باب : " باب الشّح ". شرح حديث أبي هريرة رضي الله عنه : ( لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في جوف عبد أبدا ... )
كان وصل الدرس الماضي منذ زمن بعيد والآن نتابع الدروس بعد هذا الانقطاع المديد، ووصل بنا الدرس إلى الباب السابع والثلاثين بعد المئة وهو قول المصنف رحمه الله :
" باب الشّح ".
فقد روى بإسناده الصحيح .
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في جوف أبدا، ولا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبدا ).
الطالبة : في جوف عبد ؟
الشيخ : في قلب عبد أبداً .
الطالبة : في جوف عبد أبداً .
الشيخ : ( في جوف عبد الجملة الأولى ) الثانية قلب ( لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في جوف عبد أبدا، ولا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبدا ) فهذا الحديث الصحيح يوضح لنا أمرين اثنين:
الأمر الأول : يبين فيه عز وجل بإيحائه لنبيه عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث أنه لا يجتمع في قلب المسلم جهاد في سبيل الله من جهة ودخوله في جهنم من جهة أخرى، وهذا كناية عن أن الجهاد في سبيل الله يحرّم على صاحبه دخول جهنم، فالمجاهد في سبيل الله حقّا لا يدخل جهنم ، وبالتالي إذا لم يدخل جنهم لم يدخل في جوفه دخان جهنّم، ولا شك أن المقصود بقوله هنا: ( لا يجتمع غبار في سبيل الله ) هو الجهاد الذي يكون فيه صاحبه مخلصاً لله عز وجل لا يبتغي من وراء ذلك سمعة ولا حب ظهور ولا غير ذلك مما يُبطل الأعمال، فكلنا يعلم قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت جرته -أي: جهاده- في سبيل الله عز وجل فهو في سبيل الله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه ).
فمن جاهد في سبيل الله خالصاً مخلصًا من قلبه حرّم الله عز وجل بدنه على النار فلم يدخل حينذاك جهنم ، ولم يدخل بالتالي جوفه دخان جهنم ، ولذلك قال عليه السلام: ( لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في جوف عبد أبدا ).
ومعنى هذا أن الجهاد في سبيل الله عز وجل يكفّر الذنوب كلها، وذلك يستلزم أي تكفير الذنوب من هذا العبد المجاهد في سبيل الله يستلزم أن يحرّم الله عليه بدنه في النار، فمن جاهد في سبيل الله حرّم الله عليه النار ، ولذلك قال لا يجتمع غبار هذا المجاهد في سبيل الله ودخان جهنّم في جوفه أبداً .
السائلة : ...
الشيخ : سبب لمنعه من أن يدخل إلى جوفه دخان جهنّم .
1 - باب : " باب الشّح ". شرح حديث أبي هريرة رضي الله عنه : ( لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في جوف عبد أبدا ... ) أستمع حفظ
فائدة : كل الذنوب تغفر لمن قتل في سبيل الله إلا الدّين .
كذلك هذا الاستثناء المذكور في الحديث الذي ذكرناه آنفاً وهو قول جبريل : إلا الدّين في الوقت الذي يبيّن لنا خطورة الدّين فلا بد أيضًا من توضيح هذا الدّين الذي له هذه الخطورة، فالدّين الذي له خطورة هو الدّين الذي يستدينه المستدين أولا وهو غير مضطر إليه وثانياً إذا اضطر إليه لا يهتم بوفائه ، فمن مات وعلى ذمته مثل هذا الدّين فهذا الدّين لا يُغفر له إذن ما شأنه كيف الخلاص منه ولو بعد الوفاة ؟ فيجب على أقارب المتوفّى من أجل خطورة الدّين وأهميته كما تبيّن أن يبادروا إلى تبرئة ذمة المتوفى مما عليه من الحقوق والديون ، خشية أن يكون مات وعليه دين وهو مسؤول عنه كما وقع في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام حينما خطبهم ذات يوم والصحابة مجتمعون بين يديه فسأل الحاضرين : عن فلان الذي كان توفي قريباً من أهله ؟ من أقاربه ؟ فسكتوا، فأراد الرسول أن يستثير همّتهم فقال لهم : ( إنه محبوس في قبره على دين عليه ، فقام أحد الصحابة وهو أبو قتادة الأنصاري رضي الله عنه وقال يا رسول الله : عليّ وفاؤه )، ثم لقيه عليه الصلاة والسلام بعد يوم أو أكثر فسأله عن الدّين الذي وعد وفاءه فاعتذر فحضّه عليه الصلاة والسلام ثم عما قريب أخبره أنه قد وفّى بعهده وأنه سدد الدّين الذي كان على ذلك المتوفّى فقال عليه الصلاة والسلام : ( الآن بردت جلدته ) كناية عن أنّه كان في قبره يعذَّب بسبب هذا الحق الذي كان عليه، فلما وفّاه عنه أبو قتادة الأنصاري رضي الله عنه بردَت جلدته أي استراح مما كان فيه من عذاب.
فائدة : التفصيل في منع الدّين من دخول صاحبه الذي مات مجاهدًا في سبيل الله للجنة .
تتمة شرح حديث أبي هريرة رضي اللله عنه : ( لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في جوف عبد أبدا ) .
دخان جهنّم مطلقاً فهذا الذي مات في سبيل الله وليس عليه دين فقد غفرت ذنوبه كلها فهو لا يدخل جوفه دخان جهنّم أبداً .
والمعنى الثاني : دخان جهنّم يعني جهنم التي يخلد فيها الناس فهذا لايخلد فيها لأنه مات في سبيل الله، لكن قد يُعذّب تلقاء الدين الذي لم يوفّه ولم يؤدّه قبل موته شهيداً .
هذا بيان وشرح للجملة الأولى من هذا الحديث الصحيح.
4 - تتمة شرح حديث أبي هريرة رضي اللله عنه : ( لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في جوف عبد أبدا ) . أستمع حفظ
تتمة شرح حديث أبي هريرة رضي الله عنه : ( ... ولا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبدا ) .
الجواب: أن المقصود بالإيمان هنا الإيمان الكامل، فإيمان كامل وشح لا يجتمعان قطعاً ، فإذا رأينا رجلاُ مسلما يشهد ألا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ويصلي ويصوم ومع ذلك نراه شحيحا فهذا دليل أي شحه دليل على أن إيمانه ليس كاملاً هذا هو بيت القصيد من هذا الحديث، ففي الحديث حض لكل مسلم أن يكون بعيداً كل البعد عن الشحّ والبخل قال عليه السلاة والسلام : ( شر ما في الرجل جبن خالع وشح هالع ) جبن خوف خالع يخلع القلب من شدّته وشح هالع يعني ضائع خائف أن يفقر كما هو شأن كثير من الأغنياء بالرغم من كثرة أموالهم فهم يشحون ويبخلون بأن يخرجوا ما على هذه الأموال من حقوق خشية أن تأتيهم حاجة فيحتاجوا إلى المال، وهذا كله غفلة عن الحقيقة الشرعية وهي قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: ( وما نقص مال من صدقة ) ولذلك فالله عز وجل شرع لعباده المؤمنين من التشريعات ما يساعدهم على تزكية نفوسهم، فإذا كان هناك إنسان يشعر بأن في طبعه شحاً وبخلاً فيأتيه الشرع كما قال تعالى : (( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها )) فالزكاة سميّت لأنها تزكي النفس من خلق الشح والبخل.
فإذن قوله عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث: ( ولا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبداً ) إنما المقصود بالإيمان هنا الإيمان الكامل.
5 - تتمة شرح حديث أبي هريرة رضي الله عنه : ( ... ولا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبدا ) . أستمع حفظ
الكلام على إسناد حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : ( خصلتان لا يجتمعان في مؤمن البخل وسوء الخلق ) .
6 - الكلام على إسناد حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : ( خصلتان لا يجتمعان في مؤمن البخل وسوء الخلق ) . أستمع حفظ
الكلام على إسناد حديث عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه : ( أرأيتم لو قطعتم رأسه أكنتم تستطيعون أن تعيدوه قالوا لا قال فيده قالوا لا قال فرجله قالوا لا قال فإنكم لا تستطيعون أن تغيروا خلقه ... )
7 - الكلام على إسناد حديث عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه : ( أرأيتم لو قطعتم رأسه أكنتم تستطيعون أن تعيدوه قالوا لا قال فيده قالوا لا قال فرجله قالوا لا قال فإنكم لا تستطيعون أن تغيروا خلقه ... ) أستمع حفظ
شرح حديث عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه : ( أرأيتم لو قطعتم رأسه أكنتم تستطيعون أن تعيدوه قالوا لا قال فيده قالوا لا قال فرجله قالوا لا قال فإنكم لا تستطيعون أن تغيروا خلقه ... )
هذه هي حكاية الحديث رأيت ؟
( فإنكم لا تستطيعون أن تغيّروا خُلُقَه حتى تغيروا خلقَه )، ثم يستدل على ذلك ابن مسعود بقوله : ( إن النّطفة لتستقر في الرحم أربعين ليلة ثم تنحدر دماً ثم تكون علقة ثم تكون مضغة ثم يبعث الله ملكا فيكتب رزقه وخلقه وشقيّا أو سعيداً ) هذا الحديث.
السائلة : ...
الشيخ : ... ولذلك نحن قبل أن نسمعكم الحديث أعطيناكم تنبيهاً ناعماً أولاً أن هذا حديث موقوف ، وثانياً فيه شيء هذا الشي الآن أنا سأشرع في بيانه إن شاء الله .
أول شيء مهم أبيّنه أن ابن مسعود روى الحديث وهو الطرف الأخير من الحديث وهو : " إن النطفة لتستقر في الرحم أربعين ليلة " إلخ أخرج الحديث هذا عن ابن مسعود البخاري ومسلم في * صحيحيهما * بهذا المعنى ، من عند النطفة ، لأن هناك حديث طويل معروف في *الأربعين النووية * : ( يُجمع خلق أحدكم في بطن أمه أربعين يوماً نطفة ثم أربعين يوما مضغة ثم أربعين يوماً علقة ) إلخ الحديث، ثم يبعث الله ملكاً : فيكتب رزقه ، هنا ماذا قال: وخلقه في الحديث الصحيح في البخاري ومسلم : ( وأجله ) .
فالحديث مرفوعاً وافهموا شو معنى مرفوعاً بقى حتى ما نطيل العبارة ، فالحديث منسوب إلى الرسول عليه السلام : ( فيُكتب رزقه وأجله ) أما هنا موقوفا من حديث ابن مسعود ماذا قال؟ ( خُلُقه ) لما يجينا الحديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه عليه فحينئذ يجب أن نحقق قول ربنا تبارك وتعالى : (( ويُسلّموا تسليما )) فجاء الحديث أن الله عز وجل لما تكتمل أطوار النطفة في رحم المرأة ولا يبقى إلا نفخ الروح فيه يُرسل الله ملكاً فيأمره بأن ينفخ فيه الروح وأن يكتب رزقه وأجله هنا إيش قال ؟ " خُلُقه " جاء الحديث عن الرسول فآمنّا وسلّمنا تسلمنا ، لكن ابن مسعود يقول من قوله يعني من اجتهاده وفهمه مش عن الرسول عليه السلام ، الرسول قال ( وأجله ) هنا هو يقول من عنده وخُلُقه، إذن هنا نقول هذا رأي ابن مسعود رضي الله عنه ويمكن أن يكون صحيح ويمكن أن يكون غير صحيح، أما لو رفعه إلى النبي عليه السلام فهذا التردد لا يجوز أن يصدر من مسلم بل نسلم ونؤمن إيماناً جازماً، هذه أول ملاحظة نلاحظها على هذا الحديث الموقوف.
الملاحظة الثانية وهي من الناحية الإسلامية والتربوية هامة جداً لأن ابن مسعود رضي الله عنه كلاماً من أوله إلى آخره يفيدنا أن من كان طبعه البخل لا يراجع عقله ولن يقول أنا سأغير خلقه لا تجتهدوا وتعدلوا خلقه إطلاقاً ليه ؟ لأنه ضرب مثلاً واضحاً إذا قطعتم رأسه لا يده لا ، رجله لا ، إذن كذلك خلقه هكذا خلقه عز وجل الجواب لو كان الأمر كما يفيدنا هذا الحديث الموقوف عن ابن مسعود لبطلت الشرائع وبطلت القوانين وبطل علم التربية وعلم النفس ليه؟ لأن نحن نرى الأولاد منذ نعومة أظفارهم يختلف من ولد لولد سواء واحد نراه شجاع وواحد نراه جبان واحد نراه كريم وواحد نراه شحيح وبخيل إذن نتركه على ما وجدناه عليه؟ لا ، لماذا؟ نحن نجد الشريعة الإسلامية إنما قامت على أساس معالجة النفس وتقويمها وتطهيرها ربنا عز وجل يقول : (( قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دسّاها )) (( قد أفلح من زكاها )) أيش معناها ؟ قد أفلح من زكّى النفس التي زكّاها الله ؟ لا إذن تحصيل حاصل ، (( قد أفلح من زكاها )) قد أفلح من زكى من طهّر النفس الأمّارة بالسوء كما جاء في قصّة يوسف : (( إن النفس لأمَّارةٌ بالسوء إلا ما رحم ربي )) فإذا كانت النفس بطبيعتها أمّارة بالسوء فواجب صاحب هذه النفس قال تعالى : (( قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دسّاها )) إذن إذا كانت النفس التي من طبيعتها أنها أمّارة بالسوء لا فائدة من معالجتها ومن السعي وراء تقويمها وتطهيرها لماذا ربنا عز وجل يقول : (( قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دسّاها )) ؟ ثم لماذا كل الأحاديث التي سمعنا كثير منها كلها تدور في فلك تطهير النفس وفي مجال تقويمها وتزكيتها إذا كان لا يمكن تقويم النفس وإذا كان من شأن النفس المعوجّة هو هذا المثال الذي ضربه ابن مسعود رضي الله عنه ، إنسان قطعنا رأسه ما في مجال أن يرجع رأسه فإذن هذا يتنافى كل المنافاة مع أصول الشريعة وقواعدها وكثير من فروعها.
8 - شرح حديث عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه : ( أرأيتم لو قطعتم رأسه أكنتم تستطيعون أن تعيدوه قالوا لا قال فيده قالوا لا قال فرجله قالوا لا قال فإنكم لا تستطيعون أن تغيروا خلقه ... ) أستمع حفظ
فائدة : أمثلة من حديث الرسول تخالف أثر ابن مسعود رضي الله عنهما : ( فإنكم لا تستطيعون أن تغيّروا خُلُقَه حتى تغيروا خلقَه ) .
كذلك قال عليه الصلاة والسلام تركيزاً لهذا الخلق قال عليه السلام لأصحابه يوماً: ( أتدرون من الصرعة ؟ ) قالوا: الصرعة فينا يا رسول الله الذي يصارع الناس ويصرعهم قال : لا ، ليس الشديد بالصّرعة ، وإنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب ) فهذا وذاك إنما قصد به الرسول عليه السلام تربية النفس التي قد يكون فيها إعوجاج من جانب ويستحيل أن يكون هناك إنسان مفطور على الكمال في كل الخصال مستحيل ، الإنسان طُبع على النقص ليجتهد ويجاهد في سبيل الله عز وجل ، ففي الوقت الذي نجد إنساناً سخيّاً كريماً جواداً قد نجده غضوباً ، والعكس بالعكس وهكذا ، فهذا الكريم يجب أن يعالج غضبه وذاك البخيل والحليم يجب أن يعالج أن يعالج شحّه وبخله ، وهكذا على هذا الأساس من المعالجة وتهذيب النفس قامت الأحكام الشرعية فقال تعالى كما ذكرنا: (( قد أفلح من زكّاها * وقد خاب من دسّاها )).
9 - فائدة : أمثلة من حديث الرسول تخالف أثر ابن مسعود رضي الله عنهما : ( فإنكم لا تستطيعون أن تغيّروا خُلُقَه حتى تغيروا خلقَه ) . أستمع حفظ
هل نستطيع أن نجمع بين الحديثين : ( إنما العلم بالتعلم وإنما الحِلم بالتحلّم ) وبين حديث عبد الله بن مسعود ( فإنكم لا تستطيعون أن تغيّروا خُلُقَه حتى تغيروا خلقَه ) ؟
الشيخ : نعم لكن هو لا يقصد هذا.
السائلة : ما يقصد.
الشيخ : طبعا هو لا يقصد هذا و هذا كل البحث أن الإنسان يجاهد نفسه ويمرّنها على مخالفة تكييفها وطبيعتها المعوجّة عن الشريعة والخلاصة أن كل إنسان فينا كل شخص من ذكر وإنثى يعرف فيه أشياء جميلة فُطر عليها فيحمد ربه عز وجل على ذلك وأشياء أخرى يجدها كل منا فينا منحرفة عن الخلق السليم فلا يستسلم لمثل هذا الكلام وكلام كثير من الناس نسمعه رجالا ونساءً : " ما فيه حياء اتركه !" لا ، هذا يأس وهذا مخالفة لتلك النصوص التي توجّه المسلم إلى العناية بنفسه وإلى أن يزكيها .
ثم يجب أن نعلم أن لكل أجل كتاب، فإنسان مفطور مثلاً على الشح هذا لا يمكن أن يرجع ويصير نفسه كريمة وسخيّة في ظرف شهر أو شهرين أو سنة أو سنتين هذا يحتاج جهاد مستمر، ولذلك فإذا ابتلي بعضنا بولد له أو بصديق له فيه انحراف في خلق ما ، وعالج صدقه هذا الانحراف من صديقه شهر وشهرين أو ولده سنة وسنتين لا ييأس لا يقول ما في خيار لأن لكل أجل كتاباً.
هذه هي الفائدة من تلك النصوص التي ذكرناها تسليطاً لها على هذا النص الذي رواه المصنّف عن ابن مسعود مما يفهمنا أن خلق الإنسان لا يمكن تغييره وتبديله، فنقول: إذا كان لا يمكننا تغييره جذرياً فيمكننا بلا شك تعديله يعني قد لا يمكن أن نجعل مثلا الرجل الشحيح فطرة وطبيعة حاتم طيء زمانه قد لا يمكننا هذا، ولكن يمكننا أن نزكي نفسه من الشّح والبخل الذي إذا وقع فيه عذّبه رب العالمين، مثلاً أن لا يخرج زكاة ماله الفريضة، فقد نستطيع أن نربّيه إلى أن نوصله إلى هذه المرتبة فيخرج زكاة ماله المفروض عليه فقط هذه تكون مرحلة كبيرة وكبيرة جداً.
10 - هل نستطيع أن نجمع بين الحديثين : ( إنما العلم بالتعلم وإنما الحِلم بالتحلّم ) وبين حديث عبد الله بن مسعود ( فإنكم لا تستطيعون أن تغيّروا خُلُقَه حتى تغيروا خلقَه ) ؟ أستمع حفظ
فائدة : خطأ يقع فيه الكثير من الناس في باب القدر.
الجواب: لا شك أن الله عز وجل كتب سعادة كل أنسان وشقاوته كما أنه كتب رزقه وأجله لا شك في هذا، ولكن أين نذهب في مبدأ الأسباب ؟ إن الله عز وجل لما كتب السعادة أو الشقاوة على إنسان ما وكذلك كل ما كتب عليه وهو لا يزال جنيناً من الرزق ومن الأجل كل ذلك مربوط بسعي الإنسان وكسبه أي إن الله عز وجل لحكمته حينما يكتب السعادة على هذا الجنين وهو بعد لم يدخل في عالم التكليف عالم الدنيا علم الله عز وجل من هذا الجنين انه إذا دخل مرتبة التكليف أنه سيؤمن والإيمان هي السعادة فكتبه سعيداً والعكس بالعكس علم من إنسان ما أنه حينما يدخل هذه المرتبة مرتبة التكليف فسوف لا يطيع ربه ولا يستجيب لدعوته وندائه فيكتبه شقياً لأنه سعى هو بنفسه إلى هذه الشقاوة .
وهذا السؤال نفسه وُجّه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام : حينما قالوا له إن علمنا وسعادتنا وشقاوتنا هل هو شيء سبق وجرى القلم به أم أن الأمر أنُف أي : جديد قال: ( لا إنما هو أمر سبق وقُدّر ) فقالوا له عليه الصلاة والسلام : ففيم العمل ؟ فقال: ( اعملوا فكلٌّ ميسّر لما خُلق له، فمن كان من أهل السعاة فسيعل بعمل أهل السعادة ، ومن كان من أهل الشقاوة فسيعمل بعمل أهل الشقاوة، ثم قرأ قوله تعالى : (( فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى )) أي: الجنّة ، (( وأما من بخل واستغنى * وكذّب بالحسنى * فسنيسره للعسرى )) إذن اليُسرى لها أسبابها فقال تعالى : (( فأما من أعطى واتقى )) أي أعطى المال وزكّى بها نفسه واتقى ربه عز وجل فهذا الذي ييسر الله له الطريق إلى اليُسرى وهي الجنّة وأما من بخل أي لم يخرج زكاة ماله (( واستغنى )) أعرض عن طاعة ربه (( فسنيسره للعسرى )) فإذن اليسرى بالأخذ بأسبابها والعسرى أيضًا بالأخذ بالأسباب المؤدية إليها، فهذه الكتابة إذن والجنين لا يزال في بطن أمه إنما هي استكشاف لما علمه الله عز وجل من هذا الجنين إلا إذا ما بلغ سن التكليف، ولنفترض أن الخلق أيضًا كتب لكن هذه الكتابة إنما هو استكشاف أيضًا لما سيكون عليه هذا الإنسان أي أن إنساناً فُطر بخيلاً ترى سيظل عند هذه الفطرة ولا يجاهد نفسه ؟ فإذا جاهد نفسه فالله يكتبه مجاهداً لا يكتبه شحيحاً بخيلا عاصياً، لأن الفطرة لا يكلّف فيها الإنسان، لكن يكلّف أن يجاهد هواه إذا كان قد فطر على خلاف ما يرضي ربه تبارك وتعالى .
خلاصة القول : يجب ألا نفصل في عالم التكليف في عالم السعادة والشقاوة بين ما سُبق من كتابة سعادة أو شقاوة حسن الخلق أو سوء الخلق لا يجب الفصل ما بين الكتابة وبين الأخذ بالأسباب التي تؤدي في نهاية الأمر إلى ما سبق في الكتاب.
فائدة : توجيه حديث : ( من أحب أن ينسأ له في أجله ويوسع له في رزقه فليصل رحمه ) مع أن الأجل والرزق مكتوب مسبقاً في اللوح المحفوظ .
12 - فائدة : توجيه حديث : ( من أحب أن ينسأ له في أجله ويوسع له في رزقه فليصل رحمه ) مع أن الأجل والرزق مكتوب مسبقاً في اللوح المحفوظ . أستمع حفظ
هل هناك شروط أو أركان لقراءة المرأة للقرآن ؟
هل يجوز قراءة القرآن بدون وضوء ؟
هل يجوز قراءة القرآن بدون وضوء ؟
الجواب: نفسه يجوز لكن الأكمل أن يكون القارئ سواء كان رجل أو امرأة على وضوء، وهنا نص وهو قوله عليه السلام حينما سلم عليه رجل وقد كان عليه السلام قضى حاجته لما بادره رجل وقد مر به بالسلام ، فتوجه الرسول إلى الجدار وتيمم وقال : ( وعليكم السلام ) ، لم يرد السلام إلا بعد التيمم وقال له عليه السلام : ( إني كرهت أن أذكر الله إلا على طهر ) كره الرسول عليه السلام أن يذكر الله وما هو ذكر الله ؟ يعني السلام عليكم فكره أن يذكر اسم الله السلام وقد جاء في الحديث في الصحيح : ( السلام اسم من أسماء الله وضعه في الأرض فأفشوه بينكم ) فقول القائل: " السلام عليكم " يعني هو تماما كما يقول العامة اليوم : "اسم الله عليك" السلام عليكم اسم الله عليكم يعني السلام اسم من أسماء الله وضعه في الأرض ( فأفشوه بينكم ) .
فرسول الله صلوات الله وسلامه عليه لما فوجئ بإلقاء المسلِّم عليه السلام وكان قد قضى حاجته من قريب كره أن يردّ السلام وهو على غير طهارة فبادر إلى الجدار وتيمم ورد عليه ، واعتذر بإبطائه في رد السلام بقوله : ( إني كرهت أن أذكر الله إلا على طهر ).
من هنا نفهم أن تلاوة القرآن على طهارة كاملة أفضل لا شك ولا ريب في ذلك، وكذلك يقال في مس القرآن وربما كان السائل هذا الذي يقصده لا يقصد مجرّد قراءة القرآن وإنما قراءة القرآن من المصحف الذي يتطلب مس المصحف على طهارة كاملة هو الأفضل ولكن لا يوجد نص يحرّم خلاف ذلك لا يوجد نص يحرّم على الجنب سواء كان ذكراً أو أنثى أن يقرأ القرآن ولا يوجد نص أيضاً أن يمسه أو يقرأه، ولا يوجد نص أيضًا يحرّم على المرأة الحائض أن تمس القرآن أو أن تقرأه لا سيما وأن هناك فرق معروف جبليا وطبيعة بين الجنابة وبين الحيض فالجنابة ممكن أن يتطهّر ، الجنب يمكن أن يتطهّر ، لكن الحائض التي فرض الله عليها أياماً معروفة بالنسبة لكل امرأة لا يمكن أن تتطهّر حتى يطهرها الله بأن يقطع عنها هذه العادة ، فهذه يقال لها لا تقرأي القرآن إطلاقاً في مدّة العادة خمسة أيام ستة أيام أكثر أو أقل لا يوجد في الشرع ما يحرّم ذلك عليها إطلاقاً ، لذلك نحن لا نقول بالنسبة للحائض الأفضل لها أن تتطهّر لأن هذا غير ممكن، لكن الجنب والذي هو على غير وضوء يمكن أن يتوضأ سواء كان ذكراً أو أنثى فهذا هو الأفضل أما الحائض فلها أن تقرأ القرآن ، ولها أن تقرأ من المصحف مباشرة ولا شيء عليها إطلاقاً لها أن تقرأ ولا شيء عليها إطلاقاً، وفي * صحيح البخاري * أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما حج حجة الوداع ومعه نساؤه لما اقترب عليه الصلاة والسلام من مكة دخل على عائشة رضي الله عنها فوجدها تبكي ، فقال لها : ( ما لك ؟ أنفست ؟ -يعني جاءت العادة- قال : هذا أمر قد كتبه الله على بنات آدم فاصنعي ما يصنع الحاج غير ألا تطوفي ولا تصلي ) ففي هذا النص أن الشارع الحكيم أتاح للمرأة الحائض وهي في الحج أن تصنع كل شيء يصنعه الحاج سوى شيئين: لا تطوف ولا تصلي، إذن أولا يفيدنا أنها تدخل المسجد الحرام لأنه ما منعها من دخول المسجد وإنما منعها من الطواف، والشيء الآخر مما له علاقة بموضوعنا أن المرأة تقرأ القرآن وأن الحاج يقرأ القرآن إذن غير ألا تطوفي حول الكعبة ادخلي المسجد الحرام لكن لا تطوفي حول الكعبة، اقرأي القرآن لكن لا تصلي لأن من شرط الصلاة الطهارة وليس من شرط القراءة الطهارة.
فائدة : الفرق بين الجنب والحائض بخصوص قراءة القرآن .
بهذا ننهي اجتماعنا هذا ونرجو أن نجتمع في مثل هذا اليوم وبعد صلاة العصر أيضًا من اليوم الآتي إن شاء الله، والحمد لله رب العالمين.