باب : " باب إجلال الكبير " . شرح حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه : ( إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم ، وحامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه ، وإكرام ذي السُّلطان المقسط ) .
" باب إجلال الكبير " .
وهذا الباب كالباب السابق في المعنى .
روى بإسناده الحسن :
عن الأشعري قال : ( إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم ، وحامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه ، وإكرام ذي السُّلطان المقسط ) .
هذا الحديث إسناده حسن ، ولكن هنا ذكره موقوفاً على الأشعري وهو أبو موسى الأشعري الصحابي المشهور ، وقد جاء في بعض كتب الحديث مرفوعاً وهو ثابت كذلك مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، يقول فيه عليه الصلاة والسلام : إن من تعظيم الله عز وجل وتبجيله أن يُكرم المسلم صاحب الشيبة المسلم يعني كبير السن ، هذه الجملة هي على حد قوله عليه السلام في الأحاديث السابقة في الدرس الماضي : ( ليس منا من لم يجلَّ أو يوقر كبيرنا ) إلا أن هذا الحديث السابق يحتمل من المعنى ما هو أكثر من حديث هذا الباب الآن ، ذاك كما تكلمنا يشمل بكلمة " كبيرنا " : الكبير سنًّا والكبير علماً وفضلاً كما تكلمنا ، أما هذا فهو أخص فهو صريح في إكرام الرجل الكبير السن لشيبته لأنه يقول : ( إن من إجلال الله إكرامَ ذي الشيبة المسلم ) .
1 - باب : " باب إجلال الكبير " . شرح حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه : ( إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم ، وحامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه ، وإكرام ذي السُّلطان المقسط ) . أستمع حفظ
تتمة شرح حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه : ( ... وحامل القرآن غير الغالي فيه ... ) .
السبب الأول: كونه يحفظ القرآن.
والسبب الثاني: كونه شيخاً مسناً .
فالجملة الأولى من الحديث فيها حض على إكرام صاحب السن الكبير بغض النظر عن الصفات الأخرى .
والجملة الثانية فيها حض على إكرام حامل القرآن وحامل القرآن كناية عن حافظ القرآن ، وليس المقصود بحافظ القرآن الذي يتلوه فقط وإنما المقصود ما هو أخص وأعظم من ذلك وهو الذي يحفظ القرآن ، ولكن هل كل حافظ للقرآن يستحق هذا الإجلال والإكرام الذي ذكره الرسول عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث وجعل هذا الإكرام من إكرام الله عز وجل وإجلاله .
هل كل حامل للقرآن يستحق مثل هذا الإجلال والإكرام ؟
الجواب : لا ، وذلك ما بينه عليه الصلاة والسلام بقوله : ( غير الغالي فيه ولا الجافي عنه ) :
فهاتان صفتان إذا توفرتا في حامل القرآن استحقَّ إجلال المسلمين له لحمله وحفظه للقرآن ، ما هما هاتان الصفتان ؟
الصفة الأولى: ( غير الجافي عنه ولا الغالي فيه ) : شو معنى الغالي فيه والجافي عنه ؟
الغالي فيه هو الذي يُحمل القرآن من المعاني والأحكام ما لا يتحمله، وهذا شأن المبتدعة قديماً وحديثاً، لاسيما فيما يتعلق بعلم الكلام وبخاصة منه ما يتعلق بصفات الله عز وجل، فهؤلاء يحمِّلون الآيات القرآنية المتعلقة بكثير من الأمور الغيبية ومنها الصفات الإلهية يُحمِّلون كل تلك الآيات ما لا تتحمل من المعاني ، فهذا غلو وهذا بحث له علاقة بعلم التوحيد ولكن لا بأس مِن أَن نضرب على ذلك مثلاً ، وهذا المثل له علاقة بعقيدة جماهير المسلمين اليوم الذين انحرفوا فيها عن عقيدة السلف الصالح، فطالب العلم اليوم لا يكاد يفتح كتاباً مِن كُتِب التفسير لِيطّلع على معنى قول الله تبارك وتعالى في أكثر من آية واحدة : (( الرحمن على العرش استوى )) ، (( ثم استوى على العرش )) ونحو ذلك لا يكاد يفتح كتاباً من كتب التفسير ليفهم معنى هذا الاستواء المنسوب إلى الله تبارك وتعالى ، وإذا به يجد جماهير هذه الكتب تفسّر استوى بمعنى استولى ، عِلماً بأن السلف -رضي الله عنهم- إنما فسروا استوى بمعنى استعلى كما ذكره الإمام البخاري في صحيحه عن بعضهم وفي ظني أنه عطاء، وذكر ذلك الإمام الذهبي في رسالته الخاصة في هذه المسألة الهامة وهي التي سماها بــــ *العلو للعلي الغفار* هذه رسالة خاصة ينبغي لكل طالب علم حريص على تصحيح عقائده بصورة عامَّة وتصحيح فهمه لهذه الآية بصورة خاصة أن يرجع إلى هذه الرسالة *العلو للعلي الغفار* للحافظ الذهبي ، ولأهمية هذه الرسالة كنت اختصرتها بنفسي وعلَّقت عليها بعض التعاليق المفيدة وخرّجت أحاديثها وخرّجت منها ورميت بها ما لا يصح نسبته إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ففي هذه الرسالة وغيرها من الرسائل السلفية نجد أنَّ علماء السلف لا يعرفون استوى بمعنى استولى، وإنما استوى بمعنى استعلى، وهذا التفسير مع كونه صحيحاً فهو الذي يلتقي مع كل الآيات وكل الأحاديث التي تتفق جميعاً على إثبات صِفة العلو لله تبارك وتعالى، من ذلك مثلًا آية واحدة أَذكرها الآن فإنها تصف عباد الله تبارك وتعالى الرحمن بقوله: (( يخافون ربهم من فوقهم )) : فإذا نظرنا إلى عالمنا الإسلامي اليوم لوجدناه إذا كان فيهم خائفون وجلون من الله عز وجل فإنهم يخافونه ليس هكذا كما وصف الله عباده بقوله : (( يخافون ربهم من فوقهم ))، وإنما هم يخافونه معتقدين أنه في كل مكان ، ونسمع هذا في كل مكان وفي كل زمان ، الله موجود في كل مكان، الله موجود في كل الوجود، الله فوق المخلوقات كلها، هذه العقيدة هي العقيدة الصحيحة، أما الاعتقاد بأن الله في كل مكان وأنه لا فوق ولا تحت ولا يمين ولا يسار ولا داخل العالم ولا خارجه فكل هذه الآراء هي من الغلو والمجافاة لله عز وجل في تفسير كتابه تبارك وتعالى.
2 - تتمة شرح حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه : ( ... وحامل القرآن غير الغالي فيه ... ) . أستمع حفظ
بيان الشروط التي تكون من أجل إكرام حامل القرآن : " ألا يغلو فيه، وألا يجفو عنه. والكلام على آية إستواء الله سبحانه وتعالى وهل له مكان.
الأولى: ألا يكون مغالياً فيه، ألا يحمّل القرآن من التفاسير والمعاني ما لا يتحمل كمثل الآية السابقة (( الرحمن على العرش استوى )) فسروها باستولى، ونحن لو تأملنا قليلا في هذا التفسير لتبين لنا أن هؤلاء الذين فسروا هذا التفسير الغالي والحائد عن المعنى السلفي أنهم لم يستفيدوا منه شيئا ذلك لأنهم حينما يفرون من التفسير السلفي لاستوى بمعنى استعلى يتوهمون أن وصف المسلم لربه بأنه فوق المخلوقات أنه في مكان وأنه حصرناه في مكان إذا قلنا على المخلوقات، ثم يقعون في ما منه فروا مع أن الذي اتهموا به السلف الذين يفسرون استوى بمعنى استعلى أنهم يجعلونه في مكان هذا اتهام باطل لا أصل له وهذه نقطة أنا أعتقد أن النساء كل النساء إلا ما شاء الله وقد يكون أفراد قليلات منهن لا يعرفون هذه العقيدة على الوجه الصحيح، لأن هذه العقيدة الصحيحة وهي أن الله عز وجل على العرش استوى استعلى، وأن هذا الاستعلاء لازمه أن الله عز وجل فوق المخلوقات هذه العقيدة الصحيحة يورد الغلاة المنحرفين في تأويل القرآن عن التفسير السلفي يوردون شبهات وإشكالات لا أصل لها ولكنها قد تؤثر في عقيدة أفراد من السلفيين الذين لم يعرفوا جواب تلك الشبهات ، هم يقولون مثلاً إذا قلنا إن الله عز وجل فوق السماوات وعلى المخلوقات كلها كما قلت آنفًا يقولون: إذاً الله في مكان، الجواب: كلا، لأن المكان مشتق من الكون، ونحن نعلم أن الله كان ولا شيء معه كما جاء في صحيح البخاري من حديث عمران بن حصين : ( كان الله ولا شيء معه ) ، الآن نحن مضطرون لدفع تلك الشبهة أن نتساءل تُرى هل كان الله عز وجل في مكان قبل أن يكون شيء معه؟
الآن يوجد شيء معه لأنه كان ولا شيء معه، ثم خلق العرش وخلق السماوات وخلق البشر وخلق ما شاء الله أن يخلق، فيوم كان الله ولا شيء معه هل كان في مكان؟ الجواب: لا، لأنه لا شيء معه والمكان هو خلق من خلق الله عز وجل، لما وجدت المخلوقات وجد المكان، فالله كان ليس في مكان، إذاً حينما خلق المخلوقات سبحانه وتعالى ما صار له مكان، لأنه لا يزال في عظمته وفي جلاله وفي علوه ما وجد له مكان ليحل فيه حاشاه، كيف وهو أكبر من الكون كله الذي جزء منه المكان، فالله أكبر من كل شيء، فقبل أن يخلق المخلوقات لم يكن مكان، فهو كان معتزاً بذاته وبجلاله، غير فقير ولا محتاج إلى أن يكون له مكان يخلقه ليحل فيه حاشاه من ذلك.
إذاً هو لما خلق الكون ما سَكَنَه ولا اتخذه وطناً له وإنما على العكس من ذلك تفيدنا الآية السابقة: (( استوى على العرش )) علماً بأن العرش أكبر من كل المخلوقات، وهو سقف الفردوس، عرش الرحمن سقف الفردوس كما جاء في صحيح البخاري: ( إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس فإنها أعلى الجنان وفوقها عرش الرحمن ) .
فإذاً إذا عرفنا أن المكان مشتق من الكون والكون مخلوق والكون لم يكن من قبل مخلوقاً، على العكس فالله كان ولا شيء معه، إذاً هو من هذه الحيثية هو الآن كما عليه كان، وأرجو الانتباه إلى هذا القيد الذي قلته آنفًا : هو من هذه الحيثية أي من حيث أنه لم يكن في مكان كما كان قبل أن يخلق السماوات والأرض فهو الآن من حيث هذه الحيثية كما كان قديماً أزلياً قبل أن يخلق المخلوقات لم يكن في مكان فهو الآن كما كان، لكننا لا نقول كما يقول غلاة الصوفية الذين يتزيلون على الأحاديث النبوية فيضيفون إلى حديث عمران بن حصين السابق الذكر بلفظ ( كان الله ولا شيء معه ) زاد الغزَّالي في *الإحياء* وغيره في غيره زيادة مفسدة لهذا الحديث الصحيح فقال : " كان الله ولا شيء معه، وهو الآن على ما عليه كان " : أنا قلت هذه الجملة المضافة إلى الحديث الصحيح لكن لا وصلاً لها بالحديث الصحيح ، فإن هذا الوصل يجعل الحديث مبطلاً لعقائد المسلمين الصحيحة ومؤيدًا لوحدة الوجود الباطلة التي يقول بها بعض الغلاة من الصوفية، انتبهن: ( كان الله ولا شيء معه ): لا شيء معه ، " وهو الآن على ما عليه كان " ، أي لا شيء معه ، أصحيح أنه لا شيء معه ؟!
بداهة هناك أشياء يجمعها كلمة الخلق المخلوقات على أنواعها ، الإنسان والحيوان والجماد والجماد منفصلة إلى فصائل كثيرة السماوات والأراضين والجبال و و أنهار هذه ليست أشياء فيقال: لا شيء معه، كان الله ولا شيء معه وهو الآن على ما عليه كان، هنا يلزم محظور من محظورين وأحلاهما مر كما يقال:
المحظور الأول: أن نعتبر أن الله عز وجل ما خلق شيئاً.
المحظور الثاني: لا يمكننا أن ننكر أن الله خلق كل شيء (( خالق كل شيء )) هذا نص القرآن الكريم (( خالق كل شيء )) كيف هو مع كونه خالقاً لكل شيء هو الآن على ما عليه كان ( كان ولا شيء معه ) الآن توجد هذه المخلوقات التأويل عند غلاة الصوفية : " لا هو إلا هو " أي هذه المخلوقات هي الله ، فحينئذ يصح فهم الجملة الباطلة على هذا التأويل الصوفي الغالي ، أي هذه المخلوقات التي نراها نحن في تعبير الصوفية بمظاهر لله سبحانه وتعالى فهي منه ولذلك يقولون : " كل ما تراه بعينك فهو الله " : إذاً هو الآن على ما عليه كان معناه ليس ثمة خالق ولا مخلوق وإنما هو شيء واحد ، لذلك يقولون في توحيدهم : لا هو إلا هو ، بل يفصحون فيبطلون التوحيد الذي جاءت به الرسل كلهم : " لا إله إلا الله هذا توحيد العامة ليس توحيد الخاصة، توحيد الخاصة لا هو إلا هو، وخاصة الخاصة: هو هو " ، يعني ما في خالق ومخلوق خلاصة الأمر.
3 - بيان الشروط التي تكون من أجل إكرام حامل القرآن : " ألا يغلو فيه، وألا يجفو عنه. والكلام على آية إستواء الله سبحانه وتعالى وهل له مكان. أستمع حفظ
بيان معنى الاستواء على العرش والرد على المخالفين ، وإثبات الصفات لله من غير تمثيل ولا تعطيل، وبيان انحراف المبتدعة في مسألة العلو والاستواء.
السائل : العرش كان ولا يزال ؟
الشيخ : العرش كان.
السائل : أزلياً ؟
الشيخ : ليس أزلياً لكنه هو من أول المخلوقات.
السائل : قبل العرش ؟
الشيخ : لا شيء معه، ( كان الله ولا شيء معه ).
السائل : كيف العرش ما كان مستولي عليه؟
الشيخ : هون جاء الخطأ، وأنت ذكرتيني الآن أنا كنت أردت أن أقول: أن هذول فسروا استوى بمعنى استولى يطلع منه هالكلمة التي تكلمت بها أم العبد وهي لا تريدها بطبيعة الحال هي قالت: إذا ما كان مستولي، الله عز وجل قبل أن يخلق أي مخلوق هو مستولي عليه، ولذلك فهن قلت أنا وما يعني قدمت المبتدأ وما جئت بالخبر قلت هن ليش فسروا استوى بمعنى استولى فكرهم إنهم ما يحصروا الله في مكان فنحن أثبتنا الآن أن الله من حيث المكان هو كما كان فكان ولا شيء معه فلم يكن هناك مكان وكذلك لما خلق المخلوقات ووجد المكان فهو ما تغير سبحانه وتعالى ولا علا هذا المكان هذا رد الشبهة التي اضطرتهم إلى تأويل استوى بمعنى استولى، لكن يا تُرى ما الذي استفادوه من هذا التأويل ؟
لا شيء أبدًا، وهاكم البيان:
قيل لهم الآيات الواردة في إثبات استواء الرحمن على عرشه كثيرة منها: (( خلق السماوات والأرض ثم استوى )) ثم استوى : ثم : تفيد التراخي يعني بالمرتبة الثانية ، يعني بعد أن خلق السماوات والأرض في يومين بعدين استوى على العرش ، الآن ورد عليهم سؤال طيب قبل أن يستوي على العرش بنص القرآن الكريم أليس كان مستوياً عليه ؟
السائلة : كان موجود العرش ؟
الشيخ : نعم ؟
السائلة : كان موجود العرش قبل الخلق ؟
الشيخ : خلق السماوات والأرض، العرش موجود قبل السماوات والأرض، يعني خلق السماوات والأرض بعد العرش، العرش أقدم، حتى قال بعض العلماء جوابًا عن سؤال ما هو أول مخلوق لله عز وجل ؟
قولان:
منهم من يقول العرش .
ومنهم من يقول القلم وأنا أذهب إلى هذا المذهب، لأنه هناك نص: ( أول ما خلق الله القلم ).
( أول ما خلق الله القلم ) هذا نص صريح إنه أول مخلوق هو القلم، لكن بعض العلماء الذين بدا لهم أن العرش مخلوق قبل القلم يقولون: لا، القلم خلق بعد العرش.
المهم لا يوجد شيء أزلي إلا الله عز وجل ، عرفتي شلون ، وهذا يعني عقيدة إسلامية من لا يؤمن بها فهو كافر ، لكن فيه خلاف أول مخلوق كان يا ترى العرش ولا القلم فلو نيجي للآية: (( خلق السماوات والأرض في يومين ثم استوى على العرش )) معناه أن العرش كان موجوداً قبل خلق السماوات الأرض ، فنحن لو فرضنا أن خلق السماوات والأرض خلقهما الله أو خلقها الله في لمحة البصر مع أنه يقول لحكمة بالغة يومين ، طيب بعد اليومين استوى على العرش أي استولى، يا ترى قبل يومين ما كان مستولي ؟! إذا قالوا كان مو مستولي عجّزوه، وكيف يعقل أن ينسب الله خالق كل شيء ومدبر كل شيء إلى العجز ؟!
لا يقول هذا مسلم، لما ورد عليهم هذا السؤال من العلماء السلفيين: كيف أنتم تقولون ثم استولى هل نسبتم الله إلى العجز وإلى أنه كان غير مستولٍ على هذا الخلق العظيم وهو العرش الكريم ؟!
فبيقولوا : لا ، نحن بدنا نقول استيلاؤه -هم يقولون- ليس كاستيلاء البشر إذن ارجعوا للتفسير السلفي استوى استعلى، لكن استعلاء الله على عرشه ليس كاستعلاء الملوك على عروشهم، انتهى الأمر.
وهكذا يجب أن يقال في كل الصفات الإلهية، وهذا أثبته ربنا عز وجل في غير ما آية كريمة فهو يقول مثلا في السورة التي تساوي ثلث القرآن: (( قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفواً أحد )) شو معنى كفء؟ يعني شبيه ونظير ومثيل.
والآية الأخرى كذلك أو أصرح : (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) فالآية جمعت بين التنزيه (( ليس كمثله شيء )) ، وبين الإثبات للصفات (( وهو السميع البصير )) .
فنحن نقول كما قال السلف وغيرهم : الله سميع لكن سمعه ليس كسمعنا، وبصير لكن بصره ليس كبصرنا، وهكذا فرض التنزيه في كل الآيات، آيات الصفات وأحاديث الصفات، هذا هو منهج السلف ومذهب السلف، إثبات كل الصفات التي أثبتها الله لنفسه في كتابه أو أخبر بها نبيُه في سنته، إثبات مع تنزيه لا تشبيه ولا تعطيل.
التشبيه أن يقال: بصره كبصرنا حاشاه وسمعه كسمعنا وكلامه ككلامنا إلى آخر الصفات، هذا كفر لا يجوز (( ليس كمثله شيء )).
التعطيل: نفي الصفات مطلقاً حذراً من التشبيه، لا، نحن لما نأخذ الميزان الإلهي بيدنا (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) لا نقع في التشبيه.
على الرغم من ذلك تجد المعتزلة بصورة خاصة وأكثر الطوائف الأخرى بصورة عامة كالماتريدية والأشاعرة ينكرون كثيرًا من الصفات الإلهية كالاستواء على العرش يقولون: استوى بمعنى استولى، طيب استولى معناه ما كان مستولي من قبل (( ثم استوى على العرش )) لا، استيلاء الله ليس كاستيلاء البشر، طيب استيلاء الله أي: استعلاؤه خلوا الآية إذاً كما فسرها السلف وجيبوا هذا القيد استعلاء الله على عرشه ليس كاستعلاء الملك على كرسيه وعرشه.
لذلك جاء في عقيدة من عقائد الحنفية الجيدة قال:
" ورب العرش فوق العرش لكن *** بلا وصفِّ التمكن واتصال " :
قوله " بلا وصف التمكن واتصال " : هو تأكيد لكون الله علوه على عرشه ليس كعلو المخلوق على عرشه ، لأن هذا المخلوق لو سُحِب العرش من تحته لوقع على أمِّ رأسه ولما استطاع أن يستقل بنفسه هذا فارق كبير ، لذلك قال هذا العالم الفاضل :
" ورب العرش فوق العرش لكن *** بلا وصف التمكن واتصال " .
السائل : هذه قصيدة؟
الشيخ : إي نعم، هذه قصيدة اسمها *بدر الأماني* :
" يقول العبد في بدر الأماني " : قصيدة فيها أوصاف لله عز وجل جيدة.
السائل : الأحناف ...
الشيخ : الأحناف المتأخرين مثل الأشاعرة بيأولوا ، لكن المتقدمين منهم وبخاصة إمامهم فهو سلفي العقيدة، يقول: " من لم يقل أن الله عز وجل في السماء فقد كفر " ، ليه لأن ربنا يقول : (( أأمنتم من في السماء )) فهؤلاء الذين يغالون في القرآن ماذا يقولون (( أأمنتم من في السماء )) يعني الملائكة الله أكبر ربنا بيتكلم عن ذاته (( أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور * أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصباً فستعلمون كيف نذير )) كل هذه الصفات أعطوها للملائكة ، فأبو حنيفة يقول : " من لم يعتقد بأن الله في السماء فقد كفر " ، لأن معناها إنكار هذه الآية بل آيات كثيرة وأحاديث نبوية كالحديث المشهور ، لكن الناس غافلون عن العقيدة التي تنطوي تحت هذا الحديث المشهور: ( الراحمون يرحمهم الرحمن ) ، ( ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ) ، ( ارحموا من في الأرض ) ليس المقصود بالحديث من في الأرض يعني الحشرات التي تحت التراب بطبقات التي لا تصل إليها أبصارنا ولا اكتشفاتنا وإنما : ( ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ) مَن في الأرض من الإنسان والحيوان ولا تحملوهم ما لا يطيقون ولا تعذبوهم وإلى آخره كما جاء ذلك مفصلاً في كثير من الأحاديث الصحيحة، فحينئذ نفهم تمام الحديث: ( يرحمكم مَن في السماء ) أي: يرحمكم من على السماء ، فيأتي المؤولة والمعطلة فيفسرون هذه النصوص من الآيات والأحاديث النبوية بخلاف ظواهرها ، ليش ؟ قال : لحتى ما نشبه ، لك أنتم شبهتم ونقصتم كمان لأنكم قلتم :
" استوى بشرٌ على العراق *** بغير سيف ولا دم مهراق "
هذا بيت شعر استدلوا فيه في تفسير الآية ، مع أنه من حيث الأدب العربي لا يصح تفسير نصوص الكتاب والسنة بالشعر الحادث ، وإنما الشعر العربي في الجاهلية باعتبار لساتهم على أصالتهم في اللغة العربية وما تسربت إليهم العُجمة ، فيستشهد العلماء حتى في إثبات ألفاظ لغوية بالشعر الجاهلي القديم، فمع أن هذا الشعر ليس قديماً يُستدل به إنه استوى يأتي بمعنى استولى مع ذلك فقد شبهوا الله عز وجل ببشر.
" استوى بشر على العراق " : بمعنى حكم .
" *** بغير سيف ولا دم مهراق " :
فلما قيل لهم كيف تشبهون استواء الله على العرش باستواء بشر على العراق ؟!
استيلاء الله تشبهونه باستيلاء بشر على العراق ؟!
بينسحبوا بيقولوا : لا، نحن ما بنقول أن استيلاء الله على عرشه كاستيلاء بشر على العراق ، فإذاً دعوا الآية على ظاهرها وقولوا كما قال السلف استوى بمعنى استعلى لكن استعلاؤه ليس كاستعلاء البشر وانتهى الأمر .
هذا البحث في الحقيقة يطول أمره ويكفي الآن هذا المقدار لتفسير هالجملة هذه : ( وحامل القرآن غير الغالي فيه ) : يغلو يشتط ويزيد في تفسير الآيات ما ليس منها .
4 - بيان معنى الاستواء على العرش والرد على المخالفين ، وإثبات الصفات لله من غير تمثيل ولا تعطيل، وبيان انحراف المبتدعة في مسألة العلو والاستواء. أستمع حفظ
تتمة شرح حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه : ( ... ولا الجافي عنه ... ) .
الأول: ألا يكون مؤولاً للقرآن تأويلاً يعطل فيه المعاني الصحيحة ويحمله من المعاني ما لا يتحمل، والصفة أو الشرط الآخر أن يكون عالماً بالقرآن وليس جافياً عنه وتاركاً العمل به.
ومع الأسف الشديد إن وجدنا قارئاً يعمل بالقرآن مثلاً لا يستحل ما حرم الله ، إن وجدنا هذا فلا نجد الحافظ للقرآن لا يغالي فيه أي: لا يفسره تفسيراً غير صحيح، إن وجدنا من الحفاظ صالحين فلا نجد من الحفاظ غير متأولين للقرآن بالتفسير الباطل، ولذلك فاتّصاف حافظ القرآن بهاتين الصفتين في هذا الزمان عزيز وعزيزٌ جدًّا.
تتمة شرح حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه : ( ... وإكرام ذي السلطان المقسط ... ) .
المـــــــُقسط يعني العادل، مِن إكرام الله عز وجل أن يُكرم المسلم الحاكم المسلم المقسط أي: العادل، ذلك لأن هذا الإمام العادل هو من أولئك السبعة الذين يظلهم الله تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله.
ما صحة حديث: ( إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب ).
هل حديث: ( إنَّ في المعاريض لمندوحة عن الكذب )؟
الجواب: هذا حديث صحيح موقوفاً وغير صحيح مرفوعاً .
والحمدلله .
رب العالمين.
شرح حديث : ( جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو جاره فقال له اذهب فاصبر فأتاه مرتين أو ثلاثا فقال اذهب فاطرح متاعك في الطريق ... )
( أنّ رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يشكو جاره، فأمره عليه السلام بالصبر، فصبر، ثم فرغ صبره، فعاد شاكياً له إلى الرسول عليه السلام، وهكذا، فلما علِم عليه الصلاة والسلام بأن هذا الجار مظلوم ومضرور قال له عليه الصلاة والسلام ألقِ متاع دارك واجعله على قارعة الطريق ففعل ) : ولا شك أن هذا الإلقاء يعني واحد بيطالع عفش بيته وبيجعله في الطريق أمر بيسترعي انتباه الناس ويلفت أنظارهم ويستدعيهم أن يستاءلوا ما لك يا فلان، فما يكون منه إلا أن يقول: فلان جاري ظلمني فما يكون منهم إلا أن يقولوا: قاتله الله لعنه الله، فصارت على الماشي قاتله الله لعنه الله، والجار يسمع بأذنه، فما كان منه إلا أن بادر إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم تائباً يرغب في أن يعود جاره بالمتاع إلى بيته فقد انتهى الأمر.
فمثل هذه الحادثة تدلنا على أن لعن الظالم بعينه تأديباً له جائز لكن هذا يكون لهذا القصد ولهذا الغرض، فلا يزال حديث هذا الباب مُحكماً يعني حكمه سارياً في الشريعة، لا ينبغي للمؤمن أن يكون لعّانًا يعني دائماً لفظة اللعن هي تسبق من فمه، وطبعاً كل ذلك الألفاظ الكريهة البذيئة وأشبه ما يكون شبهاً باللعن الذي لا يجوز هو ما يغلب على كثير مِن العامة مِن سب الدين والعياذ بالله، فلا يجوز لمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتلفظ بمثل هذه الألفاظ التي لو قصد المتلفظ بها معناها لخرج من دين الله كما تخرج الشعرة من العجين، وأقل ما يقال في الذي يتلفظ بهذه الألفاظ المكفرة أنه يعرّض نفسه للمعاقبة بالعاجلة لو كان هناك حكم إسلامي قبل الآجلة، ولذلك جاء الحديث مقرراً لمبدأ ولأدب إسلامي فيقول: لا ينبغي للمؤمن أن يكون لعّاناً.
السائلة : شيخنا بالنسبة للعن المتبرجات ( العنوهن فإنهن ملعونات ) ؟
الشيخ : ما اختلفنا حيث جاء الحديث مثل ما جبنا هذا الحديث تبع الجار الظالم فأين ما كان النص ماشي ما بنعطله.
8 - شرح حديث : ( جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو جاره فقال له اذهب فاصبر فأتاه مرتين أو ثلاثا فقال اذهب فاطرح متاعك في الطريق ... ) أستمع حفظ
شرح حديث : ( إن الله لا يحب الفاحش المتفحش ).
( إن الله لا يحب الفاحش المتفحش، ولا الصيّاح في الأسواق ) .
بهذا الكمال وهذا التمام إسناده ضعيف، لكن الجملة الأولى منه صحيحة: ( إن الله لا يحب الفاحش المتفحش ) .
جاء ذلك في أكثر من حديث واحد صحيح، ولذلك فالحديث السابق فيه تأديب للمسلم أن يحافظ على لسانه أن يصدر منه لعن، أما الحديث الذي بعده فهو أشمل وأعم حيث قال عليه السلام: ( إنَّ الله لا يحب الفاحش المتفحش ) يعني هذا يشمل كل كلام غير لائق استعماله، فاللفظ الفاحش سواء كان لعن أو كان سب دين أو كان سب وجهه أو ما شابه ذلك أو نسبه أو أي شيء لا يجوز في الإسلام فهذا أمر لا يحب الله تبارك وتعالى صاحبَه بل إنما يبغضه.