باب " باب إذا أقبل أقبل جميعاً وإذا أدبر أدبر جميعاً " شرح حديث أبى هريرة رضي الله عنه : ( أنه ربما حدث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول حدثنيه أهدب الشفرين أبيض الكشحين، إذا أقبل أقبل جميعا، وإذا أدبر أدبر جميعا، لم تر عين مثله ولن تراه ).
قال : " باب إذا أقبل أقبل جميعاً وإذا أدبر أدبر جميعاً " .
ثم ساق تحته حديث أبي هريرة بإسناد حسن أنه ربما حدث عن النبي صلى الله عليه وسلم .
ويقول : ( حدثنيه أهدب الشفرين أبيض الكشحين إذا أقبل أقبل جميعاً وإذا أدبر أدبر جميعاً لم تر عين مثله ولن تراه ) .
هذا الحديث إسناده حسن لغيره.
والشاهد منه قوله : ( إذا أقبل أقبل جميعاً وإذا أدبر أدبر جميعاً ) والحديث يتحدث به الصحابي المشهور صاحب الرسول عليه السلام والمكثر من الرواية عنه ألا وهو أبو هريرة رضي الله عنه ، يقول الراوي عن أبي هريرة أن من عادة أبي هريرة أنه إذا حدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أحياناً يصفه ببعض صفاته وشمائله التي كان عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول : ( حدثنيه أهدب الشفرين ) الشفر طبعاً هو الجفن الذي ينبت عليه الشعر، فيصف الرسول عليه السلام بأنه كان جميل الصورة بالإضافة إلى أنه كان حسن الخلق كما هو معلوم، فقد جمع له ربه تبارك وتعالى بين الحسنين بين حسن الظاهر وحسن الباطن، وهذا من أكمل ما يجتمع للإنسان في هذه الحياة الدنيا أن يكون جميل الصورة جميل وحسن الأخلاق، ولذلك جاء في السنة الصحيحة أنه يسن للمسلم سواء كان رجلاً أو أنثى إذا وقف أمام المرآة يتمرى أن يقول : ( اللهم كما حسنت خَلقي فحسن خُلقي ) فالرسول عليه الصلاة والسلام كان هكذا قد حسن الله له خَلقه وخُلقه، فمن حُسن خَلقه أنه كان أهدب الشفرين يعني كان شعر الجفن الخاص به عليه السلام كان طويلاً، وهذا معلوم أنه دليل على جمال العينين وجمال العينين في الإنسان هو أس وأصل الجمال فيه، فإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا أبو هريرة أنه كان أهدب الشفرين .
وأيضاً يقول : أبيض الكشحين وهذا كناية عن أن الرسول عليه السلام كان خلافاً للمعهود عن العرب بصورة عامة أنهم سمر فالرسول عليه السلام كان أبيض البشرة، وإنما تكون البشرة بيضاء فيما بطن من الجسم ولم يتعرض للشمس والحر والبرد، لأن هذه العوامل الطبيعية كما هو معلوم مما يؤثر في لون البشرة فتسمر مع الزمن، ولذلك تحدث أبو هريرة عن ناحية من جسم الرسول عليه الصلاة والسلام التي من طبيعتها ألا تتعرض لعوامل الطبيعة فتبقى هذه الناحية على سجيتها وعلى ما فطره الله تبارك وتعالى عليها هذه الناحية التي تحدث عنها أبو هريرة في هذا الحديث هما الكشحان والمقصود بالكشحين الخاصرتان، فيقول أن الرسول عليه الصلاة والسلام كما كان أهدب الشفرين كان أبيض الكشحين أي الخاصرتين، وهذا كما قلنا كناية عن أنه عليه الصلاة والسلام كان أبيض البشرة، ومما يؤيد هذا أنه جاء في شمائله عليه الصلاة والسلام أن بعض الصحابة الكرام حينما كانوا يصفون وجهه عليه الصلاة والسلام كانوا يقولون إنه كان أبيض محمر الخدين، فهذا من كمال خَلقه عليه الصلاة والسلام بالإضافة إلى كمال خُلقه.
من شمائله عليه الصلاة والسلام التي يدل عليها هذا الحديث أنه كان إذا أقبل أقبل جميعاً وإذا أدبر أدبر جميعاً، والمقصود من هاتين الجملتين أن الرسول عليه السلام كان رجلاً رزيناً ولم يكن شخصاً خفيفاً، فهو كان إذا مشى مشى متوجهاً إلى هدفه بكليته إذا أقبل وإذا أدبر أدبر بكليته أيضاً، بمعنى أنه لا يفعل كما يفعل بعض الناس أنه وهو يمشي هكذا يلتفت ويظل يمشي أو بدو يمشي لورا بيمشي هكذا ... الرسول عليه السلام كان إذا أقبل أقبل بكل جسمه إلى الهدف الذي كان متوجهاً إليه، وإذا أدبر أدبر بكليته أيضاً وأتى الناحية التي هو متوجهاً إليه، فلم يكن ليمشي هكذا منحرفاً بقسم من بدنه هكذا أو هكذا وإنما كان يتجه بكل بدنه عليه الصلاة والسلام مقبلاً أو مدبراً، وهذا معناه أن المسلم يجب أن يقتدي به عليه الصلاة والسلام حتى في مشيته، لأنه أكمل إنسان خلقه الله عز وجل على وجه هذه الأرض وجعله أسوة للناس جميعاً فعليهم أن يقتدوا به وأن يحذو حذوه حتى في سيره وفي مشيته عليه الصلاة والسلام.
( إذا أقبل أقبل جميعاً وإذا أدبر أدبر جميعاً، لم تر عين مثله ولن تراه ) أي في جماله وفي كماله فهو أجمل الناس خَلقاً وخُلقاً لم تر عين مثله ويجزم أبو هريرة بأنه لن يرى مثله أبداً حتى يرث الله عز وجل الأرض ومن عليها.
إذن ألخص أن المقصود من هذا الحديث هي الفقرة التي عقد من أجلها الباب .
فقال : " باب إذا أقبل أقبل جميعاً وإذا أدبر أدبر جميعاً " أي أن الإنسان يجب أن يمشي إلى هدفه بكليته، فإذا بدا له أن ينظر من خلفه فليلتفت بكليته ثم ليمشي، أما أن يمشي هكذا ملتوياً فيخشى أن يصاب بشيء وهو لا يعرف ولا يشعر فليقبل بكليته أو فليدبر بكليته هذا من شيمته عليه الصلاة والسلام ومن خلقه.
1 - باب " باب إذا أقبل أقبل جميعاً وإذا أدبر أدبر جميعاً " شرح حديث أبى هريرة رضي الله عنه : ( أنه ربما حدث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول حدثنيه أهدب الشفرين أبيض الكشحين، إذا أقبل أقبل جميعا، وإذا أدبر أدبر جميعا، لم تر عين مثله ولن تراه ). أستمع حفظ
شرح باب : " باب المستشار مؤتمن " .
قال : " باب المستشار مؤتمن "
المستشار مؤتمن أي الشخص الذي يستشيره المستشير فهو مؤتمن أي يجب عليه أن يؤدي الأمانة إلى الرجل الذي استشاره فينصحه ولا يغشه ولا يخدعه، هذا هو معنى الباب .
وترجم له بالحديث الآتي وإسناده صحيح .
عن أبي هريرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي الهيثم ، هذا رجل من رجال الصحابة اسمه أبو الهيثم بن التيهان، قال له عليه السلام وهو يسأله ليعلم منه حاجته وما ينقصه في حياته فقال له عليه السلام : ( هل لك من خادم قال : لا ، قال : فإذا أتانا سبي فأتنا ، فأتي النبي صلى الله عليه وسلم برأسين ليس معهما ثالث فأتاه أبو الهيثم، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: اختر منهما قال: يا رسول الله اختر لي، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن المستشار مؤتمن، خذ هذا فإني رأيته يصلي واستوص به خيراً، فقالت امرأته: ما أنت ببالغ ما قال فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا أن تعتقه، قال: فهو عتيق، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله لم يبعث نبيا ولا خليفة إلا وله بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر، وبطانة لا تألوه خبالا، ومن يوق بطانة السوء فقد وقي ).
في هذا الحديث فوائد جمة والشاهد منها هو قوله عليه السلام : ( إن المستشار مؤتمن ) فلنعد إلى أول الحديث لنعلق عليه بما يناسب المقام.
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأبي الهيثم: ( هل لك خادم قال: لا، قال: فإذا أتانا سبي فاتنا ) السبي الأسرى من الرجال والنساء، وكنا ذكرنا أكثر من مرة أن هؤلاء الأسرى الذي يقعون في يد الجيش المسلم لقائد الجيش أن يتصرف فيهم بأمر من أربعة أمور : إما أن يطلق سراحهم ويفك أسرهم ويمن عليهم، وإما أن يفدي بهم أسرى من المسلمين وقعوا في أيدي الكافرين مبادلة أسرى كما يقال في العصر الحاضر، وإما أن يسترقهم وأن يستعبدهم وذلك بتقديم هؤلاء الأسرى على الجيش المسلم ، وإما أخيراً أن يقتل الأسرى إذا رأى في ذلك صالح المسلمين، وهذا القسم الأخير وقع في تاريخ الرسول عليه السلام وسيرته بالنسبة لبعض الأشخاص حتى قال : ( اقتلوا ابن الأخطل ولو وجدتموه متعلقاً بأستار الكعبة ) والغالب من الأمور الأربعة هو إما المفاداة وإما الاسترقاق، فلما سأل الرسول عليه الصلاة والسلام أبا التيهان هل لك من خادم وقال: لا قال له عليه السلام : ( فإذا جاءنا سبي ) أي أسرى اتخذنا قرارا على أو باسترقاقهم فأتنا ، فجاءت الأسرى إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحسبما طلب الرسول من أبي التيهان من المجيء إليه جاءه ولم يكن عند الرسول عليه السلام من السبي مما يصلح أن يكون خادماً إلا رأسين يعني شخصين اثنين، فعرضهما الرسول عليه السلام على أبي التيهان وقال له اختر أيهما شئت ، فعاد أبو التيهان على النبي صلى الله عليه وسلم يستنصحه ويقول له اختر لي أنت ، أنت أعرف مني فقال له عليه الصلاة والسلام : ( إن المستشار مؤتمن خذ هذا ) يعني ما دام أنت وكلت الأمر إلي بأن أختار لك أحدهما وأصلحهما للقيام بخدمتك فأنا أشير عليك بهذا فخذه ، ( إن المستشار مؤتمن ) ما دام أنت استشرتني فأنا يجب أن أؤدي الأمانة وأن أنصحك فأنا أنصحك بهذا فخذه لماذا نصحه الرسول عليه السلام به؟ قال : ( فإني رأيته يصلي ).
شرح حديث أبي هريرة رضي الله عنه : ( هل لك من خادم قال : لا ، قال : فإذا أتانا سبي فأتنا ... )
عن أبي هريرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي الهيثم ، هذا رجل من رجال الصحابة اسمه أبو الهيثم بن التيهان، قال له عليه السلام وهو يسأله ليعلم منه حاجته وما ينقصه في حياته .
فقال له عليه السلام : ( هل لك من خادم قال : لا ، قال : فإذا أتانا سبي فأتنا ، فأتي النبي صلى الله عليه وسلم برأسين ليس معهما ثالث فأتاه أبو الهيثم، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: اختر منهما قال: يا رسول الله اختر لي، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن المستشار مؤتمن، خذ هذا فإني رأيته يصلي واستوص به خيراً، فقالت امرأته: ما أنت ببالغ ما قال فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا أن تعتقه، قال: فهو عتيق، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله لم يبعث نبيا ولا خليفة إلا وله بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر، وبطانة لا تألوه خبالا، ومن يوق بطانة السوء فقد وقي ).
في هذا الحديث فوائد جمة والشاهد منها هو قوله عليه السلام : ( إن المستشار مؤتمن ) فلنعد إلى أول الحديث لنعلق عليه بما يناسب المقام.
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأبي الهيثم: ( هل لك خادم قال: لا، قال: فإذا أتانا سبي فاتنا ) السبي الأسرى من الرجال والنساء، وكنا ذكرنا أكثر من مرة أن هؤلاء الأسرى الذي يقعون في يد الجيش المسلم لقائد الجيش أن يتصرف فيهم بأمر من أربعة أمور : إما أن يطلق سراحهم ويفك أسرهم ويمن عليهم، وإما أن يفدي بهم أسرى من المسلمين وقعوا في أيدي الكافرين مبادلة أسرى كما يقال في العصر الحاضر، وإما أن يسترقهم وأن يستعبدهم وذلك بتقديم هؤلاء الأسرى على الجيش المسلم ، وإما أخيراً أن يقتل الأسرى إذا رأى في ذلك صالح المسلمين، وهذا القسم الأخير وقع في تاريخ الرسول عليه السلام وسيرته بالنسبة لبعض الأشخاص حتى قال : ( اقتلوا ابن الأخطل ولو وجدتموه متعلقاً بأستار الكعبة ) والغالب من الأمور الأربعة هو إما المفاداة وإما الاسترقاق، فلما سأل الرسول عليه الصلاة والسلام أبا التيهان هل لك من خادم وقال: لا قال له عليه السلام : ( فإذا جاءنا سبي ) أي أسرى اتخذنا قرارا على أو باسترقاقهم فأتنا ، فجاءت الأسرى إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحسبما طلب الرسول من أبي التيهان من المجيء إليه جاءه ولم يكن عند الرسول عليه السلام من السبي مما يصلح أن يكون خادماً إلا رأسين يعني شخصين اثنين، فعرضهما الرسول عليه السلام على أبي التيهان وقال له اختر أيهما شئت ، فعاد أبو التيهان على النبي صلى الله عليه وسلم يستنصحه ويقول له اختر لي أنت ، أنت أعرف مني فقال له عليه الصلاة والسلام : ( إن المستشار مؤتمن خذ هذا ) يعني ما دام أنت وكلت الأمر إلي بأن أختار لك أحدهما وأصلحهما للقيام بخدمتك فأنا أشير عليك بهذا فخذه ، ( إن المستشار مؤتمن ) ما دام أنت استشرتني فأنا يجب أن أؤدي الأمانة وأن أنصحك فأنا أنصحك بهذا فخذه لماذا نصحه الرسول عليه السلام به؟ قال : ( فإني رأيته يصلي ).
3 - شرح حديث أبي هريرة رضي الله عنه : ( هل لك من خادم قال : لا ، قال : فإذا أتانا سبي فأتنا ... ) أستمع حفظ
ذكر التوفيق بين حديث أبي الهيثم بن التيهان أنه كان فيه رجل رقيق وهو مسلم يصلي ، وبين أن الإسلام استباح الاسترقاق جزاء الكفر والوقوف في طريق الدعوة ؟
والمفروض في الأسرى أنهم كفار فكيف هو أسير وهو يصلي ؟ وهذا في الواقع مما يشكل على كثير من طلاب العلم اليوم يقولون : عرفنا أن الإسلام إنما استباح الاسترقاق جزاء كفرهم وعنادهم ووقوفهم في طريق الدعوة إلى الله وإلى دينه فكان جزاءهم في الدنيا أن يسترقوا وأن يستعبدوا هذا معقول يقولون ، ولكن ما بال هذا مسترقاً وقد آمن بالله ورسوله كهذا الذي قال عنه الرسول عليه السلام: ( فإني رأيته يصلي ) .
الجواب على هذا : أن كثيراً من الأسرى الذين كانوا يقعون في يد الجيش المسلم كانوا يسلمون حينما يخالطون المسلمين ويعيشون بينهم ويطلعون عن كثب وعن قرب عن تأثير الإسلام في تربية المسلمين وفي تخليقهم بالأخلاق الحسنة، فيتبينون من هذه الحياة التي اضطروا إلى أن يحيوها مع أسيادهم يتبينون بها ما لم يكونوا يعرفونه من قبل من مبلغ تأثير الإسلام في معتنقيه في تربيتهم وفي تحسين سلوكهم، فكانوا حينما يرون هذا التأثير الصالح من الدين الإسلامي في أصحابه ينشرحون لهذا الإسلام فيسلمون ويأخذون يصلون فهو من قبل كان كافراً وما وقع أسيراً إلا لأنه كان كافراً، ولكن بعدما أسر واسترق وتبين له صلاح الإسلام ليكون ديناً لجميع الأنام أسلم هذا العبد فلماذا يبقى عبداً مسترقاً؟ الجواب: لو كان الإسلام قد اتخذ نظاماً أن الأسير مجرد أن يقع في الأسر ويعلن إسلامه يصبح حراً لكان هذا أداة ضرر للجيش المسلم، لأنه كلما وقع أسير في يد المسلم يقول : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وعلى افتراض أن النظام كان وجوب عتقه يقول له روح انطلق، شو بيساوي؟ بيرجع لبلده وبيتجهز من جديد هو وأصحابه الذين لم يؤسروا أو كانوا أسروا وأطلقوا، ولذلك فمصلحة الجيش المسلم تقتضي أن يظل الأسير الكافر أسيراً حتى ولو أعلن إسلامه خشية أن يكون هذا الإعلان سبباً منه للخلاص من الأسر ولم يكن إسلامه عن قناعة وعن إيمان، لذلك كانت هذه الحقيقة توجد في حياة المسلمين في أسراهم، فالأسير المسترق كان كافراً ثم أسلم فيظل أسيراً مسترقاً مستعبداً، وفي الوقت نفسه لم يسد الشارع الحكيم طريق التحرر لهذا المسترق المستعبد بعد إسلامه ما سد الطريق عليه أن يتخلص من أسره، وذلك بأن أمر المسلمين الأسياد الذي لديهم من أمثال هؤلاء العبيد الذي أسلموا بعد استرقاقهم أمر الله عز وجل أسيادهم بأن يكاتبوهم وقال : فكاتبوهم إن وجدتم فيهم خيراً ، والمكاتبة مكاتبة السيد لعبده معناها عقد واتفاق يعقد بين السيد وبين عبده بأنه إذا قدم إليه كذا من الدراهم فبمجرد ما يقدم الحقبة الأخيرة من هذه الدراهم يصبح عتيقاً رغماً عن السيد بناء على هذا الاتفاق الذي أمر الشارع الحكيم به وأوجبه على الأسياد، أي لا يجوز للمسلم السيد أن يظل مسترقاً لعبده بعد إسلامه إذا رأى فيه خيراً بل يجب عليه أن يفسح له المجال ليتحرر من الرق والاسترقاق بأن يشتري نفسه بالمال فيقدمه للسيد فجيب حينذاك على السيد أن يعتقه.
4 - ذكر التوفيق بين حديث أبي الهيثم بن التيهان أنه كان فيه رجل رقيق وهو مسلم يصلي ، وبين أن الإسلام استباح الاسترقاق جزاء الكفر والوقوف في طريق الدعوة ؟ أستمع حفظ
تتمة شرح حديث أبي هريرة رضي الله عنه : ( ... فأتي النبي صلى الله عليه وسلم برأسين ليس معهما ثالث فأتاه أبو الهيثم، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: اختر منهما قال: يا رسول الله اختر لي، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن المستشار مؤتمن، خذ هذا فإني رأيته يصلي واستوص به خيراً ... )
ولم يكتف الرسول عليه الصلاة والسلام بأمر أبي التيهان بأن يأخذ هذا البعد بحجة أنه يصلي بل أتبع ذلك بنصيحة وجهها إلى أبي التيهان وقال له : ( واستوص به خيراً ) ما دام أنه من المصلين فيجب على الرسول عليه الصلاة والسلام أن ينصح أبا التيهان نصيحة أخرى ، هو نصحه فيما يتعلق باختيار أصلح الرأسين العبدين، لكن بقي على الرسول عليه السلام أن ينصح أبا التيهان بخصوص هذا العبد الصالح الذي اختاره لأبي التيهان خادماً له فقال الرسول عليه السلام لأبي التيهان: ( فاستوص به خيراً ) أمره أن يستوصي به خيراً.
5 - تتمة شرح حديث أبي هريرة رضي الله عنه : ( ... فأتي النبي صلى الله عليه وسلم برأسين ليس معهما ثالث فأتاه أبو الهيثم، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: اختر منهما قال: يا رسول الله اختر لي، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن المستشار مؤتمن، خذ هذا فإني رأيته يصلي واستوص به خيراً ... ) أستمع حفظ
تتمة شرح حديث أبي هريرة رضي الله عنه : ( ... فقالت امرأته: ما أنت ببالغ ما قال فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا أن تعتقه، قال: فهو عتيق ... )
إذن ما الذي استفاده من حيث التمتع بالحياة الدنيا من هذا العبد الذي قدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي التيهان؟ أما من حيث الحياة الدنيا فلم يستفد شيئاً لأنه ما كاد يدخل في ملكه إلا أعتقه لوجه ربه، هكذا يكون الرجال المسلمون حقاً الذين لا تستعبدهم الدنيا، وهكذا يجب على المسلم أن يكون إن كان غنياً فلا يسترق هو بنفسه لهذا الغنى ولهذه الثروة، وإنما تكون هذه الثروة في يده ليستعين بها على زيادة التقرب إلى الله تبارك وتعالى فلا يكون المال وزراً عليه في الآخرة وإنما يكون له أجراً.
بهذه المناسبة بمناسبة أن السيدة أم التيهان أشارة على زوجها بأن تعتق هذا العبد ... نذكر أن في هذه المرأة شيء آخر من الكمال لأن هذا العبد سيقوم بمؤنة خدمة بيتها في الوقت الذي كانت هي تقوم بهذه الخدمة، فلو أن بعض النساء اليوم قيض لها مثل هذا العبد يخدمها ما خرجت عنه إلا بروحها، فهي على العكس من ذلك هي نصحت السيد أن يبادر إلى عتق هذا العبد وإن كان هذا ليس من صالحها، لأن العبد سيقوم بخدمة البيت بدل قيام الزوجة بخدمة البيت فهذا بالإضافة إلى رجاحة عقلها فيه أيضاً إشعار بأنها حقيقة كانت زاهدة في الدنيا راغبة فيما عند الله تبارك وتعالى، لأنها تعلم أن المسلم إذا أعتق عبداً لوجه الله تبارك وتعالى أعتق الله كل عضو من أعضائه عضواً من أعضائه من النار وهذا كناية عن أن الله عز وجل يعتق المعتق للعبد يعتقه من النار فيحرمه على النار فهي تعلم هذه الحقيقة والعبد وإن كان ملكاً للزوج فهي تعلم في الوقت نفسه أن من دل على خير فهو كفاعله فهي التي دلت زوجها على أن يبادر إلى تنفيذ أمر الرسول عليه السلام به وهو قوله : ( فاستوص به خيراً ) فهي إذن إنما فعلت إنما أعرضت عن أن تتمتع بفائدة خدمة هذا العبد لها حرصاً منها أيضاً أن يكون لها مثل ما يكون لزوجها من الثواب لهذا العبد وما هو هذا الثواب إلا أن يعتقه الله عز وجل من النار، وإذا كان الدال على الخير كفاعله فهي أيضاً ترجوا من ربها تبارك وتعالى أن يعتقها من النار لقاء أنها أشارت على زوجها أن تعتق العبد الذي بعتقه إياه يعتقه الله من النار.
6 - تتمة شرح حديث أبي هريرة رضي الله عنه : ( ... فقالت امرأته: ما أنت ببالغ ما قال فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا أن تعتقه، قال: فهو عتيق ... ) أستمع حفظ
تتمة شرح حديث أبي هريرة رضي الله عنه : ( ... إن الله لم يبعث نبياً ولا خليفة إلا وله بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر وبطانة لا تألوه خبالاً، ومن يوق بطانة السوء فقد وقي ).
لذلك قال العلماء إن في قول النبي عليه السلام في هذا الحديث: ( إن الله لم يبعث ) إلى آخره عقب هذه الحادثة إشارة تزكية أم التيهان إشارة من الرسول عليه السلام إلى أنه يزكي أم التيهان بهذا الحديث ويشير فيه إلى أنها كانت بطانة صالحة لزوجها ولذلك نصحته وأمرته بالمعروف ولم تأمره بالمنكر فقال عليه الصلاة والسلام : ( إن الله لم يبعث نبياً ولا خليفة إلا وله بطانتان ) البطانة بطانة الرجل أو الشخص هو صاحب سره الذي يطلع على سر الرجل ويعرف مداخله وأسراره فهو إما أن ينصح له وإما أن يخونه، فيقول الرسول عليه الصلاة والسلام مخبراً عن حقيقة واقعة في هذه الحياة الدنيا وهي أنه ما من نبي ولا خليفة إلا وله بطانتان بطانة صالحة وبطانة طالحة ، النبي معروف بالطبع من هو وهو الذي يوحى إليه من السماء أخبار مغيبة لا يعرفها سائر الناس وقد يكون نبياً فقط وقد يكون نبياً رسولاً كما هو حال نبينا محمد عليه الصلاة والسلام فيقول : ليس فقط من دون الأنبياء حتى الأنبياء لهم بطانة خير وبطانة شر بطانة صالحة وبطانة طالحة ، إذا كان الأنبياء لهم بطانتان فمن دون الأنبياء أولى وأولى أن يكون لهم بطانتان ، ذكر هاهنا من بعد الأنبياء الخلفاء فقال عليه الصلاة والسلام : ( إن الله لم يبعث نبياً ولا خليفة ) وهاهنا يجب أن نقف قليلاً عند كلمة خليفة فإن كثيراً من الكتاب الإسلاميين اليوم يسيئون فهم لفظة خليفة التي تذكر في الكتاب والسنة فهماً سيئاً ويتوهمون في مثل قوله تعالى: إني جاعلك في الأرض خليفة يتوهمون أن معنى قوله تعالى لآدم: جاعلك في الأرض خليفة، يعني عني يعني عن الله تبارك وتعالى وهذه خطيئة فاحشة، لأنه لا يجوز بوجه من الوجوه مطلقاً أن يتصور المسلم بأن الله عز وجل يقول عن ذاته العظيمة العالية أن خليفته فلان ففلان مهما سما وعلا من البشر هل يصلح أن يكون خليفة عن رب العالمين سبحانه وتعالى يعني لو ضربنا مثلاً سيئاً لوجدنا أن هذا المثل السيئ على سوءه وخبثه هو خير من هذا الفهم السيء، لو قال قائل : فلان الزبال الجاهل ال ال إلى آخره هو خليفة أبو بكر الصديق فهل يقول قائل مثل هذا الكلام؟ طبعاً لا، لماذا؟ لبعد الفرق بين أبو بكر الصديق في إيمانه في علمه في خلقه في حزمه في شجاعته إلى آخره، فإذا قيل الزبال الكناس إلى آخره الجاهل هو خليفة عن أبي بكر الصديق أليس يكون هذا طعن بالخليفة الحق وهو أبو بكر الصديق؟ لا شك في ذلك ولا ريب، أديش هذه النسبة المتفاوتة بين هذا الخليفة الراشد وبين هذا الرجل الجاهل الكاذب، فالنسبة بين الله عز وجل وبين أتقى إنسان في الدنيا أبعد وأبعد بكثير، لذلك لا يجوز أن نتوهم بأن آدم جعله الله خليفة عنه في الأرض، فمن آدم بالنسبة لرب العالمين؟ ولذلك لا يجوز للمسلم أبداً في سبيل ... تقديس وتعظيم بعض العظماء ... عظمة الإله الخالق لهؤلاء العظماء لا ينبغي أن يقع المسلم في مثل هذا الوهم الفاحش، يضاف إلى هذا من الناحية العربية شيء وهو فلان خليفة فلان، يعني إذا ذهب إذا ذهب الأول فيخلفه الآخر، أما الله تبارك وتعالى الحي القيوم الباقي الذي لا يحول ولا يزول لا يغيب مطلقاً فكيف يقال فلان خليفته؟ هو لم يذهب ولم يولي حتى يجعل له خليفة في الأرض، لذلك فقوله : (( إني جاعل في الأرض خليفة )) لا يعني جاعل في الأرض خليفة عني وإنما.