باب : " باب من أصبح آمنا في سربه " . شرح حديث الأنصاري رضي الله عنهما : ( من أصبح آمنا في سربه معافى في جسده عنده طعام يومه فكأنما حيزت له الدنيا ) .
( من أصبح آمنا في سِربه ) أي: في نفسه أو ( من أصبح آمنا في سَربه ) يعني في منطلقه في حياته في طريقه في هذه الدنيا التي جعلها الله تبارك وتعالى سببا ووسيلة ليسعد المسلم بها في الحياة الآخرى ، فسواء كانت الرواية: ( من أصبح آمنا في سِربه ) أي: في نفسه أو ( من أصبح آمنا في سَربه ) أي في طريقه ومنطلقه في حياته ، فالمؤدّى واحد.
ثم الخصلة الثانية: ( معافى في جسده ) ثم قال أخيرا: ( وعنده طعام يومه فكأنما حيزت له الدنيا ) أي : جُمعت له الدنيا وجمعت له بحذافيرها وغرض الحديث هو تربية المسلم على أن يقنع بالقليل بما آتاه الله تبارك وتعالى من الرّزق، وأن الرزق في سعته أمر ليس له حدود ينتهي إليه الإنسان، بل الأمر كما أوضحه الرسول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح، حين قال: ( لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى إليهما ثالثا ولو كان له ثلاثة لابتغى لهما رابعا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب ) لذلك الحديث في حضّ للمسلم على أن يقنع بما آتاه الله تبارك وتعالى من الرزق ولو كان قوت يومه فقط، وقد مضى في بعض الأحاديث أن من كان عنده رزق يوم وليلة غداء وعشاء يوم وليلة لم يجز له إسلاميا أن يسأل الناس أي أن " يشحد " منهم، لأن هذا الرزق يكفيه ، وكل يوم يأتيه من رزقه من الله تبارك وتعالى ، ولذلك فهذا الحديث كأنه يلتقي بسبب وثيق بالآية المعروفة التي خاطب فيها الله تبارك وتعالى في شخص النبي عليه السلام أمته حين قال : (( ولا تمدّن عينيك إلى ما متّعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه )) لذلك المسلم إن قتّر عليه في الرزق تذكر هذا الحديث: ( من أصبح آمنا في سربه معافاُ في بدنه وعنده قوت يومه فكأنما حيزت إليه الدنيا ) ومن أصبح موسّعا عليه في الرزق تذكر الحديث السابق في الدرس الأخير ألا وهو قوله عليه الصلاة والسلام لعمرو بن العاص: ( نعما أو نعم المال الصالح للرجل الصالح ).
ثم إذا أصبح مبتلى في جسده ، هو الرسول عليه السلام في هذا الحديث يذكر أقل ما ينبغي أن تستقيم عليه حياة المسلم العادي الذي قد لا يجد لنفسه من الصبر الذي يحمله على الرضا بقضاء الله وقدره ولكن الله عز وجل يبتلي عباده بما يشاء، فقد يصبح الإنسان ولا قوت عنده، وقد يصبح الإنسان ولا صحة له، قد يصبح الإنسان وليس عنده أمان واطمئنان في منزله في بيته في عقر داره، فماذا يفعل؟ حينذاك يجب عليه أن يتضرع بالصبر وفي ذلك أحاديث كثيرة ، وآيات معروفة شهيرة من ذلك قول الله تبارك وتعالى: (( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ))، ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: ( عجب أمر المؤمن كله إن أصابته سراء حمد الله وشكره فكان خيرا له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خير له ، فأمر المؤمن كله خير وليس ذلك إلا للمؤمن ).
إذن هذا الحديث الذي نحن في صدد التعليق عليه يبيّن لنا أقل ما يمكن أن يطمئن إليه الإنسان في حياته المطمئنة العادية: ( أن يصبح آمنا في سربه معافا في بدنه عنده قوت يومه ) لكن هذا لا يعني أن المسلم لا يُبتلى وأن المسلم قد يمرض فيكون معافا في جسده، هذا من الدنيا أن يصبح معافاً في بدنه هذ من الدنيا كذلك أن يصبح آمنا مطمئنا في سربه وعنده قوت يومه كل هذا من أمور الدنيا التي ينبغي على المسلم أن يقنع لذلك وأن يتخذها نهجا له في حياته لا يمد بصره إلى أكثر من ذلك، ولكن الله عز وجل كما قلنا آنفاً يبتلي عباده بما يشاء ومن ذلك الابتلاء في البدن، والابتلاء بالجوع كما ذكرنا في الآية السابقة ، وكما قال عليه الصلاة والسلام كأنه يواسي من قد يُبتلى في جسده أو في بدنه أو في حياته من المسلمين بشيء من الضنك والشدة يقول عليه الصلاة والسلام مواسيا لهؤلاء: ( نحن معاشر الأنبياء أشد ابتلاءً الأمثل فالأمثل المؤمن يُبتلى على قدر دينه ) ولذلك فإن أصيب أحدنا فإن أصيب أحدنا نساءً أو رجالاً بشيء منا لا يعجبه سواء في جسده أو في صحته أو في ماله ، فينبغي ألا يضجر وينبغي أن يرضى ويصبر على القدر حتى يوفيه الله عز وجل أجره يوم القيامة بلا حساب، نسأل الله أن يجعلنا من هؤلاء.
1 - باب : " باب من أصبح آمنا في سربه " . شرح حديث الأنصاري رضي الله عنهما : ( من أصبح آمنا في سربه معافى في جسده عنده طعام يومه فكأنما حيزت له الدنيا ) . أستمع حفظ
فائدة : ما الواجب على من أصبح مبتلى لا قوت عنده ولا صحة ولا أمان؟
فائدة : موقف المسلم من الابتلاء .
باب : " باب طيب النفس " . شرح حديث الجهني رضي الله عنهما : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عليهم وعليه أثر غسل وهو طيب النفس فظننا أنه ألم بأهله فقلنا يا رسول الله نراك طيب النفس ... )
يقول المؤلف رحمه الله :
" باب طيب النفس " .
يرويه بسنده الصحيح .
عن معاذ بن عبد الله بن خبيب الجهني يحدث، عن أبيه، عن عمه: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عليهم وعليه أثر غسل، وهو طيب النفس، فظننا أنه ألم بأهله، فقلنا: يا رسول الله، نراك طيب النفس ؟ قال: أجل والحمد لله، ثم ذكر الغنى، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنه لا بأس بالغنى لمن اتقى، والصحة لمن اتقى خير من الغنى، وطيب النفس من النعم ) والذي نحفظه في الدراسات القديمة من النعيم: ( وطيب النفس من النعيم ).
يذكر الراوي في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خرج عليهم ذات خرج عليهم وعليه أثر الاغتسال ونفسه مطمئنة رضية ، والإنسان كما هو معلوم تظهر على ملامح وجهه إن كانت نفسه صافية رضية مطمئنة أو على العكس من ذلك ، فلاحظ أصحابه ذلك منه عليه الصلاة والسلام فقالوا: ( يا رسول الله، نراك طيب النفس ؟ قال: أجل، والحمد لله ) يحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه على أن متّعه بالحلال، ثم بهذه المناسبة ذكر عليه الصلاة والسلام حديثاً فيه أيضًا حض للمسلم على أن يكون غني النفس فإن كان كذلك فلا يضره بعد ذلك إن كان فقير المال، قال عليه السلام : ( إنه لا بأس بالغنى لمن اتقى، والصحة لمن اتقى خير من الغنى، ) لا بأس للمؤمن أن يكون غنيا لكن بشرط أن يكون تقياً وإلا فإذا كان المرء غنيا ولم يكن متقيا الله عز وجل في ماله لا من حيث كسبه إياه ولا من حيث إنفاقه له ولا من حيث تسرفه هو في ذات نفسه به ، إذا لم يكن تقيا في ماله هذا المال وبال على صاحبه كما جاء في بعض الأحاديث التي سبق أن ذكرناها أن المسلم أول ما يُسأل عنه يوم القيامة أمور ذكر منها : ( وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه؟ ) لذلك فالرسول عليه الصلاة والسلام يقول : ( إنه لا بأس بالغنى لمن اتقى ) وهذه الجملة من هذا الحديث تلتقي مع حديث عمرو بن العاص السابق ألا وهو قوله عليه السلام : ( نعم المال الصالح للرجل الصالح ) أما إن كان المال في يد رجل غير تقي غير تقي فهو سيكون ضرره في تصرفه بهذا المال أكثر من نفعه، فلا جرم أن الشارع الحكيم فرض على الذين يتصرفون بأموالهم تصرفا غير مشروع فرض عليهم ما يعرف بالحجر على السفيه، يولّى عليه رحل حكيم عاقل ينفق عليه من ماله ولا يدعه يتصرف لأنه سينفقه في سبله غير المشروعة، لذلك قال عليه السلام : ( لا بأس بالغنى لمن اتقى ) ولكنه عليه السلام في الوقت نفسه قال: ( والصحة لمن اتقى خير من الغنى ) لعل ذلك لأن المال بالنسبة للصحة يجري مجرى الوسيلة مع الغاية، فإذا تحققت الصحة فلم يبق هناك قيمة للمال، ولذلك نحن نجد كثيرين من الأغنياء والموسرين يعيشرن حياتهم الطويلة في حزن وكمد بسبب مرض مزمن ألم بهم وعلى حياتهم فلم يستفيدوا شيئا من مالهم، لذلك قال عليه الصلاة والسلام : ( والصحة لمن اتقى خير من الغنى ).
أيضًا قيّد هذا الخير في أن يكون المسلم في صحة في بدنه في أن يكون متّقيا أيضًا في ذلك لربه، وإلا فكما أن المال يُصرف في معصية الله عز وجل فكذلك الصحة تصرف في كثير من الأحيان في معصية الله تبارك وتعالى في أن يتجبّر على الضعفاء والمساكين في أن يظلم الناس، لأنه يرى نفسه أقوى منهم في بدنه ، ولذلك فكل من الغنى والصحة لا بد له من التقوى ولكن الصحة مع التقوى خير من الغنى مع التقوى.
ثم قال عليه السلام في رواية هذا الحديث : ( وطيب النفس من النعم ) أي طيب النفس وضصاها بما قسم الله عز وجل لها سواء كان صاحبها غنيا أو فقيرا، سواء كان صحيح البدن أم مريضًا، فطيب النفس لا تستلزم أبداً شيئاً من هذه الكمالات الدنيوية، بينما طيب النفس إنما يتحقق للإنسان بقوة إيمانه بربه واستسلامه لقضائه وقدره، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من المؤمنين الصابرين الراضين بقضائه وقدره.
4 - باب : " باب طيب النفس " . شرح حديث الجهني رضي الله عنهما : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عليهم وعليه أثر غسل وهو طيب النفس فظننا أنه ألم بأهله فقلنا يا رسول الله نراك طيب النفس ... ) أستمع حفظ
شرح حديث أنس رضي الله عنه : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وأجود الناس وأشجع الناس ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق الناس قبل الصوت فاستقبلهم النبي صلى الله عليه وسلم قد سبق الناس إلى الصوت ... )
" باب طيب النفس " .
يتلو هذا الحديث الأول من هذا الباب الحديث الثاني وهو عن النواس بن سمعان الأنصاري، وقد كان مضى برقم 275 ولذلك
فنحن نقرأه ولو تكرر لأن في التكرار فائدة دون أن نعلق عليه ففيما سبق كفاية.
عن النواس بن سمعان الأنصاري أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم؟ فقال: ( البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس ) رقم الحديث 302.
الحديث الذي بعده وهو صحيح السند:
عن أنس قال: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس، وأجود الناس، وأشجع الناس، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة، فانطلق الناس قبل الصوت، فاستقبلهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد سبق الناس إلى الصوت وهو يقول: لن تراعوا، لن تراعوا، وهو على فرس لأبي طلحة عُريٌ، ما عليه سرج، وفي عنقه السيف، فقال: لقد وجدته بحرا، أو إنه لبحر ).
هذا الحديث يتعلق ببيان قسم من شمائل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأخلاقه التي ميز بها على سائر الخلق وأشار الله ذلك في كتابه حينما قال : (( وإنك لعلى خلق عظيم ).
في هذا الحديث تفسير لشيء من هذا الخلق النبوي الشريف .
أول ذلك قال أنس : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس )، يمكن تفسير هذه الجملة بمعنيين اثنين : المعنى الأول : كان أحسن الناس خلقاً ، وهذا الذي يتبادر من هذه الجملة.
والمعنى الآخر : أحسن الناس خلْقا وإنما قلنا المعنى الأول هو المتبادر لأن التفاضل عند الله عز وجل لا يكون بما خُلق عليه الإنسان من الجمال وبهاء وطلعة تلفت أنظار الناس وإنما بالخلق الذي يتخلّق به الإنسان، لكن لا مانع لأن نفسر هذه الجملة بالتفسيرين معاً ، ذلك لأن كلاً من الأمرين كان قائما ومتحققا في ذات النبي عليه الصلاة والسلام فهو في الوقت الذي كان أحسن الناس خُلقا كان أحسن الناس خلْقاً ، فهو عليه الصلاة والسلام أحسنهم خُلقاً وأحسنهم خلقاً، ومن هنا أي : من كون النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحسن الناس خُلقا مثل أحسنهم خلقاً ممكن أن نستنبط أو أن نتوصل من هذه الفقرة إلى شيء يتعلق بالتوحيد وبعلم الكلام ، فهناك يذكرون بأن النبي أي نبي يصطفيه ربنا عز وجلا رسولا أو نبيا إلى خلقه فينبغي أن يكون حسن الخُلق حسن الخَلق، لأنه إذا كان سيء الخُلق كان الناس الناس لا يُقبلون على دعوته بل وينفرون منها، ولذلك إشارة إلى هذه الحقيقة قال الله عز وجل في حق نبينا عليه الصلاة والسلام : (( ولو كنت فظّاً غليظ القلب لانفضوا من حولك )) قالوا : وكذلك ينبغي أن يكون المبعوث أي النبي المبعوث للناس أو الرسول المرسل إليهم أيضًا ينبغي أن يكون حسن الخلْق، لأن ظاهرة الإنسان الجسدية لها تأثير في كثير من الأحيان في جذب قلوب الناس إليهم وإن كان هذا في كثير من الأحيان لا ينبني عليه شيء من الفائدة، ولكن كما قيل في بعض الملوك : " ما أحسن المحراب في المحراب " فما أحسن أن يجتمع الخلق الحسن في الخلْق الحسن.
فالرسول صلى الله عليه وسلم قد جمع في نفسه هتين الخصلتين : أنه كان أحسن الناس خُلُقاً وكان أحسنهم أيضًا خلْقاً ، هذه الجملة الوجيزة أي كون النبي صلى الله عليه وسلم كان أحسن الناس خُلقاً واقع لو أراد الإنسان أن يؤلف منها كاتبا خاصاً لشرح أخلاق الرسول عليه الصلاة والسلام وما جاء في ذلك من تفاصيل وبيان لتجمّع في ذلك كتاب مستقل، ولكن يكفي أن يتذكر احدنا حينما يسمع هذا الوصف الموجز من أنس بن مالك للنبي صلى الله عليه وسلم بأنه أحسن الناس خُلقًا أن يتذكر بعض الأحاديث التي فيها التصريح بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان أحسن الناس خُلقاً ، من ذلك ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم حين قال : ( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ) فهو عليه الصلاة والسلام كان مضرب المثل لحسن خلقه مع أهله وليس ذلك أمراً خاصاً للأهل، بل كان ذلك حتى في علاقته مع خصومه سواء كانوا مسلمين أو كانوا كافرين.
فقد خاصمه رجل مرّة على دين له على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأخذ بجلابيب الرسول عليه السلام من هنا من ثيابه وقال: إنكم يا بني عبد المطلب أصحاب مُطل ، فقام عمر يريد أن يبطش به وأن يؤذيه ، فقال عليه الصلاة والسلام : ( دعه يا عمر ، لقد كنت أحوج الناس أن تأمرني بحسن القضاء وهو أن تأمره بحسن الأداء ) ، ثم أمر أصحابه أن يعطوه أكثر مما لذلك الأعرابي على النبي صلى الله عليه وسلم .
ومثال آخر يتعلق بأعدائه الكفار حينما خلا به رجل من المشركين كان عليه الصلاة والسلام في بعض أسفاره فلجأ إلى شجرة ليستريح تحتها ونام، فجاء رجل مشرك ورأى سيف النبي صلى الله عليه وسلم معلقا بالشجرة فأخذه ثم أيقظ النبي عليه السلام فقال له : من ينقذك مني ؟ فقال له الرسول كلمة واحدة : ( الله ) فارتجّ منها الرجل وسقط السيف من يده، فأخذه عليه الصلاة والسلام منه فقال له :( من لك الآن ؟ ) ثم عفا عنه ، وهذا هو من أحسن وأفضل الأخلاق أن يعفو المقتدر عند قدرته على خصمه وعلى عدوه، هذه نماذج على أنه عليه السلام كان أحسن الناس خلقاً .
5 - شرح حديث أنس رضي الله عنه : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وأجود الناس وأشجع الناس ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق الناس قبل الصوت فاستقبلهم النبي صلى الله عليه وسلم قد سبق الناس إلى الصوت ... ) أستمع حفظ
تتمة شرح حديث أنس رضي الله عنه : ( ... كان رسول الله أجود الناس ... )
تتمة شرح حديث أنس رضي الله عنه : ( ... وأشجع الناس ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق الناس قبل الصوت فاستقبلهم النبي صلى الله عليه وسلم قد سبق الناس إلى الصوت ... ).
ومن تمام شجاعة الرسول عليه السلام وبطولته البارزة في هذا الحديث قول أنس وهو عليه الصلاة والسلام على فرس لأبي طلحة عريّ فبالإضافة إلى أن النبي عليه السلام قد سبقهم إلى الصوت ورجع وهم خارجون إلى الصوت قد سبقهم إلى الصوت وعلى ماذا سبقهم؟ سبقهم على فرس عاري عُري ليس عليه سرج يتمكن الفارس من فرسه عادة بواسطة السرج ، فهو ركب فرسا عريا لا سرج عليه ومع ذلك خرج عليه وخرج إلى خارج المدينة فلما لم يجد شيئًا يخيف عاد إليهم ليذكرهم بقوله عليه السلام : ( لن تراعوا لن تراعوا ) كان هكذا على فرس لأبي طلحة عري ما عليه سرج.
وفي عنقه السيف : فقال : لقد وجدته بحرا، أو إنه لبحر، يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم في ركوبه لهذا الفرس مع أنه لا سرج عليه وجده بحراً : أي سريع المشي جداً هذا أيضًا فيه كناية أخرى أنه بالإضافة إلى أنه عليه السلام ركب عليه بدون سرج فهو أسرع عليه حتى عرف أنه فرس أصيل سريع الجري، وهذا لا يستطيعه إلا الأبطال الشجعان، والرسول عليه السلام كان أشجعهم وأبرزهم .
هذا درسنا اليوم في هذا الحديث على ما نستطيع من الطاقة.
7 - تتمة شرح حديث أنس رضي الله عنه : ( ... وأشجع الناس ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق الناس قبل الصوت فاستقبلهم النبي صلى الله عليه وسلم قد سبق الناس إلى الصوت ... ). أستمع حفظ
ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( فيما سقت السماء العشر ) فهل نستطيع أن نأخذ بعموم هذا الحديث كما فعل أبو حنيفة أم هناك أحاديث تخصصه ؟
ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( فيما سقت السماء العشر ) فهل نستطيع أن نأخذ بعموم هذا الحديث كما فعل أبو حنيفة أم هناك أحاديث تخصصه ؟
لا يجوز الأخذ بعموم هذا الحديث لوجود أحاديث صحيحة تخصصه وتنفي هذا العموم الذي يُستفاد من هذا الحديث ، الرسول عليه السلام يقول : ( ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ) هذا نص صحيح وصريح في نفي وجوب الصدقة عما بلغت الصدقة من المال في أرض كالقمح مثلاً ما دون خمسة أوسق أي خمسة أحمال من الجمال، فإذا كان الحب الناتج من ألأرض بلغ خمسة أحمال من الجمال وجب عليها الصدقة ، وإلا فلا صدقة ، وهذا هو مذهب الجمهور وهو المذهب الذي يقتضه علم الأصول من التوفيق بين العام والخاص.
فهنا يقول: ( فيما سقت السماء العشر ) قليلاً كان أم كثيرا لكن هناك يقول ( ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ) لذلك هذا العموم يُخص بهذا الحديث الخاص، والشريعة في الواقع كلها تُبنى على هذه القاعدة في التوفيق بين النصوص العامة والنصوص الخاصة.
8 - ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( فيما سقت السماء العشر ) فهل نستطيع أن نأخذ بعموم هذا الحديث كما فعل أبو حنيفة أم هناك أحاديث تخصصه ؟ أستمع حفظ
هل تجب الزكاة في مال الصبي غير البالغ ؟
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الذي يُذكر فيه أنه بعث معاذًا إلى اليمن قال : ( فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وتردّ إلى فقرائهم ) فهل يُفهم من هذا الحديث أن الزكاة حق للفقراء من مال الأغنياء لذا فلا يُشترط فيها البلوغ أم أنها تعد عبادة يُشترط فيها البلوغ كما في بقية العبادات ؟
الجواب: أن المسألة خلافية بين علماء الفقه ، والذي يترجّح أن الزكاة لا تُؤخذ من مال الصبي الذي لم يبلغ سنّ التكليف، وذلك لسببين اثنين : السبب الأول وهو الأهم: أن الصدقة فيها تطهير للإنسان بها كما صرّح ربنا عز وجل بذلك في القرآن بقوله : (( خذ من أموالهم صقة تكهرهم وتزكيهم بها وصلّ عليهم )) والصبي لما كان غير مكلّف فهو ليس ملوّثاً وليس موسّخا بالآثام والذنوب فهو ليس بحاجة إلى أن يُزكى وإلى أن يُطهّر بإخراج زكاة ماله.
والسبب الثاني: هو أن المال الذي يُزكى لا سيما إذا كان المال مالاً جامداً غير متاجر به فسيكون مصير هذا المال يوماً ما إلى النقص ولا نقول إلى الزوال، وسيستمر القائم على مال الصبي يخرج المال ثم ينقص وينقص وهذا يمكن أن يقع في ظروف قد لا يتمكن الوصي على اليتيم بتشغيل المال والمتاجرة به، وإن كان يتمكّن من تشغيل المال والمتاجرة به فهذا خير ولصالح الصبي غير البالغ لكن الزكاة غير واجبة على ماله للدليل السابق ذكره آنفاً .
شرح حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما : ( كل معروف صدقة، وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق ... )
عن جابر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( كل معروف صدقة، وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق، وأن تفرغ من دلوك في إناء أخيك ) ، ( كل معروف صدقة، وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق، وأن تفرغ من دلوك في إناء أخيك ) .
في هذا الحديث بيان لكون كل خير يقدمه المسلم لأخيه المسلم فذلك معتبر ومحسوب عند الله عز وجل صدقة ، فهذه كلية عامة لا يخصصها شيء كل معرزف صدقة ، وقد جاء تفصيل هذه الجملة في بعض الأحديث الأخرى ، وبعض التفصيل : ( كل معروف صدقة ) فقد ذكر الرسول عليه الصلاة والسلام في بعض الأحاديث أن ( إماطة الأذى عن الطريق صدقة ) وذكر الرسول صلوات الله وسلامه عليه تلك الخصلة في الحديث المعروف فيه أن الفقراء شكوا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنهم لا يجدون ما يُنفقون من الأموال ما يتقربون به إلى الله عز جل كما يجد الأغنياء ، وكان هذا من الفقراء غبطة وليس حداً على الأغنياء ، حيث قالوا : على لسان أحدهم أرسلوه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قالوا : ( يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور -أهل الدثور أهل الأموال الكثيرة يعني الأغنياء ذهبوا بالأجور- يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ، ويتصدقون ولا نتصدّق ) فهم يبيّنون أن هناك عادات يشارك الأغنياء فيها الفقراء كالصلاة والصيام ونحو ذلك من العبادات والطاعات ولكن يقابل هذا عبادات أخرى يتمكن الأغنياء من القيام بها دون الفقراء فأشاروا إلى ذلك بقولهم : ( ويتصدّقون ولا نتصدّق ) فقال لهم عليه الصلاة والسلام : ( ألا أدلكم على إذا ما فعلتموه سبقتم من قبلكم ولم يدركم من بعدكم إلا من فعل مثلكم ؟ تسبحون دبر كل صلاة ثلاث وثلاثين ، وتحمدون الله ثلاثا وثلاثين، وتكبرون الله ثلاثا وثلاثين ، ثم تقولون تمام المئة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له ) إلى آخر الحديث .
ففرح الفقراء بذلك فرحاً كثيراً، وذهب هذا الرسول مبشّرا لهم بذلك ، ولكن ما لبث الأغنياء إلا أن بلغهم ما وصّى به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للفقراء من تلك التسبيحات والتحميدات والتكبيرات دبر الصلوات حتى بادروا إلى الفعل وإلى القيام بهذه الأذكار ، فبلغ ذلك الفقراء عاد رسولهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليقول له : يا رسول الله إن الأغنياء قد بلغهم ما وصيتنا به ففعلوا ما نفعله ، فقال لهم النبي عليه الصلاة والسلام : ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ) .
وفي حديث آخر أن الفقراء لما جاؤوا إل النبي عليه الصلاة والسلام قال لهم وهنا محل الشاهد: ( إن لكم بكل تسبيحة صدقة ، وبكل تكبيرة صدقة وأمر بمعروف صدقة ، ونهي عن منكر صدقة، وإماطة الأذى عن الطريق صدقة، وإصلاح بين اثنين صدقة ) وفي بعض الأحاديث : ( ويجمع ذلك كله ركعتا الضحى ).
إذن فقوله عليه السلام في هذا الحديث : ( كل معروف صدقة ) جاء بمثالين فقط ... على سائر الأديان حيث وسّع على المسلمين طرق العبادة وجعل من هذه الطرق كل خير يقوم به المسلم مع أخيه المسلم، فهنا جاء بمثالين اثنين على قوله عليه السلام : ( كل معروف صدقة ) : المثال الأول قوله : ( وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق ) وهذا تفسيره في حديث آخر وهو قوله عليه السلام : ( وتبسمك في وجه أخيك صدقة ) هذا معنى قوله في هذا الحديث : ( وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق ) لا تلقاه بوجه عبوس قمطرير وإنما بوجه طلق سمح باسم .
10 - شرح حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما : ( كل معروف صدقة، وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق ... ) أستمع حفظ
فائدة : التبيه على أن التبسم الوارد في حديث : ( ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق ) خاص بالجنس الواحد أي " الذكر مع الذكر والأنثى مع الأنثى "
يجب أن نلاحظ هنا أن هذا الأمر يحب أن يكون مقيداً بين الجنس الواحد ، بمعنى أن الرجل يلقى أخاه الرجل بوجه طلق وبوجه باسم كما ذكرنا ، وكذلك المرأة تلقى أختها بوجه طلق باسم .
لكن لا يجوز أن تُجرى هذه السنة بين الجنسين ، وهذا في الواقع مما ابتلي بالغفلة أو بالتساهل في ملاحظة هذا الذي نبّهنا عليه من التفريق ، أكثر المسلمين اليوم رجالاً ونساءً ، وفاقت النساء في ذلك الرجال، فإننا في كثير من الأحيان نسمع المرأة تتقصّد أن تتبسم بل وأن تضحك بل وأن تقهقه وهي تتحدث مع الرجل ، هذا ليس من المعروف قطعا في شيء وإنما هو من المنكر الذي يمكن أن نعتبره نوعاً من الزّنا ، كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح : ( كُتب على ابن آدم حظه من الزنا فهو مدركه لا محالة ، فالعين تزني وزناها النظر ، والأذن تزني وزناها السمع ، واليد تزني وزناها البطش ، والرجل تزني وزناها المشي، والفرج يصدّق ذلك كله أو ييكذّبه ) ، ذكر الرسول صلوات الله وسلامه عليه هذه الأنواع من أنوع الزنا إنما جعل ذلك باعتبار أنها مقدّمات للفاحشة الكبرى ، وإلى ذلك أشار في آخر ذاك الحديث بقوله: ( و الفرج يصدّق ذلك كله ) .
ففي هذا الحديث تحريم الوسائل التي قد تكون عاقبتها سوءاً وعاقبتها غيّاً وفسادا وفسقا ، وذكر الرسول عليه الصلاة والسلام هذه الأنواع في هذا الحديث ليس من باب الحصر ، يعني هذه الوسائل ليست هي الوسائل الوحيدة فقط التي تحرَّم خشية أن توصل بصاحبها إلى الفاحشة الكبرى، وإنما ذكر الرسول عليه السلام هذه الأنواع من الوسائل على سبيل التمثيل لا على سبيل التحديد .
ومن التفقه في هذا الحديث نصًا واستنباطاً أخذ شوقي شاعر مصري مشهور قوله:
" نظرةٌ فابتسامة فسلام *** فكلام فموعد فلقاءُ "
وهنا جاء بلفظة لم تذكر في هذا الحديث حيث قال: نظرة فابتسامة ، لم يذكر في الحديث السابق : ( كُتب على ابن آدم حظه من الزنا فهو مدركه لا محالة ، فالعين تزني ) إلى آخره ، لم يذكر الرسول عليه السلام النظرة ، ولم يذكر الابتسامة ، والسبب ما ألمحت إليه آنفاً من أن تلك الأنواع التي ذكرها الرسول عليه السلام في الحديث لم يذكرها على سبيل الحصر ، وإنما على سبيل التمثيل، وإلا فقول شوقي : " نظرة " يشهد له قوله عليه الصلاة والسلام : ( يا علي النظرة الأولى لك ، والثانية عليك ) وحديث آخر سئل الرسول عليه السلام : عن نظر الفجأة ، يعني الرجل يقع بصره على ملامح امرأة وبالعكس امرأة يقع نظرها على جمال رجل ، فقال عليه السلام : ( اصرف بصرك ) النظرة الأولى لك ، والثانية عليك ،النظرة الأولى هي نظرة الفجأة فإذا استمر الناظر بها ، صارت نظرة ثانية لأنه لم يصرفها ، ومن هنا قال شوقي ما قال :
" نظرةٌ فابتسامة فسلام *** فكلام فموعد فلقاءُ "
الشاهد أن هذه الصدقة التي ذكرها الرسول عليه السلام في هذا الحديث أيضًا على سبيل التمثيل لا التحديد ألا وهو قوله : ( وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق ) إنما هو خاص بالجنس مع الجنس لا بالجنس مع الجنس الآخر خشية أن يكون ذلك مفتاحاً لشر ، هذه ذكرى والذكرى تنفع المؤمنين.
11 - فائدة : التبيه على أن التبسم الوارد في حديث : ( ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق ) خاص بالجنس الواحد أي " الذكر مع الذكر والأنثى مع الأنثى " أستمع حفظ
تتمة شرح حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما : ( ... وأن تفرغ من دلوك بإناء أخيك ) .
12 - تتمة شرح حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما : ( ... وأن تفرغ من دلوك بإناء أخيك ) . أستمع حفظ
باب : " باب ما يجب من عون الملهوف " . شرح حديث أبي ذر رضي الله عنه : ( سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الأعمال خير قال إيمان بالله وجهاد في سبيله قال فأى الرقاب أفضل ... )
" باب ما يجب من عون الملهوف " .
يعني المصاب المعلول ، ثم ساق بإسناده الصحيح لغيره .
عن أبي ذر: ( سئل النبي صلى الله عليه وسلم : أي الأعمال خير؟ قال: إيمان بالله، وجهاد في سبيله، قال: فأي الرقاب أفضل ؟ قال : أغلاها ثمنا، وأنفسها عند أهلها، قال : أفرأيت إن لم أستطع بعض العمل ؟ قال : تعين ضائعا، أو تصنع لأخرق، قال: أفرأيت إن ضعفت ؟ قال : تدع الناس من الشر، فإنها صدقة تصدقها على نفسك ).
هذا الحديث جمع خصالا من العلم والفقه كثيرة ، حيث سئل الرسول صلوات الله وسلامه عليه من سائل فأجابه عليه الصلاة والسلام كما هي حكمته وسياسته مع السائلين ، أجابه بما كان بحاجة إليه من الجواب كان السؤال: أي الأعمال خير؟ فكان الجواب منه عليه الصلاة السلام ما يأتي: ( إيمان بالله، وجهاد في سبيله ).
الأعمال بلا شك التي هي من أفضل الأعمال كثيرة وكثيرة جداً ولكننا نجد النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن أفضل الأعمال شيئين اثنين فقط ، الأول إيمان بالله ، والآخر جهاد في سبيل الله ، وما ذلك إلا أن النبي يعطي للسائل الجواب الذي هو بحاجة إليه، فيبدو أن السائل كان بحاجة إلى أن يقوي من إيمانه من جهة ، وإلى أن يبذل نفسه جهاداً في سبيل الله من جهة أخرى ، ولذلك أجابه بأن أفضل الأعمال هو: ( إيمان بالله وجهاد في سبيل الله ) .
13 - باب : " باب ما يجب من عون الملهوف " . شرح حديث أبي ذر رضي الله عنه : ( سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الأعمال خير قال إيمان بالله وجهاد في سبيله قال فأى الرقاب أفضل ... ) أستمع حفظ
فائدة : هل الإيمان مجرّد معرفة فقط أم يستلزم التصديق ؟
أما مجرّد المعرفة فهي ليس فيها عمل القلب إطلاقاً والمعرفة بالحق يستوي فيه المؤمنون والكافرون -خلوا أسئلتكم فيما بعد ، لأنه صار عندنا ثلاث أسئلة سنجيب عنها-
المعرفة يشترك فيها المسلمون المؤمنون والكافرون، وإنما يتميّز المؤمن على الكافر بالإيمان بهذا الذي عرفه ، ويجب أن تذكرن جيّداً هذا المعنى الدقيق الإيمان هو شيء أكبر من المعرفة ، المعرفة قد حكاها الله عز وجل في القرآن الكريم في أكثر من موطن واحد تارة بلفظها وتعارة بمعناها فهو مثلا يصف أهل الكتاب وبخاصة اليهود منهم بقوله تعالى : (( يعرفونه كما يعرفون أبناءهم )) يعرفون محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم أنه صادق في دعواه أنه هو المبعوث من الله تبارك وتعالى إلى جميع الخلق الإنس والجن ولكن ينكرون ذلك، اليهود يعرفون هذه الحقيقة ولكنهم يُنكرونها ، وأشار إلى مثل هذا الإنكار ربنا عز وجل بالنسبة لأقوام آخرين من المشركين الكافرين فقال عز وجل : (( وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم )) فهذا الاستيقان هو المعرفة هل تفيد صاحبها شيئاً ؟ الجواب: لا إلا أن يقترن مع المعرفة الإيمان الذي هو التصديق الجازم مع الخضوع والاستسلام لله عز وجل، هذا الإيمان إذن عمل قلبي ليس مجرّد معرفة ليس مجرّد خبر وصله الإنسان فوجد نفسه مضطراً لتصديقه ثم لم يتفاعل ولم يتذوق في قلبه وبالتالي في جوارحه مع هذا الخبر الذي صدّق به وآمن به ، وهنا النكتة حينما يجعل الرسول صلوات الله وسلامه عليه الإيمان أفضل الأعمال ، الإيمان بصريح هذا الحديث وأحاديث كثيرة جدّا في الصحيحين وغيرهما ( أفضل الأعمال : الإيمان ) فكيف والإيمان أمر قلبي ؟ إذن يجب أن نعرف أن هذا الإيمان الذي مقرّه القلب هو فعل قلبي حركة القلب يشعر بها المؤمن، ولذلك فكما تزداد أعمال الإنسان أعمال الجوارح وتنقص كذلك تماماً يزداد هذا الإيمان في القلب وينقص لأنه ليس مجرّد معرفة لا تقبل الزيادة ، وإنما هي معرفة مع الخضوع والإيمان الجازم ، هذا الإيمان المقرون مع الخضوع والخشوع هو الذي جعل الاختلاف قديما مع الأسف الشديد بين المسلمين هل يزيد وينقص أم لا ؟ ولكن لا جرَم أن جماهير علماء المسلمين صرّحوا بما تدل عليه الآيات الكثيرة من الكتاب والأحاديث النبوية ومنها هذا الحديث الذي نحن في صدد التعريج عليه الآن أن الإيمان يزيد وينقص، لأن الإيمان في القلب هو عمل القلب هذا العمل يزيد وينقص تماما كما هو الشأن في عمل القلب من الناحية المادية ، فكما أن هذا القلب يقوى ويضعف من الناحية المادية وهذا أمر مشهود عند الناس جميعا أصحاؤهم ومرضاهم ، كذلك الإيمان المستقر في هذا القلب هو أيضٌا يقبل الزيادة ويقبل النقص، فكان حرياً جداً أن يشير النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى هذه الحقيقة وهي أن هذا الإيمان الذي مقرّه القلب هو كالقلب نفسه من حيث هو مضغة يزيد وينقص، أشار إلى ذلك في الحديث الصحيح الذي هو قوله عليه الصلاة والسلام : ( إن الحلال بيّن وإن الحرام بيّن وبينهما أمور مشتبهات لا يعملوهن كثير من الناس ، فمن اتقى الشبهات فقد استبرء لدينه وعرضه، ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه، ألا ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب )
حينها يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الصحيح: ( في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ) لا يعني الصلاح المادي فقط بل هو قد فاقه مباشرة لبيان الصلاح المعنوي الصلاح الروحي كما يعبرون اليوم فقال: ( إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ) فهذا القلب كما قلنا آنفاً كما نه ينضح تارة بقوة ، وتارة بضعف وتارة ما بين ذلك كذلك الإيمان الذي مستقره في هذه المضغة أيضًا يزيد وينقص فلا يذهبن أحد من المسلمين إلى أن يقول إلى أن الإيمان لا يزيد وينقص فإن هذا من القول في الوقت الذي يعالج ويخالف مخالفةً صريحة عشرات النصوص من الكتاب والسنّة التي تصرّح بزيادة الإيمان، مع ذلك القول أيضًا تخالف هذه النكتة التي نحن بصدد شرحها وهي أن الإيمان عمل ومعلوم أن العمل يقبل الزيادة ويقبل النقص ، يقبل القوة ويقبل الضعف، والنكتة أو والثمرة التي ينبغي أن نجنيها من هذه المعرفة هذه النكتة من جعل الرسول صلوات الله وسلامه عليه الإيمان عملا الفائدة والثمرة من هذه المعرفة هي أن نزداد إيماناً على إيماننا، وذلك بأن نستكثر من الأعمال الصالحة التي هي السبب في تقوية الإيمان والعكس بالعكس، فالأعمال الطالحة والذنوب والمعاصي هي سبب لضعف هذا الإيمان وقد يزداد ضعفا على ضعف لينتهي الأمر لأن يموت هذا الإيمان وأن يفقده صاحبه، نسأل الله عز وجل أن يلهمنا رشدنا وأن يقوي إيماننا.
فائدة : الأصل في تفسير " الجهاد " أو " سبيل الله " إذا أطلقا في نصوص الشريعة .
والحديث عن أبي ذر قال: ( سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال خير؟ قال: ( إيمان بالله، وجهاد في سبيله، قال: فأي الرقاب أفضل؟ قال: أغلاها ثمنًا، وأنفسها عند أهلها، قال: أفرأيت إن لم أستطع بعض العمل؟ قال: تعين ضائعا، أو تصنع لأخرق، قال: أفرأيت إن ضعفت؟ قال: تدع الناس من الشر، فإنها صدقة تصدقها على نفسك ).
تكلمنا في الدرس الماضي بشيء من التفصيل عن الإيمان وذكرنا أن الإيمان ليس فقط عقيدة ، وإنما عقيدة وعمل أول هذا العمل عمل القلب ثم يُنضح على الجوارح.
والآن نقول : عطف الرسول صلوات الله وسلامه عليه على الإيمان وأنه من أفضل الأعمال فقال : ( وجهاد في سبيله ) ليس هنا كبير شيء ينبغي ذكره وتوضيحه إلا شيء واحد ، وهو أن الجهاد إذا أطلق في نصوص الشرع فالمقصود به القتال في سبيل الله عز وجل ، كذلك السبيل سبيل الله إذا أطلق فالمقصود به الجهاد في سبيل الله، إلا أنه كل من الجهاد ومن " سبيل الله أحياناً يأتي بمعنى أوسع وأعم من الجهاد الذي هو قتال الأعداء وسبيل الله الذي هو الجهاد في قتال الأعداء يأتي بما هو أعم من ذلك ، ولكن الأصل أن يُفسر لفظ الجهاد ولفظ سبيل الله قتال الأعداء ، فإن كان هناك قرينة تحملنا على تفسير الجهاد أو تفسير سبيل الله بمعنى أعم فعلنا، أما الأصل فهو تفسير الجهاد وتفسير سبيل الله بمعناه الضيق وهو قتال الأعداء.
مثلا هناك حديث أن رجلا من الصحابة مر على النبي صلى الله عليه وسلم وحوله بعض الصجابة ، فعجب أصحاب النبي من فتوة ومن جلد وقوة ذلك الصحابي الذي معهم فتمنوا أن يكون ذلك في سبيل الله ، تمنى أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام الذين حوله حينما مر بهم ذلك الرجل الشاب أن يكون هذا الشباب وأن تكون تلك القوة جهاداً في سبيل الله عز وجل، فقال صلوات الله وسلامه عليه إن كان هذا هذا الشاب الذي رأيتم من فتوته وقوته إذا كان هذا خرج يسعى على أولاد صغار له فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على شيخين كبيرين يعني أبويه فهو في سبيل الله فمثل هذا الحديث وسّع فيه معنى سبيل الله حتى سعي الرجل وراء رزقه لنفسه وأولاده وأبويه فهذا في سبيل الله ، لكن إذا جاءت لفظة سبيل الله وحدها فينبغي أن تُفسّر فقط بالجهاد أي قتال الأعداء .
من هنا يخطئ بعض المعاصرين من الكتّاب الإسلاميين حينما يأتون إلى آية مصاريف الزكاة : (( إنما الصدقات للفقراء والمساكين )) ووو في الأخير يقول: (( وفي سبيل الله )) يخطئون حين يفسرون في سبيل الله بالمعنى العام ، والمعنى هنا كما قلنا آنفا حينما يُطلق سبيل الله المقصود به الجهاد قتال الأعداء فقط أما هذا المعنى الواسع الذي ضربنا له مثلا بكتلة ذلك الرجل الجلد هذا المعنى الواسع لا بد له من دليل خاص، هنا آية الصدقات ومصارف الزكاة جاءت مطلقة في سبيل الله فيجب أن تُحمل على قتال الأعداء ولا سيما وقد نص الله عز وجل في هذه الآية على مصاريف الزكاة واحدة واحدة فكان مجموعها ثمانية : (( إنما الصدقات للفقراء والمساكين )) فلو أن الله عز وجل كان يعني بقوله : (( وفي سبيل الله )) ذلك المعى العام الشامل في كل سبل الخير لم يبق هناك فائدة من هذا التفصيل لم يبق بلاغة لهذا القرآن الكريم وهو أفصح كتاب على وجه الدنيا بطبيعة الحال كيف يقول : (( إنما الصدقات )) كذا وكذا وكذا وكذا ثم بعد ذلك يقول وفي سبيل الله بالمعنى الواسع أو هذا المعنى الواسع الذي يدخل فيه الفقراء والمساكين والعاملين وفي الرقاب وو إلى آخره، هذا تعطيل لفصاحة القرآن وبلاغته ، لا سيما والله عز وجل صدّر هذه الآية بقوله : (( إنما الصدقات )) وإنما هذه في علم اللغة للحصر ، إنما الصدقات يعني لا تُصرف الزكوات إلا في هذه الأصناف الثمانية ، فلو كان الله عز وجل يريد من قوله: (( وفي سبيل الله )) كل سبل الخير لعطّلنا أولا أدات الحصر "إنما" وثانياً هذا العد واحد إثنان ثلاثة ثمانية ما معنى وفي سبيل الله زعموا أنه بالمعنى الواسع ، لذلك هذا تفسير عصري جديد مبتع لا أصل له في الكتاب ولا في السنة ولا في تفسير الصحابة ولا في أقوال السلف الصالح، وإنما أوحى بها التفسير الجديد إلى هؤلاء الناس أوحت إليهم بذلك عواطفهم الإسلامية يريدون أن يُظهروا الإسلام بأنه شرع الزكاة وفرض الزكاة في كل سبل الخير تعمر مدرسة من مال الزكاة ، تبني مستشفى من مال الزكاة تبني جسور تعبّد الطرق كل هذه حيل فجعلوا ذلك من مصاريف الزكاة هذا خطأ الزكاة لا تُصرف إلا في نوع من هذه الأنواع الثمانية المنصوص عليها لفظا وحرفاً .
إذن قوله عليه السلام في هذا الحديث جوابا عن سؤال السائل : ( أي الأعمال خير ؟ قال : إيمان بالله، وجهاد في سبيله ) .
أي الجهاد هذا ؟ جهاد الأعداء، ذالك أن الإنسان يتعرض في هذا الجهاد ليبيع نفسه وهي أغلى شيء يملكه يبيعها رخيصة في سبيل الله عز وجل، لذلك كان هذا الجهاد مثل الإيمان في أنه أفضل الأعمال .
فائدة : بيان أقسام الجهاد.
قسم : فرض عين على كل من يستطيع حمل السلاح ، وهذا يكون حينما يهاجَم المسلمون في طرف من بلادهم الواسعة من الكفار فحينئذ يجب على كل مسلم أو على جماعة ما أن يخرجوا لفض ذلك الاعتداء، فإذا لم يكفي لهذا الصد إلا كل أفراد المسلمين فكل فرد من أفراد المسلمين فرض عليه أن يخرج لصد الأعداء ، هذا إذا لم يكف بعضهم ربعهم نصفهم إلى آخره، فهنا يكون لفرض مهاجمة الأعداء لبلاد الإسلام يكون هذا الجهاد لهؤلاء العداء بذاتهم فرض عين على كل من يستطيع أن بحمل السلاح حتى النساء في هذه الحالة يخرجن، ولكن لا يتمالق علينا اليوم زعموا من هذا الاختلاط ومن اختلاط صفوف الرجال بالنساء لا ، أولا النساء لا تخرج لتحمل السلاح وإنما لتسقي العطشى ولتداوي الجرحى ونحو ذلط من المساعدات التي تدخل في مهنة التطبيب المعروف اليوم .
أما النوع الثاني من الجهاد فهو : فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين ، هذا النوع من الجهاد هو لنقل دعوة الإسلام من قطر إلى آخر، بلاد الإسلام محدودة اليوم في هذه البلاد معروفة، فيجب أن يكون هناك ناس يجاهدون من أجل توسيع رقعة العالم الإسلامي وطبعا هذا له تفصيل في كتب الحديث والفقه ، وأول ما ينبغي على المسلمين أن يدعوا البلاد الأخرى إلى الإسلام باللسان بالدعوة بالكلام ، وهذا الجهاد النوع الثاني الذي هو فرض كفاية هو الجهاد يبدأ بجهاد اللسان يعني يذهب دعاة إسلاميون من بلاد الإسلام إلى بلاد الكفر ليدعوا فإذا أعطوا تلك الدول الكافرة إذا أعطت الحرية للدعاة الإسلاميين فحينئذ يستثني المسلمون من الجهاد باللسان لأن السيف ليس يُشرع في الإسلام إلا ضرورة، فإذا أخذ الدعاة الإسلاميون حرّيتهم في الدعوة إلى الإسلام في بلاد الكفر فنحن نستبشر خيراً وسيكون المستقبل للإسلام في تلك البلاد، أما إذا حال الحكام في تلك البلاد بين الدعاة الإسلاميين والدعوة للإسلام فحينئذ لا يقوم مقام اللسان إلا السنان وهذا هو جهاد فرض كفاية بمقدار ما ينتشر هذا الإسلام، هذا الجهاد في سبيل الله الذي ذكر في هذا الحديث إذن يشمل نوعين ما كان فرض عين وهذا يكون إذا هوجمت البلاد الإسلامية .
فائدة : سبب تخاذل المسلمين عن نصرة أرض فلسطين وتحريرها من اليهود .
وواجب المسلمين اليوم كلهم أن يخرجوا لإخراج اليهود من بلاد فلسطين ولكن أين هؤلاء المسلمين اليوم؟ كأنهم لا وجود لهم ، والحقيقة أمرهم كما قال عليه الصلاة والسلام: ( تتداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها قالوا: أومن قلة نحن يا رسول الله ؟ قال : بل أنتم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ) فهؤلاء المسلمين اليوم يعدون ثمانمئة مليون مسلم أو أكثر، ولكن الرسول عليه السلام وصفهم كأنه شاهد عيان : ( ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله الرهبة من صدور عدوكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن ) اسمعن كيف الرسول يصف الواقع الآن تماماً ( وليقذفن في قلوبكم الوهن، قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حبّ الدنيا وكراهية الموت )
هذا هو الذي أهلك المسلمين اليوم ، وهذا هو الذي أذلّهم حيث لم يستطيعوا أن يمنعوا استيلاء الشرذمة من اليهود على بلادهم فلسطين، لأنهم يحبون الدنيا ليس الأفراد فقط بل من الرؤوس والمرؤسين جميعا، فنسأل الله أن يفهّمنا إسلامنا فهما صحيحاً وأن يلهمنا العمل به إنه سميع مجيب .
تتمة شرح حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما : ( ... أي الرقاب أفضل ؟ قال : أغلاها ثمنا، وأنفسها عند أهلها ... )
عن أبي ذر: ( سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال خير؟ قال : إيمان بالله، وجهاد في سبيله، قيل: فأي الرقاب أفضل؟ قال : أغلاها ثمنا، وأنفسها عند أهلها، قال : أفرأيت إن لم أستطع بعض العمل ؟ قال : فتعين ضائعا، أو تصنع لأخرق، قال : أفرأيت إن ضعفت ؟ قال : تدع الناس من الشر، فإنها صدقة تصدقها على نفسك ).
فقوله عليه السلام جوابًا على سؤال السائل أي الرقاب أفضل ؟ قال: ( أغلاها ثمنا، وأنفسها عند أهلها ) هذا الجواب في الواقع كأنه مقتبس ومستقاً من قوله تبارك وتعالى : (( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون )) حيث قال عليه السلام: ( أغلاها ثمنا، وأنفسها عند أهلها ) وهذه قاعدة وهي أن أفضل الصدقة إنما هي التي يتعلق بها نفس الإنسان وقلبه، ولذلك قال عليه السلام جوابا عن سؤال سأل عن أفضل الرقاب: ( أغلاها ثمنا، وأنفسها عند أهلها ) وهذا هو تمام البر كما أشارت الآية السابقة حين قال تعالى : (( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون )) أي: لن تنالوا البر الكامل هذا هو معنى الآية ، وإلا فكل نفقة ينفقها صاحبها فله على ذلك أجرها اللائق بها، فإذا أنفق الإنسان شيئًا مكروها عنده لكن له وقعه في نفس المتصدَّق عليه فله أجر ذلك، ولكن الأجر الكامل والأتم أن يتصدق الإنسان بما يحبه وبما نفسه تتعلق به، فهذه الصدقة هي الأفضل.
كذلك إذا كان الإنسان يوم كان المسلمون ليس يومنا هذا يوم كان المسلمون يجاهدون في سبيل الله عز وجل ويتحقق عندهم الأسرى بطريق الحرب الإسلامية الشرعية، فيسترِقُّ المسلمون أبناءهم ونساءهم من الأرقّاء ويستعينون بهؤلاء على خدمة أنفسهم وخدمة أزواجهم وأولادهم، فإذا ما شعر السيّد بحاجتهم إلى هذا العبد فالأفضل له أن يعتق هذا الذي تعلقت حاجته به، فهذا معنى قول الرسول عليه السلام جوابا على سؤال.