تحت باب شروطه وما نهي عنه
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : غلا السعر في المدينة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال الناس : يا رسول الله غلا السعر فسعر لنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله هو المسعر ، القابض ، الباسط ، الرازق ، وإني لأرجو أن ألقى الله تعالى وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في دم ولا مال ) . رواه الخمسة إلا النسائي ، وصححه ابن حبان .
قوله : ( غلا السعر ) أي : ارتفع وزاد ، يقال : غلا يغلو ، وكل هذه المادة الغين واللام والألف أو الواو كلها فيها نوع من الزيادة : (( كالمهل يغلي في البطون * كغلي الحميم )) والغليان فيه ارتفاع وزيادة .
( غلا السعر ) يعني ارتفع وزاد ، غلا : يعني زاد في الحد فيه أيضا زيادة ، والسعر : قيمة الأشياء أي ارتفعت القيمة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم قالوا : ( يا رسول الله غلا السعر فسعر لنا ) : يعني قدر قيمة الأشياء ،
فقل مثلا : صاع البر بكذا وصاع التمر بكذا وصاع الأقط بكذا وما أشبه ذلك ، لأنه إذا سعر فلن يزيد أحد على تسعيره ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم بين لهم أن ذلك ليس إليه ، لأن الذي من بيده ملكوت السموات والأرض هو الله عز وجل ، فقال : ( إن الله هو المسعر ) : يعني هو الذي بيده الأمر إن شاء عز وجل أغلى السعر ، وإن شاء أرخص السعر ، كيف ذلك ؟ لأن سبب الغلاء إما زيادة في نمو الناس ، وإما نقص في المحصول ، وإما جشع وطمع ، وكل ذلك بيد الله عز وجل .
الزيادة في النمو بيد من ؟ بيد الله عز وجل ، وكذلك أيضا النقص في المحصول والزيادة فيه بيد الله ، ومعلوم أنه إذا نقص المحصول زاد السعر ، أو يكون من باب الطمع والجشع وهذا أيضًا بيد الله ، لأن الطمع والجشع مِن فعل الإنسان والله تعالى خالق للإنسان وخالق لفعله ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله هو المسعر ) ، لأنه هو الذي يفعل أسباب الزيادة وأسباب النقص . طيب ( القابض الباسط ) : وهذا مأخوذ من قوله تعالى : (( يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر )) .
الطالب : من قوله تعالى .
الشيخ : من قوله تعالى ، فهو القابض الذي يقبض الشيء ويقلله ، الباسط الذي يبسطه ويوسعه ويكثره ، وهذا من جملة أفعاله عز وجل : يقبض ويبسط (( والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون )) .
ثم ( الرازق ) : يعني المعطي ، والرازق في الأصل العطاء كما قال الله تعالى : (( فارزقوهم منه )) ، (( وارزقوهم فيها )) أي : أعطوهم ، ورزق الله عز وجل ينقسم إلى قسمين :
رزق مادة الحياة الجسدية .
ورزق مادة الحياة الروحية أو القلبية .
فالأول يكون بالطعام والشراب والكسوة والسكن ، والثاني يكون بالعلم والإيمان .
وعلى هذا فنقول : من ليس له كسب إلا المحرم كالمرابي ، هل الله رازقه ؟ الجواب : نعم ، رازقه بالمعنى الأول ، أما بالمعنى الثاني فلا شك أنه ناقص الإيمان لأنه لو كان إيمانه كاملا ما انتهك محارم الله عز وجل بأكل الربا ، الكافر مرزوق ولا لا ؟
الطالب : بلى .
الشيخ : بأي المعنيين ؟
الطالب : الأول .
الشيخ : بالمعنى الأول ، لأن الله تعالى رزقه ما يقوم به جسده ، أما ما يقوم به قلبه من العلم والإيمان فإنه مفقود ، لأن علمه إن كان عنده علم ينتفع به وإيمانه معدوم .
طيب يقول : ( وإني لأرجو أن ألقى الله تعالى وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في دم ولا مال ) ، ( لأرجو أن ألقى الله ) : الرجاء هو الطلب ، الطلب النفسي مع وجود أسباب حصول المطلوب ، هذا الرجاء ، إذًا هو : " الطلب النفسي مع وجود أسباب حصول المطلوب " ، فهو في الأمور الميسورة ، والتمني في الأمور المتعذرة أو المتعسرة ، لكنه طلب كالرجاء ، لكن الرجاء يكون في الأمور القريبة ، والتمني في الأمور البعيدة .
وقوله : ( إني لأرجو أن ألقى الله تعالى ) : ما معنى تعالى ؟ معنى تعالى أي : ترفع ، وتعاليه عز وجل معنوي وحسي ، أما تعاليه المعنوي : فهو أنه سبحانه وتعالى متعال عن كل نقص ، وأما الحسي : فهو متعال على جميع الخلق كما قال تعالى : (( الكبير المتعال )) .
يقول : ( وما أحد منكم يطلبني بمظلمة ) : ما أحد يطلبني يعني : يكون له عندي مظلِمة ويجوز مظلَمة .
( في دم ولا مال ) : في دم كالاعتداء على النفس ، ولا مال كالاعتداء على المال .
هذا الحديث القصة فيه مشهورة واضحة معروفة ، وهي أن الصحابة لما غلا السعر لجؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكون إليه الأمر ، وطلبوا إليه باعتباره ذا السلطة والإمامة أن يُسعر لهم ، فامتنع النبي صلى الله عليه وسلم وببن أن الأمر بيد الله عز وجل ، وأن التسعير على الناس نوع من الظلم ، ورجا الله عز وجل أن يلقاه وما أحدٌ منهم يطلبه بمظلمة في دم ولا مال .
2 - وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : غلا السعر في المدينة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال الناس : يا رسول الله غلا السعر فسعر لنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله هو المسعر ، القابض ، الباسط ، الرازق ، وإني لأرجو أن ألقى الله تعالى وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في دم ولا مال ) . رواه الخمسة إلا النسائي ، وصححه ابن حبان . أستمع حفظ
فوائد حديث :( أنس بن مالك رضي الله عنه قال : غلا السعر في المدينة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ...).
أولا : أن غلاء السعر سبب للقلق ، أي : لقلق الناس واضطرابهم ، وهو كذلك لما فيه من ضيق القوت .
ويتفرع على هذه الفائدة : أن رُخص الأسعار فيه توسعة للناس ، وانبساط ، ولكن اعلم أن رخص الأسعار قد يكون أحيانا ضررا على آخرين ، ولكن العبرة بالعموم ، فرخص الأسعار مثلا في المنتوجات قد يتضرر به مَن ؟ المنتجون ، لكن عامة الناس ينتفعون به ، والمصالح العامة مقدمة على المصالح الخاصة ، ألا ترى إلى المطر يعتبر من رحمة الله ، ويفرح الناس به ، وقد يكون ضررا على بعض الناس ، أليس كذلك ؟
الطالب : بلى .
الشيخ : قد يكون ضررا كالمزارع لا يحب المطر لأنه قد أسقى زرعه آخر سقية وإذا أسقاه آخر سقية فربما يتضرر الزرع بما يأتي بعد ذلك من الماء ، أو يكون شخص قد بنى بنياناً ولم ييبس فإذا جاء المطر ضره وهدم بنيانه إلى غير ذلك من المسائل التي يكون فيها المطر ضررا لكنه ضرر مغتفر ، لأن قليل في جانب النفع العام ، واضح يا جماعة ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : طيب ، من فوائد الحديث : أن الصحابة رضي الله عنهم يشكون الأمور التي تقلقهم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم رجاء أن يعالجها بنفسه أو بدعاء الله سبحانه وتعالى .
( الرجل الذي دخل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس يوم الجمعة قال : يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله أن يغيثنا ) : هذا طلبَ من النبي عليه الصلاة والسلام علاج هذا الموقف بماذا ؟
الطالب : الدعاء .
الشيخ : بدعاء الله ، وهنا الصحابة طلبوا علاج الموقف بفعل النبي صلى الله عليه وسلم ولكن الرسول تبرأ من ذلك.
ومن فوائد الحديث : إثبات أن الله عز وجل هو الذي بيده الأمور دون غيره لقوله : ( القابض الباسط الرازق ) ، وهذا يقوله النبي صلى الله عليه وسلم وهو أحق الناس بأن يكون له شيء من التدبير لو كان لأحد من المخلوقين شيء من التدبير ، فإذا انتفى هذا الأمر بالنسبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فانتفاؤه بالنسبة لغيره من باب أولى ، وعلى هذا فلا يجوز للإنسان أن يعلق قلبه بأحد إلا بالله سبحانه وتعالى .
ومن فوائد الحديث : وصفُ الله بأنه مسعِّر ، لأن التسعير نوع من أنواع فعله سبحانه وتعالى ، فهو الذي يسعر الأشياء ويقدر قيمتها بما يقدره من الأسباب ، وقد ذكرنا أسباب الغلاء قبل قليل بأنها ثلاثة ما هي ؟ كثرة النمو ، والثاني : قلة المحصول ، والثالث : الجشع والطمع .
طيب ، ومن فوائد الحديث : وصف الله عز وجل بالقابض والباسط ، لقوله : ( القابض الباسط ) .
ومن فوائد الحديث أيضًا : وصفه بالرازق ، فهل هذه أوصاف لأنها أنواع من أفعاله أو هي أسماء ؟
يحتمل أن تكون أسماء من أسماء الله ، لأنها دخل عليها أل ، ويحتمل أن تكون أوصافا ، لأنها أنواع من الفعل فهي كالضحك والغضب والسخط والرضا وما أشبه ذلك ، فهي أنواع من الفعل فلا تكون من أسماء الله ، ولهذا لم يأت من أسماء الله ، لم يأت شيء منها في القرآن إلا بلفظ الفعل : (( يقبض ويبسط )) ، أما الرازق فجاءت في قوله تعالى : (( وهو خير الرازقين )) ، لكن الرازق هنا غيرها ، لأنه قال : (( خير الرازقين )) ، والمفضل غير المفضل عليه ، لكن جاءت في القرآن اسمًا بلفظ الرَّزاق ، وفرق بين الرَّازق والرَّزَّاق لأن الرزاق نسبة وصيغة مبالغة بخلاف الرازق .
ومن فوائد الحديث : تحريم التسعير ، لقوله : ( وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة ) ، وهذا يدل على أن التسعير ظلم لأن فيه احتكار للسعر ، فإذا سعر ولي الأمر وقال : لا يباع إلا بكذا ، هذا لا شك أن فيه احتكار ، لأن الأشياء قد ترتفع مؤنتها ويحتاج البائعون إلى زيادة الثمن ، وهذا كله بيد الله ، ولكن في هذا تفصيل :
فإن كان سبب الغلاء احتكار الناس وطمعهم ، فإن الواجب على ولي الأمر أن يسعر .
وإن كان سبب الغلاء زيادة النمو أو قلة المحصول فهذا ليس بفعل الإنسان فلا يجوز لولي الأمر أن يسعر ، وإنما عليه أن يوفر ما يحتاجه الناس إذا أمكنه ذلك ، فعلى هذا نقول -نعم قبل أن نقول هذا التفصيل- .
إذا قال قائل : ما دليلكم على أنه إذا كان سبب الغلاء احتكار الناس فإنه يجوز التسعير ؟
قلنا : دليلنا الحديث الذي بعده عن معمر بن عبد الله رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يحتكر إلا خاطئ ) ، وإذا كان لا يحتكر إلا خاطئ ، دل هذا على أن الاحتكار حرام ، لأن الخاطئ مرتكب الإثم عن عمد ، والمخطئ مرتكب الإثم عن غير عمد ، ولهذا يُعفى عن المخطئ ويعاقب الخاطئ ، قال الله تعالى في سورة العلق : (( ناصيةٍ كاذبةٍ خاطئة )) ، وقال تعالى : (( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا )) ، واسم الفاعل من : (( أخطأنا )) مخطئ ، لأنه رباعي ، واسم الفاعل من خَطِئ خاطئ ، فالخاطئ آثم والمخطئ غير آثم .
إذًا المحتكر خاطئ آثم ، وإذا كان آثما وجب أن نرفع هذا الإثم ، فإذا كان سبب الغلاء احتكار الأغنياء وجب أن يسعر عليهم ، ولا يجوز أن تطلق لهم الحرية في الاحتكار .
طيب إذًا التسعير فيه إيش ؟ تفصيل إذا كان سببه احتكار الأغنياء وجب التسعير .
إذا كان سببه كثرة النماء أو قلة المحصول فإنه يحرم التسعير ، لأن هذا ليس بفعل أحد بل هو بفعل الله عز وجل .
3 - فوائد حديث :( أنس بن مالك رضي الله عنه قال : غلا السعر في المدينة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ...). أستمع حفظ
وعن معمر بن عبدالله رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يحتكر إلا خاطئ ) . رواه مسلم .
ثم نقل المؤلف : " عن معمر بن عبد الله رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لا يحتكر إلا خاطئ ) " :
الاحتكار بمعنى حبس الشيء ، حبس الشيء وإمساكه، هذا الاحتكار ، والمراد لا يحتكر -يا عبد الرحمن- المراد لا يحتكر يعني لا يحبس الشيء ويمنعه عن البيع ( إلا خاطئ ) .
والاحتكار نوعان : احتكار بمعنى الحبس حبسًا مطلقا ، بحيث لا يبيع ، كل من جاءه يطلب منه السلعة التي عنده أبى أن يبيعها ، والثاني : احتكار مقيد أي : أنه يحتكر السلع إلا بثمن يرضاه هو وإن كان فوق ثمن العادة ، وكلاهما خطأ قال الرسول عليه الصلاة والسلام : ( لا يحتكر إلا خاطئ ) ، والخاطئ : هو مرتكب الخطأ عمدا وقصدا ، وعكسه المخطئ ، فإنه مرتكب الخطأ من غير عمد .
طيب إذًا المحتكر خاطئ أي : مرتكب للخطأ عن عمد ، وإذا كان خاطئا فإن الواجب رده إلى الصواب ، وذلك بأن يسعَّر عليه ، فإن كان قد منع بالكلية أجبر على البيع ، وإن كان قد منع إلا بالسعر الذي يراه هو أجبر على البيع بسعر المثل .
ثم إن ظاهر الحديث عموم الاحتكار في كل شيء ، وقيده بعض أهل العلم بالأشياء التي تكون ضرورية ، يضر الناس احتكارها ، أما الأشياء التي ليست ضرورية فإن للإنسان أن يحتكرها كالأمور الكمالية .
والصواب العموم ، لأن الكمال الكماليات والضروريات أمرها نسبي فقد يكون هذا الشيء كماليا عند قوم ضروريا عند آخرين ، ولا يمكن انضباط هذا الشيء .
فنقول : كل شيء يحتكره الإنسان مما يباع في الأسواق فإنه يعتبر خاطئا ، ( لا يحتكر إلا خاطئ ) .
ثم إن ظاهر الحديث أنه لا فرق بين أن يكون المحتكر واحدًا يشتري كل ما في السوق ثم يحتكره ، أو جماعة تحتكر هذا الشيء تتفق على أنها لا تبيعه إلا بسعر معين وهو لا يوجد عند غيرها كالخبازين مثلا والجزارين .
قال الخبازون : سنتفق على أن نبيع الخبز ثلاثا بالريال ، ولكنهم يربحون إذا باعوا أربعا بالريال هنا احتكروا .
قال الجزارون : سنتفق على أن نبيع الكيلو بعشرين ريالا وهم يربحون إذا باعوا بخمسة عشر ريالا هؤلاء محتكرون ، يجب على ولي الأمر أن يجبرهم على البيع كما يبيع الناس .
فإذا قال قائل : الناس هم ، لا يوجد أحد يبيع هذه السلع إلا هم ؟ قلنا : حينئذ يقدر ولي الأمر رأس المال ويقدر الربح ويقدر المؤونة والنفقة التي تترتب على إصلاح هذا الشيء ، ثم يضيف إليها نسبة معينة تكفي في الربح غالبا ، مثلا يقول : نقدر قيمة الدقيق ، قيمة العمال ، قيمة الوقود ، قيمة الأجرة أجرة المكان ، ثم نقدر نسبة أخرى تضاف إلى هذه القيمة تكون مقاربة ويجبر الناس على البيع على هذه الصفة .
من ذلك الآن ما يوجد بالصيدليات حيث قررت قيمة الأدوية وصار الناس لا يتلاعبون ، ولهذا نجد الشيء الذي لم تقدر قيمته نجد فيه تلاعبا كثيرا ، تدخل على صاحب المحل تقول : كم هذه السلعة ؟ فيقول لك : بمئة ، وتدخل على جاره تقول : بكم السلع هذه ؟ يقول : بخمسين ، إلى هذا الحد يعني يكون الفرق النصف والسلع واحدة والسوق واحد ، نعم كل هذا بسبب الاحتكار ، وغالب المشترين لا يعرفون الأسعار فيشترون كيفما اتفق .
بل إنه من العجب العجاب أن بعض الناس يشتري السلعة بثمن زهيد ثم يعرضها للبيع ويقول : إن ذكرتُ ثمنها وربحاً معتادًا قال الناس : هذه سلعة بائرة ، وإن رفعته وقلت : سعر الثمن كذا وكذا قالوا : هذه سلعة جيدة ، يقولون : إنهم يشترون هذه السلعة من البلد الآخر بعشرة ، ويبيعونها في هذا السوق بخمسين بل بثمانين ، لماذا ؟
قالوا : والله لأني لو أقول : هذه السلعة بخمسة عشر ، قالوا : هذه السلعة بائرة فهل يجوز لهذا الرجل أن يصنع هذا الصنع ؟
الطالب : لا يجوز .
الشيخ : لا ، نقول : إن في ذلك ضررًا بالناس ، والواجب على أهل الحسبة في الأسواق أن ينظروا ، فإذا كانت القيمة خمسة عشر مشوا إلى البائعين الآخرين ، وإذا كانوا قد رفعوا القيمة عن هذا المعتاد أجبروهم على أن ينزلوا القيمة حتى يعرف الناس أن كل الذي في السوق على حد سواء ، وغالب الناس عقولهم بما يسمعون أو يشاهدون ، كما يقول العامة يقول : " هذا عقله في عيونه وعقله في أذنه " ، إذا سمع أن الثمن كثير قال : هذه السلعة جيدة ، هذه جيدة ، وإذا كان قليل ولو كانت السلعة جيدة قال : هذه بائرة ليست بشيء .
طيب هذا الحديث أتى به المؤلف -رحمه الله- بعد حديث أنس ليُستدل به على أنه إذا كان سبب الغلاء احتكار الناس فإنهم خاطئون أي : الناس الذين احتكروا ، ويجب أن يسعر عليهم ، وأن يبيعوا بربح مناسب .
4 - وعن معمر بن عبدالله رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يحتكر إلا خاطئ ) . رواه مسلم . أستمع حفظ
فوائد حديث :( لا يحتكر إلا خاطئ ).
تحريم الاحتكار لقوله : ( لا يحتكر إلا خاطئ ) .
ومن فوائده أيضًا : عموم الاحتكار ، عموم تحريم الاحتكار في أي شيء ، لأن الحديث مطلق لم يقيد .
ومن فوائده أيضًا : وجوب النصح للمسلمين ، لأن الاحتكار على خلاف النصيحة ، والواجب على المؤمن أن ينصح لإخوانه المؤمنين ، وألا يحتكر عليهم السلع التي يريدونها .
ومن فوائد الحديث : أن الذي يبيع كما يبيع الناس ويسهل للناس فإنه مصيب ، وأخذنا هذا من إثبات الخطأ للمحتكر ، فيكون من وسع على الناس وبذل الشيء مصيبًا ليس بخاطئ .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تصروا الإبل والغنم فمن ابتاعها بعد فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها ، إن شاء أمسكها ، وإن شاء ردها وصاعاً من تمر ) . متفق عليه . ولمسلم : ( فهو بالخيار ثلاثة أيام ) . وفي رواية له علقها البخاري : ( ورد معها صاعاً من طعام لا سمراء ) ، قال البخاري : والتمر أكثر .
( لا تصروا ) : لا ناهية ، وتصروا فعل مضارع مجزوم بلا الناهية وعلامة جزمه حذف النون ، والواو فاعل ، وهي مروية بوجهين : تَصرُّوا وتُصرُّوا والأرجح الأخير مأخوذة من التصرية وهي الجمع .
وقوله : ( الإبل والبقر ) أي : لبن الإبل والبقر ، وكانوا يجمعون لبنها في ضروعها ، ليظن ! وكانوا يجمعون لبنها في ضروعها !
الطالب : الغنم .
الشيخ : أنا إيش قلت ؟
الطالب : البقر .
الشيخ : يصرون الإبل ، يصرون اللبن في ضروعها ضروع الإبل والغنم ، ليظن من رآها أنها كثيرة اللبن فيشتريها بزيادة ، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، لأن ذلك غش وخديعة وخيانة ، وهو عند الفقهاء من باب التدليس : وهو إظهار الرديء بصفة أجود مما هو عليه في الواقع .
وقوله : ( الإبل والغنم ) : الإبل اسم جامع لا واحد له من لفظه ، لكن له واحد من معناه ما واحده ؟ بعير .
والغنم واحده الغنمة ، وتشمل الضأن والمعز .
قال : ( فمن ابتاعها بعد ) أي : فمن اشتراها ، بعدُ : أي : بعد التصرية وبنيت بعدُ على الضم لأنه حذف المضاف إليه ونوى معناه ، وقد مر بنا أن بعد وقبل وأخواتهما لها أحوال : فتارة تبنى على الضم ، وتارة تعرب بالتنوين ، وتارة تعرب بلا تنوين .
متى تعرب بلا تنوين ؟ إذا أضيفت لفظا أو تقديرا .
وتعرب بتنوين إذا قُطعت عن الإضافة لفظا وتقديرا .
وتبنى على الضم إذا قُطعت عن الإضافة لفظا لا تقديرا ، يعني من أنه يحذف المضاف إليه وينوى معناه .
طيب وقوله : ( فهو بخبر النظرين ) : يعني فهو فيما يرى أنه خير له مِن أي شيء ؟ قال : ( إن شاء أمسكها وإن شاء ردها وصاعا من تمر ) .
وقوله : ( بعد أن يحملها ) : لم يذكر أمد الخيار في هذه الرواية .
لكن قال : " ولمسلم : ( فهو بالخيار ثلاثة أيام ) ، وفي رواية علقها البخاري : ( وردَ معها صاعًا من طعام لا سمراء ) قال البخاري : والتمر أكثر .
وعن ابن مسعود رضي الله عنه : ( من اشترى شاة ملحفة فردها فليرد معها صاعا ) رواه البخاري وزاد الإسماعيلي : ( من تمر ) " :
هذا الحديث كما ترون نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تصرية الإبل والغنم والنهي يقتضي التحريم ، فيستفاد من ذلك : تحريم تصرية الإبل والغنم أي : جمع اللبن في ضروعها ، وهل يُلحق بالإبل والغنم ما سواهما ؟ الجواب : نعم مثل البقر والجاموس وغيرها ، وهل يُلحق بمباح الأكل محرم الأكل، كالأتان يعني حمارة ؟ نعم ؟
قال بعض أهل العلم : يلحق ، لأن كثرة اللبن في الحمارة نعم مقصود ، وإن كان الإنسان لا يشربه ، لكن يشربه ولدها وولد غيرها ، فهو مقصود .
وقال بعض العلماء : بل إن الأتان لا حكم لتصريته ، لأن لبنها لا عِوض له ، والنبي عليه الصلاة والسلام جعل لهذا اللبن المصرَّاة عوضا وهو صاع من تمر نعم ، من فوائد الحديث .
الطالب : الراجح ؟
الشيخ : الراجح الأول ، الراجح أنه خاص بمباح اللبن ، اللهم إلّا إذا كان ذلك عيب في الأتان فإن للمشتري الفسخ من أجل العيب .
6 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تصروا الإبل والغنم فمن ابتاعها بعد فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها ، إن شاء أمسكها ، وإن شاء ردها وصاعاً من تمر ) . متفق عليه . ولمسلم : ( فهو بالخيار ثلاثة أيام ) . وفي رواية له علقها البخاري : ( ورد معها صاعاً من طعام لا سمراء ) ، قال البخاري : والتمر أكثر . أستمع حفظ
فوائد حديث: ( لا تصروا الإبل والغنم فمن ابتاعها ... ).
الطالب : بالنص .
الشيخ : كيف ؟ أين النص ؟
الطالب : لأن هذا من التدليس .
الشيخ : إذًا بالقياس ، نقول : لما حرم الشارع تصرية الإبل والغنم من أجل التدليس على المشتري نقيس عليه كل ما فيه تدليس .
ومن ذلك ما ذكره الفقهاء -رحمهم الله- جمع ماء الرحى وإرساله عند عرضها ، جمع ماء الرحى وإرساله عند عرضها : الرحى معروفة التي يطحن بها الحب ، وجمع مائها : هي أنهم كانوا يجعلون الرحى على الأنهر ، ويجعلون لها ريشًا كالمروحة ، إذا مرَّ بها الماء حرك هذه الريشة واستدارت وهنا سير متصل بالرحى ، إذا استدارت هذه المروحة استدارت الرحى ، فإذا كانت الجرة قوية صار دوران المروحة قوياً فقوي الطحن ، أو قوي دوران الرحى وكثر الطحن ، يستعملون هذا التدليس بأن يجمعوا ماء الرحى يحبسونه ، فإذا أرادوا أن يعرضوها للبيع فتحوا عليها الماء ، فيأتيها الماء مندفعا بشدة ، فيظنها المشتري أن هذا هو دأب هذه الرحى فيزيد في قيمتها .
كذلك تسويد شعر الجارية التي ابيض شعرها من الكبر ، فيسوده ، ليظن الرائي أنها شابة ، وهي من القواعد اللاتي لا يرجون نكاحا .
كذلك أيضا إذا كانت السيارة مصدومة عدة صدمات فسمكرها وطلاها باللون الموافق للونها الأصلي ، فيظن الرائي أنها جديدة فيزيد في قيمتها ، وهي قديمة مصدومة .
طيب من ذلك أيضا أن يليّس البيت عند بيعه ليظن الظان أنه جديد .
المهم الضابط إذًا : " إظهار السلعة بصفة مرغوب فيها وهي خالية منها " ، هذا الضابط ، أن يظهر البائع السلعة بصفة مرغوب فيها وهي خالية منها . من ذلك أيضا إذا أراد أن يبيع رقيق ، نثر على ثوبه حبرا حبرا ليش ؟ ليظن أنه كاتب نعم ، وهو ملطخ بالحبر ، ليظن الظان أنه كاتب ، ثم إن التدليس بعضه قريب وبعضه بعيد ، يعني مثلا : كون هذا الرقيق على ثوبه حبرا يعني ليس من لازمه أن يكون كاتبا ، لكن قد يظن الظان أنه كاتب .
طيب وكذلك أيضا تسويد اللحية إذا أراد أن يبيع رقيقًا فيظن أنه شاب قص لحيته من اليمين والشمال والأسفل ، نعم ، ثم سودها حتى يراه الرائي وكأنه شاب .
لا بد من تزوير هو رقيق ، على كل حال الضابط لنا والأمثلة كثيرة الضابط عندنا هو : أن يظهر السلعة بصفة مرغوب فيها وهي خالية منها في الحقيقة . طيب ها ما كملنا يا أخي ، آه جاءت الأسئلة طيب !
الطالب : أقول مثلا رجل أراد أن يخطب .
الشيخ : ها ؟ هذا إي .
الطالب : أقول : هذا من التدليس أو لا ؟
الشيخ : ويش تقولون في هذا ؟
الطالب : تدليس .
الشيخ : إي ، إي نعم .
ما حكم من يسود لحيته ليخطب امرأة ويقال عنه إنه شاب ؟
السائل : بعضهم من الصبغة .
الشيخ : إيش ؟
السائل : صبغة ، يعني يجعل السواد من فوق واليبياض من تحت تدليس يعني ؟
الشيخ : إي إلا تدليس ، وسيأتي نفس الموضوع في الحديث التالي ، أحمد !
إذا كانت أثمان السلع معروفة في البلد وراغبين فيها فجاء جالب إلى السوق وباع بنصف الثمن فهل يمنع من ذلك يعني عكس الاحتكار ؟
الشيخ : إيش ؟
السائل : اتفق تجار البلد على سعر معين للسلعة ، والناس راضون ، لكن يجي أحيانا بعض أهل السيارات يبيعون في السوق بسعر رخيص ، نفس الرجل هذا يجوز أن نمنعه ؟ وقد يكون من الجهال يبيع برخيص .
الشيخ : ما تقولون في هذا ? يقول : إذا كانت أثمان السلع معروفة في البلد ، جارية بين الناس وراضين فيها ، فجاء جالب إلى السوق وباع بنصف الثمن فهل يمنع ؟ يعني عكس الاحتكار هذا ، آه ، هذا فيه تفصيل :
إذا كانت قيم السلع كما قال أهل البلد ، وأن الناس لا يربحون إلا بهذه القيمة فله أن يمنعه ، وقد فعل ذلك بعض الخلفاء الراشدين ، لأنه يفسد على الناس أسواقهم .
وأما إذا كانوا محتكرين والناس لا يعلمون أن هناك ثمنا أقل اشتروا ، اشتروا به فلا يمنعه ، بل له أن يرخص له في البيع .
9 - إذا كانت أثمان السلع معروفة في البلد وراغبين فيها فجاء جالب إلى السوق وباع بنصف الثمن فهل يمنع من ذلك يعني عكس الاحتكار ؟ أستمع حفظ
سؤال عن بعض التدليسات في بيع السيارات كمن اصطدمت سيارة وصلحا ولم يخبر المشتري بذلك ؟
الشيخ : ها ؟
السائل : يعني إذا سمكرها رجعت مثل الأول ما يحتاج يتركها بدون سمكرة ولا بوية .
سائل آخر : لا ترجع زي أول .
الشيخ : أولًا : نحن نمنع هذا ، نجيبك على هذا الإيراد بالمنع تارة وبالتسليم أخرى .
أما المنع فإنها لا يمكن أن ترجع على حالتها الأولى أبدا ، لأن الصبغ الأول ثابت أشد ثبوت من الصبغ الجديد ، هذه واحدة .
ولأن الحديد إذا صُدم سوف تتأثر قوته ، لأنه يعني ينهشم ، ثم يرض ، وتعرف أن الحديد إذا صهر ثم رض ينقص ، أحيانا يكون شريط طوله مرتين ثلاثة كذا ثم ها ينقطع ، هكذا الحديد المصفح إذا انهشم ثم رد تضعف قوته .
السائل : يعني يجب عليه أن يخبره .
الشيخ : نعم .
السائل : يقول للمشتري : إنها صدمت .
الشيخ : ثالثا : سلمنا أنها ترجع إلى حالها ، سلمنا ، هذا المنع عرفت المنع ولا لا أنها لا ترجع ، التسليم أن نسلم أنها ترجع إلى حالها ، فهل إذا عاملك أحد بهذه المعاملة ترى أنه خدعك ولا ترضى ؟
السائل : حسب العرف بين الناس .
الشيخ : هل ترضى ولا لا ؟ أسألك الآن لو بعت عليك سيارة مسمكرة أصيبت ، ومن الظاهر كأنها جديدة ترضى ؟
السائل : أرضى يا شيخ .
الشيخ : لا ما ترضى ، أنا شخصيا لا أرضى ، وعلى هذا فيجب عليك أن تبلغ .
السائل : قيمتها عند الناس تنقص .
الشيخ : يجب أن تبلغ تقول : يا جماعة ترى هذه حصل فيها كذا وكذا ولكن صلحتها نعم ، نعم .
بعض أصحاب الذهب الآن السلعة تساوي تسعين ريال فيزيدون مثلا إلى مائة وأربعين ثم إذا قال لهم الزابون نزلوا نزلو مثلا إلى مائة أو تسعين وينسبون ذلك إليكم ؟
الشيخ : هذا الحكم لأهل الذهب ولغيرهم .
السائل : كيف ؟
الشيخ : نعم إذا كان الرجل المشتري تعرف أنه رجل مماكس ، تقول مثلا السلعة التي تساوي مئة بمئة وخمسين ، تعرف أنه يقول لك : لا إلا تشري بثمانين ، وأنت وإياه في معركة إلى أن يصل إلى مئة ، وتبيعها عليه ، لكن إذا كان الرجل سليماً سليم القلب ما يعرف ، ما يجوز تقول له بمئة وخمسين وأنت تبيعها بمئة ، إن شاء أمسكها وإن شاء ردها .
11 - بعض أصحاب الذهب الآن السلعة تساوي تسعين ريال فيزيدون مثلا إلى مائة وأربعين ثم إذا قال لهم الزابون نزلوا نزلو مثلا إلى مائة أو تسعين وينسبون ذلك إليكم ؟ أستمع حفظ
تتمة شرح حديث :( لا تصروا الإبل والغنم فمن ابتاعها بعد فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها ، إن شاء أمسكها ، وإن شاء ردها وصاعاً من تمر ) . متفق عليه . ولمسلم : ( فهو بالخيار ثلاثة أيام ) . وفي رواية له علقها البخاري : ( ورد معها صاعاً من طعام لا سمراء ) ، قال البخاري : والتمر أكثر .
يقول النبي عليه الصلاة والسلام : ( فمن ابتاعها بعد فهو بخير النظرين ) أي : بما يرى أنه خير له إما الإمساك وإما الرد ، وقوله : ( بعد أن يحلبها ) : لم يُذكر في هذه الرواية المدة التي تضرب له لكنه في الرواية الأخرى رواية مسلم قال : ( فهو بالخيار ثلاثة أيام ) ، من أين ؟ مِن العقد ولا من الحلب ؟
يقول : ( بعد أن يحلبها ) ، إذًا هو بالخيار ثلاثة أيام منذ حلبها ، ننظر هل هذا اللبن الموجود في ضرعها حين الشراء هو اللبن الحقيقي أو لا ؟ وثلاثة الأيام يتبين بها طبيعة هذه البهيمة ، هل لبنها طبيعي أو لبنها محفل ، يعني مجموع ، ولهذا ضرب له ثلاثة أيام .
قال : ( إن شاء أمسكها ) وظاهره أنه يمسكها بلا أرش ، لأن هذا ليس عيبا ولكنه فوات الصفة ، وفرق بين فوات الصفة وبين العيب ، لأن العيب نقص وفوات الصفة فوات كمال ، والعيب قد علمنا أن المشتري يُخيَّر بين أن يرد السلعة وبين أن يقوم له العيب الذي يسمى الأرش ، لأنه عيب ونقص ، أما فوات الشرط أو فوات الصفات الكمالية فإن المشتري يُخيَّر بين أن يفسخ أو يمسك مجاناً ، ولهذا قال : ( إن شاء أمسكها ) ، يعني بدون أن يعطى أرشًا ، ( وإن شاء ردها وصاعا من تمر ) : إن شاء ردها على من ؟ على البائع ، ( وصاعا من تمر ) : صاعا من تمر ، وفي رواية البخاري التي علقها ووصلها مسلم : ( صاعا من طعام لا سمراء ) ، قال البخاري : " والتمر أكثر " : يعني أكثر الروايات : ( صاعا من تمر ) .
والصاع هو مكيال معروف ، وهو يسع من البُر الرزين ما زنته كيلوان وأربعون غراما ، هذا هو الصاع .
وقوله : ( من تمر ) أيضًا التمر معروف ، وهذا الصاع عوض عن اللبن الذي كان في ضرعها حين العقد ، وليس عوضا عن اللبن الذي يدر بعد الشراء ، لأن اللبن الذي يدر بعد الشراء يكون على ملك المشتري فلا يضمن ، وأما اللبن الذي كان موجودا في ضرعها حين البيع فهو ملك للبائع وقد استهلكه المشتري وحلبه ، فقدر له النبي صلى الله عليه وسلم ( صاعا من تمر ) ، وهنا أسئلة :
أولا : لماذا قدر النبي صلى الله عليه وسلم صاعا من تمر دون غيره ؟
قالوا : لأن التمر أشبه ما يكون بالحليب ، لأنه طعام لا يحتاج إلى طبخ ، وفي أنه حلو كالحليب أيضا ، فكان أشبه ما يكون بالحليب التمر .
والسؤال الثاني : لماذا قدره بصاع مع أن اللبن قد يكون كثيرا يساوي أكثر من الصاع وقد يكون قليلا لا يساوي الصاع ، وقد تكون قيمة اللبن مرتفعة أكثر من قيمة الصاع ، وقد تكون نازلة دون قيمة الصاع ؟
فنقول : إنما قدره النبي صلى الله عليه وسلم بالصاع قطعًا للنزاع ، لأنه لو قال : صاعًا من تمر مقابل للحليب ، لو قال ذلك لحصل نزاع بين البائع والمشتري ، البائع يقول : إن اللبن أكثر من ذلك ، والمشتري يقول : إن اللبن أقل ، فإذا كان مقدرا من قبل الشرع رضي الجميع بذلك ، ولم يحصل نزاع .
السؤال الثالث : لماذا لم يوجب النبي صلى الله عليه وسلم رد اللبن الذي حُلب لأول مرة ؟
والجواب على ذلك أن نقول :
أولا : اللبن قد لا يبقى إلى ما بعد ثلاثة أيام كذا ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : قد لا يبقى .
الشيء الثاني : أن اللبن من حين عقد البيع فإنه سيزداد ، سيزداد ، لأن المشتري ليس من اللازم أن يحلبها من حين أن يشتريها ، قال : ربما تبقى ساعة أو ساعتين وفي هذه المدة تدر البهيمة لبنا فيختلط لبن المشتري مع لبن البائع ، وإذا قلنا : يجب عليك أن ترد اللبن صار في هذا أيضًا نزاع ، لأن رده متعذر أو متعسر ، فلهذا أوجب النبي صلى الله عليه وسلم صاعا من تمر .
12 - تتمة شرح حديث :( لا تصروا الإبل والغنم فمن ابتاعها بعد فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها ، إن شاء أمسكها ، وإن شاء ردها وصاعاً من تمر ) . متفق عليه . ولمسلم : ( فهو بالخيار ثلاثة أيام ) . وفي رواية له علقها البخاري : ( ورد معها صاعاً من طعام لا سمراء ) ، قال البخاري : والتمر أكثر . أستمع حفظ
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: من اشترى شاة ملحفة فردها فليرد معها صاعا.رواه البخاري، وزاد الإسماعيلي :من تمر.
13 - وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: من اشترى شاة ملحفة فردها فليرد معها صاعا.رواه البخاري، وزاد الإسماعيلي :من تمر. أستمع حفظ
فوائد حديث :( لا تصروا الإبل والغنم فمن ابتاعها بعد فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها ... ).
الفائدة الأولى : تحريم تصرية الإبل والغنم للنهي في قوله : ( لا تُصرُّوا ) ، فإذا قال قائل : ما الحكمة من ذلك ؟
الجواب : أن الحكمة من ذلك أمران :
الأمر الأول : إيذاء الحيوان ، لأن حبس اللبن يتأذى به الحيوان بلا شك . والثاني : أنه غِش للمشتري ، غش للمشتري ظاهر ، وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال : ( من غشّ فليس منا ) .
ومن فوائد الحديث : أن المشتري للمصراة يخيَر بين ردها أو إمساكها ، لقوله عليه الصلاة والسلام : ( فمن ابتاعها فهو بخير النظرين ) .
ومن فوائد الحديث أيضًا : أن له الخيار مدة ثلاثة أيام ، والتعليق بالثلاثة ورد في نصوص كثيرة متعددة حتى : ( كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا تكلم تكلم ثلاثا ، إذا سلم يسلم ثلاثا ، إذا استأذن يستأذن ثلاثا ) ، والثلاثة معتبرة شرعا في مسائل كثيرة ومنها هذا الحديث .
ومن فوائد الحديث : أنه إذا اختار الرد فإنه يجب أن يرد معها صاعا من تمر ، فإن قال قائل : إذا لم يكن عنده تمر ؟
فإنه يرد معها أقرب ما يكون شبهاً بالتمر من القوت ، لأنه قد يكون في بلاد ليس عندهم نخيل ولا عندهم تمر ، فيرد أقرب ما يكون شبها بالتمر ، وقيل : بل يرد نفس اللبن أو إن كان موجودا أو مثله إن كان قد شربه ، أو قيمته إن تعذر المثل ، ولكن الصحيح أن يرد طعاما أقرب ما يكون إلى التمر ، لأن هذا هو الذي جعله الشارع بدلا عن اللبن المفقود ، ولو كان رد اللبن مقصودًا لقال النبي صلى الله عليه وسلم : فليرد اللبن ، فإن لم يمكن فصاعًا من تمر .
ثم نقول أيضا : إن رد اللبن مثله متعذر ، لأن اللبن الذي وقع عليه العقد لبن في ضرع ، واللبن في الضرع مستحيل رده وتقديره .
طيب من فوائد الحديث : تحريم الظلم ، ويؤخذ ذلك من تحريم التصرية ، وهو كذلك ، فإن الظلم محرم بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين ، قال الله تعالى : (( إنه لا يحب الظالمين )) ، وقال الله عز وجل : (( إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم )) ، وقال تعالى في الحديث القدسي : ( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا ) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( الظلم ظلمات يوم القيامة ) ، والنصوص في هذه كثيرة ، والعلماء مجمعون على تحريم الظلم .
طيب من فوائد الحديث : حماية الشريعة لحقوق الإنسان ، وجه ذلك : النهي عن التصرية ، وجعل مَن غُبن بها مخيرا بين الإمساك والرد .
من فوائد الحديث : أن الإنسان إذا أمسك بفوات صفة مطلوبة فإنه يمسك بلا أرش ، سواء كانت هذه الصفة مشروطة لفظًا أو حالًا ، المشروطة لفظا أن يقول : إنها لبون في مسألتنا هذه ، تقول : إن هذه شاة لبون كثيرة اللبن ، والمشروطة حالا بماذا ؟ بالتصرية ، مصراة ، فإن هذه التصرية تعطي المشتري شرطا على أنها كثيرة اللبن ، فإذا زال هذا المشروط فإننا نقول للمشتري الآن : إما أن تمسكها على ما هي عليه ، وإما أن تردها بخلاف العيب ، والفرق بينهما ما أشرنا إليه آنفا : أن العيب إيش ؟ نقص ، نقص في السلعة ، لأن مقتضى العقد أن تكون السلعة إيش ؟ سليمة خالية من العيب ، وأما هذا فهو فوات كمال ، فهو زائد على أصل ما وقع عليه العقد وهو السلامة .
ومن فوائد الحديث : إثبات الخيار للإنسان ، أي : أنه يفعل باختياره فيكون فيه رد على من ؟ على الجبرية الذين يقولون : " إن الإنسان مجبر على عمله لا يختار شيئا من الأشياء ، بل هو كالسعفة في الهواء والريشة " .
ومن فوائد الحديث : حرص الشرع على قطع المنازعات والبعد عنها ، مِن أين يؤخذ ؟
الطالب : صاعا من تمر .
الشيخ : مِن تقديره الشيء ، تقديره العوض بصاع من تمر ، ونحن إذا تأملنا نصوص الكتاب والسنة وجدنا أن الشرع ينهى عن كل ما يُحدث العداوة والبغضاء بين الناس ، لأنه يريد من الأمة الإسلامية أن تكون أمة متآلفة متحابة ، كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر .
وهذا -أعني البعد عما يوجب التنافر والعداو والبغضاء- كما هو واجب على سائر المسلمين فهو واجب على طلبة العلم بالذات أكثر من غيرهم ، لأن طلبة العلم هم الذين يُقتدى بهم ، وهم الذين يشار إليهم بالسوء أو بالحسنى ، إن أساؤوا صاروا مشمتة للناس ، وصارت سيئاتهم في عيون الناس أكبر من سيئات غيرهم ، وإن أحسنوا صاروا قُدوة للناس في الخير والعمل الصالح وأحبهم الناس .
ويؤسفنا كثيرا أن نجد العداوة والبغضاء والنزاع والخصومات والجدال والتعصب للباطل بين كثير من طلبة العلم ، عند مسائل شرعية ينبغي أن تكون محل اجتماع ومحل اتفاق ووفاق ، لا أن تكون محل عداوة وبغضاء وسب وشتم وتنفير فإن هذا خلاف الشرع وخلاف ما أمر الله به وما أخبر الله به عن هذه الأمة : (( وإن هذه أمتكم أمة وحدة )) ، فإذا كان الشارع يَنهى عن بعض المعاملات المؤداة إلى النزاع والعداوة ، فكيف بالمسائل الشرعية التي تكون هي السبب في العداوة والبغضاء ؟! هذا في الحقيقة شيء يؤسف له ، والواجب على كل مسلم وعلى طلبة العلم بالأخص أن يسعوا إلى كل ما فيه ائتلاف القلوب ، وحصول المصلحة .
أنا لست أقول : دعوا الناس يقولون فيخطئون أو يصيبون ، لا ، لكن يبين للناس وتكون بمناقشة هادئة هادفة ، فإذا تبين الحق وجب على كل إنسان اتباعه ، وإذا لم يتبين فكل إنسان معذور ، والذي يحاسب الخلق هو الله عز وجل ، لأني قد يتبين لي ما لم يتبين لك ، ويتبين لك ما لا يتبين لي ، فلماذا نجعل مثل هذه المسائل سببا للعداوة والبغضاء بين طلبة العلم ، حتى كأن كل طائفة منهم حزب ، حزب مستقل ، ما كأنهم مسلمون .
والواجب خلاف ذلك على طلبة العلم ، أن يكون طالب العلم عند هذا العالم كالطالب عند العالم الآخر ، كل منهم يريد الخير كل منهم يريد التوجيه الحسن للمسلمين ، وكل منهم يريد أن يصل إلى الغاية المنشودة : وهي إقامة شريعة الله بين عباد الله .
طيب ومن فوائد الحديث : أن العدد الثلاثي معتبر في كثير من الأشياء ، وبه تتبين الأشياء ، تتبين الأشياء في الغالب في الثلاث ، فمثلا إذا استأذنت على رجل ثلاث مرات تبين أنه إما غير موجود في البيت ، وإما أنه كاره للفتح ، وإما أنه نائم مستريح ، ولا لأ ؟!
الطالب : بلى .
الشيخ : أما الاستئذان الأول فقد لا يسمع ، والاستئذان الثاني قد يسمع ولكن لا يدري عن حقيقة الأمر ، وفي الثالثة الغالب أنه يتبين فإذا كان يريد أن يفتح لك الباب فتح وإلا تركك ، وهكذا في مسائل كثيرة تعتبر فيها الثلاث .
14 - فوائد حديث :( لا تصروا الإبل والغنم فمن ابتاعها بعد فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها ... ). أستمع حفظ
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على صبرة من طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً فقال : ( ما هذا يا صاحب الطعام ؟ ) ، قال أصابته السماء يا رسول الله ، قال : ( أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس ؟ من غش فليس مني ) . رواه مسلم .
صُبرة ، أصل هذه المادة الصاد والباء والراء تدل على الحبس ، ومنه الصبر ، ومنه : قُتِل صبرا وأمثلتها كثيرة .
فهذه المادة صاد باء راء تدل على الحبس ، والطعام المحبوس يعني المجموع . فمعنى صبرة أي : مجموع من طعام ، مر على هذه الكومة من الطعام فأدخل يده فيها ، أدخل الفاعل مَن ؟ النبي صلى الله عليه وسلم ، يده في هذه الصبرة ( فنالت أصابعه بللا ) : يعني أصابت بللا ، وإدخال النبي صلى الله عليه وسلم يده في هذه الصبرة يحتمل أنه للاستخبار والاستعلام ، ويحتمل أنه شم فيها رائحة الرطوبة أو غير ذلك ، المهم أننا نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل يده إلا لسبب ، نعم .
يقول : ( فقال : ما هذا يا صاحب الطعام ؟ ) : ما هنا استفهامية ، والمراد بالاستفهام الإنكار ، ينكر عليه ، كأنه يقول : ليش تصنع هذا الشيء ؟ فقال : ( أصابته السماء يا رسول الله ) : السماء يعني : المطر ، والمطر يطلق عليه السماء في اللغة العربية قال الشاعر :
" إذا نزل السماء بأرض قوم " : أي المطر ، فالمراد بالسماء المطر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس ؟ ) الاستفهام هنا لإيش ؟ للإرشاد ، يعني أرشده إلى أن يجعله فوق الطعام ، وعلل ذلك بقوله : ( ليراه الناس ) ، فيعرفوا أن فيه عيبًا .
ثم قال : " ( مَن غش فليس مني ) رواه مسلم " :
الحديث هذا واضح معناه ، لكن فيه فوائد كثيرة منها :
جواز بيع الطعام صُبرة يعني كومة من غير معرفة لقدره كيلا أو وزنا ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقرَّ ذلك ، ولو كان حراما لم يقره ، فهل يدخل في ذلك غيره من المرئيات ؟! يعني بحيث أن أبيع عليك قطيع هذا الغنم بدون معرفة لعده ، وأن أشتري منك السلعة بهذه الرزمة من الدراهم بدون عد ؟
الطالب : لا ، لا يجوز .
الشيخ : نعم ؟ ذهب بعض العلماء إلى الجواز ، وقال : إن هذا وإن كان لا يعلم بالعد أو بالوزن يعني لا يعلم بالتقدير فإنه يعلم بالمشاهدة ، ولكنه في الحقيقة ، ولكن هذا فيه نظر ، لأن الذي يعلم بالمشاهدة إما أن يكون الغرر فيه يسيرا كالكومة من الطعام ، والقطيع من الغنم ، والكيس من البر ، فالأمر في هذا قريب .
وإما يكون فيه الغرر كثيرا ، والخطر جسيما : مثل الرزمة من الدراهم ، الرزمة من الدراهم ، وإذا قدرنا أنها من فئة خمسمئة كم يكون الفرق فيما إذا نقص عن تقديرك ورقة أو ورقتان ؟ الفرق كبير ، وربما ينقص عشر ورقات ، فالصحيح في هذه المسألة أن الجزاف يجوز إلا فيما فيه خطر مثل النقود ، لو جئتك بصرة من ذهب وقلت : اشتريت منك هذا البيت بهذه الصرة ! يرى بعض العلماء : أن هذا جائز ، يرى أنه جائز مع أنك لا تدري ما في هذه الصرة من الذهب ، ولا شك أن هذا ليس بجائز ، لماذا ؟ للخطر والجهالة العظيمة ، بخلاف قطيع الغنم وكيس البر وما أشبه ذلك ، فالأمر فيه سهل والخطر فيه قليل ، والتقدير فيه ممكن ، إما حقيقة أو تقريبا .
أما مثل الدراهم فلا يجوز .
طيب لو قلت : اشتريت منك هذا البيت بوزن هذه السنجة ذهباً ، يجوز ولا لا ؟
الطالب : لا يجوز .
الشيخ : سنجة يعني قطعة من الحديد توزن بها الأشياء ، لا يجوز ، لأنها مجهولة ما هي معلومة ، أما لو كانت معلومة فلا بأس ، لو علمنا أنها كيلو أو مثقال أو ما أشبه ذلمك فلا بأس ، أما إذا لم نعلم فإن هذا جهالة عظيمة .
15 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على صبرة من طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً فقال : ( ما هذا يا صاحب الطعام ؟ ) ، قال أصابته السماء يا رسول الله ، قال : ( أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس ؟ من غش فليس مني ) . رواه مسلم . أستمع حفظ
فوائد حديث: ( أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على صبرة من طعام فأدخل يده فيها ... ).
جواز الاستعلام عن المبيع ولاسيما مع القرينة ، الدليل : إدخال النبي صلى الله عليه وسلم يده في الطعام ، لا يقال : إن هذا سوء ظن بالبائع ، لأنا نقول : وهذا أيضا احتياط لمن ؟ للمشتري ، ولاسيما إن وجدت قرينة كما هو ظاهر من هذا الحديث .
ومن فوائد الحديث : وجوب الإنكار ، أو وجوب إنكار المنكر لأن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على هذا الرجل ، لكن هل ينكر علنا أو سرا ؟
إن كان فاعل المنكر مظهرا له كونه يُنكر عليه علنا وإن كان مخفيا له فإنه ينكر عليه سرا ، هذا هو الأصل ، مع أن المصلحة قد تقتضي الإنكار سرًا حتى فيما يعلم ، إنما الأصل أن من أظهر المنكر أنكر عليه ظاهراً ، ومن أخفاه أنكر عليه سرًا ، هذا هو الأصل ، لكن قد تدعو الحاجة إلى خلاف هذا الأصل لسبب .
ومن فوائد هذا الحديث : أن من كان مجهول الاسم فإنه يدعى بمهنته ، لقوله : ( يا صاحب الطعام ) ، فإذا كنت لا تعرف هذا الرجل فادعه بمهنته ، مثلا وقفت على إنسان بنَّاء لا تعرف اسمه ويش تقول ؟ يا بناء ، نعم وقفت على إنسان خراز يخرز الناي لا تعرف اسمه نعم آه تقول : يا خراز ، ما في مانع لأن هذه مهنته ولن يجزع عن مهنته ، سقط من شخص بوق من الدراهم ويش تقول له ؟ يا صاحب البوق وهكذا نعم ، وكما دعا الرسول عليه الصلاة والسلام في مثل هذا في عدة مواضع ، يدعو بالمهنة التي يتصف بها هذا الرجل .
طيب ومن فوائد الحديث : إطلاق لفظ السماء على المطر ، لقوله : ( أصابته السماء ) ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم عليه ، ولو كان ذلك غير جائز لأنكر عليه ، لأنه كذب ، فإن السماء لم تصبه ، وإنما الذي أصابه المطر النازل من السماء .
ومن فوائد الحديث : وجوب إظهار العيب إما بالقول وإما بالفعل ، والنبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أرشد إلى إظهاره بالفعل ، قال : ( أفلا جعلته فوق الطعام ) ، ويجوز بالقول : بأن أقول : بأن أقول مثلا في هذه الصرة من الطعام : إن أسفلها قد أصابه الماء ، ولكن أيهما أبين ؟ الإظهار بالفعل أبين ، لأن المشتري قد لا يحيط بوصفك لأنك إذا قلت : إن أسفله قد أصابه المطر ، ما يتصور كيف إصابته ، لكن إذا كان فوق فإنه يراه عين اليقين فيكون إظهار العيب بالفعل أبلغ في البيان من إظهاره بالقول .
طيب هل نقول : في هذا الحديث وجوب جعل الأردأ هو الأعلى وأنه تتعين هذه الصورة ، أو نقول : إن المراد البيان بأي صورة كانت ؟
الظاهر الثاني ، وأن للإنسان الذي عنده طعام معيب طريقتين :
الطريقة الأولى : أن يجعل العيب أعلى ، وهذا قد يكون فيه ضرر عليه ، لأنه إذا جعل العيب أعلى فقد يظن الرائي أن العيب كثير ، ويخفى عليه السليم .الطريقة الثانية : أن يجعل المعيب وحده ، والسليم وحده ، بحيث يكون للمعيب ثمنه وللسليم ثمنه .
ولا شك أن الثاني هذا يعني عدل للبائع وللمشتري .
فإذا قال قائل : لماذا لم يرشد النبي صلى الله عليه وسلم إليه ؟ فالجواب : لوضوحه ، ولعل النبي عليه الصلاة والسلام علم أن هذا الرجل ليس عنده إناءان يبحث يجعل الرديء وحده والجيد وحده .
ومن فوائد الحديث : تحريم الغش لقوله : ( مَن غشّ فليس مني ) .
بل من فوائده : أن الغش من كبائر الذنوب ، وجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم تبرأ من فاعله ، والبراءة من فاعله تقتضي أن يكون كبيرة ، لأن هذا من علامات الكبيرة أن يتبرأ النبي صلى الله عليه وسلم من فاعل هذا العمل .
ومن فوائد الحديث : أن الغش في كل شيء من كبائر الذنوب ، لعموم قوله : ( مَن غش فليس مني ) .
ومن فوائده أيضًا : أن الغش كبيرة سواء كانت المعاملة مع مسلم أو مع كافر لقوله : ( مَن غش ) ، وأطلق ، ( من غش فليس مني ) ، في رواية : ( من غشنا فليس مني ) فبأيهما نأخذ ؟ نأخذ بالأعم ، ( من غش فليس مني ) فيشمل الغش في معاملة أي إنسان ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد تبرأ منه.
إذا قال قائل : لم يبين النبي صلى الله عليه وسلم حكم المغشوش فيما لو اشتري هذا الطعام ، والجواب : أنه لم يحصل بيع لهذا الطعام ، لأن صاحبه ما زال عارضًا له ، ولا يمكن أن يتحدث الرسول عليه الصلاة والسلام في مثل هذه الحال عن أمر لم يقع ، ثم إنه إذا علم هذا الرجل أن هذا الشيء حرام فسوف يغيره سوف يجعل الرديء فوق كما أرشد إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم .
ثم إن الشيء إذا لم يكن أمام الإنسان فإنه لا يلزمه السؤال عنه ، ولذلك لما جاء ماعز إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وأخبر أنه زنى فإنه من المعلوم أنه لم يزن إلا بامرأة ، ولم يسأل النبي عليه الصلاة والسلام من المرأة ، ولما جاءه الرجل الذي قال : جامعت زوجتي في رمضان لم يسأله عن المرأة وحكمها ، ولما جاءته هند تشكو أبا سفيان لم يسأل عنه ولم يطلبه ، لأن مثل هذه المسائل تتعلق بالفاعل المشاهد وأما الغائب فحكمه يعلم إذا وجد أو أدلى هذا الغائب بحجته ، حينئذ ننظر فيها ، نعم .
الطالب : شيخ يؤخذ من هذا الحديث جواز بيع الأنموذج ؟
الشيخ : جواز بيع ؟
الطالب : بيع النموذج .
الشيخ : كيف ؟
الطالب : هذه الكومة يعني ما يراها ، يرى أعلاها وما تحتها مثلها ، فهو إذا رآها يصح ؟
الشيخ : لا مو هكذا ، يمكن نقول : فيه دليل على جواز بيع الشيء الذي إذا رئي بعضه دل على بقيته .
الطالب : بيع الأنموذج ؟
الشيخ : نعم ؟ لا الأنموذج يمكن يرفعه شيء يسير ، ثم عندنا ، نعم .
16 - فوائد حديث: ( أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على صبرة من طعام فأدخل يده فيها ... ). أستمع حفظ
إذا قلنا برد صاع من تمر واشتهى صاحب الشاة التمر صراها ثم باعها من أجل التمر فما حكم ذلك ؟
الشيخ : نعم .
الطالب : قلنا : في حديث المصراة برد صاع من تمر ، فلما صار التمر أغلى من اللبن ، فاشتهى التمر فباع المصراة !
الشيخ : سمعتم سؤاله ؟ يقول : إذا قلنا برد صاع من تمر ، واشتهى صاحب الشاة التمر ، صرها ثم باعها ، من أجل يردها هذاك ويرد معها صاعا من تمر نقول : هذه ما هي متعينة ، لأنه قد يردها بصاع من تمر وقد يمسكها .
السائل : هو ربما يمسكها ويرد صاعًا من تمر .
الشيخ : من ؟
السائل : يعني .
الشيخ : البائع ؟
السائل : إي نعم .
الشيخ : طيب البائع مو على كل حال يحصل له مراده ، يمكن المشتري ما يردها .
السائل : هو يظنه يغلب .
الشيخ : نعم .
السائل : ثم شُريت بأكثر من قيمتها فيرد عليه صاع من تمر .
الشيخ : لا أبدا ، نعم هي الغالب أنها تشترى بأكثر من قيمتها ، وإذا اشترى بأكثر من قيمتها ينظر ، أن صاحب المشتري بينظر هل الأكثر صاع التمر أو ما نقص من قيمتها ، وإلا صحيح ربما قيمة التمر أعلى ، ولا صحيح بعض الفقهاء بحث في هذا قال : أرأيت لو كان صاع التمر قيمته أكثر من قيمة الشاة ، نقول : إذا كان صاع التمر أكثر من قيمة الشاة فإن المشتري سيمسكها مو يردها ويرد كذا قيمتها مرتين ، نعم عبد الله .
17 - إذا قلنا برد صاع من تمر واشتهى صاحب الشاة التمر صراها ثم باعها من أجل التمر فما حكم ذلك ؟ أستمع حفظ
بعض الأطعمة تكون مغلفة في هذا العصر مثل الخضر التي في الصناديق فما حكم بيعه ؟
الشيخ : مثل إيش ؟
السائل : صناديق التفاح .
الشيخ : أي نعم ، هذا يجوز بيعه بغلافه ، يجوز بيعه بغلافه ، لأن هذا هو ما جرت به العادة ، أشد ما يكون خفاءًا الرمان ، وقد أجمع العلماء على جواز بيعه بقشره .
السائل : الحبحب ؟
الشيخ : آه لا الحبحب أهون ، لأن الحبحب فيه علامة على استوائه ، وهو يبس أعلاه ، يبس أعلاه يستدلون به على أنه ، في أعلاه شيء يعرفون إذا كان يابس يصير مستوياً نعم .
السائل : في منه مقطوع مرة .
الشيخ : خله هذا واضح .
إذا كان المشتري لهذه الإبل المصراة فقيرا هل يسقط عنه صاع من التمر ؟
الشيخ : لا ، يبقى في ذمته .
السائل : ما يستطيع يدفعه .
الشيخ : يبقى في ذمته ، أو يتصالح هو وذاك ، يعني حتى البائع لو عرف أن هذا فقير يمكن يصالحه ، نعم .
هل يجب رد صاع من التمر في المصراة ؟
الشيخ : لا ، تمر ، إلا الذي ما عنده شيء ، قلنا : لو كنا في بلاد ما فيه تمر ترد أقرب ما يكون شبها بالتمر ، القوت الذي عندكم يشابه التمر .
السائل : يا شيخ !
الشيخ : نعم ؟
السائل : جزاك الله خير يا شيخ : بعض الشياه إذا تصرت .
الشيخ : ها ؟ كيف ؟
السائل : بعض الشياه إذا أصريت ، عمل لها تصرية يختلط الحليب بالدم ، فلما يحلبه أصلا يعني الحليب فاسد ، يعني يرد إذا رد يرد صاع التمر ؟
الشيخ : ما أدري هل هذا في كل مصراة ولا ؟
السائل : لا ، غالبا يكون في الشياه غالبا.
الشيخ : لا ، هو اختلاط اللبن بالدم يكون حتى في غير المصراة .
مناقشة ما سبق أخذه.
الطالب : هي المصراة .
الشيخ : وما معنى المصراة ؟
الطالب : التصرية : هي أن يحبس اللبن في الضرع .
الشيخ : التي حُبس لبنها في ضرعها .
الطالب : يتركها يتجمع اللبن حتى إذا رآها المشتري فيظن أن هذا حليبها .
الشيخ : نعم ، إذًا التصرية : جمع اللبن في ضرع البهيمة ليظن المشتري أن هذا لبنها في العادة .
طيب ماذا يسميه أهل العلم ؟
الطالب : يسمونه التدليس .
الشيخ : يسمونه التدليس ، طيب يسمونه تدليسا ، ما هو التدليس ؟
الطالب : التدليس هو التغطية .
الشيخ : التغطية ، هو صحيح من الدُّلسة وهي الظلمة ، نعم ؟
الطالب : التعمية .
الشيخ : إي يعني ؟
الطالب : أن يوهم أن المباع بصفة !
الشيخ : السلعة بصفة مرغوب فيها .
الطالب : مرغوب فيها وليست موجودة حقيقة .
الشيخ : زين أحسنت ، أن يظهر السلعة بصفة مرغوب فيها وهي خالية منها ، طيب بارك الله فيك .
إذا اشترى شاة مصراة يا هداية الله فكم مدة له في الخيار ؟
الطالب : ثلاث .
الشيخ : ثلاثة أيام .
الطالب : بعد أن يَحلب .
الشيخ : بعد أن يحلبها أحسنت .
طيب ما هو الخيار ؟
الطالب : الخيار هو .
الشيخ : بين وبين .
الطالب : بين البائع والمشتري .
الشيخ : لا ، الخيار للمشتري فقط ، لكن بين وبين ؟
الطالب : من يبع ؟
الشيخ : لا لا ، يخيرر بين إيش ؟
الطالب : بين إما الرد ، وإما أن يقبله .
الشيخ : إما ؟
الطالب : إما أن يأخذها أو يردها .
الشيخ : أو يردها فقط ولا يرد معها شيئا ؟
الطالب : يرد معها صاعا من تمر .
الشيخ : أن يرد معها صاعا من تمر .
طيب لو أراد أن يبقيها بالأرش هل يمكن من ذلك ؟
الطالب : لا يمكن .
الشيخ : تعرف المعنى ؟ أو ما حضرت ؟
الطالب : لا ، حضرت .
الشيخ : أي سبحان الله!! نعم محمد ؟
الطالب : لا يمكَّن من ذلك .
الشيخ : هل تعرف معنى الأرش ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : ما هو ؟
الطالب : هو أخذ عوض مقابل العيب .
الشيخ : لا ، مقابل العيب ما فيها عيب .
الطالب : يعني إذا كانت المسألة فيها !
الشيخ : لا هذه هذه مقابل إيش ؟
الطالب : هذه ما فيها أرش .
الشيخ : أي لكن لو قدرنا أن فيها أرشًا !
الطالب : هذه ما فيها أرش .
الشيخ : أنا فاهم بارك الله فيك ، لو قدرنا فيها أرش يأخذ ؟ ها أحمد !
الطالب : الأرش هذا مقابل أن الشاة ليست على الصفة التي أخذها من قبل .
الشيخ : نعم .
الطالب : ليست على الصفة إنما أقل .
الشيخ : يعني بأن يقدرها وهي على هذا الوضع الطيب ويقدرها وهي خالية منه ، فالفرق هو الأرش ، لكن نقول : لا أرش ، عرفت يا أخ ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : يعني لا يقول المشتري هذا فيها ، ولكن يقدرون ثمنها إذا كانت طيبة فثمنها 20 أو كانت رديئة فثمنها 15 ، ما نقول ، نقول : لا ، ليس لك هذا .
طيب وإذا كانت بعيدة عبد الرحمن إبراهيم ؟!
الطالب : لهم الأرش يعني .
الشيخ : إن شاء ردها وأخذ الثمن ؟
الطالب : كاملا وإن شاء أمسكها وأخذ الأرش .
الشيخ : وأخذ الأرش طيب ، ما الفرق ؟
الطالب : بين ؟
الشيخ : بين كونه يأخذ الأرش في المعيب ولا يأخذه في المدلس فيه ؟
الطالب : أن في حالة العيب في حال ردها بالعيب ، العيب نقص .
الشيخ : نعم ؟
الطالب : العيب نقص في السلعة فيستحق أخذ عوض عنه .
الشيخ : نعم .
الطالب : في حال فوات منفعة إذا كانت مصراة .
الشيخ : نعم .
الطالب : هذا فوات صفات كمال .
الشيخ : فوات صفة كمال .
الطالب : فرق بين النقص وبين فوات الكمال .
الشيخ : صحيح واضح ؟ ولهذا صفة الكمال ؟
الطالب : لا تعتبر عيبا .
الشيخ : لا تعتبر عيبا ، ولا يستحقها إلا بالشرط ، إن شرطها وإلا ليست له ، أما العيب فهو يستحق السلامة بدون شرط ، واضح الفرق ؟ طيب ، على أن مسألة أخذ الأرش بالعيب مرت عليكم أنها خلافية ، وأن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يقول : " لا ، ليس له أرش إلا برضا البائع ، لأن الأرش تعويض عن نقص والبائع بالخيار " ، إلا إذا ظهر أنه مدلس أو غاش فنعم .
طيب لماذا اختار النبي صلى الله عليه وسلم التمر على غيره ؟ نعم ؟
الطالب : لأن فيه تشابه بين التمر وبين اللبن .
الشيخ : مشابهة آه ؟
الطالب : أولا : التمر لا يحتاج إلى طبخ كاللبن ، فلا يحتاج إلى طبخ .
الشيخ : نعم .
الطالب : الثاني .
الشيخ : الثاني ؟ شيبة !
الطالب : الثاني : أنه مثل الحليب حلو .
الشيخ : الحلاوة في كل منهما ، طيب الثالث ؟
الطالب : أنه يكون غذاء .
الشيخ : نعم ، أنه يكون غذاء وقوت .