ما هو الضابط في ترجيح قول على قول في الجرح والتعديل ؟
الشيخ : الطريقة إلى ما قبل نهايتها لا بد من سلوكها، ولكن حينما وصلوا إلى الترجيح الذي ختمته بقولك بأنهم أحيانًا قد يوافقون الحفَّاظ المتأخرين كالذهبي والعسقلاني وقد يخالفونهم، ما هو الذي استندوا إليه لترجيح ما رجَّحوه سواء وافقوا الحافظين المذكورين آنفًا أو خالفوهما، ما هي القاعدة، مجرد هذا العرض لا يكفي في ترجيح ما وفقاهما أو ما خالفهما، لو كانوا يوافقونهما دائماً كنا بنقول: أن المتأخر يستدرك على المتقدم، وأنه أملى وأحفظ لأقوال المختلفين أكثر من أولئك المتقدمين، أَمَا وهم تارة يوافقونهما وتارة يخالفونهما، فما هي القاعدة التي لجوؤا إليها حيث رجحوا وفقاً أو خلافاً؟
السائل : يستعملون ما يسمى بتحليل الترجمة، إذا جاؤوا إلى أقوال ابن معين مثلاً وكانت متعارضة يحاولون أن يجمعوا بين هذين القولين، كأن يكون أحد القولين مطلقاً والآخر مقيدًا فيحملون القول المطلق على القول المقيد.
الشيخ : ليس هذا هو المرجح، نفترض أن ابن معين له قول واحد وأحمد له قول واحد والمتشددون لهم قول واحد والمتساهلين والمتوسطين، ما هي القاعدة التي رجعوا إليها واعتمدوا في الترجيح عليها ؟
السائل : استعملوا قواعد ضوابط الجرح والتعديل: إذا تعارض جرح وتعديل كما هو معلوم.
الشيخ : هذا هو، هل طبقوا هذا النظام ؟
السائل : نعم يطبقونه.
الشيخ : هذا هو، فإذن إذا رجعوا إلى القاعدة بعد هذا العرض الذي أشرتَ أنتَ إليه آنفاً، والقاعدة هي التي حملتهم على موافقة الحافظين تارة وعلى مخالفتهما تارة أخرى فهذا هو السبيل العلمي الذي ينبغي أن يلجأ إليه كل طالب، وإلا فكثير مِن المبتدئين في هذا العلم يقولون: أنت مثلاً وثقت فلاناً والحافظ ضعفه أو قال إنه مستور أو ما شابه ذلك، كأنهم يرون أن الباحث يجب أن يتمسك بقول الحافظ، مع أن قول الحافظ قد يخالف قبله كالذهبي مثلاً إلى آخره، فلا بد من الرجوع إلى الميزان، والميزان: " الجرح مقدم على التعديل إذا كان الجرح مفسرًا، ثم إذا كان هذا الجرح بعد تفسيره قدحًا وقد يكون جرحًا مفسَّرًا ولكنه لا يكون قادحاً "، تطبيق هذه القاعدة بهذه الدقة هي المرجع أخيراً في ترجيح قول على قول، سواء كان في ذاك المرجوح هو قول المعتدلين أو قول المتساهلين أو قول المتشددين، فالقاعدة هي الحكم في الموضوع.
ما رأيكم في تتبع روايات المستور ومقابلتها بمرويات غيره من الثقات والخلوص بنتيجة لحال هؤلاء المستورين ؟
الشيخ : تفضل.
السائل : بعض طلبة العلم عندهم مشروع في تتبع رواية المستور حيث يتتبع جميع رواياته ويقابلها بمرويات غيره مِن الثقات، فما كان أكثرها موافقًا لرواية الثقات قَبِل روايته، أو العكس.
الشيخ : نعم.
السائل : ما رأيكم في هذا ؟
الشيخ : هذا عمل طيب جدًّا وقد يأتي بنفعٍ، لكن هذا يتعلق بإنجاز هذا القائم بهذا المشروع، يعني هل هو متمكن في هذا العلم، وهل هو محيط بالكتب التي تجمع أحاديث هذا المستور أم لا.
على كل حال هذا العمل الحقيقة شيء جيد ويُرجى أن يكون له ثمرة جيدة.
السائل : يا شيخ لكن هل يوفق في الحكم عليه من حيث الضبط وأيضًا العدالة ؟
الشيخ : ها على نسبة ما حصله من الروايات، وكثرتها وقلتها، وهل وافق الثقات في كلها أو في بعضها، ثم هذا البعض الذي وافق أكثر ولا أقل، القضية تحتاج إلى تحرير دقيق جدًّا.
السائل : أقصد يعني هذا من حيث الضبط يعني يعلم إذا وافقت أكثر روايته رواية الثقات.
الشيخ : نعم هو هذا الطريق من الطرق التي كان يلجأ إليها علماءُ الحديث حينما يوثقون أو يضعفون الراوي الذي لم يدركوه، ولم يُنقل إليهم قول من أدركه توثيقاً أو تجريحاً، وإنما سبيلهم في الحكم عليه بالتوثيق أو بالتضعيف هو سبر أحاديث أمثال هؤلاء.
2 - ما رأيكم في تتبع روايات المستور ومقابلتها بمرويات غيره من الثقات والخلوص بنتيجة لحال هؤلاء المستورين ؟ أستمع حفظ
وكيف تعرف العدالة للمستور إذا ما قورنت رواياته بروايات الثقات ؟
الشيخ : نعم
السائل : العدالة كيف تعرف ؟
الشيخ : العدالة ؟
السائل : نعم.
الشيخ : تقصد بالعدالة يعني كونه مسلم متبع للأوامر منتهي عن المحرمات، فالرتبة بيكون هذا الرجل أولاً مستور من هذه الناحية، وإذا كان له أحاديث كثيرة رواها ولم يظهر فيها ميل إلى شيء من الأهواء أو من الأمور التي تسقط العدالة، فهذا الاستقراء وهذا الاستقصاء هو مما يلقي في النفس أن هذا الإنسان ليس عدلاً فقط، بل هو ضابط وحافظ، وأنت تعلم بأن ابن حِبان -رحمه الله- إنما ذهب إلى توثيق المجهول لأنه قال: " أن الأصل في كل مسلم العدالة "، لكنه -سبحان الله- غفل أن هذا قد يكفي في الشهادة، لكن لا يكفي أن يكون ضابطًا في الحديث، ومن هنا أُنكر عليه توثيقُه لمن ذهب إلى أن الأصل فيه العدالة فهذا لا يكفي حتى يثبت مع العدالة الضبط والحفظ.
ما وجه توثيقككم لبعض الرواة المستورين في كتبكم ؟
الشيخ : هذا خلاصة ما ذُكر آنفًا.
السائل : كيف يعني ؟
الشيخ : السبر يعني، تتبع الذين رووا عن هذا الراوي الذي هو مستور وبخاصة إذا كان قد وثقه ابن حبان أو العجلي أو غيرهما من المتساهلين، فحينما يتتبع الإنسان هؤلاء الرواة الذين رووا عنه وهم ثقات، ولم يذكروا عنه رواية منكرة فحينئذ النفس تطمئن إلى أن هذا الإنسان صدوق، وعلى هذا جرى الحافظان المذكوران آنفًا الذهبي والعسقلاني، فإنهما وثَّقا أو على الأقل حَكَما على كثير من الرواة الذين لم يوثقهم أحد مطلقًا من قبل حكما بأن أحدهم صدوق وما ذاك إلا من استقراء الرواة الثقات الذين رووا عن هؤلاء المستورين.
ما هي الطريقة المثلى في استيعاب القواعد الفقهية ودراستها ؟ وهل صنّف أحد المشتغلين بالحديث في هذا الفن ؟
السائل : شيخ يلاحظ طالب العلم في كتب القواعد الفقهية كتباً متنوعة على اختلاف مناهجها ومذاهبها ككتاب * القواعد * لابن رجب، وكتاب * الأشباه والنظائر * لابن نُجيم الحنفي، * والأشباه والنظائر * للسيوطي، وغيرها من الكتب فتختلف هذه الكُتب في عد القواعد الفقهية، فبعضهم يوصلها إلى خمسين قاعدة، وبعضهم إلى تسعة وتسعين كما فعل أحد الحنفية في كتابه * شرح القواعد الفقهية * حسب المجلة، فهل هناك كتاب لأحد العلماء ممن سلك مسلك أهل الحديث ألَّف في القواعد الفقهية، أو ما هي الطريقة المثلى في استيعاب القواعد الفقهية ودراستها ؟
الشيخ : أما هل يوجد هناك كتاب فهذا مما لا أعلمه.
أما كيف ! فذلك بتتبع كل الكتب التي أُلفت على اختلاف المذاهب والمشارب سواء كان من الحنفية أو الشافعية أو المالكية أو الحنابلة أو الظاهرية، ككتاب * الإحكام في أصول الأحكام * لابن حزم الأندلسي الظاهري، كذلك للآمدي وغيرهما، وهذا في الواقع يحتاج إلى استعداد علمي واسع جدًّا ليتمكن من ترجيح قاعدة على أخرى، لأن هذا الترجيح لا يمكن أن يكون إلا فيما إذا كان عنده اطِّلاع على الكتاب والسنة، فإنَّ هذا الاطلاع هو الذي سيساعده على ترجيح قاعدة على أخرى لأن القواعد إذا لم تُبن على أُسس متينة من الكتاب والسنة فتكون ككثير من الآراء الفقهية التي لم تُبن على الأدلة الشرعية، بل القواعد التي تكون مِن هذا النوع أشدُّ خطرًا من الآراء الفقهية، لأنها سيُبنى عليها أمور كثيرة وكثيرة جدًّا، ولذلك فإتقان القواعد بالنسبة للذي يريد أن يكون على بصيرة من دينه هو الأمر الأوجب قبل أن يشرع في التفريع، فإذن لا بد له من يُلم بالاطلاع على كل ما أُلف في هذه الكتب العلمية الأصولية، ويضع لنفسه كما وضعوا لأنفسهم مِن القواعد ما تطمئن إليه نفسه وينشرح له صدره، والواقع الذي لمستُه من كل الكتب التي اطلعتُ عليها أنَّ كتاب ابن حزم في الأصول وهو الذي ذكرته آنفًا هو أحسن هذه الكتب مِن حيث منهجه، ذلك لأنه كل قاعدة يضعها يأتي بالدليل مِن الكتاب أو السنة، بينما كتب الأصول الأخرى نادر جدًّا ما يصنعون صنعه ويستدلون بدليله، فهذا الذي يمكن أن يقال بالنسبة لهذا السؤال.
5 - ما هي الطريقة المثلى في استيعاب القواعد الفقهية ودراستها ؟ وهل صنّف أحد المشتغلين بالحديث في هذا الفن ؟ أستمع حفظ
ما حكم متابعة الإمام في ترك جلسة الاستراحة إذا كان الإمام لا يجلسها والمأموم يرى سنيتها ؟
الشيخ : لا، الأولى أن تتابع، الأولى أن تتباع الإمام لأن متابعة الإمام واجبة وجلسة الاستراحة سنة، لموافقة قوله عليه السلام: ( إنما جُعل الإمام ليؤتم به ) هذه قاعدة، وقد يظن بعض الطلبة أن تمام الحديث هو تحديدٌ للأماكن التي يجب على المقتدي أن يتابع الإمام فيها وأنَّ هذا التمام للحديث هو تفصيل لقوله: ( إنما جُعِل الإمام ليؤتم به ) وليس ذلك في اعتقادي تحديدًا وتفصيلًا، وإنما هو تمثيل ببعض الأمثلة الهامَّة وإلا فهناك في بعض الفروع التي أشرت إليها ما لا يدخل في هذه التفصيلات التي ذُكِرت في حديث: ( إنما جعل الإمام ليؤتم به )، فقوله عليه الصلاة والسلام: ( فإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى قائمًا فصلوا قيامًا، وإذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا أجمعين ): هذا التفريع هو ليس لتفصيل: ( إنما جعل الإمام ليؤتم به ) وإنما هو ضرب لبعض الأمثلة الهامة التي يجب الاقتداء بالإمام فيها، وإلَّا لم يذكر في الحديث: وإذا سلم فسلموا، فهل يجوز لعدم ذكر السلام في الحديث ألا نتابعه في السلام ؟!
وكذلك مثلًا إذا نسي الإمام التشهد الأول وقام، فماذا نفعل ؟!
هذا بلا شك سهوٌ بالنسبة للمأتمين فهم يتابعونه أم لا يتابعونه ؟!
يتابعونه، لأن هناك نص صريح في الموضوع، ولكنه مع ذلك لم يُذكر في جملة التفصيلات التي ذُكرت في الحديث، وهكذا دواليك، فلهذه القاعدة الهامَّة أقول: بأنه لا ينبغي للمقتدي أن يخالف الإمام اتباعًا لمذهبه هو، فيعجبني في هذه المناسبة ما جاء في * سنن أبي داود * بالسند الصحيح: " أن ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه- كان يوم حج عثمان بن عفان في خلافته ونزل في منى، وكان أتم صلاته -أي: صلى أربعًا- وهم يعلمون جميعًا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما حج حجة الوداع صلى في منى قصرًا، أمَّا عثمان فأتم، فكان ينكر هذا الإتمام ابن مسعود عليه، ومع ذلك فكان يصلي صلاته، فيقول له بعض أصحابه: أنت تنكر عليه الإتمام ثم تتم؟ فكان يقول: الخلاف شر "، وهذا كأنه أخذه من رواية في الصحيح في حديث أنس السابق ذكره: ( إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه ) فلا تختلفوا عليه.
6 - ما حكم متابعة الإمام في ترك جلسة الاستراحة إذا كان الإمام لا يجلسها والمأموم يرى سنيتها ؟ أستمع حفظ
بيان أهمية تطبيق قاعدة اتباع الإمام في الصلاة لقوله عليه السلام: ( إنما جُعل الإمام ليؤتم به ... ).
ولو أنهم كانوا يتبعون السنة ويتبنون حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم مذهبا لوجدوا فيه الراحة ألا وهو الحديث السابق: ( يصلون بكم فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطؤوا فلكم وعليهم )، فالغريب في وجود هذه المحاريب الأربعة أنَّ المذهب المالكي والحنبلي واسع في هذه المسألة، لأنها تقوم عندهم على قاعدة متقابلة: " هل العبرة في صلاة المقتدي وراء الإمام هل العبرة برأيه أم برأي الإمام " !!
يترتب من وراء ذلك إذا صحت صلاة الإمام في رأي الإمام وبطلت في رأي المأموم هل صلاته صحيحة أم لا ؟!
مذهبان أحدهما يقول: العبرة برأي الإمام، فإذا كانت صلاة الإمام صحيحة فصلاة المقتدي وراءه صحيحة وهذا مذهب المالكية والحنابلة، بخلاف مذهب الحنفية والشافعية فإنهم يرون العكس تماماً أن العبرة برأي المقتدي وليس برأي الإمام.
وهذا طبعاً يتفرع منه صور عديدة لسنا بحاجة الآن إلى الخوض فيها.
وجه الغرابة أن عدوى المذهبين المذهب الحنفي والشافعي سرى إلى المذهبين الآخرين: المالكي والحنبلي فاتخذوا لهم أيضًا محاريب، كأن القضية قضية معاكسة ومشادّة، لماذا يكون للإمام الحنفي محراب وللإمام الشافعي محراب ولا يكون لنا محراب !
الحمد لله يعني مذهبكم كان موافق للسنة فصلوا وراء أي إمام من الإمامين السابقين حنفياً كان أم شافعياً، غلبت عليهم المذهبية الضيقة والغيرة من المذاهب الأخرى، وأيضاً جعلوا لهم محراباً كما لأولئك محراب، هذا كله غفلة عن السنة الصحيحة، بدءً من قوله: ( إنما جُعل الإمام ليؤتم به ) وانتهاء إلى قوله: ( يصلون بكم فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطؤوا فلكم وعليهم ).
7 - بيان أهمية تطبيق قاعدة اتباع الإمام في الصلاة لقوله عليه السلام: ( إنما جُعل الإمام ليؤتم به ... ). أستمع حفظ
هل نثبت صفتا الهرولة والحركة لله عز وجل ؟
الشيخ : اللفظة الأولى ما فهمتها.
السائل : الهرولة !
الشيخ : لا لا قبل الهرولة !
السائل : هل نثبتها ؟
الشيخ : الإثبات !
ما هو ما دامت ثابتًا في الحديث نثبته، لكن ما نتعمق فنقول: هل هو صفة لله عز وجل ثابتة أم لا ؟!
الظاهر من الحديث أنه صفة، لكن ما نتعمق أكثر من ذلك، لأننا في الواقع أو أنا شخصيًا لم أجد كلامًا لأئمة السلف في هذه القضية، وما دام جاء الحديث في ذلك أن الله عز وجل وصف نفسه بذلك فيمكن أن يقال: إنه من باب المجانسة -كما يقولون- والمماثلة، أو أن يكون فعلًا صفة لله عز وجل وهذا هو المتبادِر فلا نزيد على ما جاء في الحديث.
السائل : والحركة ؟
الشيخ : الحركة ! وين الحركة ؟
السائل : ليست صفة ؟
الشيخ : هل جاءت الحركة في الحديث، لا نعلم بهذا.
كيف يجمع بين النصين الآتيين: الأول: ما أخرجه البخاري ( ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن بيضاء وأخيه إلا في المسجد ) وقوله: ( ليس لمن صلى على الجنازة في المسجد شيء )؟
الشيخ : ما أظن أوَّله: ليس !
( من صلى على الجنازة في المسجد فلا شيء له ) هذا هو الحديث، فأين التعارض في ظنك بين الحديثين، قوله: ( فلا شيء له ) ؟
السائل : نعم.
الشيخ : ( فلا شيء له ) بمعنى: أنه من المتقرر أو من المستقر في ذهن كل مسلم أنَّ الأصل في الفرائض أنها إذا صليت في المسجد فلها فضيلة خاصة، فلمَّا كانت صلاة الجنازة فريضة ولو على الكِفاية، وقد يتبادر للذهن أن صلاتها في المسجد أفضل مِن صلاتها خارج المسجد، وأنَّ لها تلك الفضيلة المعروفة لصلاة الفريضة في المسجد، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم لما رأيناه كانت عادتُه الغالبة أن يصليَ على الجنائز خارج المسجد وفي المصلى ولكنَّه صلى كما ذكرت السيدة عائشة على ابني بيضاء في المسجد ففي صلاته بيان لجواز صلاة الجنازة في المسجد، وفي قوله: ( فليس له شيء ) أي: من ناحية الأجر الذي هو معروفٌ في أداء الفرائض في المسجد، فلا منافاة بين هذا وهذا.
السائل : جزاك الله خيراً.
9 - كيف يجمع بين النصين الآتيين: الأول: ما أخرجه البخاري ( ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن بيضاء وأخيه إلا في المسجد ) وقوله: ( ليس لمن صلى على الجنازة في المسجد شيء )؟ أستمع حفظ
في أي مرتبة من مراتب التدليس هو الأعمش ؟ ، وهل يدلس بقية بن الوليد تدليس التسوية ؟
الشيخ : إيش ؟
السائل : بالنسبة للأعمش في أي مرتبة من مراتب التدليس ؟ ، وبقية بن الوليد هل يدلس تدليس التسوية ؟
الشيخ : الأعمش نحن نمشي مع الصحيحين وجماهير العلماء الذين مشَّوا عملياً عنعنته إلا إذا كان في الحديث شيء من التردد في صحته أو ضعفه فهنا يقف الباحث ليفتش عن علة في إسناد الحديث، فإذا لم يجد والحالة هذه سوى العنعنة وكان لا بد مِن إعلال الحديث بشيء مِن المخالفة اتَّكأ حينذاك على عنعنة الأعمش، وإلَّا فالأصل تسليكُها، أما عنعنة بقية بن الوليد فعنعنته هي المعروفة بعنعنة الإسناد وليس عنعنة التدليس.
هل يقبل حديث من يدلس تدليس التسوية وقد صرح في حديث ما بالسماع في جميع طبقات السند ؟
السائل : شيخ تدليس التسوية، إذا روى لنا مدلس تدليس تسوية حديثاً وصرح في جميع طبقات السند بالسماع، هل يُقبل حديثه ؟
الشيخ : كيف لا ؟!
السائل : شيخ أحد المدرسين في كلية الحديث ينسب لكم أنكم لا تصححون هذا الحديث وتتوقفون فيه، وتبحثون له عن متابعات أخرى، فإن وجدتم.
الشيخ : هذا خلاف ما جريتُ عليه، وأقول: إذا صرح بالتحديث في كل الطبقات فهو حُجة .
نعم.
السائل : شيخ ... له حكم ما في الصحيحين من حيث الدرجة؟
الشيخ : لا.
ما حكم الصور التي ترسم في الفراش والبساط والوسادة أو الثوب مما يُلبس ويُهان ؟
الشيخ : الصور الكاملة لا ينبغي أن تكون في بيوت المسلمين، ولا يجوز للمسلم أن يقتنيَ ثوباً سواءٌ كان فراشاً أو لباساً على بدنه أو غير ذلك لا يجوز أن يقتني شيئاً مِن هذه الثياب ما دام فيها صورة كاملة، فإن اشترى شيئاً دون انتباهٍ منه كما يقع أحياناً يشتري بساطاً ولا ينتبه أن فيه صورة كاملة، أو لا ينتبه أن فيه صليباً أو صلباناً فحينئذ لا بد له من أحد شيئين:
إما أن يُطبق سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالقضاء على الصليب بقضبه والقضاء على معالمه بطريقةٍ أو بأخرى، وكذلك الصورة بتغيير شكلها حتى تصبح كما في حديث جبريل: ( كهيئة الشجرة )، وإن لم يستطع أن يصنع شيئاً من ذلك مما يقضي على معالم الصورة فيجوز له أن يتمتع بذاك البساط ما دام أنه بين أن يتمتع به أو أن يُهلكه وفي ذلك شيء من إضاعة المال.
فأما أن يتقصد الشراء وفيه الصورة فهذا لا يجوز، وقصة جبريل عليه السلام حينما تأخر عنه صلى الله عليه وسلم وقول جبريل: ( انظر أفي البيت قرامٌ فيه صور رجال، فانظر فليغيَّر حتى تصير كهيئة الشجرة ) هذا أمر بعدم الإبقاء على الصورة كما هي، بل يجب المحاولة على القضاء عليها.
والصور في الثياب أشكل وأشد تحريماً مِن الصور على البِساط، وقد انتشر في الآونة الحالية بين بعض الشباب مع الأسف لبس القمصان التي فيها صور، والكفار كأنهم سبحان الله! يتعمدون النكاية بالمسلمين، فقد كانوا أول ما ظهرت الصور على القمصان يدفعونها في الصدر، وإذا بهم الآن يدفعونها على الظهر أيضاً، وكثيراً ما نقوم نصلي ونجد شاباً بين أيدينا وصورة الظهر أمامنا وقد تكون صورة امرأة متبرجة عارية الشعر نافشة الشعر وهكذا، ولذلك فالصور في الثياب هي شرٌّ من كونها في البسط، لأنها أولاً مُعلنة هكذا وقد يتوجه إليها المصلي كما ذكرت آنفًا، فعلى كل حال يجب على المسلمين إذا ما نزلوا إلى الأسواق أن يختاروا أَلبسة الأطفال بخاصة التي ليس عليها صور من ذوات الأرواح.
ما حكم لعب الأطفال التي على هيئة الصور " العروسة البلاستيكية أو البيتية " ؟
الشيخ : لعب الأطفال إذا كانت بيتيَّة فلا نرى مانعًا منها اعتمادًا على حديث عائشة -رضي الله عنها- من صنع البيت، أما إذا كانت أجنبية من البلاستيك ومن النايلون فهذا لا يجوز شراؤها ولا يجوز إدخالها إلى بيوت المسلمين لسببين اثنين:
السبب الأول: وهذه قاعدة فقهية: " أنَّ ما كان الأصل فيه التحريم ثم جاء عنه استثناءٌ فيوقف عند هذا المستثنى مِن الأصل " : يعني الاستثناء يفيد الإباحة كلعب السيدة عائشة، والأصل يحرم الصور مطلقاً ودخول الملائكة تمتنع من الدور التي فيها الصور، هذا الأصل لا يجوز أن نضيف إلى الاستثناء الثابت بالنص أشياء أخرى مِن طريق الإلحاق أو القياس أو ما شابه ذلك، فلما كان لا يوجد لدينا نصٌّ يستثني بعض الصور مِن الأصل المحرم إلا حديث عائشة وما شابهه كحديث الأنصار: ( حينما كانوا يتخذون لأولادهم الذين كانوا يصومونهم فيتخذون لهم اللعبة من العِهن يشغلونهم بها عن الإفطار ) أي نعم، حتى المساء، لما كان لا يوجد لدينا إلا ما يدل على هذا النوع من الاستثناء لم يجز لنا أن نلحق اللعب التي تأتينا من الغرب وهي من صنعهم أولًا وليس من صنع البيت المسلم.
وثانياً: قد يُدخلون في هذه الصور كما هو مشاهد أَذواقهم وعاداتِهم وتقاليدهم فنجد مثلًا في صور البنات التي لها شعر إلى شحمة الأذنين كالصبي، والتي لها ثوب قصير إلى أنصاف الفخذين، فتتأثر البنات في دور المسلمين بمثل هذه الأزياء، بينما المفروض أن نحارب نحن هذه الأشياء وإذا بنا نُدخل وسائل تعاكس محاربتنا لهذه الأمور المخالفة لشريعة الله عز وجل، لهذا لا نرى جواز شراء هذه الصور التي تأتينا مِن الغرب ولو كانت لعباً للأطفال، وبخاصة أنهم كبَّروا هذه الصور فصرنا نرى الطفلة الصغيرة تحمل صورة أكبر منها حجمًا لكنها خفيفة الحَمل لأنها بلاستيك خفيف، فهذا في الواقع شيء منكر جدًّا بدأ يتسرب ويدخل إلى بيوت المسلمين إلحاقًا منهم بلُعَب الأطفال التي جاءت في بعض الأحاديث مرخصًا به، وهذا الإلحاق لا وجه إطلاقًا لما ذكرته آنفًا.
هل ترجحون تحديد معيناً للترخص في السفر أم أنكم تجعلونه راجعاً للعرف ؟
السائل : ذكرتم يا شيخ في كتابكم * السلسلة الصحيحة * في الأول عند حديث مسلم حديث أنس: ( كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ صلى ركعتين ) رواية قصر الصلاة، ثم ذكرتم ونقلتم كلام الخطابي في * المعالم * وتعقبتم عليه بقول: " إن ثبت الحديث فهو نص في المسألة إلا أني لم أر من قال به "، فقلتم: " إذا ثبت الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيؤخذ به ولا عبرة بمن لم يقل به ".
الشيخ : أي حديث ؟
السائل : حديث أنس كان الرسول صلى الله عليه وسلم.
الشيخ : هو ثبت وإن ثبت فهو ذلك.
السائل : ثبت، لكن هذا الذي فهمت الآن والذي يحضرني الآن، ثم في النهاية كأنكم رجحتم جنحتم إلى ما ذهب إليه شيخ الإسلام وابن القيم إلى ما يرجع فيه إلى العرف، فما أدري هل يؤخذ في أحكام مسافة السفر في ظاهر الحديث ؟
الشيخ : الحديث لا أشُك في صحته لكن كل شيء تكلمت عليه هو من الناحية الفقهية فهو لا يدل على أن هذه المسافة هي مسافة القصرِ، أي: بمعنى أنه إذا خرج مثل هذه المسافة ثم رجع فهذه المسافة تكون قصرًا، هذا نحن نقول: إنه لا يدل الحديث على ذلك مع صحة الحديث، وإنما المرجع في ذلك كما أشرت إليه أني نقلته عن شيخ الإسلام ابن تيمية وابن قيم الجوزية: المرجع في تحديد مسافة السفر إنما هو العُرف، فالحديث هذا لم يخرج نظاماً وقاعدة وإنما هذا وقع من الرسول عليه السلام، فقد يكون هناك خروجٌ طويل وليس سفراً، وقد يكون خروجاً قصيراً وهو سفر، فذلك راجع للعرف وليس إلى مسافة يقطعها الإنسان، والبحث في هذا طويل الذيل، وحسبك أنك عرفت الخلاصة التي انتهينا إليها اعتمادًا على مذهب ابن تيمية وابن قيم الجوزية -رحمهم الله تعالى-.
إذا روى الراوي الثقة عن مدلس بصيغة: " سمعتُ فلاناً يُحدث عن فلان "، فهل هذه تعتبر تصريح بالسماع أو عنعنة ؟
الشيخ : تفضل.
السائل : إذا كان راوي روى عن مدلس، وكانت الصيغة سمعت فلاناً يُحدث عن فلان، فهل هذه تعتبر تصريح بالسماع أو عنعنة، هكذا ورد في بعض الكتب ؟
الشيخ : يعني أنت الآن تدندن حول كلمة يحدث ؟
السائل : يحدث عن غيره.
الشيخ : كيف ؟
السائل : قال الراوي: أنني سمعت فلاناً يحدث عن فلان، وهو مدلس هذا المروي عنه.
الشيخ : فهمتُ يا أخي! أنا بقول لتوضيح سؤالك:
أنت تدندن حول كلمة: يحدث، وترجع بدل أن تقول: نعم، ترجع وتعيد سؤالك، فهل المشكل عليك هو كما قلت أولاً وأخيراً وهذا الذي جعلني أقول لك أو موجهاً لك إلى أنك تدندن حول كلمة: يحدث، وليس حول قول الراوي عن المدلس: سمعته يُحدث، فهل أنت تدندن حول الكلمتين الاثنتين: الراوي عن المدلس يقول: سمعته يحدث، أو تدندن حول كملة يحدث ؟
السائل : يحدث.
الشيخ : طيب هذا ليس تصريحًا بالسماع والتحديث لأن الراوي إذا قال عن فلان فقد حدث عن فلان، سواءٌ صرح بالتحديث أو لم يصرح، ولا بد من تصريح المدلس حينذاك بلفظة تكون صريحة في السماع: حدثني أو سمعته يقول أو نحو ذلك، أما إذا الراوي قال: سمعته أي: هذا المدلس، سمعت هذا المدلس يحدث عن فلان فذلك لا يعني أنه صرح بالسماع.
15 - إذا روى الراوي الثقة عن مدلس بصيغة: " سمعتُ فلاناً يُحدث عن فلان "، فهل هذه تعتبر تصريح بالسماع أو عنعنة ؟ أستمع حفظ
هل ينبغي على طالب الحديث في زماننا أن يشتغل بجمع الإجازات والرحلة في تحصيلها أم لا ؟
الشيخ : بل أرى أنه لا ينبغي أن يشتغل بذلك، لسببين اثنين:
أولًا: أنَّه لا فائدة في هذا العصر لجمع الإجازات، لأن زمن الرواية بالأسانيد انتهى من قديم الزمان.
وثانيًا: أن في ذلك ما يُعرِّض هذا الساعي لجمع الإجازات لشيء مما ينافي الإخلاص، وهو الظهور أنه أخذ الإجازة من فلان وإجازة من فلان، وهو يعلم أن هذه الإجازات لا ترفع منزلته في الحديث إذا كان وضيعاً ولا تزيده رِفعة إذا كان رفيعاً، وأنا أعرف إذا كانت الإجازات لها بعض القيمة في الزمن القديم أنها كانت تُعطى بغير حق، ككثير مِن الشهادات التي تُعطى اليوم بباعث الرشوة أو الالتماس أو نحو ذلك، فلا ينبني شيء على الإجازات في هذا الزمان إطلاقاً سوى إضاعة الوقت وحب الظهور، وقديماً قيل: " حب الظهور يقطع الظهور "، هذا رأيي في الإجازات.
هل كتاب * تعجيل المنفعة * و* لسان الميزان * و* تقريب التهذيب * تعتبر قد جمعت رجال الأمهات ؟
الشيخ : كل كتاب من هذه الكتب له اختصاص، فـــــــــ * تعجيل المنفعة * مختص بمسند أبي حنيفة والشافعي ومن ذكر معهما.
* التهذيب * و* التقريب * مختصة بالكتب الستة وما عُطف عليها كــ * الأدب المفرد * للبخاري، و * خلق أفعال العباد * ونحو ذلك.
و* الميزان * لا يختص إلا بمن تُكلم فيهم سواء كان هذا الكلام راجحاً أو كان مرجوحاً، وسواء كان هذا المترجَم في * الميزان * من رجال الستة أو من غيرهما، فلكل كتاب من هذه الكتب خصوصية، وقد لا تجد كثيرًا من المترجَمين في * التعجيل * لا في * الميزان * ولا في * التهذيب * وبالتالي في * التقريب * فهذا هو القول في هذه الكتب.
17 - هل كتاب * تعجيل المنفعة * و* لسان الميزان * و* تقريب التهذيب * تعتبر قد جمعت رجال الأمهات ؟ أستمع حفظ
ما هي الكتب التي تنصحون طلاب العلم بالرجوع إليها في مدارسة الرجال ؟
الشيخ : هذه والرجوع إلى الأصول التي منها أخذوا، ومن أهمها حقيقة كتاب: * الجرح والتعديل * لابن أبي حاتم، ثم تواريخ البخاري *الكبير *، و* الصغير * وهما مطبوعان، و* الأوسط * وهو إلى الآن مفقود، ثم * ثقات ابن حبان * و* ثقات العجلي * وابن شاهين وأمثالهم، فهذه بدؤوا اليوم والحمد لله ينشرونها، كتاب * تاريخ الخطيب البغدادي * مرجع عظيم جدًّا لبعض التراجم التي قد لا توجد في كل هذه المصادر، كذلك * تاريخ دمشق * لابن عساكر، وقد كان مجمع العلم العربي في دمشق طبع منه بعض المجلدات متفرقات ليست على التسلسل، وصُورت بعض النسخ اليوم، لكن هذه النسخ فيها خرم وفيها نقص، ليت هذا النقص تم ولو مِن بعض النسخ الأخرى، فهذه هي الأصول التي يجب على طالب العلم أن يرجع إليها بالإضافة إلى هذه الكتب الأولى التي ذكرناها وهي تعتبر كتباً جامعة.
هل أفعال النبي صلى الله عليه وسلم التي فعلها ولم يأمر أمته بها تعتبر سنة لأمته ؟
الشيخ : ما سمعت.
السائل : أفعال النبي صلى الله عليه وسلم التي فعلها ولم يأمر أمته فهل يعتبر في هذا سنة لأمته يقتدون به فيها ؟
الشيخ : إذا كان هناك قرينة تدل على أنه قصد التعبد بها فهي مما يُشرع الاقتداء به عليه الصلاة والسلام فيها، أما إذا...فحينذاك المسلم مخير بين أن يفعلها أو أن يدعها ولكنه لا يجوز له أن يتقرب إلى الله عز وجل بما لم يتقرب به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى ربه تبارك وتعالى.
نرجو توضيح كلام الحافظ الذهبي وملخصه: " أن رواية جمع من الرواة الثقات عن الراوي الذي لم يأت ما بما يُنكر عليه صحيحة، وأن الجمهور على تصحيح حديثه ".
الشيخ : تفضل.
السائل : ذكر الذهبي في * الميزان * أنَّ الراوي إذا روى عنه جمع ولم يأت ما ينكر عليه فالجمهور على تصحيح حديثه، الحافظ ابن حجر رحمه الله في * اللسان * المخطوط استدرك على الذهبي هذه العبارة، وقال: " لم أر أحدًا من المتقدمين ينص على هذا " ، ثم قال: " نعم هو حق بحق من كان مشهورًا بطلب العلم والانتساب إليه " فنريد توضيح العبارة هذه ؟
الشيخ : لقد وضحه الحافظ ابن حجر نفسُه، وطبقه نفسُه في كتاب: * التهذيب *.
وآنفًا جاء بحثٌ فيه إجابة عن هذا السؤال، فالحافظ ابن حجر في كتاب: * التهذيب * يُترجم لبعض الرواة ويذكر كثيراً من الرواة الثقات الذين رووا عنهم ولا يحكي عن أحدٍ من أئمة الجرح والتعديل توثيقًا له، ومع ذلك فنجده يصرح في * التقريب * في الغالب أنه صدوقٌ، وأحيانًا أنه ثقة، ثم نجده في بعض تقاريره وكلامه على بعض الأحاديث في مثل كتابه الكبير * فتح الباري * يمشِّي أحاديث هذا النوع مِن الرواة مع أنهم لم يَذكر هو نفسُه من وثقهم، فهو مشى على هذه القاعدة التي حكيتَ عن الحافظ الذهبي ثم ذكرتَ عن الحافظ ابن حجر أنه لم يجد مَن سبقه إلى ذلك وهذا هو العلمُ وهو:
" أن يأتي الإنسان بشيء بتتبعه وتحقيقه لم ينص عليه أحد، ولذلك فالحافظ ابن حجر عملياً ما وسعه إلا أن يمشي وراء هذا القول الذي ذكر أنه لم يجد من سبق الحافظ الذهبي إليه "، لكن حينما الباحث المتخصص في علم الحديث وفي تراجم الرجال حينما يُمعن النظر في طريقة تجريحهم للرواة وتوثيقهم إياهم وهم لم يُدركوهم يجد نفسه منساقًا إلى هذا الذي ذكره الحافظ الذهبي -رحمه الله-.
20 - نرجو توضيح كلام الحافظ الذهبي وملخصه: " أن رواية جمع من الرواة الثقات عن الراوي الذي لم يأت ما بما يُنكر عليه صحيحة، وأن الجمهور على تصحيح حديثه ". أستمع حفظ
نرجو توضيح مراد الحاكم بقوله: صحيح على شرط الشيخين أو أحدهما مع أن في الإسناد من شيوخ الحاكم من هو في طبقة متأخرة لم يرو لهم البخاري بل لم يدركوه ؟
الشيخ : تكلمنا على هذا كثيراً في كتبنا، هو يعني على شرط الشيخين: من عند شيخ البخاري فصاعداً، وليس يعني من دون شيخ البخاري، يعني مثلاً
: من شيوخ الإمام البخاري أحمد بن حنبل، فحينما يكون الحديث في * المسند * ويقول فيه الإمام أحمد: حدثني فلان، ويكون السند كُلهم على شرط البخاري وأحمد هو من شيوخ البخاري فعادةً المحدثون لا ينظرون إلى راوي كتاب الإمام أحمد لأنه مُسلَّم ثبوته عنه، فيقولون: إسناده صحيح على شرط الشيخين يعنون ابتداءً من أحمد فما فوق، ولا يعنون نزولاً من تحت الإمام أحمد، كذلك الحاكم إذا روى عن أحمد مثلاً عن الإمام أحمد بإسناده الصحيح، يقول: هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، يعني ابتداء من أحمد فما فوق، لكن هنا ينبغي على طالب العلم أن يدقق النظر هل شيخ الحاكم وشيخ شيخه وقد يكون هناك ثالث حينما يصل إلى شيخ البخاري أو شيخ مسلم أو شيخهما معًا هذا السند صحيح أم لا ؟!
فإذا كان صحيحاً قيل: بأن إسناده على شرط الشيخين أو أحدهما يعنون بذلك مِن عند شيخ البخاري وشيخ مسلم لا ما دون ذلك.
وأنا شخصياً قد وجدت كثيراً من الأحاديث يصححها الحاكم على شرط الشيخين ويكون مَن دون الشيخ وقد يكون هو شيخ الحاكم نفسه متكلمًا فيه فلا يصح والحالة هذه أن يصحَّح الإسناد مطلقاً فضلاً عن أن يصحح على شرط الشيخين .
وسبحانك اللهم وبحمدك.
21 - نرجو توضيح مراد الحاكم بقوله: صحيح على شرط الشيخين أو أحدهما مع أن في الإسناد من شيوخ الحاكم من هو في طبقة متأخرة لم يرو لهم البخاري بل لم يدركوه ؟ أستمع حفظ
توضيح وتفصيل لحكم تقبيل يد الأبوين والعلماء الصالحين وبيان أصل ذلك من عدمه في السنة المطهرة.
والنتيجة أن الذي ينبغي أن يعتاده طلاب العلم مع أهل العلم الصالحين إنما هو ما اعتاده خير الناس مع سيد المرسلين، ألَا وهو: ترك تقبيل اليد، وعلى العكس من ذلك أن يجعلوا المصافحةَ بديل التقبيل، لأنه هو الثابتُ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعلاً وقولاً:
أما فعله فكما قال بعض الصحابة وأظنه أبا ذر: ( ما لَقِيَنا رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا وصافحنا ): ما لقينا إلا وصافحنا، لكن لم يرد ما لَقِيْنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا وقبَّلنا يده لا يوجد مثل هذا إطلاقاً، وإنما كانوا إذا لقوا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم صافحوه كما دل هذا الحديث على ذلك، هذا هو الفعل، أمَّا القولُ فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ( ما مِن مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا تحاتَّت عنهما ذنوبهما كما يتحات الورق عن الشجر في الخريف ):
فإذن في المصافحة سنة فعلية وسنة قولية، هذه السنة القولية تدل على فضيلة عظيمة لمصافحة المسلم للمسلم، أمَّا التقبيل، تقبيل اليد فحسبه أن يكون جائزًا وجوازًا مرجوحًا، وأعني بكلمة مرجوح يعني يُفعل أحياناً، وهذا كما يقولون في بلاد الشام: " من باب تفشيش الخلق "، لماذا؟ بيكون الإنسان مشتاق للشيخ فبهجم على إيده بيقبلها، ما ينبغي هنا للشيخ إنه يصده، لكن ما ينبغي للشيخ في الوقت نفسه أن يعوِّد أصحابه وتلامذته على تقبيل يده كما هو واقع كثير من المشايخ في بعض البلاد العربية، وقد سنَّ بعضُ هؤلاء الشيوخ سنة سيئة لكثرة ما عوَّد مريديه وأصحابه على تقبيل يده، فهو لكي يرضيَ جمهور تلامذته ولكي يحظى كلٌّ منهم ببركة تقبيل يده فهو ليوفر الوقت على أصحابه يمد يديه كلتيهما، فتجد الناس صفين صف عن يمينه وصف عن يساره، هذا بلا شك مما يُشعر بأن هذا الشيخ قد غرَّر بنفسه أولًا ثم بتلامذته ثانيًا فأوهمهم أن تقبيل يد الشيخ هو مما يقربهم إلى الله زُلفى، والأمر ليس كذلك وبخاصة إذا صار قانونًا وباليدين معًا فهذا ليس له أصل في السنة إطلاقًا.
22 - توضيح وتفصيل لحكم تقبيل يد الأبوين والعلماء الصالحين وبيان أصل ذلك من عدمه في السنة المطهرة. أستمع حفظ
خلاصة القول في بيان حكم تقبيل يد العالم أو الشيخ.
فليفعلوا بشيخهم ولا يزيدوا على ذلك، ماذا كانوا يفعلون؟!
عرفتم أنهم كانوا يصافحونه ولا يقبلون يده، وإنما تلك الروايات التي أشرنا إليها آنفًا ما فيها أنَّ أحدًا من أصحاب النبي العارفين بخلقه والمتشبعين بتواضعه عليه السلام ما أحدٌ منهم قبَّل يد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وإنما قد يكون المقبل أعرابياً جاء مِن البادية وسمع بعظمة الرسول عليه السلام وفضله ومنزلته فجاء مشتاقًا إليه فقبل يده، وبدهيٌّ جدّاً أن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الحالة لا يصدُّه، بل كانت سياسته عليه الصلاة والسلام أبعدَ من هذا الصدّ، وكانت هي الحكمة بعينها في بعض ما كان يصدرُ مِن أصحابه عليه الصلاة والسلام مما لا يُحب هو في نفسه أن يفعلوه به، ولكنه يعلمُ في الوقت نفسه أنَّ الذي كان يفعلونه معه إنما كان يدفعهم إلى ذلك حبُّهم الشديد للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولذلك فقد أقرهم برهة من الدهر ثم صرفهم عن ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة، أعني: جاءت أحاديث كثيرة بأن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانوا يتبركون ببعض آثاره بل ببعض فضلاته، وبعبارة أوضح بوَضوئه، وبخاصة في قصة الحديبية التي لا تخفى -إن شاء الله- على طالب علم حيثُ لما جاء رسولُ المشركين واسمه سهيل بن عمرو، لما جاء رسولًا مِن قِبل المشركين ليسمع من النبي صلى الله عليه وسلم ما الذي يريده فوقع عينه على ظاهرة لم تقع عينه على مثلها في الأمم الأخرى مع ملوكها وأمرائها، ذلك أنه رأى أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتبادرون ويتسابقون إلى التبرك بوَضوء النبي صلى الله عليه وسلم الماء الذي يتوضأ به، بل وبفضلات أنفه وبُصاقه، فكان ذلك مدعاةً وسببًا قويًا ليعود سهيلٌ هذا إلى أصحابه لينصحهم ألَّا يقاتلوا محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم لأنه رأى كسرى وقيصر ورأى أصحابهم، فما رأى أحدًا من هؤلاء يعظمون ملوكهم كما رأى أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم يعظمون محمدًا فليس لكم سبيل إلى محاربة هؤلاء، هذه القصة وقعت وكان فيها حكمة بالغة كما يدل على ذلك قول سهيل ونُصحه لكفار قريش.
توضيح سياسة النبي صلى الله عليه وسلم في إذنه لأصحابه في التبرك بآثاره وتعظيمه.
فحب الله ورسولِه حقيقةً هو أن يتخلق المسلم بالأخلاق الإسلامية، كمثل قوله عليه السلام: ( أدِّ الأمانة إلى مَن ائتمنك ولا تخن من خانك ) أَدُّوا الأمانة واصدقوا إذا تحدثتم وتكلمتم.
ولذلك فلم يتتابع أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم على التبرك بآثاره إلا أفرادًا قليلين قليلين جدًّا، أما هذه التظاهرة التي أقرهم -عليه الصلاة والسلام- عليها برهة مِن الزمن فلم تعد تتكرر من بعد هذا التوجيه النبوي الكريم.
بيان سياسة النبي صلى الله عليه وسلم الشرعية في تربية أصحابه على التوحيد حتى بالألفاظ التي لا تقصد وتكون في ظاهرها كفر أو شرك ومنعهم من ذلك.
( رأى أحدُ أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليلةً منامًا فقصَّ رؤياه عليه صلى الله عليه وآله وسلم ):
" والرؤيا أنه بينما كان ذلك الصحابي يمشي في بعض طرق المدينة إذ مر برجل من اليهود، فقال المسلم لليهودي: نِعم القوم أنتم معشر يهود لولا أنكم تشركون بالله وتقولون: عزيرٌ ابن الله، فقابله اليهودي بقوله: ونعم القومُ أنتم معشر المسلمين لولا أنكم تشركون بالله فتقولون: ما شاء الله وشاءَ محمد، ثم مضى في طريقه فلقي رجلًا من النصارى فقال له: نِعم القوم أنتم معشر النصارى لولا أنكم تشركون بالله فتقولون: عيسى ابنُ الله، فعارضه بمثل قول ذلك اليهودي: ونِعم القوم أنتم معشر المسلمين لولا أنكم تشركون بالله وتقولون: ما شاء الله وشاءَ محمد "، هذه الرؤيا التي رآها ذلك الصحابي وقصها على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال له: ( هل قصصتها على أحد؟ قال: لا، فخطبَ النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه وقال لهم: طالما كنت أسمع منكم كلمةً تقولونها: ما شاء الله وشاء محمد فأستحيي أن أنهاكم عن ذلك ): لماذا؟ لأنه يعلم أن قصدهم ليس هو الإشراك، إشراك الرسول مع الله، وإن كان اللفظ من حيث الأسلوب العربي يُشعر بذلك، لكن ( إنما الأعمال بالنيات )، فهم لا يقصدون الشرك، وما آمنوا بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم إلا فراراً من الشرك، لكنهم كانوا يقولون هذه الكلمة، والأَوْلَى بهم ألا يقولوها وذلك من آداب الإسلام ألا يقول المسلم وألا يتكلم بكلمة يضطر إلى أن يعتذر عنها أو أن يتأولها بتأويلٍ ما، وهذا مِن نصائحه عليه السلام في حديث جاء بلفظين اثنين أحدهما مختصر والآخر مطوَّل، الأول قوله عليه السلام: ( إياك وما يُعتذر منه )، تفسيره في اللفظ الآخر: ( لا تكلمنَّ بكلامٍ تعتذر به عند الناس ) فهذا أدب يُخل به كثير من طلبة العلم فضلًا عن غيرهم، فطالما سمعتُ سؤالًا يصدر مِن بعضهم فأقول: لعلك تعني كذا وكذا؟ يقول: إي والله هذا قصدي، لكن لفظه يخالفُ قصدَه، ولذلك فمن الحِكَم التي تلتقي مع هذا الأدب النبوي: أنَّ كلام العاقل بعد عقله، وكلام المنافق على العكس من ذلك يتكلم ثم يُفكر، أما العاقل المسلم يُفكر ثم يتكلم حتى يكون كلامُه ثابتًا صحيحًا في نفسه، ولا يحتاج إلى أن يقول: عفوًا أنا قصدت كذا وكذا وما قصدت هذا الذي فهمته مني، الشاهد: قال لهم: ( كنت أسمع منكم هذه الكلمة فأستحي منكم، فلا يقولنَّ أحدكم ما شاء الله وشاء محمد، ولكن ليقل: ما شاء اللهُ وحده ):
هذا الحديث هو سياسة شرعية منه عليه السلام كيف أنه يصبر على أصحابه لعلهم يرجعون من ذوات أنفسهم عن خطئهم، حينما رأى ذلك الصحابي تلك الرؤيا وأنَّ اليهود والنصارى صاروا يأخذون على المسلمين نحو ما يأخذ المسلمون عليهم، أقول: نحوَ، لأن هناك فرقًا كبيرًا بينما يأخذه المسلمون على اليهود والنصارى لأنه هو الشرك الأكبر، وبينما أخذه اليهود والنصارى على أصحاب الرسول إنما هو الشرك اللفظي وليس شركًا اعتقاديًا.
25 - بيان سياسة النبي صلى الله عليه وسلم الشرعية في تربية أصحابه على التوحيد حتى بالألفاظ التي لا تقصد وتكون في ظاهرها كفر أو شرك ومنعهم من ذلك. أستمع حفظ
بيان الواجب على طلاب العلم من معرفة الفرق بين الكفر الأكبر والأصغر.
خلاصة القول: أن بعض الأمور مما يعتادها بعض المسلمين ليست مخالفات شرعية صريحة ولكن الأولى تركها والإعراض عنها، ففي مثل هذه الأمور ينبغي على من كان عنده شيء مِن العلم والفقه أن يسايس الناس وأنْ يداريهم في حملهم على الإعراض عنها وألا يكونوا كالذي يستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير، وإنما يعكسون ذلك تمامًا.
ومن هذا القبيل أن ندع تقبيل الأيدي مكان المصافحة فقد علمتم فضيلة المصافحة بفعله وقوله صلى الله عليه وآله وسلم، هذا ما عندي.
ما حكم تقبيل الرأس ؟
الشيخ : تقبيل الرأس ما ثبت في السنة إلا في حديث مرسل، الذي قال فيه لما جاء جعفر مِن الحبشة بعد فتح خيبر فقال عليه الصلاة والسلام: ( ما أدري أنا بفتح خيبر أسرُّ أم بقدوم جعفر ) هذا حديثٌ مرسل، والمرسل لا يصح إلا إن جاء له شاهد يقويه، ولم نجد له شاهدًا، لكنه جاء من طريق موصول وهو نفس المرسل وفيه ضعف، والمرسل إسناده صحيحٌ فيكون الراجح الإرسال دون المسند أو الموصول.
ما حكم الأحاديث التي أخرج لها الشيخان لرواة اتُهموا بالتدليس كالمقدمي ؟
الشيخ : نعم.
السائل : عِلمًا بأن البخاري ومسلم أخرجا له في الصحيح، فإنه يقول: حدثنا وينوي القطع، فهل يردُّ حديثه كله، عِلمًا بأن ابن سعد تفرد في اتهامه بهذه المسألة ؟
الشيخ : الجواب عن مثل هذا كالجواب عن إخراج الشيخين لكثيرٍ من الثقات الذين وُصِفوا بالتدليس، فبعضُ هؤلاء المدلسين الذين روى لهم الشيخان ليس من الضروري أن يقوم في ذهن أحدنا أنَّ الشيخين أخرجا لهما وهم معتقدون بتدليسِهما، فقد يكون الأمر هذا والعكس، أي: قد يكون المدلس المتهم بالتدليس من غير البخاري ومسلم وهو كذلك عندهما، ولكنهما أخرجا لذاك المدلِّس لسببٍ أو آخر مذكور في علم المصطلح، مِن ذلك مثلاً أن يكون الإمام قد وقع لديه تصريح المدلِّس بالتحديث في غير رواية الصحيح، وإنما آثرها على تلك الرواية لأن الشرط الذي التزمه فيما أخرجه في صحيحه لم يتحقق في تلك الرواية التي صرَّح فيها المدلس بالتحديث، قد يكون هكذا، وقد يكون الأمر الآخر وهو المهم في موضوعنا وفي جوابنا عن سؤالك:
قد يكون المدلس مدلسًا عند غير البخاري ومسلم، فالبخاري أقلُّ ما يُقال في مثل هذا المقدَّمي أقل ما يقال: إن البخاري ومسلمًا كان ذهنهما خاليًا عن من رمى هذا الراوي الثقة بالتدليس، تدليس السكوت فرويا له ما دام أنه قال: حدثنا وهذا حجة بالاتفاق، ولذلك فلا يرد على البخاري أقوال المخالفين له، كل ما يمكن أن يقال: هل يرجَّح صنيعُهما وإخراجهما لمثل هذا المدلِّس أم يُرجح قول من اتهم الراوي بالتدليس، أيَّ نوعٍ كان هذا التدليس.
إذا عُرف ذلك فكل مسألة يخالَف فيها الإمام البخاري فليس ينبغي أن يقال: كيف روى عن فلان مثلًا وقد تكلم فيه فلان وفلان؟!
لأن الجواب: أنَّ البخاري ليس هذا الكلام إن كان بلغه مؤثرًا في ثقةِ ذلك الراوي الذي روى هو عنه، وهكذا، فلا ينبغي أن نقف عند مثل هذه الأقوال، لأن مثل هذه الأقوال موجودة في كثير مِن رواة الصحيحين وغيرهما، وإنما على طالب العلم إن كان وصل منزلةً تُمكنه من الترجيح لقول على قول أن يرجح ما كان عليه البخاري أو ما خالفه غيره، هذا هو الجواب بالنسبة لهذا السؤال.
ما رأيكم في توثيق الحافظ ابن حجر لأم عبد الله بن أبي مليكة مع أنه لم يرو عنها غير ابنها ؟
الشيخ : هذا معروف وهو أنَ الحافظ له بعض التوثيقات وبعض التجهيلات وهيَ غير مقبولة، فإننا نجد في * تقريبه * عكسَ هذا تمامًا، نجد من قال فيه: مجهول أو مستور مع أنه في أصل * تقريبه * ألا وهو * التهذيب * قد ذكر توثيق بعض الأئمة المتقدمين، مع ذلك لم يعتدَّ بهذا التوثيق وقال فيه: إنه مستور، لا نستطيع نحن أن نعلل كل خطأ يصدر من أي إمام في أي علمٍ، وقد اعتاد بعض الطلاب حينما يسمع بحثًا فقهيًا وفيه ترجيح قول على قول، والقول الراجح فيه دليل صريح في السنة، والقول المرجوح لا يوجد له دليل سوى أن فلانًا قال كذا، فيبادر بعض الحاضرين فيسأل ما حجته!، مش ضروري أن لكل رأي ثبتت مخالفتُه بالدليل الشرعي أن يكون لدينا حجةً حكاها أصحابُ هذا الرأي عن أنفسهم أو عن إمامهم، يكفينا أن نعرف الصواب لأن الأمر كما قيل: " وبضدها تتبين الأشياءُ "، فإذا رجعنا إلى أم ابن أبي مُليكة ووجدنا في * التقريب * يقول عنها: " ثقة "، مع أنه في * التهذيب * لم يذكر عنها إلا راوياً واحداً، فالقواعد التي هو قعَّدها ومنه تعلمناها يقتضينا أن نقول هذه: مجهولة كما قال في مثيلاتها، وما أكثر النِّسوة اللاتي ذكر * التهذيب * لهن راوياً واحداً فيقول فيهنّ: مقبولة أو يقول: مجهولة، أمّا أن يقال عنها ثقة فهذا خلاف القاعدة، لكن ما الذي دار في ذهنه، هل هناك شيء ما أفصح عنه، أم هو بشر والبشر يُخطئ ويصيب.
على هذا ينبغي أن نتمسك بالقاعدة لكن مع القاعدة يجب أن نتثبَّت لعل بهذه الترجمة سواء كانت امرأة أو رجلًا رواةً آخرين قصُرَ كلام الحافظ في * التهذيب * عن استيعاب الرواة عنها، فلما جاء إلى * التقريب * انكشف له هذا التفصيل فانطلق من هذا الاكتشاف إلى هذا التوثيق، وهذا النوع قد يُوجد له بعض النماذج حينما نبحث بعض التراجِم، نجد مثلًا في * الجرح والتعديل * أكثر من راوٍ واحد بينما الحافظ ذكر راوياً واحداً، وقد نستفيد من * الجرح والتعديل * على الحافظ، الحافظ يذكر راويًا يسميه وفي * الجرح * يسمي راويين آخرين أو أكثر من ذلك فيُضم هؤلاء إلى ذاك فيصبح عندنا جماعة مِن الثقات رووا عن ذاك المترجَم، فحينئذٍ يمكن أن يكون الحافظ ابن حجر في مثل هذه الترجمة قد لاحظ مثل هذه الملاحظة التي لم يتنبَّه لها في * التهذيب * لكن هذا محتمل وواقع في بعض التراجِم، فلكي لا يكون طالب العلم مُتسرعًا في تخطئة الحافظ عليه أن يُجرِي مثل هذا البحث الواسع حتى يقتنع أن هذه المرأة مثلًا فِعلًا ليس لها في ترجمتها إلا هذا الراوي الواحد.
29 - ما رأيكم في توثيق الحافظ ابن حجر لأم عبد الله بن أبي مليكة مع أنه لم يرو عنها غير ابنها ؟ أستمع حفظ
هل يقبل القياس قبولا تاما أم يرد ردا تاما أم هناك ضوابط تحده ؟
الشيخ : نعم.
السائل : بالنسبة للقياس يا شيخ هل يقبل قبولاً تاماً أم يرد رداً تاماً أم هناك ضوابط تحده ؟
الشيخ : القياس لا يرد مطلقاً كما هو مذهب الظاهريين، ولا يُقبل مطلقاً كما هو مذهب المتوسعين في قبوله كالحنفيين، أحسن ما رأيته مِن أقوال العماء هو قول الإمام الشافعي -رحمه الله- في * رسالته *: " أن القياس ضرورة "، إذا وجدت الضرورة للقياس.