باب : " باب الظلم ظلمات " شرح حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : ( اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح ... ) .
(( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتُن إلا وأنتم مسلمون )) .
(( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثَّ منهما رجالاً كثيراً ونساءاً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً )) .
(( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً * يُصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومَن يُطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً )) .
أما بعد :
فإن خير الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .
قال المؤلف -رحمه الله- :
" باب الظلم ظلمات " :
روى تحته بإسناده الصحيح حديثاً كان مضى معنا في درسٍ سابق من رواية :
جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ، واتقوا الشُّحَّ فإن الشح أهلك من كان قبلكم ، وحملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم ) :
باعتبار أن هذا الحديث كان تقدم وتكلمنا على شيء من الظلم وربطنا هذا الحديث بالحديث الذي مرَّ معنا في الدرس السابق وهو قوله عليه السلام : ( ثلاث دعوات مستجابات : دعوة المظلوم ) فأتبع ذلك الباب بهذا الباب تحذيراً من الظلم ، فإنه بالإضافة إلى أن الظالم مُعرض لأن يُستجاب دعاء المظلوم عليه ، فإن الظلم كما في هذا الحديث : ( ظلمات يوم القيامة ) .
الحديث الذي بعده حديث ضعيف لا نرويه كما جرينا عليه .
أما الحديث التالي وهو الحديث الثالث من هذا الباب فهو حديث صحيح ، وهو طرف من الحديث السابق إلا أن هذا من حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( الظلم ظلمات يوم القيامة ) .
1 - باب : " باب الظلم ظلمات " شرح حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : ( اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح ... ) . أستمع حفظ
الكلام على إسناد حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه : ( يكون في آخر أمتى مسخ وقذف وخسف ويبدأ بأهل المظالم )
2 - الكلام على إسناد حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه : ( يكون في آخر أمتى مسخ وقذف وخسف ويبدأ بأهل المظالم ) أستمع حفظ
حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : ( الظلم ظلمات يوم القيامة )
شرح حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : ( إذا خلص المؤمنون من النار حبسوا بقنطرة بين الجنة والنار فيتقاصون مظالم بينهم في الدنيا .... ) .
عن أبي سعيد -وهو الخدري رضي الله عنه- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا خلص المؤمنون من النار حُبِسوا بقنطرة بين الجنة والنار ، فيتقاصُّون مظالم بينهم في الدنيا حتى إذا نُقّوا وهُذِّبوا أُذِن لهم بدخول الجنة ، فوالذي نفس محمد بيده لأحدهم بمزله أدلُّ منه في الدنيا ) .
هذا حديث عظيم فيه بيان لموقف من مواقف يوم القيامة حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا خلص المؤمنون من النار حُبِسوا بقنطرة بين الجنة والنار ) :
( إذا خلص المؤمنون من النار ) : يمكن تفسيره على وجه من وجهين :
لأن الخلاص من النار إما أن يكون بالنسبة للأبرار الذين لا يستحقون عذاب النار فهؤلاء يمرُّون في النار مُروراً لا تمسهم بعذاب .
وإما أن يكون الذين دخلوا النار دخلوها وعليهم حِساب أو عليهم عذاب تلقاء أمور ومعاصي ارتكبوها في الدنيا ، يمكن أن يفسر الحديث بوجه من هذين الوجهين في الجملة الأولى منه : ( إذا خلص المؤمنون من النار ) .
ولكن الوجه الصحيح هو : أن هذا الخلاص إنما يكون بالنسبة للذين لم يُعفَ عن بعض المظالم التي كانوا ارتكبوها في الدنيا وبقِيت عليهم حقوق للناس عليهم فهؤلاء يقام لهم موقف خاص بين الجنة والنار ، أو بمعنى أدق بين النار التي خلصوا منها والجنة التي توجهوا إليها .
أقول : إنَّ دخول النار أمرٌ عام لكل المسلمين الفجار منهم والأبرار ، الدخول أي : مجرد الدخول ، ثم هذا الدخول إمَّا أن يقترن معه عذاب في النار وإما أن لا يقترن معه شيء من العذاب ، وهذا مأخوذ مِن قول الله عز وجل: (( وإنْ منكم إلا واردها كان على ربك حتماً مقضياً * ثمَّ نُنجّي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثياً )) : هذه الآية نص صريح فيه حصر (( وإن منكم )) أي : لا أحد منكم إلا سيدخل النار .
4 - شرح حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : ( إذا خلص المؤمنون من النار حبسوا بقنطرة بين الجنة والنار فيتقاصون مظالم بينهم في الدنيا .... ) . أستمع حفظ
بيان اختلاف العلماء في معنى الورود المذكور في قوله تعالى : (( وإن منكم إلا واردها )) ، وبيان الراجح من الأقوال.
القول الأول : هو الظاهر مِن الآية : واردها أي : داخلها .
القول الثاني : واردها يعني : مارر من فوقها .
القول الثالث : يمر بطرفها وبجنبها .
ولكلٍّ من هذه الأقوال الثلاثة مستند من الناحية العربية ، لأن الورود يأتي بمعنى الولوج والدخول ، ويأتي بمعنى المرور من فوق ، ويأتي بمعنى الاقتراب من المكان كإيراد مثلاً إبل على الحوض ، ليس معناه الدخول وإنما على طرف الحوض ، فلكل من هذه الأقوال الثلاثة في تفسير الورود في الآية السابقة : (( وإن منكم إلا واردها )) مستند من الناحية اللغوية .
ولكن هنا يظهر للباحث المسلم أهمية السنة التي كما يقولون اليوم " تضع النقاط على الحروف " وتُزيل الاحتمالات التي ترد في بعض النصوص من القرآن كهذا النص : الورود يفسر بثلاثة معاني كما ذكرنا .
السنة تحدد لنا أن الورود معناه الدخول ، والأدلة على ذلك كثيرة ولا أريد أن أستطرد في ذكرها كثيراً ، وإنما أذكر نصاً واحداً منها :
روى الإمام مسلم في * صحيحه * من حديث جابر بن عبد الله الأنصاري ، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال يوماً : ( لا يدخل النار أحدٌ من أصحاب الشجرة ) :
أصحاب الشجرة الذين ذكروا في القرآن الكريم وأنهم بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة ، هؤلاء أَخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم -وطبعاً خبره وحي السماء من الله تبارك وتعالى- أنهم لا أحد منهم يدخل النار ، ( لا يدخل النار أحد من أصحاب الشجرة أو من أهل الشجرة ) ، فأشكل الأمر على إحدى إمهات المؤمنين أزواج النبي الكريم ، أَلَا وهي حفصة بنت عمر بن الخطار رضي الله عنها أشكل هذا الخبر ( لا يدخل أحد من أهل الشجرة النار ، قالت : كيف يا رسول الله والله عز وجل يقول : (( وإن منكم إلا واردها )) ) : فمن هذا الإشكال الذي أوردته السيدة حفصة بناء على ما فهمته من نص نبيها وزوجها ( لا يدخل أحد النار من أصحاب الشجرة ) لما أوردت الآية معنى ذلك أنها فهمت أن الآية على خلاف الحديث ، أي : معنى الآية (( وإن منكم إلا واردها )) داخلها ، فكيف يقول الرسول عليه السلام: ( لا يدخل النار أحد من أصحاب الشجرة ) ؟!
لذلك أشكل عليها الأمر ، أُريد أن أُدندِن حول هذا الاستدلال من السيدة حفصة ، استدلت بالآية أنه لا بد لكل مخلوق مِن أن يدخل النار ومن هؤلاء أصحاب الشجرة فلذلك أشكل الأمر عليها حينما سمعت نبيها يقول : ( لا يدخل النار أحد من أصحاب الشجرة ) ، فلو كان معنى الورود في الآية غير الخروج لصحَّح النبي صلى الله عليه وسلم لها المعنى الذي فهمته من الآية ، ولكن الواقع أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرَّها على هذا الفهم وعلى أن المعنى للورود هو الدخول ، إلا أنَّه بين لها أن الإشكال الذي ورد عليها طائح ذاهب مِن أصله لأنه قال عليه الصلاة والسلام لها : ( ألم تقرئي ما بعد الآية : (( وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتماً مقضياً * ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثياً )) ) :
إذن هذا الحديث يوضح لنا معنى الآية :
أن الورود هو بمعنى الدخول أولاً ، وأن هذا الدخول عامٌّ شامل للمؤمن والكافر ، للصالح والطالح (( وإنْ منكم )) ، ولكن من كان مستحقاً للخلاص من النار بدون عذاب أنجاه الله عز وجل منها وأخرجه بسلام ، ومن كان مُستحقاً للبقاء فيها ما شاء الله فهو الذي قال الله عز وجل : (( ونذر الظالمين فيها جثياً )) ، هذا الدخول إذن قسمان :
دخول مقرون بعذاب وهذا خاص بالفجار أو الكفار كل بحسبه .
أو دخول ليس مقروناً بعذاب ، إذن ما الحكمة من ذلك ؟!
لقد ذكر علماء التفسير وبخاصة منهم فخر الدين الرازي في تفسيره المعروف : * مفاتيح الغيب * ذكر لذلك حكمٌ كثيرة منها :
أن الأبرار حينما يدخلون النار ولا تمسهم بعذاب يرون أهل النار كيف يُعذبون وهم لا يُعذبون ، هذه آية عجيبة من آيات الله عز وجل يوم القيامة ، المسلمون في قلب النار لكن النار لا تؤثر فيهم إطلاقاً ولكنها تحرِّق من يستحق التحريق وتعذب من يستحق العذاب من الكفار أو الفجار ، فهم حينما يرون هذه الأنواع من العذاب يحمدون الله عز وجل أن نجاهم من النار ، فهذا من عبرة دخولهم النار مروراً ورؤيتهم أهل النار يعذبون .
5 - بيان اختلاف العلماء في معنى الورود المذكور في قوله تعالى : (( وإن منكم إلا واردها )) ، وبيان الراجح من الأقوال. أستمع حفظ
ذكر بعض ما جاء في السنة مما يحصل يوم القيامة من المقاصصة والمحاسبة بعد دخول النار (الورود) والخروج منها .
أُوقفوا هناك وقفة لحساب جديد يتعلق بالحقوق التي تكون للمسلم على المسلم مقاصصة محاسبة كما يقول في الحديث: ( يتقاصُّون مظالمَ بينهم في الدنيا ) .
ويبدو أن هذا التقاصص كأنه من النوع الذي سبق في علم الله عز وجل أن المظلومين يَعفُون عن الظالمين لهم ، لأن المفروض أن مثل هذا التقاصص يكون قبل دخول النار ، المفروض أن التقاصص الذي يُحاسَب عليه الإنسان ويُدان يكون قبل دخول النار ليستحق أن يبقى في النار معذباً بالمقدار الذي يستحقه ، أما بعد الخروج من النار فلماذا التقاصص ؟!
يبدو أن هذا النوع من التقاصص هو مما سبق في علم الله عز وجل أن يجري فيه التسامح بين الظالم وبين المظلوم .
وهناك حديث وإن كان إسناده ضعيفاً مِن حيثُ الرواية ولكن معناهُ مقبولاً جداً من حيثُ سَعة رحمة الله عز وجل وفضله ورحمته بعباده .
هذا الحديث يقول ما خلاصته :
( أن الناس حينما يقفون للحساب يوم القيامة ويقتص المظلوم من الظالم ويحاسبه ، يرفع بصره إلى أفق بعيد فيبدو له قصر جميلٌ جداً يأخذ بعقله ولبه فيقول : يا رب لمن هذا القصر ؟ قال : هذا لمن دفع الثمن أو لمن يدفع الثمن ، قال يا رب وما ثمنه ؟ قال : أن تعفو عن أخيك ، فيقول : قد عفوت عنه فيدخله الله عز وجل الجنة مع صاحبه ) : الظالم والمظلوم بعد أن عفا المظلوم عن الظالم يدخله الله عز وجل الجنة ، فهؤلاء الذين يتقاصون بعد المرور في النار الظاهر أنهم من هذا النوع الذي سبق في علم الله عز وجل أن المظلوم يعفو عن ظالمه .
ويمكن أن يكون من النوع الآخر ، وجاء هذا أيضاً بيانه في حديث آخر ولكنه صحيح ، أَلَا وهو قوله عليه الصلاة والسلام : ( أتدرون مَن المـُفلس ؟ قالوا: يا رسول الله المفلس فينا من لا درهم له ولا ممتاع ، قال : المفلِس فيكم مَن يأتي يوم القيامة وله حسنات كأمثال الجبال ، يأتي وقد ضرب هذا وشتم هذا وأكل مال هذا ، فيأخذ هذا من حسناته ، وهذا من حسناته ، وهذا من حسناته ، حتى إذا لم يبق من حسناته شيء أُخذ من سيآتهم فطُرحت عليه فطُرح في النار ) :
طبعاً هذا الحديث الصحيح يمثل لنا المفلس من هؤلاء إفلاساً تاماً ، لأنه لا يخفى علينا جميعاً أنَّ الاعتداء أنواع سواء من حيث السبّ أو الشتم أو غصب المال ، فمن اغتصب مرة واحدة أو شتم مرة واحدة أو ضرب مرة واحدة لا يستوي بطبيعة الحال من كان ذلك ديدَنَه ، فهذا الذي يكون ديدنه الاعتداء على الناس بهذه الأمثلة وغيرها هو الذي سَيُؤخذ من حسناته ويؤخذ ويؤخذ حتى لا يبقى من حسناته شيء وهو لما يوف بعد ما عليه من الحقوق للمظلومين فيُؤخذ من سيئات هؤلاء المظلومين وتلقى عليه فيلقى في النار ، هذا الأسوأ ، الرسول عليه السلام يتحدث في حديث المفلس عن أسوء المفلسين .
لذلك نستطيع أن نتصور أن هناك ناس مفلسون إفلاساً أولياً أو قليلاً ، فهؤلاء حينما يقاصصون بعد الخروج من النار يبقى عندهم شيء من الزاد والاحتياط مِن الحسنات فيمكن أن يؤخذ مِن حسناتهم وتُعطى للمظلوم من أولئك الناس ، ولكن يبقى الظالم في عنده بقية من الحسنات بحيث أنه يستحق بها أن يُتابع طريقه إلى الجنة .
الشاهد : أن المقاصصة والمحاققة والمحاسبة يُستفاد مِن هذا الحديث وغيره أنها على نوعين :
نوع قبل دخول النار ، والنوع الثاني : بعد دخول النار ، هذا النوع الثاني الذي بعد دخول النار لا يستوجب أن يدخل النار مَن كان عليه شيء من الحقوق لأنه سيوفيها إما بما عنده مِن حسنات كثيرة ، وإما بأن يعفوَ عنه المظلوم الذي كان ظلمه في الحياة الدنيا .
6 - ذكر بعض ما جاء في السنة مما يحصل يوم القيامة من المقاصصة والمحاسبة بعد دخول النار (الورود) والخروج منها . أستمع حفظ
تتمة شرح حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : ( ... حتى إذا نقوا وهذبوا أُذن لهم بدخول الجنة فوالذي نفس محمد بيده لأحدهم بمزله أدل منه في الدنيا ) .
قال عليه الصلاة والسلام : ( أُذن لهم بدخول الجنة ، فوالذي نفس محمد بيده لأحدهم بمنزله أدلُّ منه في الدنيا ) : هذا مما يدلنا على سَعة قدرة الله عز وجل والعلم الذي يُفيض به على المؤمنين يوم القيامة ، ذلك لأنه يقول عليه السلام حينما يُؤذن لكل من هؤلاء المسلمين الذين تقاصصوا وتحاسبوا وتصافُوا وأُذن لهم بدخول الجنة قال عليه السلام : ( لأحدهم بمنزله أدلُّ منه في الدنيا ) : شو عرفه بمنزله في الجنة ؟!
لو أن إنساناً سكن لأول مرة في منزل جديد وفي مدينة واسعة الأرجاء ربما إذا أبعدَ عن منزله الجديد ورجع ربما ضلَّ عنه حتى بقى يآرش ويتمرن ، فكيف يعرف المسلم في المحشر في يوم القيامة حينما يُؤذن له بدخول الجنة يتابع طريقه وكأنه معتاد أن يتردد على منزله في الجنة ، ذلك من إعلامِ الله عز وجل لعباده وإيحائِه إليهم بأن هذا المنزل هو منزلك ، وينبغي أن لا ننسى أن منزل المسلم في الآخرة ليس عبارة عن بيت بتكون مساحة عشر قصبات أو عشرين أو مئة أو ألف ، لا ، فقد كنت ذكرتُ سابقاً حديثاً طويلاً خلاصته :
( أن آخر من يخرج من النار يخرجُ يحبوا حبواً ، وآخر من يدخل في الجنة له في الجنة مثل الدنيا وعشرة أضعافها ) هذا الأحقر من الناس الذي عذبوا في النار بسبب ذنوبهم لكن أنجاه الله عز وجل من الخلود في النار شهادتُه بأن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله ، هذا حينما يخرج من النار لا يستطيع أن يمشي بشراً سوياً كما خلقه الله لأنه منهك ، فيمشي حبواً يزحف زحفاً ، هذا حينما يدخل الجنة له في الجنة مثل الدنيا وعشرة أضعافها ، فإذن هذا الملك الواسع للفرد المسلم كم نتصور هذه الأملاك الواسعة فلا شكَّ أن الإنسان سيضل فيها ضلالاً بعيداً فيما لو وُكِل إلى عقله وإلى درايته ، ولكنَّ الله عز وجل هو الذي يُلهمه الطريق إلى أن يضع يده على ذلك الملك الطويل العريض الذي لا يتسع العقل لإدراكه ومعرفة حقيقة أمره .
فنسأل الله عز وجل على كل حال أن يدخلنا الجنة ، وأن يطهرنا مما علينا من ذنوب وظلامات للناس هنا في الدنيا قبل الآخرة ، حتى لا نتأخر ونقف عند تلك القنطرة للمقاصصة المذكورة في هذا الحديث الصحيح .
أذكر حديثين لأنهما مكررين لكي في الدرس الآتي إن شاء الله ننتقل إلى حديث آخر :
روى بعد ذلك حديثاً :
عن أبي هريرة قال : ( إياكم والظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ، وإياكم والفحش فإنَّ الله لا يحب الفاشح المتفحش ، وإياكم والشُّحَّ فإنه دعا من كان قبلكم فقطعوا أرحامهم ، ودعاهم فاستحلوا محارمهم ) .
ثم روى أيضاً بإسناده الصحيح عن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( إياكم والظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ، واتقوا الشح فإنه أهلك من كان قبلكم ، وحملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم ) .
- والآن نعود إلى الإجابة عن بعض الأسئلة ، كان هناك سؤال عن المرأة التي بلغت السن ، سِن اليأس لكني لم أستطع تهيئة الجواب فإن شاء الله فيما يأتي من الدرس الآتي .
7 - تتمة شرح حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : ( ... حتى إذا نقوا وهذبوا أُذن لهم بدخول الجنة فوالذي نفس محمد بيده لأحدهم بمزله أدل منه في الدنيا ) . أستمع حفظ
هل صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أسري به إلى السماء الدنيا وصلى بالأنبياء إماما ؟
إذا كان المسطورة هنا تحتاج إلى دراسة خاصة وهذا أيضاً إن شاء الله في الدرس الآتي نقدم الجواب .
8 - هل صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أسري به إلى السماء الدنيا وصلى بالأنبياء إماما ؟ أستمع حفظ
انتشر في وقتنا الحاضر لدى عامَّة الناس تعليق لوحات الزينة والزخرفة لبعض من آيات الذكر الحكيم كآية الكرسي ومحمد رسول الله وغيرها وهم يتذرعون بوجود الآيات القرآنية على جدران المساجد وكذا على ستار الكعبة المشرفة هل وجود تلك الآيات في المساجد بدعة ؟
الجواب : نعم ، إن تعليق الآيات على جدران المساجد لاسيما إذا كانت بخطوط مزخرفة ومنمقة فيها الأخضر والأصفر كل ذلك من البدع التي حدثت بعد القرون الأولى المشهود لها بالخيرية ، والمساجد يجبُ أن تبنى على البَساطة وعلى الابتعاد عن كل ما هو زينة وهذا بحث طويل ويكفي فيه أن نذكِّر بما رواه البخاري في *صحيحه* : ( أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما وسع في المسجد النبوي وجدد شيئاً من بنيانه ، قال للبنَّاء : أكِنَّ الناس من الحر والقر ولا تُحمِّر ولا تُصفِّر ) :
( أكِنَّ الناس من الحر والقر ولا تحمل ولا تصفر ) : لأن المقصود من بناء المساجد ليس هو المباهاة كما يفعل النصارى بكنائسهم وبيعهم وإنما هو إيواء الناس وتجميعهم لأداء الصلوات التي فرضها عليهم جماعة ، فإذا كتبت هناك آيات في المساجد مزخرفة تكون داخلة في هذا المحذور وهو الابتداع في الدين .
لكن بلا شك لا يمكن أن يقال : إن الحكم في البيوت هو نفسه ينقل إليها من المساجد ، لكن فيما نحن بصدد الجواب عنه وهو :
تعلق الآيات في البيوت هو أيضاً من البدع في الدين ، والسبب في ذلك أن الآيات ما نُزِّلت لتعلقها على الجدر ، وإنما أُنزلت لتستقر على الأقل معانيها وآثارها في قلوب المؤمنين إذا ما استطاعوا جميعاً وهذا هو الواقع أن يحفظوا القرآن في صدورهم حفظاً عن غيب ، وهذا ليس بالواجب ، لكن الواجب أن تستقر معاني القرآن خاصَّة التي يجب على كل مسلم أن يكون على علمٍ بها أن يستقر ذلك في نفوسهم .
والشيطان مِن كيده ببني الإنسان أنه في كثير من الأحيان يصرفه عن العمل الذي فرضه الله عليه إلى أمور شكلية يوهِمه أن هذا الأمر الشكلي هو يكفيك ويُغنيك عن العمل ، طبعاً هذا يتدرج فيه الشيطان حتى ما ينتبه الإنسان للمحذور الذي يقع فيه إلا بعد زمن وبعد أن يكون الإنسان انطبع بطابع الشيطان واستُدرج باستدراجه إياه ثم مِن الصعب أن يرجع القهقرى أو أن يستأنف حياته الصحيحة.
خذ مثلاً من واقع حياتنا اليوم بين كثير من الفتيات المسلمات اسماً مع الأسف الشديد ، فلم يبق عند المرأة المسلمة هذه مما يدل على إسلامها إلا أن تُعلق مصحفاً صغيراً ذهب أو مُذهَّب على صدرها ، لم يبق ما يميزها عن الكافرة النصرانية إلا أن هذه المسلمة تعلق مصحفاً وتلك تعلق صليباً .
كذلك مِن قبل درَّج الشيطان النصارى وصرفهم عن العمل بإنجيلهم أولاً في اعتقادهم أن عيسى صلب ، ثم لم يدعهم عند هذه الضلالة وكفى بها ضلالة إلا وصور لهم وزين لهم أن يتخذوا شعاراً لهم هذا الصليب وأن يُعلقوه على صدورهم ، وتصديقاً أو مصداقاً لقوله عليه السلام في الحديث الصحيح : ( لتَتبِعنَّ سَنن من قبلكم شبراً بشبر ) إلى آخر الحديث :
عادت النساء هذه المسلمات اسماً إلى التشبه بالكافرات من النصارى فوضعن على صدورهن مصحف صورة رمز ، ماذا يفيدهن هذا وهنَّ قد كفرن إما اعتقاداً وإما عملاً وأحلاهما مر ، قد كفرن بما في القرآن من مثل قوله تبارك وتعالى : (( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن )) تركن العمل بالقرآن وهذا مثل إلى تعليق القرآن المذهَّب على صدورهن ، هذا هو الإسلام ، الشيطان هذه هي وظيفته :
أن يُشغل المسلمين نساءً ورجالاً بالأمور الشكلية ويصرفهم عن الحقائق العملية ، لذلك كان السلف الصالح رضي الله عنهم يهتمونه كثيراً وكثيراً جداً بالابتعاد عن مُحدثات الأمور ولو كان ظاهرها حسن ، لكن الحقيقة أن الأمر كما قال عليه السلام وكما نُسمِعكُن دائماً وأبداً في مطلع دروسنا : ( أن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ).
وهنا أسئلة والله مبارك فيها هذه المرة وإن شاء الله في الدرس الآتي نقدم الجواب عنها بإذن الله .
والسلام عليكم .