بيان الطريقة الصحيحة لفهم القرآن الكريم واتباع الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
تعلمون أيضاً أن علماء التفسير قاطبة قالوا بأن الرد إلى الله إنما هو الرد إلى كتابه، والرد إلى الرسول إنما هو الرد إلى سنته وإلى حديثه، فإذا أراد رجل ما مهما أوتي علماً وفهماً أن يستقل بفهم القرآن دون الاستمداد من وحي السنة فلن يستطيع إلى ذلك سبيلاً، لن يستطيع الوصول إلى فهم مراد الله عز وجل لقرآنه لأن الله عز وجل وَكَل هذا الأمر إلى نبيه عليه الصلاة والسلام حين قال في القرآن الكريم مخاطباً النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: (( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزل إليهم )): هذا البيان هو السنة والحديث، بيان القرآن وظيفة وَكَلَها ربنا إلى نبينا صلوات الله وسلامه عليه، وبما أن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم قد رُفِع إلى الرفيق الأعلى ومات وخلا كما خلت الرسل من قبله كما قال عز وجل: (( وما محمدٌ إلا رسول قد خلت مِن قبله الرسل )) الآية، فما دام أن النبي صلى الله عليه وسلم قد خلا وارتفع إلى الرفيق الأعلى فسبيلُنا إليه كسبيلنا إلى ربه حينما أمرنا في كتابه بقوله السابق: (( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله )) أي: إلى كتابه، ثم إلى الرسول أي: إلى سنته، إذن لا يستقيم إيمان مسلم وعقديته استقامةً تنجيه من الخلود في النار (( يوم لا ينفعُ مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم )) إلا باتباع هذا النبي الكريم أي باتباع سنته، هذه مقدمة أولى.
ما هو السبيل إلى معرفة السنة النبوية بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم، وكيف يكون الرد إليه عليه الصلاة والسلام بعد موته ؟
الجواب: لا والحمد لله، وإنما الإسلام لا يزال ولن يزال حياً ببقاء كتاب وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين ظهراني المسلمين إلى يوم لا يبقي الله على وجه الأرض من يوقل: الله الله، كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح الذي أخرجه الإمام مسلم أيضاً في * صحيحه * مِن حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( لا تقوم الساعة وعلى وجه الأرض مَن يقول: الله الله ): ومعنى ذلك ليس كما يزعم بعض المتصوِّفة الذين غلوا بالانحراف عن السنة بالتمسك بما تشابه عندهم من الحديث فقالوا: لا تقوم الساعة وعلى وجه الأرض من يذكر الله بالاسم المفرد يقول: الله الله الله اللهُ وهكذا حتى ينتهي بهم القول إلى لا قول له مفهوم حيث يقولون: آه آه آه آه، ليس هذا والحمد لله هو المراد من قوله السابق عليه الصلاة والسلام: ( لا تقوم الساعة وعلى وجه الأرض مَن يقول: الله الله ) إنما المقصود به أي من يوحد الله تبارك وتعالى، ذلك مما جاء صراحة في رواية رواها الإمام أحمد في * مسنده * لهذا الحديث بلفظ: ( لا تقوم الساعة وعلى وجه الأرض من يقول: لا إله إلا الله ) أي: لفظة الجلالة في الرواية الأولى كناية عن التوحيد الذي يُنجي من قال به يوم الله من الخلود في النار مهما كانت معاصيه كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي أخرجه البزار في * مسنده * وغيره في غيره بلفظ: ( مَن قال لا إله إلا الله نفعته يوماً مِن دهره ).
أعود لأقول: لا يمكن فهم الإسلام إلا بطريق السنة لأن السنة هي البيان الذي أشار الله عزوجل إليه في الآية السابقة: (( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزِّل إليهم )) فمن رد السنة فقد رد القرآن، ومن شك في السنة فقد شك في القرآن، فلا قيمة لجعجعةٍ قد تُسمع من بعض الناس إن الإسلام هو القرآن، ومن البداهة بمكان إذا الأمر كذلك أو لعل الأصح أن نقول: إن كان الأمر كذلك أي: أن الإسلام هو القرآن فقط، فكيف يصلي المصلي، وكيف يحج وكيف يعتمر وكيف يزكي، من أين يأخذ تفاصيل هذه الأركان إلا من السنة والبيان الذي في القرآن ؟!
بعد هذا وذاك نستطيع أن نقول: إن الحديث الأول: ( إن أبي وأباك في النار ) يجب أن يُفسَّر به كل نص كان في القرآن لا يمكن أن يُفهم فهماً صحيحاً إلا من طريق السنة كما ذكرت آنفاً، هناك الآية الكريمة: (( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولًا )) فكثير من أهل الأهواء قديماً وحديثاً سواء كانوا بأسماء قديمة أو بأسماء حديثة مِن المعتزلة ومن أذنابهم في العصر الحاضر لا يمكن فهم هذه الآية الكريمة: (( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً )) إلا بطريق السنة.
2 - ما هو السبيل إلى معرفة السنة النبوية بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم، وكيف يكون الرد إليه عليه الصلاة والسلام بعد موته ؟ أستمع حفظ
حكم أهل الفترة، والرد على الغزالي المعاصر في رده لحديث: ( إني أبي وأباك في النار ).
هنا يرد السؤال: أرسول الله أعلم بمثل والد هذا السائل أم من جاء بعد أربعة عشر قرناً فيقول: إن هذا مِن أهل الفترة، إنه لم تبلغه الرسالة، وبناء على ذلك يقول: هذا الحديث لا ينطبق ولا ينسجم مع القرآن الكريم ومن ذلك هذه الآية الكريمة.
جوابنا: الآيةُ لا شك ولا ريب إنها من أصول الشريعة: (( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولًا )) وجاءت السنة لتؤكد معنى هذه الآية الكريمة وهو قوله عليه السلام كما في * صحيح مسلم * أيضاً أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( ما مِن رجل من هذه الأمة مِن يهودي أو نصراني يسمع بي ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار ): فإذن الحُجة تقوم على من بلغته الدعوة، وإذا ما افترضنا إنسانًا لم تبلغه الدعوة فسواء كان ما قبل دعوة الرسول عليه السلام أو حتى في هذا الزمان إذا افترضنا إنسانًا ما لم تبلغه الدعوة فهو ليس معذبًا بدليل الآية السابقة: (( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولًا )): إذن ليس الخلاف في الآية في دلالتها، وإنما الخلاف في أن زيدًا من الناس جاء الحديث الصحيح ليقول: هو في النار، فنقول نحن من عند أنفسنا أو من عند أهوائنا: هو ليس في النار لماذا ؟! لأنه مات قبل بعثة الرسول عليه السلام، لأن الجواب أننا نعلم أنه قد كان قبل النبي صلى الله عليه وسلم أنبياء بل ورسل وقد كان في الجزيرة العربية بصورة خاصة دعوة أبينا إبراهيم الخليل -عليه الصلاة والسلام- وابنه إسماعيل، في القرآن الكريم كما تعلمون جميعاً: (( وإذ يرفع إبراهيمُ القواعد من البيت وإسماعيلُ ربنا تقبل منا )) إلى آخر الآية، فإذن هذا البيت الذي لا يزال والحمد لله عامرًا مقصودًا من أطراف الدنيا بالحجاج المسلمين إلى بيت الله الحرام قد كانت دعوة إبراهيم الخليل قائمة ومتوارثًا للعرب أنفسِهم، ولكن بلا شك قد دخل في توحيدهم ما لا أصلَ له بل هو الشرك بعينه، فقد كان مع ذلك هناك أفرادٌ من أهل التوحيد استمرُّوا على توحيدهم في الجاهلية التي كانت قبل بعثة الرسول عليه السلام، فلو ماتَ أحدٌ من هؤلاء الموحدين ما نستطيع أن نقول: إنهم لم تبلغه الدعوة، أو مات غيرهم ما نستطيع أن نقول بلغتهم الدعوة أو لم تبلغهم الدعوة، لماذا؟ لأن الأمر غَيبي فالمرجع في ذلك إلى من اصطفاه الله عز وجل برسالاته كما قال تبارك وتعالى: (( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدًا * إلا مَن ارتَضى مِن رسول )) ورسولُنا اصطفاه ربنا عز وجل وأنبأه بكثير من المغيبات كما تدل على ذلك كثير مِن الاكتشافات العلمية والتاريخية ونحو ذلك، فحينما يأتي حديث ليقول عن شخص معين هو في النار، لماذا نضرب هذا الحديث بالآية ونحن ليس عندنا تفاصيل مفردات الذين وجدوا بعد إبراهيم عليه السلام هل ماتوا على الشرك أم ماتوا على التوحيد، نحن نقول كلمة عامة: " كل من مات ما بين إبراهيم وإسماعيل عليهم الصلاة والسلام ودعوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، كل من مات بين الدعوتين هاتين هو إما أن يكون قد بلغته الدعوة وقامت عليه الحجة فهو ليس من أهل الفترة، ومن لم تبلغه الدعوة فهو من أهل الفترة وله معاملة خاصة يوم القيامة "، لا أريد الآن أن أنصرف إلى بيانها لأبقى فيما نحن في صدده الآن.
الجمع بين قوله تعالى: (( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولًا )) وقوله صلى الله عليه وسلم: ( إن أبي وأباك في النار ).
ليس هناك دليل أن كل من كان قبل بعثة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانوا ممن لم تبلغهُ الدعوة، لا يوجد مثل هذه الدعوة الطويلة العريضة، وإنما يدعيها بعض علماء الكلام، لأنهم لا يعلمون السنة الصحيحة، فهناك أحاديث كثيرة وكثيرة جدًّا تخبرنا بأن كثيرًا ممن مات في الجاهلية حكم النبي صلى الله عليه وسلم بالأخبار الصحيحة الثابتة عنه أنهم في النار، مثلاً قد جاء في الصحيح: ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان راكباً ذات يومٍ دابته فلمَّا مرَّ بقبرين شمست الدابة به، فنظر الرسول عليه السلام فوجد قبرين، فسأل من حوله متى مات هؤلاء؟ قال: ماتوا في الجاهلية، فقال عليه الصلاة والسلام -في مثل هذه المناسبة-: لولا أن لا تدافنوا لأسمعتكم عذاب القبر ) أي: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سمع عذاب صاحبي القبرين يعذبان في قبرهما وسمعت الدابة عذابهما فشمست به عليه الصلاة والسلام حتى كادت أن ترميه أرضاً، فسأل عليه الصلاة والسلام: ( متى مات هؤلاء ؟ قالوا: ماتوا في الجاهلية ): إذن ماتوا في الجاهلية وهم يُعذبون، لماذا يعذبون؟ لأنهم كانوا من المشركين، لماذا يعذبون وهم مشركون ولم تبلغهم الدعوة؟ هذا مستحيل، إذن إخبار النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن بعض المشركين في النار أو يعذبون في القبور دليل أنهم كانت قد بلغتهم الدعوة، فلا يجوز ضرب السنة الصحيحة بنص القرآن لأنه كما ذكرت آنفاً: السنة توضح القرآن وتبينه ولا تخالفه بوجه من الوجوه.
4 - الجمع بين قوله تعالى: (( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولًا )) وقوله صلى الله عليه وسلم: ( إن أبي وأباك في النار ). أستمع حفظ
بيان خطر استقلال الإنساب بفهم القرآن بمعزل عن السنة ورد بعض الأحاديث لذلك كقوله عليه السلام: (استأذنت ربي أن أزور قبر أُمي ... ).
السبب: (( وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه )).
فإذن عدم إذن الله لنبيه المصطفى عليه الصلاة والسلام بالاستغفار لأمه هذا يؤيد حديث أنس، حديث أنس صريح وحديث أبي هريرة مُدعِم وله طرق أخرى غير أبي هريرة مثل بريدة الصحابي الجليل بريدة بن الحَصيب أيضاً قد روى مثل هذا الحديث، فلم يأذن الرسول عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم أن يستغفر لأمه، فماذا يكون نحن موقفنا تجاه أمه عليه السلام وأبيه؟ ما كان موقفَ النبي هو موقفُنا لا يجوز لنا أن نخالفه في شيءٍ أخبرنا به عن ربنا تبارك وتعالى لأن الله عز وجل سمعتم آنفاً أننا إن تنازعنا في شيء أن نرجع إلى الله وإلى الرسول، فقال: (( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم )) ليس لنا خيرة أبدًا في أن نحكم على فلان بأنه في الجنة أو فلان في النار، هذا أمرٌ غيبي مرجعنا في ذلك إلى الكتاب وإلى السنة، كما قال عليه الصلاة والسلام: ( تركتُ فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما -معاً-، كتابَ الله وسنَّتي، ولن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض ).
5 - بيان خطر استقلال الإنساب بفهم القرآن بمعزل عن السنة ورد بعض الأحاديث لذلك كقوله عليه السلام: (استأذنت ربي أن أزور قبر أُمي ... ). أستمع حفظ
من عبر إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بأن أبويه في النار تحقيق معنى قوله تعالى: ( فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ).
6 - من عبر إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بأن أبويه في النار تحقيق معنى قوله تعالى: ( فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ). أستمع حفظ
بيان صحة قوله عليه السلام: ( إن أبي وأباك في النار )، وقوله : ( واستأذنت ربي أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي ) عن المتقدمين من العلماء الراسخين والمتأخرين بخلاف بعض النشىء.
هذا الحديث وذاك لم يسبُق لأحدٍ أن طعن فيهما من حيثُ إسنادهما من المتقدمين، ولكن مع الأسف الشديد وُجد في بعض المتأخرين ممن كان له إلمامٌ بعلم الرِّجال وتراجم الرواة حيث تمسك بعلة حكايتها يغني عن الرد عليها عند أهل العلم، ذلك لأن هذا الحديث حديث أنس بن مالك يرويه الإمام مسلم في * صحيحه * والإمام أحمد في * مسنده * من طريق حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس بن مالك، فيأتي إلى ترجمة حماد بن سلمة فيجد فيه بعض الأقوال التي قد توهن من ثقته -عفوًا- قد توهن من شيء من حفظه، أما هو فجبل في الثقة والعدالة وإمام في السنة، ولكن الحق والحق أقول إن في بعض رواياته عن غير ثابت فشيء قليل من الضعف قد يتوقف بعض العلماء عن قبول حديثه إذا كان من روايته عن غير ثابت، قد غض النظر بعض المتأخرين عن هذا التفصيل الذي أَجمع عليه علماء الجرح والتعديل: أن رواية حماد بن سلمة عن ثابت حُجة لا خلاف فيها، أما روايته عن غير ثابت ففيه بعض الكلام كما ذكرنا، حديث أنس هذا في * صحيح مسلم * و* مسند أحمد * من رواية حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، فهو إسناد صحيح كالجبال الرواسي، ولذلك فلا وجه هناك للطعن في إسناد هذا الحديث مِن حيث الرواية، وكما سمعتم فلا وجه للطعن في متن هذا الحديث مِن حيث الدراية، لأنكم علمتم أنَّ الآية وما في معناها لا تعطينا خبرًا عن شخص معين قال الرسول عليه السلام عنه إنه في النار، والآية تقول: إنه من أهل الفترة، لا يوجد شيء من هذا، فسلِم الحديث من الطعن سندًا ومتنًا، ثمَّ يُضاف إلى ذلك أن لحديث أنس شواهد أخرى في غير الصحيح تقوي هذا الحديث وتعطيه قوة على قوة، مِن ذلك وهو أعم من حديثنا ما جاء في * المسند * أيضًا وغيره من كتب السنة: ( أن رجلًا سأل أيضًا النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن أبيه، فقال له قولًا عامًّا: حيثما مررت بقبر مشرك فبشره بالنار ).
7 - بيان صحة قوله عليه السلام: ( إن أبي وأباك في النار )، وقوله : ( واستأذنت ربي أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي ) عن المتقدمين من العلماء الراسخين والمتأخرين بخلاف بعض النشىء. أستمع حفظ
القاعدة في مشركي العرب: أن من كان قبل الإسلام منهم ففي النار إلا من لم تبلغه دعوة نبي الله إبراهيم فهو من أهل الفترة.
كما نقول نحن الآن وهذه مناسبة أغتنمها فرصة لأذكركم بأن الورد الذي تعرفونه إذا مر المسلم بمقابر المسلمين أن يقول لهم وأن يدعو لهم بما جاء في السنة: ( السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، أنتم لنا فرط ونحن لكم تبع، نسأل الله لنا ولكم العافية ): هذا ورد من مرَّ بمقابر المسلمين، فما هو ورد من مر بمقابر المشركين ؟!
( أبشركم بالنار ): يجب أن تحفظوا هذا فقد تبتلون بأن تمروا ببعض البلاد الإسلامية وفيها مقابر المشركين، فهناك عليكم أن تتذكروا أحوالهم أولاً، ثم أن تتذكروا هذا الورد النبوي ثانياً فتقولوا لهم: أبشركم أو نبشركم بالنار.
وحينذاك إذا مررنا بمقبرة من مقابر المشركين سواء كانوا من اليهود أو من النصارى أو من الأمم الأخرى الكافرة أنا أتصور عقليًا -والله هو العليم- أن في هؤلاء الأموات من اليهود والنصارى المدفونين ربما يكون بينهم شخص لم تبلغه دعوة الإسلام ولو في هذا العصر، لأنني أقولها بصراحة كاملة:
إن المسلمين اليوم في اعتقادي ولعلكم تسمعون مثل هذا الكلام لأول مرة: أنا أدَّعي بأن المسلمين في كثير من البلاد الإسلامية لم تبلغهم الدعوة على وجهها بعدـ، لم تبلغهم الدعوة الإسلامية على وجهها بعدُ، لما تعلمون من أن معنى شهادة لا إله إلا الله أولاً: الإيمان بتوحيد التي كان يؤمن بها المشركون، ثم الإيمان بتوحيد الألوهية أو العبادة، ثم الإيمان بتوحيد الأسماء والصفات، مَن يعرف هذا التوحيد بهذه الأنواع في البلاد الإسلامية وبخاصة ما كان منها من البلاد الأعجمية، نحن نرى في بلاد عربية وفي كثير مِن شيوخها وعلمائها هم بعدُ يدافعون عن الذين يعبدون غير الله وقد صاروا تحت التراب رميمًا، فماذا نقول بالنسبة للعالِم ؟!
أنا أعتقد أنَّ كثيراً من المسلمين اليوم الذين يفتخر بعض الكتاب المعاصرين بعددهم الذي يعد بالملايين، ولكن الأمر مع الأسف الشديد كما قال عليه الصلاة والسلام: ( تتداعي عليكم الأمم كما تداعى الأكلَةُ إلى قصعتها، قالوا: أوَمِن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: لا، بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله الرهبة من قلوب عدوكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن، قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حُب الدنيا وكراهية الموت ) ولذلك فلا ينبغي أن نغتر بكثرة العدد، بل علينا أن ندعو هذا العدد فضلاً عن أعداد أكثر أرقاماً من اليهود والنصارى والمشركين الآخرين أن ندعوهم إلى الإسلام الصحيح لتكون حُجة الله تبارك وتعالى قائمةً على الناس جميعاً.
فإذا افترضنا وجود بعد الميتين في هذه المقابر التي نُبشرهم بالنار كجماعة فيجوز أن يكون في المشركين السابقين المتقدمين على دعوة الرسول عليه السلام والذين كانوا بين هذه الدعوة ودعوة إبراهيم عليه السلام ممكن أن نتصور ناس من أولئك المشركين لم تبلغهم الدعوة فحسابهم إلى الله تبارك وتعالى، لكن لا نستطيع أن نقول: لم تبلغهم الدعوة لما ذكرنا أخيرًا من قوله عليه السلام للسائل الثاني لما سأله عن والده قال: ( حيثُما مررتَ بقبر مشرك فبشره بالنار ) فتبشيرنا لقبور المشركين لا يعني أننا نحكم على كل فردٍ مقبورٍ في هذه القبور بأنه معذَّب عند الله، لكننا نقول: إنهم مشركون، فمن قامت الحجة عليه في علم الله عز وجل فهو مخلد في النار كما قال عز وجل: (( إنَّ الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ))، ومن لم تقم الحجة عليه فحسابه عند الله، وبهذا القدر كفاية، ومعذرِةً إن كنت أطلت عليكم وأخَّرت الإجابة عن بقيةٍ لا أقول بقية أسئلتكم وإنما أقول: عن بقية من أسئلتكم لأني أشعر بأن الأسئلة كثيرة وبأن الوقت أضيقَ مِن أن يتسع للإجابة عن كل هذه الأسئلة، فمعذرة أخرى، والآن أسمعني بقية ما في السؤال.
8 - القاعدة في مشركي العرب: أن من كان قبل الإسلام منهم ففي النار إلا من لم تبلغه دعوة نبي الله إبراهيم فهو من أهل الفترة. أستمع حفظ
ما حكم الذي ينكر حديث الرضعات الخمس ؟
الشيخ : هذا باب واسع، الذي ينكر حديث الرضعات الثابت في * صحيح البخاري * إنما يُنكر ذلك اعتمادًا على مطلق القرآن، كمثل قوله تعالى: (( وأُمهاتكم اللاتي أرضعنكم )).
الحقيقة أن هؤلاء يقولون عندنا في سوريا بعض الناس الذين يعني ليس لهم استقامة، يمكن الإنسان أن يمسك فيهم وأن يستطيع أن يناقشهم وأن يحاسبهم ولو حسابًا يسيرًا، ذلك لأنه مثل الزئبق من أين ما حركته بيتحرك ويهرب منك، رد حديث الرضعات الخمس ناشيء من قاعدة وهي: " أن القرآن لا تفسِّره السنة "، فهل من قائل بهذه القاعدة؟ الجواب: لا، حتى هذا الذي ينكر مثل هذا الحديث تجده يخصص القرآن بالسنة الصحيحة، ولكن إذا جاءت السنة مخصصة لنصٍّ في القرآن لا توافق هواه سرعان ما فرط عنك ونسي القاعدة التي هو متفق عليها معك وقال: هذا يخالف القرآن، وأين خلاف القرآن ؟
هل قال الله عز وجل في القرآن رضاع القليل والكثير يحرم ؟
لا وجود لمثل هذا النص لا في القرآن ولا في السنة.
وإذن نعود إلى الآية السابقة: (( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزِّل إليهم )): فالقرآن قد تولى بيان كل نص في القرآن الكريم نحن بحاجة إلى بيانه، وهذا ظاهر جدّاً في الأحكام الشرعية، بل جاءت السنة لتقول: ( لا تحرِّم المصة ولا المصتان ولا الإملاجة ولا الإملاجتان ): فهذا ردٌّ صريحٌ على هذا الإنسان الذي ينكر حديث الرضعات الخمس، لأن مستنده في الإنكار هو الآية، لكن الحديث الثاني أيضاً يُبين أن الآية ليست على إطلاقها وعلى شمولها: (( وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم )) يعني: ولا بمصة، هذا معنى الإطلاق، لكن الحديث يقول: ( لا تحرم المصة ولا المصتان، ولا الإملاجةُ ولا الإملاجتان ) يضم إلى ذلك أحاديث كثيرة بعضها ثابت وبعضها يُستشهد به إلى غير ذلك، كالحديث الذي يقول مثلًا: ( إنما الرضاعة من المجاعة ) فإذا رضع الإنسان مصة ما يؤثر هذا في جوعه إطلاقًا، وكذلك ما جاء في بعض الأحاديث: ( ما أنبت العظم وأنشزَ اللحم ) هذا الرضاع هو الذي يُحرِّم فكان من الحكمة بمكان أن يتولى الرسول عليه السلام بيان عدد الرضعات التي تنشز العظم وتنبت اللحم، فجاء حديث عائشة في * صحيح مسلم *: ( خمس رضعات يحرمن ).
بيان بعض أمثلةِ رد السنة لعمومات القرآن بجهل، وأن الصواب تقييد مطلق القرآن بصحيح السنة المطهرة.
ليبين لهم أن هذا الحوت الميت لا يشمله عموم الآية السابقة: (( حرمت عليكم الميتة ))، حينئذ إذا ضممنا هذا الحديث والذي قبله إلى الآية: (( حرمت عليكم الميتة والدم )) وجب تفسير الآية بالسنة كما ذكرنا آنفًا: تكون النتيجة كالتالي:
حرمت عليكم الميتة إلا ميتة البحر، والدم إلا دمَ الكبد والطحال، من أين أخذنا هذا الاستثناء ؟
(( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزل إليهم )) أخذنا إذن هذا الاستثناء من بيانه عليه السلام ألا وهي السنة.
وهكذا عمومات القرآن ومطلقات القرآن ومجملات القرآن كلُّ ذلك لا بد من تفسيره بما صح عن النبي عليه الصلاة والسلام، فردُّ الحديث أحيانًا لتعارضه بزعمهم لعموم القرآن هذا لا يقوله مسلم على وجه الأرض، وإلا كان متناقضًا أشد التناقض، وربما أودى به هذا التناقض إلى الخروج عن الملة.
10 - بيان بعض أمثلةِ رد السنة لعمومات القرآن بجهل، وأن الصواب تقييد مطلق القرآن بصحيح السنة المطهرة. أستمع حفظ
بيان حال المنكرين للسنة المدَّعين اتباع القرآن الكريم وحده.
ألا إنما رسول الله مثل ما حرم الله: لماذا ؟
لأن الله عز وجل قال في أول سورة النجم: (( والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى )).
أخيرًا أقول: " لقد جاء رهط إلى بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليسألوه بعض الأسئلة فلم يجدوه فسألوا نساءه عليه السلام، فأخبرنهم بعبادته عليه السلام، قيامه في الليل وصيامه بالنهار وقربانه للنساء، وأنه لا يقوم الليل كله، ولا يصوم الدهر كله، وليس راهباً مع نسائه وإنما هو يأتيهن ويغتسل منهن ووإلى آخره، قال: فلما سمعوا ذاك الخبر، قالوا: وجدوها تقالوها، وجدوها قليلة، لكن عادوا إلى أنفسهم ليعللوا هذه القلة التي زعموها في عبادة الرسول عليه السلام، فقالوا: هذا رسول الله قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فتعاهدوا بينهم، أحدهم قال: أما أنا فأصوم الدهر ولا أفطر، والثاني قال: أما أنا فأقوم الليل ولا أنام، والثالث قال: لا أتزوج النساء، فلما رجع الرسول عليه السلام وأخبرنه الخبر خطب عليه السلام في الصحابة وقال: ( ما بال أقوام يقولون كذا وكذا وكذا، أما إني أخشاكم لله وأتقاكم لله وأقوم الليل وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء، فمن رغِب عن سنَّتي فليس مني ) ".