باب : " باب الترهيب من السحر وإتيان الكهان والعرافين والمنجمين بالرمل والحصى أو نحو ذلك وتصديقهم " شرح حديث عائشة رضي الله عنها : ( اجتنبوا السبع الموبقات قالوا يا رسول الله وما هن ؟ قال : الشرك بالله ... )
تكلمنا عن الفقرة الأولى ألا وهي الإشراك بالله تبارك وتعالى وذكرنا أن هذه الخصلة كما جاء في أحاديث أخرى هي أكبر الكبائر، هي هذه السبع من الكبائر والكبائر كثيرة جداً ولكن الأولى من هذه السبع هي أكبر الكبائر ، الإشراك بالله عز وجل وقد جاء في بعض الاحاديث الصحيحة كحديث عبد الله بن مسعود أنه قال : ( أكبر الكبائر أن تجعل لله نداً وقد خلقك ) .
فشرحنا في الدرس الماضي أن الشرك على ثلاثة أنواع : شرك في الربوبية وشرك في الألوهية أو العبودية وشرك في الصفات.
وتكلمنا عن هذه الأنواع الثلاثة بشيء من التفصيل، وانتهينا إلى أن المسلم لا يكون موحداً حقاً، قائماً بتحقيق شهادة لا إله إلا الله إلا إذا تبرأ عقيدة وعملاً من هذه الأنواع الثلاث من أنواع الشرك: شرك الربوبية، وشرك الألوهية، وشرك الصفات.
وذكرنا أنه يقابل هذه الأنواع الثلاثة من الشرك أنواع ثلاثة أخرى من التوحيد، كل نوعٍ من هذه الأنواع الثلاث من التوحيد يضادده نوع من تلك الأنواع الثلاثة من الشرك، فالتوحيد: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية أو العبودية، وتوحيد الصفات، فمن اعتقد أن لله عز وجل نداً في ذاته، كما يعتقد الوثنيون المجوس القائلون بخالق الخير وخالق الشر فهؤلاء مشركون شركاً من أي نوع؟ الأول، نوع الربوبية، فهؤلاء لم يؤمنوا بوجود ربٍ خالقٍ واحدٍ.
وهذا هو أكبر وأوضح أنواع الشرك في الدنيا، فإذا آمن الإنسان بأن الله عز وجل لا ندّ له ولا شريك له في ذاته، فهذا لا يكفيه، لأن المشركين قد كانوا موحدين توحيد الربوبية كما ذكرنا في الدرس الماضي، فلا بد أن يضم إليه توحيداً من النوع الثاني، ألا وهو توحيد العبودية أو الألوهية، ومعنى ذلك: أنك أيها الإنسان بعد أن آمنت بأن الله عز وجل واحد في ذاته لا خالق معه يجب أن تعتقد وأن تحقق في نفسك أنه أيضاً لا شريك له في عبادته، فيجب ألا تعبد مع الله إلهاً أو آلهة أخرى، فإن أنت لا سمح الله فعلت شيئاً من ذلك فقد نقضت توحيد العبودية أو الألوهية، ووقعت في الشرك من النوع الثاني: ألا وهو شرك العبودية أو الألوهية.
أي: إن توحيدك الأول توحيد الربوبية لم ينفعك شيء، لأنك لم توحد الله عز وجل في عبادته وفي ألوهيته، هذا المعنى الثاني هو الذي رمى إليه الرسول عليه الصلاة والسلام في الحديث السابق حديث ابن مسعود حينما قال: ( أكبر الكبائر أن تجعل لله نداً وقد خلقك ) أي: أن تعبد مع الله إلهاً آخر، وهو الذي تعتقد أنه وحده تولى خلقك، ورزقك، وو إلى آخر ما هنالك،
فلذلك لا يليق بهذا الإنسان الذي اعتقد أن الله خالقٌ وحده أن يعبد غيره، لأنه معنى ذلك أنه قد أعطى العبادة لغير من يستحقها، إنما يستحقها رب العالمين تبارك وتعالى.
كذلك قلنا في النوع الثالث من الشرك، وهو الشرك في الصفات، فيجب أن توحد الله عز وجل في صفاته كما أنك توحده في عبادته، كما أنك توحده في ذاته، فإذا ما اعتقدت بأن إنسان مهما سما وعلا اعتقد فيه نوعاً أو صفة من صفات الله عز وجل لم ينفعك شيئ مطلقاً توحيدك لله توحيد الذات وتوحيد العبادة، لأنك لا بد أن توحده أيضاً في صفاته، فإذا اعتقدت أن هناك من يشبهه في صفة من صفاته، فقد أشركت وحبط عملك.
هذه التفاصيل تبين لكم أهمية فهم التوحيد بأنواعه الثلاثة، وما يناقضها من أنواع الشرك الثلاثة، حتى تتمكن من اجتناب هذا الشرك الذي كان أول ما أمرك به الرسول عليه السلام باجتنابه في هذا الحديث الصحيح: ( اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله عز وجل ).
1 - باب : " باب الترهيب من السحر وإتيان الكهان والعرافين والمنجمين بالرمل والحصى أو نحو ذلك وتصديقهم " شرح حديث عائشة رضي الله عنها : ( اجتنبوا السبع الموبقات قالوا يا رسول الله وما هن ؟ قال : الشرك بالله ... ) أستمع حفظ
بيان أن التشريع من صفات الله تعالى وأن من الشرك اتخاذ مشرع يحلل ويحرم من دون الله تعالى
فالله عز وجل ينكر على المشركين الذين كانوا يحرمون أشياء من عند أنفسهم، ويحللون أشياء أخرى مقابل تلك من عند أنفسهم، بقوله عز وجل: (( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ )) فهذا إنكار على الذين يشرعون من عند أنفسهم، وهناك إنكار على الذين اتبعوا أمثال هؤلاء المشرعين من عند أنفسهم، فقال ربنا تبارك وتعالى ذاماً ومنكراً على النصارى: (( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ )) أشكلت هذه الآية على بعض الصحابة، لأنه فهم منها أن إشراك المشركين من النصارى إنما كان من النوع الأول، وهو الإشراك في الربوبية فقط، فقال أحدهم وهو عدي بن حاتم الطائي ، وقد كان من النصارى القليلين الذين تدينوا بدين النصارى يومئذ وقرأ وكتب، ثم هداه الله عز وجل إلى الإسلام فأسلم، وصحب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وحضر مجالسه، فلما تلا في مجلس من تلك المجالس رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على الصحابة هذه الآية: (( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ )) إلى آخرها استغرب عدي بن حاتم نفسه، لأنه كان من المتفقهين في دين النصارى، قال: يا رسول الله! ما اتخذناهم أرباباً من دون الله، كأنه فهم أن الله عز وجل حين قال: (( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً )) أي: يعتقدون فيهم أنهم يخلقون مع الله، فبين له الرسول عليه الصلاة والسلام أن الآية لا تعني ذلك، وإنما تعني: أن النصارى أشركوا مع الله عز وجل حينما اتخذوا قسيسيهم ورهبانهم مشرعين من دون الله عز وجل، فوقعوا في الشرك، وكأنهم اعتقدوا أن هؤلاء أرباب مع الله يتصرفون في الكون كما يشاءون، فذلك الذي أراده ربنا عز وجل في هذه الآية.
فرجع الرسول عليه السلام إلى عدي يقول له: ( ألستم كنتم إذا حرموا لكم حلالاً حرمتموه، وإذا حللوا لكم حراماً حللتموه؟ قال عدي : أما هذا فقد كان، فقال صلى الله عليه وسلم: فذاك اتخاذكم إياهم أرباباً من دون الله تبارك وتعالى ) فبهذه الآية مع تفسيرها يتبين أن الإنكار لا يشمل فقط الذين ينصبون أنفسهم منصب المشرع يحلل ويحرم ويبيح ويحظر ما يشاء دون أن يستند في شيء من ذلك إلى شرع الله عز وجل، فالإنكار لا ينصب على هذا المشرع وحده فحسب، وإنما يشمل أيضاً أولئك الذين يتبعونهم ويتخذونهم مشرعين من دون الله عز وجل.
ولعل هذا من معاني قول الله عز وجل في المشركين: ولا تتخذوا من دونه أولياء ، فالمسلم حينما يتبع شخصاً يحرم ويحلل فقد جعله ولياً يستنصر به من دون الله عز وجل، فهذا شرك ليس من شرك الذات، وإنما هو شرك في العبودية وفي الصفات، لذلك يجب أن يحذر المسلم، قد يكون مستغرباً أن نقول: يجب أن يحذر المسلم من أن ينصب نفسه مشرعاً مع الله عز وجل، لأننا نعتقد أن لا أحد في المسلمين يشرع من دون الله عز وجل، ولعل هذا يكون كذلك.
ولكن على العكس من ذلك متوفر وموجود بكثرة هو اتخاذ مشرعين من دون الله عز وجل، فهذا يجب التحذير منه أيما وجوب، لأن الذين يتخذون من دون الله أولياء مشرعين يحرمون ويحللون، هؤلاء وجد منهم كثيرون، ولكن الذين يتبعونهم أكثر وأكثر في كثير من القرون التي مضت، وخاصة في العصر الحاضر حينما أصبح التشريع والتقنين طبيعة لكل الدول الحاكمة والمسيطرة والموجهة لشعوبها وأممها.
ولذلك كثر في العصر الحاضر من كثير من الكتاب الإسلاميين المصلحين التنبيه والتحذير من أن يتورط المسلم فيخضع لمشرع غير الله عز وجل، وكثر من هؤلاء بالتالي الأمر بإخلاص العبادة لله عز وجل والتشريع له، وتخصيص الحاكمية به تبارك وتعالى وحده لا شريك له.
2 - بيان أن التشريع من صفات الله تعالى وأن من الشرك اتخاذ مشرع يحلل ويحرم من دون الله تعالى أستمع حفظ
التحذير من تحكيم القوانين الأرضية المخالفة للإسلام سواء كانت نابعة من الغرب أو من بلاد المسلمين .
فلا ينبغي أن نقيم لتلك الشرائع وزناً، هذا لو بقيت كما أنزلها الله دون تغيير ودون تحريف وتبديل، فكيف وقد عرض لها ما لا يخفى على أي مسلم من الزيادة والتبديل، فقد أصبحت منسوخة بحكم قوله تبارك تعالى: (( وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ )) فالقرآن ومن أُنزل عليه القرآن محمد عليه الصلاة والسلام، هو الذي يسيطر بكتابه على كل الشرائع السابقة، ولو كان أصحاب تلك الشرائع أحياء لما وسعهم إلا أن يكونوا من أتباع محمد بن عبد الله، كما جاء في الحديث الصحيح، حينما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عمر بن الخطاب يقرأ في صحيفة فلما سأله عنها قال: هذه صحيفة من التوراة كتبها رجل أو كتبها لي رجل من اليهود، فقال عليه الصلاة والسلام: ( يا ابن الخطاب! أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود والنصارى؟! والذي نفس محمد بيده لو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي ).
فلا أقول: إن أولئك الكتاب أحسنوا جداً حينما نددوا بهذه القوانين التي نبعت من الأرض ولم تنزل من السماء، ولا أقول: إن هذه القوانين إنما الإنكار عليها لأنها لم تستند إلى الشرائع السابقة، وإنما أقول: الإنكار عليها لأنها لم تستند إلى شريعة الإسلام، لأن الدين عند الله هو الإسلام فقط لا غير.
لما سيطرت هذه القوانين الأرضية على كثير من البلاد العربية اليوم إن لم نقل على كلها هال هذا الأمر أولئك الكتاب فأخذوا يدندنون حول وجوب تخصيص الله عز وجل بحكم التشريع وتوحيده بهذه العبادة وذلك ما اصطلحوا على تسميته بتخصيص الحاكمية لله عز وجل والكفر بما سوى ذلك من القوانين والطواغيت، هذا شيء هام ولكني أعتقد أن مثل هذا التحذير والتنبيه يجب أن لا ينحصر في اتباع القوانين الأرضية التي جاءت من أوروبا مثلاً بل ويجب أن نحذر من أي نظام ومن أي قانون جاء من عند غير الله عز وجل حتى ولو جاء من الشيخ الفلاني والعالم الفلاني، أعني بهذا أن الشرك في العبادة وفي التشريع لا يكون بالنظر فقط إلى نوع الشخص الذي نبع منه ذلك التشريع أهو مسلم أم كافر أهو مسلم صالح أم فاسق، فهذا بالنسبة إلينا نحن المسلمين الذين يجب أن نوحد الله عز وجل في حكمه لا يهمنا إن كان الحكم المخالف لحكم الله عز وجل هو صدر من مسلم أو من كافر من مسلم صالح أو طالح من مسلم عالم أو جاهل ، المهم أننا يجب أن نبتعد عن اتباع أي حكم يخالف حكم الله عز وجل سواء كان هذا الحكم صدر كما قلنا من مسلم أو كافر إلى آخر التنويع الذي ذكرنا وأخيراً أقول : سواء صدر هذا الحكم من إمام مجتهد مخلص مأجور على اجتهاده أو صدر ذلك الحكم من إنسان متبع للهوى لأن هذا الحكم يجب اجتنابه لماذا؟ لأنه مخالف لحكم الله عز وجل ونحن بعد ذلك لا يهمنا هل هذا الذي شرع هذا الحكم هو إنسان صالح أو طالح جاهل أو عالم مخلص في اجتهاده أو مغرض، لأن هذا أمر يعود إلى الله تبارك وتعالى فالله هو حسيبه لكننا نحن المسؤولين الذين يجب أن نحذر من اتباع غير شرع الله عز وجل فنحن يجب أن نخلص في اعتقادنا أن الحاكمية لله عز وجل، وذلك بأن لا نعبد إلا الله ولا نعبد الله إلا بما شرع الله، فإذا عبدنا الله بغير ما شرع الله فهذه الغيرية إن صح التعبير هو المنكر، اتباعنا لهذه الغيرية هو المنكر، أما أن هذا الغير الذي شرع ما لم يشرع الله هو مسلم أو كافر مسلم صالح أو طالح مسلم عالم أو جاهل مجتهد أو غير مجتهد هذا لا يهمنا، هذا يهم الأفراد بالنسبة لموقفهم عند الله عند الله عز وجل، فالمسلم مثلاً الذي يريد أن يجتهد يجب أن يكون عالماً بلا شك لا يكون جاهلاً يتبع هواه، ثم هذا العالم الذي يجتهد هذا العالم الذي يجتهد يجب أن يعطي الاجتهاد حقه، ولذلك سمي اجتهاداً من إفراغ الجهد، فإذا قصر في ذلك ولم يعمل فكره واجتهاده وأفتى هكذا دون أي اجتهاد أو تمحيص هذا يكون مسؤولاً عند الله عز وجل.
3 - التحذير من تحكيم القوانين الأرضية المخالفة للإسلام سواء كانت نابعة من الغرب أو من بلاد المسلمين . أستمع حفظ
شرح حديث : ( إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران ، وإن أخطأ فله أجر واحد ) . وتتمة التحذير من تحكيم القوانين الوضعية.
وغرضي من هذه الكلمة الأخيرة فيما يتعلق بالتحذير من الشرك بالله عز وجل أن لا نصب حماسنا حينما نتكلم حول الحاكمية لله عز وجل وحده في محاربة القوانين الأرضية فقط لأن هذا أمر واضح حتى لعامة الناس أن أي قانون غربي يأتينا من بلاد الكفر والضلال فهو ضلال ولكن يجب أن نتوجه بحماسنا إلى قوانين أصبحت جزءاً من حياتنا وليس لها صلة بكتاب ربنا ولا بحديث نبينا ونحن خاضعون لها، لماذ؟ لأننا نعلم أنها لم تأت من أوروبا مثلاً إنما هي نبعت من أرضنا فهل هذا عذر لنا أن نتبعها من دون شرع الله عز وجل ؟ لا، لأن تلك الآية: (( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله )) إنما نزلت في النصارى الذين يتبعون قسيسيهم ورهبانهم، لم تنزل هذه الآية في النصارى الذين اتخذوا قانوناً جاءهم من غير بلادهم، فلا يهم إذن أن القانون المخالف لشرع الله عز وجل هو نابع من أرضنا أو وارد من بلاد أعداءنا كلاهما مخالف لشرع الله عز وجل ولا يجوز لمسلم أن يخضع لمثل هذا النظام سواء كان -أنتم سمعتم التقسيم اليوم المصطلح عليه سواء كان شرقياً أو غربياً- وأنا أقول: سواء كان شرقياً أو غربياً أو أرضياً يعني من أرضنا، فكون الحكم صادر من أرضنا لا يشفع له أن يكون شريعة لنا إذا ما علمنا أنه مخالف لشريعة ربنا تبارك وتعالى، وهذه نقطة حساسة ومهمة جداً لأننا نحن جربنا كثيراً من الخطباء الذين يتحمسون للبحث في الحاكمية لله عز وجل وهذا أمر هام وهام جداً لأنه يتعلق بالتوحيد، ولكن هذه الحاكمية لله عز وجل ما أصبحت واضحة المعالم في نفوس كثير من الدعاة، فالذي يتحمس لمحاربة القوانين الأرضية الغربية لا يتحمس لمحاربة القوانين المخالفة لشريعة الإسلام لأنها من عندنا، وأي فرق بين هذا وهذا؟! لذلك جربنا بعض الخطباء فهو بعد أن ألقى خطبة هامة جداً في موضوع توحيد الحاكمية لله عز وجل وإفراده في ذلك فحينما ذُكِّر ببعض المخالفات للكتاب والسنة وإذا به في النتيجة يكفر بكل هذه الخطبة التي ألقاها بذلك الحماس البارح فيقول والله مذهبنا كذا ، هذا الذي فعلته هو مذهبي طيب وين الكتاب والسنة بقيا إذن؟ ها إذن نحن نتمسك بالكتاب والسنة لمحاربة الحاكمية التي تأتينا من بلاد الكفار منافية لحكم الله عز وجل، أما إذا نبعت من أرضنا فلا بأس بها بل نحن نتشبث بها لأنها خرجت من أرض إسلامية أو من رجل مسلم إذن (( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله )) معناها أن إذا خرج هذا التحليل والتحريم من عندنا فيتبع أما إذا جاء من الخارج فلا يتبع هذا التفريق شكلي صوري لا قيمة له في الإسلام أبداً، لذلك أنبه وأكرر بأننا يجب أن نفهم أن كون الحاكمية لله عز وجل ينافي أي تشريع مناف للإسلام سواء كان أرضياً أو شرقياً أو غربياً، يجب أن نخلص في عبادتنا لله عز وجل فلا نعبد إلا الله ولا نعبد الله إلا بما شرع لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
هاتان الكلمتان لا نعبد إلا الله، ولا نعبد الله إلا بما جاء به رسول الله هو خلاصة قول المسلم : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله، فأنت توحد الله عز وجل في عبادتك فتحقق معنى لا إله إلا الله، ثم تعبد الله بما جاء به نبيك فتحقق قولك وأشهد أن محمداً رسول الله.
فإذا اتبعت غيره فلم تخلص في الاتباع لنبيك عليه الصلاة والسلام وبالتالي لا تكون أخلصت لله عز وجل في عبادته، هذا مما يتعلق بشرح هذه الخصلة الأولى التي حذر الرسول عليه السلام أمته منها بقوله : ( اجتنبوا السبع الموبقات الشرك بالله عز وجل ).
4 - شرح حديث : ( إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران ، وإن أخطأ فله أجر واحد ) . وتتمة التحذير من تحكيم القوانين الوضعية. أستمع حفظ
ما صحة حديث : ( تعلموا السحر ولا تعملوا به ) ؟
الشيخ : هذا من الغريب أن يظن أو يتوهم بعض الناس أنه حديث عن الرسول عليه السلام ، هذا كأنه شعر لأنه كلام موزون
" تعلم السحر ولا تعمل به *** العلم بالشيء لا الجهل به "
هذا من ناحية ، من ناحية أخرى يستحيل على النبي صلى الله عليه وسلم أن يأمر المؤمنين به أن يتعلموا السحر كيف وتعلم السحر هو استعانة بالشياطين كما هو صريح القرآن الكريم: (( واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر )) فيستحيل أن يأمر الرسول عليه السلام المسلمين بأن يتعلموا السحر، لأن هذا التعلم يعود إلى الاستعانة بالجن والاستعانة بالجن سبب لضلال الإنس كما قال ربنا تبارك وتعالى أيضاً مخبراً عن واقع كان في الجاهلية الأولى: (( وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً )) تعباً وضلالاً، غيره .
ما صحة حديث ( أحذركم الدجالين الثلاثة ...) وما معناه إن كان صحيحًا ؟
الشيخ : لا أستحضر الآن مرتبة الحديث وموعدنا في الدرس الآتي إن شاء الله ( احذروا الدجال ) .
السائل : الدجالين الثلاثة .
الشيخ : الدجالين الثلاثة وإن كان يغلب على ظني أنه حديث ضعيف موجود عندنا هنا * ضعيف الجامع الصغير * وين أبو بكر ما موجود ؟ الثلاثة طيب، غيره.
ما صحة حديث: ( إذا رأيتم الرايات السود تخرج من خرسان فاتبعوها فيإن فيها المهدي ) ؟
الشيخ : هذا حديث ضعيف مخرج في أول * سلسلة الأحاديث الضعيفة *.
هل يجوز للمرأة أن تجهر في الصلاة الجهرية أو الإقامة ؟
الشيخ : في ذلك تفصيل: إن كانت المرأة في دارها وبين محارمها وليس هناك رجل غريب عنها فهي تجهر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( إنما النساء شقائق الرجال ) أما إن كان هناك رجل غريب يسمع صوتها فترفع هي صوتها بمقدار ما تسمع نفسها ولا تسمع من كان بعيداً عنها، نعم.
ما هو الصواب في كشف الفخذ لما جاء في كتاب * فقه السنة * من أحاديث جواز كشف الفخذ وأحاديث حرمة ذلك ؟
الشيخ : أحاديث الكشف التي يشير إليها السائل هي أحاديث فعلية أي انكشف فخذ الرسول عليه السلام بمناسبة أو أكثر من مناسبة، أما الأحاديث التي تعتبر الفخذ عورة فهي أحاديث قولية، أي إن الرسول عليه السلام تلفظ فقال مثلاً الفخذ عورة فما كان من قوله عليه السلام موجهاً إلى أمته فهو تشريع عام له، وما كان من فعله عليه الصلاة والسلام مخالفاً لقوله لا أقول مطلقاً وإنما ما كان من فعله عليه الصلاة والسلام مخالفاً لقوله فهناك احتمال من ثلاث احتمالات :
الاحتمال الأول: أن يكون فعله قبل قوله، قوله هنا: ( الفخذ عورة ) تشريع أن الفخذ عورة فيحرم كشفه، متى كان هذا التشريع؟ قطعاً لم يكن يوم قال الله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ )) لأنه في هذا الوقت إنما أُمر بتبليغ الأمة دعوة التوحيد قبل أي شيء آخر قبل تشريع أحكام الحلال والحرام قبل الحض على مكارم الأخلاق والنهي عن مساويها قبل أي تشريع، إنما هو (( وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ )) فلم يكن مثل هذا القول: ( الفخذ عورة ) في أول الإسلام، وإنما كان بعد ذلك.
إذن: نستطيع أن نتصور المسلمين وعلى رأسهم سيدهم بل سيد الناس أجمعين محمد صلى الله عليه وآله سلم، وهم يفعلون أفعالاً في أول الإسلام تنزهوا عنها بعيد ذلك أو بعيدا عن ذلك حسب ما شرع الله عز وجل وأنزل، فيوم أُمر بتبليغ الناس التوحيد لم يكن هناك أحكام: هذا حرام هذا حلال ، الفخذ كشفه حرام شرب الخمر حرام لبس الحرير حرام، لم تكن هذه الأحكام في أول الإسلام، فإذن من الممكن حينما روى الصحابي الثقة أن الرسول كشف عن فخذه، قد يمكن أن يكون ذلك قبل أن ينزل عليه هذا الحكم الذي بلغه إلى الناس بقوله: ( الفخذ عورة ) هذا هو الاحتمال الأول.
والاحتمال الثاني: أنه يمكن أن يكون ذلك بعد النهي، أي: بعد قوله: ( الفخذ عورة ) ولكن يكون هذا خصوصية له عليه الصلاة والسلام، لا يشاركه في ذلك غيره من الناس جميعاً، لأن هؤلاء الناس قد خوطبوا بذلك الحكم الشامل لجميعهم: ( الفخذ عورة ) في حديث آخر أنه مر برجل وقد انكشف فخذه فقال له: ( خَمِّر، أو غط فخذك فإن الفخذ عورة ).
وهناك أمر ثالث: لكن أستدرك الآن على نفسي وأقول: إنه لا ينطبق على مثل هذا الأمر، لأنه قد يمكن أن يقال: إذا كان هناك نهي أن النهي للتنزيه، هكذا يجمع أحياناً، فهنا لا مناص من أن يقال: إما أن كشف الرسول عليه والسلام لفخذه كان قبل قوله: ( الفخذ عورة ) وإما أن يكون ذلك خصوصية له لا يشاركه فيها غيره.
كمثل تزوجه بأكثر من أربع من النساء، مع أنه قال لمن كان عنده أكثر من ذلك من النساء: ( أمسك منهن أربعاً وطلق سائرهن ) فهذا حكم عام للأمة، أما تزوجه بأكثر من أربع فهو حكم خاص به عليه الصلاة والسلام.
فإذن حديث: ( الفخذ عورة ) من الناحية التشريعية مقدم على حديث كشف الرسول عليه السلام لفخذه لما سبق بيانه .
غيره.
9 - ما هو الصواب في كشف الفخذ لما جاء في كتاب * فقه السنة * من أحاديث جواز كشف الفخذ وأحاديث حرمة ذلك ؟ أستمع حفظ
من هم أهل البيت وهل تعد صفية زوجة النبي صلى الله عليه وسلم منهم ؟
الشيخ : أهل البيت هم فاطمة وزوجها وأولادها وذريتها، وهناك تفاصيل لدخول غير هؤلاء في أهل البيت كالعباس عم الرسول عليه السلام وغيره، والآن لا أستحضر هذا التفصيل ولذلك فالسكوت عنه بالنسبة إلي واجب لقوله تعالى : (( ولا تقف ما ليس لك به علم )) .
السائل : أذكر في رواية أم سلمة سألت يشملها فقال : ...
الشيخ : على كل حال السؤال ...
هل صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أسري به في بيت المقدس بالنبيين ؟ وهل كانت الصلاة يومها مفروضة ؟
الشيخ : أما صلاته بالأنبياء فذلك ثابت في أحاديث كثيرة، أما هل كانت الصلاة مفروضة؟ فالجواب: لا، لما عُلم أن الصلاة فرضت بعد أن أسري به عليه الصلاة والسلام.
11 - هل صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أسري به في بيت المقدس بالنبيين ؟ وهل كانت الصلاة يومها مفروضة ؟ أستمع حفظ
شعر في فضل النبي صلى الله عليه وسلم.
" من ذاق من مائها لم يشك من ظمأ *** وشربة الحوض تحلو في أوانيها
وأمة المصطفى للحوض واردة *** إن استقامت على منهاج راعيها
رقى الرسول سماء ليس يدركها سواه ...
... فاحتشمت أمامه *** وغشاها ما يغشيها
وهللت جنة المأوى بصاحبها *** وازينت حورها واهتز ساقيها
ودون أبوابها رضوان مبتهج *** بضيفه مرحباً بالضيف يأتيها
وطاف فيها رسول الله مغتبطاً *** من حسنها ورأى من جود باريها
وأبصر الدر والأنهار جارية *** فوق اليواقيت والرحمان مجريها
وفوقها من قصور جل مبدعها *** يحار في وصفها والنعت رائيها
في جنة الله ما لا أذن قد سمعت *** بمثلها أو رأت عين مرائيها
وعاد أحمدنا للأرض يصحبه جبريل *** والأرض تغفو مثل غافيها
إن ضاقت الأرض بالهادي ودعوته *** فجنة الخلد ما ضقات بداعيها
محمد تمم الأخلاق كملها *** أعلى البناء على أركان ماضيها
ما كان من صالح العادات أرسخه *** وهذب النفس بالتقوى مربيها
أعاد للفطرة السمحاء رونقها *** وخلص النفس من تعقيد غاليها
وكان للأمة المعطاء قدوتها *** وقدوة الخير للأرواح نفديها
سارت كتائبه والشهب تحرسها *** وقدرة الله فوق الشهب توريها
كتائب الحق مولاها مؤيدها *** بنصره وجنود الله تحميها
وتتبع الطير يوم الهول فارسهم ***تظنه جحفلاً مما يغذيها
وأحمد المصطفى في الروع قائدهم *** تحفه عصبة أكرم براعيها
عشرون عاماً وما ارتحات ركائبهم *** فصاحب الهمة القعساء يوهيها
البيد ما عرفت من قبل معركة *** إلا وأهدافها الأطماع تخفيها
من كان يغزو لوجه الله غايته *** أسمى من المال فالأموال تفديها
هذه الكتائب كانت تبتغي *** هدفاً رضا الإله الذي يعطي فيرضيها
حطام دنيانا في الدنيا نهايته *** ولا يطأطئ للدنيا مجافيها
الظل لا يصرف الرحال عن سفر *** شأن المحطات توزيع لآتيها
وللمسافر غايات يؤملها *** لا شيء يشغله عنها وينسيها
كذلك المؤمن المقدام يشغله *** مولاه عن كل من فيها وما فيها
محمدا حرر الإنسان من دجل *** ومن خرافات كهان تنميها
أعاد للفكر معناه ورونقه *** من بعد ما كان يغفوا في دياجيها
الفكر على كان على الأصنام مرتكزاً *** يرنو إليها ويرجوها ويبغيها
ويطلب البرء والتوفيق في سفر *** ويرتجي النصر منها إذ يناجيها
ويذبح البدن قرباناً وتضحية *** وينذر النذر إرضاء ويعطيها
ويستجير بها في كل نائبة *** وغيب أزلامها حظ لآتيها
صارت له قسماً حتى تعوده *** في كل قول إذا ما رام تنبيهاً
بل كان يحمل في الأسفار آلهة *** تحميه من كيد أعداء ويحميها
بل صار يصنعها من تمره *** فإذا ما جاع يأكل أصناماً وقريها
هذا هو الفكر لما جاء أحمدنا *** والجهل يطمس أفكاراً يغشيها
فوجه الفكر للخلاق نزهه *** في الذات والوصف تقديساً وتنزيها
فليس في الكون شيء مثل خالقه *** بدائه العقل لا تحتاج تنويها
العقل إن نابه شيء فأفسده *** تزداد أحكامه خلطاً وتشويهاً
ومن يسلم إلى الكهان مقوده *** يلقى من الحق إنكاراً وتسفيهاً
ومن أضاع على الأصنام حكمته *** أضاع من نفسه أسمى معانيها
محمدا جاء في قوم ذوي لدد *** عاشو الجهالة في أقسى لياليها
السلب والنهب والتخريب ديدنهم *** والحرب صنعتهم والحقد يزجيها
البنت توأد خوف العار يلحقهم *** أو خشية الفقر أن ينتاب مقريها
والزوج تؤخذ كالميراث يملكها *** من يملك الإرث للإعضال يبقيها
إن شاء ينكحها أو شاء زوجها *** ليقبض المهر أو إن شاء يشريها
لا حق لامرأة لا شيء تملكه *** فالبنت تحرم من ميراث أهليها
حواء مقهورة والظلم يحطمها *** والقيد يسلبها أغلى أمانيها
فجاء أحمد للأدواء بلسمها *** وللمظالم ماحيها وعافيها
وجاء يحسن في الأزواج عشرته *** ويجعل البنت تنجي من يربيها
من عال جارية حتى يزوجها *** فأجرها جنة طابت مغانيها
وجنة الخلد عند الأم يمنحها *** رب السماء لمن يسعى فيرضيها
نصيبب حواء في الميراث يعرفه *** قاضي المواريث قبل الأهل يعطيها
وأجر حواء في الميزان يثقله *** رب كريم بما أدت لباريها
هي الشقيقة للذكران في عمل *** وفي ثواب فلا تنسى مساعيها
البنت كالابن في عطف وفي هبة *** وفوق ذلك يرعاها ويؤويها
تختار كفء إذا ما جاء يخطبها *** لا ترغم البنت فالإسلام حاميها
وإذنها واجب والصمت معتبر *** ولا يشاطرها مهراً مواليها
ما جئت أسرد فضل أحمد إنما *** ذكرى وتنفع ذاكراً ونبيها
وتحية الإكبار ملء جوانحي *** للمصطفى خير الورى أهديها "
الطالب : جزاك الله خيراً.
ما صحة حديث والتعليق عليه : ( إذا رأيتم الرايات السود تخرج من خرسان فاتبعوها فإن فيها خليفة الله المهدي )
كان السؤال عن حديث ( إذا رأيتم الرايات السود تخرج من خرسان فاتبعها فإن فيها المهدي ) كان جوابي إن هذا الحديث ضعيف ذلك لأن هذا الحديث مشهور بلفظ : ( فإن فيها خليفة الله المهدي ) فأنا أجبت بما سمعتم من التضعيف وهو كذلك على اعتبار ملاحظة هذه الجملة ( فإن فيها خليفة الله المهدي ) .
وهذا الحديث بالضبط مخرج في كتابي *سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة* برقم خمس وثمانين، ولكن في أثناء تخريج هذا الحديث تخريج علمي انتهيت إلى أن الحديث قد جاء من طرق أخرى أو طريق على الأقل بدون زيادة ذكر خليفة الله المهدي .
فخلاصة القول: إذا كان السائل يعني الحديث الذي فيه هذا السياق وبلفظ فإن فيها خليفة الله المهدي فالحديث ضعيف كما سمعتم ، أما إذا كان يعني بدون هذه اللفظة بالذات فالحديث صحيح ، هذا ما وجب بيانه.
13 - ما صحة حديث والتعليق عليه : ( إذا رأيتم الرايات السود تخرج من خرسان فاتبعوها فإن فيها خليفة الله المهدي ) أستمع حفظ
باب : " الترغيب في ذكر الموت وقصر الأمل والمبادرة بالعمل وفضل طول العمر لمن حسن عمله والنهي عن تمني الموت " شرح حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : ( مر بي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أطين حائطاً لي أنا وأمي فقال ما هذا يا عبد الله ... ).
(( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتُن إلا وأنتم مسلمون )) .
(( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثَّ منهما رجالاً كثيراً ونساءاً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً )) .
(( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يُصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً )).
أما بعد :
فإن خير الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وشرَّ الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار.
عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال : ( مرَّ بي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنا أُطين حائطاً لي أنا وأُمي، فقال: ما هذا يا عبد الله ؟ فقلت يا رسول الله وهى فنحن نصلحه ، فقال : الأمرُ أسرع من ذلك ).
وفي رواية قال : ( مرَّ علينا رسول الله صلى الله عليه وآله سلم ونحن نعالج خصاً لنا وهى ، فقال : ما هذا ؟ فقلنا خص لنا وهى فنحن نصلحه فقال ما أرى الأمر إلا أعجل من ذلك ) رواه أبو داود والترمذي وقال : حديث حسن صحيح ، وابن ماجة وابن حبان في صحيحه .
هذا الحديث مِن أحاديث الكتاب الصحيحة ، يقول عبد الله بن عمر : ( مرَّ بيَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنا أُطين حائطاً لي ) :
الحائط هو البستان المحوَّط بجدار ، فهو يطين هذا الجدار في هذه الرواية ، يتعاون هو وأمه .
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما هذا يا عبد الله ؟ فقلت : يا رسول الله وهى ) أي : ضعف.
( فنحن نصلحه ، فقال عليه الصلاة والسلام : الأمرُ أسرع من ذلك ) .
وفي الرواية الأخرى قال : ( مرَّ علينا رسول الله صلى الله عليه وآله سلم ونحن نعالج خُصاً لنا ) الخص : ما يشبه الكوخ والبيت الصغير.
( ونحن نعالج خصاً لنا وهى ، فقال ما هذا ؟ فقلنا : خُص لنا وهى فنحن نصلحه ، فقال عليه الصلاة والسلام : ما أرى الأمر إلا أعجل من ذلك ) :
في هذا الحديث كما ترون حض الرسول صلوات الله وسلامه عليه المسلمين حضَّاً ناعماً لطيفاً على إبعادهم عن التكالب في الدنيا والانشغال بها عن الآخرة ، فأنتم ترون هنا أنَّ عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنه- يتعاطى أمراً يسيراً وزهيداً جدّاً لا يكاد نقيم له في هذا الزمان وزناً ، فهو يطين فقط الجدار بالطين لا بشمينتو ولا يعيد بناء الجدار بالباطون المسلح ، فالرسول صلوات الله وسلامه عليه يقول له : ( ما أرى إلا أن الأمر أعجل من ذلك ) : يعني أن حياة الإنسان في هذه الدنيا قصيرة ، وأنه يجب عليه أن يصرف هذا الوقت القصير في طاعة الله عز وجل وعبادته وألّا ينشغل عن ذلك كله بشيء من الدنيا مهما كان قليلاً وضئيلاً .
أنا أعلم أن أكثر من يسمع هذا الحديث سيُلقى في نفسه : كيف هذا والإسلام يعني هو دين الدنيا والآخرة ، وهو يأمر بالاهتمام بالدنيا كما يأمر بالاهتمام بالآخرة ، فما بالنا نسمع في هذا الحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يصرف ابن عمر عن أن يعالج خُصَّه أو جدار بستانه بالتطيين !
فنحن نقول : ليس المقصود بهذا الحديث هو النهي عن هذا الذي يفعله عبد الله بن عمر من التطيين ، ليس المقصود النهي عن ذلك ، وإنما الواقع هذا الحديث أسلوب من أساليب الرسول -عليه الصلاة والسلام- في الجمع بين المصلحتين ، لا أقول : بين دفع المفسدة وجلب المصلحة ، فهناك تطيين الجدار لاسيما الجدر القديمة التي كانت إذا لم تطين مِن الخارج وليس عهدنا بمثل هذه الجدر -من كان في سني- ليس عهده بعيداً عن أمثال هذه الجدر التي كانت تُبنى باللبن ، أو الجدار الذي يسمى بالدك يصب قطعة واحدة من الطين الأحمر قطعة قطعة ، فمثل هذا الجدار عادة إذا لم يُطين من الخارج فحينما تهطل الأمطار بغزارة تتخلل بين اللبن وبين الدك الكبير الذي بجانبه فيكون ذلك مدعاةً وسبباً لتسرب التخلل والتشقق بين هذه اللبنات أو هذه الدكوك إذا صح التعبير ، ويكون في هناك تطيين هذه اللبنات من الخارج يكاد يكون أمراً ضرورياً في المحافظة على هذا المال ولو كان قليل القيمة ، لكن المحافظة على الجهد الذي بُذل في سبيل إقامة ذلك الجدار أو الآخر ، التطيين هذا يحافظ على هذا الوقت وعلى ذلك المال.
فأقول : إن الجدر التي كانت تبنى يومئذٍ ولا نزال نجد في المدينة المنورة بعيداً عنها وفي القرى التي نمر عليها بيوتاً متواضعة جدّاً هي عبارة عن جدر قائمة على لبنات ضعيفات ، فإذا لم تطين الشاهد ذوبتها الأمطار ولو في مرة أو مرتين وانتهى كل شيء ، فلذلك فلا ينبغي أن نفهم من هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يريد أن ينهى ابن عمر عن هذا التطيين ، لا يريد هذا.
14 - باب : " الترغيب في ذكر الموت وقصر الأمل والمبادرة بالعمل وفضل طول العمر لمن حسن عمله والنهي عن تمني الموت " شرح حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : ( مر بي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أطين حائطاً لي أنا وأمي فقال ما هذا يا عبد الله ... ). أستمع حفظ
تتمة شرح حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : ( ... فقال ما أرى الأمر إلا أعجل من ذلك ).
المصلحة الأولى : هو أنه لم ينهه عن التطيين ، أقره على ذلك .
لكن المصلحة الأخرى : حينما لفت نظره إلى ما يريده الرسول عليه السلام من التزهيد في الدنيا والحض على الإقبال في الآخرة بقوله : ( ما أرى إلا أن الأمر أعجل من ذلك ) :
ففي هذه الجملة تحقيق الغرض الذي هدف إليه الرسول عليه السلام بها وهو : حضّ المسلم وتذكيره على أن لا يتكالب على الدنيا ، ولا تشغله الدنيا عما يجب عليه من القيام بواجب عبادة الله عز وجل وطاعته ، هذا هو المقصود من هذا الحديث ، ليس المقصود لا تطين الجدار فهذا ينبغي أن نفهمه جيداً ، ذلك لأنه أقر ابن عمر على تطيينه لجداره ولخصه ، لكنه من ناحية أخرى قال له : مهما طينت فماذا بعد ذلك ، ليس إلا الموت الذي كتبه الله عز وجل على كل حي .
فإذن في هذا الحديث تذكير من باب أولى بأمرٍ ابتُلي به جماهير المسلمين اليوم : هو أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يقول لمن يطين جداره المبني بالطين ، المبني من الطين يطينه بالطين إذا كان يقول له: ( الأمر أعجل من ذلك ) فماذا سيقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لهؤلاء الناس المتوسطي الحال فضلاً عمن فوقهم في حالهم وفي ثرائهم وغنائهم الذين يشيدون الأبنية التي تعيش سنين وسنين طويلة ، ثم هم لا يكتفون بذلك بل يزينونها ويزخرفونها بمختلف أنواع الزخارف فلا يكتفون مثلاً بإيقاد القناديل هذه الكهربائية إلا ويُضاف إلى ذلك ما يُسمونه بالثريات بالقناديل المزخرفة التي لا فائدة منها إلا مجرد الزخرف ، زخرف الدنيا ، إذن نحن يجب أن نأخذ من هذا الحديث أن لا نُعلق آمالاً كثيرة على حياتنا هنا في الدنيا فنبني كما لو كنا لا نفكر في الموت أو ليس أمامنا الموت ، لعله لهذا السبب أتبع المصنف الحديث السابق بحديث ابن مسعود اللاحق فهو صحيح أيضاً .
15 - تتمة شرح حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : ( ... فقال ما أرى الأمر إلا أعجل من ذلك ). أستمع حفظ
شرح حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال : ( خط النبي صلى الله عليه وسلم خطا مربعا وخط خطا في الوسط خارجا منه وخط خطوطا صغارا ... ) .
( فإن أخطأه هذا نهشه هذا وإن أخطأه هذا نهشه هذا ) .
رواه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه :
وهذا صورة ما خطَّ صلى الله عليه وآله وسلم.
في الواقع أن هذا الحديث يُظهر شيء جديد وطريف من تخطيط الرسول عليه السلام على الأرض الخطة التي تضمنها هذا الحديث الذي فيه أيضاً ما كان في الحديث السابق مِن صرف المسلم عن التعلق في الدنيا وعن آماله فيها ، لكن أغرب مِن هذا أن تجد شراح الحديث يضطربون أشد الاضطراب في تصوير هذه الصورة التي صورها الرسول على الأرض ونقلها الراوي بكل دقة، فامشوا معي الآن وبعد ذلك نتساعد ونتعاون في أي صورة أنا صورتها -والأستاذ علي يتهيأ للتصوير، يصفي ذهنه-.
يقول : ( خط الرسول صلى الله عليه وسلم خطاً مربعاً ) : هذه الطاولة -ولو أنها مستطيلة شوية-.
( وخط خطاً في الوسط خارجاً منه ) : خط هيك ممتد إلى الطرف الثاني ، خط أطول من الخط ، من خطوط المربع هذا رأسه خارج للخارج .
( وخط خطوطاً صغاراً إلى هذا الذي في الوسط ) : من جانبه الذي في الوسط ، مو من الجانب الخارج برا ، الخط الذي يمتد في المربع قسمان:
قسم محصور في المربع وقسم خارج عنه ، فهذا القسم المحصور في المربع أحاطه عليه السلام من جهة بخطوط قصار .
قال : ( وخط خطوطاً صغاراً إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط ، فقال : هذا الإنسان ) : الخط الطويل المحصور في المربع هذا هو الإنسان ، وهذا أجله محيط به ، المربع محيط بهذا الإنسان هو أجله ، ليس له مناص وليس له منه فِرار .
( فقال : هذا الإنسان وهذا أجله محيط به ، أو قد أحاط به ، وهذا الذي هو خارج أمَلُه ) : الذي يسعى الإنسان لإدراكه والحصول عليه .
( وهذه الخطط الصغار على جنب هذا الخط الذي في الوسط : الأعراض ، فإن أخطأه هذا نهشه هذا ) : بيتخلص من المصيبة هذه طلعته مصيبة ثانية التي كنى عنها بالخطوط الصغار.
( فإن أخطأه هذا نهشه هذا وإن أخطأه هذا نهشه هذا ) :
فالأجل محيط به ، إن تخلص من مشكلة فهو واقع في مشكلة أُخرى إن تخلص منها ففي وفي إلى أن يأتي اليقين ولا مناص منه.
في ظني أن هذه الصورة قد وضحت لإخواننا بعض ما مثلناها في القول ، ما أدري إذا بإمكانكم أن تروا هذه الصورة :
هذا المربع ، والدائرة المحيطة بالمربع هو الأجل الذي صرح بذلك الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .
الطالب : المربع !
الشيخ : الدائرة التي أحاطت بالمربع هو الأجل يعني ، بعدين الخط الذي بالوسط هو الإنسان ، ثم تجدون في جانب من هذا الخط خطوطاً قِصاراً هي الأعراض والمصائب التي تصيب الإنسان منها ما ينجو منها ومنها ما يهلك بها .
ثم يبقى هذا الخط الخارج عن المربع فهو الأمل الذي يطمع الإنسان بسببه بأشياء لا قِبَل له بها ، فهو كما قال عليه الصلاة والسلام في حديث آخر : ( يشيبُ ابن آدم ويشبُّ معه خصلتان : الحرص ، وطول الأمل ) مع أن هذا الأمل ما هو إلا وهم في وهم ، لأن هذا الأجل محيط بالإنسان ولا بد.
قلتُ : من الغريب أن المصنفين عند هذا الحديث يختلفون أشدَّ الاختلاف في تصوير هذه الصورة التي صوَّرها الرسول عليه السلام على الأرض ، ومنها نسخ الترغيب نفسها تختلف ، فالنسخة هذه التي أتيت بها اليوم انظروا كيف أن الأعراض ليست داخلة المربع وإنما هي خرقت المربع الذي هو الأجل ، فليس لهذه الأعراض الخطوط القصيرة علاقة بالمربع الذي هو الأجل ، وإنما هي بالداخل.
ثم لا تجدون الأمل المشار إليه بالخط الخارج من المربع ، ما في هنا خط خارج المربع ، مع أن الحديث صريح بأن الأمل خارج من المربع ، والحافظ ابن حجر العسقلاني ذكر ثلاث صور وطبع الكتاب من هذه الصور الثلاثة ، ثم رجح هذه الصورة التي تظهر لكل إنسان يتأمل في هذا الحديث وهي التي صورتها لكم على هذه الورقة .
16 - شرح حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال : ( خط النبي صلى الله عليه وسلم خطا مربعا وخط خطا في الوسط خارجا منه وخط خطوطا صغارا ... ) . أستمع حفظ
شرح حديث أنس رضي الله عنه قال: ( خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا وقال هذا الإنسان وخط إلى جنبه خطا وقال هذا أجله وخط آخر بعيدا... ).
وعن أنس -رضي الله عنه- قال : ( خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً وقال : هذا الإنسان ، وخط إلى جنبه خطاً وقال : هذا أجله ) :
هذه الجملة أوضح في الحديث السابق من هاهنا .
( خط إلى جنبه خطاً وقال هذا أجله ) : بينما في الحديث السابق خط محيط مربع يحيط بالإنسان من كل الجوانب .
( وخط آخر آخر بعيداً منه فقال : هذا الأمل ) : وهو الخط الخارج من المربع.
( فبينما هو كذلك إذ جاءه الأقرب ) : هنا في خط من الخطوط الصغار التي تنهش من الإنسان المحاط بالأجل ، لكن يقول : ( فبينما هو كذلك إذ جاءه الأقرب فأهلكه وأماته ) : هذا لفظ الحديث من رواية البخاري كما يقول المصنف : " رواه البخاري واللفظ له ، والنسائي بنحوه " .
17 - شرح حديث أنس رضي الله عنه قال: ( خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا وقال هذا الإنسان وخط إلى جنبه خطا وقال هذا أجله وخط آخر بعيدا... ). أستمع حفظ
شرح حديث أنس رضي الله عنه قال : ( هذا ابن آدم وهذا أجله ووضع يده عند قفاه ثم بسطها وقال: وثم أمله وثم أمله ).
أي : يشير إلى أن أمله خارج من بعيد .
رواه الترمذي وابن حبان في صحيحه ورواه النسائي أيضاً وابن ماجه بنحوه .
18 - شرح حديث أنس رضي الله عنه قال : ( هذا ابن آدم وهذا أجله ووضع يده عند قفاه ثم بسطها وقال: وثم أمله وثم أمله ). أستمع حفظ
شرح حديث بريدة رضي الله عنه قال : ( هل تدرون ما مثل هذه وهذه ورمى بحصاتين ، قالوا: الله ورسوله أعلم قال هذا الأمل وذاك الأجل ).
فقال : ( هذا البعيد هو الأمل ، وهذا القريب هو الأجل ) :
هذه الأحاديث واضح المغزى منها وهو صدّ المسلمين وصرفهم عن التكالب على الدنيا والانشغال بها وأن لا ينسوا أنَّ الدنيا هي مزرعة الآخرة وأنها وسيلة وليست غاية ، وإنما الغاية هي الآخرة والوصول إليها للسلامة .
هذا ما نُنهي به الدرس .