المستشفيات، للأسف الشديد أنَّ علماءنا الأجلاء مقصرون في ما يتعلق بالفقه المعاصر وبالمشاكل -بالأخص- المشاكل التي تستجد، وأضرب مثالًا على ذلك بمرض العصر المرض المعروف باسم نقص المناعة أو مرض الإيدز، هذا المرض الآن أصبح من الأمراض الخطيرة والتي تلتهم ناس كثير ويكفي أن أقول لك: أنه حتى الأطفال المولودين أو حديثي الولادة بدأت تظهر فيهم هذه الأعراض، في مدينة نيويورك وحدها في ألف طفل يولدون يوميًا بهذا المرض، ولا نضع رأسنا في التراب ونقول لا يوجد عندنا بل إنه موجود، السؤال باختصار:
الآن الأطفال هؤلاء الذين يولدون يأتيهم المرض عن طريق الأمهات يعني ينتقل عن طريق الأمهات !
الشيخ : نعم.
السائل : أثناء الحمل تكون الأم مصابة بهذا المرض فينتقل إلى الجنين، والانتقال هذا في حدود عشرين إلى خمسين في المائة هذا في الدراسات وهو معروف، السؤال باختصار: إذا ثبت بتحليل الدم للأم أنها تحمل هذا الفيروس وأنَ هناك نسبة عشرين إلى خمسين في المائة أن الطفل سيصاب بهذا المرض، إذا عرفنا الشيء هذا قبل أربعة أشهر وهو نفخ الروح في الجنين، أو عرفناه بعد أربعة أشهر فما هو الحل بالنسبة إنه إذا تركنا هذا الطفل وهذا الحمل يستمر فمعناه إن هذا الطفل سيولد مصاب بهذا المرض وما يترتب على ذلك ولحد الآن الطب لم يجد علاجًا لهذا المرض، فسؤالي باختصار بالنسبة لإجهاض المرأة في هذه الحالة، أنا طبعًا قد يكون يعني إذا كان ليس هناك إجابة لهذا السؤال فهل هناك دُرِس الموضوع هذا أو لم يُدرس، جزاكم الله خيرًا ؟
الشيخ : قبل كل شيء أقول بصراحة: عجبت مِن مطلع سؤالك حيث اتهمت العلماء بما هم بُرءآء منه، وأنت تعلم أن هذا المرض حديث عهد بالناس، فهل وُجِّه مثل هذا السؤال إلى بعض العلماء الذين تثقون بهم وضنُّوا عليكم بالجواب حتى تنسب إليهم أنهم لا يعالجون مشاكل الحياة، هذه واحدة، ويا تُرى هل العلماء هم مؤاخذون أكثر أم الذين لا يسألون ؟!
ربنا عز وجل يقول في القرآن الكريم : (( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ))، هل يا أخانا الدكتور أو الطبيب هل تتصور في العالِم أن يكون ملمًّا بكل العلوم أم تقنع بأن يكوت مختصًا في علم هو من العلوم التي يقال عنها إنها من فروض الكفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين، ما أظن أن أحدًا سيقول أنه يجب على عالِم من علماء المسلمين أكثر مما يجب على طبيب مِن أطباء المسلمين، أعني: هل يجب على الطبيب المسلم أن يكون عالمـــًا في الحديث وفي الفقه وفي التفسير وفي اللغة أم حسبُه إذا أتقن مهنته التي هو متخصص فيها؟! لا شك أن الجواب سيكون هو هذا.
إذن كذلك العلماء لهم تخصصات، فهذا مختص في علم التفسير وذاك متخصص في الحديث وهذا في الفقه وذاك في اللغة وو إلى آخره، فإذا أشكل على مسلمٍ ما وهبه طبيبًا أن يسأل عن لفظة عربية لم تظهر له معناها فيسأل أهل اللغة ولا يسأل مثلًا الفقيه، لأنه ليس مختصًّا وإن كان المفروض أن يكون عنده إلمام باللغة العربية لأنه لا يمكنه أن يتفقه إلا بها، لكن وأنتم الأطباء أعرف الناس بفائدة التخصص، ففي الطبابة مثلًا نواحي عديدة جدًّا من التخصص، إذا كان الأمر هكذا وهو كذلك مائة في المائة، فحينئذ إذا كان الطبيب المسلم بحاجة إلى أن يعرف حكمًا لِعلَّة أو مرضٍ حديثٍ فعليه هو أن يقوم بواجب السؤال إعمالًا منه لقوله تعالى: (( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ))، وليس العالِم هو الذي يجب أن يدع علمه الذي تخصص فيه وهو العلم الشرعي وأن يسأل ما جدَّ في علم الطبِّ وما جدَّ من آراء جديدة في علم الفلك وفي علم ما أدري علوم الكيمياء والفيزياء هذا أمر تكليف كما قال تعالى: (( لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها )) إذن المفروض والحالة هذه أن أفراد المجتمع الإسلامي يتعاونون بعضهم مع بعض كلٌّ منهم يمد الآخر في اختصاصه، فالعالم الذي أنت أشرت إليه يمدك بما عنده مِن علم، ولكن ليس مفروضًا عليه أن يعلم ما عندك أنت مِن شكوى من سؤال من إشكال من من إلى آخره إلا إذا أفضيت بما في نفسك إليه، حينئذٍ وجب عليه أن يجيبك عملًا بقوله تعالى: (( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون )) فقمتَ والحالة هذه بالسؤال، وعملًا بقوله عليه الصلاة والسلام: ( مَن سُئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار ) فعلى العالم حينذاك أن يجيبك، وإجابته بلا شك ليس من الضروري أن تكون إيجابية، فنصف العلم لا أدري، وربنا عز وجل يقول: (( وما أوتيتم من العلم إلا قليلًا )) وقد يحيلك إلى غيره شأن الأطباء يحيلون بعض مرضاهم إلى غيره الذي ليس هو متخصصًا في مرض المريض وهكذا.
1 - نجد وللأسف العلماء مقصرين في القضايا المستجدة في الطب ونحوه، فما هو توجيهكم لمثل هذا ؟ أستمع حفظ
ما هو حكم الإجهاض للنساء اللواتي يتبين عندهن أمراض قد تنتقل للأجنة بنسبة 20 إلى 50 بالمئة كمرض نقص المناعة ؟
أنت تحدثت عن أمريكا وتصورت أن المجتمع الإسلامي سيصيبه ما أصاب أمريكا وأوروبا مِن ذاك الداء الخبيث أو غيره، نحن حينئذٍ لا أقول: كمسلمين وهذا تعبير خطأ ولكي أقول: نحن بصفتنا مسلمون يجب أن نعالج أمراضنا ومشاكلنا ليس بالميزان الذي يعالجه الكفار، لأن الكفار كما قال تعالى: (( لا يحرمون ما حرَّم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق مِن الذين أوتوا الكتاب )).
فالآن كيف تصورت أنت وصول هذا الجرثوم للأم ثم إلى الجنين، هل من طريق حرام أم حلال ؟!
السائل : قد يكون عن طريق نقل دم ملوث وهذا يحدث أحيانًا، وليس هناك ذنب للأم فيه إنما نقل دم ملوث هذا طريق.
الشيخ : بس أنا أُلفت نظرك بأنك تجيب جواب المحتاط، فتقول قد.
السائل : نعم.
الشيخ : وقد الأخرى ماذا تكون ؟
السائل : قد الأخرى تكون أسباب أخرى عن طريق مثلاً الزوج مصاب بهذا المرض، أو عن طريق أخرى مِن الزنا أو السفاح.
الشيخ : بارك الله فيك أصل، قد وقد وقد، المنبع من أين، أليس من الزنا ؟
السائل : بلى.
الشيخ : لماذا انتشر المرض هذا الخبيث اليوم أليس لانتشار الزنا؟!
فإذن بارك الله فيك أعود لأقول: نحن بصفتنا مسلمين يجب أن نهتم باستئصال الداء مِن أصله، وليس أن نعالج آثاره ونُبقي أصله، هكذا يفعل الكفار، فاليوم الكفار أُصيبوا بهذا المرض بسبب كفرهم وبسبب ضلالهم وعدم إيمانهم بشريعتنا نحن، فهم لا دواء عندهم إلا أن يعالجوا الداء بالداء، أما نحن كما قلت آنفًا بصفتنا مسلمين فلا ينبغي أن نقلدهم، فهم إذا أوجدوا علاجًا لهذا المرض الخبيث معنى ذلك نحن إذا لم نعالج المرض مِن أصله أننا سرنا ودخلنا معهم جحر الضب كما ذكرت لكم آنفًا في الكلمة الولى: ( لتتبعن سَنن من قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه ) فهؤلاء وقعوا في الفاحشة ونتج مِن فاحشتهم هذا المرض الذي فيما نظن حتى اليوم لن يصلوا إلى علاجه إلا بقطع دابر الزنا من أصله، ولن يصلوا إلى ذلك إلا إذا اهتدوا بكتاب ربنا وبسنة نبينا، الغرض من هذا الكلام أنَّ الطبيب المسلم لا يضع نفسه موضع الطبيب الكافر، فهو يعالج أثر المرض ولا يفكر في معالجة أصل المرض واسئصاله من شأفته، فإذن أنت بصفتك طبيبًا يجب أن تفكر مع العالم أنَّ هذا المرض مِن أين جاء؟ قلت: قد وقد وتناسيت الأصل والمنبع الذي كان منه هذه الآثار السيئة وأَوجَبت هذه المعالجات وهذا الانكباب على اكتشاف علاج حاسم لهذا المرض الخبيث.
2 - ما هو حكم الإجهاض للنساء اللواتي يتبين عندهن أمراض قد تنتقل للأجنة بنسبة 20 إلى 50 بالمئة كمرض نقص المناعة ؟ أستمع حفظ
ما حكم الإجهاض إذا كانت الأم مصابة بمرض معدي كالإيدز ؟
أعود لأقول: لا يعجز العالم عن الإجابة عن مثل هذا السؤال، لأن مثل هذا السؤال مطروق بمسائل أخرى بسيطة وبسيطة جدًّا وهي: الإجهاض دون أن يكون هناك مرض ورثه الجنين مِن أُمه كما صوّرت أنت أو جرثومة أو ما شابه ذلك، ما حكم الإجهاض ؟!
هذا درسه علماء الإسلام طيلة هذه القرون، وجوابهم إن نفخ فيه الروح فهذا قتل نفس لا يجوز وهي الموؤدة الصغرى، وإن لم يُنفخ فيه الروح فيجوز لكن مع الكراهة، وهناك في اللغة الشرعية شيء اسمه: العزل، وكان العزل يومئذٍ عزلًا بدهيًا فِطريًا وهو: أن يجامع الرجل زوجته فإذا ما آن وقت القذف صبَّ ماءه خارج الفرج، وعلى هذا جاء حديث البخاري مِن حديث جابر -رضي الله تعالى عنه- قال: ( كنا نعزل والقرآن ينزل ) ومِن مقاصد الشريعة حينما حضَّت على الزواج أولًا، ثم أباحت التزوج بأكثر مِن واحدة بالآية المعروفة: ( فانكحوا ما طاب لكم مِن النساء مثنى وثلاث ورباع )) مِن مقاصد الشرع المقاصد الحكيمة تكثير سواد الأمة المحمدية، تأكيدًا لهذا المقصِد الرائع قال عليه الصلاة والسلام: ( تزوجوا الولود الودود، فإني مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة ) مِن أجل ذلك يُكره للزوجين أن يتعاطا أسباب العزل قبل نفخ الروح، لأن في ذلك تقليلًا لسواد الأمَّة ومخالفةً لهذا المقصد الحكيم مِن مقاصد الشرع حينما أمر بالزواج وبالإكثار مِن الزواج وأمر بتزوج الولود الودود، فإذا كان هذا من مقاصد الشرع فالمسلم حريص على أن يتجاوب مع قصد الشرع إلا إذا وُجد هناك شيءٌ يسوِّغ له أن لا يحقق مثل هذا المقصد، فحينئذٍ يُنظر فيما يحتج به من ابتعاده عن تحقيقه لهذا المقصد، فإن كان هو مجرد إراحة الزوجة كما هو الواقع اليوم في كثير مِن الرجال والنساء حينما يشكون تعب الزوجة مِن كثرة الولادة، فإذا عزل فما في مانع من ذلك، ولكن هذا الشيء مكروه لمخالفة ما ذكرنا آنفًا من حكمة التشريع.
أما إذا كان الإجهاض الذي مُقدمته الإنزال هو بعد نفخ الروح هنا يأتي الإشكال، لأن فيه قتل لنفس نُفخت فيه الروح، فأنت كان سؤالك واضحًا جدًّا، هل يجوز الإجهاض إذا ثبت أنَّ هذا الجنين مصاب بذاك الميكروب أو المرض ؟
والجواب سهل عند العلماء: ما دام أنه قبل نفخ الروح فهو جائز حتى ولو لم يوجد مثل هذا المبرر وهذا المسوغ الطبي.
لكن أعود لأقول: هل يعني أنَّ هذه المحاولة تجعلنا كما قلتَ أنتَ ووضعتَ الكلمة في غير محلها كالنعامة تتجاهل الصياد، لا، ليس الأمر كذلك، لكن نحن نتجاهل السبب الذي أودى إذا كان هذا موجود الآن في بعض العائلات المسلمة، نحن نتجاهل السبب الأصيل الذي أودى أن يوجد مثل هذا المرض وأن نفكر في استخراج حكم شرعي، فيقال: ما حكم الإجهاض، فيجب ألا يُشغلنا معالجتنا لبعض البثور الخارجة مِن البدن عن معالجة المرض من أصله الذي هو سبب هذه البثور، هذا مثل الكفار الذين يُعالجون هذه الظواهر ثم لا يحاولون استئصال المرض من أصله، إذن نحن نقول بأن هذا أمر جائز.
هل الطب يبني أحكامه على الظن أو غلبة الظن في أن الجنين إذا خرج سليم أو مصاب بمرض الإيدز ؟
سؤال طبي، أما الجواب الشرعي فقد انتهيت منه، لكن أنا أريد كما يريد الطبي أن يتفقه فأنا أريد أيضًا أن أفهم شيئًا يتعلق بالطب، لأنه يساعدنا على أن نعرف جواب الشرع على بعض الأسئلة.
السائل : بسم الله الرحمن الرحيم:
الذي نعرفه الآن يعني الذي نعرفه أنه إذا كانت الأم لديها هذا الفيروس فإن النسبة كما قلت في البداية في إصابة الجنين تتراوح بين عشرين إلى خمسين في المائة، ولا يستطيع الطب أن يقول: هذا الجنين سيُصاب أو لا يصاب، لكن يقول الطب: أن هناك نسبة تتراوح ما بين عشرين إلى خمسين في المائة أن هذا الجنين سيصاب، نعم.
الشيخ : حينئذ نحن نقول: ليس هناك غلبة ظن في الطب أليس كذلك ؟!
في هذا المسألة ليس هناك غلبة ظن طبًا أنَّ هذا المصاب بهذا الجرثوم أو كما تقول الفيروس أنه في الغالب في الراجح سيكون مصابًا، إنما هو الظن، والظن كما لا يجوز شرعًا أن نعمل به كما قال تعالى في حق الكفار المشركين: (( إنْ يتبعون إلا الظنَّ وما تهوى الأنفس )) كذلك لا يجوز طبًا نحن أن نُجري أعمال جراحية ليس هناك غلبة ظن في نجاح العملية، وأظن هذا مقرَّر عندكم طبًا، وإذ الأمر كذلك فلا يجوز بناء حكم شرعي على ما لم يغلب على الظن أن هذا الحكم الشرعي يستوجب أن يُقدم لمعالجة هذه المشكلة لأنها غير غالبة، غير راجحة أنها ستكون هذه المشكلة، لو تصورنا الآن أنَّ الراجح ليس في المائة خمسين لأن هذا تساوي وهو الظن، لو كان هناك غلبة في المائة خمسة وسبعين فقد سبق الجواب آنفًا أنَّ الإجهاض في هذه الحالة قبل نفخ الروح يجوز بأقل من هذا السبب، لكن ما دام أنَّ الطب ليس عنده إلا هذا الظن، فالرسول عليه الصلاة والسلام يقول: ( إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث )، وأنا سمعت بعض الأخبار من بعض الأطباء بأن هناك أحيانًا يجري فحص لوضع جنين فيحكم أنَّ هذا الجنين إذا ما بقي حيًّا سيأتي مشوهًا، ثم وقعت حوادث أن الأمر كان على خلاف ذلك هذا سمعته فما رأيكم يقع هذا ؟
السائل : نعم يقع.
الشيخ : بارك الله فيكم.
السائل : نسبة تسعين في المائة وتكون التسعين في المائة هذه العشرة في المائة، نعم.
الشيخ : لذلك فعلى الأطباء واجبٌ كالعلماء أن لا يحكموا بالظن وإنما بالظن الراجح هذا آخر ما عندي، والسلام عليكم.
4 - هل الطب يبني أحكامه على الظن أو غلبة الظن في أن الجنين إذا خرج سليم أو مصاب بمرض الإيدز ؟ أستمع حفظ
ما حكم قيام الجماعات الإسلامية المعاصرة وما حكم الانضمام إليها ؟
الشيخ : كثُر هذا السؤال في هذه الآونة الأخيرة وجوابنا على النحو التالي: هذه الجماعات إذا كانت كل واحدة منها تعمل فيما تُحسن أو فيما هي تختص بالعمل فيه دون الجماعات الأخرى، وهي تلتقي معهم في الأصل الذي هو الجامع لكل الجماعات الإسلامية إذا كانوا مُستَسلمين كما هو المفروض عليهم لحكم الله تبارك وتعالى، فحينئذٍ يدخلون في عموم قوله عزَّ وجل: (( وتعاونوا على البرِّ والتَّقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ))، أمَّا إذا كانت كلّ جماعة تعمل لوحدها وهي لا تستطيع لوحدها أن تعمل في كل المجالات الإسلامية التي لا يمكن أن تقوم دولة الإسلام إلا بمجموع الاجتهادات من كل هذه الجماعات، فإذا كانت الجماعة الواحدة تدَّعي أنها تُحسن العمل للإسلام من كل النواحي فأولًا: تكون مخطئة كل الخطأ، وثانيةً: عليها ألَّا تنفصل عن الجماعات الأخرى وإنما عليها أن تتعاون معها في دائرة الإسلام الذي يسع جميع مَن ينتمي إلى شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وأنا أقولُ عن أيِّ جماعة توجد على وجه الأرض اليوم من الجماعات الإسلامية شأنها كشأن الأفراد، فقد ذكرنا آنفًا أنَّ هناك نواحي مِن العلوم لا يستطيع أن يجمعها فرد، وإنما يتوزعها مجموع أفراد المسلمين، كذلك كلُّ جماعة إذا كان لها عناية خاصة بجانب مِن الجوانب الإسلامية فذلك يُستفاد منها، ولكن شريطة ألا تتنافر وألا تتعادى مع الجماعات الأخرى، فكل جماعة حينما تكون على هذا الأَساس قامت جماعتها على أساس التعاون، فكل جماعة تكمِّل عمل الجماعة الأخرى، ومِن المؤسف أن نقول: أن الواقع اليوم ليس كذلك، والسبب أنَّ الثقافة الإسلامية العامَّة في الجماعات كلِّها ليست كما ينبغي، كقوله تعالى مثلًا: (( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تُؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسن تأويلًا )) لا يعتبر اليوم مرجعًا لكل الجماعات وإنما جماعة تتبنى هذا وجماعة أخرى تقول نحن في مشاكل أكبر مِن هذه المشكلة، وحينئذ تصبح هذه الجماعات متنافرة متباعدة متباغضة، وحينئذٍ تقع المشكلة التي حذَّرنا اللهُ تبارك وتعالى منها في غير ما آية من الآيات القرآنية كمثل قوله عزوجل: (( ولا تكونوا مِن المشركين * من الذين فرقوا دينهم وكانوا شِيَعًا كل حزبٍ بما لديهم فرحون )) وعلى ذلك فعلى مَن يسأل مثل هذا السؤال أن يحقق في نفسه قول الله تبارك وتعالى: (( وكونوا مع الصادقين ))، ولكي يكون مع الصادقين فلابدَّ مِن أن يعرف أصول الدين التي لا يجوز للمسلم أن يكون جاهلًا بشيءٍ منها، ومن أصول الدين أنَّ الدين هو قال الله قال رسول الله وليس سوى ذلك، فمن طَلَب ترك هذا الأصل من أصول الدين وحاول تجميع المسلمين على مجرد اسم الإسلام فهذا لا يُسمن ولا يُغني من جوع، لأن الإسلام قول وعمل، قول واعتقاد، فإذا لم يدرس المسلم هذه الأصول أو درسها وأعرض عنها وتركها جانبًا حينئذٍ سيبقى منفصلًا عن أي جماعة إسلامية أخرى، أما على التفصيل السابق إذا كانوا جميعًا على كلمة سواء ما جاء في الكتاب والسنة فهم يتعاونون على ذلك، لكن الأساليب قد تختلف لا مانع مِن ذلك، وقد يعنى مثلاً طائفة من المسلمين قد يُعنون بأفرادهم بنواحي تتعلق بالرياضة البدنية مثلًا، لا مانع، وهذا مثال يقرِّب وجهة النظر التي قدمتها آنفًا، إذا كانت هناك جمعية إسلامية رياضية لا مانع من ذلك، لأنها تقوم بشيء مما جاء به الإسلام في مثل قوله عليه الصلاة والسلام : ( المؤمن القوي أحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كلٍّ خير )، ولكن بشرط أن تكون هذه الجمعية في إطار الإسلام الواسع الذي يسع كل الجماعات الأخرى كل جماعة في اختصاصها، فإذا فرضنا الآن هذه الجمعية الرياضية تخالِف الشريعة الإسلامية في بعض أعمالها أو في بعض اتجاهاتها، حينئذ تُصبح فرقة ليست مِن الفرق التي يمكن أن يتعاون المسلمون معها، ومثال بسيط في ذلك: إذا كانت هناك جمعية تتعاطى بعض الألعاب الرياضية المعروفة اليوم ككرة السَّلة وكرة القدم ونحو ذلك، ولكنهم يُقيمون مباريات تخالف الشريعة في بعض أحكامها، مثلًا يقيمون مباريات بحيث أنهم يشابهون الكفار بالكشف عن العورات، فهؤلاء ما تعاونوا مع المسلمين الآخرين الذين ينصحونهم ويقولون لهم مثلًا وهم مِن أهل العلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الفخذ عورة )، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من تشبَّه بقومٍ فهو منهم ) إذن هذه الجمعية الرياضية إذا كانت تعمل في حدود الإسلام فهي تكملة لواجب يجب أن تقوم به طائفة مِن الجماعات الإسلامية، أما إذا قامت منفصلة عن الأحكام الإسلامية فحينئذٍ شأنها كشأن أي فرقة أخرى لا تدين بالإسلام، يُقيمون مباريات مثلًا في وقت صلاة العصر بحيث تفوتهم صلاة العصر ولا يصلون إلا بعد صلاة المغرب، هذا طبعًا ليس عملًا إسلاميًا، وقل على ذلك من يعمل في السياسية ومن يعمل في الاقتصاد ومن يعمل في أي جانب مِن جوانب الإسلام، فإذا كان في دائرة الإسلام فكلُّهم يقوم بواجب وكلهم يُكمِّل بعضهم بعضًا، وعلى غير ذلك فيكونوا من المتفرقين في الدين كما ذكر رب العالمين في الآية السابقة، هذا هو الجواب.
ما هو الحد الفاصل بين السقط الذي لا تجري عليه الأحكام وبين المولود الذي مات وتجري عليه جميع الأحكام ؟
الشيخ : وعليكم السلام ورحمة الله.
السائل : بسم الله الرحمن الرحيم:
أود أن أسأل يا شيخ ومعليش نرجع للسؤال الطبي مرة أخرى، بالنسبة عندنا نحن أطباء النساء والولادة تواجهنا مشكلة، بالنسبة عارفين نحن شرعًا أن الطفل الجنين حين يولد كامل النمو ويموت بعد هذا يكفن ويغسل وإذا كان حياً يورَّث، وإذا كان سقطًا لا يكفن ولا يصلى عليه وفي نفس الوقت لا يورث لو كان سقطًا، إيش هو الفاصل لنقول عليه إنه سقطًا أو أنه جنين كامل النمو ؟
الشيخ : إيش هو الفاصل بين إيش وإيش ؟
السائل : الزمن الفاصل بين هو سقط هذا ويصلى عليه.
الشيخ : إذا وُلد واستهل بمعن صاحَ فهو الذي يجري عليه حكم الصلاة والإرث ونحو ذلك، أما إذا سقط من بطن أمه ميتًا فهذا الذي لا تجري عليه تلك الأحكام.
السائل : حتى لو انتهت مدة الحمل وبعد الولادة توفي ؟
الشيخ : توفي لما وُلد ولا في بطنها ؟
السائل : لا قبل، في بطنها، كمّل التسع شهور !
الشيخ : ومات في بطنها وسقط من بطنها ميتًا ؟
السائل : نعم، نعم.
الشيخ : هذا لا تجري عليه الأحكام، أحكام الغسل وصلاة الجنازة والإرث إلا أن يستهل صائحًا.
السائل : ولو توفي أثناء الولادة ؟
الشيخ : نعم ؟
السائل : لو توفي أثناء الولادة أو بعد الولادة مباشرة ؟
الشيخ : صاح أم لم يصح، هذه هي العلامة الفارقة.
السائل : الصياح لا يعني الحياة أو الموت.
الشيخ : كيف لا يعني ؟
السائل : يعني ممكن أطفال !
الشيخ : إذا قلت: الصياح لا يعني الحياة فيعني عدم الصياح الحياة ؟
السائل : نعم مثلًا القلب، قد يكون حيًّا له قلب ينبض وله أعضاء تتحرك لكن لا يستطيع الصياح، بالإسعافات الأولية التي ممكن نجريها قد يُسعف الطفل ويصيح وأحياناً إذا كانت حالته شديدة جدًّا قد تنتهي الحياة.
الشيخ : فحينئذ هذه ظروفٌ خاصة هنا بقى يجب على الأطباء أن يجمعوا بين شيء مِن الفقه مع طبهم، فأنت الآن تصور لي شيئًا أنا ما أعرفه، فإذا كنت عرفت أنَّ الحكم الشرعي هو أن يظهر منه ما يدل على حياته، وأنت الآن تجيبني فتقول: إن الصياح قد لا يكون دائمًا دليلًا على الحياة، إذن هل هناك ما ينوب عنه في بعض الظروف، فإن وُجد فله حكم الصياح، نعم، تفضل خلصت أنت ؟
السائل : نعم.
الشيخ : جزاك الله خيرًا.
6 - ما هو الحد الفاصل بين السقط الذي لا تجري عليه الأحكام وبين المولود الذي مات وتجري عليه جميع الأحكام ؟ أستمع حفظ
ما حكم التبني في الإسلام بالنسبة للزوجين اللذين لا يستطيعان الإنجاب ؟
الشيخ : هذا أمر مفروغ منه، التبني في الإسلام إذا كان المقصود أن ينسب إلى غير أبويه فذلك حرامٌ، أمَّا إذا كان المقصود بالتبني هو أن يتبنى تربيته وتعليمه دون أن يُنسب إلى غير أبيه وأمه فهذا من مكارم الإسلام حينما يحض على العِناية بالأيتام، لكن معنى التبني قديمًا وحديثًا لا يعني العناية بتربية الأيتام وإنما يعني أن يُنسب إلى غير أبويه فذلك مِن المحرمات والكبائر في الإسلام، وهذه مسألة والحمد لله لم يجر فيها خلاف بين المسلمين، فلا ينبغي أن يكون عند أحد مِنَّا ريب في أنَّ هذا من أكبر المحرمات، لأنه يستلزم ما وراء ذلك أن المتبنَّى قد يطلع على عورة أبناء الزوجين وقد يرثهم وقد يرثونه فتتداخل الأنساب وتتداخل الأحكام المضطربة وتصبح حكمًا شرعيًا، فهذا لا يجوز اتفاقًا والحمد لله.
إلى من يُنسب الطفل الذي لم يُعرف أبواه ؟
الشيخ : نعم.
السائل : إذا لم يُعرف نسب الطفل فما الحكم، كيف يُسمى ؟
الشيخ : يعني إلى مَن يُنسب ؟
السائل : إلى مَن ينسب ؟
الشيخ : اسمح لي شوية، لا عرف أمه ولا ؟
السائل : نعم.
الشيخ : إذن ابن أبيه، لا يُنسب إلى أحد.
السائل : لا يسمى أي اسم ؟
الشيخ : يسمى هو لكن لا ينسب.
السائل : لا ينسب.
الشيخ : آه، غيره ؟
السائل : يُدعى عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد العزيز بن كذا ؟
الشيخ : لا ينسب.
نرجو الرد على أسئلة الصوفية التي تتجسد في قول: أين الله، حتى يصلوا إلى تعددية الذات وبالتالي إلى وحدة الوجود ؟
الشيخ : على كل حال فهذا الموضوع أيضًا طُرِق مِنَّا مِرارًا وتَكرارًا، لكن لا بد من كلمة أن نذكِّر بحديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي يُنكره كثير -ليس من الصوفية فقط-، لأنه الحقيقة في اعتقادي مهما صاح المنتمون إلى التصوف وحاولوا تضليل الناس عن ضلالهم والسَّتر عن خروجهم عن دائرة الإسلام بادِّعائهم كفرًا أكبر مِن كفر اليهود والنصارى، حيث أن كبيرهم وهو المعروف بمحيي الدين ابن عربي يقول: " إنما كفرت اليهود والنصارى لأنهم حصروا الله، أما اليهود فقالوا: عزير ابن الله، فحصروا الله في عُزير، أما النصارى فقالوا: إن الله ثالث ثلاثة ":
يقول ابن عربي هذا النكرة: إنما كفر هؤلاء لأنهم حصروا الله في ذات أو في ذوات، أما نحن فهو يقول عن نفسه: فقد أطلقناه في كل شيء، فكل ما تراه بعينك فهو الله، ولذلك فكفرهم أكفر من اليهود والنصارى، فإذا كان هؤلاء الصوفية اليوم يحاولون أن يُضللوا الناس عن ضلالهم وألَّا يمكنوهم أن يعرفوا حقيقة اعتقادهم، وأنهم خرجوا عن إسلامهم، فخطرُ آخرين ممن لا يتظاهرون بالانتماء لمثل هذا التصوف الواضح البيِّن كفرُه فأولئك ناسٌ يدعون العلم ولا ينتسبون إلى التصوف، مع ذلك يقولون بعض الكلمات يلتقون في النهاية مع كلمة ذلك المذكور والمعروف بابن عربي الذي قال: " أما نحن فقد عممناه في كل شيء، فكل ما تراه بعينك فهو الله " .
يلتقي بعض المنتمين إلى العلم الشرعي مع هؤلاء بعبارات أخرى، سببُ ذلك أنهم ابتعدوا عن نصوص الكتاب والسنة واعتمدوا على آرائهم وعلى فلسفتهم الخاصَّة التي تلقَّوها مِن فلاسفة الرومان وأمثالهم ممن كانوا قبل الإسلام، مثلًا: سأل هنا السائل عن كلمة: أين الله، هؤلاء العلماء الذين أُشير إليهم والذين يلتقون مع الصوفية أؤلئك الضالين هم ينكرون أن يَسأل المسلم أين الله، وبالتالي أن يكون الجواب: الله في السماء، يقولون: هذا كفر وهذا ضلال مع أن الذي قال: أين الله هو رسول الله، والذي قال: إن الله في السماء هو رب السماء، وكلكم يقرأ في " سورة تبارك " التي يشرع للمسلم ألا ينام في كل ليلة إلا بعد أن يقرأها: (( ءأمنتم مَن في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور * أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبًا فستعلمون كيف نذير ))، لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم الجارية: ( أين الله؟ قالت: في السماء ) لأنها كانت مؤمنة بكتاب الله عز وجل، أما هؤلاء العلماء فاسمعوا ماذا يقولون: الله لا فوق ولا تحت ولا يمين ولا يسار ولا أمام ولا خلف ولا داخل العالم ولا خارجه، هذا هو الإلحاد يلتقي مع الصوفية الذين يقولون: كل ما تراه بعينك فهو الله، لكن بكلمات وبعبارات غير تلك العبارات الصريحة، لو كان هذا الكلام ليس فيه هذا الوضوح في البطلان لكفى أنه مخالفٌ للقرآن، ربنا يقول في آيات أخرى: (( تعرُج الملائكة والروح إليه ))، (( إليه يصعدُ الكلم الطيب والعملُ الصالح يرفعه )) ونحن حينما نسجد نقول في السجود: " سبحان ربي الأعلى "، أما مَن سمعتم تعطيلهم فهم يقولون: لا يجوز أن نقول الله فوق ولا نقول تحت ولا يمين ولا يسار ولا أمام ولا خلف لا داخل العالم ولا خارجه، فهذا إنكار لوجود الحي القيوم الغني عن العالمين: ( كان الله ولا شيء معه، ثم خلق الخلق ) معنى كلامهم الوصول إلى الحلول الذي يقول به الغلاة مِن الصوفية، أي: إن الله عز وجل ممازج لخلقه مخالطٌ لهم، حتى ذاك ابن عربي وغيره يضربون مثلاً في شعر نسيتُ بعضه لكن أوله يكفيكم:
" وما الله في التمثال إلا كثلجةٍ بها الماءُ ":
هل تفصل الماء عن الثلج، هذا هو الله عندهم، أما ربنا الذي نعبده ونسجد له ونقول: " سبحان ربي الأعلى فله صفة العلو ".
9 - نرجو الرد على أسئلة الصوفية التي تتجسد في قول: أين الله، حتى يصلوا إلى تعددية الذات وبالتالي إلى وحدة الوجود ؟ أستمع حفظ
نرجو بيان معنى صفة العلو في ضوء الكتاب والسنة وفهم السلف الصالح لها ؟
ردّ على القائلين بوحدة الوجود وأن الله هو الخالق شيء واحد كالماء والثلج، ابن المبارك -رحمه الله- يقول خلاصة تلك الآبات والأحاديث: " الله تبارك وتعالى فوق عرشه ": الرحمن -في القرآن كلكم يقرأ-: (( الرحمن على العرش استوى )).
" الله عز وجل فوق عرشه، بائن من خلقه ": أي: ليس ممازجاً لهم كما يقول الصوفية وعلماء الكلام أي: إنه لا فوق لا تحت لا يمين لا يسار لا أمام لا خلف، إلى آخر الخرافة هذه التي سمعتموها، فهو يثبت الله كما أثبت نفسه: (( الرحمن على العرش استوى )).
" بائن من خلقه ": أي: مستغن عنهم ليس ممازجًا لهم، لكن مع ذلك لا تخفى عليه خافيةٌ في الأرض ولا في السماء.
هذه العقيدة هي عقيدة السلف هي عقيدة علماء الحديث، هي عقيدة العلماء الأربعة الذين يتبعهم جماهير المسلمين في الفقه، فهم على هذه العقيدة، وقد قال أحد أتباع الحنفية شعرًا:
" وربُّ العرش فوق العرش لكن *** بلا وصفِ التَّمكن واتِّصال "
إشارة إلى أن الله غني عن العالمين:
" وربُّ العرش فوق العرش لكن *** بلا وصفِ التَّمكن واتِّصال "
وقد فُطر في فِطَر الناس جميعًا أنهم إذا دعو رفعوا أيديهم إلى السماء ودعو الله عز وجل، بينما علماء الكلام مع الصوفية الغلاة يقولون: لا شيء هناك سوى ما تراه بعينك، فليس هناك خالق وليس هناك مخلوق، وكلمات علماء الكلام التي ذكرناها آنفًا تؤدي أنه ليس هناك خالقًا فوق المخلوقات وإنما هو العدم المخض.
وأروي لكم الآن الحديث الذي فيه سؤال الرسول وجواب الجارية، وشهادة الرسول لها أنها مؤمنة، لتعلموا ضلال الصوفية مِن جهة، وعلماء الكلام الذين ينفون عن الله عز وجل صفة العلو وهو العلي الأعلى:
الحديث مِن الأحاديث الصحيحة التي رواها الإمام مسلم في *صحيحه* ولا بأس أن نختُم هذه الجلسة بذكر الحديث كما جاء في *صحيح مسلم* لما فيه مِن فوائد أخرى غير ما كنا نحن في صدده آنفًا مِن إثبات صفة العلو لله تبارك وتعالى، روى الإمام مسلم في *صحيحه* مِن حديث معاوية بن الحكم السُّلَمي -وهو طبعًا غير معاوية بن أبي سفيان الأموي المعروف في حكمه بعد الخلفاء الراشدين-، قال معاوية بن الحكم السُّلَمي: ( صليت يومًا وراء النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعطسَ رجلٌ بجانبي، فقلت له: يرحمك الله -وهو يصلي- فنظروا إليَّ، فقلت وهو يصلي: واثُكل أمياه مالكم تنظرون إليّ؟ فضربوا على أفخاذهم مسكّتين له، قال: فلما قضى رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم الصلاة أقبلَ إليَّ فوالله ما قَهَرني ولا كَهَرني ولا ضربني ولا شتمني، وإنما قال لي: إنَّ هذه الصلاة لا يصلح فيها شيءٌ من كلام الناس إنما هي تسبيح وتكبير وتحميد )، للحديث تتمة سأذكرها بعد كلمة تعليقًا على ما سلف منه:
هذا الرجل كما سمعتم تكلم في الصلاة بل ورفع عقيرته بأعلى صوته، وهنا ترون لو أن هذه الحادثة وقعت اليوم في مسجد مِن المساجد مِن بعض الذين أسلموا حديثًا أو مِن بعض الأعراب أو البدو الذين يغلب عليهم الجهل بالإسلام، لوجدت موقف الإمام غير موقف الرسول عليه الصلاة والسلام تُجاه معاوية هذا، والذي أتصوره أن معاوية -رضي الله عنه- لما سمع ضرب الصحابة وهم في الصلاة على أفخاذهم تسكيتًا له، كأنه تنبه أنه وقع في خطأ فاحش، ولذلك فالله أعلم بما دار في ذهنه حينما وصف لنا لُطف النبي صلى الله عليه وسلم بما تقدم مِن كلامه قال: ( فلمَّا قضى الله صلى الله عليه وسلم الصلاة أقبل إليّ ): شو بدو يسوي فيه يا ترى، بدو يسبه بدو يشتمه بدو يضربه لم يكن شيء من ذلك، قال: ( أقبل إليَّ فوالله ما قهرني ولا كهرني ولا ضربني ولا شتمني وغنما قال لي: إنَّ هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء مِن كلام الناس، إنما هي تسبيح وتكبير وتحميد ).
تتمة شرح حديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه وفيه: ( يا رسول الله إن منا أقواماً يتطيرون ... ).
السؤال: ( إن منا أقواما يتطيرون ) أي: يتشاءمون، لم يقل عليه الصلاة والسلام في الجواب: لا تتشاءموا، لأن هذا تكليف بما لا يطاق، فالتشاؤم خاطرة تخطر في بال الإنسان قد تصدُّه عن عمل خيري يتشاءم، فكان جوابه عليه السلام: ( فلا يصدنَّكم ) أي: لا يمنعنكم التشاؤم مِن التوجه إلى ما كنتم قاصدين إليه، وهو يشير إلى أصل اشتقاق الطيرة، التشاؤم هو التطير، والتطير مشتق من الطير، وذاك مِن عادة الجاهلية الأولى حيث أن أحدهم كان إذا عزم على سفر وخرجَ مِن داره فإذا عرض له طيرٌ ولا بد له أن يعرض له طير فقد يطير يمينًا وقد يطير يسارًا، فإن طار يمينًا تفاءل بالخير، وإن طار يسارًا تشاءم بالشر ورجع عمَّا كان قاصدًا إليه، عطَّل عمله بسبب حوين صغير طير لا يعرف الخير لنفسه من الشر فضلًا أن يعرف خير هذا الإنسان أو شره فيما هو قاصدٌ إليه، فسمي هذا تطيراً وهو التشاؤم، فقال عليه الصلاة والسلام: ( لا يصُدّنَّكم ) التشاؤم لا يصدنكم عما أنتم فيه، ولا شك أن في كل بلد أنواع من التطير والتشاؤم فكل مِنا يعرف شيئًا من ذلك فلا نقف عندها وإنما نمضي في تمام الحديث.
11 - تتمة شرح حديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه وفيه: ( يا رسول الله إن منا أقواماً يتطيرون ... ). أستمع حفظ
تتمة شرح حديث معاوية وفيه: ( ... إن منا أقواماً يأتون الكهان ).
الكهان هم العرّافون المنجمون الذين يدَّعون الاتصال بالجن واكتشاف المغيبات والكشف عن الكنوز الدفينة في الأرض إلى غير ذلك مِن الأباطيل، قال عليه الصلاة والسلام: ( فلا تأتوهم )، وقد جاء في أحاديث أخرى: ( مَن أتى كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ).
ثم قال معاوية بن الحكم السلمة: ( إنَّ منا أقوامًا يخطُّون، قال عليه الصلاة والسلام: قد كان نبيٌ من الأنبياء يخط، فمن وافق خطُّه خطَّه فذاك ) تفسير هذه الجملة كما يقول أهل العلم:
( قد كان نبي من الأنبياء يخط ) أي: إن الله عز وجل قد كان أعطاه معجزة بواسطة الرمل يكتشف عن بعض المغيبات، فمن وافق خطُّه من هؤلاء الناس خطَّ ذاك النبي فهو الذي يصيب، قال العلماء: وهذا تعليق بالمحال، أي: لا يمكن أن يكون كالنبي الذي كان له هذه المعجزة، ومعنى هذه الجملة معنى نفس الكلام الذي قبله فلا تأتوهم، ( إن منا أقواما يأتون الكهان، قال: فلا تأهوهم ) كذلك الذين يخطون بالرمل قال بعبارة أخرى: لا تأتوهم لأن هذه معجزة كانت لنبي فادَّعاها بعض الدجالين فهم لن يوفقوا ولن يصيبوا.
تتمة شرح حديث معاوية وفيه: ( ... قال أين الله ؟ قالت في السماء ).
قال: ( وعليَّ عتق رقبة ): كأنه يسأل الرسول عليه السلام يجزيني أن أعتق هذه الجارية لقاء أني ضربتها ظلمًا ؟!
قال عليه الصلاة والسلام: ( ائت بها، فلما جاءت قال صلى الله عليه وآله وسلم: أين الله؟ قالت: في السماء، قال: مَن أنا؟ قالت: أنت رسول الله، قال: اعتقها فإنها مؤمنة ):
فإذا عرفتم هذا الحديث تعرفون حينئذٍ ضلال مَن يقول: إن الله ليس في السماء، وضلال مَن يقول لا يجوز سؤال أين الله، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي سنَّ لنا هذا السؤال: أين الله، هو الذي سنَّ لنا هذا السؤال، فإذا قلت للصوفي المصرِّح بكفره وضلاله: أين الله، قال لك: كل ما تراه بعينك فهو الله، وإذا قلتَ لعالم مِن علماء الكلام، قال لك باللف والدوران: الله لا يجوز أن يقال أين، لأن الله لا فوق ولا تحت إلى آخر " الاكليشة المصدية " كما يقولون في بعض البلاد.
إذن يجب أن نأخذ العبرة من مثل هذه العقيدة التي جاء بها الكتاب والسنة ومع ذلك فقد انحرف عنها جماهير مِن علماء المسلمين وزهادِهم بسبب أنهم لم يتمسكوا بما تركنا عليه الرسول عليه الصلاة والسلام من الهدى والنور وهو قوله: ( تركتم فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما، كتابَ الله وسنَّتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض ).
إن كان أحدٌ له سؤال حول هذا الحديث وبصورة خاصة حول أين الله وأنه في السماء فأنا مستعد ولو تأخرت قليلًا للإجابة عنه، وإلا فأستودعكم الله.
يغلب على كثير من الجهال قولهم: إن الله موجود في كل مكان ظانين بأنهم ينزهون الله غاية التنزيه فهل يُعذرون في ذلك بجهلهم أو بتقصير أهل العلم ؟
الشيخ : الحقيقة لو أرادوا أن يتعلموا فليس لديهم من يعلمهم، لأن الذين ينبغي أن يعلموهم هم بحاجة إلى مَن يعلمهم، المشكلة عويصة جدًّا ونحن كما نقول دائمًا وأبدًا: على من أُعطي شيئًا من العلم أن يبلغه إلى الناس ولا يكتمه، وقولهم وهذه عبارة معروفة جدًّا مع الأسف الشديد: " الله عز وجل موجود في كل مكان، الله موجود في كل الوجود ": هي معنى الكلمة السابقة التي ذكرناها آنفًا، لكن الجملة هذه التي نسمعها من عامة الناس هي عقيدة خاصة الناس اليوم إلا من عصمه الله عز وجل بالكتاب والسنة، من عجائب الأمور: إن علماء الكلام هؤلاء الذين مِن حصيلة علمهم أن يظل جماهير المسلمين يقولون هذه القولة العريقة في الضلال: " الله موجود في كل مكان "، من عجائب هؤلاء العلماء أبوا أن يقال: إن الله على العرش استوى استواءً يليق بعظمته وجلاله، ثم لم ينزهوه أن يكون في كل مكان وهم يعلمون أن المكان وُجد بعد أن كان عدمًا، لأن المكان مشتق من كان يكون، والله عز وجل يقول: (( إنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون )) فالمكان كان الله ولا مكان ولا زمان، فخلق المكان وخلق الزمان، فكيف يَعقِل هؤلاء فضلًا عن أنهم خالفوا دينهم، كيف يعقلون بعقولهم أنَّ الله في هذا المكان الذي خلقه بعد أن كان عدمًا ؟!
يضاف إلى ذلك كيف يعقلون هذه الكلية: " الله موجود في كل مكان " وهناك أمكنة لا يدخلها الناس عمومًا مسلمين وكفار إلا مضطرين وهي الكُنُف، وهناك أمكنة لا يدخلها المؤمنون الصالحون وهي البارات والخمارات ووإلى آخره، وهناك وهناك أشياء كثيرة ما تحتاج القضية إلى تفصيل، كيف يقول هؤلاء الناس في معبودهم الحق إنه في هذه الأمكنة ؟!
ذلك هو الضلال البعيد، ولذلك فالعصمة كما قلنا في خاتم الكلمة: التمسك بالكتاب والسنة.
السائل : عندي سؤال !
الشيخ : حول هذه المسألة ؟
14 - يغلب على كثير من الجهال قولهم: إن الله موجود في كل مكان ظانين بأنهم ينزهون الله غاية التنزيه فهل يُعذرون في ذلك بجهلهم أو بتقصير أهل العلم ؟ أستمع حفظ
ما توجيهكم للأطباء الذين يؤخرون الصلاة حتى يخرج وقتها أحياناً ، ويتركون صلاة الجماعة بحجة المرضى ومواعيد الكشف عليهم ؟
الشيخ : الله المستعان، الحقيقة أنه إذا وجد شيء من هذا فهو قلب للأحكام الشرعية، وضعف إيمان ببعض النصوص مِن الكتاب والسنة، في اعتقادي أنه لا يخفى على أحد مِن هؤلاء الأطباء المشار إليهم ومِن غيرهم، لا يخفى عليهم جميعًا قوله تعالى: (( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا )): كتابًا موقوتًا له وقت أول ووقت آخر، وأظن أيضًا أنه لا يخفى عليهم أنَّ الله عز وجل حينما فرض على عباده بعض الفرائض كالصلوات الخمس مثلًا في كل يوم وليلة فليس ذلك لأنه بحاجة إلى عبادتهم، كيف وفي الحديث القدسي الذي رواه الإمام مسلم في *صحيحه* عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( قال الله تبارك وتعالى: إني حرَّمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا، يا عبادي كلكم ضالٌّ إلا من هديته فاستهدوني أهدكم )، حديث طويل أخيرًا: ( يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجِنَّكم كانوا على أتقى قلب رجل منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئًا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجِنَّكم كانوا على أفجر قلب رجل منكم ما نقص ذلك مِن ملكي شيئًا، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها عليكم فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسَهُ )، إذا كان هذا أيضًا معلومًا وثابتًا في عقائد المسلمين كما قال رب العالمين: (( ومَن كفر فإن الله غني عن العالمين )) حينئذ يجب على المسلم أن يحافظ على الصلاة، أن يؤديها في وقتها في صالحه وليس لحاجة ربه إلى صلاته كما سمعتم في الحديث القدسي، ولا يظننَّ أن الصلاة التي يخرجها المكلَّف بها عن وقتها أنَّ له الخيرة أن يصليها في أيِّ وقت شاء، لأن هذا التكليف مِن الله هو امتحان لعباد الله، فمن أدَّى الصلاة في وقتها قُبِلت منه وإلا فلن تقبل منه ولو صلاها أضعافًا مضاعفة، (( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا )) ويجب أن يتذكروا الحقيقة التالية:
أن من صلى الصلاة بعد وقتها كمن صلاها قبل وقتها، فمن صلاها قبل وقتها لا تكون هي الصلاة التي أُمر بأن يصليها في وقتها، فكذلك إذا صلاها بعد وقتها فلن تكون تلك الصلاة التي أُمِر أن يصليها في وقتها، لا تغتروا، ليس هناك شيء اسمه قضاء لا في الصلاة ولا في الصيام، لأنَّ الصلاة والصيام عبادتان موقتتان، الصلوات في الأوقات الخمسة المعروفة، الصيام في شهر رمضان، فمن تعمَّد إفطار شهر رمضان فلن يقضيه صوم الدهر ولو صامه، كذلك مَن أخرج صلاةً من الصلوات الخمس عن وقتها فلا يلومنَّ إلا نفسه، وتأملوا معي أخيرًا في عاقبة مَن فوَّت على نفسه صلاة فقد قال عليه الصلاة والسلام: ( مَن فاتته صلاةُ العصر فكأنما وُتِرَ أهلَه ومالَه ) كأنما أهلك أهله أي: نفسه وأهله وماله، فمن يرضى مِن المسلمين بسبب انشغاله بعمله، بطبابته، بصناعته أن يكون كمن أهلك أهله ونفسه وماله، والبحث في هذا بحث طويل وبهذا القدر كفاية، والحمد لله رب العالمين.