تتمة لباب : " باب باب النمام " . شرح حديث أسماء بنت يزيد رضي الله عنهما : ( ألا أخبركم بخياركم ؟ قالوا: بلى، قال: الذين إذا رؤوا ذكر الله ... )
أسماء بنت يزيد من الصحابيات الجليلات تروي لنا هذا الحديث .
قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ألا أخبركم بخياركم؟ قالوا: بلى، قال: الذين إذا رؤوا ذكر الله ) ما معنى هذا الكلام: ( الذين إذا رؤوا ذكر الله ) هذا يشير إلى قاعدة الظاهر والباطن يعني أن المسلم الذي هو حقيقة متمسك بإسلامه فإن الإسلام يتجلى على مظهره ، وقد كنت ذكرت في أكثر من مناسبة بعض الأحاديث الصحيحة التي تدلنا على ارتباط الظاهر بالباطن، ومن أشهر وأقوى هذه الأحاديث قوله عليه الصلاة والسلام في تمام الحديث المشهور أوله: ( إن الحلال بين وإن الحرام بيّن ) إلى آخره ، ثم قال عليه الصلاة والسلام : ( ألا وإن في الجسد كله وإذا صلحت صلح الجسد كله ألا وهي القلب ) فهذا الحديث ربط صلاح البدن بصلاح القلب، قريب جدا هذا الصلاح الظاهر والباطن الروح المعنوي لصلاح الجسد المادي ارتباطا بالقلب المادي كذلك القلب إذا كان سليما من الناحية الطبية في الغالب يكون البدن كذلك فأكثر الشأن تماما من الناحية المعنوية الروحية ، فالقلب إذا كان عامرا بالإيمان ممتلئا باليقين بما جاء به الإسلام ظهر أثر ذلك على جوارح هذا الإنسان، حينذاك إذا رؤي هذا الإنسان ذُكر الله لأنه يتجلى عليه آثار التقوى والصلاح على نفس ما قال الرسول صلوات الله وسلامه عليه في الحديث الصحيح: ( نضّر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها ثم بلغها كما سمعها فرب مبلّغ أوعى له من سامع ) الشاهد من هذا الحديث قوله : ( نضر الله امرأ ) هذا دعاء من النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالنضرة لهذا الذي سمع حديث الرسول عليه الصلاة والسلام ثم بلغه للمسلمين ذلك لأن يتفقّهوا فيه ، وقد علّم الرسول عليه السلام الأمر بالتنبيه بقوله: ( فرب مبلّغ أوعى له من سامع ) يقول علماء الحديث شرّاحه فقد استجاب الله عز وجل دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك النضرة هذه ُرى على وجوه المهتمين بالحديث .
هكذا أيضًا كل رجل قد عمّر قلبه بالإيمان الصادق ظهر أثره على بدنه فإذا رؤي برؤيا ذكر الله عز وجل لرؤيته، نحوه ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه سئل عن أحسن الناس لقراءة القرآن من أحسن الناس لقراءة القرآن ؟ قال عليه السلام : ( الذي إذا قرأ رؤي أنه يخشى الله ) أحسن الناس قراءة هو الذي إذا قرأ رؤي بمعنى ظن السامعون يظنون بأن هذا القرارئ هو يخشى الله فهذه حقيقة يشعر بها كل مؤمن مخلص لتلاوة إنسان اتخذ التلاوة كالمهن وتجارة عاجلة فهذا كأنه يتمهّن القرآن كأنما يترنّم به بينما إنسان يتلو كتاب الله عز وجل يشعر السامعين بأنه يقرأ وهو يخشى الله تبارك وتعالى . فخير الناس هو الذي إذا رؤي ذكر الله لرؤيته إما أن يكون رجلا صالحا متعبدا فحينما يراه الناس يتنبهون لصلاحه فيتمنون ما دام لا يزال في قلوبهم الإيمان يشع أن يكونوا مثله أو يكون آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر كذلك إذا رأوه تأثروا به وتفقهوا به فاستفادوا منه فكان هذا الذي يرى ذكر الله : خير الناس .
1 - تتمة لباب : " باب باب النمام " . شرح حديث أسماء بنت يزيد رضي الله عنهما : ( ألا أخبركم بخياركم ؟ قالوا: بلى، قال: الذين إذا رؤوا ذكر الله ... ) أستمع حفظ
تتمة شرح حديث أسماء بنت يزيد رضي الله عنهما : ( ... أفلا أخبركم بشراركم ؟ قالوا: بلى، قال: المشاؤون بالنميمة، المفسدون بين الأحبة، الباغون البرآء العنت ) .
المشاء صيغة مبالغة ، يعني أن ديدنهم دائما وأبداً أن يشرعوا لنقل الكلام المفسد كما ذكرنا ذلك في الدرس السابق بالإنسان الاخر للإيقاع بينهم والإفساد بينهم ، هؤلاء شرار الخلق، وينتج من ذلك أنهم يصبحون كما جاء في ذلك الحديث : ( المفسدون بين الأحبة ) فتجد شخصين أخوين متواخيين متصادقين بسبب سعي النمام القتات بينهما فلا يزال ينقل حديث من هذا إلى ذاك ومن ذاك إلى هذا حتى تقع الواقعة بينهما وتفسد العلاقة التلقائية الودية بينهما.
ومن أخلاق هؤلاء شرار الخلق شرار الناس ، الباغون أي الطالبون المتطلبون يتقصدون للبرآء جمع بريء على وزن علماء يطلبون لهم ماذا ؟ العنت : وهو الهلاك أو الأسباب التي تؤدي إلى هذا الهلاك ، إذن خير الناس الذين إذا رؤوا ذكر الله وشر الناس الذين يمشون بالنميمة يفسدون بين الأحبة يطلبون للأبرياء الهلاك والعنت .
2 - تتمة شرح حديث أسماء بنت يزيد رضي الله عنهما : ( ... أفلا أخبركم بشراركم ؟ قالوا: بلى، قال: المشاؤون بالنميمة، المفسدون بين الأحبة، الباغون البرآء العنت ) . أستمع حفظ
باب : " باب من سمع بفاحشة فأفشاها " . شرح حديث علي رضي الله عنه : ( القائل الفاحشة، والذي يشيع بها، في الإثم سواء ) .
باب " من سمع بفاحشة فأفشاها " .
ما عقابه وما جزاؤه ؟ روى بإسناد حسن .
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: ( القائل الفاحشة، والذي يشيع بها، في الإثم سواء ) .
الذي يتكلم بالكلمة الفاحشة يتهم فلانا أو فلانا بتهمة باطلة فيتلقفها رجل آخر أو امرأة أخرى فيذيعوها ويشيعوها فهذا المتلقف هو ذاك الأول الأفاك المبتدء هما في الإثم سواء .
وهذه جزئية تلتقي مع قاعدة كلية ، وهي التعاون على البر والتقوى مأمور به شرعا، والتعاون على الإثم والعدوان منهي عنه شرعا لذلك لعن الله في الخمرة عشرة : ولعن آكل الربا وآكله وكاتبه وشاهديه ، من هذا الباب تماما القائل الفاحشة املتكلم بها والذي يروجها ويشيعها هما في الإثم سواء، وهذا معناه أن للمسلم سواء كان ذكرا أو أنثى يجب أن يكون متيقظا لا يُلقي بالا لكل كلمة يسمعها ثم هو يلتقفها لا يفرّق بين حديث صدئ وبين حديث نظيف فهو يلتقف هذا الكلام ثم يذيعه بين الناس هما في الإثم سواء، فعلينا أن نتنبّه لكل ما يلقى على مسامعنا من كلام ولا نتسرّع في نقل هذا الكلام إلا بعد التثبّت لذلك قال تعالى في القرآن : (( يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين )) .
3 - باب : " باب من سمع بفاحشة فأفشاها " . شرح حديث علي رضي الله عنه : ( القائل الفاحشة، والذي يشيع بها، في الإثم سواء ) . أستمع حفظ
شرح أثر شبيل بن عوف : " كان يقال من سمع بفاحشة فأفشاها فهو فيها كالذى أبداها " و أثر عطاء : " كان يرى النكال على من أشاع الزنا، يقول: أشاع الفاحشة " .
عن شُبيل بن عوف قال: " كان يقال: من سمع بفاحشة فأفشاها، فهو فيها كالذي أبداها " نفس المعنى عن عطاء -وهو من كبار التابعين وهو ابن أبي رباح روى بإسناده الصحيح- أنه كان يرى النكال وهو العقاب " .
على من أشاع الزنا، يقول: أشاع الفاحشة "
يعني المشيع للزنا هنا الذي كان عطاء بن أبي رباح كان يرى معاقبته ليس هو الذي يرمي المحصنات مثل المؤمنات والمؤمنين ...وليس فيهم وإنما الذي يسمع هذا الكلام ثم يذيعه ويشيعه فهذا يستجق المعاقبة من الحاكم المسلم .
4 - شرح أثر شبيل بن عوف : " كان يقال من سمع بفاحشة فأفشاها فهو فيها كالذى أبداها " و أثر عطاء : " كان يرى النكال على من أشاع الزنا، يقول: أشاع الفاحشة " . أستمع حفظ
باب : " باب العياب " . شرح أثر علي بن أبي طالب : ( لا تكونوا عجلا مذاييع بذرا، فإن من ورائكم بلاء مبرحا مملحا، وأمورا متماحلة ردحا )
باب " العيّاب " .
أورد فيه بإسناده الصحيح .
عن حكيم بن سعد قال: سمعت عليا يقول: ( لا تكونوا عُجُلًا ) في ألفاظ غريبة جدا من الناحية العربية فيُرجى الانتباه لها.
( لا تكونوا عُجُلًا ) : جمع عجل مستعجل.
( مذاييع بُذرا، فإن من ورائكم بلاء مُبرِّحًا مملِحا، وأمورا متماحِلة رُدُحًا )
كأنه كلام أعجمي مع الأسف الشديد لبعدنا عن اللغة العربية ، والمقصود من هذا الكلام العربي الفصيح من علي بن أبي طالب ابن عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو نهي المسلم أن يكون من دأبه المسارعة إلى نقل عيوب الناس وإشاعتها بين الناس.
( لا تكونوا عُجُلًا مذاييع ) جمع مذياع والمذياع اليوم معروف اصطلاحا ما المراد به لأنه عنده الوسيلة البالغة في معرفة الأخبار في مختلف أقطار الدنيا فعلي رضي الله عنه ينصح المسلمين ألا يكونوا عجلا في إذاعة الأخبار عن عيوب بعض المسلمين .
بذرا كمان تأكيد للمعنى السابق هو الذي لا يستطيع أن يكتم السر ، وهذا يقع في كثير من الأحيان خلاف أدب الرسول عليه الصلاة والسلام الذي يقول : ( إنما المجالس بالأمانة ) ( إنما المجالس بالأمانة ) اثنان ثلاثة يجلسون مع بعضهم البعض يجرهم الحديث بأمور خاصة ، فيتحدث أحدهم بشيء يتعلق به بماله بزوجه بولده بشيء من متعلقاته ظنا منه بأن الذين في المجلس سوف لا يذيعون ذلك الخبر فإذا يصبح هذا الكلام بعد سويعات منتشر بين الناس ، هذا أدب غير إسلامي ، لذلك يقول : ( لا تكونوا عجلا مذاييع بذرا ) جمع بذور وهو الذي ينشر السر ولا يستطيع أن يكتمه، لماذا يقول علي هذه النصيحة ويوجهها للناس ؟
قال: ( فإن من ورائكم بلاء مبرحا ) هذه الكلمات كناية عن أنها كثيرة الضرر والإفساد و الإهلاك هذا البلاء الذي سيأتي فيما بعد .
كذلك قوله: ( وأموراً متمالحة ) وهي الفتن التي يأخذ بعضها برقاب بعض ( وتستمر ردحا ) وهي فتن ثقيلة وثقيلة جدا .
الخبر الأثر الذي بعده وكذلك الثاني كلاهما ضعيفان، بقي في الباب حديث صحيح وأثر حسن فنقرأ ذلك إن شاء الله في الدرس الآتي إن شاء الله تبارك وتعالى.
5 - باب : " باب العياب " . شرح أثر علي بن أبي طالب : ( لا تكونوا عجلا مذاييع بذرا، فإن من ورائكم بلاء مبرحا مملحا، وأمورا متماحلة ردحا ) أستمع حفظ
الكلام على إسناد أثرين عن بن عباس رضي الله عنهما قال : ( إذا أردت أن تذكر عيوب صاحبك فاذكر عيوب نفسك ) و ( في قوله عز وجل ولا تلمزوا أنفسكم قال لا يطعن بعضكم على بعض )
بقي في الباب حديث صحيح وأثر حسن فنقرأ ذلك إن شاء الله في الدرس الآتي إن شاء الله تبارك وتعالى.
6 - الكلام على إسناد أثرين عن بن عباس رضي الله عنهما قال : ( إذا أردت أن تذكر عيوب صاحبك فاذكر عيوب نفسك ) و ( في قوله عز وجل ولا تلمزوا أنفسكم قال لا يطعن بعضكم على بعض ) أستمع حفظ
شرح حديث أبي جبيرة بن الضحاك رضي الله عنه قال: ( فينا نزلت، في بني سلمة: (( ولا تنابزوا بالألقاب )) قال: قدم علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس منا رجل إلا له اسمان، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يا فلان ، فيقولون: يا رسول الله، إنه يغضب منه )
عن أبي جبيرة بن الضحاك قال: ( فينا نزلت، في بني سلمة: (( ولا تنابزوا بالألقاب )) قال: قدم علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس منا رجل إلا له اسمان، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يا فلان، فيقولون: يا رسول الله، إنه يغضب منه ).
الغرض من هذا الحديث شيئان الأول: بيان سبب نزول هذه الأية والآخر حكم شرعي، فسبب نزول هذه الأية كما يقول أبو جبيرة بن الضحاك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء المدينة كان عندهم عادة أن كل رجل له اسمان اسم حسن يرضاه واسم قبيح يرفضه ، فكان من عادتهم أن ينادي الرجل الآخر فيما إذا أراد أن ينتقم منه ناداه باسمه القييح ، وبالعكس إذا كان راضياً عنه ناداه باسمه الطيب ، لما جاء الرسول صلوات الله وسلامه عليه ووجد الناس ولهم هذه العادة وهو لا يلاحظ أنهم اعتادوا أن الرجل يُنادى باسم له وهو لا يرضاه، فنادى الرسول عليه السلام رجلا باسمه يعرفه أنه اسمه فقيل له يا رسول الله إنه يغضب لهذا الاسم ، فأنزل الله عز وجل : (( ولا تنابزوا بالألقاب )) هذا سبب نزول الآية ، ومعنى هذا أن الرجل الصالح ولا أصلح في الصالحين بعد نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم قد ينجر لبعض العادات السيئة لأنه لا يلاحظ فهذا رسولنا صلوات الله وسلامه وعليه ينادي بعض الناس باسم له لا يرضاه ، وهو عليه الصلاة والسلام ليس مسؤولا بهذه المناداة التي لا يرضاها المناجى ليس مسؤولا لأنه كان حديث عهد بالمدينة وسكّانها ومع ذلك فقد أنزل الله عز وجل هذه الآية الكريمة : (( ولا تنابزوا بالألقاب )) أي لا ينادي أحدكم أخاه باسم له لا يرضاه ، أو بلقب له ما تبّناه وإنما يناديه باسمه الذي سماه أبوه وأهله به.
فبالأولى والأحرى الآن يأتي الحكم الفقهي بالأولى والأحرى ألا يجوز للمسلم أن يتقصّد إيذاء أخيه المسلم بتلقيبه بلقب يزعجه ولا يرضاه، لأن الآية أعود أذكّر الآية نزلت عدم التنابز بالألقاب ولو كان ذلك من عادة الناس في بعض البلاد، فالله عز وجل أدب نبيه عليه السلام أحسن الأدب، ومن ذلك أن أنزل عليه هذه الآية (( ولا تنابزوا بالألقاب )) لا ينادي بعضكم بعضا بألقاب سيئة ولو كان لا يريد إزعاج وإغضاب ذاك الذي يلقبه ذاك اللقب الذي لا يرضاه، فمن باب أولى ألا يجوز في الإسلام ابتكار وابتداع لقب لإنسان مسلم بقصد إزعاجه وإغضابه .
فهذا أدب من آداب الإسلام نجد مع الأسف الشديد كثيرا من المسلمين قد ابتعدوا عن التأدب بأدبه فلا ينبغي للمسلم أن يلقّب أخاه المسلم بلقب لا يرضاه ولا يريده .
أنا أذكّر بلقب شاع وعم البلاد باتهام أمثالنا نحن الذين ندعو إلى اتباع الكتاب والسنة فيلقبوننا بالوهابيين، هذا التلقيب من حيث لفظه لا شيء فيه في الحقيقة ليس يشكل وإنما الشيء الكثير يأتي فيه من جهة قصد المستعمل له ، ذلك بأن لفظة الوهابي هو لفظ مبارك في الحقيقة لأنه نسبة إلى اسم من أسماء الله عز وجل ألا وهو الوهّاب فوهابي على وزن رباني لفظاً ومعنا فلان رباني معناه أن فلان منسوب إلى الله عز وجل ولا نسبة أشرف منها، كذلك وهابي نسبة إلى الوهاب وهو الله تبارك وتعالى ، فهذه النسبة وهذا التلقيب بالوهابي من حيث النسبة من أحسن الألقاب بل هو يدخل في نوع آخر من الآداب الإسلامية سيأتي لو كان المطلق به يعني ما يدل عليه هذا اللفظ ألا وهو باب التمادح فيدخل حينئذ إذا قلنا لإنسان أنت وهابي بالمعنى اللغوي الأصيل منه ، وقلنا أن ذلك كما لو قلنا له أنت رباني حينذاك ينتقل الموضوع وينقلب رأسا على عقب يدخل في باب قوله تعالى : (( ولا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى )) لكن الخطأ يأتي من هذا الاستعمال من جهة افتراض معنى سيء من هذه اللفظة الطيبة وهابي لأنه يساوي عندهم كأنه زنديق والعياذ بالله، وهم يصرحون مع الأسف بجهلهم بأن هذا الوهابي لا يحب الرسول ولا يصلي على الرسول ونحو ذلك من الافتراءات الكثيرة ، فتلقيب المسلم بمثل هذا اللقب يزعجه هذا مما نهى عنه الرسول عليه السلام وأدّب المسلمين بقوله : (( ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان )).
فربنا يذم الإثم الفاسق الخارج عن الأدب الإسلامي وعن طاعة الرسول عليه الصلاة والسلام فيجب أن نلاحظ هذا في كل استعمالاتنا بعضنا مع بعض فلا نلقب إنسانا بلقب أو باسم لا يرضاه ولا يحبه وإنما نناديه باسمه الذي اختاره هو لنفسه أو أهله له .
7 - شرح حديث أبي جبيرة بن الضحاك رضي الله عنه قال: ( فينا نزلت، في بني سلمة: (( ولا تنابزوا بالألقاب )) قال: قدم علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس منا رجل إلا له اسمان، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يا فلان ، فيقولون: يا رسول الله، إنه يغضب منه ) أستمع حفظ
شرح أثر ابن عباس رضي الله عنه : ( لا أدري أيهما جعل لصاحبه طعاما بن عباس أو بن عمر فبينا الجارية تعمل بين أيديهم إذ قال أحدهم لها يا زانية فقال مه ... )
عن عكرمة من تلامذة ابن عباس رضي الله عنهما قال عكرمة : " لا أدري أيهما جعل لصاحبه طعاما، ابن عباس أو ابن عمه " هذا تحفّظ هو يقول أحدهما ابن عباس أو ابن عمه صنع طعاما ودعا ناساً "، قال : " فبينا الجارية -الخادمة- تعمل بين أيديهم، إذ قال أحدهم لها: يا زانية -هذا لفظ الفسق الصريح- فقال: " مه " -يعني ابن عباس يقول يحذّر هذا القائل من هذه الكلمة- " إن لم تحدك في الدنيا تحدك في الآخرة " يشير بهذا إلى ان قول المسلم لأخيه المسلم أو أخته المسلمة يا زاني يا زانية هذه تهمة واتهام بالفاحشة والاتهام بالفاحشة يستحق الجلد عقوبة له في الدنيا والعذاب في الآخرة أشد وأبقى ، يقول ابن عباس لذلك الرجل الذي صدرت منه هذه اللفظة القبيحة وهذا النبذ باللقب القبيح يقفول له إن هذه الجارية وهي جارية عبدة مملوكة قد لا تستطيع أن ترفع أمرها إلى من يقيم الحد عليك من أجل اتهامك إياها فلا تغفل فإنها ستقيم هي الحد عليك في الآخرة، يعني أن الله عز وجل الذي لا يظلم الناس شيئا والذي يتساوى عنده الناس يوم القيامة فلا غني ولا فقير ولا سيد ولا مسود ولا رئيس ولا مرؤوس، بل هم كأسنان المشط سواء لا فرق بين أحد وأحد إطلاقا، فهناك إذا ما وضع الميزان يوم القيامة وحوسب الناس وتبين أن هذا الرجل اتهمها فعلا بأنها زانية فالله عز وجل يأخذ الحق لها منه ويعذبه بالمقدار الذي يستحقه، فهذا تحذير من ابن عباس للمسلم من أن يتلفظ بمثل هذه اللفظة فيعاقب عليها إما في الدنيا وإما في الاخرة، قال: " مه إن لم تحدك في الدنيا تحدك في الآخرة، قال: أفرأيت إن كان كذاك؟ قال: إن الله لا يحب الفاحش المتفحش " الرجل الذي قال عن الجارية وناداها بيا زانية يعود يسأل ابن عباس إذا كنت أنا أقول لها وهي كذلك، يعني هي ليست خادمة نظيفة وشريفة هي كما قال هو فإيش رأيك يا ابن عباس فهل أنا أعاقب كذلك لو أني وصفتها بما فيها؟ قال: " إن الله لا يحب الفاحش المتفحش " حسبك أنك تلفظت بلفظ فاحش سيء، يعني يقول هب أنها كما تقول لكن ماذا تفعل بهذا اللفظ الفاحش؟ كأنه يقول اجتنب هذه اللفظة حتى ولو أنك علمت أنها صادقة عليها وهي متصفة بها، فعليك أن تهذب لفظك وتحفظ لسانك.
8 - شرح أثر ابن عباس رضي الله عنه : ( لا أدري أيهما جعل لصاحبه طعاما بن عباس أو بن عمر فبينا الجارية تعمل بين أيديهم إذ قال أحدهم لها يا زانية فقال مه ... ) أستمع حفظ
شرح حديث ابن مسعود رضي الله عنه : ( ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء ) .
ثم قال:
وعن علقمة عن عبد الله وهذا الإسناد الثاني ، وعبد الله كما ذكرنا هو ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء ).
قبل أن يفوتني ولو بكلمة صغيرة عن الإسناد الأول نحن قلنا إن هذا الحديث صحيح، لكن نظرة ولو سريعة عن الإسناد الأول وهو روايته الأعمش عن أبي هريرة يتبين أن هذا الإسناد لا يصح لأن الأعمش لم يدرك أبا هريرة فهو إسناد منقطع ولو أن الحديث تفرد بهذا الإسناد أو لو أن هذا الإسناد تفرد بهذا الحديث لكان الحديث ضعيفاً لا يُحتج به ولا يجوز نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلأمر ما عطف البخاري فقال : " وعن علقمة " يعني أن الراوي لم يروه فقط عن الأعمش عن أبي هريرة بالإسناد المنقطع وإنما رواه أيضًا عن علقمة عن عبد الله بن مسعود، فرواية الأعمش عن أبي هريرة لهذا الحديث رواية منقطعة وروايته عن علقمة عن عبد الله متصلة فصح الحديث بالطريق الثاني لا بالأول.
الحديث لا يحتاج إلى تعليق وهو واضح بنفسه وقد مر معنا مرة أو أكثر من مرة ، ولفظه أعيده : ( ليس المؤمن بالطعان ) يعني الذي يطعن في الناس كثيرا وكثيرا بغير حق ( ولا اللعان ) يلعنهم ( ولا الفاحش ) في لفظه ( ولا البذي ) في لسانه.
9 - شرح حديث ابن مسعود رضي الله عنه : ( ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء ) . أستمع حفظ
فائدة : بيان بأن الطعن ينقسم إلى قسمين .
وقد أشار ابن عباس للرجل إلى أنه يجب عليه أن يتنكّب ويتجنب الطعن ولو كان بحق ، يعني لا يقول عن تلك الجارية بأنها زانية ولو كانت كذلك، وأما ذا كان الطعن بغير حق فهو ليس فقط يوصف بأنه ليس من الآداب الإسلامية ، بل هو ذنب من الكبائر ذلك لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول كما في صحيح مسلم : ( إن الله جميل يجب الجمال ) ومناسبة هذا الحديث أنه عليه الصلاة والسلام قال ابتداءً : ( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ) فسأله الصحابة الرجل يريد أن يلبس شيء جميل الحديث فيه تفصيل ذكرته في مناسبات مضت، فقال عليه السلام لا بأس من التزين ، وهذا ليس تكبراً إن كان لم يقترن معه تكبر لأن الله جميل يحب الجمال فسألوه إذن ما هو الكبر الذي من اتصف به لا يدخل الجنة ؟ فقال عليه السلام : ( الكبر بطر الحق وغمط الناس ) بطر الحق: ردّه بعد ظهوره، وغمط الناس: الطعن فيهم بغير حق، هنا الشاهد فإذا كان المؤمن ليس بالطعان أي ولو كان يطعن بحق فأولى وأولى ألا يطعن بغير حق فيكون قد اتخذ السبب الكبير لكي لا يدخل الجنة لقوله عليه السلام : ( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ) ثم فسر الكبر بأنه رد الحق بعد ظهوره والطعن في الناس بغير حق ، نسأل الله أن يخلقنا بالأخلاق الإسلامية وأن يؤدبنا بالآداب المحمدية .
باب : " باب ما جاء في التمادح " . شرح حديث أبا بكرة الثقافي رضي الله عنه : ( أن رجلا ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم فأثنى عليه رجل خيرا فقال النبي صلى الله عليه وسلم ويحك قطعت عنق صاحبك ... )
" باب ما جاء في التمادح " .
روى تحته بإسناده الصحيح .
عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه يعني أبا بكرة الثقفي من الصحابة المشهورين : ( أن رجلا ذكر عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأثنى عليه رجل خيرا، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ويحك قطعت عنق صاحبك ) يقوله مرارا، يعني يكرر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الجملة : ( ويحك قطعت عنق صاحبك ) ( ويحك قطعت عنق صاحبك ) مرارا على الأقل ثلاث مرات ، ثم أتبع ذلك عليه الصلاة والسلام بقوله : ( إن كان أحدكم مادحا لا محالة فليقل: ( أحسب كذا وكذا -إن كان يرى أنه كذلك- وحسيبه الله، ولا يزكي على الله أحدا ) في هذا الحديث أدب من الآداب الإسلامية التي هجرها جماهير المسلمين اليوم وليس ذلك فقط بل قلبوه رأسا على عقب ، ذلك أن في هذا الحديث أنه لا يجوز للمسلم أن يمدح أخاه المسلم في وجهه وذلك خشية أن يُفتتن بهذا المدح ، أما القدح واضح لأننا نتضرر يعني نحاول أ نجعل أنفسنا ضعفاء وأدباء بأن نمدحهم ولو بالباطل، بينما شرعا لا يجوز مدح المسلم لأخيه المسلم ولو بالحق، ولو كان لا بد مادحا له ولا يقطع بمدحه إياه وإنما يخفف وقع المدح في صاحبه بالتشكيك في عبارته بأن يقول : أظن فيه كذا وكذا ، مثلاً لا يصح أن نقول لإنسان نظنه صالحا : والله أنت رجل صالح والله أنت رجل طيب والله أنت ما في منك ونحو ذلك من العبارات التي يلهج بها جماهير الناس اليوم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
يقول الرسول صلوات الله وسلامه عليه في هذا الحديث للذي مدح صاحبه : ( ويحك قطعت عنق صاحبك ) أي أهلكته وفعلت فيه من الناحية المعنوية ما تفعل السكين أو السيف من الناحية المادية، فالسيف يقطع بها صاحبه عنق خصمه فمدحه لصاحبه يفعل فيه فعل سيفه بخصمه، لذلك قال عليه الصلاة والسلام : ( ويحك قطعت عنق صاحبك ) ولم يكتف النبي صلى الله عليه وسلم بكلمته هذه مرة واحدة وإنما أعادها مرارا وتكرارا : وهو يقول : ( ويحك قطعت عنق صاحبك ) وفي رواية ( ويحك اقعد قطعت عنق أخيك ) ( ويحك قطعت عنق أخيك ) أعادها ثلاثا.
ثم كأن الرسول عليه السلام قيّد هذا الإطلاق لأنه لو أنه صلى الله عليه وآله وسلم وقف عند هذه الجملة: ( ويحك قطعت عنق أخيك ) لكان لا يجوز المدح مطلقا، ولكنه لطّف بأمته فقال : ( إن كان أحدكم مادحا لا محالة فليقل: إني أحسبه كذا وكذا والله حسيبه ، ولا يزكي على الله أحدا ) أي لا يقطع بتزكية إنسان، لأن قول القائل في صاحبه سواء كان ذكر أو أنثى الحكم لا يختلف اللفظ جاء مطلقا فلان صالح كأنه كُشف له عن اللوح المحفوظ فجزم بأنه صالح فهذا معناه أنه يحكم على الله بأنه صالح وهذا بطبيعة الحال لا يجوز، لذلك قال عليه السلام ولا يزكي على الله أحدا، أي لا يحكم على الله بان فلان عنده مزكّى وطاهر وصالح ونظيف وغير ذلك من المعاني وإنما يمسك عن المد ولا يمدح مطلقاً.
لكن إن كان في وضع يشعر بأن هذا الإنسان في الواقع صالح لكن هو حكمه عليه بالصلاح إنما فيما بدا له فهو ما شق عن صدره ولا كشف عما في فؤاده وإنما حكم فيما ظهر له من عمله، فإذن بناءً على هذا الظاهر يقول أظنه كذا وكذا أحسبه كذا وكذا ولا يزكي على الله أحدا.
هذا الأدب يجب أن نرعاه اليوم ولو قيل ما يقال في مثل هذا الأدب في هذه الشدة وهذه مثلا ما فيها مرونة ما فيها نواحي من الليونة، فالإسلام ينظر إلى عواقب الأمور ، صحيح أن الإنسان إذا كان أثنى على غيره ربما رضي هذا الغير عليه ولكن ما فائدة رضاه إذا كان مدحه إياه أودى به وبصاحبه للنار، لذلك فليكن حرصنا ودأبنا دائما وأبدا على مرضاة الله عز وجل ولو أن ذلك أودى بنا إلى غير مرضاة غير الله عز وجل .
إذن الرسول عليه السلام يقول لمن كان لا بد يريد أن يمدح : ( إن كان أحدكم مادحا لا محالة فليقل: أحسب كذا وكذا - إن كان يرى أنه كذلك - ) ينبغي أن نلاحظ هذه الجملة ( إن كان يرى أنه كذلك ) يعني ما يجوز أن يقول عن الفاسق صالح وهو عندنا فاسق ، لكن إن كنا نظن إنساناً بأنه صالح نقول نظن أنه صالح، أما الفاسق فلا يجوز أبدا مدحه ولذلك قال الرسول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح : ( إذا قلتم للمنافق سيدنا فقد أغضبتم الرب تبارك وتعالى ) (إذا قلتم للمنافق سيد ) يعني رئيسنا ومحترمنا ومعظّمنا ( فقد أغضبتم الله تبارك وتعالى ) فهذا المدح أن نقول بعبارة التشكك والتردد أحسبه كذا محله فيمن نراه كذلك فيمن نراه أن يُمدح، أما إن كنا لا نراه كذلك فلا يجوز أن نمدحه إطلاقاً لأننا إذا قلنا أحسبه كذا وكذا والواقع أننا لا نظنه كذا وكذا فقد كذبنا على أنفسنا وكذبنا على غيرنا، لذلك ففي هذا الحديث في الواقع أدب كبير ما أجدرنا اليوم أن نتأدب به في مجتمعنا هذا الذي كاد يصبح مجتمعا غير إسلامي.
11 - باب : " باب ما جاء في التمادح " . شرح حديث أبا بكرة الثقافي رضي الله عنه : ( أن رجلا ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم فأثنى عليه رجل خيرا فقال النبي صلى الله عليه وسلم ويحك قطعت عنق صاحبك ... ) أستمع حفظ
قراءة حديث أبي موسى رضي الله عنه : ( سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يثنى على رجل ويطريه فقال النبي صلى الله عليه وسلم أهلكتم أو قطعتم ظهر الرجل ) .
عنه قال: ( سمع النبي صلى الله عليه وسلم يوماً رجلا يُثني على رجل ويُطريه، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أهلكتم أو قطعتم عنق الرجل ) .
هذا بمعنى الحديث السابق ولا يحتاج إلى زيادة كلام.
( أهلكتم أو قطعتم عنق الرجل ) أي بثنائكم عليه ومدحكم إياه في وجهه.
تأدب أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الأدب النبوي، وسلكوا مسلكه في الإنكار على من سمعوه يمدح غيره
12 - قراءة حديث أبي موسى رضي الله عنه : ( سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يثنى على رجل ويطريه فقال النبي صلى الله عليه وسلم أهلكتم أو قطعتم ظهر الرجل ) . أستمع حفظ
شرح أثر يزيد رضي الله عنه : ( أثنى رجل على رجل في وجه عمر بن الخطاب ، فقال: عقرت الرجل، عقرك الله )
إبراهيم بن يزيد فاسم أبيه يزيد- قال: ( كنا جلوسا عند عمر، فأثنى رجل على رجل في وجهه، فقال: عقرت الرجل، عقرك الله ) .
هذه شدة عمر رضي الله عنه ، ( عقرت الرجل ) بمعنى قطعته المنصوص عليه بالحديث السابق، لكن هو زاد على ذلك في الدعاء على هذا الذي يمدح ذاك الرجل بقوله إياه : ( عقرك الله ) أي ذبحك وأهلكك ، لماذا يقول عمر هذا ؟ لأنه لم يتأدب بأدب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، لأنه لم يقل حينما أثنى أظنك كذا وكذا وإنما جزم ، ولعل عمر رضي الله عنه كان قد سبق أن علم من هذا الرجل المادح أنه يعلم أن الجزم بالمدح في وجه الممدوح لا يجوز شرعا ولذلك قطع عليه فدعى عليه بقوله : ( عقرك الله ) .
13 - شرح أثر يزيد رضي الله عنه : ( أثنى رجل على رجل في وجه عمر بن الخطاب ، فقال: عقرت الرجل، عقرك الله ) أستمع حفظ
شرح أثر عمر رضي الله عنه : ( المدح ذبح ) .
عن زيد بن أسلم عن أبيه أسلم وهو أسلم مولى عمر رضي الله عنه : قال: سمعت عمر يقول: ( المدح ذِبح ) .
وهذا الذي قاله عمر هو في الواقع قد ثبت مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقد جاء في *صحيح مسلم* عنه صلى الله عليه وسلم أنه ثال : ( المدح هو الذبح ، المدح هو الذبح ، المدح هو الذبح ) كررها أيضًا ثلاثاً ثم قال عليه السلام : ( إن كان أحدكم لا بد مادحا أخاه فليقل إني أحسبه كذا وكذا والله حسيبه ولا أزكي على الله أحدا ).
شرح باب : " باب من أثنى على صاحبه إن كان آمنا به "
كان المؤلف رحمه الله في الدرس الماضي عقد باباً في ما جاء في التمادح ، وذكر تحته بعض الأحاديث المرفوعة وأخرى موقوفة لعدم جواز مدح الإنسان في وجهه، وكنا أنهينا الدرس لافتين النظر إلى أن المؤلف قد عقد باباً آخر بعد الباب السابق وهو :
"باب من أثنى على صاحبه إن كان آمنا به " .
فهذا الباب فيه تقييد لعموم الباب السابق أو البحث السابق ، فالبحث السابق كان يعطينا في أحاديثه وآثاره أنه لا يجوز أن يمدح المسلم أخاه المسلم في وجهه فهذا مطلق: ( المدح الذّبح ) إذن لا يجوز المدح مطلقا، يا ترى هل عدم هذا الجواز هو على إطلاقه أم يدخل تحته استثناء ؟
الجواب: نعم ، النهي السابق عن أن يدح المسلم أخاه المسلم في وجهه له استثناء ، ما هذا الاستثناء ؟ أشار إليه المصنف بهذا الباب ثم بذكره تحته الحديث الآتي قال: " باب من أثنى على صاحبه إن كان آمنا به " يعني من كان آمناً بصاحبه أنه إذا مدحه في وجهه لا يكون سببا لإفتانه وبالإضرار به حينذلك يجوز مدحه في وجهه.
شرح حديث أبي هريرة رضي الله عنه : ( قال : نعم الرجل أبو بكر نعم الرجل عمر نعم الرجل أبو عبيدة نعم الرجل أسيد بن حضير ... )
عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( نعم الرجل أبو بكر ) .
هذا في غاية المدح ، ( ونعم الرجل عمر، نعم الرجل أبو عبيدة، نعم الرجل أسيد بن حضير، نعم الرجل ثابت بن قيس بن شماس، نعم الرجل معاذ بن عمرو بن الجموح، نعم الرجل معاذ بن جبل ) . قال يعني الرسول عليه السلام : ( وبئس الرجل فلان، وبئس الرجل فلان حتى عد سبعة ) فنرى في هذا الحديث الصحيح أن الرسول عليه السلام مدح بضعة من أصحابه المسلمين ، فقال: ( نعم الرجل أبو بكر، نعم الرجل عمر ) وهكذا ويشبه هذا المدح بل ذاك منتهى المدح حين قال عليه السلام : ( النبي في الجنة وأبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعلي في الجنة وطلحة في الجنة ) حتى عد تمام العشرة المبشرين بالجنة ، ومن هذا الحديث أخذ الخطباء حينما يترضون عن العشرة المبّشرين بالجنة، المبّشرين بالجنة من الذي بشرهم بالجنة ؟ هو الرسول عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث الصحيح.
( النبي في الجنة وأبو بكر في الجنة ) إلى أن أتم عدد العشرة ، لا شك أن في هذا الإخبار بل في هذا التبشير من الرسول صلوات الله وسلامه عليه لهؤلاء الصحابة بأنهم من أهل الجنة غاية المدح والثناء.
فكيف هذا وقد سبق معنا في الدرس الماضي ثوله عليه السلام: ( المدح هو الذبح ) وقال لمن مدح أخاه في وجهه : ( قطعت عنق أخيك ) الجواب ما أشار إليه المؤلف البخاري رحمه الله في الباب حين قال: " من أثنى على صاحبه إن كان آمناً به " فثناء الرسول عليه السلام على هؤلاء الأشخاص الذين ذكروا في هذا الحديث وعلى العشرة المبشرين بالجنة الذين ورد ذكرهم في الحديث الذي سقت بعضه آنفاً هو تأكيد لهذا الاستثناء الذي أشار إليه المصنف في الباب، فإذا نحن ضممنا هذا الباب إلى الباب السابق خرجنا بنتيجة غير النتيجة التي أخذناها في الدرس الماضي، في الدرس الماضي أخذنا نتيجة أنه لا يجوز مدح الرجل في وجهه مطلقا، الآن نأخذ نتيجة غير هذه النتيجة أو بالأحرى نأخذ نتيجة تقيد النتيجة السابقة، وخلاصة ذلك هو أنه لا يحوز مدح الرجل الرجلَ في وجهه إلا في حالة كون المادح يأمن الإفتان والإضرار لمن يمدحه في وجهه.
وهذا بطبيعة الحال لا يتحقق إلا مع ناس يعني في غاية الخلق الإسلامي، وهذا الخلق الإسلامي عادة لا يتجلى في الإنسان إلا إذا بلغ سنا معيًّا، أما إذا كان شابا وصالحا فلا يجوز مدحه إطلاقا لأنه الآن هو في دور مشوب وفي دور التربية، فإذا ما مُدح فيُخشى أن يفسد الشيطان في قلبه فيخرجه عن الصراط المستقيم الذي هو سالك فيه.
إذن يجب أن نقلل من ثنائنا ومدحنا لغيرنا وهذا هو الأصل ، وإذا كان لا بد من الثناء على الغير فيجب أن ننظر في هذا الغير هل هو ممن يخشى أن يُضر بنفسه أم لا ؟ فإذا غلب على ظننا أن الرجل شبعان مدحاً شبعان ثناءً وكل ذلك لا يؤثر مثلا في منطلقه في حياته ومستقيم في سبيله إلى ربه ، حينذاك يجوز المدح للأوصاف ال... والأحاديث كثيرة جدا في ثناء الرسول عليه السلام على كثير من الصحابة مثل هذا الثناء الذي هنا وغير ما ذكرت.
مثلاً قال عليه الصلاة والسلام : ( لا يدخل النار أحد من أصحاب الشجرة الذين بايعوا تحتها ) فهذا مثال المدح كما قلنا : ( لا يدخل النار ) هذا إخبار من النبي الصادق أن أحداً من أصحاب الشجرة الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم تحتها لا يدخلوا النار أبداً .
لماذا مدحهم الرسول عليه السلام؟ لسببين توفرا واجتمعا الأول أنهم يستحقون هذا المدح لأن الرسول لا يتكلم إلا بوحي السماء، والآخر أن الرسول عليه السلام لا يخشى فتنة هؤلاء الصحابة لأنهم آمنوا بالله ورسوله حقاً .
أحيانا يمدح الرسول عليه السلام مع إلفات النظر إلى تقصير هذا الممدوح ، فهو قال مرة : ( نعم العبد فلان ) ابن عمر يعني عبد الله بن عمر بن الخطاب ( لو أنه كان يقوم من الليل ) فلم يعد بعد ذلك يدع صلاة الليل ، فمدحه من جانب وبين النقص الذي فيه ولو في النافلة من جانب آخر فحضه على أمر زاده صلاحا وتقى.
16 - شرح حديث أبي هريرة رضي الله عنه : ( قال : نعم الرجل أبو بكر نعم الرجل عمر نعم الرجل أبو عبيدة نعم الرجل أسيد بن حضير ... ) أستمع حفظ
تتمة شرح حديث أبي هريرة رضي الله عنه : ( ... وبئس الرجل فلان، وبئس الرجل فلان ) .
الكلام على إسناد حديث عائشة رضي الله عنها : ( استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بئس بن العشيرة فلما دخل هش له وانبسط إليه ... )
هذا الحديث الذي قد تسمعونه يتضمن قصتين : القصة الأولى ذم الرسول لرجل استأذن عليه والقصة الأخرى : مدح الرسول لرجل آخر استأذن عليه. القصة الأولى وردت في * صحيح البخاري ومسلم * القصة الأخرى لم ترد في * صحيح البخاري ومسلم * ، وإنما وردت في هذا الكتاب الأدب المفرد للبخاري وبإسناد فيه محمد بن فُليح قال حدثنا أبي عن عبد الله بن عبد الرحمن، هؤلاء الثلاثة : محمد بن فُليح عن أبيه عن عبد الله بن عبد الرحمن ثلاثتهم متكلّم فيه من قبل حفظه فأحدهم زاد في هذا الحديث ما ليس منه ، الحديث الصحيح هو كما سأقرؤه : أن عائشة قالت: ( استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وآله سلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله سلم: بئس ابن العشيرة، فلما دخل هش له وانبسط إليه ) إلى هنا الحديث صحيح، تمامه : " فلما خرج الرجل استأذن آخر، هذا ضعيف " قال: " نعم ابن العشيرة، فلما دخل لم ينبسط إليه كما انبسط إلى الآخر، ولم يهش إليه كما هش للآخر "، ( فلما خرج قلت: يا رسول الله، قلت لفلان ثم هششت إليه، وبسطت وقلت لفلان يعني الرجل الصالح الطيب قال فيه نعم الرجل فلان فلم أرك صنعت معه مثله يعني ما هششت غليه ولا انبسطت إليه يعني ما انتقدته ، فقال عليه الصلاة والسلام : ( يا عائشة، إن من شر الناس من اتقي لفحشه ) هذا سياق الحديث بهذا الكتاب أما في الصحيحين فليس في هذا السياق إلا قصة الرجل الأول وقول عائشة للرسول عليه السلام : ( لما استأذن قلت بئس أخو العشيرة هو ، ولما دخل هششت إليه وانبسطت وقول الرسول عليه السلام لعائشة : ( إن من شر الناس من اتقي لفحشه ) إذن هذا الحديث لا نستطيع أن نقول صحيح كله ولا نستطيع أن نقول ضعيف كله ، وإنما نصفه الأول صحيح ونصفه الآخر غير صحيح لكن هذا التنصيص ليس بدقة لن لأن الجملة الأخيرة إن من شر الناس من اتقي لفحشه له علاقة بقصة الرجل الأول.
إذن الآن ألخّص الحديث الصحيح : إذا كان أحد منكن يكتب فالحديث الصحيح الآن هو كما سيأتي : ( استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بئس ابن العشيرة، فلما دخل هش له وانبسط إليه، فلما خرج قلت : القائلة هو عائشة : قلت يا رسول الله : قلت له كذا وكذا ثم هششت إليه فقال: يا عائشة إن من شر الناس من اتقي لفحشه ) هذا المقدار المقروء صحيح . الآن انظروا الخلط والخبط التخريج ، كتابي هذا أو نسختي أو طبعتي بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي يقول : حقق نصوصه ورتب أبوابه وأحاديثه وعلق عليه محمد فؤاد عبد الباقي، المعلق قال تخت الحديث : أخرجه البخاري في 78 كتاب الأدب وباب 38 لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفحّشا ، وأخرجه مسلم في كتاب 45 وهو كتاب البر والصلة والآداب رقم الحديث 48 ، لما يرجع الباحث إلى هذين الكتابين * صحيح البخاري * و* صحيح مسلم * يجد قصة الرجل الأول فقط ولا يجد عندهما قصة الرجل الآخ بل ولا عند غيرهما من أصجاب الكتب الستة، هذا يأتي من عدم التحقيق في التحقيق والإسراع في عزو الأحاديث إلى بعض مخرّجيه هذا ما يتعلق في تفصيل القول في حقيقة ها الحديث من حيث ما صح منه وما لم يصح .
وفي الدرس الآتي إن شاء الله سنتكلم عن شيء مما يتعلق بفقه الحديث .
18 - الكلام على إسناد حديث عائشة رضي الله عنها : ( استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بئس بن العشيرة فلما دخل هش له وانبسط إليه ... ) أستمع حفظ
شرح حديث عائشة رضي الله عنها : ( استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بئس بن العشيرة فلما دخل هش له وانبسط إليه ... )
فقال: ( إيذني له بئس أخو العشيرة ) ، وفي رواية أخرى : ( بئس ابن العشيرة هو )، إلى آخر الحديث ، ووعدنا في الدرس السابق بأن نتكلم على فقه الحديث ولو بإيجاز ، والذي أردت أن أذكره من هذا الحديث هو أن ظاهر الحديث يتنافى مع قول الرسول عليه السلام المعروف : ( الغيبة ذكرك أخاك بما يكره ) الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد ذكر هذا الرجل بما يكره بطبيعة الحال لأنه ذمّه بقوله : ( بئس أخو العشيرة هو ) فلا غرابة أن السيدة عائشة استغربت هذا الوصف من الرسول عليه السلام لذلك الرجل لأنها تعلم كما نحن تعلمنا من أمثالها من الصحابة من قوله عليه السلام : ( الغيبة ذكرك أخاك بما يكره ) فهي سمعت الرسول عليه السلام يذكر المستأذن بما يكره ، ولذلك فما كاد الرجل يخرج من عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى التفتت إليه السيدة عائشة تستوضحه عن الموقف المختلف الذي ظهر لها حيث أنه عليه السلام حينما استأذن رجل وصفه بالشر قال : ( بئس أخو العشيرة هو ) فلما دخل إليه واستقبله الرسول عليه السلام هش له وبشّ ، فهذه الهشاشة وهذه البشاشة لا تتفق أولا مع قوله قبل أن يدخل: ( بئس أخو العشيرة هو ) ثم هذا القول نفسه لا يتفق مع قوله عليه السلام: ( الغيبة ذكرك أخاك بما يكره ) فلما سألت السيدة عائشة النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن قوله: ( بئس أخو العشيرة هو ) وعن هشاشته وبشاشته معه أجاب بقوله عليه الصلاة والسلام : ( يا عائشة، إن من شر الناس عند الله عز وجل يوم القيامة من يتقيه الناس مخافة شره ) ومعنى هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول إن هذا الإنسان يخشى شره على ضعفاء المسلمين ولذلك فهو عليه الصلاة والسلام رأى من الحكمة ومن السياسة ألا يجابهه بما يستحقه من ذم خشية أن يخرج من عنده عليه الصلاة والسلام فيرمي غيظ قلبه بالانتقام من ضعفاء المسلمين ، فأشار عليه الصلاة والسلام بأن هذا الرجل شرير ( إن شر الناس عند الله تبارك وتعالى يوم القيامة من يتقيه الناس اتقاء شره ) فكأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال أخيرا للسيدة عائشة أنا قابلته بهشاشة وبشاشة لأقطع شره عن إخواننا المسلمين.
فإذن ذكر الرجل أحيانا في قفاه بما ليس فيه للكشف عن واقعه وتحذير الناس منه فهذا جائز شرعا ، وليس من الغيبة المحرمة وهذا ذكرته أكثر من مرة في مناسبات كثيرة، لكن هذا الحديث أيضًا من هذه المناسبات الصالحة والجيدة ونحن نسمع الرسول عليه السلام يستغيب هذا الإنسان بقوله : ( بئس أخو العشيرة هو ثم لما يدخل الرجل يهش إليه ويبش ، فتلك الغيبة هو لتعريف من كان في المجلس أو من كان يسمع قول الرسول كالسيدة عائشة لتعريفها بأن هذا الرجل تقي وهذا الرجل يُخشى شره على الناس لذلك قال : ( بئس ابن العشيرة ) ، أو ( بئس أخو العشيرة هو ) ولكن ما جاوبه الرسول عليه الصلام بهذا وإنما هش إليه وبش ليدفع الشر به قد يصدر منه فيما لو أن الرسول عليه السلام جابهه بالحقيقة التي صرح بها أمام الناس أو أمام السيدة عائشة قد جر الرجل إلى حديثه عليه الصلاة والسلام .
هذا ما كنت أردت يومئذ أن أنبه عليه من فقه الحديث .
19 - شرح حديث عائشة رضي الله عنها : ( استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بئس بن العشيرة فلما دخل هش له وانبسط إليه ... ) أستمع حفظ
باب : " باب يحثى في وجوه المداحين " . شرح حديث أبي معمر رضي الله عنه : ( قام رجل يثنى على أمير من الأمراء فجعل المقداد يحثى في وجهه التراب وقال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحثي في وجوه المداحين التراب )
باب: " يحثى في وجوه المداحين " .
يعني التراب، روى جته المصنف رحمه الله بإسناده الصحيح .
عن أبي معمر قال : قام رجل يثني على أمير من الأمراء، فجعل المقداد يحثي في وجهه التراب، وقال: ( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نحثي في وجوه المداحين التراب ) .
كان مر معنا في الدرس الماضي أحاديث في النهي عن مدح الرجل في وجهه، والآن هذا الباب عقده المصنف رحمه الله ليبين حكم المادح للآخر ماذا يُصنع بهذا المادح ؟ في هذا الحديث التصريح بأن الرسول عليه السلام أمر أن يُحثى في وجه ه التراب ، يعني يُقبض قبضة من التراب ثم يُضرب وجه هذا المادح ، عقوبة له عاجلة لهذا المادح في الدنيا قبل الآخرة ، هذا معنى الحديث أمرنا أن نحثي أي : نرميه بكمشة تراب في وجوه المداحين .
20 - باب : " باب يحثى في وجوه المداحين " . شرح حديث أبي معمر رضي الله عنه : ( قام رجل يثنى على أمير من الأمراء فجعل المقداد يحثى في وجهه التراب وقال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحثي في وجوه المداحين التراب ) أستمع حفظ
فائدة : ذكر اختلاف العلماء في تفسير حثو التراب في وجه المداحين.
أنه على ظاهره وهو كمشة تراب يُرمى بها وجه المادح، والآن أقول هنا مسألتان :
ما هو الراجح من هذه الأقوال الكثيرة في تفسير هذه الحثوة أو الحثية أهي على ظاهرها أو على التأويل المشار إليه ؟
من هذه التآويل مثلا يعني ما أريد أن أشوش أذهانكم بالأقوال الضعيفة .
لكن من هذه الأقوال أن هذا المادح أعطه مصاري لماذا ؟ لأنه من الفائق له وكأنك قطعت فمه، وفعلا في بعض الأحيان إذا كان شاعر يُخشى من سلاطة لسانه ومن هجوه للناس في شعره فيُعطى ومن هنا يسكت ، لذلك جاء في المثل العامي الثائر: " أطعم الفم تستحي العين " فهذا من التأويل الذي قيل في أمر الرسول عليه السلام بحثو التراب في وجوه المادحين، وهناك أقوال وأقوال كثيرة ما هو الصواب ؟
الصواب أن الحديث على ظاهره والدليل على ذلك أن راوي الحديث المقداد بن الأسود الذي هو من أصحاب الرسول طبق هذا الحديث على ظاهره ويُقال بل يقال هو الرسول عليه السلام الشاهد يرى ما يرى الغائب المقداد ابن الأسود سمع الرسول عليه السلام مباشرة يقول : ( احثوا في وجوه المداحين التراب ) ففهم منه أن المقصود بالحثو هو ظاهره ( والشاهد يرى ما لا يرى الغائب ) هذا حديث وذكره الرسول عليه السلام بمناسبة أن موسى صلوات الله وسلامه عليه لما ذهب لمناداة ربه عز وجل في جبل الطور ثم رجع فأخبر بأن قومه قد اتخذوا من بعده عجلا جسدا له خوار، فلم يتحرك منه ساكن ومضى في سبيله إلى أن جاء فرأى بعينه ما وصف له هناك أخذته العزة بالله عز وجل والغيرة فأخذ بلحية أخيه ... فموسى لما حُدّث ما تحرك لكن لما رأى بعينه تأثرفقال عليه السلام : ( الشاهد يرى ما لا يرى الغائب ) فالذي يسمع الكلام غير الذي يرى بعينه، فهنا الصحابي المقداد بن الأسود سمع من الرسول عليه السلام وشاهد حالة تحدثه بهذا الحديث : ( احثوا في وجوه المداحين التراب ) ففهم منه أن هذا الحثو مقصود بظاهره تماما فطبقه فعلا كما سمعتن : عن أبي معمر قال: قام رجل يثني على أمير من الأمراء، فجعل المقداد يحثي في وجهه التراب، يرميه بالتراب وكأنه يقول له اسكت اسكت لا تمدح لأن المدح في الوجه لا يجوز لأنه كما مر في أحاديث سبقت: ( المدح هو الذبح ) و( قطعت عنقه ) ونحو ذلك من التعابير.
شرح حديث ابن عمر رضي الله عنهما : ( أن رجلا كان يمدح رجلا عند بن عمر فجعل بن عمر يحثو التراب نحو فيه وقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب ) .
عن عطاء بن أبي رباح : ( أن رجلا كان يمدح رجلا عند ابن عمر فجعل ابن عمر يحثو التراب في وجهه وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب ) .
من هذين الحديثين اللذين يؤكدان أن معنى حثو التراب في وجوه المداحين على ظاهره وليس على تأويل من التآويل التي ذكرنا أحدها آنفا .من هنا نحن نأخذ منهجا في تفسير النصوص وليس غريبا عنكن.