باب : " باب من لم يشكر للناس " شرح حديث أبي هريرة رضي الله عنه : ( لا يشكر الله من لا يشكر الناس ).
" باب من لم يشكر الناس " .
روى المصنف رحمه الله بإسناده الصحيح .
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يشكر الله من لا يشكر الناس ) .
سبق في معنى هذا الحديث بل في تفصيله عدة أحاديث ويتلقف منها أن شكر المحسن من الواجب شرعاً، ويكون ذلك بشيئين اثنين ...الثناء عليه، والشيء الآخر الدعاء له بالخير وأن الشارع يعتبر هذا الشكر من المنعم عليه للمنعم عليه في هذا الحديث يعتبره شكراً لله عز وجل حيث قال عليه الصلاة والسلام: ( لا يشكر الله من لا يشكر الناس ) فكما يجب على المسلم أن يشكر الله تبارك وتعالى على كل ما أنعم الله عليه من نعم فكذلك يجب على المسلم أن يشكر من كان سبباً لهذه النعم عليه، لأن السبب والواسطة كما يقولون لا تنكر الواسطة المشروعة لا تنكر، فإذا سخر الله عز وجل لك أيها المسلم شخصاً سخره لك ليقدم إليك نعمة من نعم الله عز وجل فيجب عليك هاهنا أمران اثنان ، الأمر الأول أن تشكر الله الذي هو الأصل في هذه النعمة والشيء الآخر أن تشكر هذا الوسيط هذا العبد الذي سخره الله لك فقدم إليك تلك النعمة، فشكرك لهذا الإنسان الوسيط هو من تمام شكرك لله عز وجل، فإن أنت لم تقم بشكرك للوسيط فهذا الحديث يدل أنك لم تشكر الله أصلاً لذلك قال عليه الصلاة والسلام : ( لا يشكر الله من لا يشكر الناس ) لذلك يجب على المسلم على التفصيل السابق في الدرس الماضي إذا أنعم الله عليه نعمة بواسطة هذا الإنسان أن يقابله بنعمة مثلها، فإن عجز عن ذلك جاء دور الشكر بالثناء عليه بالخير والدعاء له أيضاً بالخير، هكذا ربى ربنا تبارك وتعالى المسلمين بهذه التربية الحسنة أنه إن أحسن إلينا محسن وجب علينا أن نقابله بالمثل إذا استطعنا فإن لم نستطيع فيجب علينا هذا الأمر الآخر الذي لا يعجز عنه إنسان وهو أن نثني عليه خيراً وأن ندعو له بالخير.
1 - باب : " باب من لم يشكر للناس " شرح حديث أبي هريرة رضي الله عنه : ( لا يشكر الله من لا يشكر الناس ). أستمع حفظ
شرح حديث أبي هريرة رضي الله عنه : ( قال الله تعالى للنفس: اخرجي قالت : لا أخرج إلا كارهة ).
والمقصود منه : ( قال الله عز وجل للنفس: اخرجي ) يعني للروح اخرجي فأجابت: ( لا أخرج إلا كارهة ) وفي هذا إشارة إلى تعلق الإنسان بالحياة بحيث أن الروح لا تخرج من جسدها ولا تفارقه إلا مكرهة مرغمة ، ولذلك جاء في بعض الأحاديث الصحيحة : ( من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، فقالت : السيدة عائشة رضي الله عنها : كيف هذا وما منا من أحد إلا ويجد نفسه كارهاً للموت، فأجاب الرسول عليه الصلاة والسلام بقوله: إنما ذلك حينما يحضر الأجل ) وحينما يعرض للإنسان الموت فحينذاك تنجلي له الحقيقة فيرى منزله في الجنة أو يرى منزله من النار، فمن كان من أهل الجنة ورأى منزله في الجنة حينذاك أحب لقاء الله، ومن كان العكس من ذلك والعياذ بالله إذا كان من أهل النار فانكشف له الغطاء حين حشرجة الروح فحينذاك يكره أن يلقى الله لأنه عرف أن مصيره النار، والغرض من هذا الحديث هو أن الرسول عليه السلام أقر السيدة عائشة على قولها أنه ما منا من أحد إلا ويكره الموت فكيف يا رسول الله تقول : ( من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه )؟ فأجاب الرسول عليه السلام بأن هذا حين النزع حين حضور الأجل حينذاك يكره الإنسان لقاء الله إذا كان فاسقاً أو كافراً ويحب لقاء الله إذا كان مؤمناً صادقاً، لأن المؤمن يكشف عن بصيرته في تلك الساعة فيرى منزلته في الجنة فيحب لقاء الله والعكس بالعكس ، فقوله عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث : ( قال الله تعالى للنفس اخرجي، قالت: لا أخرج إلا كارهة ) هو بيان لهذا الذي طبع عليه الإنسان من حبه للحياة، فإذا بدت له علامات السعادة وأنه من أهلها أحب حينذاك لقاء الله تبارك وتعالى.
2 - شرح حديث أبي هريرة رضي الله عنه : ( قال الله تعالى للنفس: اخرجي قالت : لا أخرج إلا كارهة ). أستمع حفظ
شرح حديث أبي ذر رضي الله عنه : ( أي الأعمال خير ؟ قال : إيمان بالله وجهاد في سبيله ... ).
هذا الحديث جمع خصالاً من خصال الخير وأهمها الإيمان بالله عز وجل ولكن هاهنا دقيقة من دقائق الشرع طالما غفل عنها كبار أهل العلم فنتج بسبب هذه الغفلة اختلاف كبير بينهم ذلك أننا نجد الرسول عليه السلام يسأل في هذا الحديث أي الأعمال خير ؟ فأجاب إيمان بالله وجهاد في سبيله فجعل الإيمان من العمل وهنا النكتة : المعروف عند الناس أن الإيمان عقيدة فقط، بينما نجد الرسول عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث يذكر جواباً لمن سأله أي الأعمال خير؟ وفي أحاديث أخرى أي الأعمال أفضل ؟ فيجيب أول ما يجيب بقوله : ( إيمان بالله ) فمعنى هذا أن الإيمان بالله عمل، فهل الإيمان بالله عز وجل عمل أم عقيدة؟ هذه هي النكتة التي يجب أن نقف عندها قليلاً لنوضحها لخفائها عن كثير من أهل العلم فضلاً عن غيرهم.
الإيمان بالله عز وجل هو عمل كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث وفي غيره ولكنه من أعمال القلب، أما الجهاد في سبيل الله وغيره مما ذكر في أحاديث أخرى فهو من أعمال الجوارح، فالإيمان هو من أعمال القلب هذه هي الحقيقة الشرعية التي يجب أن نتنبه لها وهي أن القلب له عمل وأن الإيمان الذي مقره القلب هو أيضاً من أعمال القلب، ومن هنا يسهل على المسلم أن يفهم العقيدة السلفية التي تقول وتصرح بأن الإيمان يزيد وينقص، وهذه العقيدة مستقاة من كتاب الله ومن سنة نبيه عليه الصلاة والسلام، ففي كتاب الله غيرما آية تصرح بأن الإيمان يزيد: (( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم )) فما زادهم إلا إيماناً فهذا نص بأن الإيمان يزيد كما قال أيضاً: (( ليزداد الذين آمنوا إيماناً )) إذن الإيمان يقبل الزيادة وكل شيء يقبل الزيادة فهو على العكس أيضاً يقبل النقصان من هنا جاءت العقيدة السلفية أن الإيمان يزيد وينقص، ودليل زيادته العمل الصالح ودليل نقصانه العمل الطالح.
3 - شرح حديث أبي ذر رضي الله عنه : ( أي الأعمال خير ؟ قال : إيمان بالله وجهاد في سبيله ... ). أستمع حفظ
بيان بطلان ما ذهب إليه الحنفية والماتريدية من أن الإيمان لا يقبل الزيادة والنقصان .
إذن الإيمان يقبل الزيادة ويقبل النقص.
أثر الاعتقاد بأن الإيمان يزيد وينقص على حياة المسلم.
بيان ضلال من يجعل المؤمن والفاسق سواء في الإيمان ويبيحون للجميع أن يقول إيماني كإيمان جبريل.
6 - بيان ضلال من يجعل المؤمن والفاسق سواء في الإيمان ويبيحون للجميع أن يقول إيماني كإيمان جبريل. أستمع حفظ
توضيح حكم قول : ( أنا مؤمن إن شاء الله ) ، وبيان مخالفة الحنفية للسلف في ذلك.
أما الذين يقولون إن الإيمان حقيقة لا تقبل الزيادة والنقص فليس هناك إلا إيمان جامد أو كفر، فهؤلاء إذا سئل أحدهم هل أنت مؤمن ؟ قال: أنا مؤمن حقاً لا فرق في ذلك بين من يرتكب الفواحش والمنكرات وبين من يحافظ على الفرائض بل وجميع الطاعات كل وهذا وهذا يقول أنا مؤمن حقاً ، السبب أن هذا يعني ما وقر في قلبه من الإيمان الذي يتصور أنه لا يقبل الزيادة كما لا يقبل النقص ولذلك يقول أنا مؤمن حقاً، أما الذي فهم أن الإيمان قابل للزيادة والنقصان كما هو دليل الكتاب والسنة على ما شرحنا فيقول : أنا مؤمن إن شاء الله، لأنه في شك كبير من أن يكون قد قام بكل صفات الإيمان الكامل.
السائلة : ...
الشيخ : هذا يدل أن الإيمان بدون عمل لا يفيده وأن العمل الصالح هو من الإيمان كما نحن في صدد الحديث الآن، لذلك يعني فائدة السنة هو تقويم المفاهيم المعوجة ، الله حينما يذكر الإيمان يذكره مقروناً بالعمل الصالح لأننا لا نستطيع أن نتصور إيماناً بدون عمل صالح إلا من إنسان نتخيله خيالاً آمن منها قال أشهد أن لا إله إلا الله محمد رسول الله ومات من هنا هذا نستطيع نتصوره، لكن إنسان يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله ويعيش دهراً مما شاء الله ولا يعمل صالحاً فعدم عمله الصالح هو كدليل أنه يقولها بلسانه ولما يدخل الإيمان إلى قلبه، فذكر الأعمال الصالحة بعد الإيمان هو ليدل أن الإيمان النافع هو الذي يكون مقروناً بالعمل الصالح، على كل حال فنحن نفرق بين الإيمان الذي هو مقره القلب وهو كما أفادنا هذا الحديث من عمل القلب وبين الأعمال التي هي من أعمال الجوارح، فأعمال الجوارح هي أجزاء مكملة للإيمان ، ماهي أجزاء أصيلة من الإيمان إنما كلما ازداد الإنسان عملاً صالحاً كلما قوي هذا الإيمان الذي مقره القلب، وإلى هذه الحقيقة أشار الرسول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح الذي ذكرناه في أكثر من مناسبة ألا وهو قوله في حديث طويل: ( ألا وإن في الجسد مضغطة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهو القلب ) فالقلب كما أنه من الناحية الطبية المادية صلاحه بصلاح ظاهر البدن وكلما مرض منه شيء أثر في القلب وكلما صح منه شيء أثر صحة في القلب كذلك تماماً الأعمال الصالحة والأعمال الصالحة مع الإيمان الذي مقره القلب، فكلما كثرت أعمال الجوارح الصالحة كلما نما وقوي هذا الإيمان في القلب والعكس بالعكس.
على كل حال أردت أن أقول أن هؤلاء الذين يذهبون إلى أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص إذا سئل أحدهم هل أنت مؤمن؟ قال: أنا مؤمن حقاً، أما السلف الذين يقولون الإيمان يزيد وينقص فكانوا لا يجرؤون أن يقولوا أنا مؤمن حقاً لأن كلاً منا يعتقد أنه مقصر في الأعمال الصالحة وهذا معناه أن الأعمال الصالحة من الإيمان.
تكفير الحنفية لمن يقول : ( أنا مؤمن إن شاء الله ).
وترتب من وراء الخطأ السابق خطأ أفحش منه ووهو فتوى صدرت منذ مئات السنين من بعض الحنفية أنه لا يجوز للحنفية أن يتزوج بالشافعية، لماذا؟ لأنهم يشكون في إيمانهم ، الشافعية رجالاً ونساءً إذا سئلوا قالوا : أنا مؤمن إن شاء الله، والأحناف إذا سئلوا قالوا أنا مؤمن حقاً فحكموا على الشافعية بالكفر لأنهم يشكون في إيمانهم.
والحقيقة أن الشافعية لا يشكون في الإيمان المستقل في قلوبهم كإيمان يقبل الزيادة إنما هو يشكون في إيمان يقبل الزيادة لا يشكون في إيمان هو بمعنى الإيمان المحدود عند الحنفية وهنا نتج هذا الخلاف الطويل العريض وأوصل المخالفين إلى هذه الفتوى الجائرة التي حكمت على ربما نصف الأمة المحمدية بالكفر والضلال، ومع ذلك فقد عُدلت هذه الفتوى بعد زمن بعض الشيء ولا أقول كل الشيء لأن جاء بعد المتفي السابق فأجاب بأنه يجوز للحنفي أن يتزوج بالشافعية تنزيلاً لها بمنزلة أهل الكتاب، ومعنى هذا يجوز للحنفي أن يأخذ من الشافعية زوجة له ولا يجوز للحنفي أن يعطي ابنته زوجة لشافعي لأنه قال تنزيلاً لها منزلة أهل الكتاب، فكما أنه يجوز للمسلم أن يتزوج بالكتابية لكنه لا يجوز له أن يزوج له ابنته لكتابي كذلك قال هذا المفتي الأخير بأنه يجوز للحنفي أن يتزوج الشافعية ولكن لا يجوز له أن يزوج ابنته لشافعي، كل هذا وهذا نتج من وراء سوء الفهم للإيمان والجزم بأن الإيمان لا يقبل الزيادة والنقص على الرغم من صراحة الآيات والأحاديث بأن الإيمان بتعدد ويتنوع، وأكبر دليل على ذلك الحديث السابق : ( الإيمان بضع وستون شعبة أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ) فهذا الحديث فيه أن الرسول عليه السلام سئل عن خير الأعمال فأجاب بقوله : إيمان بالله فدل على أن الإيمان الذي مقره القلب هو عمل، وإذا كان عملاً فمعناه يقبل الزيادة والنقصان فما هو شيء جامد وهذا مما يلاحظه كل منا في نفسه ، المسلم حينما يسمع خبراً من شخص يثق به فيلقى في نفسه أن هذا الخبر صحيح، فإذا جاء رجل ثاني أو مخبر ثاني فأخبره بنفس الخبر ازداد إيماناً بصحة هذا الخبر ، فإذا جاءه آخر وآخر كلما جاءه مخبر كلما وجد في نفسه زيادة إيقان بصحة ذلك الخبر فلا يمكن أني يتصور أن هذا الإيقان واليقين الذي مقره القلب جامد يقف عند مرتبة كذلك الإيمان الذي يزداد بالأعمال الصالحة وينقص بالأعمال الطالحة ليس له حد يقال إلى هنا وبس وإنما يقبل الزيادة إلى حيث لا يتصور، لذلك جاء في القرآن الكريم حينما طلب إبراهيم عليه الصلاة والسلام من رب العالمين آية، قال: (( أرني كيف نحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي )) فهذا الاطمئنان ليس لشك إبراهيم عليه الصلاة والسلام في قدرة الله عز وجل على الإحياء وإنما ليزاد إيقاناً واطمئناناً وإيماناً، فهذا هو الذي يقول به الجمهور أن الإيمان يقبل الزيادة وهو هذا الاطمئنان والازدياد من اليقين.
ما حكم الذين يقولون إن الإيمان جزء واحد لا يزيد ولا ينقص ويكفرون من يقول : أنا مؤمن إن شاء الله ؟
الشيخ : فما هو الحكم الذي إيش ؟
السائلة : ...
الشيخ : نحكم عليهم بأنهم مخطئون.
السائل : ما بنكفرهم ؟
الشيخ : لا ما بنكفرهم لأن التكفير إذا كان صدر خطأ من شخص باجتهاد وهذا الاجتهاد خاطئ فحسبنا أن نحكم بخطئه ولا نقابل التكفير بتكفير مثله، إذن ما هو الفرق الذي بيننا وبينهم ، هم تسرعوا فكفروا الشافعية وغيرهم بسبب خطئهم في فهمهم لمعنى الإيمان فنحن لا نخطئ مثل خطئهم ونقول الإيمان يزيد وينقص، ومن سئل فقال أنا مؤمن إن شاء الله خير بكثير ممن يقول أنا مؤمن حقا، ومن كفر أحد الفريقين فهو على خطأ إن لم يكن على خطر.
9 - ما حكم الذين يقولون إن الإيمان جزء واحد لا يزيد ولا ينقص ويكفرون من يقول : أنا مؤمن إن شاء الله ؟ أستمع حفظ
تتمة شرح حديث أبي ذر رضي الله عنه : ( أي الأعمال خير ؟ قال : إيمان بالله وجهاد في سبيله ... ).
فجاء السؤال عن شيء آخر فقال السائل : ( فأي الرقاب أفضل؟ ) أي أي الرقاب أفضل عتقاً؟ يعني أي نوع من أنواع العبيد هو أفضل أن يعتق فأجار الرسول عليه السلام بقوله : ( أغلاها ثمناً وأنفسها عند أهلها ) يعني كلما كان العبد الذي يريد سيده أن يعتقه حراً لوجه الله عز وجل أغلى ثمناً وأنفس وأحب إليه فهو الأفضل أن يتصدق به، هذا كمثل ما وقع لأحد الصحابة من الأنصار المعروف بأبي طلحة حيث جاء يوماً إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( يا رسول الله إني أسمع ربنا تبارك وتعالى يقول : الآية الكريمة (( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون )) وعندي بيرحاء ) هذا اسم بستان له كان يملكه يقول : ( وهو أحب شيء لدي فهو صدقة لله فضعه يا رسول الله حيث أراك الله، فقال عليه الصلاة والسلام: تصدق به على أقاربك، فوزعه أبو طلحة على أقاربه ) فكل واحد أخذ له قسمة وبعد وفاة أبي طلحة بيعت هذه الأقسام بأثمان باهظة جداً، فهذا يوضح الحديث الذي نحن في صدده (( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبيون )) فكما أن أبا طلحة تصدق بأحب شيء لديه من ماله وهو بستان كان له في المدينة اسمه بيرحاء كذلك الرسول عليه السلام يدندن حول الآية حينما يسأل عن أفضل الرقاب تعتق يقول: ( أغلاها ثمناً وأنفسها عند أهلها ) فحينذاك يقول الذي يتصدق أو يعتق هذا العبد قد تصدق مما يحبه كما فعل أبو طلحة رضي الله عنه.
الطالبة : ...
الشيخ : إي نعم، قال السائل : ( أفرأيت إن لم أستطع بعض العمل ) يعني بعد أن ذكر الرسول عليه السلام من الأعمال الفاضلة مثل الجهاد في سبيل الله مثل عتق الرقاب سأل سائل بلك أنا لا أستطيع لا أستطيع أن أجاهد لا لأنه لا يرغب الجهاد لأن له ظروف خاصة مثلاً كذاك الرجل الذي جاء إلى الرسول عليه السلام من اليمن قال : ( هاجرت لأجاهد معك وتركت أبوي يبكيان فقال: ارجع إليهم وأضحكهما كما أبكيتهما ) فإذن هذا معذور لا يستطيع أن يجاهد في سبيل الله وقد ذكر الرسول عليه السلام الجهاد في سبيل الله هنا بعد الإيمان بالله ، ما عنده عبد محبوب لديه حتى يعتقه ويحصل على هذا الفضيلة فيتفش هذا السائل عن أعمال هي في مكنته وفي استطاعته فيسأل ويقول : أفرأيت إن لم أستطع بعض العمل أي الصالح الذي تحضنا عليه يا رسول الله فسهل له عليه السلام السبيل فقال له: ( فتعين صانعاً ) يعني رجل صاحب صنعة .
السائلة : ضائعاً ولا صانعاً ؟
الشيخ : صانعاً .
السائلة : ...
الشيخ : صانعاً يعني صاحب صنعة أنت باستطاعتك تعينه فمعونتك له تكون صدقة لك ( فتعين صانعاً أو تصنع لأخرق ) إما أن تعين صانعاً يعني عمله من نوع عملك ومهنته من نوع مهنتك فباستطاعتك أن تقدم له إعانة فافعل فتكون لك صدقة .
( أو تصنع لأخرق ) أي أنت تصنع لإنسان لا مهنة له فالأخرق هنا هو الذي ليس بيده صنعة ولا مهنة يعني أن الرسول عليه السلام ينوع طرق الخير وطرق الصدقة، فإما أن تعين صانعاً يشاركك في مهنتك وفي صناعتك أو أن تصنع لأخرق ليس عنده مهنة عملاً يستفيد منه كما جاء في بعض الأحاديث الضعيفة السند لكن هي تصلح كمثال للجملة الأخيرة وهي ( أو تصنع لأخرق ) جاء رجل إلى الرسول عليه السلام يسأله يعني يشحد منه قال له عليه السلام : ما عندك في البيت ؟ قال: ما عندي إلا حلث يعني بساط مهري من كنت استعماله جابه قال له هاته جابه نزله بالمزاد فباعه بدرهم وواحد زاد درهم وواحد ثاني باعه بدرهمين بهالدرهمين اشترى له قدوم ... ومعه الحديدة وركب له إياها قال له روح اشتغل واحتطب فراح احتطب وجاء بعد يومين ثلاثة صار صاحب غنى يعني نسبة استغنى بهذا العمل عن السؤال والشحادة فقال له عليه السلام: ( هذا خير لك من أن تسأل الناس أعطوك أو منعوك ) فالشاهد الرسول عليه السلام أعان هذا الأخرق الذي ليس بيده مهنة فقدم له ... وقدوم وركبهم بعضهم ببعض قال له قطع بالغابة وبيع واشتري وهكذا فعل، فإذن طرق الخير كثيرة وكثيرة جداً واحد ما بيتيسر له الجهاد في سبيل الله آخر ما عنده عبد مثل حالتنا اليوم أصبحنا نحن مع الأسف العبيد بدل ما يكون عندنا عبيد من الكفار نتصدق بتحرير رقابهم إذا لم يوجد عندنا مثل هذه الأنواع من الصدقات فعندنا أنواع أخرى أن نعيد صاحب المهنة ومن كان لا مهنة له نصنع له ما يستفيد منه كما في الحديث السابق ثم تابع الرسول عليه السلام إجابة هذا السائل حين قال : ( أفرأيت إن ضعفت؟ ) هذا سائل طامع وحريص لأنه كل ما جاوبه الرسول عليه السلام بجواب بيطمع أن يأخذ جواب ثاني، فهو بعد ما قال له أفضل العمل وخير العمل الجهاد في سبيل الله بعد الإيمان وذكر له عليه السلام بعد ذلك أنه إما أن يعيد صانعاً أو يصنع لأخرق، قال له بلك كنت ضعيف ما أستطيع أن أعين وأن أعمل أي شيء من هذه الأعمال الفاضلة فأجابه عليه السلام بجواب ليس بعدها ما يمكن لإنسان يتلقى عليه الجواب ، قال : ( تدع الناس من الشر فإنها صدقة تصدق بها على نفسك ) هو سأل عن أعمال الخير قال بلك ضعفت إذن لا تعمل شر وانتهت المشكلة فلا تعمل معناها ولو كنت ضعيف فأنت مانك بحاجة لعمل فالذي بدو يؤذي الناس ويقدم إليهم شر بدو يعمل عمل حركة وأنت عمتدعي بلك أنا كنت ضعيف إذن سلم الناس من شرك فسلامتهم من شرك هي صدقة إليك تتصدق بها على نفسك هذا في الواقع من يسر الله عز وجل وتفضله على عباده حيث جعل نهاية مطاف الإنسان العاجز أن يسلم الناس من شره فيكون ذلك صدقة منه على نفسه ( قال: تدع الناس من الشر فإنها صدقة تصدق بها على نفسك )
نكتفي اليوم بهذا المقدار لنقرأ أو لنجيب عن سؤال لدينا .
10 - تتمة شرح حديث أبي ذر رضي الله عنه : ( أي الأعمال خير ؟ قال : إيمان بالله وجهاد في سبيله ... ). أستمع حفظ
تعليق على كلام لابن القيم رحمه الله من زاد العماد : حول تغميض العينين في الصلاة " إن كان تفتيح العين لا يخل بالخشوع فهو أفضل وإن كان يحول بيننه وبين الخشوع ... )
هذا كلام ابن القيم بالنص في * زاد المعاد *.
وأقول تعليقاً عليه : إن هذا الكلام في نفسه صحيح ولكن لا بد من تقييده بما دلت عليه السنة وبما تقتضيه الأحوال والظروف التي يكون فيها هذا المصلي، فنحن نجد في السنة أن الرسول عليه السلام قال يوماً للسيدة عائشة : ( أميطي عنا قرامك هذا فإن تصاويره ألهتني عن صلاتي ) القرام هي الستارة وفيها زخارف، الرسول عليه السلام الذي كما شرحنا في الدرس السابق،،، ولا يستطيع أن يتصرف فيه وشعر بأن الزخارف والنقوش التي بين يديه تشغله وتصرفه عن النقوش عن الخشوع فهاهنا لا بأس كما قال ابن القيم من تغميض العين باستجماع نفسه واستحضار قلبه في الصلاة، لكن هذا يكون عرضاً ولا يكون سنة متبعة لديه، هذا التعليق الذي أحببت أن أعلقه على كلمة ابن القيم فكلام ابن القيم حيث قال : " والصواب أن يقال " إلى آخره صواب بهذا القيد الذي ذكرته وخلاصته : إن كان في مكان لهو فيه زخارف فإبقاء هذه الزخارف لا يبرر له أن يتخذ سنة تغميض العين بل يزيل الزخارف أو يصلي في مكان ليس فيه زخارف كما كان الرسول عليه السلام يصلي، أما إذا كان في مكان لا يملكه وكانت الزخارف تشغل قلبه فهناك يرد كلام ابن القيم والصواب الذي استصوبه .
السائلة : ...
الشيخ : بناء على إيش ؟
السائلة : على الحديث حديث .
الشيخ : إي لكان نعم.
11 - تعليق على كلام لابن القيم رحمه الله من زاد العماد : حول تغميض العينين في الصلاة " إن كان تفتيح العين لا يخل بالخشوع فهو أفضل وإن كان يحول بيننه وبين الخشوع ... ) أستمع حفظ
ما هي الطريقة التي ترشدنا فيها لدراسة الفقه الإسلامي ؟
الطريقة هي أن ندرس كتب التي تعرف بأحاديث الأحكام وهي كثيرة وندرس معها الشروح التي كتبت عليها، وإذا استطاع الإنسان أن يتوسع فيدرس مبسوطات الكتب الفقهية ويدرس أدلتهم ومذاهبه ليتبين له الأصل مما اختلف فيه العلماء، هذا جواب لمثل هذا السؤال بقدر ما يتحمله المقام .
هل حديث ابن عباس أنه مر بين يدي الصف يدل على جواز المرور بين يدي المأموم وأن السترة إنما تشرع بالنسبة للإمام والمنفرد ؟
" عن ابن عباس قال : ( أقبلت راكباً على أتان وأنا يومئذٍ قد ناهزت الاحتلام والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس بمنى فممرت بين يدي بعض الصف، فأرسلت الأتان ترتع ودخلت في الصف فلم ينكر علي ذلك أحد ) رواه الجماعة ".
السؤال : فهل في هذا الحديث ما يدل على جواز المرور بين يدي المأموم وأن السترة إنما تشرع بالنسبة للإمام والمنفرد ؟
لا شك أن سترة الإمام سترة لمن خلفه، ولكن هذا الحديث لا يدل على جواز مرور المار بين يدي الصف هكذا عبثاً بدون عذر، لأن هذه الحادثة هي كما يقول الأحناف حادثة عين ليس في الحديث بيان السبب الذي من أجله دخل ابن عباس والأتان في الصف أي مر بين يدي الصف لا ندري ما هو السبب، لعله مثلاً كان لا يستطيع النزول من مكان بعيد كأن يكون مثلاً في منحدر في كذا فهو اضطر إلى أن يقترب من الصف فينزل من الدابة وينضم هو إلى الصف هذا ممكن أن يقال، وليس في الحديث مطلقاً أن ابن عباس فعل هكذا عبثاً حتى يتخذ دليلاً على جواز المرور بين يدي المصلين الواقفين في الصف بدون سبب وبدون عذر شرعي، وكون الإمام سترة لمن خلفه هذا يسقط عن المقتدين وراءه أن يتخذوا سترة كالإمام ولكن هذا لا يسوغ للناس أن يمروا بين يدي الصفوف عبثاً لغير عذر شرعي، وهذا مما نراه في الحرمين الشريفين في مكة والمدينة يقع تارة بعذر وتارة بغير عذر، فيجب أن نلاحظ أن المرور بين يدي الصف عبث فيه إشغال للمصلين وإلفاتهم عن الإقبال على صلاتهم وآنفاً كنا نناقش قول من يقول بأن تغميض العين في الصلاة إذا كان يحصل الخشوف بسبب زخارف هناك يجوز بل هو الأفضل فكيف الآن نقول يجوز للناس أن يمروا بين يدي الصف بدون عذر شرعي فهذا فيه إلهاء لهم وفيه تشغيل عن إقبالهم على ربهم تبارك وتعالى بقلوبهم فلا يجوز المرور بين يدي الصف إلا لعذر هذا العذر نتلمسه في مثل المسجد النبوي والمسجد المكي فالمسجد النبوي مثلاً له أبواب شارعة إلى الجهة الشرقية والغربية والشمالية فيأتي الآتي إلى الصلاة فيجد الناس قياماً يأتي مثلاً من باب السلام الباب الغربي للمسجد النبوي فهو لو أراد أن يدور حتى يصلي وراء الصفوف لسلم الإمام وانتهت الصلاة فهو يدخل من أقرب باب إليه فيجد الناس قياماً في الصفوف فيمر بين الصفين إما حتى يجد فرجة في صف ما فيسدها أو أنه يعقد هو وبعض الأشخاص الآخرين صفاً بين الصفوف هذا يقع كثيراً في المسجد النبوي وكذلك في المسجد المكي فلا بأس من هذا، أما كما يفعلون أيضاً هناك في المسجدين أنت تصلي لوحدك فتجد الناس يمرون بين يديك وهناك مجال للمرور إما من خلفك أو بعيد عنك هذا لا يجوز بوجه من الوجوه إطلاقاً، وهذا مما اعتبره الشارع الحكيم شيطاناً، فأفاد بأن المار إذا أراد أن يمر بين يدي المصلي فعلى المصلي أن يقاتله، فإن أبى فليدفعه فإنما هو شيطان، إذن حديث ابن عباس ليس فيه دلالة على جواز المرور بين يدي الصفوف، لأنه لم يذكر في الحديث أنه فعل ذلك بدون عذر .