تتمة لباب : " باب من زار قوما فطعم عندهم " . تتمة لشرح أثر أبي خلدة : " ... إن كان المسلمون إذا تزاوروا تجملوا." .
(( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )).
أما بعد :
فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
لا نزال في باب: " من زار قوما فطعم عندهم " .
وكان المؤلف رحمه الله قد ذكر أثرا .
عن أبي العالية : " أنه دخل عليه رجل عليه ثياب صوف فقال له أبو العالية : إنما هي ثياب الرهبان، إن كان المسلمون إذا تزاوروا تجملوا ".
فبمناسبة باب: " من زار قوما فطعم عندهم " .
ذكر هذا الأثر اللي يفيد القارئ بأن من الآداب الإسلامية أن المسلم إذا زار أخاه المسلم أو زار قوما أن يتجمل لهذه الزيارة وأن يلبس من أحسن ما لديه من الثياب .
فبمناسبة ذكره لهذا الأثر الذي يفيد أنه يستحب للمسلم أن يتزين لزيارة أخيه المسلم ذكر حديثين اثنين فيهما بيان أنه لا يجوز للرجال أن يتزينوا بلباس الحرير، حتى لا يسبق إلى ذهن القارئ حينما يقرأ هذا الأثر أنه إذا كانوا إذا زاروا تجملوا لا يخطر في باله أن هذا التجمل يحمل حتى لباس الحرير بالنسبة للرجال .
1 - تتمة لباب : " باب من زار قوما فطعم عندهم " . تتمة لشرح أثر أبي خلدة : " ... إن كان المسلمون إذا تزاوروا تجملوا." . أستمع حفظ
شرح حديث عبد الله مولى أسماء رضي الله عنها : ( أخرجت إلى أسماء جبة من طيالسة عليها لبنة شبر من ديباج وان فرجيها مكفوفان به فقالت هذه جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلبسها للوفود ويوم الجمعة ) .
عن عبد الله مولى أسماء قال: ( أخرجت إلي أسماء جبة من طيالسة عليها لبنة شبر من ديباج وإن فرجيها مكفوفان به ، فقالت: هذه جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلبسها للوفود ويوم الجمعة ) .
هذا هو الحديث الأول ، والحديث الآخر يرويه أيضا بإسناده الصحيح .
عن عبد الله بن عمر قال: ( وجد عمر حلة استبرق، فأتى بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: اشتر هذه والبسها عند الجمعة أو حين تقدم عليك الوفود فقال عليه السلام : إنما يلبسها من لا خلاق له في الآخرة، وأتي رسول الله -تمام الحديث- وأتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بحلل فأرسل إلى عمر بحلة وإلى أسامة بحلة وإلى علي بحلة فقال عمر : يا رسول الله أرسلت بها إلي لقد سمعتك تقول فيها ما قلت، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : تبيعها أو تقضي بها حاجتك ) .
انتهى الحديث الثاني.
نعود إلى تفسير غريب الحديث الأول ثم التعريج عليه وعلى الثاني بعد تفسير ما يحتاج من تفسير من جمل.
عبد الله مولى أسماء، أسماء هي بنت أبي بكر الصديق، يقول مولاها أي عبدها الذي كانت هي أعتقته، قال عبد الله : ( أخرجت إلي أسماء جبة من طيالسة ) .
الطيالسة : ثياب معروفة يومئذ يلبسونها، هذه الجبة تقول أسماء: ( عليها لبنة ) يعني قطعة بالطول اللبني وهذا الطول هو شبر، من ديباج يعني من حرير، جبة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أخرجتها السيدة عائشة وأرت هذه الجبة لمولاها عبد الله، تقول هذه جبة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم التي كان يلبسها، وإذا به يرى عليها لبنة أي قطعة شبر من ديباج من حرير، وإن فرجيها يعني كفيها مثل كم القيمص في عرفنا الحاضر له الفتحة هاي، الفتحة هي الفرج ، الظاهر قديما كان القميص لها ... أو الجبة لها شقين شق من قدام وشق من الخلف، هكذا يصف عبد الله أن هذه الجبة كانت عليها قطعة حرير مقدار شبر، ولهذه الجبة فرجين يعني شقين شق من قدام وشق من خلف.
( مكفوفان به ) نستطيع نقول مكفوفين بهذه القطعة من الحرير، فقالت أسماء لمولاها عبد الله : ( هذه جبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يلبسها للوفود ويوم الجمعة ) .
فدل هذا الحديث على شيئين اثنين:
الشيء الأول : وهو الذي له علاقة بالأثر السابق الذي قال أبو العالية: إن المسلمين كانوا يتجملون إذا زار بعضهم بعضا، فأتبع المؤلف ذلك الأثر بهذا الحديث ليدعم معنى الأثر الذي قبله يعني أبو العالية ما بيجيب شيء من عنده، هذا هو الحديث الثالث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول هذا الحديث أنه كان له جبة مكفوف كفيها بقطعة من حرير مقدار الشبر، وكانت هذه الجبة لا يلبسها الرسول صلوات الله وسلامه عليه دائما وأبدا وإنما هي مخصصة لاستقبال الوفود الذين يأتون إليه من أطراف البلاد يباعوه على الإسلام .
وأيضا كانت هذه الجبة يلبسها صلى الله عليه وآله وسلم يوم الجمعة، فدل هذا الحديث على ما صرح به أبو العالية في الأثر السابق في الدرس الماضي أنهم كانوا يستحبون أن يتزينوا إذا زار بعضهم بعضا، هذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتزين للوفود الذين يأتون لزيارته، وكان أيضا يخرج يوم الجمعة بهذه الجمعة التي لها شقين شق أمامي وشق من خلف وطرفيها من داخل مكفوفين من حرير.
هذا ما دل عليه الحديث أولا ألا وهو استحباب التزين باللباس الحسن لزيارة إخوانه المسلمين أو لاستقبال من قد يزوره في بيته.
الشيء الثاني الذي يدل عليه هذا الحديث فيه تخصيص الحديث التالي الثاني الذي قرأته عليكن آنفا .
وفيه أن لباس الحرير من يلبسه من الرجال فلا خلاق له في الآخرة .
في هذا الحديث وعيد شديد للرجال الذين يتزينون بلباس الحرير، ذلك لأنه قد ثبت في الأحاديث الكثيرة جدا أن الحرير محرم على الرجال مباح للنساء، فلا يجوز للرجل فإن كان يستحب له أن يتزين فلا يجوز له أن يتزين بما حرم الله عليه ومن ذلك لباسه لباس الحرير.
2 - شرح حديث عبد الله مولى أسماء رضي الله عنها : ( أخرجت إلى أسماء جبة من طيالسة عليها لبنة شبر من ديباج وان فرجيها مكفوفان به فقالت هذه جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلبسها للوفود ويوم الجمعة ) . أستمع حفظ
الجمع بين تحريم النبي صلى الله عليه وسلم الحرير على الرجال ولبسه لجبة فيها قطعة من حرير.
فإذن كيف لبس الرسول عليه السلام الجبة وفيها لبنة قطعة من شبر من حرير وهو قد حرم الحرير كما في الحديث الآتي ؟
الجواب: أن المحرم هو لباس الحرير هو كله حرير .
أما أن يستعمل الرجل قطعة من الحرير ليحفظ طرف الثوب من أن يهترئ لا ليتزين به ولا ليتجمل به فلا بأس من ذلك.
3 - الجمع بين تحريم النبي صلى الله عليه وسلم الحرير على الرجال ولبسه لجبة فيها قطعة من حرير. أستمع حفظ
شرح الشيخ للقاعدة الأصولية: " أنه إذا جاء نصان متعارضان كان أحدهما عاما والآخر خاصا استثني الخاص من العام ".
وبعبارة أخرى : إذا كان هناك نص عام بمعنى فيه معنى واسع، وهناك نص آخر فيه معنى ضيق، لكن هذا المعنى الضيق يخالف ذلك النص العارض في جزء من أجزائه ، في هذه الحالة يستثنى المعنى الأقل من المعنى الأكثر.
إذا نظرنا إلى حديث: ( يلبس الحرير من لا خلاق له في الآخرة ) إنما يلبس الحرير هنا أطلق الحرير، فدخل فيه القليل والكثير لا فرق في ذلك لأنه عمم وما خصص .
لكن في حديث لبس الرسول صلى الله عليه وآله وسلم تنصيص على أن الجبة لم تكن من الحرير إنما كانت الثياب طيالسة إلا أنه كان في طرفي كفي هذه الجبة قطعة حرير شبر مقياس شبر، هذه القطعة هي حرير، فيستثنى هذا الحرير القليل من الحرير الكثير المحرم .
فيقال بتعبير العلماء : قوله عليه الصلاة والسلام: ( يلبس الحرير من لا خلاق له في الآخرة ) عام يشمل كل حرير سواء كان كثيرا أو قليلا، لكن استثني القليل من هذا الحديث المحرم لبس القليل من الحرير، استثني من تحريم هذا النص بالقليل بحديث جبة الرسول عليه السلام التي كان عليها قليل من الحرير.
فيقال: الحرير لباسه ثوبا قميصا جبة هذا حرام بدليل هذا الحديث العام، لكن ليس كذلك إذا لبس الرجل ثوبا من القماش المباح فيه قطعة من حرير لفائدة الثوب هاي القطعة مثلا هنا ... فالحرير فيه مقاومة فإذا كانت هذه القطعة من حرير لصيانة الثوب من أن يتسرع إليه الفناء والاهتراء فلا بأس حينذاك باستعمال هذه القطعة من الحرير في الثوب الرذل .
أما أن يكون الثوب كله حريرا فذلك حرام بنص هذا الحديث وبغيره من الأحاديث الصريحة في تحريم الحرير على الرجال كالحديث المعروف ( أن الرسول عليه السلام خرج ذات يوم على أصحابه وفي إحدى يديه حرير وفي الأخرى ذهب فقال عليه الصلاة والسلام: هذان حرام على رجال أمتى حل لإناثها ) .
فإذا نحن استحضرنا هذا الحديث الأخير ( حل لإناثها ) ونظرنا إلى نص الحديث الثاني : ( إنما يلبسها من لا خلاق له في الآخرة ) يعني يلبس جبة الحرير من لا خلاق أي لا نصيب له في الآخرة.
4 - شرح الشيخ للقاعدة الأصولية: " أنه إذا جاء نصان متعارضان كان أحدهما عاما والآخر خاصا استثني الخاص من العام ". أستمع حفظ
ذكر الشيخ لقاعدة أصولية تتعلق بألفاظ العموم والخصوص تعين على فهم النصوص.
(( مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ )) بس الرجال ؟ بس النساء ؟ لا، مَن مِن صيغ العموم والشمول، كل من كان يريد العاجلة من النساء والرجال إلى آخر الآية .
فهنا ( من لبس الحرير في الدنيا فلا خلاق له في الآخرة ) مَن النساء والرجال، فإذن الحديث في دلالته الظاهرة يشمل حتى النساء، لكن هذا النص العام المحصور في لفظة من خصص بالحديث الذي ذكرته آنفا حينما قال : ( حل لإناثها ) لولا هذا التخصيص لهذا الحديث حينما فرق الحديث بين الرجال والنساء : ( هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثها ) فجاء هذا الحديث هنا : ( من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة ) يجب أن نجمع بين الحديثين ونخرج من الحديث بالنتيجة الآتية وهي : من لبس الحرير في الدنيا من الرجال لم يلبسه في الآخرة، من أين جئنا بهذا القيد: من لبس الحرير في الدنيا من الرجال ؟ من الحديث السابق الذي فيه تحريم الحرير على الرجال وإباحته على النساء، من هنا يظهر أن فهم لنصوص الكتاب والسنة تتطلب أن يتحقق الفاهم أو في الذي يريد أن يفهم نصوص الكتاب والسنة علما بما يسمى بعلم أصول الفقه وعلما بما يعرف بعلوم أو بآداب علوم العربية، لأنه لفظة " مَن " هنا تفيد العموم والشمول، فالإنسان لا يعلم حديث كل جمع فيها ، حرم الحرير أيضا على النساء، بينما هناك قد خصص التحريم بالرجال .
فيقال في هذا الحديث الخلاصة : من لبس الحرير في الدنيا من الرجال دون النساء وأن الرسول عليه السلام قد صرح بإباحة الحرير على النساء.
شرح حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : ( وجد عمر حلة استبرق فأتى بها النبي صلى الله عليه وسلم فقال اشتر هذه والبسها عند الجمعة أو حين تقدم عليك الوفود فقال عليه السلام إنما يلبسها من لا خلاق له في الآخرة ... ).
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: ( وجد عمر حلة استبرق ) الإستبرق هو نوع من الحرير الفاخر، عمر وجد حلة، الحلة هو ثوبين بالتعبير بمصطلح اليوم عليه طقم، يستر جزء منه القسم الأعلى من البدن والجزء الثاني القسم الأدنى من البدن، هذا الطقم يسمى باللغة العربية حلة، فعمر رأى في السوق رجل قد عرض حلة جميلة جدا ثوبين فأحبهما أن يكونا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وفي بعض روايات الحديث أن هذه الحلة عرضها للبيع رجل اسمه عطارد، وكان يأتي الملوك وينال منهم من عطياتهم وهباتهم، ويعرف الجميع أن عطايا الملوك بتكون فاخرة، فلما رأى عمر بن الخطاب هذه الحلة معروضة في السوق وهي من حلل كسرى وقيصر حلل الملوك اشتراها لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يلبسها ليتزين بها للوفود وليتزين بها يوم الجمعة إذا خطب بالناس .
لذلك قال ابن عمر فأتى أي عمر بها أي الحلة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال اشتر هذه البسها عند الجمعة أو حين تقدم عليك الوفود، فقال عليه السلام : ( إنما يلبسها من لا خلاق له في الآخرة ) أي: لا يليق لكل مسلم أن يلبس مثل هذه الحلة لأنها من حرير فضلا عن أنه لا يجوز له أن يلبسها لأن جزاء من يلبسها في الدنيا ألا يكون له نصيب في الآخرة.
( إنما يلبسها من لا خلاق ) أي: من لا نصيب له في الآخرة .
ما معنى هذا الحديث ؟ لا نصيب له في الآخرة يعني لا يدخل الجنة ؟ وإذا كان هذا هو المعنى فكيف يستقيم هذا المعنى مع الأحاديث الكثيرة التي تنص على أن المسلم يدخل الجنة مهما فعل مهما ارتكب المعاصي، فقوله عليه السلام: ( من قال لا إله إلا الله دخل الجنة، قال له أبو ذر: وإن زنى وإن سرق ؟ قال: وإن زنى وإن سرق، قال : وإن زنى وإن سرق ثلاث مرات، وفي كل مرة يقول الرسول عليه السلام: وإن زنى وإن سرق، آخر مرة قال: رغم أنفك يا أبا ذر ) .
كيف نوفق بين هذا الحديث الذي بين أيدينا وبين حديث أن ( من قال لا إله إلا الله دخل الجنة ) ؟ ذلك ما سيكون حديثنا في الدرس الآتي إن شاء الله تعالى.
6 - شرح حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : ( وجد عمر حلة استبرق فأتى بها النبي صلى الله عليه وسلم فقال اشتر هذه والبسها عند الجمعة أو حين تقدم عليك الوفود فقال عليه السلام إنما يلبسها من لا خلاق له في الآخرة ... ). أستمع حفظ
ما هو الصواب في تحديد السن في مسألة الرضاع ؟ وضرب أمثلة معاصرة تشبه صورة سالم مولى أبي حذيفة في إرضاع الكبير .
روى مسلم عن عائشة قال : ( دخل علي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعندي رجل قاعد، فاشتد ذلك عليه ورأيت الغضب في وجهه، قالت: فقلت: يا رسول الله إنه أخي من الرضاعة، قالت: فقال: انظرن إخوتكن من الرضاعة، فإنما الرضاعة من المجاعة )، وروى مسلم عن عائشة، قالت: جاءت سهلة بنت سهيل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إني أرى في وجه أبي حذيفة من دخول سالم وهو حليفه، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أرضعيه، قالت: وكيف أرضعه وهو رجل كبير ؟ فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: قد علمت أنه رجل كبير ).
السؤال: لقد اختلف العلماء في مسألة الرضاع بالنسبة لتحديد السن، فما هو الصواب أو الحكم الذي نعتمد عليه في مسألة الرضاع ؟
الجواب : هذه المسألة فعلا اختلف فيها العلماء كثيرا، والذي ينبغي ذكره باختصار في هذا الوقت الضيق، والكلام المناسب لما جاء في السؤال أن نذكر مذهبين اثنين .
المذهب الأول : مذهب الحنفية الذي يقول بأن من رضع في سن الرضاعة وهو حولان كاملان ولو مصة يصبح هذا الرضيع بهذه المصة ابنا للمرضعة وابنا لزوجها الذي كان حليبها بسببه .
مذهب آخر يقابله تماما يقول : الرضعة والثنتين والثلاثة والأربعة ما بيحرموا وإنما خمس رضعات مشبعات، وهذا هو القول الصحيح الذي جاء في * صحيح مسلم * أنه إنما يحرم خمس رضعات شبعات .
إذا عرفنا هذا التفصيل يسهل علينا أن نفهم الحديث الأول، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما دخل على عائشة وجد رجلا كبيرا عندها فرأيت في وجهه الكراهة كأنه أشعر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة أن هذا رجل غريب شو بيعمل عندك ؟ لا هو أخوكي ولا هو مثلا خالك من المحارم، فكان لما رأت هي الغضب في وجهه صلى الله عليه وسلم قالت : يا رسول الله إنه أخي من الرضاعة، والواقع أنه إذا ثبت أن هذا الرجل أخوها في الرضاعة ما لازم يغضب الإنسان أو يتأثر لأنه الرسول عليه السلام يقول : ( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ) فهذا أخوها من الرضاعة ولا شك في ذلك، لكن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يلفت النظر إلى أن الرضاعة مطلق الرضاعة لا يحرم مو مجرد ما واحد قال رضع، فهذا الأخ لعائشة رضع رضعة واحدة من أم عائشة فصار هو أخوها بهذه الرضاعة ؟ لا .
لذلك قال عليه السلام: ( انظرن إخوتكن من الرضاعة ) ليه ( فإنما الرضاعة من المجاعة ) بمعنى أن الرضاع الذي يحرم هو المشبع للطفل حينما يرضع يكون جائعا فيرضع ويرضع، أما هذا الطفل الذي مص مصة واحدة ما بيأثر لا بيغذيه ولا بينميه لا عظمه ولا لحمه وإنما الرضاعة من المجاعة يعني الرضاعة التي تحرم هي التي تشبع الرضيع، ففي هذا الحديث تنصيص صريح جدا لإبطال قول من يقول إن الرضعة مهما كانت ولو كانت قليلة تحرم، لا الرسول يقول: ( إنما الرضاعة من المجاعة ) وقد أكد ذلك عليه الصلاة والسلام في حديث آخر وهو الوارد في السؤال وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ( لا تحرم المصة ولا المصتان ولا الإملاجة ولا الإملاجتان ) وإن اللي بيقول الرضعة الواحدة تحرم خالف حديث عائشة هذا: ( إنما الرضاعة من المجاعة ) وخالف هذا الحديث الآخر: ( لا تحرم المصة ولا المصتان ولا الإملاجة ولا الإملاجتان ) .
الحديث الثالث وهو في * صحيح مسلم * ولذلك لم يأخذ به أكثر العلماء، لكن الحقيقة أن لهذا الحديث محلا من الفقه عظيما جدا حيث تحل به بعض المشاكل التي يحاول بعض الناس حلها بطريق الاحتيال على الشرع، هذا الحديث يقول: جاءت سهلة بنت سهيل صحابية جليلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إني أرى في وجه أبي حذيفة أي زوجها من دخول سالم أي عبدهما، وهذا هو المقصود من قوله في الرواية: وهو حليفه، يعني مولاه عبده وقد أعتقه، زوج أبي حذيفة تأتي إلى الرسول عليه السلام تشكو وضع عائلي، هذه العائلة مؤلفة من زوجين وهذا العبد، حيث هذا العبد كلما دخل على سهلة هذه يتغير وجه زوجها أبي حذيفة، فهي تشكو هذا الأمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، هي لا تريد أن ترى في وجه زوجها أثر هذا الغضب والزعل كما يقال اليوم، فتريد أن تذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحل لها هذه المشكلة، فكان الجواب لحل هذه المشكلة جوابا غريبا بالنسبة لهذه المرأة بل بالنسبة لكل النساء حينما قال لها: ( أرضعيه ) على التعبير الثاني بكون الجواب يختلف ... هكذا كان ( أرضعيه، قالت: فكيف أرضعه وهو رجل كبير؟ فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: قد علمت أنه رجل كبير ) انتهى، شو معنى هذا ؟ كأنه يقول لها: أنا بشوف مثل بتشوفي أنت أن هذا رجل كبير ! لكن الآن الحكم الشرعي، أنا أعني ما أقول، هذا الرجل الكبير أرضعيه تحرمي عليه فيزول ما تشعرين به من زعل وغضب زوجك هذا فيزول بعد أن ترضعيه .
جاء في حديث آخر هذه الرواية مختصرة أنها فعلت ذلك وأرضعت الرجل الكبير فزال ما في نفس أبي حذيفة مما كان يشعر به إن هذا رجل غريب عنا .
وتفصيل هذه المسألة أن سالما هذا كان عبدا لهذين الزوجين في الجاهلية، فلما أسلما وعرفا الأحكام الشرعية التي منها أنه يجب على المرأة أن تحتجب من الرجل الغريب فلا تظهر أمامه مطلقا إن كان ولا بد قرص وجهها فقط وكفيها ليس إلا، لكن هذا الرجل أصبح كأنه جزء من هذا البيت ليس من السهل أن يفارق هذا البيت، كما أنه ليس من السهل أنه كلما دخل تحتجب سهلة، فوقعوا في مشكلة حينما نزل الحجاب على النساء، فكانت كلما دخل هذا الرجل الغريب تتحرج فقد يرى سالم هذا مولى أبي حذيفة قد يرى منها شيء لا يجوز عادة وشرعا، فحل المشكلة الرسول صلى الله عليه وسلم بأن أمرها أن ترضعه ففعلت ذلك فزال ما كان في نفس أبي حذيفة .
إذن هذا الحل في إرضاع الرجل الكبير في صورة معينة يختص بهذا الحديث السابق هنا أيضا يقال عموم وخصوص حينما قال: ( إنما الرضاعة من المجاعة ) وهذه سهلة أرضعت الرجل الكبير الذي هو سالم، ترى هل شبع هذا الرجل من هذه الرضعات وإن كانت عشر رضعات رجل كبير ما يفيه بد طعام مشبع ، إذن قوله عليه الصلاة والسلام: ( إنما الرضاعة من المجاعة ) قاعدة والقاعدة تمامها أيضا في حولين كاملين لمن أحب أن يتم الرضاعة، لكن هذه القاعدة سواء في الخمس رضعات مشعبات من المجاعة أو في حولين كاملين يستثنى منها إرضاع الرجل الكبير لحل مشكلة عائلية، هذه المشكلة العائلية كانت يومئذ لأنهم كانوا يستقدمون الأرقاء العبيد وكانوا لا يتحجبن النساء، فلما فرض الله الحجاب صار من الصعوبة أن المرأة لا تحتجب كلما دخل عليها مولاها السابق، وصار تأخذ الغيرة زوج سهلة وهو أبو حذيفة إنه كيف هذا الرجل الغريب يدخل عليها ؟ الرسول عليه السلام قال هذا: ( أرضعيه تحرمي عليه ).
اليوم هل تقع مثل هذه الصورة ؟
أنا أقدم صورة يمكن استغلال هذا الحديث والاستفادة منه لإزالة المشكلة التي نتصورها الآن وهي تقع .
كلنا يسمع بأن كثيرا من الأروبيين والأمريكيين وغيرهم يسلمون في كل سنة يسلم ما شاء الله من المئات أو الألوف، يكون مثلا الرجل يعيش مع أخيه وأحدهم له زوجة والآخر ليس له زوجة، على عادة هؤلاء الأقوام الذين وصفهم الله تبارك وتعالى في القرآن فقال : (( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله )) هؤلاء ما في عندهم شيء اسمه حرام فيعيش الرجل مع أخيه وأحدهما له زوجة وكأن هذه الزوجة زوجة للرجلين الأخوين، فما في عندهم يعني كلفة ولا عندهم حرج إنه والله أخي عم يطلع على عورة زوجتي ... وإذا بهذه العائلة تدخل في الإسلام، وإذا بهذه العائلة تفاجأ إنه أنت يا أخانا ما يجوز لك أن ترى من زوجتي إلا ما يرى أي رجل غريب ... إذن هل يخرج من هذا البيت ويعيش لوحده ؟ في حرج شديد أين يذهب ؟ لا سيما وقد أسلم، أيعيش مع المتعريات مع المتبرجات فقد يفتن ؟ إذن هو يصبح ضرورة ... فكيف تحل المشكلة ؟ من الصعوبة بمكان أنه كلما دخل هذا الأخ على بيت أخيه تحتجب، ويريدها تستر وهي لا تريد تستر إلى آخره فيقال لها استتري صعب، فأحدهما لازم يحتجب عن الآخر، إما المرأة تحتجب على أخيها أو العكس هو يبتعد عنها، ففي كل من الصورتين حرج ، فقد حلل أو أزال الحرج الرسول صلى الله عليه وسلم في مثل هذه الصورة بأن ترضع المرأة أخا زوجها فيزول الإشكال .
هذه تلفت النظر إلى قضية هامة جدا لا يجوز للمسلم والمسلمة أن تتفلسف على هذا النص ويقول أو تقول: كيف هذا وهو رجل كبير ؟ قال عليه السلام: ( إني لأعرف أنه رجل كبير ) لكن هذا حكم الله الذي يعلم السر وأخفى، ويعلم المشاكل التي تقع في مثل هذه الصور الخاصة وقد جعل لها حلا بإرضاع الرجل الكبير على خلاف القاعدة .
انظرن الآن معي كيف يحتال بعض الناس لإزالة هذه المشكلة بحيل شرعية ، يظهر فيها تماما أنها لا تحل المشكلة .
رجل في مثل هذه الصورة مضطر إنه يعيش مع مين ؟ مع أخيه، أو مع رجل غريب آخر لأنه عاشوا هكذا إيش يعملوا ؟ بدوا يعيش مثلا مع زوجة أخيه وله هذا الأخ من زوجته ابنة صغيرة يمكن لساتها بترضع، فيكلفوا الأخ إنه يعقد على مين ؟ على هذه البنت، تصبح أمها حماته فهو بيدخل عليها من ناحية أنها حماته، هل هذا الحل صحيح ؟ لا، هذا لف ودوران، بدليل إن هذا الذي عقد على هذه البنت الصغيرة فلو رضي أبوها أو رضيت أمها لما تكبر وتصبح يعني في سن الزواج ما بدو إياها، إنما الأعمال بالنيات، لكن ليش عقدت عليها ؟ وقد كان يدخل على أمها ، قال : عشان أرفع الحرج ، هذا احتيال لا يليق بالإسلام، والحل هو هذا: ( أرضعيه تحرمي عليه ) .
وبهذا القدر كفاية .
والحمد لله رب العالمين.