" باب ما لا يجوز من اللعب والمزاح " شرح حديث : ( لا يأخذ أحدكم متاع صاحبه لاعباً ولا جاداً فإذا أخذ أحدكم عصا صاحبه فليردها إليه ).
" باب ما لا يجوز من اللعب والمزاح " .
روى بإسناده الحسن عن عبد الله بن السائب، عن أبيه، عن جده قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ( لا يأخذ أحدكم متاع صاحبه لاعباً ولا جاداً فإذا أخذ أحدكم عصا صاحبه فليردها إليه ) .
في هذا الحديث تعليم من الرسول عليه الصلاة والسلام للمؤمنين بما يجب عليهم من الالتزام حينما يريد أحدهم أن يمزح مع أخيه المسلم فيأمره بأن يلتزم أمراً ليس فيه إضرار أو تخويف لأخيه المسلم باسم كونه مازحاً، فالمزح يجوز بشرط أن لا يترتب من ورائه إضرار بل ولا إزعاج ما لأخيه المسلم، ففي هذا الحديث يقول الرسول عليه الصلاة والسلام : ( لا يأخذ أحدكم متاع صاحبه لاعباً ولا جاداً فإذا أخذ أحدكم عصا صاحبه فليردها إليه ) ( لا يأخذ متاع صاحبه لاعباً ولا جاداً ) المتاع هنا كما ترين وتسمعن نص عام يشمل أي شيء مما يتمتع به الإنسان، فلا يجوز للمسلم أن يأخذ شيئاً من متاع أخيه لا لاعباً ولا جاداً، والفرق بين أخذ ذلك المتاع لاعباً وبين أخذه إياه جاداً هو أنه حينما يأخذه لاعباً لا يأخذه ليتمتع هو به لنفسه أي سرقة لأنه أخذه ملاعبة منه لأخيه المسلم، أي أنه يعني أن يزعجه أن يرعبه ثم يعيد المتاع إليه، فهذا هو قوله عليه السلام : ( لاعباً ) أما أخذه إياه جاداً فهو أن يأخذ ذلك المتاع على سبيل الاستملاك، فهو حينئذٍ يعتبر سارقاً فالرسول عليه السلام ينهى المسلم أن يأخذ متاع أخيه المسلم لاعباً بقصد تخويفه ثم إعادته إليه، ولا جاداً أي سرقة فأخذ متاع المسلم جاداً معناه أنه يسرقه منه وهذا طبعاً أمر لا يجوز وإن أخذ المتاع لاعباً مازحاً مداعباً لأخيه المسلم، ففيه أنه قد يدخل على قلب أخيه المسلم شيئاً من الانزعاج، وقد قيل في مناسبة هذا الحديث أو سبب وروده أن رجلاً من الصحابة في بعض الغزوات خلا أخاه المسلم نائماً ثم جاء إلى متاعه وفيه سيفه الذي يقاتل به فأخذه وانصرف إلى مكان ما، فلما استيقظ النائم ولم يجد المتاع بما فيه السيف الذي يقاتل به بلا شك أنه انزعج انزعاجاً كثيراً، وسرعان ما عاد اللاعب الآخر للمتاع فسلمه لصاحبه ضاحكاً مازحاً فهو يظن أنه يمزح لكنه لا يشعر أبداً بالأسى والحزن والخوف الذي داخل قلب ذلك المسلم الذي استيقظ من نومه فوجد متاعه قد سرق منه ، ثم فوجئ بذلك الذي أخذ المتاع فقدمه إليه مازحاً، فمثل هذا المزح لا يجوز لما فيه من إدخال الرعب في قلب أخيه المسلم، ولذلك فقد جاء في السنة في شمائل الرسول عليه الصلاة والسلام وأخلاقه أنه كان لا يمزح وإذا مزح فلا يقول إلا حقاً، وهذه صفة يجب أن يتخلق فيها المسلم وهي صفة تنقسم إلى قسمين إما أن لا يمزح مطلقاً وهذا هو الأسلم، وإما إذا مزح فليمزح وليقل حقاً، وليس من الحق أبداً أن يدخل بسبب مداعبته ومزاحه رعباً أو خوفاً في قلب أخيه المسلم.
وقلنا إن الأولى أن لا يمزح مطلقاً لأن المزاح الذي يدخل به المازح الفرح إلى قلوب أصحابه دون أن يزعجهم ودون أن يحزنهم مثل هذا المزاح لا يتقنه إلا قليل وقليل من الناس جداً، وإذا كان الأمر كذلك فالأولى أن لا يمزح مطلقاً، ولذلك وصف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الرسول عليه الصلاة والسلام بأنه كان يمازحنا وكان يداعبنا ولكن كان لا يقول إلا حقاً .
ومن أمثلة مداعبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وممازحته لأصحابه ما جاء في السنة ( أن النبي عليه الصلاة والسلام جاءه ذات يوم امرأة عجوز فقالت: يا رسول الله ادع الله أن يدخلني الجنة، فقال : إن العجائز لا تدخل الجنة ) فرجعت وهي آسفة أو كادت أن ترجع لكن سرعان ما أعادها الرسول عليه السلام فأفهمها بأن العجائز لا تدخل الجنة في حالة شيخوختهن، والمعنى أن المرأة العجوز إذا دخلت الجنة تعود شابة ولا تدخل الجنة وهي في حالة العجز، وهذا الحديث بالذات في سنده شيء من الضعف.
ولكن صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن امرأة أخرى جاءت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام تذكر له شيئاً عن زوجها فقال لها عليه السلام : زوجك الذي في عينه بياض؟ فركضت إلى البيت تنظر هكذا في عين زوجها قال لها مالك ؟ قالت : قلت للرسول عليه السلام عنك فيما هو كذا وكذا قال لي زوجك الذي في عينه بياض ، بدها تشوف هذا البياض وهو طبيعي فمن هذا النوع كانت مداعبة الرسول عليه الصلاة والسلام .
لكن المداعبة التي يترتب منها إزعاج المسلم وإدخال الخوف في قلبه فهذا لا يجوز لهذا الحديث ( لا يأخذ أحدكم عصا أو متاع أخيه لا مازحاً ولا جاداً ) لأن المزح المؤذي لا يجوز ( ولا جاداً ) لأنه سرقة، ( ومن أخذ عصا صاحبه فليردها إليه ) لأنها إن كان أخذها سرقة فهي محرمة واضحة فعليه أن يعيد الحق إلى صاحبه وإن أخذها مازحاً مداعباً فهو بالأولى والأحرى يجب عليه أن يعيدها وفي هذه الحالة إنما المقصود حينذاك في النهي عن أخذ العصا التي سيردها لما في ذلك من إدخال الإزعاج على قلب هذا المسلم الذي أخذ عصاه أو متاعه مزاحاً.
ففي هذا الحديث إذن تنبيه لكل مسلم ومسلمة أن لا يتعاطى المزح لأنه فيه ولا بد شيء من الانحراف عن أحكام الشرع ومن ذلك إزعاج الأخ المسلم.
1 - " باب ما لا يجوز من اللعب والمزاح " شرح حديث : ( لا يأخذ أحدكم متاع صاحبه لاعباً ولا جاداً فإذا أخذ أحدكم عصا صاحبه فليردها إليه ). أستمع حفظ
باب : " باب الدال على الخير " شرح حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه : ( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : إني أبدع لي فاحملني ، قال: لا أجد ولكن ائت فلاناً فلعله أن يحملك ... ).
يعني وبيان ما له من الأجر.
ثم روى بإسناده الصحيح .
عن أبي مسعود الأنصاري قال: ( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : إني أبدع لي فاحملني ، قال: لا أجد ولكن ائت فلاناً فلعله أن يحملك فأتاه فحمله فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : من دل على خير فله مثل أجر فاعله ).
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني أبدع بي يعني: هو رجل مسافر وكان راكباً دابته فعرض لها وحدث فيها حادث حمله أو جعله ينقطع عن السفر فقوله : أبدع بي يعني : قطع بي في الطريق، إما أن دابته عيت وتعبت أو أنها ماتت فلم يستطع متابعة السير حتى يتابع طريقه إلى الهدف الذي كان قصده ، أبدع بي انقطع بي في الطريق ، فاحملني : يعني أعطني ما عندك مما يساعدني على متابعة السفر والطريق من الدواب من ناقة أو جمل أو نحو ذلك من المركوبات، فأجابه عليه الصلاة والسلام معتذراً لا أجد ( ولكن ائت فلاناً فعله أن يحملك ) أن يعطيك ما ما يحملك ويوصلك إلى هدفك، فذهب الرجل إلى من دله الرسول عليه فأتاه فحمله فعلاً أركبه على شيء فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره فقال : ( من دل على خير فله مثل أجر فاعله ).
يشير الرسول عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث إلى أن الذي يتعاطى السبب فله حكم المسبب المسافر، فلما جاء ذلك الرجل الذي أبدع به وانقطع في الطريق يطلب من الرسول عليه السلام ما يحمله عليه واعتذر له الرسول بأنه لا يجد قال اذهب إلى فلان في ظن الرسول عليه السلام بأنه يجود عنده ما يحمله من الدواب فقال له لعله يحملك، وفعلاً ذهب إليه فحمله عاد الرجل الذي كان قطع به إلى الرسول عليه السلام كأنه يقول له : إن واسطتك ودلالتك قد نفعتني فقد حملني الرجل وأنا استطعت بذلك أن أتابع الطريق وأصل إلى دربي، فقال عليه الصلاة والسلام تعليماً للناس أن يفعلوا مثل فعله وأن يدلوا الناس على الخير مثل دلالته وحضهم على ذلك بقوله : ( من دل على خير فله مثل أجر فاعله ) ومن هنا جاءت العبارة المختصرة والموجزة من هذا الحديث " الدال على الخير كفاعله ".
فإذن هذا قريب من الحديث المشهور الصحيح والذي قد مر بنا في بعض المناسبات : ( تصدقوا ولو بشق تمرة فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة ) أليس من الكلمة الطيبة أنه إذا جاءني رجل يسألني مساعدة له من مال فقلت له لا أجد ما أقدمه إليك من مال ولكن اذهب إلى فلان فلعله يعطيك ما تستغني به، فذهب إليه وأعطاه فقد صدق في وفي أمثال هذه الأمثلة قول الرسول عليه السلام : ( تصدقوا ولو بشق تمرة فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة ) إذا ما عندك صدقة فدل على من يتصدق.
هذا الحديث على نحو هذا الحديث ولكن هذا الحديث الذي ورد معنا في الكتاب يبين لنا أن الدال على الصدقة والدال على الخير مهما كان نوع هذا الخير فأجره مثل أجره فاعله، فهذا الذي دل على الصدقة فله مثل أجر ذلك المتصدق، وهذا ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي دل ذلك الذي أبدع به على من يحمله فلرسول الله صلى الله عليه وسلم مثل أجر ذلك الذي حمله.
2 - باب : " باب الدال على الخير " شرح حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه : ( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : إني أبدع لي فاحملني ، قال: لا أجد ولكن ائت فلاناً فلعله أن يحملك ... ). أستمع حفظ
فائدة : هل المثلية في قوله صلى الله عليه وسلم: ( الدال على الخير كفاعله ) مثلية تامة من كل الوجوه ؟
الجواب : لا ، لأن المثلية لا تقتضي المشابهة من كل وجه ، حينما يقول فلان مثل فلان لا يعني من كل ناحية وإنما من الناحية التي هو في صدد التحدث عنها، هذا مثاله تماماً في علم البلاغة حينما يقول : فلان مثل الجبل فلا يقصد بأنه حجر أصم لا يسمع وإنما هو مثل الجبل في الثبات والصمود وعدم تزعزعه أمام الجوارف والتيارات المختلفة ، وأشهر من هذا المثال حينما يقال : زيد أسد فكل إنسان يفهم أن هذا الواصف لزيد بالأسد لا يعني أنه كالأسد من جميع الوجوه فمثلاً الأسد له ذنب فهو لا يعني أن زيد له ذنب، إذن ماذا يعني ؟ في صدد التشبيه يعني المبالغة في الشجاعة فيزد أسد أو كالأسد يعني في الشجاعة، وهكذا إذا جاء في الحديث أن من فعل كذا فله مثل فلان، فالمماثلة هنا ليست من كل الوجوه، ومثل هذا الحديث يأتي في أحاديث كثيرة مثلاً قوله عليه الصلاة والسلام : ( من فطر صائماً فله مثل أجره ) الصائم الذي صام طوال النهار فلما أنا آتي به مساءً أفطره عندي فأنا لي مثل أجره، ولكن إذا كتب لهذا الصائم ألف حسنة فأنا لمجرد أني فطرته فلي ألف حسنة أيضاً ؟ الجواب التشبيه هذا لا يقتضي المماثلة من جميع الوجوه ، من فطر صائماً فله مثل أجره أي قريباً من أجره.
وكذلك الحديث الآخر الذي يقول فيه الرسول عليه الصلاة والسلام : ( من أتى مسجد جماعة فوجدهم قد صلوا ثم صلى وحده كتب له مثل أجر صلاتهم ) هؤلاء الذين صلوا جماعة للذين تأخروا وفاتتهم صلاة الجماعة مثل أجرهم ترى الذي أدرك صلاة الجماعة من أولها مع الإمام كبر تكبيرة الإحرام وهو كبير معه هذا مثل أجر الذي فاتته الصلاة من أولها فأدرك الإمام مثلاً في الركعة الثانية وشخص ثالث أدركه في الركعة الثالثة وشخص رابع أدركه في الركعة الرابعة والشخص الخامس جاء وقد انتهوا جميعاً من الصلاة هؤلاء الأشخاص كلهم في مرتبة واحدة ؟ الجواب: لا ليسوا كذلك لأن الله عز وجل يقول : إن الله لا يضيع مثقال ذرة، إذن ما معنى قول الرسول عليه السلام في حديث صلاة الجماعة فله مثل أجر صلاتهم ؟ وما معنى قول الرسول عليه السلام بالنسبة لمن فطر صائماً فله مثل أجره وما معنى قول الرسول عليه السلام أخيراً في هذا الحديث : ( من دل على خير فله مثل أجر فاعله ) ؟ الجواب : المثلية هنا دون ملاحظة التضعيف، فإن للإنسان من العمل إذا عمله عشر حسنات فصاعداً بدليل حديث ابن عباس الذي أخرجه البخاري ومسلم في *صحيحيهما* قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يقول الله تبارك وتعالى لملائكته : إذا هم عبد بحسنة فلم يعملها فاكتبوها له حسنة ، وإذا هم عبدي بحسنة فعملها فاكتبوها عشر حسنات إلى مئة حسنة إلى سبع مئة إلى أضعاف كثيرة والله يضاعف لمن يشاء ، وإذا هم بسيئة فلم يعملها فلا تكتبوها شيئاً ) وفي رواية : ( فلم يعملها فاكتبوها له حسنة ) ( إذا هم عبدي بسيئة فلم يعملها فاكتبوها له حسنة ) لماذا ؟ قال تعالى : ( لأنه تركها من جرائي ) أي ترك هذا العبد الذي هم على عمل السيئة ثم تركها فإن كان تركه إياها من باب ما جاء في الأمثال القديمة " ومن العصمة أن لا تجد " يعني رجل مثلاً خطر في باله أنه يروح الليلة يحييهيا في السينما أتى ليقطع البطاقة مدي يده إلى جيبته فوجد جيبته خاوية على عروشها لم يجد الفلوس التي يقطع بها البطاقة فعاد أدراكه إلى البيت هنا يقال : " ومن العصمة أن لا تجد " أو أصابه في الطريق أو شغله بعض الناس أو غير ذلك من الأسباب فهو لم يدخل السينما فهذا لا يكتب كما لو دخل السينما هذا من رحمة الله بعباده ، ( إذا هم عبدي بسيئة فلم يعملها فلا تكتبوها له شيئا ) هذا إذا لم يعملها لأنه لم ييسر له سبيلها ، الحالة الثانية : هم أن يدخل السينما ثم تذكر حكمها وحرمتها في الإسلام فأعرض عن الدخول فهذا إنما ترك هذه المعسية خوفاً من الله واتقاءً لعذاب الله فهنا يقول الله تبارك وتعالى : ( فاكتبوها له حسنة فإنما تركها من جراي ) يعني من أجل الله تبارك وتعالى، فمن هم بالسيئة فلم يعملها فهو في حالة من حالتين إما لم يفعلها لأنها لم تتيسر له فهذا لا ل ولا عليه وإما لم يفعلها لأنه تذكر حكم الله وخاف من الله فتركها فينقلب همه إلى عمل السيئة إلى حسنة تكتب له ، إذا عرفنا هذا الحديث عرفنا من أوله أن الحسنة تكتب عادة ودائماً وأبداً على أقل المراتب عشر حسنات ثم تتضاعف إلى مئة إلى سبعمائة إلى أضعاف كثيرة والله يضاعف لمن يشاء فهذا الذي حمل المنقطع في الطريق ، ترى ماذا كتب له أجر الحسنة بحسنة أم بمئة أم بسبع مئة أم بأضعاف كثيرة؟ لا نعلم بالطبع ، هذا الذي فطر الصائم ترى هذا الصائم كم كتب له كم كتب له صيامه؟ هل في حدود العشر الحسنات أم المئة أم السبعمائة أم أضعاف كثيرة؟ وهكذا الذي ذهب إلى المسجد ليصلي مع الجماعة وإذا بالناس خارجون من المسجد فهو ذهب ليصلي مع الجماعة لكن فاتته الجماعة قال الرسول عليه السلام في الحديث : فله أجر صلاتهم ، ترى هذه الصلاة مع المضاعفة أم بدون مضاعفة؟ هذه المثلية -هنا بيت القصيد- دائماً يقصد بها له أجر العمل بدون ملاحظة التضعيف، لأن التضعيف مرتبط بالعمل والمفروض في هذه الصور كلها أن لا عمل، فهاهنا دل على من يتصدق عليه ويثيبه فهو لم يعمل أي لم يركب ذلك الإنسان، وإنما دل فله مثل أجر فاعله يعني له عشر حسنات كما لو كان أركبه بس بدون تضعيف للأجر، أما ذاك الذي أركبه فقابل أن تضعف له حسناته إلى مئة إلى سبع مئة إلى أضعاف كثيرة هكذا يجب أن نفهم هذه المثلية في هذا الحديث وأمثاله وهو قوله عليه السلام : ( من دل على خير فله مثل أجر فاعله ).
3 - فائدة : هل المثلية في قوله صلى الله عليه وسلم: ( الدال على الخير كفاعله ) مثلية تامة من كل الوجوه ؟ أستمع حفظ
باب : " باب العفو والصفح عن الناس " . شرح حديث أنس رضي الله عنه : ( أن يهودية أتت النبي صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل منها فجيء بها فقيل ألا نقتلها ؟ قال: لا ، قال ما زلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وسلم ).
" باب العفو والصفح عن الناس " .
روى بإسناده الصحيح .
عن أنس ( أن يهودية أتت النبي صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل منها فجيء بها فقيل ألا نقتلها ؟ قال: لا ، قال: ما زلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وسلم ) .
هذه قصة مشهورة في تاريخ السيرة النبوية وهي أن يهودية جاءت إلى الرسول عليه السلام بشاة مسمومة يعني مشوية ومسمومة ، جاءت بهذه الشاة بهذا الذراع من الشاة وهو مسموم تقدمه إلى الرسول عليه السلام هدية فأكل منها الرسول عليه السلام، وظهر أثر السم في الشاة في تلك الحادثة حيث أن النبي عليه الصلاة والسلام بعد وضع اللقمة الأولى في فمه نزل الوحي عليه بأنها شاة مسمومة، فأمر الرسول عليه السلام أصحابه الذين كانوا معه بأن يمسكوا ولا يأكلوا، وقال إن هذه الذارع تخبرني أنها مسمومة فانتهى الناس، وكان منهم أحد الصحابة الذين أكلوا مع الرسول عليه السلام كان قد وصلت اللقمة إلى جوفه فتأثر بها فمات، أما الرسول عليه السلام فلم يتأثر بتلك الأكلة التي أكلها من تلك الشاة المسمومة تأثراً يؤدي إلى موته مباشرة، وإنما ظهر تأثير تلك اللقمة في جسده عليه السلام مع الزمن وإلى ذلك يشير أنس بن مالك رضي الله عنه بقوله : ( فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وسلم ) اللهوات جمع لهاة وهي اللسان الصغير الذي هو في الحلق هنا الذي نعلم أنه يسد مجرى التنفس لكي لا تدخل اللقمة إلى مجرى التنفس وإنما تأخذ المجرى الطبيعي، فهذه اللهاة يظهر أنها مضغة حساسة فلما باشرها السم أضعفها، فيقول أنس فكنت أجد أثر تلك اللقمة المسمومة في لهواة الرسول عليه السلام، وذلك إما بأن يبح صوته عليه السلام في بعض الأحيان بتأثير ذلك السم أو يصيبه شيء من الورم كما يصيب الأطفال الصغار وغيرهم ونحو ذلك، وقد أخبر الرسول عليه السلام في مرض موته بأنه لم يزل يجد أثر تلك اللقمة المسمومة حتى وجد أثرها في مرض موته وقال: ( فهذا أوان انقطاع أبهري ) أي انقطاع عرق من عروقه عليه السلام فكان أكله عليه السلام من هذه الشاة تأثر بها تأثراً مع الزمن حتى مات منها بعد مدة سنة أو سنتين، ولذلك فبعض العلماء يعتبرون الرسول عليه السلام بأنه مات شهيداً بسبب هذا السم الذي دسته تلك اليهودية في الذراع ذراع الشاة المسمومة، وهاهنا في هذا الحديث خبر تضاربت الأخبار فيه وهي أن أصحاب الرسول عليه السلام سألوه بعد أن علم الرسول عليه السلام بنطق ذراع الشاة أنها مسمومة وبعد وفاة أحد الصحابة بسبب أكله منها علم أنها أي هذه اليهودية قد غدرت به عليه السلام وأرادت قتله والقضاء عليه، فأرسل خلفها فاعترفت بأنها وضعت السم عامداً قصداً، فسألها عن السبب قالت : قلت : إن كان صادقاً في ادعائه النبوة والرسالة فلن يضره السم، وإن كان كاذباً قضينا عليه.
4 - باب : " باب العفو والصفح عن الناس " . شرح حديث أنس رضي الله عنه : ( أن يهودية أتت النبي صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل منها فجيء بها فقيل ألا نقتلها ؟ قال: لا ، قال ما زلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وسلم ). أستمع حفظ
فائدة : هل قتل النبي صلى الله عليه وسلم اليهودية التي وضعت السم في الشاة وأرادت قتله ؟ والكلام على المسألة " إذا جاءنا خبران متعارضان أحدهما مثبت والآخر نافٍ فالمثبت هو المقدم والنافي هو المؤخر "
اختلفت الروايات هاهنا ففي هذه الرواية التصريح بأن الصحابة سألوا الرسول عليه السلام : ( أنقتلها ؟ قال: لا ) وفي رواية أخرى أنه عليه السلام قتلها .
فعلى أي هذه الروايات الاعتماد ؟
هاهنا لا بد من تطبيق قاعدة علمية أصولية وهي التي تقول : إذا جاءنا خبران متعارضان أحدهما مثبت والآخر نافٍ فالمثبت هو المقدم والنافي هو المؤخر ، المثبت هو الذي يجب الأخذ به والعمل به والنافي يترك وكأنه لم يرد مطلقاً ، لماذا ؟ لأن الذي أثبت جاء بشيء من العلم ، لم يحط به ذلك الذي نفى ولذلك قالوا : " من حفظ حجة على من لم يحفظ ومن علم حجة على من لم يعلم ".
ويحسن في هذه المناسبة أن أذكر قصة طريفة فيها دعم لهذه القاعدة الأصولية : " المثبت مقدم على النافي " تلك القصة تقول : بأن الإمام الزهري كان في حضرة أحد أئمة الحديث ورواة الحديث فكان يستمع إلى حديث ذلك الإمام المحدث، فجاء هذا المحدث بروايات وأحاديث كثيرة لم يعرفها الإمام الزهري، والإمام الزهري من كبار أئمة الحديث ويعتبر من التابعين وهو من المكثرين من الرواية عن بعض الصحابة وخاصة منهم أنس بن مالك هذا راوياً للقصة ، فاستغرب الزهري تلك الكثرة الكاثرة من الأحاديث التي سمعها من ذلك المحدث ولم يسعه إلا أن يظهر استغرابه بتلك الأحاديث الكثيرة التي يحدث بها والزهري لا يعرفها ، فقال له الزهري يقول لذلك المحدث مستغرباً لكثير مما روى من أحاديث: هذه الأحاديث ما سمعناها ، الزهري يقول : ما سمعنا هذه الأحاديث الكثيرة فكان ذلك المحدث محدثاً كيساً فطناً لبيباً فأراد أن يوقف الزهري عند حده بأسلوب ناعم دقيق ، قال له : هل أنت يا زهري أحطت بالسنة كلها؟ قال: لا ، قال: بثلاثة أرباعها ؟ قال: لا ، قال : بنصفها ؟ قال: النصف ، قال له : فاجعل هذه الأحاديث التي لم تسمعها من ذلك النصف الذي ما أحطت به علماً، فهاهنا إمامان الزهري وذاك الذي تلقى منه الزهري تلك الأحاديث واستغربها فبين له ذلك الإمام بأن الإنسان لا يمكن أن يحيط بالسنة علماً فأنت ماذا أحطت من السنة ؟ النصف ؟ قال النصف فهناك نصف ثاني أنا أحطت ببعضه فضم هذا إلى ذاك تزدد به علماً ، إذن إذا جاءنا خبران أحدهما مثبت والآخر نافي ، فنحن نأخذ بالخبر المثبت لأن فيه زيادة علم، ومن هنا أو بهذه القاعدة جمع العلماء بين حديثين آخرين أحدهما مثبت والآخر ناف، فقد جاء عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل غزوة الفتح في جوف الكعبة وصلى في جوف الكعبة ثم خرج فكان أول من خرج بلال الحبشي قال ابن عمر فتلقيته وسألته أين صلى الرسول عليه السلام؟ قال: صلى بين العمودين وبينه وبين الجدار ثلاثة أذرع ) فهذا نص صريح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل في جوف الكعبة وصلى فيه أيضاً، بينما هناك حديث عن ابن عباس ( أن النبي عليه السلام لم يدخل الكعبة ولم يصل في جوف الكعبة ) فبأي الخبرين نعمل أو أن نأخذ ؟ بالخبر المثبت الذي يقول: ( دخل وصلى بين العمودين وبينه وبين الجدار ثلاثة أذرع ) هذا لا يمكن أن يتكلم هكذا رجماً بالغيب لاسيما وهو صحابي جليل ، إذن هو يتكلم عن بصيرة وعن علم ورؤية ومشاهدة، أما الصحابي الآخر وهو أيضاً ثقة لكنه يقول لم يدخل ، يقول لم يدخل لأنه لم يعلم أنه دخل فكلاهما صادق، لكن أحدهما مثبت والآخر ناف والمثبت مقدم على النافي، إذن إذا سئلنا هل صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جوف الكعبة فالجواب نعم، ولا ينبغي لأحد أن يعترض علينا لأن ابن عباس قال لم يصل لأننا نقول ابن عمر قال قد صلى وهذا مثبت وذاك ناف والمثبت مقدم على النافي.
عندنا هاهنا قصة اليهودية التي دست السم في ذراع الشاة فطعم منها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتضرر بما طعم منها ومات أحد الصحابة الذين أكلوا منها ( قيل: أنقتلها قال : لا ) هكذا في هذا الحديث ، وفي أحاديث أخرى أن الرسول عليه السلام فعلاً قتلها فبأي الخبرين نأخذ؟ بالمثبت أي: قتلها ، طيب ما وجه هذا الخبر الذي بين أيدينا الآن وهو صريح بأنه لم يقتلها ؟ الجواب: أن نسلك هاهنا طريق الجمع فنقول: إن الرسول عليه السلام حينما ظهر أثر السم فيه أو حينما علم بأن الشاة مسمومة بنطقها وتكلمها وهذا معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حينذاك سئل أنقتلها ؟ قال: لا ، بمعنى هل نبادر إلى قتلها ، قال: لا ، لننظر ونتريث لعله لا يحصل ضرر واضح من هذه الشاة، فتريث الرسول عليه الصلاة والسلام ثم بلغه أو لما بلغه خبر موت ذلك الصحابي بسبب أكله مما أكل منه الرسول عليه السلام من الشاة المسمومة حينذاك أتى بها وقتلها، لأنها اعتبرت بدس السم في الشاة وموت ذلك الصحابي بسبب السم اعتبرت قاتلة ، فقتلها العين بالعين والنفس بالنفس فكان إذن قول الرسول جواباً للسائلين أنقتلها لا في أول الأمر، أما القتل الذي أثبته بعض الصحابة الآخرين فإنما كان ذلك بعد أن ثبت أن أحد الصحابة قد مات متأثراً بذلك السم فقتلها.
5 - فائدة : هل قتل النبي صلى الله عليه وسلم اليهودية التي وضعت السم في الشاة وأرادت قتله ؟ والكلام على المسألة " إذا جاءنا خبران متعارضان أحدهما مثبت والآخر نافٍ فالمثبت هو المقدم والنافي هو المؤخر " أستمع حفظ
ذكر مسألة : هل يقتل الذمي إذا قتل مسلماً متعمدا ؟
ذكر مسألة : هل يقتل المسلم إذا قتل ذمياً متعمداً ؟
أي هل إذا قتل المسلم ذمياً بغير حق بل بغياً وظلماً واعتداءً هل يقتل المسلم بذلك الذمي ؟
في هذه المسألة مذهبان من المذاهب الأربعة مذهب الحنفية أن هذا المسلم القاتل للذمي عامداً متعمداً يقتل، أما مذهب الجمهور فلا يقتل وهذا هو الصواب.
الصواب أن الذمي إذا قتله مسلم فلا يجوز قتل هذا المسلم بذلك الذمي لقوله عليه الصلاة والسلام: ( لا يقتل مسلم بكافر ) ويدعم هذا الحديث وهو في * صحيح البخاري * عموم قول الله تبارك وتعالى : (( أفنجعل المسلمين كالمجرمين * ما لكم كيف تحكمون )).
ذكر مسألة إذا قتل المسلم ذمياً خطأً فهل دية هذا الذمي كدية المسلم أم على النصف من ديته ؟
وبهذا القدر كفاية والحمد لله رب العالمين.
8 - ذكر مسألة إذا قتل المسلم ذمياً خطأً فهل دية هذا الذمي كدية المسلم أم على النصف من ديته ؟ أستمع حفظ
كيف يجمع بين قول الله تعالى (( ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب )) ، وبين القول بأن المسلم لا يقتل بالذمي ؟
السائلة : (( ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب )).
الشيخ : أيوا.
السائلة : ...
الشيخ : عفواً بريد أقول لك بصراحة نحن ما قلنا ولا أحد من المسلمين يقول : إن من قتل ذمياً الله يعطيه العافية ما حدا قال بهذا إذن في عليه قصاص، ولذلك فالآية السابقة (( ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب )) غير واردة في هذا الموضوع لأن الذي يقتل ذمياً المسلم الذي يقتل ذمياً عامداً أو خطأً له قصاص، ولكن هل قصاصه مثل ما لو قتل مسلماً؟ هنا كان البحث فالجواب: أن المسلم إذا قتل مسلماً عامداً متعمداً قتل به، أما المسلم يقتل الذمي فلا يقتل به لكن ليس معنى هذا أنه يقال له بارك الله فيك وأحسنت ، لا هذا له جزاء شديد جداً في الآخرة فقد قال عليه الصلاة والسلام : ( من قتل ذمياً في كنهه لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة مئة عام ) ( من قتل ذمياً في كنهه ) يعني أمانه بغير حق لم يرح ما بشم رائحة الجنة ما بشم رائحة الجنة وإن ريحها لتوجد من مسيرة مئة عام ، كذلك المسلم يقتل الذمي خطأً فعليه يدفع دية لكن ما هذه الدية ؟ على النصف من دية المسلم، فإذن آية: (( لكم في القصاص )) ماشية هاهنا وهاهنا ولكن كما قلنا في الآية السابقة : (( أفنجعل المسلمين كالمجرمين * ما لكم كيف تحكمون )) نجعل جرم من قتل مسلماً كجرم من قتل كافراً نجعل دية من قتل مسلماً كدية من قتل كافراً ؟ لا فهذا هو جواب آية (( ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب )).
9 - كيف يجمع بين قول الله تعالى (( ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب )) ، وبين القول بأن المسلم لا يقتل بالذمي ؟ أستمع حفظ
ما هو الجمع بين حديث : ( ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام ) يعني أيام العشر ، وبين ما روي عن عائشة رضي الله عنها ( أن الرسول عليه السلام ما صام أيام العشر قط ) ؟
عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما من أيام )
... القاعدة وتأسيسها والتدليل لها بأمثلة كثيرة جداً من ذلك أنه يوجد لدينا حديث آخر في فضل عشر ذي الحجة يدخل في عمومه فضل صيام عشر ذي الحجة حيث جاء هذا الحديث صريحاً في ذكر الصيام وفضله في عشر ذي الحجة فهناك حديث في * صحيح البخاري *: ( ما العمل في يوم بأفضل من العمل في عشر ذي الحجة ) فهنا لم يذكر صياماً لكنه يقول بنص عام أنه لا يوجد يوم العمل الصالح فيه خير من العمل في عشر ذي الحجة، فإذن هذا بعمومه يدل على فضيلة صيام عشر ذي الحجة أي باستثناء يوم العيد فيأتي الآن السؤال : السيدة عائشة تروي أن الرسول عليه السلام ما صام أيام العشر قط فهل يقدم القول الذي ثبت في * صحيح البخاري * بعمومه أم الفعل الذي ثبت في * صحيح مسلم * عن عائشة ؟ الجواب من القواعد الأصولية: " القول مقدم على الفعل "
مثاله : من نفس الباب الذي تضمنه السؤال وهو الصيام ، لقد ثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أفضل الصيام صيام داوود عليه الصلاة والسلام كان يصوم يوماً ويفطر يوماً وكان لا يفر إذا لاقى ) وفي رواية أن الرسول عليه السلام لما روى هذا الحديث رواه جواباً لابن عمرو حينما رغب أن يزيده في الصيام أن يصوم أكثر من يوم إي ويوم لا ، ( قال: يا رسول الله إني أريد أفضل من ذلك فقال عليه الصلاة والسلام : لا أفضل من ذلك ) فأفضل الصيام هو صوم داود عليه السلام ، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً ، ترى هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم هكذا ، يصوم يوماً ويفطر يوماً ؟ الجواب: لا ، يعني هذا الصيام الأفضل الذي نص عليه الرسول عليه السلام في قوله : لم ينقل مطلقاً أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان عمله يجري عليه بل ثبت عن السيدة عائشة نفسها خلاف ذلك، فقد قالت السيدة عائشة : ( ما كنا نشاء أن نرى رسول الله صلى الله عليه وسلم صائماً إلا رأيناه صائماً وما كنا نشاء أن نراه مفطراً إلا رأيناه مفطراً ) إذن لم يكن الرسول عليه السلام منهاج وخطة عملية في الصيام ، لم هذا وهو يقول : ( أفضل الصيام صيام داود عليه السلام كان يصوم يوماً ويفطر يوماً ) ؟ لأنه كان لا يتيسر للرسول عليه السلام هذا النهج في الصيام أن يصوم يوماً ويفطر يوماً، لأنه كان بالإضافة إلى صفة النبوة فقد كان رجل دولة ومثل هذا الرجل لا يتسنى له أن يحافظ على النوافل من العبادات والطاعات كما يتسنى ذلك للمتعبد المتفرغ بمثل هذه الطاعة والعبادة.
إذن أفضل الصيام بشهادة قول الرسول عليه السلام صوم يوم وإفطار يوم ، لكن هو ما كان يفعل ذلك بل كان يفعل خلاف ذلك، فأيهما المقدم آلقول أم الفعل؟ القول مقدم على الفعل ولهذا أمثلة كثيرة وكثيرة جداً ولا أطيل القول بها، وإنما أختم هذا الكلام بمثال من واقع حياتنا اليوم المنحرف فيها أكثر الناس عن قول الرسول عليه الصلاة والسلام وأعني بذلك الشرب قائماً، فقد ثبت في غير ما حديث ( نهي الرسول عليه السلام عن الشرب قائماً ) بل لما رأى رجلاً يشرب قائماً قال له متلطفاً في بيان مبلغ خطأ الشرب قائماً ، قال له : ( يا فلان أترضى أن يشرب معك الهر؟ قال: لا يا رسول الله ، قال : فقد شرب معك من هو شر منه الشيطان ، قئ قئ ) يعني استفرغ ما شربت في حالة القيام إلى هذه الدرجة بالغ الرسول عليه الصلاة والسلام في النهي عن الشرب من قيام، ومع هذا فقد ثبت أيضاً في * صحيح البخاري * ( أن الرسول عليه السلام شرب قائماً ) وخاصة حينما أتى زمزم في حجة الوداع شرب قائماً فما العمل؟ هل نشرب قياماً أم نشرب قاعدين؟ الجواب: نشرب قاعدين ولا يجوز أن نشرب قائمين وإن كان ثبت هذا عن الرسول فقد نهى الرسول عن الشيء الذي ثبت عنه، لأن القول مقدم عن الفعل قاعدة مضطردة، ومن حفظ هذه القاعدة وقاعدة المثبت مقدم على النافي وكثير من القواعد الأصولية بمثلهما تيسر له التوفيق بين كثير من الأحاديث التي يتبادر إلى ذهن بعض الضعفاء في العلم أنها متنافرة متناقضة، والحقيقة أن لا تنافر ولا تناقض، لأن القاعدة الأصولية تسهل لنا التوفيق بين هذه النصوص فهو شرب قائماً صحيح ، لكن ترى لم شرب قائماً؟ يحتمل أن هذا الشرب كان قبل النهي عن الشرب قائماً فإذن كان ذلك في وقت إباحة، يحتمل أن الرسول شرب من قيام لشدة الزحام لا يتيسر له الجلوس، يحتمل أخيراً شربه قائماً خصوصية له كما اختص بأن يتزوج بأكثر من أربع، فكما لا يجوز لمسلم مؤمن بالله ورسوله أن يقول أخي (( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة )) فهو تزوج بأكثر من أربعة فنحن نتزوج بأكثر من أربعة، كذلك لا يجوز أن يقول شرب الرسول قائماً فأنا أشرب قائماً، لأن الجواب في كل من هاتين المسألتين ومثيلاتها أنه تزوج بأكثر من أربع ولكن نهى عن التزوج بأكثر من أربع، شرب قائماً ولكن نهى عن الشرب قائماً، وهذا آخر الأمثلة التي أردت أن أوضح أن القول مقدم على الفعل في كل شيء على الإطلاق.
10 - ما هو الجمع بين حديث : ( ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام ) يعني أيام العشر ، وبين ما روي عن عائشة رضي الله عنها ( أن الرسول عليه السلام ما صام أيام العشر قط ) ؟ أستمع حفظ
ما الفقه المستفاد من هذا الحديث: (سمعت عمر وهو يخطب ويقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى هذا المسجد ونحن معه المهاجرون والأنصار فإذا اشتد الزحام فليسجد الرجل منكم على ظهر أخيه ، ورأى يعني عمر قوماً يصلون في الطريق فقال : صلوا في المسجد ) ؟
يقول : " روى أحمد والبيهقي عن سيار قال سمعت عمر وهو يخطب ويقول : ( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى هذا المسجد ونحن معه المهاجرون والأنصار، فإذا اشتد الزحام فليسجد الرجل منكم على ظهر أخيه -تمام هذا الخبر- ورأى -يعني عمر- قوماً يصلون في الطريق فقال : صلوا في المسجد ) " هذا الخبر عن عمر بن الخطاب يرد عليه في السؤال : ما هو الفقه المستخلص من هذا الحديث ؟
يؤخذ من هذا الحديث أكثر من مسألة واحدة :
أولاً : إذا اشتد الزحام في المسجد بحيث أنهم حين يسجدون تبقى بعض الصفوف لا تجد فراغاً لتضع الجبهة على الأرض فماذا يفعل هذا الذي لا يجد الفراغ للسجود؟ فعمر يقول : يسجد على ظهر أخيه، ونحن إذا تخيلنا هذه الصورة معنى ذلك اسجد، وأنت راكع وإلا إذا وضعت يديك على الأرض ساجداً مع ركبتيك فأنت لا تستطيع أن تتناول بجبهتك ظهر أخيك الساجد بين يديك، لكن الحقيقة أنك تتضع جبهتك في مؤخرة ظهره فماذا يعني إذا عمر ليسجد على ظهر أخيه؟ الظاهر أنه لا تضع ركبتيك على الأرض ولا تضع يديك على الأرض وإنما وأنت راكع احن هيك رأسك شوي وضع جبهتك على ظهر أخيك هذا رأي لعمر بن الخطاب، وهناك رأي آخر وهو المختار لدي إذا كان في المسجد شبه زحام بحيث لا يتمكن الإنسان من أن يضع جبهته على الأرض فالعمل أن يصبر هذا الذي لم يجد موطناً للسجود حتى يرفع الناس رؤوسهم فتسجد أنت حينذاك ولا بد أن تجد فراغاً ولو بين الأقدام ، هذا الرأي أحب إلي، لماذا؟ لأننا أولاً صورنا أنه في رأي عمر لا يمكن أن يسجد على ظهره إلا دون أن يضع الركبتين والكفين فسيبقى السجود ناقصاً نقصاً كبيراً، ذلك لأن الرسول عليه السلام قد ذكر في أكثر من حديث واحد أن السجود الكامل هو الذي يتمكن فيه المسلم من أن يضع سبعة أعضاء على الأرض كما قال عليه السلام : ( يسجد العبد ) وفي رواية : ( ابن آدم على سبعة أعراض ) أي: أعضاء ، ثم ذكر عليه الصلاة والسلام الكفين والركبتين ورؤوس أصابع القدمين والجبهة ومر بأصبعه على أنفه يعني يشير هما عضو واحد، فإذن لا بد لتحقيق السجود الواجب من السجود على سبعة أعضاء هي هذه، فعلى ما ذهب إليه عمر لا يتمكن الإنسان من أن يسجد على سبعة أعضاء أبداً فإذا كان هناك قول آخر لبعض علماء المسلمين يتمكن فيه الإنسان من أن يسجد على سبعة أعضاء فهذا أحب إلينا وأقرب إلى تحقيق السجود المأمور به، وشيء آخر وأخير هو أن وضع الجبهة على ظهر من بين يديه على البيان السابق كأنه تكلم غير مرضي شرعاً فقد جاء في السنة الصحيحة وذكرت ذلك في أوائل كتابي *صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها* ثبت في السنة ( أن الرسول عليه السلام رأى رجلاً مريضاً لا يستطيع أن يضع جبهته على الأرض فكان يضع شيئاً مثل مخدة أو نحو ذلك يرفع هو عن الأرض فيضع هو عن الأرض فيضع جبهته على ذلك الشيء يسجد عليه، فنهاه الرسول عليه السلام وأمر ذلك المريض أن يسجد قدر استطاعته ولكن يجعل سجوده أخفض من ركوعه ) فهذا اتخذ واسطة بين جبهته وبين الأرض بأن يضع عوداً يعني جذع شجرة أو مثلاً تلة كبيرة أو نحو ذلك بظنه أن هذا أقرب إلى الشرع، فنهاه الرسول عليه السلام أن يتخذ واسطة تربط جبهته بالأرض لأن فيه تكلفاً وتنطعاً، وقد قال عليه السلام : ( هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون ) ليسجد استطاعته ولكن ليجعل سجوده أخفض من ركوعه، فهذا النهي شبيه منه هو أن يضع جبهته على ظهر المصلي ، لا ، فإما هنا حالتان نتذكر الحالة الأخرى التي فاتني ذكرها آنفاً : إن لم تستطع حتى لو رفع الناس رؤوسهم من السجود قياماً ولم تجد مكاناً للسجود فعلاً هذه صورة نادرة جداً فإذن يكفي أن تشير هكذا برأسك أخفض من ركوعك وكفى الله المؤمنين القتال، هذا ما يؤخذ من الحديث فيما يتعلق بأمر عمر بأن يسجد على ظهر رجل.
11 - ما الفقه المستفاد من هذا الحديث: (سمعت عمر وهو يخطب ويقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى هذا المسجد ونحن معه المهاجرون والأنصار فإذا اشتد الزحام فليسجد الرجل منكم على ظهر أخيه ، ورأى يعني عمر قوماً يصلون في الطريق فقال : صلوا في المسجد ) ؟ أستمع حفظ
هل يجوز الصلاة في قارعة الطريق وهناك فسحة في المسجد ؟
إذن قول عمر: " صلوا في المسجد " لا يعني صلوا على رؤوس الناس وإنما صلوا في المسجد ما دام في المسجد فرجة وفسحة، وإذا لم يكن في المسجد فسحة لا يكلف الله نفساً إلا وسعها فلا بأس حينذك من الصلاة بجانب المسجد في الطريق.
ما صحة حديث : ( من أحب أن يكثر الله الخير في بيته فليتوضأ إذا حضر غداؤه وإذا رفع ) ؟
عن أنس بن مالك قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( من أحب أن يكثر الله الخير في بيته فليتوضأ إذا حضر غداؤه وإذا رفع ) رواه بن ماجة والبيهقي ، هل هذا حديث صحيح ؟
الجواب: لا بل هو حديث ضعيف.
ما صحة حديث: ( ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله تعالى وما عليه من خطيئة ) ؟
أظن أنه صحيح وأتأكد من هذا قريباً، هذا حديث صحيح.
14 - ما صحة حديث: ( ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله تعالى وما عليه من خطيئة ) ؟ أستمع حفظ
ما صحة حديث : ( من اشترى ثوباً بعشرة دراهم وفيه درهم من حرام لم يقبل الله عز وجل صلاة ما دام عليه، ثم أدخل إصبعيه في أذنه ثم قال : صمتا إن لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم سمعته يقوله ) ؟
الجواب: هذا حديث ضعيف .
وبذلك انتهت الأسئلة والأجوبة .
وبذلك انتهى هذا الجمع المبارك إن شاء الله.