تحت باب شروطه وما نهي عنه.
تتمة فوائد حديث :( أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن شراء ما في بطون الأنعام حتى تضع ... ).
الطالب : نعم .
الشيخ : لأن العقد هنا وقع على منفعته على منفعته لا على تحصيله ، على المنفعة لا على التحصيل ، المهم أنه يقاس على ضربة الغائص ما أشبهها . ويستفاد من هذا الحديث ككل : عناية الشرع بحماية البشر مما يوجب النزاع بينهم ، من أين يؤخذ ؟
لأن هذه الأنواع التي فيها الغرر سوف يكون من المغبون فيها حقد وعداوة وبغضاء على من ؟ على الغابن ، وتكون من الغابن تطاول وفخر على المغبون ، فالشارع حمى الناس من هذه الورطة التي يتورطون فيها .
طيب ومن فوائده أيضا : أنه يجب البعد عن كل ما يوجب العداوة والبغضاء ، لأنه إذا كان الشارع نهى عن هذه الأنواع من المعاملات خوفا مما يقع منها من العداوة والبغضاء ، دل ذلك على أن كل ما ساواها في هذا المعنى فهو مثلها منهي عنه ، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( لا تباغضوا ) : يعني لا تفعلوا الأشياء التي توجب البغضاء ، وأخبر أن البغضاء -أستغفر الله- أخبر أن البغضاء مما يريده الشيطان في بني آدم : (( إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر )) .
طيب ومن فوائد الحديث : أنه إذا نُهي عن الأسباب التي توجب العداوة والبغضاء فإن المعنى يقتضي الأمر بالأسباب التي توجب الولاية والمحبة ، صح ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : " لأن النهي عن الشيء أمر بضده " ، ولا شك في هذا أن الشرع يأمر بكل ما يوجب المودة والمحبة والولاية ، ولاية المؤمنين بعضهم لبعض ، فإن الله تعالى يقول : (( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعضٍ )) ، ويقول النبي عليه الصلاة والسلام : ( والله لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتى تحابوا ، أفلا أخبركم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم ) ، فكل ما يوجب الولاية والمحبة فإنه مأمور به شرعًا ، فإن كان مأمورا به شرعاً فإن العاقل سوف يفعله ، مع ما في المحبة والولاية من الإلفة والطمأنينة وصلاح الحال وانشراح الصدر ، أنت الآن لو فرضت نفسك لا تلاقي شخصًا إلا وفي قلبك عداوة وبغضاء له ، هل تكون مسرورًا ؟
الطالب : لا .
الشيخ : أبدًا تضيق بك الأسواق ، لكن إذا كنت لا تضمر لإخوانك المسلمين إلا المحبة والولاء فإنك سوف تكون مسرورًا بكل من تلاقيه من المسلمين ، لأنك تلاقي مَن تحب ومن تتولاه ويتولاك ، فهذه أيضا فيها راحة نفسية لا توجد في كل إنسان يكره الناس ويبغضهم .
فإذا قال قائل : إذا كان في الإنسان ما يوجب المودة والمحبة وما يوجب البغضاء والعداوة ، إيش يعمل ؟ نقول : إن الله قال : (( وزنوا بالقسطاس المستقيم )) ، أحببه لما معه مما يقتضي المحبة ، واكرهه بما معه مما يقتضي الكراهة ، ولا تغلب جانبًا على جانب ، الرسول عليه الصلاة والسلام قال : ( لا يفرك مؤمن مؤمنة ) : يعني لا يبغضها على سبيل الإطلاق ، ( إن كره منها خلقاً رصي منها خلقاً آخر ) : وهكذا الميزان ، لا تكاد تجد أحدًا يسلم مما يوجب الكراهة إلا نادرًا ، لكن قارن بين هذا وهذا وأعط كل شيء حكمه. ومن فوائد الحديث هذا : منع الإنسان من كل ما يؤدي إلى الميسر والمقامرة ، ليش ؟ لأن هذه الأنواع من البيوع كلها فيها خطر وغرر ، قد يكون الإنسان فيها غانما وقد يكون فيها غارما ، وإذا اعتاد الإنسان هذا النوع من المعاملات طمعت نفسه ، وصار يتعامل بمثل هذه المعاملات المبنية على الخطر والغرر حتى تؤدي إلى معاملات أكبر ، ولهذا كثيرًا ما يفتقر أصحاب القمار في ليلة ، تجد هذا الرجل مثلاً عنده ملايين فيقامِر فيُغلب ، يُغلب أول ضربة بمليون ، يمكن ولا لا ؟
الطالب : يمكن .
الشيخ : يمكن أو أكثر فيقول : طيب أبي ألعب ثاني لأجع المليون ، فيضرب ضربة أخرى بمليونين ، يقول : ألعب ثالثة ها حتى أُرجع الثلاثة ولكن يضرب بضربة قاصمة ثلاثة ملايين يكون الجميع ستة ، ولو كان عنده مئة مليون خلصها في ليلة ، فيصبح بعد أن كان غنيا يصبح فقيرا ، وهذه البيوع لا تظن أنها هينة إذا اعتادت النفس على هذه المكاسب المبنية على الغرر والخطر صارت تتطلع إلى ما هو أعظم وأكبر ووقعت في الميسر الذي هو قرين الخمر في كتاب الله ، بل قرين عبادة الأصنام في كتاب الله : (( إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون )) .
الطالب : ...
الشيخ : الشاة بارك الله فيك وغير الشاة ، إن أشبعتها وجدت لبن ، نعم وإن قلَّ طعامها قلَّ لبنها ، وإن كانت رابية حلبت كثيرا ، وإن كان زعلة تأبى ، أنا أذكر أن فيه من البقر ما لا ترضى أن تحلب أبدًا ، بعض النساء ما يحلب إلا بامرأة معينة .
الطالب : بعض البقر .
الشيخ : نعم ، بعض البقر ما يحلب إلا لامرأة معينة ، نعم ، حتى إنها إذا بيعت طلب المشتري ثوب التي كانت تحلبها لتلبسه امرأة المشتري من أجل أن تحلب عليه ، وبعض البقر ما يحلب إلا على أكل ، فيحتال عليه بعض الناس ويعقد تمرًا في شعر ، يمسكه بالشعر ، يعبطه جميع هكذا ، فإذا يبس التمر على الشعر صار مثل الحصاة ، فيقدمه للبقرة ، البقرة ما تستطيع تأكله ، لأنه قاسي ، فتبدأ تلحسه بلسانها ، وهو يحلب ، آه ، لكن هل تجوز هذه الحيلة ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : لأن البقرة ظالمة ، البقرة ظالمة ، ليش تمنع الحق لمالكها وهو قائم بواجبها ، نعم ؟
الطالب : أقول : لماذا لا يعطيها ؟
الشيخ : لا يعطيها ، لكن لو شبعانة إذا صارت متعودة أنها ما تحلب إلا على أكل ما تحلب .
الطالب : تأكل يعطيها .
الشيخ : لا شو يعطيها ، لا ، ولهذا يعدونه عيباً ، يعدونه عيبا إذا رآه المشتري له الحق أن يردها ، نعم .
2 - تتمة فوائد حديث :( أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن شراء ما في بطون الأنعام حتى تضع ... ). أستمع حفظ
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - لا تشتروا السمك في الماء; فإنه غرر - رواه أحمد, وأشار إلى أن الصواب وقفه
وهو كذلك ، الظاهر أنه موقوف : ( لا تشتروا السمك في الماء ) ، وعلل ذلك بأنه غرر ، السمك يعيش في الماء كما هو معلوم ، فإذا قلت : أبيع عليك ما في هذا الجانب من النهر من السمك ، فإنه لا يجوز ، وعلل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بأنه غرر ، والغرر جهالة ، والعقود التي تتضمن الجهالة لا بد أن يكون فيها نزاع بين المتعاقدين يؤدي إلى العداوة والبغضاء والحقد ، والدين الإسلامي جاء بمحاربة ما يوجب ذلك ، أو ما يؤدي إلى ذلك ، ولكن العلة أو التعليل الذي في هذا الأثر : ( فإنه غرر ) ، يقتضي أنه متى كان غير غرر فلا بأس به ، مثل أن يكون السمك في مكان يحيط به العلم ، بأن يكون في مكان ضيق والماء صاف والسمك يرى ويمكن السيطرة عليه بحيث لا يخرج إلى البحر أو إلى النهر الواسع ، فإذا بيع هذا السمك فإنه لا بأس به ، كما لو كان في بركة محجوزة بجوانبها ، وهو يُرى لكون الماء صافيا فإن ذلك لا بأس به ، لماذا ؟ " لأن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا " ، فإذا كانت العلة هي الغرر وانتفي الغرر فإن البيع يصح .
طيب وهذا كالذي سبق كالحديث السابق كله مداره على الجهالة والغرر وكل عقد يكون فيه الجهالة والغرر مما يؤدي إلى النزاع فإن ذلك لا يجوز .
طيب قولنا : إن الجهالة والغرر تؤدي إلى النزاع ، والنزاع يؤدي إلى العداوة والبغضاء ، أرأيتم لو كان العقد لا يؤدي إلى النزاع والعداوة والبغضاء مثل الهبة كما لو وَهَب الإنسان عبدًا آبقًا فهل يصح ؟
الجواب : الصحيح أنه يصح ، وأن هبة المجهول جائزة ، لأن الموهوب له إما غانم وإما سالم ، بخلاف عقود المعاوضات ، فإن الجهالة فيها تقتضي أن يكون إما غانما وإما غارما ، وبينهما فرق عظيم .
طيب هبة العبد وهو آبق قلنا : إنها جائزة وصحيحة ، لأن الموهوب له إن أدركه فهو غانم ، وإن لم يدركه فهو سالم .
طيب ، هبة الغنيمة قبل القسمة ، كذلك .
هبة السمك في الماء ولو كان مجهولاً فهي صحيحة ، وذلك للقاعدة التي ذكرنا وهي : " أن العقد هنا دائر بين الغنم والسلامة " فقط لا بين الغنم والغرم ، وإذا كان دائرا بين الغنم والسلامة فإنه لن يحصل فيه نزاع ، لأن الموهوب له مثلا لو وهب له عبد وهو آبق وعجز عن تحصيله ، هل يأتي إلى الواهب يخاصمه ويطالبه ؟ !
الطالب : لا .
الشيخ : أبدا ، لو أتاه قيل له : ليس لك حق ، رجل وهبك عبده وهو آبق وعجزت عنه تجي تقول : أعطيني إياه ما هو ملزوم ، طيب .
3 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - لا تشتروا السمك في الماء; فإنه غرر - رواه أحمد, وأشار إلى أن الصواب وقفه أستمع حفظ
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تباع ثمرة حتى تطعم ، ولا يباع صوف على ظهر ولا لبن في ضرع . رواه الطبراني في الأوسط والدار قطني ، وأخرجه أبو داود في المراسيل لعكرمة ، وهو الراجح ، وأخرجه أيضاً موقوفاً على ابن عباس بإسناد قوي ، ورجحه البيهقي .
هذا الحديث يقول : ( نهى أن تباع ثمرة حتى تُطعَم أو تطعِم ) : تطعَم : يعني حتى تكون صالحة للطعام ، ويشمل هذا ثمر النخل ثمر العنب ثمر الرمان البرتقال وكل ثمر ، لا يجوز بيعه حتى يكون صالحاً للطعام ، لأن بيعه قبل ذلك يؤدي إلى الغرر من وجوه :
أولًا : أن الآفات تكثر عليه قبل أن ينضج .
وثانيًا : أنه يزداد نموه فيحدث في المبيع ما لم يقع عليه العقد .
وثالثًا : أنه قد يؤدي إلى النزاع بين البائع والمشتري في سقيه وملاحظته ، فأما إذا كان قد بلغ أن يُطعم فإن أخذه وجنيه قريب ، لا يؤدي إلى النزاع ، لكن إذا كان قبل ذلك فقد يؤدي إلى النزاع بينهما فيقول المشتري مثلا : أسقه ويقول : سقيته ، يقول : هذا لا يكفي ، ويقول ذاك : يكفي وما أشبه ذلك من النزاعات التي ترد فيما لو باعه قبل أن يطعم .
طيب وكذلك أيضًا : ( لا يباع صوف على ظهر ) ، إلى أن يُجز .
الصوف على الظهر لا يجوز بيعه ، لماذا ؟ لأن موضع الجز مجهول ، قد يريد المشتري أن يجزَّ الصوف من أصله ، ويريد البائع أن يجز من فوق من نصف الشعر مثلا ، فيقع في ذلك نزاع ، ثم إن الإحاطة به على وجه الكمال قد تكون متعذرة أو متعسرة ، ثم إن المنع ليس منعاً يخل بمصالح العباد ، لأنه من الممكن أن يقال للبائع : جز الصوف ثم بعه ، لأن الذي اشتراه إن لم يجزه في الحال فإنه يَنشأ صوف جديد لم يقع عليه العقد ، فيختلط بما يقع عليه العقد بما وقع عليه العقد ، ويكون التمييز بينهما صعبا أو متعذرا ، فيختلط مال البائع الجديد بمال المشتري القديم .
وذهب بعض العلماء إلى جواز بيع الصوف على الظهر بشرط أن يكون معلوماً ، وأن يجز في الحال ، وقال : " إن المرجع في جزه إلى ما جرت به العادة ، وأنه يُغتفر الغرر اليسير في مثل هذا ، لأن الحاجة قد تدعو إلى بيعه على الظهر " ، ولكن إذا قلنا بهذا القول فمَن يكون عليه الجز المشتري أو البائع ؟ يكون الجز على المشتري ، إلا أن يشترطه على البائع ، كالثمرة إذا بيعت فإن جزَّها يكون على المشتري إلا أن يشترطها على البائع ، ولكن على القول بالجواز كما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يجاب عن هذا الحديث بأحد جوابين :
إما بالضعف ، وإما بأن يُحمل على صوف لا يدرك ، صوف على ظهر لا يدرك ، أو على صوف يبقى بعد الشراء ، بحيث يحدث صوف لم يقع عليه العقد فيقع فتكون فيه الجهالة .
الصحيح أنه جائز إذا كان يجز في الحال وكان معلوما .
" وأخرجه أبو داود في المراسيل لعكرمة ، وأخرجه أيضا موقوفا على ابن عباس بإسناد قوي ورجحه البيهقي " :
يعني أنه موقوف ، ومعلوم أنه إذا كان موقوفاً فإنه يتنزل على خلاف العلماء : هل قول الصحابي حجة أو لا ؟
فمن قال : إن قوله حجة احتج به ، ومن قال : إنه ليس بحجة لم يحتج به ، إلا أن يكون هذا القول مما لا مجال للاجتهاد فيه ، ولم يُعرف قائله بالأخذ عن بني إسرائيل ، فإنه يكون له حكم الرفع .
هذه المسألة المروية عن ابن عباس إذا اتبع الإنسان فيها ابن عباس رضي الله عنهما فله ذلك ، لأنه صحابي ، وإن لم يتبعه وقال : إن الذي جاء به النهي ما كان فيه غرر ، وإلا فالأصل حِل البيع لعموم قوله تعالى : (( وأحل الله البيع )) ، فكل بيع فهو حلال إلا ما قام الدليل على منعه .
4 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تباع ثمرة حتى تطعم ، ولا يباع صوف على ظهر ولا لبن في ضرع . رواه الطبراني في الأوسط والدار قطني ، وأخرجه أبو داود في المراسيل لعكرمة ، وهو الراجح ، وأخرجه أيضاً موقوفاً على ابن عباس بإسناد قوي ، ورجحه البيهقي . أستمع حفظ
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع المضامين والملاقيح . رواه البزار ، وفي إسناده ضعف .
الطالب : المضامين .
الشيخ : نعم عندنا المضامين والملاقيح ، نعم ؟
الطالب : هنا فسر الملاقيح بالحوامل .
الشيخ : طيب ، الملاقيح ويش عندكم في الشرح ؟ هكذا فسره .
الطالب : المضامين ما في بطن الأنثى ، والملاقيح ما في ظهر الفحل .
الشيخ : نعم ، الملاقيح التي يلقحها الفحل في بطن الأنثى ، بأن يقول صاحب الفحل : أنا أبيع عليك ضرابَ فحلي من ناقتك ، يعني يضربها هذه المرة فأبيع عليك هذا الضراب ، فلا يجوز لأنه أجهل من بيع الحمل ، فإن هذا اللقاح قد يحصل ، قد يكون صحيحا وقد يكون فاسدا ، فإذا منع الحمل فهذا من باب أولى .
والحاصل : أن هذا الحديث وإن كان ضعيف السند لكن معناه صحيح ، والعلة في النهي عن بيع هذين النوعين من البيوع هي الجهالة والغرر .
طيب إذًا نقول في هذا وما سبق : القاعدة أن كل بيع يتضمن جهالة وغررا بحيث يكون العاقد فيه دائرا بين الغنم والغرم فإنه بيع محرم فاسد ، والعلة فيه أنه يفضي إلى العداوة والبغضاء ، فهو من الميسر الذي قال الله فيه : (( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون * إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون )) .
5 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع المضامين والملاقيح . رواه البزار ، وفي إسناده ضعف . أستمع حفظ
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من أقال مسلماً بيعته أقال الله عثرته ) . رواه أبو داود وابن ماجه ، وصححه ابن حبان والحاكم .
أنا عندي يقول : هذا الحديث نمرة 845 ، موضعه أول الخيار في نسخ صحيحة فليحرر ، على كل حال لا يهم .
هذا الحديث يقول : ( من أقال مسلمًا بيعته ) والإقالة : هي طلب فسخ العقد ، تكون أحيانا مطلوبة من المشتري وتكون أحيانا مطلوبة من البائع ، أحيانا يأتي المشتري إلى البائع ويقول : أقلني ، يعني يندم المشتري على الشراء فيطلب من البائع أن يقيله ، وأحيانا يكون بالعكس ، يقع الطلب من البائع يندم على البيع فيأتي للمشتري فيقول : أقلني ، والحديث يشمل هذا وهذا ( فمن أقال مسلما بيعته ) يعني البيعة التي وقعت بينه وبينه ، ( أقال الله عثرته ) عثرته في أمور الدنيا أو عثرته في أمور الدنيا والآخرة ؟ نقول : يشمل الأمرين جميعا ، وفضل الله واسع ، وإقالة العثرة لا شك أنها أمر مطلوب لكل واحد ، إذ أنه لا يخلو واحد منا من العثرات ، فإذا أقال الله عثراتنا فهذا فضل عظيم ، ينبغي للإنسان ألا يفرط فيه .
والمسألة سهلة جدا ، وقوله : ( من أقال مسلما ) : هل مثل ذلك لو أقال ذمياً ؟ الجواب : نعم ، ويكون ذكر المسلم بناء على الغالب ، ويؤيد ذلك أن في بعض الأحاديث في بعض ألفاظه : ( من أقال نادِمًا بيعته ) : فيشمل المسلم وغير المسلم .
6 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من أقال مسلماً بيعته أقال الله عثرته ) . رواه أبو داود وابن ماجه ، وصححه ابن حبان والحاكم . أستمع حفظ
فوائد حديث :( ( من أقال مسلماً بيعته أقال الله عثرته ).
أولاً : جواز الإقالة ، نعم ؟
الطالب : الحديث الذي قبله !
الشيخ : الأحاديث التي قبله ما هي مشكلة سبق فوائدها .
طيب جواز الإقالة وهو كذلك ، فالإقالة جائزة ، بل نقول : في الحديث دليل على أن الإقالة مطلوبة مستحبة ، ووجه الدلالة أن الشارع رتب عليها ثوابا وهذا ترغيب من الشارع لفعلها ، والترغيب إذا عُلق على حكم دل ذلك على أن هذا الحكم مطلوب شرعا إما واجيا ، إما أن يكون واجبا وإما أن يكون مستحبا حسب ما تقتضيه الأدلة .
ولكن هل الإقالة عقد جديد أو فسخ لعقد مضى ؟ الجواب : الثاني ، أنها فسخ لعقد مضى ، ولهذا تجوز قبل قبض الثمن ، تجوز قبل قبض المبيع ، ولو كان من المكيل أو الموزون الذي يحتاج إلى حق التوفية ، وتجوز بعد نداء الجمعة الثاني ، وتجوز أيضًا بعد إقامة الصلاة إذا لم تمنع عن الصلاة ، لماذا ؟ لأنها ليست بيعًا ، هل تجوز في المسجد ؟ نعم تجوز ، لأنها ليست ببيع .
ولكن هل يشترط أن تكون بمثل الثمن أو لا بأس أن يزيد الثمن أو ينقص ؟ في هذا خلاف بين العلماء ، فمنهم من قال : إنها لا تجوز إلا بمثل الثمن ، فإن أسقَطَ أو زاد لم تصح ، قالوا : لأنه إذا أسقط أو زاد فقد لاحظ في إقالته المعاوضة ، وإذا لاحظ المعاوضة لم تكن إقالة ، ولكن الصحيح الجواز ، ومحظور الربا فيها بعيد ، فمثلا إذا بعت عليك سيارة بعشرين ألفًا ، ثم جئت إليَّ وقلت : أقلني ، أنا الآن لا أريد السيارة ، فقلت : لا أُقيلك إلا إذا أعطيتني ألفين من الثمن ، فقال : أعطيك ، فمن قال : إنها لا تجوز إلا بمثل الثمن ، قال : إن هذه الإقالة لا تصح .
ومن قال بالجواز وهو الصحيح قال : إن هذه الإقالة صحيحة ، وكذلك بالعكس ، لو أن البائع هو الذي طلب الإقالة فقال المشتري : أنا لا أقيلك إلا إذا أعطيتني ألفين فالصواب أنه جائز ولا بأس به ، وذلك لأن الإقالة قد يكون فيها ضرر على المـُقيل ، ربما يكون باع هذه السيارة بعشرين ألفا ، ولكنها وقت الحراج وصلت إلى عشرين ألفا ، فإذا ردها عليه فإنها قد لا تبلغ عشرين ألفا ، أليس كذلك ؟
الطالب : بلى .
الشيخ : أولا : لأن الذين يزيدون فيها قد تفرقوا .
والثاني : أن الناس قد يقولون : لماذا ردها لولا أن فيها عيبا ما ردها ، فتنقص القيمة لهذا نقول : الصحيح جواز الإقالة بمثل الثمن أو فوقه أو دونه ولا مانع .
ومن فوائد الحديث : أن الجزاء من جنس العمل ، لأن هذا الذي أقال بيعته أقال المسلم بيعته يقيل الله عثرته ، لأن الغالب أن الإقالة إنما سببها الندم ، فإذا أقلته وأزلت الندم عنه أقال الله عثرتك فأزال الندم الذي يكون لك بالعثرة ، وهنا أسئلة : أولاً : هل يُلحق غير البيع بالبيع ؟
الجواب : نعم ولا لا ؟ يعني لو أنه أَجَّره بيته وبعد أن استأجره جاء إليه وقال : أنا استأجرت البيت منك ولكنني أرجو منك الإقالة ، فأقاله ، هو عل كل حال مندوب ، يندب له أن يقيله ، لكن هل يحصل على هذا الثواب ؟ نعم الظاهر أنه يحصل ، لأن الإجارة نوع من البيع ، فهي وإن لم تكن كالبيع لأن البيع تطول مدته ، ويملك به العين والمنفعة ، بخلاف الإجارة ، لكنه يعطى من الأجر بمثل ما نفع هذا المستقيل .
طيب هل يُلحق بهذا عقد النكاح ؟
الطالب : لا .
الشيخ : ها صورته : الزوج بعد أن عقد له جاء إلى الزوجة أو إلى وليها وقال : أقلني ، هذا لا ، أي نعم ، لا يلحق لماذا ؟ لأنه يمكن أن التخلص منه بالطلاق ، وهذا بالنسبة للزوج واضح ، لكن بالنسبة للزوجة !
الطالب : الخلع .
الشيخ : طيب ما يخالف ، إي يكلفها ، فهل نقول : إذا جاءت الزوجة إلى الزوج وطلبت منه الطلاق ، هل إذا وافقها على ذلك وطلقها ، هل يحصل له هذا الأجر ؟
نعم الظاهر أنه يحصل له هذا الأجر ، إن لم يكن أكثر ، لأن المرأة قد لا تطيق الصبر مع الزوج ، قد لا تطيق الصبر مع الزوج ، ومشكل لا يمكن الانفكاك ، المشتري إذا كان لا يريد هذه السلعة وندم عليها يمكن أن يتخلص ، بماذا ؟ بالبيع ، لكن المشكل الزوجة كيف تتخلص من زوجها ؟
الزوج ذكرتم أنه يمكن التتخلص منها بالطلاق ، لكن الزوجة كيف تتخلص منه ؟
الظاهر أنه إذا أقالها أي : طلقها بناء على رغبتها فإنه يرجى أن يكتب له هذا الأجر ، لأنه فكها من ندم عظيم ، لولا طلاقه لبقيت في أتعب ما يكون . طيب ثانياً : إذا أقال الإنسان هذا الرجل فهل يشترط أن يقبض المبيع بنفس المكان أو لا يشترط ؟ يعني مثلا : اشترى منه ذهبا بفضة ، ثم رجع إليه واستقاله ، فأقاله ، هل يشترط قبض العوضين في المجلس ؟
الجواب : لا ، لماذا ؟ لأن الإقالة فسخ ، وليست بيعا ، فلا يثبت لها أحكام البيع .
ثالثًا : هل يشترط للإقالة رضا المـُقيل ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : نعم لا بد من هذا ، وبناء على ذلك لو أن شخصا أكره آخر على أن يقيل فلانا وقال له : أقل فلانا وإلا فإني أفعل وأفعل وهو قادر على تنفيذ ما هدده به فإن الإقالة لا تصح .
السؤال الرابع : هل لولي اليتيم والوكيل ونحوهم أن يقيلوا ؟ الجواب : فيه تفصيل :
بالنسبة للولي إذا رأى المصلحة في الإقالة نعم ، فله أن يقيل ، وإن لم ير المصلحة فليس له أن يقيل ، فإذا قال : أنا أريد الأجر قلنا : المحافظة على أداء الأمانة أولى من طلب الأجر بالإقالة ، لأن المحافظة على الأمانة واجبة ، والإقالة سنة وليس بواجبة ، أما بالنسبة للوكيل فليس له أن يقيل إلا أن يجعل إليه ، لأن الوكالة مقيدة بما وكل فيه ، وهو إنما وكل بماذا ؟
الطالب : بالبيع .
الشيخ : بالبيع ، ما وكل بالإقالة ، ولأن الموكل قد لا يرضى بذلك ، بخلاف الولي ، الولي مستقل عنده نوع استقلال ليس فوقه أحد بل هو متول على مال اليتيم فله أن يقيل إذا رأى المصلحة ، وأما الوكيل فلا ، فلا يقيل إلا أن يجعل إليه أو يراجع الموكل .
نعم ومن فوائد الحديث -وإن كان يتكرر علينا كثيرا- : الرد على الجبرية حيث قال : ( من أقال مسلمًا ) وهذا يدل على أن للإنسان اختيارا في الإقالة وعدمها ، والجبرية يرون أنه لا اختيار للإنسان ، وأن الإنسان مجبر على عمله .
وفي الحديث أيضا : رد على غلاة القدرية الذين ينكرون علم الله بأفعال العباد ووجه ذلك قوله : ( أقال الله عثرته ) ، ولم يقل : ( عثرته ) إلا بعد العلم بإقالته .
باب الخيار.
الطالب : مسألة !
الشيخ : ما هي ؟
الطالب : يؤخذ من الحديث أن من صفات الله أنه المقيل ؟
الشيخ : ها ؟
الطالب : يؤخذ من الحديث أن من صفات الله أنه المقيل ؟
الشيخ : لا لا ، لكن وصف الله بأنه يقيل ، كل فعل ينسب إلى الله فإنه متضمن للصفة من الصفات الفعلية .
ثم قال المؤلف : " باب الخيار " :
الخيار : اسم مصدر اختار اسم مصدر ، وليس مصدرا ، لأن المصدر إيش يا هداية الله ؟ بس ويش مصدر اختار ؟
الطالب : اختيار .
الشيخ : اختيار .
الطالب : الخيار مصدر اختيار .
الشيخ : أي نعم ، وأما خيار فهو اسم مصدر ، واسم المصدر عندهم : " هو ما دل على معنى المصدر دون حروفه " ، يدل على معناه لكن لا يتضمن حروفه .
طيب الخيار : اسم مصدر اختار ، واختار بمعنى أخذ بخير الأمرين ، فتقول مثلا : اخترت كذا دون كذا : أي أخذت بما أراه خيرا .
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا تبايع الرجلان ، فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا وكانا جميعاً ، أو يخير أحدهما الآخر ، فإن خير أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع ، وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع ) . متفق عليه واللفظ لمسلم .
منها : خيار المجلس ، وإليه الإشارة في قوله : " عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا تبايع الرجلان ، فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا وكانا جميعاً ، أو يخير أحدهما الآخر ، فإن خير أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع ، وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع ) متفق عليه واللفظ لمسلم " :
قال : ( إذا تبايع الرجلان ) أي : عقدا صفقة بيع بينهما ، والرجلان هنا وصف أغلبي ، فلا يكون له مفهوم ، بل يشمل الحكم حتى المرأتين.
وقوله عليه الصلاة والسلام : ( كل واحد منهما ) أي : من البائع والمشتري ، ( بالخيار ) : بين الإمضاء والرد ، ( ما لم يتفرقا ) : يتفرقا من أي شيء ؟ ما لم يتفرقا من مكان العقد ، هذا هو الصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم ، أنهما في الخيار ما لم يتفرقا عن مجلس العقد وليس عن عقد البيع ، فإن بعض العلماء يقول : ما لم يتفرقا عن عقد البيع ، يعني ما لم يحصل الإيجاب والقبول فإن حصل الإيجاب والقبول فلا خيار ، وهذا التفسير بعيد لفظا وبعيد معنى ، لأنه لا يقال فيمن عقد عقدًا فأوجب أحدهما وقبل الآخر لا يقال : تفرقا ، وأيضا لا يصدق عليهما أنهما تبايعا حتى يتم الإيجاب والقبول ، فلا تبايع إلا بإيجاب وقبول ، وعلى هذا يكون المراد : ما لم يتفرقا بأبدانهما ويؤيد ذلك قوله : ( وكانا جميعا ) ، فإن هذه الجملة كالتفسير للجملة التي قبلها .
طيب والتفرق قلنا : إنه عن مكان العقد ، فإذا قاما عن مكان العقد جميعا فهل نقول : تفرقا ؟ يعني عقدا في المجلس ، ثم قاما جميعا يمشيان إلى السوق ، فهل نقول : تفرقا ؟
الطالب : لا .
الشيخ : لا لم يتفرقا بل نقول : هما فارقا ، فارقا مجلس العقد ولكنهما لم يتفرقا .
طيب إذا كانا في الطائرة مثلا ، إذا كانا في الطائرة وتعاقدا في الطائرة ، وزمن الطيران عشر ساعات ، يكونان بالخيار لمدة عشر ساعات ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : نعم يكونان بالخيار لمدة عشر ساعات كما لو كانا جالسين في هذا المكان لمدة عشر ساعات .
طيب وهل يحصل التفرق بالنوم كما تبايعا وهما يفرشان فراشهما ؟! طيب وقبلا تم البيع ، وناما ولما استيقظا قال أحدهما : هوَّنت ، هل يملك ذلك ؟ ها ؟
الطالب : يملك .
الشيخ : هل تفرقا ؟ لم يتفرقا ، لكن مثل هذا ينبغي أن يقال : إذا خيف الإشكال فلنكن على الحال الأخرى .
قال : ( أو يخير أحدهما الآخر ) : ومعنى يخير أحدهما الآخر : يقول الخيار لك وحدك ، بأن يتنازل عن حقه ، فإذا تنازل أحدهما عن الآخر صار الذي تنازل لا حق له في الخيار ، والثاني له الخيار ، وإذا تنازل كل منهما على الخيار فلا خيار لواحد منهما ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أسقط الخيار عمن تنازل عنه فالخيار عمن تنازل عنه من الطرف الثاني أيضا جائز ، وعلى هذا فإذا تبايعا على أن لا خيار لأحدهما ، أو تبايعا ثم أسقط أحدهما خياره فهذا جائز ، كما يدل عليه الحديث .
طيب قال : ( أو يُخير أحدهما الآخر ) : يعني معنى يخير أحدهما الآخر يقول : الخيار لك وحدك ، قال : ( فإن خير أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع ) أي : لزم على حسب ما اشترطاه ، فإن خير كل واحد منهما الآخر فلا خيار ، وإن خير البائع المشتري فالخيار لمن ؟ للمشتري وحده ، وإن خير المشتري البائع فالخيار للبائع وحده .
( وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع ) : وجب أي : لزم وثبت ، فصار وجوب البيع في صورتين :
الصورة الأولى : إذا خير أحدهما الآخر لزم في حق المخيِّر ، وإن خير كل واحد منهما الآخر لزم في حقهما جميعا .
الصورة الثانية التي يجب فيها البيع : إذا تفرقا ، والتفرق ليس له حد شرعي فيرجع في ذلك إلى العرف ، يرجع إلى العرف ، نعم .
9 - عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا تبايع الرجلان ، فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا وكانا جميعاً ، أو يخير أحدهما الآخر ، فإن خير أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع ، وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع ) . متفق عليه واللفظ لمسلم . أستمع حفظ
قوله صلى الله عليه وسلم ( من أقال مسلما أقال الله بيعته) ألا يدخل في هذا إقالة الكافر للمسلم؟
الشيخ : نعم .
السائل : هل يدخل في هذا الذمي ؟ لو كان المقيل هو الذمي أقال مسلما
الشيخ : نعم .
الطالب : أقال الله عثرته ؟
الشيخ : من هنا عام اسم شرط ، ولكن كل ثواب يحصل في الآخرة فليس للكفار منه شيء ، لكن قد يجازى عليه في الدنيا ، لأن كل عمل يثاب عليه المؤمن في الآخرة فإن ثوابه لغير المؤمن يكون في الدنيا ، لأنه تعجل لهم طيباتهم ، نعم .
السائل : ألا يؤخذ من الحديث إثبات خيار الشرط ؟
الشيخ : إيش ؟
السائل : إثبات خيار الشرط .
الشيخ : ما بعد جئنا للفوائد يا عبد المنان .
10 - قوله صلى الله عليه وسلم ( من أقال مسلما أقال الله بيعته) ألا يدخل في هذا إقالة الكافر للمسلم؟ أستمع حفظ
قوله صلى الله عليه وسلم ( من أقال مسلما أقال الله بيعته) وذكرنا أحسن الله إليكم أن الزوج لا يفارق بالإقالة بل بالطلاق؟
الشيخ : نعم .
السائل : أحسن الله إليكم ، قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من أقال مسلماً بيعته ) : ذكرنا أحسن الله إليكم بأن الزوج لا يحق له أن يفارق بطلب الإقالة .
الشيخ : كيف ؟
السائل : بأن الزوج لا يفارق بطلب الإقالة لأنه .
الشيخ : لا إيش ؟
السائل : أقول : لا يفارق بطلب الإقالة ، لأنه يستطيع التخلص بالطلاق .
الشيخ : لا لا ، قلنا : لو أن الزوج طلق زوجته هل يثاب على ذلك أو لا ؟
السائل : نعم ؟
الشيخ : هل يثاب ثواب المقيل ؟ أو جاءت الزوجة تطلب منه ذلك ؟
السائل : لكن هل له هو ؟
الشيخ : ها ؟
السائل : هل له هو أن يقول : أقيلوني ؟ ذكرنا أنه ليس له ذلك إنما يتخلص بالطلاق .
الشيخ : نعم لو قال : أقيلوني ، لو قال : أقيلوني فأقالوه ما يعطون هذا الثواب لأن العقد في حق الزوج غير لازم ، والنبي عليه الصلاة والسلام إنما جعل الثواب لعقد لازم لا يتخلص الإنسان منه إلا بالإقالة .
11 - قوله صلى الله عليه وسلم ( من أقال مسلما أقال الله بيعته) وذكرنا أحسن الله إليكم أن الزوج لا يفارق بالإقالة بل بالطلاق؟ أستمع حفظ
الزوج إذا تخلص بالطلاق ثبت عليه المهر وإذا تخلص من الزوجة بالإقالة لم يثبت عليه شيء ؟
الشيخ : نعم .
السائل : ربما يقال يا شيخ أحسن الله إليكم أنه إذا تخلص بالطلاق ثبت المهر عليه وإن تخلص بالإقالة لا يثبت عليه شيء .
الشيخ : لا بيثبت عليه المهر ، يثبت عليه المهر إن كان بعد الدخول على كل حال .
السائل : حتى بالإقالة ؟
الشيخ : حتى بالإقالة ، وإن كان قبل الدخول فعليه النصف .
12 - الزوج إذا تخلص بالطلاق ثبت عليه المهر وإذا تخلص من الزوجة بالإقالة لم يثبت عليه شيء ؟ أستمع حفظ
الإقالة على العوض هل يثابت على ذلك ؟
الشيخ : أي هذا سؤال جيد ، يقول : على القول بجواز الزيادة أو النقص في الإقالة إذا أقال من أجل العوض هل ينال هذا الأجر ؟
السائل : لا يناله .
الشيخ : ها ، لا ، لا يناله الأجر ، لأن الرجل لم يُقل إلا على عوض ، نعم .
حديث ( من أقال مسلما أقال الله بيعته) أليس ظاهر الحديث الوجوب لأن معنى الحديث أنه إن لم يقل المسلم لم يقل الله سبحانه عثرته ؟
الشيخ : سبحان الله !! أنت تظن أن الشيء السبب إذا كان سببا لا يوجد أسباب أخرى غيره ، إقالة العثرة كثيرة أسبابها ، فهذا سبب لإقالة العثرة ، وإذا لم يفعل الإنسان يقال من جهة أخرى .
14 - حديث ( من أقال مسلما أقال الله بيعته) أليس ظاهر الحديث الوجوب لأن معنى الحديث أنه إن لم يقل المسلم لم يقل الله سبحانه عثرته ؟ أستمع حفظ
فوائد حديث :( إذا تبايع الرجلان ، فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا وكانا جميعاً .... ).
أولا : ثبوت الخيار للمتبايعين ما داما لم يتفرقا ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا ) .
والثاني من فوائده أيضًا : مراعاة الشرع لأحوال الناس ، لأن هذا الخيار الذي جعل للمتبايعين إنما جعل رفقا بهما ، فإن الإنسان إذا لم تكن السلعة عنده فهي غالية في نفسه ، تجده حريصًا على أن يملكها ، فإذا ملكها فربما ترخص في نفسه ويختار ألا يتملكها ، وهذا شيء معلوم ، ولهذا يقال : " أحب شيء إلى الإنسان ما منع " ، فهي لما كانت في ملك غيره يجد نفسه متعلقة بها فإذا ملكها هانت عنده ، فجعل الشارع له الخيار ولكنه لم يجعله خيارا مطلقا ، لأنه لو جعله خيارا مطلقا لزم يكون العقد اللازم عقدا جائزا ، وإن جعله -أي : الخيار- إلى مدة غير معلومة بل هي منوطة بتشهي كل واحد صار الخيار مجهولا ، فلهذا جعله الشارع لمدة معينة تَجعل للإنسان حرية بعض الشيء ، ولا تُذهب لزوم العقد ولا توقع العقد في جهالة .
فالمسألة إما أن يقال : لا خيار مطلقا ، أو بثبوت الخيار مطلقا ، أو بثبوته ما داما راضيين به ، أو بثبوته ما داما في المجلس .
فالأحوال أربعة : فإذا قلنا : لا خيار لزم من ذلك التضييق على الناس وألا يعطوا فسحة يتروى فيها الإنسان ، وإذا جعلنا الخيار مطلقا لزم أن يكون العقد اللازم جائزا ، وإن قلنا : لهما الخيار إلى أن يرضيا صار الأجل مجهولا ، وإن جعلنا الخيار إلى مدة التفرق أعطيناهما بعض الحرية بدون جهالة ، وبدون ضرر .
طيب ومن فوائد هذا الحديث : جواز قطع هذا الخيار منهما أو من أحدهما لقوله : ( أو يخير أحدهما الآخر ) ، أما من أحدهما فواضح لقوله : ( أو يخبر أحدهما الآخر ) ، وأما منهما ، فلأنه إذا جاز في حق أحدهما جاز في حق الآخر ، لأن الحق لهما فإذا أسقطاه وتبايعا على أن لا خيار بينهما بأن قال : بعتك هذا البيت بمئة ألف درهم على أن لا خيار لواحد منا ، هذا بيع على أن لا خيار .
أو يقول : بعتك بيتي بمئة ألف درهم ثم في أثناء المجلس يقول : لنتفق على قطع الخيار ، فإذا اتفقا انقطع الخيار ، وإن أبى أحدهما وقطعه الآخر فالحق له لقوله : ( أو يخير أحدهما الآخر ) .
ومن فوائد الحديث : جواز مد الخيار إلى ما بعد التفرق ، يؤخذ من الاحتمال الثاني في قوله : ( أو يخير أحدهما الآخر ) ، لأنه صالح للأمرين .
فإن قلت : كيف يكون صالحاً لأمرين متضادين ، الأول في قطع الخيار ، والثاني في مده ؟ !
قلنا : لأن النصوص العامة تدل على جواز الشروط بين المتعاقدين ما لم تخالف الشرع ، وهنا لا مخالفة للشرع .
ومن فوائد الحديث : أن الحق الخاص لآدمي يجوز له إسقاطه لقوله : ( أو يخير أحدهما الآخر ) ، فإذا كان الحق حقا محضًا للآدمي فله أن يسقطه ، لأنه لا أحد يطالبه في إثباته .
ومن فوائد الحديث : أن البيع من العقود اللازمة لقوله : ( فقد وجب البيع ) ، وكونه من العقود اللازمة هو الموافق لمصالح العباد ، لأنه لو كان البيع من العقود الجائزة ما تمكن أحد أن يتصرف فيما انتقل إليه من العوض على وجه تطمئن إليه نفسه ، لأنه يخشى في كل لحظة أن يقول الآخر : قد فسخت البيع ، فلهذا كان من المصلحة لعباد الله أن يكون عقد البيع من العقود اللازمة لكلٍ من الطرفين .
ومن فوائد الحديث : جواز إسقاط الإنسان ما هو حق له ، وإن لم يرض الآخر ، لقوله : ( ولم يترك واحد منهما البيع ) ، فإذا قال البائع مثلا للمشتري لما قال اخترت فسخ العقد ، قال : لا يمكن ، لأن هذا يضر بالسلعة ويهدم مستقبلها .
فجوابه أن يقول له : هذا حق جعله الشارع لي ، ولا يمكن أن تمنعني إياه . ولكن يجب أن نعلم أنه متى قصد المختار إضرار صاحبه كان ذلك حراماً عليه ، وإن كنا نحكم له بظاهر الحال ، لكنه حرام عليه ، لو أنه سامها ثم سامها ثم سامها حتى انتهى السوم إليه ثم باعه عليه ، وكان من نيته أن يفسخ البيع من أجل أن ينزل قيمة السلعة في نفوس الناس ، فإن ذلك حرام عليه ، لأنه إضرار بأخيه ، لكن إذا كان فسخه البيع عن رغبة لا عن قصد الإضرار فإن هذا حق له ، له أن يفعل ولو تضرر صاحبه ، لقول النبي عليه الصلاة والسلام : ( ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع ) .
واعلم أن الناس اختلفوا في هذا الحديث اختلافا عظيماً ، والحقيقة أنه اختلاف لا طائل تحته ، وأن من تأمل الحديث وما يتضمنه من المعاني الجليلة وجد أنه لا يخالف القاعدة ، ولا يخالف القياس ، وأنه هو مقتضى القياس والنظر الصحيح ، وأن المراد بالتفرق هو التفرق بالبدن ، وليس التفرق بالقول ، وأن دعوى أنه التفرق بالقول وأن البيع يلزم بمجرد الإيجاب والقبول قول ضعيف جدًا ، وابن عمر رضي الله عنهما راوي الحديث كان إذا باع عليه أحدٌ شيئًا قام من المجلس وفارق المجلس لئلا يستقيل ، أو لئلا يفسخ البائع ، وهذا يدل على أن المراد بالافتراق هنا : المراد به افتراق الأبدان ، ولا حاجة إلى التكلف الذي ذهب إليه من زعم أنه ليس في البيع خيار مجلس .
15 - فوائد حديث :( إذا تبايع الرجلان ، فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا وكانا جميعاً .... ). أستمع حفظ
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( البائع والمبتاع بالخيار حتى يتفرقا ، إلا أن تكون صفقة خيار ، ولا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله ) . رواه الخمسة إلا ابن ماجه ، ورواه الدار قطني وابن خزيمة وابن الجارود . وفي رواية : ( حتى يتفرقا عن مكانهما ) .
وفي رواية : ( حتى يتفرقا عن مكانهما ) " :
هذا كالحديث الأول ، أو هو كالحديث الأول فيه : أن البائع والمبتاع بالخيار حتى يتفرقا ، وهو مثل قوله : ( إذا تبايع الرجلان ) ، إلا أن هذا قال : البائع والمبتاع ، ففصل أحدهما عن الآخر ، فالبائع : هو جالب السلعة ، والمبتاع مشتريها .
يقول : ( بالخيار ) : يعني كل واحد منهما له الخيار يختار ما يراه أنفع وأصلح لنفسه حتى يتفرقا من أي شيء ؟ في الرواية التي ذكرها المؤلف أخيرا : ( يتفرقا من مكانهما ) ، وهذا نص صريح بأن المراد بذلك تفرق الأبدان .
قال : ( إلا أن تكون صفقة خيار ) قوله : ( إلا أن تكون صفقة ) الصفقة : هي عقد البيع ، وسميت صفقة لأن كل واحد منهما يصفق بيده على الآخر عند العقد ، وهذا في زمن مضى ، أما الآن فلا تحصل الصفقة ، لكن على كل حال المعنى : إلا أن تكون البيعة بيعة خيار ، وبيعة الخيار نقول فيها ما قلنا في قوله في الحديث السابق : ( أو يخير أحدهما الآخر ) ، فتشمل ما إذا كانت صفقة خيار أي : صفقة إسقاط خيار ، فإذا كانت صفقة إسقاط خيار سقط خيار المجلس بمجرد العقد ويحتمل أن يكون المراد : صفقة خيار أي : صفقة شرط فيها الخيار إلى مدة معينة بعد التفرق وعلى هذا فيكون في ذلك إثبات خيار الشرط.
نعم ، قال : ( ولا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله ) ، ( لا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله ) : يشمل البائع والمشتري ، وقوله : ( أن يستقيله ) أي : أن يفسخ العقد ، فالاستقالة هنا بمعنى فسخ العقد ، وذلك لأنه لو كان المراد بها الاستقالة التي هي فسخ العقد برضا الطرفين لم تقيد بالمفارقة ، لأن الإقالة تجوز بعد مفارقة المجلس وقبل مفارقته ، لكن المراد بالاستقالة هنا : فسخ العقد ، طيب قال : ( ولا يحل له ) لمن ؟ للبائع والمبتاع ، أن يفارقه أي : أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله ، وهو صريح في أن المراد مفارقة البدن .
16 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( البائع والمبتاع بالخيار حتى يتفرقا ، إلا أن تكون صفقة خيار ، ولا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله ) . رواه الخمسة إلا ابن ماجه ، ورواه الدار قطني وابن خزيمة وابن الجارود . وفي رواية : ( حتى يتفرقا عن مكانهما ) . أستمع حفظ
فوائد حديث :( البائع والمبتاع بالخيار حتى يتفرقا .... ).
وفيه أيضًا ، في هذا الحديث زيادة : أنه يحرم على الإنسان أن يفارق المجلس خوفا من اختيار صاحبه فسخ العقد ، لأن هذا تحيل على إسقاط حق أخيه بعد ثبوته ، ولا يجوز التحيل على إسقاط حق الغير .
ومن فوائد هذا الحديث : اعتبار النية في العمل ، فإن المفارق للمجلس مجلس عقد البيع قد يكون فارق المجلس لأنه انتهت حاجته ، وقد يكون فارق المجلس من أجل ألا يفسخ صاحبه ، لئلا يمكن صاحبه من الفسخ ، فعلى الأول تكون مفارقته جائزة ، إنسان جاء لشخص واشترى منه وذهب ، وعلى الثاني ؟ تكون المفارقة حراما ، لأن المقصود بها إسقاط حق أخيه الثابت في العقد .
فإن قال قائل : أليس هذا الحق له ؟ فالجواب : بلى الحق له ، لكن ليس له الحق في إسقاط حق أخيه بدون مصلحة له ، وهذا موجود ، كثير في الشريعة أنه لا يحل للإنسان أن يمنع أخاه من شيء ينتفع به أخوه وهو لا يضره ، كما جرى لعمر بن الخطاب رضي الله عنه مع محمد بن مسلمة حين منع جاره أن يجري الماء من أرض محمد ، فقال عمر : " لأجرينه ولو على بطنك " ، وكما قال أبو هريرة في وضع الخشب على الجدار قال : " ما لي أراكم عنها معرضين والله لأرمين بها بين أكتافكم " ، فهذا الرجل لا يحل له أن يسقط حق أخيه الثابت له بدون مصلحة له هو ، يعني ليس قصده إلا الإضرار .
فإذا قال قائل : أليس ابن عمر رضي الله عنهما كان إذا عقد الصفقة قام وفارق المجلس خشية أن يستقيله صاحبه ، فما الجواب ؟ إذا سئلنا الجواب عن هذا ، قلنا الجواب : أن هذا فعل ابن عمر ، وفعل ابن عمر لا يحتج به على الحديث ، ولكن يلتمس له العذر ، فلعله رضي الله عنه لم يبلغه هذا الحديث ، وإلا فإننا نعلم أن ابن عمر رضي الله عنهما من أشد الناس تمسكا بالسنة ، ولو علم أنه لا يحل له أن يفارقه ما فارقه قطعا ، هذا هو ما نعلمه من حال ابن عمر رضي الله عنهما ، فيحمل ما ورد من فعله على أنه لم يبلغه الخبر .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : ذكر رجل للنبي صلى الله عليه وسلم أنه يخدع في البيوع ، فقال : ( إذا بايعت فقل : لا خلابة ) . متفق عليه .
هذا رجل كان يُخدع في البيوع خداعا يخفى عليه دون غيره ، لأن الخداع نوعان : خداع عام ، وخداع خاص كما سيأتي إن شاء الله .
وقوله : ( يخدع في البيوع ) بماذا يخدع ؟ يحتمل أنه يخدع في السلعة تُظهر له جيدة وهي رديئة ، أو يكون فيها عيب وهو لا يعرف العيوب ، أو يخدع في القيمة فتضاعف عليه ، المهم : أنه يخدع في كل ما يعد خديعة ، والحديث عام .
فأرشده النبي عليه الصلاة والسلام إلى التخلص من هذه الخديعة بأن قال : ( إذا بايعت فقل : لا خِلابة ) : وهو يشمل إذا بايعت ما إذا كان هو البائع أو كان هو المشتري ، فقل : لا خِلابة أي : لا خديعة ، أي : لا خديعة فكان إذا باع يقول : ( لا خلابة ) ، فإذا تبينت الخلابة فسخ العقد ، وذُكر أنه كان يقول : لا خابة ، لا خذابة يعني أنه ألثغ لسانه فيه شيء ، ونحن لا يهمنا المهم المعنى أنه كان يقول إذا بايع : لا خلابة ، فإذا ظهر أنه مخلوب فسخ العقد .
18 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : ذكر رجل للنبي صلى الله عليه وسلم أنه يخدع في البيوع ، فقال : ( إذا بايعت فقل : لا خلابة ) . متفق عليه . أستمع حفظ
فوائد حديث: ( إذا بايعت فقل : لا خلابة ).
أنه يجوز تصرف الإنسان الذي يخدع في البيع ، ولكن يشترط لنفسه أنه لا خِلابة ، فإن قال قائل : إذا كان يخدع في البيع فهو سفيه ، ومعلوم أن السفيه يحجز عليه ، فيقال : نعم الحجر عليه هو الأصل ، لكن أحيانا لا يصبر عن البيع والشراء ، لو حجرنا عليه ما يصبر ، فهذا إذا تصرف يشترط لنفسه فيقول : ( لا خلابة ) ، فإذا قال : لا خلابة ، فظهر أنه مخدوع فله الفسخ .
ومن فوائد هذا الحديث : أنه لا يثبت خيار الغبن إلا بشرط ، لأنه لو كان يثبت بلا شرط ما احتيج أن يقال : لا خلابة ، إذ أنه إذا غُبن فسخ سواء قال لا خلابة أم لم يقل ، وهذا هو مذهب كثير من أهل العلم : أنه لا خيار في الغبن ، ولكن هذا المذهب فيه نظر ، لأن فيه قضايا تدل على خيار الغبن منها ما سبق في تلقي الجلب ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم جعل للجالب إذا أتى السوق جعل له الخيار ، لأنه قد يغبن .
ومنها ما سبق في المصرَّاة فإن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الخيار للمشتري بعد أن يحلبها ثلاثة أيام ، وهذا يدل على ثبوت الغبن ، ويمكن الجمع بين هذا الحديث وبين الحديثين السابقين الدالين على أنه يثبت الخيار في الغبن ، يمكن أن يقال : إن الغبن نوعان :
غبن عام يخفى على كل أحد فهذا فيه الخيار سواء اشترط المشتري أو البائع ذلك أو لم يشترط ، مثل التدليس ، فإن التدليس لا يعلم به أحد ، وكذلك تلقي الجلب ، فإنه يخفى على كل الركبان .
وغبن آخر يغبن به الغرير الذي لا يعرف ، فهذا هو الذي يحتاج إى قوله : ( لا خلابة ).
أو يجاب بوجه آخر ويقال : إنه يثبت خيار الغبن مطلقا سواء كان الغبن عاما أو خاصا ، لكن قوله : ( لا خلابة ) من باب التأكيد وقطع النزاع ، فإن الخديعة منفية شرعاً لأنها خلاف النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ، ولكن إذا نفاها عند العقد صار ذلك من باب التأكيد وقطع النزاع .
أما كونها من باب التأكيد فواضح ، لأن نفي الخلابة ثابت سواء شرط أو لم يشترط لا يجوز لأحد أن يغبن أحداً لكونه غريرا أو لا يعرف الأسعار أو ما أشبه ذلك .
قطع النزاع ، لأنه إذا ثبتت الخديعة ثبت الخيار بدون نزاع ، فلا يقول مثلا البائع إذا غر المشتري : أنت الذي أخطأت على نفسك ، أنت الذي لم تحتط لنفسك أو ما أشبه ذلك ، لأنه يقول : أنا أحطت لنفسي بقولي : لا خلابة ، وهذا الوجه أحسن من الوجه الذي قبله ، يعني أحسن من تقسيم الغبن إلى قسمين ، فنقول : إن هذا الحديث يدل على أن اشتراط الغبن للفائدتين المذكورتين اللتين ذكرناهما : وهي التوكيد وقطع النزاع .
طيب ومن فوائد هذا الحديث على هذا التقرير الذي قررنا : ثبوت خيار الغبن لكل مغبون ، فكل من غبن بتغرير في الثمن أو في المثمن فإن له الخيار .
ومن فوائد هذا الحديث : أنه يجب أن يكون التعامل بين المسلمين بالنصح بالبيان والصدق وعدم التغرير ، وهذا هو الواجب لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) ، ومعلوم أن من غرر أخاه وخدعه في البيع أو الشراء ، فإنه لم يحب لأخيه ما أحب لنفسه ، لأن الذي يحب لأخيه ما يحبه لنفسه حقيقة هو الذي يعامل أخاه بما يحب أن يعامل به .
طيب هل يمكن أن يقال : إنه يقاس على البيوع ما سواها من العقود ، بحيث لا يجوز الخداع فيها ؟
الجواب : نعم ، لا يجوز الخداع في جميع العقود ، إما أن نأخذها بالقياس على هذا الحديث ، يعني : أن نأخذ حكمها بالقياس على هذا الحديث ، وإما أن نقول : إنها داخلة في عموم قوله تعالى : (( يا أيها الذين أمنوا أوفوا بالعقود )) ، فإن من الإيفاء بالعقود أن تعامل إخوانك بالنصح ، وفي قوله تعالى : (( وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا )) ، وفي قوله تعالى : (( ولا تبخسوا الناس أشياءهم )) إلى غير ذلك من النصوص الدالة على أنه يجب أن تكون معاملة الإنسان لغيره قائمة على النصح بالبيان والصدق .
وفي الحديث دليل أيضًا على أن الشريعة الإسلامية كما جاءت بإصلاح أحوال الناس في أمور الدين جاءت بإصلاح أحوالهم في أمور الدنيا ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد هذا الرجل إلى أن يقول : لا خلابة .
وفيه : دليل أيضًا على أنه ينبغي للإنسان أن يرشد الغرير الجاهل إلى ما يسلم به من غائلة هذا الجهل والمغرة ، لأن هذا من النصح ، فلا يجوز للإنسان إذا رأى شخصًا غريرًا وقف على دكان يسأله عن سلعة فقال له صاحب الدكان : قيمتها مئة وهو يدري أن قيمتها خمسين ويسكت ، بل الواجب عليه أن يقول لهذا المشتري : إن قيمتها في السوق خمسون ، ولا يعد ذلك من قطع الرزق كما يظنه بعض العامة .
طيب من فوائد هذا الحديث : أنه لا خيار في الغبن إلا إذا شُرط ، يعني إذا شرط المغبون بأن له الخيار ، ووجه ذلك : أنه لو كان يثبت الغبن أو لو كان يثبت الخيار بالغبن ما احتيج إلى اشتراطه ، وسبق لنا الجواب على ذلك ، وقلنا : إن هذا إنما ذُكر من أجل التوكيد وقطع النزاع ، لأن هناك أحاديث تدل على ثبوت الغبن ، مثل النهي عن تلقي الجَلَب والمصراة ، فإن هذا يدل على خيار الغبن ، وهذا هو الصحيح .
باب الربا.
الربا في اللغة : الزيادة ، ومنه قوله تعالى : (( فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت )) أي : علت وزادت .
ومنه قوله تعالى : (( وآويناهما إلى ربوةٍ ذات قرار ومعين )) أي : إلى مكان مرتفع زائد عن مستوى الأرض.
أما في الشرع : " فإنه الزيادة في شيئين حرم الشارع التفاضل بينهما بعوض " ، الزيادة بين شيئين حرم الشارع التفاضل بينهما بعوض .
أو : " التأخير في قبض ما يشترط قبضه " ، وهو محرم بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين ، بل هو من كبائر الذنوب ، بل من الموبقات السبع التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اجتنبوا السبع الموبقات ) ، وذكر منها : أكل الربا .
وفيه وعيد عظيم في القرآن والسنة ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- : " إنه لم يرد في ذنب دون الشرك مثل ما ورد في الوعيد على أكل الربا " ، وذلك لأنه فساد للمجتمع في دينهم ودنياهم ، فإنه يقتضي أن يتغذى الناس بالحرام ، ويقتضي أن تختلف طبقات الناس ، فيكون منهم من هو في القمة ومنهم من هو في القمامة .
ويحصل فيه التضخم المالي المدمر للاقتصاد بين الأمة ، فلهذا وردت فيه نصوص كثيرة في الوعيد .
وإنما وردت فيه بالوعيد الشديد لأن النفوس تحب المال ، كما قال الله تعالى : ((وتحبون المال حباً جماً )) : فتحتاج إلى رادع قوي يمنعها من أكل هذا المال المحرم ، لأنه لو كان الوعيد خفيفا هان على الإنسان أن يأكل هذا المال المحرم ، لكن إذا كان الوعيد عظيما ارتدع من في قلبه إيمان .
ثم إن هذا الربا العظيم الذي توعد الله عليه في كتابه والرسول صلى الله عليه وسلم في سنته وأجمع المسلمون على تحريمه ، لا فرق فيه بين أن يكون المرابي محتاجا أم غير محتاج ، لو أخذ الحبل يحتطب ويأكل لكان خيرًا له من أن يعطي الربا .
ثم اعلم أن الربا سيكون في أشياء معينة تذكر في الأحاديث التي تأتي إن شاء الله .
من أدلة الكتاب على تحريمه قوله تعالى : (( يأيها الذين أمنوا لا تأكلوا الربوا أضعافاً مضعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون * واتقوا النار التي أعدت للكافرين )) : وهذا يدل على أن آكل الربا مهدد بالنار المعدة للكافرين .
وقوله تعالى : (( فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومَن عاد فأولئك أصحب النار هم فيها خلدون )) .
وقوله تعالى : (( يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربوا إن كنتم مؤمنين * فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون )) .
وقوله تعالى : (( وما آتيتم من رباً ليربوَ في أموال الناس فلا يربوا عند الله وما أتيتم من زكوةٍ تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون )) .
عن جابر رضي الله عنه قال : لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه ، وقال : ( هم سواء ) . رواه مسلم ، وللبخاري نحوه من حديث أبي جحيفة .
لعن خمسة والعياذ بالله في الربا : ( آكله ) : بدأ به لأنه المستفيد من الربا ، فلذلك بدأ به ، وهو أشدهم والعياذ بالله ، لأنه يأكل الربا ، وأكل الربا أكل مال محرم سحت يتغذى جسده بالسحت ، فإذا دعا لم يكن حريا بالإجابة ، ولو فعل أسباب الإجابة ، كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم : ( الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء : يا رب يا رب ، وملبسه حرام ومطعمه حرام وغذي بالحرام ، فأنّى يستجاب لذلك ) .
( وآكل الربا ) لا يعني من أكله فقط ، بل من أخذه سواء أكله أو لبسه أو شربه أو سكن فيه أو غير ذلك ، وإنما ذكر الأكل لأنه أخص وجوه الانتفاع ، لأنه يتغذى به البدن ، فاللباس يقي الحر والبرد ، لكن ليس كنفع الأكل ، لأن نفع الأكل أدخلوا مباشرة في البدن نعم .
وأما قول بعضهم : أعم وجوه الانتفاع ، فلأن الغالب أن الإنسان ينتفع بماله أكلا أكثر مما ينتفع بماله شربا أو لبسا أو ما أشبه ذلك ، لكن الظاهر أنه خص الأكل لأنه أخص الانتفاع بالربا ، نعم .
ولكن هل المراد خصوص الأكل ؟ الجواب : لا بل المراد أخذه للأكل أو لغيره ولهذا قال الله تعالى في اليهود : (( وأخذهم الربوا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل )) .
ثانيا : ( موكله ) : الموكل هو الذي يعطي الربا ، واستحق اللعنة لإعانته على فعل تكون به اللعنة ، والمعين على المحرم كفاعل المحرم ، كما أن المعين على الخير كفاعل الخير .
( كاتبه ) : كاتبه أيضا ملعون والعياذ بالله ، لأنه أعان على تثبيته بكتابته ، ولأنه لم يكتبه إلا وقد رضي به فصار مشاركا للفاعل ، ويقال كذلك في ( شاهديه ) : اللَّذين يشهدان به فإنهما داخلان في اللعنة ، لأن شهادتهما بذلك تثبته ، ولأن شهادتهما به تدل على رضاهما به ، والراضي بالمحرم كفاعل المحرم .
وعلى هذا فيكون الربا يُلعن فيه خمسة : الآكل ، والموكل ، والشاهد ، والكاتبين ، والشاهد والكاتبين !
الطالب : الكاتب والشاهدين !
الشيخ : سبحان الله !!! الكاتب والشاهدين ، إيش نقول : الشاهد والكاتبين ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : إي طيب صح لأن الكاتب واحد والشاهدان اثنان ، طيب يلعن فيه هؤلاء الخمسة ، وعرفتم وجه اللعن فيمن عدا الآكل ، لأن لعن الأكل واضح لكن لعن غيره من أجل السببية ، طيب .
21 - عن جابر رضي الله عنه قال : لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه ، وقال : ( هم سواء ) . رواه مسلم ، وللبخاري نحوه من حديث أبي جحيفة . أستمع حفظ
فوائد حديث: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله ... ).
ومن فوائده : أن المعين على المحرم كفاعل المحرم حتى وإن كان مظلوما به فالموكل مظلوم بالمحرم بالربا ، ومع ذلك كان له إثم الآكل لإعانته إياه على أكله ورضاه بذلك .
ومن فوائد الحديث : تحريم الشهادة بما يكون حراماً ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لعن الشاهد ، وكذلك نقول في الكتابة ، فإذا كان الشيء حلالا عند الشاهد ، حرام عند غيره ، فإن كان حرامًا عند المتعامل به كانت شهادة الشاهد به حرامًا ، وإن كان يرى الحِل ، لماذا ؟ لأنه أعان على المحرم ، فهو يعتقد أن هذا الذي شهد له بهذا المحرم يعتقد تحريمه ، فيكون شاهدا له بالمحرم وإن كان هو يرى الحل ، نعم ، كمسائل البيوع التي اختلف فيها العلماء ، أو مسائل الوقف التي اختلفوا فيها ، أو الهبة أو الرهن أو غير ذلك ، وهي كثيرة جدا .
شهدت لشخص يعتقد أن هذا العقد محرم وأنت تعتقد أنه حلال فنقول : هذا حرام عليك ، لأنك أثبت لهذا الشخص ما يعتقد أنه حرام ، وكذلك بالعكس : لو كان هذا الشخص يعتقد الحل وأنت ترى التحريم ، حرم عليك أيضا أن تشهد ، لأنك ستشهد بما تعتقد أنه حرام ، ولكن يدخل في هذه المسألة الشهادة بالطلاق الثلاث ، أو على الطلاق الثلاث ، هل يشهد الإنسان أو لا يشهد ؟
الطالب : فيه تفصيل .
الشيخ : نعم ويش التفصيل ؟
الطالب : يرى أنه يقع لكنه حرامًا .
الشيخ : لا حتى الذين يعتقدون الثلاث واحدًا يرونه حرامًا ، نعم ؟
الطالب : أعد يا شيخ !
الشيخ : رجل طلق زوجته ثلاثا ثم ادعت على زوجها أنه طلقها ثلاثا وأنكر الزوج وفيه من يشهد من حضر طلاقها ، هل يشهد بهذا الطلاق أو لا يشهد لأنه محرم ؟
الطالب : يشهد .
الشيخ : نعم ؟ الجواب : أنه يشهد ، لماذا ؟ لأنه يترتب عليه أمر كبير ، أمر كبير وأنا الآن لا أشهد به إقرارا له ، ولكن لأجل ما يترتب على هذا من البينونة الكبرى عند من يرى أن الثلاث تبين به المرأة ، أو من التأديب عند من يرى أن المرأة لا تبين به ، ولكنه حرام ، المهم أنه إذا سمع شخصًا .