تتمة لباب " باب الانبساط إلى الناس " تتمة شرح حديث عمرو بن العاص رضي الله عنهما : ( ... ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ) .
وصل بنا الكلام على هذا الحديث الدرس الماضي إلى قوله : " سميتك المتوكل " وذكرنا بشيء من البسط والتفصيل أن كون الرسول عليه الصلاة والسلام سماه ربه تبارك وتعالى بالمتوكل لا يعني ذلك أنه كان يدع العمل والأخذ بالأسباب التي توصله إلى الرزق الذي كتبه الله له، تكلمنا في هذا بشيء من التفصيل والآن نتابع التلعيق على بقية فقرات هذا الحديث.
قال أي جاء في التوراة وصف الرسول عليه السلام بالصفات السابقة والصفات الآتية من ذلك أنه عليه الصلاة والسلام ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق، وهذا مما وصفه الله تبارك وتعالى ببعض هذه الفقرة حينما قال عز وجل: (( ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك )) وهذه الصفة أي أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يكن فظاً غليظ القلب هو أمر طبيعي أن يكون كذلك عليه الصلاة والسلام ما دام أنه وصف في القرآن بقول الله تبارك وتعالى: (( وإنك لعلى خلق عظيم )) فليس من الأخلاق الكريمة أن يكون الرجل المسلم المحتذي والمقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم فظاً غليظاً لأنه لو كان كذلك لنفر الناس وانفضوا من حوله ، لذلك قال تعالى مخبراً عن هذه الحقيقة التي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أنه كان رقيق القلب رحيماً رفيقاً بأصحابه بل وحتى في بعض الأحيان بأعدائه، فقد سبق لنا أن ذكرنا قصة ذلك اليهودي الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مجلسه في بيته فسلم عليه سلاماً بالتعبير العامي ملغوماً سلاماً ضمنه الطعن فيه عليه الصلاة والسلام حين قال : السام السام عليك يا رسول الله فغمغمها في لفظه فبعض الناس قد يفهمها السلام وإنما هو يعني السام عليكم والسام هو الموت، وبدهي أن لا يخفى ذلك على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال له بأقصر جواب : وعليك ، ولكن السيدة عائشة رضي الله عنها التي سمعت قولهم وتنبهت لما قصدوا إليه من الدعاء بالشر وبالموت على رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تملك نفسها ولا حفظت ثورتها بل اندفعت لتقول : وعليك السلام واللعنة والغضب، ثم لما انصرف اليهودي عن مجلس الرسول عليه الصلاة والسلام التفت إليها قائلاً : ( يا عائشة ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما كان العنف في شيء إلا شانه قالت : يا رسول الله ألم تسمع ما قال ؟ قال لها : ألم تسمعي ما قلتُ ؟ ) فقد أجبته بقولي وعليكم فإن كان قاصداً ذلك المعنى السيء الذي تبادر إلينا فقد أعطيته الجواب وأفهمناه أننا أيقاظ متنبهون وأنه لا ينطلي علينا الباطل، وإن كان ربما لم يعن ذلك الكلام وإنما طرق سمعنا كذلك السام فقد أجبناه أيضاً بدون اعتداء وبدون ظلم ، فهذا أثر من آثار الرسول عليه السلام أنه لم يكن فظاً ولا غليظاً حتى مع الكفار الذين كان لهم ميثاق ومواعيد بينه عليه الصلاة والسلام وبينهم، فأولى وأحرى أن لا يكون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع أصحابه فظاً غليظاً، وقد ذكرنا لكن في الدرس الماضي بعض القصص التي تؤكد لطفه عليه الصلاة والسلام مع أصحابه كقصة معاوية بن الحكم السلمي حينما تكلم في الصلاة ثم لما جاءه الرسول عليه السلام لم يضربه ولم يشتمه ولم يعيره ولم ولم إلى آخره وإنما علمه أن الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس.
كذلك قصة ذلك الأعرابي الذي بال في المسجد فأيضاً وهم أصحابه به أيضاً لم يكن الرسول عليه السلام معه فظاً ولا غليظاً وإنما كان به رحيماً رقيقاً، وهذه حقيقة لو أن الرسول عليه السلام كما وصف في التوراة بأنه لم يكن فظاً ولا غليظاً فتاريخ حياته عليه الصلاة والسلام يؤكد هذه الصفة تماماً، وأما قوله : " ولا صخاباً في الأسواق " فمعنى ذلك أن الرسول عليه السلام كان في منتهى الهدوء فكان بعيداً عن أخلاق السوقة والباعة الذين يرفعون أصواتهم في الأسواق كما يفعل الشلافي وأمثالهم اليوم هذا معنى قوله : " ولا صخاباً " والصخب هو رفع الصوت بشدة فلم يكن الرسول عليه السلام كذلك، وإنما كان كما ذكرنا رقيقاً ناعماً مهذباً فهذا معنى قوله : " ولا صخاباً في الأسواق ".
1 - تتمة لباب " باب الانبساط إلى الناس " تتمة شرح حديث عمرو بن العاص رضي الله عنهما : ( ... ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ) . أستمع حفظ
تتمة شرح ما جاء في حديث عمرو بن العاص رضي الله عنهما : ( ... ولا يدفع بالسيئة السيئة ) .
أي أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يغلب عليه أنه إن أساء إليه أحد لم يقابل السيئة بالسيئة، وإنما يقابل السيئة بالحسنة ويعفوا ويصفح كما تقدم معنا في الدرس الماضي في قوله تبارك وتعالى : (( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين )) فلم الرسول عليه الصلاة والسلام يجازي ويكافئ بالسيئة السيئة وإنما كان يدفع السيئة بالحسنة، وذلك مما علمنا الرسول عليه السلام من الأخلاق الإسلامية وما كان له أن يخالفنا إلى إلى ما نهانا عنه فهو إن نهى عن شيء فهو أسبق الناس عن الانتهاء عنه وإن أمر بشيء فهو أسبق الناس إلى امتثاله والاتمار به، لذلك حينما أمر المسلم أن يدفع السيئة بالحسنة فما كان له أن يخالف ذلك فيدفع السيئة بالسيئة ولكن كما جاء في هذا الحديث : " ولكن يعفوا ويغفر ".
ومن الأمثلة التي أذكرها الآن مما يصدق مثالاً موضحاً لهذه الفقرة من هذا الحديث وهو قوله : " ولكن يعفو ويغفر " قصة ذلك المشرك الذي تتبع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره أو غزواته حتى وجد منه خلوة وابتعاداً عن أصحابه في الصحراء في البرية فوجده فتتبعه واقتفى أثره حتى وجد النبي عليه السلام أخرج السيف من خزامه وعلقه على الشجرة ثم وضع رأسه فنام، فما كاد ذلك المشرك يرى أن الرسول عليه السلام أصبح عزل عن السلاح حتى سارع إلى السيف فأخرجه من غمده ثم أيقظه أي أيقظ النبي عليه الصلاة والسلام ثم قال له وقد أشهر المشرك سيفه : من يجيرك مني؟ كأنه يقول أصبحت الآن مني تحت ضربة السيف، فمن يجيرك مني من يخلقصكم مني؟ فما كان منه عليه الصلاة والسلام إلا أن قال : ( الله ) هو الذي يغيثني وينقذني منك، فما كان إلا أن سقط السيف من يد ذلك المشرك من رهبته وخوفه من مناداة رسول الله صلى الله عليه وسلم لربه، وسرعان ما أخذ الرسول عليه السلام السيف بيده وقال له : ( من يجيرك مني ؟ ) انعكست القصة هنا خضع المشرك وطلب منه أن يعفو عنه فأطلقه عليه الصلاة والسلام وانصرف، ولعل في القصة وإن كنت لست أستحضر الآن أن المشرك حينما رأى هذا الخلق السامي الكريم من رسول الله صلى الله عليه وسلم آمن وأسلم، هذا مما يشهد لهذه الفقرة من هذا الحديث : ( ولكن يعفوا ويغفر ) قال في التوراة طبعاً هذه الصفات كانت في التوراة التي كان يتداولها اليهود في أول ديانتهم وقبل أن يصيبها التغيير والتبديل، أما الآن فلا يوجد من مثل هذه الفقرات إلا أشياء لا يمكن أن يفهم منها أن المقصود بها رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي سيبعث نبياً رسولاً إلى كافة الناس.
2 - تتمة شرح ما جاء في حديث عمرو بن العاص رضي الله عنهما : ( ... ولا يدفع بالسيئة السيئة ) . أستمع حفظ
تتمة شرح ما جاء في حديث عمرو بن العاص رضي الله عنهما : ( ... ولن يقبضه الله تعالى حتى يقيم به الملة العوجاء )
لن يتوفى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الأخبار التي جاءت قبل مجيء الرسول وبعثته جاء ذكرها في التوراة ( لن يقبضه الله تبارك وتعالى حتى يقيم الملة العوجاء ) المقصود بالملة هنا هي ملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ولكن وصف الملة هاهنا بأنها عوجاء إنما هو باعتبار ما دخل عليها وما طرأ فيها من التغيير والتبديل لا منه إبراهيم عليه السلام، فقد كان أمة قانتاً موحداً لله تبارك وتعالى داعياً إلى الله كما أمره الله تبارك وتعالى، وإنما الناس بعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام اعوجوا وانحرفوا عن ملته ومع الزمن أصبح الناس يتوهمون أن ما هم فيه من الاعوجاج والانحراف عن ملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام إنما هي الملة المستقيمة، تماماً كما هو الشأن اليوم مع الأسف الشديد بالنسبة لكثير من المسلمين الذين يتعبدون الله تبارك وتعالى بأمور ليست من الإسلام في شيء، ولكن الله عز وجل الذي تعهد لهذا الدين بالمحافظة عليه كما قال ربنا تبارك وتعالى: (( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )) فالله عز وجل لا شك أنه موفي بهذا العهد فهو قد حافظ على الشرع الإسلامي فلا يزال هو كما كان في عهد الرسول عليه السلام محفوظاً ما بين دفتي القرآن وما بين كتب السنة الصحيحة، أما قبل الرسول عليه الصلاة والسلام فقد أصاب الملة الإبراهيمية اعوجاج لم يبق هناك مجال لأحد أن يعرف الاستقامة التي كانت في ملة إبراهيم عليه السلام حينما بعث بها، ولذلك فقد قيد الله تبارك وتعالى لملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام أن يقيمها ويعيدها سيرتها الأولى من الاستقامة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأخبر الله عز وجل في التوراة بأنه إذا بعث محمد عليه الصلاة والسلام فإنه سوف يبارك له في عمره ويطيل له في أجله فلا يقبضه إليه إلا بعد أن يقيم الملة الإبراهيمية الحنيفية التي أدخل فيها ما ليس منها فأصبحت ملة عوجاء، مثلاً من الأمثلة التي توضح لكُنَّ كيف أصبح ملة إبراهيم عوجاء بسبب ما أدخل الناس بجهلهم في هذه الملة السمحاء ، كلنا يعلم أن الذي بنى الكعبة الشريفة إنما هو إبراهيم عليه السلام وهو الذي دعا الناس إلى الذهاب إلى الحج إلى بيت الله الحرام وأنه هو الذي سن الطواف هناك حول الكعبة وبين الصفا والمروة ولبث الناس ما شاء الله تبارك وتعالى من سنين يحافظون على سنة إبراهيم عليه الصلاة والسلام في الحج والمناسك، ثم عرض لهذه المناسك شيء كبير من الانحراف من أوضح ذلك أن الأصنام بدأت تتسرب إلى بيت الله الحرام بسبب انحراف الناس عن عبادة الله وتوحيده كما دعا إبراهيم عليه الصلاة والسلام إليه، فجلبوا الأصنام من هذه البلاد من الروم إلى مكة ووضعت على ظهر البيت الحرام مع أن المساجد كما قال تعالى : (( وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً )) وأفضل المساجد على وجه الأرض هو المسجد الحرام ومع ذلك وضعت الأصنام على ظهر بيت الله الحرام وعبدت من دون الله تبارك وتعالى، وهذا من بل هو أعظم البدع والضلالات التي دخلت في دين إبراهيم وفي بيت الله الحرام.
ومن ذلك أن الطوافين حول الكعبة سول الشيطان إليهم بأنه أتقى لهم وأبرأ وأشرف لهم زعموا عند الله تبارك وتعالى أن يطوف الطائف منهم حول الكعبة عارياً كما يقال : رب كما خلقتني ، لا فرق عندهم بين النساء والرجال ، هذا من الانحراف الخطير الذي أصاب ملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام وخاصة في بيت الله الحرام ، ولقد كانت المرأة حينما تدخل المسجد الحرام للطواف حول الكعبة تلقي ثيابها كما تفعل المرأة المومس اليوم على ظهر المسرح حينما تقف للتعرى أمام الرجال، فكانت المرأة جاءت لتعبد الله زعمت جاءت لتطوف حول الكعبة المشرفة في المسجد الحرام فكانت تنزع ثيابها قطعة قطعة حتى تطوف حول البيت عارية، لماذا سول الشيطان لهؤلاء الأقوام من النساء والرجال أن يطوفوا حول البيت عراة رجالاً ونساء؟ لقد سول لهم ولهن استحسان الطواف حول الكعبة عراة بدعوى أنه لا يليق بالطائف حول الكعبة في ثياب عصى الله فيها، إذن ينبغي خلع هذه الثياب وكانت غفلتهم شديدة جداً لأن هذه الثياب التي يمكن غسلها مثلاً ويمكن تغييرها إذا أرادوا أن يطفن الطواف المشروع بأن يلبسن ثياباً لم يعص الله فيها مغسولة ونظيفة إلى آخره، ولكن ما ذكرهم الشيطان لأن هذا التذكير ليس من دأب الشيطان لأنه يذكر بالشر وليس بالخير أنه لا يليق بأحدكم أو بإحداكن أن يطوف بالبيت الحرام بقلب عصى الله هذا الذي ينبغي يذكر الإنسان.
3 - تتمة شرح ما جاء في حديث عمرو بن العاص رضي الله عنهما : ( ... ولن يقبضه الله تعالى حتى يقيم به الملة العوجاء ) أستمع حفظ
سبب نزول قوله تعالى: (( خذوا زينتكم عند كل مسجد )).
بعد ذلك أمر الرسول عليه السلام أي في المرتبة الثانية أمر كل حاج إذا أحرم بالحج إلى بيت الله الحرام أن ينزع ثيابه التي ولو كانت نظيفة ولو كانت سليمة من أن يرتكب وهو لابسها شيئاً من المعاصي أمره بنزعها وأن يلبس ثوبين إزاراً ورداءاً مثل فوطة الحمام قطعة في القسم الأعلى من بدنه والقطعة الأخرى في القسم الأدنى من بدنه هذا من تمام التهيؤ للذهاب إلى بيت الله الحرام، عكس هذا المنحرفون عن ملة إبراهيم عليه السلام فطافوا حول الكعبة عراة بعد أن وضعوا على ظهرها تلك الأصنام فهذا مما أصاب ملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام من الانحراف فأصبحت معوجة عن جادة التوحيد والاستقامة، فبعث الله محمداً عليه الصلاة والسلام ليقيم الملة العوجاء فيجب أن نفهم إذن هذه العبارة : ليقيم أي يُقوِّم ، الملة هي ملة إبراهيم عليه السلام ليست بطبيعتها عوجاء وإنما عرض لها العوج بما أدخل الناس فيها الضالون من الانحرافات كما ذكرنا من وضع الأصنام والطواف حول الكعبة عراة فأصبحت ملة إبراهيم الحنيفية ملة عوجاء، فلم يقبض الله تبارك وتعالى نبيه عليه السلام حتى أطاح بالأصنام من الكعبة وذلك يوم فتح مكة يوم دخلها فاتحاً منصوراً مغفوراً له، فكان يطعن بمخصرته بعصاة في يده عليه السلام على كل صنم ويقرأ قوله تعالى: (( وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً )) فيقع الصنم تلو الصنم حتى لم يبق على ظهر الكعبة صنم يعبد من دون الله تعالى وأصبحت العبادة لله وحده لا شريك له.
تتمة شرح ما جاء في حديث عمرو بن العاص رضي الله عنهما : ( ... ولن يقبضه الله تعالى حتى يقيم به الملة العوجاء ) وذكر كيف أقام النبي صلى الله عليه وسلم للملة العوجاء.
لقد ذكرت هذا المعنى في أكثر من درس مضى وأراني مضطراً أن أعيد ذلك لأن الناس أكثر الناس هم في غفلة عن معنى هذه الجملة وهذه الكلمة الطيبة، ولذلك فقد عادت الملة العوجاء في هذا الزمن وقبله بسنين سيرتها الأولى بسبب غفلة الناس عن معنى لا إله إلا الله ومقتضياتها ولوازمها.
إن كثيراً من الناس يتوهمون أن معنى لا إله إلا الله : لا رب إلا الله ، وهذا خطأ ليس معنى لا إله إلا الله لا رب إلى الله فقط ، لا شك أنه لا رب إلى الله ولكن الشيء المهم لفهم هذه الكلمة الطيبة لا إله إلا الله هو أن نفرق بين معنى الرب ومعنى الإله فمعنى الإله أعم وأشمل من معنى الرب ، ومعنى الرب أضيق من معنى الإله أضرب لكن مثلاً بسيطاً جداً : من اعتقد بأن محمدًا نبي الله هذا صحيح فمحمد نبي الله ولكن لا يتم إيمانه حتى يعتقد بأن محمدًا رسول الله ، ذلك لأن كل رسول نبي وليس كل نبي رسولاً، أي معنى النبي أضيق من معنى الرسول، أيضاً إذا قيل حيوان وقيل إنسان فمعنى الحيوان أوسع من معنى الإنسان كل إنسان حيوان ولكن ليس كل حيوان إنسان، فإذا قلت حيوان إنسان خرج من ذلك أن يكون له حياة تشبه حياة الملائكة فهو إنسان وحيوان.
فمحمد بن عبد الله هو نببي زائد رسول والفرق بين النبي والرسول ما أدري بتعرفوا شو الفرق بين النبي والرسول؟ نحن نعرف أن في أنبياء وفي رسل فما هو الفرق بين الأنبياء والرسل ؟
النبي هو رجل يوحى إليه من الله تبارك وتعالى لكن هذا الوحي ليس فيها تشريع ينزل من السماء إليه خاصة، وإنما هو يحكم برسالة وبكتاب من قبله من الرسل هذا هو النبي، أما الرسول فهو نبي زائد أرسل للناس بكتاب، ولذلك فالرسل هم غير الأنبياء، لكن يجب أن نتذكر جيداً هذا المعنى وهو أن كل رسول نبي وليس كل نبي رسولاً.
فإذا افترضنا أن إنساناً آمن بأن محمد نبي فقط هذا الإيمان صحيح لكنه ناقص، فلا يتم إيمانه بالرسول إيماناً كاملاً حتى يضم إليه أنه رسول بالإضافة إلى أنه نبي هكذا معنى خاص ومعنى عام أو معنى أخص ومعنى أعم.
5 - تتمة شرح ما جاء في حديث عمرو بن العاص رضي الله عنهما : ( ... ولن يقبضه الله تعالى حتى يقيم به الملة العوجاء ) وذكر كيف أقام النبي صلى الله عليه وسلم للملة العوجاء. أستمع حفظ
تتمة شرح حديث عمرو بن العاص رضي الله عنهما : ( ... بأن يقولوا لا إله إلا الله ... ) ، وبيان الفرق بين معنى الرب والإله في ضوء قول : " لا إله إلا الله " .
فإذن قوله هنا بأن يقولوا لا إله إلا الله أي بأن يعتقدوا أن هذا الرب الخالق هو وحده الذي يستحق العبادة دون سواه، لذلك فمعنى هذه الجملة باختصار لا إله إلا الله أي: لا معبود بحق في الوجود إلا الله، وليس معنى لا رب أي لا خالق فقط لأن هذا لا يكفي، كما لا يكفي أن نقول محمد نبي بل لا بد أن نضم إلى ذلك ورسول، كذلك لا يكفي أن نعتقد أن الله هو الرب بل لا بد أن نضم إلى ذلك أنه لا يستحق العبادة إلا هذا الرب، وهنا يظهر الفرق بين التوحيد وبين الشرك، ويظهر لكُنَّ سبب كفر المشركين الأولين الذين جاء الخبر عنهم في القرآن الكريم بأنه إذا قيل لا إله إلا الله يستكبرون، كان من طبيعة وعقيدة المشركين أنهم ينكرون هذه الكلمة إذا قيل لا إله إلا الله يستكبرون، ذلك لأنهم عرب ويفهمون أن معنى هذه الكلمة هو إبطال الآلهة الأخرى التي كانوا يعبدونها من دون الله تبارك وتعالى في الوقت الذي كانوا يعتقدون أن الخالق الرب المربي هو واحد (( ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله )) فهم يوحدون الرب لا يعتقدون أن هناك خالق مع الله لا، فهم في الربوبية موحدون لكنهم في الألوهية وفي الإلهية وفي العبودية ألفاظ معناها واحد كانوا مشركين، فهم يعتقدون أن الخالق واحد ولكن يعبدون معه آلهة أخرى، لذلك كانوا يستنكرون على الرسول عليه السلام حين يدعوهم إلى أن يقولوا لا إله إل الله كما سبق في الآية السابقة : وإذا قيل لا إله إلا الله يستكبرون، أي يستكبرون عن أن يقولوا هذه الكلمة مؤمنين بما فيها، فالمسلم إذا قال هذه الكلمة فاهماً لمعناها مؤمناً بها نجى من الخلود في النار وكان مصيره ونهاية أمره أن يدخل الجنة ( من قال لا إله إلا الله دخل الجنة ) أما الذي لا يفهم هذه الكلمة ولا يفرق بين لا رب إلا الله ولا إله إلا الله فهو في الجهل بها كالمشركين أو أشد، لأن المشركين كانوا يعلمون معنى هذه الكلمة باعتبار أن لغتهم لا تزال عربية سليمة ولكنهم مع هذا العلم كانوا لا يعترفون بهذا المعنى الصحيح، لأن ذلك يستدعيهم إلى أن يكفروا بآلهة أخرى ولذلك قال تعالى : (( قالوا أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب )) ما قالوا أجعل الرب رباً واحداً لأنهم كانوا يؤمنون مع الرسول بأن الرب واحد أي الخالق المربي هو واحد لكن استغربوا وتعجبوا من دعوة الرسول إياهم إلى أن يعترفوا أنه لا إله أي لا معبود بحق في هذا الوجود إلا ذاك الرب الذي آمنوا به فلم يستجيبوا له وقالوا: (( أجعل الآلهة إلهاً واحد إن هذا لشيء عجاب )).
من أجل ذلك حينما حضرت الوفاة عمه أبا طالب جاء الرسول عليه السلام في آخر لحظة من حياة عمه أبي طالب ليبلغه دعوة الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله رحمة به وطمعاً في إيمانه لعله ينجو من عذاب ربه والخلود في النار يوم القيامة فجاء إليه وقال له : ( يا عم قل لي كلمة أحاج بها لك عند الله تبارك وتعالى قل لا إله إلا الله ) وحوله كبار قريش فكانوا ينهونه أن يستجيب لدعوة ابن أخيه محمد عليه الصلاة والسلام، فكان آخر كلمة قالها عمه أبو طالب وهو في حضرة الموت لولا أن يعيرني بها قومي لأقررت بها عينك، لماذا لا يقول لا إله إلا الله لأن القول بها نفي للآلهة الباطلة الأخرى، فهؤلاء يعلمون هذه الحقيقة، أما المسلمون اليوم مع الأسف الشديد فهم لا يعلمون معنى لا إله إلا الله ولو علموا لآمنوا حقاً ولزمهم ذلك من أن ينكروا أعمالاً هي الكفر بعينه يقع فيه كثير من المسلمين بسبب جهلهم بهذه الكلمة الطيبة لا إله إلا الله .
ولا بأس من شرح هذا بعض الشرح لأهمية الموضوع.
إن المسلم الذي يصاب بمصيبة فيذهب إلى قبر نبي أو ولي فيطلب منه رفع الكرب وحل التفريج محله من ذاك الرجل الميت يطلب ويستغيث منه هذا الذي يفعل هذه الفعلة لم يعرف أولاً معنى لا إله إلا الله ولئن عرف لم يؤمن بها لأن معنى لا إله إلا الله : لا معبود بحق سواه سبحانه وتعالى ومناداة المسلم لغير الله في الشدائد لرفع المصائب لحل الشفاء لحل المرض للتوسيع في الرزق، هذه الطلبات كلها عبادة لهذا المدعو من دون الله تبارك وتعالى ، ولذلك نحن نقرأ في كل ركعة من صلواتنا : (( إياك نعبد وإياك نستعين )) أي إياك وحدك نعبد لا غيرك نعبد معك وإياك نستعين أي بك وحدك نستعين في الأمور التي لا يستطيعها غيرك فلئن سألت هؤلاء الناس المسلمين زعموا الذين يأتون إلى الأولياء والصالحين ويطلبون منهم الرزق لئن سألتهم هل يستطيع هؤلاء أن يرزقوا شيئاً لأجابوا بكل صراحة لا ، هل يستطيعون أن ينفعوا أو يضروا ؟ لقالوا لا إذن لماذا تدعونهم من دون الله تبارك وتعالى إن فعلكم هذا هو فعل المشركين الأولين تماماً الذين كانوا يدعون الآلهة من دون الله وفي دعائهم لهذه الآلهة قد عبدوهم من دون الله عز وجل.
لذلك قال تعالى : (( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم )) (( إن الذين تدعون عباد أمثالكم )) (( إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم )) .
إذن هؤلاء الموتى لا يسمعون دعاءكم فلماذا تدعونهم ؟ ولو سمعوا دعاءكم ما استطاعوا إجابتكم لأنكم تدعونهم في شيء لو كانوا أحياء ما استطاعوا أن يحققوا لكم ذلك فأنتم إذن بهذه المناداة عبدتموهم من دون الله ، يجهل أكثر المسلمين اليوم مع الأسف أن معنى دعاء المقبور من دون الله هو عبادة لهذا الميت من دون الله يجهلون هذه الحقيقة مع قول الرسول عليه السلام : ( الدعاء هو العبادة ) ( الدعاء هو العبادة ) فلما بتقول أو يقول القائل : يا باز أغثني لقد دعوته من دون الله وطلبت منه الغوث وهو لا يملكه ولو كان يملكه ما سمعك ما يستطيع استجابتك إلى آخره، فإذن مناداتك للميت هو عبادة له وعبادتك إياه كفر بلا إله إلى الله، لأن معنى لا إله إلا الله : لا معبود بحق فقد عبدت هذا اليمت وطبعاً هذه العبادة ليست بحق، لأن العبادة الحقة هي التي توجه إلى الله تبارك وتعالى، هذه كلمة قصيرة حول بيان معنى هذه الكلمة الطيبة لا إله إلا الله وما تستلزمها من الإخلاص في عبادة الله عز وجل وأن لا يعبد الإنسان مع الله شيئاً آخر، فإن عبده فقد ألهه وإذا ألهه كفر بمعنى هذا النفي والإثبات، لا إله مطلقاً إلا الله وحده لا شريك له، فإذن لا إله المعنى لا معبود بحق وليس المعنى لا رب لأن هذا المعنى الثاني لا رب معنى صحيح لكنه قاصر كما إذا قلت محمد نبي معناه صحيح ولكنه قاصر، فلا بد أن تقرن إلى ذلك نبي ورسول، كذلك رب العالمين تبارك وتعالى لا رب سواه أي لا خالق معه هذه صحيح، ولكن هذا ليس هو التوحيد كله بل لا بد أن تضم إلى ذلك أن هذا الرب لا يعبد سواه لا يؤله سواه فهذا معنى لا إله إلا الله، ولعلنا استطعنا أن نوضح لكن هذه الكلمة الطيبة التي الملجأ الوحيد لخلاص العبد في هذه الدنيا من العذاب الأبدي في الآخرة، فمن لم يقلها فاهماً لمعناها محققاً لهذا المعنى في منطلقه في الحياة فهو من المشركين الذين قال الله عز وجل في حقهم أنه لا يغفر لهم (( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء )) لذلك نعتقد نحن أن أهم واجب على الدعاة في العصر الحاضر هو شرح عقيدة التوحيد قبل كل شيء قبل أي إصلاح، قبل إي صلاح نريد أن نحققه في نفوس الناس فقبل كل هذه الأشياء هو تفهيم المسلمين معنى هذه الكلمة الطيبة لا إله إلا الله وإلا ذهبت أتعابنا ومساعينا ودعواتنا أدراك الرياح، لأننا لو أوجدنا إنساناً بدعوتنا هو أعبد الناس في زماننا ولكنه لا يفهم معنى لا إله الله بل هو لجهله بها يكفر بها وهو لا يدري ولا يشعر إن نحن أوجدنا مثل هذا الإنسان الأعبد ولكنه جاهل بمعنى هذه الكلمة الطيبة لن نصنع به شيئاً، لأن الخطاب موجه إليه وإلى كل من كان مثله في قوله عز وجل: (( لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين )) فلذلك كل دعوة اليوم بين المسلمين لا.
6 - تتمة شرح حديث عمرو بن العاص رضي الله عنهما : ( ... بأن يقولوا لا إله إلا الله ... ) ، وبيان الفرق بين معنى الرب والإله في ضوء قول : " لا إله إلا الله " . أستمع حفظ
ذكرتم أن المرأة يجب أن تلتزم بيتها وليس لها أن تكون داعية، وقد ذكرتم في جلسة أخرى أن غزو إقليم من العالم الإسلامي فإنه فرض الجهاد لرد العدو يصبح فرضاً عينياً على الرجل والمرأة سواء، أفليس الغزو الفكري في عصرنا الحديث هذا هو أهم وأخطر من الغزو العادي وألا يلزم منه أن يكون فرض الجهاد الفكري فرضاً عينياً على الرجل والمرأة سواء لمحاربة هذا العدو بنفس سلاحه، فكيف توفقون بين قيام المرأة بالدعوة وببين أن لا تكون داعية ؟
جوابي : إن هذا الذي نسميه الغزو الفكري هذا لو فرضنا أن القيام بدفعه هو فرض عيني على كل مسلم ومسلمة فجوابي على هذا أن هذا الفرض المزعوم لم يقم به كل مسلم حتى يأتي دور أن يقوم به كل مسلمة، فحينما يجد السائل المسلمين من الرجال خاصة قد قاموا بواجب غزو هذا الفكر الأجنبي حين ذاك فليسأل أليس يجب على النساء أن يشتركن مع الرجال لدفع هذا الغزو الأجنبي، أما وأكثر الرجال اليوم أكثرهم لا يشتغلون بدراسة السنة التي بها يمكن فهم القرآن وبدون هذا الفهم أو بدون دراسة الكتاب والسنة لا يمكن دفع الغزو الفكري الأجنبي إطلاقاً إذا كانت هذه حقيقة وكان هناك تلك الحقيقة الأخرى وهي أن الرجال لما يتوفروا كلهم ويجتمعوا جميعهم على دراسة الكتاب والسنة ليدفعوا هذا الغزو الأوروبي الأجنبي، فكيف نقول ألا يجب على النساء أن يصبحن داعيات؟ أي أن ينقلبن إلى دعاة كالرجال وأن يتركوا بيوتهن والله عز وجل يقول لهن : (( وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى )) علماً بأن العلم طلب العلم باتفاق علماء المسلمين ليس فرضاً عينياً على كل مسلم، وإلا لأثم جميع المسلمين إلا أفراداً قليلين منهم من العلماء، لكن الله عز وجل بالمؤمنين رؤوف رحيم، فهو لم يفرض على كل مسلم ومسلمة أن يكون كل منهم عالم بالإسلام من ألفه إلى يائه، وإنما أوجب على طائفة منهم أن يتفقهوا في الدين وأن يبلغوا هذا الدين هم إلى الآخرين الذين لم يتعلموا هذا الدين، فكيف يقال بأنه يجب على النساء جميعاً أن يتعلمن هذا الإسلام كله ليكونوا دعاة ومهاجمين لهذا الغزو الأجنبي الطارئ على بلاد المسلمين، هذا انحراف في فهم الإسلام بصورة عامة، أي: انحراف عن أن طلب العلم ليس واجباً عينياً على كل مسلم يطلب العلم من أوله إلى آخره، وإنما يجب على المسلم ما يصحح به عقيدته هذا فرض عيني كما فعلنا بالنسبة للا إله إلا الله، ومع ذلك فأين المسلمون الذين يفهمون هذه الحقيقة؟ أنا أقول: لو كان يجب على كل مسلم أن يكون عالماً فيجب على الرجال والنساء أن يعلموا معنى لا إله إلا الله ثم يدعو كل منهم في دائرته الخاصة به الرجال مع الرجال وتارة مع النساء، النساء مع النساء وتارة مع الرجال يشرحون جميعاً هذه الكلمة لأن معرفتها والإيمان بها فرض عين على مسلم، أما معرفة أحكام الطهارة أحكام الصلاة أحكام الزكاة والحج تفصيلياً هذا لا يجب على كل رجل في الدنيا فضلاً عن أنه لا يجب على كل امرأة في الدنيا، وبالتالي معرفة أفكار الغربيين التي بها يهاجمون المسلمين في عقر دارهم بما يدسون بينهم من كتب يطبعونها معرفة هذه الأساليب الكافرة ليس بالفرض العيني على كل مسلم فضلاً عن أن يكون ذلك فرض عين على كل مسلمة.
وأنا أنصح أخيراً بكلمة واحدة: نحن اليوم أشبه ما نكون في الزمن الذي أشار إليه القرآن الكريم حينما قال: (( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم )) ومعنى هذه الآية أن على المسلم أن يتعلم ويعرف المعروف فيأمر به ويعرف المنكر فينهى عنه، فإذا وجد قلوباً غلفاً وآذاناً صماً وأعيناً عميا لا يهمه ذلك فعليه نفسه (( عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم )) نحن في هذا الزمن الذي يجب أن نهتم بأنفسنا قبل غيرنا فإذا انتهينا من الاهتمام بأنفسنا حينئذٍ انتقلنا إلى غيرنا وهذا ممكن لكن في دائرة محدودة كما يفعل الكثير منا اليوم.
7 - ذكرتم أن المرأة يجب أن تلتزم بيتها وليس لها أن تكون داعية، وقد ذكرتم في جلسة أخرى أن غزو إقليم من العالم الإسلامي فإنه فرض الجهاد لرد العدو يصبح فرضاً عينياً على الرجل والمرأة سواء، أفليس الغزو الفكري في عصرنا الحديث هذا هو أهم وأخطر من الغزو العادي وألا يلزم منه أن يكون فرض الجهاد الفكري فرضاً عينياً على الرجل والمرأة سواء لمحاربة هذا العدو بنفس سلاحه، فكيف توفقون بين قيام المرأة بالدعوة وببين أن لا تكون داعية ؟ أستمع حفظ
ما صحة حديث : ( إذا سببت شخصاً أو شتمته فلتكن كفارة له يوم القيامة ) ؟ و كيف يمكن أن يسب الرسول شخصاً وقد ورد أنه لم يكن فظاً وكان على خلق كريم ؟
الشيخ : ما فهمت هذا كلام عربي مو مفهوم ؟
السائلة : ...
الشيخ : نعم إذا سببت شخصاً أو شتمته فلتكن كفارة يوم القيامة شو يعني ؟
السائلة : ...
الشيخ : آه فهمت هلأ عليك ، هذا كان مر معنا الحديث في كتاب هنا في *الأدب المفرد* للإمام البخاري، وذكرنا يومئذٍ أن الرسول عليه السلام وإن كان أفضل البشر فهو لم يخرج عن طبيعته البشرية، فهذه الطبيعة البشرية تغلب عليه في نادر أحيانه، فقد يتوجه طريقة مستعجلة بكلمة يجرح بها شعور إنسان لديه لكنه ليس كأمثالنا مطلقاً أمثالنا ماذا يفعل؟ يسب المسلم ويتهمه بما ليس فيه ثم لا يباله مبالاة، أما الرسول عليه السلام فكان سرعان ما ينتبه إلى أنه قد تكلم بهذه الكلمة التي كان الأفضل أن لا يتكلم بها وأن لا يوجهها إلى المسلم، لكنه قد وقعت منه في بعض الأحيان يعني لقد عاش الرسول عليه السلام ثلاثاً وستين سنة، فلو أحصيت مثل هذه الكلمات التي توجه بها الرسول عليه السلام إلى بعض الناس وهم ليسوا أهلاً لها لربما لم تبلغ في هذه الألوف المؤلفة من السنين عشر كلمات فهذا لا يخل بمقام الرسول عليه السلام في نبوته ورسالته ما دام أنه بشر بنص القرآن: (( قل إنما أنا بشر مثلكم )) ولكن يجب أن لا نأخذ طرفاً من هذا الحديث أي نتساءل كيف صدر من الرسول عليه السلام مثل هذه الكلمة في حق هذا الإنسان الذي سبه بغير حق فهنا يجب أن نأخذ تمام الحديث، فآنفاً مر بنا أن من صفاته أنه عليه السلام كان لا يتبع السيئة السيئة ولكن يعفوا ويغفر، فالرسول عليه السلام حينما كان يسبت إنساناً وهو غير أهل لهذه المسبة فهل كانت تمشي هكذا؟ لا إنه يرفع يديه إلى ربه تبارك وتعالى فيقول : ( أيما رجل سببته أو لعنته وهو ليس لها بأهل فاجعلها مغفرة له وزكاة ورحمة يوم القيامة ) وهذه حسنة قضت على تلك السيئة لذلك ما في استنكار في هذا إلا حينما ننظر إلى الرسول عليه السلام نظرة شعرية خيالية يعني نتصور أنه ليس بشراً وأنه كملائكة الرحمن (( لا يعصون الله ما أمرهم يفعلون ما يؤمرون )) حينما ننظر إلى الرسول عليه السلام هذه النظرة الشعرية الخيالية يرد الاستشكال، أما حينما ننظر إليه بعين الواقع بعين كونه بشراً مصطفاً مختاراً عند الله تبارك وتعالى وأن كونه بشراً مصطفى لا ينافي أن يصدر منه بعض الأخطاء، ومن أجل ذلك قال تعالى : (( إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً * ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر )) هل يصح أن يقال في حق الملائكة أن الله غفر لهم ما تقدم وما تأخر؟ لا لأن الله خلق الملائكة وفطرهم على أنهم (( لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون )) أما البشر بما فيهم سيد البشر المصطفى عليه الصلاة والسلام فلم يفطر على الطاعة وإنما فطر على الجهاد في سبيل الطاعة، ولذلك فهو كان بحق سيد المجاهدين، لكن هذا لا ينافي أن يصدر منه بعض الأمور الزهيدة القليلة التي لا تخدش بمقام كونه سيد الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، لعل في هذا بيان وإزالة الإشكال إن شاء الله.
8 - ما صحة حديث : ( إذا سببت شخصاً أو شتمته فلتكن كفارة له يوم القيامة ) ؟ و كيف يمكن أن يسب الرسول شخصاً وقد ورد أنه لم يكن فظاً وكان على خلق كريم ؟ أستمع حفظ
يقال : إن الإسلام انتشر بالسيف فهل هذا صحيح ؟ وإذا كان لا ، فكيف الفتوحات ؟
يقال : إن الإسلام انتشر بالسيف فهل هذا صحيح ؟ وإذا كان لا ، فكيف الفتوحات ؟
لقد تعرضت للإجابة عن مثل هذا السؤال في دروس مضت عرضاً، وأننا نحيا في عصر فيه أمور توارثها الناس وهم يتوهمونها من العقيدة من الإسلام وفي أمور جدت من لاد غير بلاد الإسلام، ولذلك فنحن نتعرض لهذه الأمور لأدنى مناسبة فقد قلت فيما مضى حينما ذكرت قول الرسول عليه السلام : ( بعثت بالساعة بعثت بين يدي الساعة بالسيف ) هكذا ( بعثت بالساعة بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذل والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم ) هذا حديث صحيح نعم هذا حديث يرويه الإمام أحمد في *مسنده* من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه فقوله عليه السلام : ( بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له ) تقرير لحقيقة شرعية، وهناك حقيقة أخرى يقررها الإسلام كتاباً وسنة، من ذلك قوله تبارك وتعالى: (( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن )) فهذه الآية تقرر أصلاً والحديث السابق يقرر أصلاً آخر، الآية تقرر أن الأصل في دعوة الناس إلى الإسلام وإلى الدخول فيه أفواجاً أن يشرح لهم الإسلام ويبين لهم الحقيقة وعلى هذا بدأت الدعوة الإسلامية كما نعلم جميعاً من تاريخ الإسلام المكي ثم المدني.
أما الأصل الثاني فهو لإزالة العراقيل الأصل الثاني هو الدعوة بالسيف فهو لإزالة العراقيل والعثرات التي يلقيها أعداء الإسلام في طريق الدعوة إلى الإسلام على الأصل الأول (( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة )) فالرسول عليه السلام لا يرفع السيف إلا مضطراً، وكل دعوة لا بد لها من صيانة وأصل الدعوة الصحيحة هو الدعوة على الأصل الأول (( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة )) إلى آخر الآية، ولكن الدعوة التي لا تدعم بالقوة فيكون نهاية أمرها أن تطوى وأن تجعل في دائرة محدودة، لأن الحق إذا لم ينصر بالقوة مات، وأنتم ترون معي بأن الإسلام حق سواء في الزمن الأول أو الزمن الحاضر لكنه في الزمن الأول انتشر حتى بلغ المشرق والمغرب، أما اليوم فقد تقلص ظله حتى من نفس البلاد الإسلامية، وما سبب ذلك إلا أنه لم يوجد له نصير ينصره بالقوة حينما يريد أعداء الإسلام أن يحصروه بل أن يقضوا إليه،
لذلك فالحكمة الإلهية اقتضت أن يدعى إلى الإسلام بطريقة من طريقتين، الأولى: وهي الأصل بالدعوة بالتي هي أحسن، والأخرى: بالسيف بإزالة العثرات من طريق الدعوة التي يجعلها الكفار، فمقاتلة المسلمين في القرون الأولى إنما كان لهذا السبب وهو أن الرسول عليه السلام بعث الدعاة إلى هرقل إلى المقوقس إلى أنشروان إلى كسرى فماذا كان موقف هؤلاء؟ كان الصدر والمنع من السماح لدعوة الإسلام أن تنطلق بحرية تامة في تلك البلاد، فهذه البلاد التي لم تفتح أبوابها للدعاة الإسلاميين لم يكن بد من نقل الدعوة إليها بالسيف، أما لو افترضنا كما يزعم في العهد الحاضر أن هناك حرية تامة لكل إنسان أن يدعو إلى ما يدين به لو فرضنا أن بلاد الأرض اليوم كلها تبنت هذا المبدأ فسوف لا يحتاج المسلمون إطلاقاً إلى القتال وإلى رفع السيف لأن القتال إنما هو كما قال تعالى : أذن للذين ظلموا أذن.
الطالبة : (( للذين يقاتلون بأنهم ظلموا ))
الشيخ : (( بأنهم ظلموا )) فأذن لهم بالقتال لماذا؟ لأنهم ظلموا، وما هذا الظلم إلا هو الاعتداء عليهم إما في عقر دارهم وهو الأكثر في أول الإسلام وإما في طريقهم للدعوة، فأولئك القراء السبعون وهم الذين وقعت معركبة بئر معونة أرسل الرسول عليه السلام سبعين قارئاً حافظاً من حفاظ الصحابة ليدعو إلى الإسلام فغدرت بهم بعض القبائل وقتلوهم عن بكرة أبيهم، ماذا فعلوا؟ لا شيء إلى أنهم خرجوا يدعون الناس إلى الله وإلى رسوله فقتلوا ظلماً وبغياً، فقاتلهم الرسول عليه السلام حتى نصره الله عليهم، فهكذا لو فرض أن لا أحد يقف في طريق دعوة الإسلام فلا حاجة يومئذٍ إلى القتال، ولكن هل هذا أمر حقيقي؟ هل يمكن أن يصبح أن يعطى الحرية بكل داعي مهما كانت عقيدته فيطلق إلى أرض الله الواسعة فيدعوا بما يشاء مثلاً؟ هل يسمح لمسلم أن يذهب إلى بلاد السند إلى بلاد الروس أن يدعو إلى الإسلام؟ طبعاً لا ، بل هل يسمح للدعوة إلى الإسلام في كثير من البلاد العربية الإسلامية زعموا؟ لا يسمح، إذن هذا الضغط إذا لم يرفع بالتي هي أحسن فلا بد أن يرفع بالقوة، فالإسلام إذن لا يدعو إلى استعمال القوة إلا عند الضرورة، والأصل الدعوة بالتي هي أحسن ذلك هو جواب السؤال السابق، وبهذا القدر كفاية والحمد لله رب العالمين.