تحت باب الربا.
تتمة شرح حديث: (وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي . رواه أبو داود و الترمذي وصححه .
إنسان آخر له حق ، ولا يستطيع التوصل إلى حقه إلا ببذل ، بذل المال ، فبذل المال ليصل إلى حقه فهذا ليس حراماً عليه بل له الحق في ذلك والإثم على الآخذ .
ولكن لا ينبغي أن نلجأ إلى ذلك إلا عند الضرورة القصوى ، لأننا لو بذلنا هذا بسهولة لفسد من يتولى أمور الناس ، وصار لا يمكن أن يعمل إلا برشوة كما يوجد في بعض البلاد لا يمكن أن تُقضى حاجتك التي يجب قضاؤها على الموظف إلا برشوة ، يأخذون بالقاعدة الأصيلة الأصلية الثابتة الراسخة عند العامة وهي : " ادْهن السير يسير " ، نعم عرفتم هذه ؟! أي نعم يعني ما يمكن إنه يسير أمره ويسهل إلا إذا دهن السير ، نعم وإذا دهنته كثيرًا يمشي يسرع وإن دهنته قليلا يمكن تقطع .
على كل حال أقول : إن الإنسان الذي يبذل الشيء ليتوصل إلى حقه أو دفع الظلم عنه ، ليس عليه إثم ، بل الإثم على الآخذ ، وقد نص على ذلك أهل العلم ، لا الشراح الذين يشرحون الحديث باعتباره شرحًا فقهيًا ولا الشراح الذين يشرحون الحديث باعتباره شرحا لغويا كصاحب النهاية مثلا .
إذًا الرشوة التي لعن فاعلها ومن فُعلت له هي التي يتوصل بها إلى باطل أو إسقاط حق ، هذه يلعن فيها الراشي والمرتشي .
وإنما لعنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم لما يتضمن فعلهما من المفاسد العظيمة ، وتعطيل حقوق الناس ، والتلاعب بهم ، والناس كما تعلمون إذا لم تقض حوائجهم على الوجه المطلوب حصل بذلك فتن عظيمة وكراهة لولاة الأمور الذين يتولون هذه الأشياء ويأخذون عليها الرشوة ، والواجب على الإنسان أن يتقيَ الله عز وجل فيمن ولاه الله عليه ، وأن يسير بهم بالعدل والقسط ، ويعطي كل ذي حق حقه ، وألا يستعمل سلطته ليتوصل بها إلى أكل أموال الناس بالباطل .
2 - تتمة شرح حديث: (وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي . رواه أبو داود و الترمذي وصححه . أستمع حفظ
فوائد حديث :( لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي ... ).
جواز لعن الراشي والمرتشي لكن على سبيل العموم لا التخصيص ، فتقول : لعنة الله على الراشي والمرتشي ، وجه ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لعنهم وقد قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : ( ما لي لا ألعن من لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ، ولكن على سبيل التعيين لا يجوز ، وإن فَعل ، وإن رشا ، لأنه من الممكن أن يهديه الله عز وجل ويسلم من الطرد والإبعاد عن رحمة الله ، وإذا كان الكافر وهو أشد من المرتشي لا يجوز لعنه بعينه فما بالك بالمرتشي ، لا يجوز من باب أولى ، ولهذا لما صار النبي صلى الله عليه وسلم يدعو على قوم من العرب : ( اللهم العن فلانا وفلانا وفلانا ) نهاه الله وقال له سبحانه وتعالى : (( ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظلمون )) .
فكذلك هؤلاء الفسقة الذين لعنوا على لسان محمد صلى الله عليه وسلم لا يجوز أن نلعن الإنسان منهم بعينه ، لكن على سبيل العموم ، وبهذا نعرف الفقه في هذه المسألة ، وهي الفرق بين التعيين بالجنس والتعيين بالشخص ، صح ؟!
الطالب : صح .
الشيخ : التعيين بالجنس أوسع ، التعيين بالجنس أن أقول : اللهم العن الرشاة والمرتشين عموما ، لكن بالشخص التعيين بالشخص اللهم العن فلانا لأنه يرتشي لا يجوز ، اللهم العن فلانا لأنه كافر لا يجوز .
لكن لو قلت : لعنة الله على الكافرين ؟
الطالب : يجوز .
الشيخ : جائز للعموم ، وهذا كما أنه في العقوبات فهو كذلك في الثواب ، فلا نشهد لشخص معين بأنه في الجنة ، وإن كان مؤمناً ، ولا نشهد لمن قتل بالجهاد بأنه شهيد وإن قتل فيه ، ولكن نقول كما أرشد إليه عمر رضي الله عنه : ( من قُتل في سبيل الله أو مات فهو شهيد ) ، على سبيل العموم ، لأننا لو قلنا بجواز الشهادة بالتعيين لكنا نشهد لكل واحد بأنه في الجنة من المؤمنين وهذا لا يكون ، نعم .
ومن فوائد الحديث : تعظيم أمر الرشوة وأنها من الكبائر ووجه ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الراشي والمرتشي .
ومن فوائد الحديث : وجوب القيام بالعدل بين الناس ، لأن الرشوة في الغالب يكون فيها جور حيث إنه يقدَّم الراشي على غيره ، وربما يُحكم له بالباطل مع أن الحق مع غيره ، فإن قال قائل : ما وجه إدخال هذا الحديث في باب الربا ؟ الطالب : أكل المال بالباطل .
الشيخ : نعم ، نقول : وجه ذلك هو أن الجامع بينه وبين الربا أن هذا الأخذ بغير حق من أكل المال بالباطل فهو كالربا .
وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يجهز جيشاً , فنفدت الإبل , فأمره أن يأخذ على قلائص الصدقة , قال : فكنت آخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة . رواه الحاكم والبيهقي , ورجاله ثقات .
قوله : ( أمره أن يجهز جيشا ) ، ( أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يجهز جيشا ) يعني : يقوم بمصالح الجيش ويشتري حوائجه وينفذه ، والجيش هو الطائفة من الجنود تتجاوز أربعمئة .
وقوله : ( فنفدت الإبل ) يعني الإبل المعدة للجهاد نفدت وانتهت ، ( فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يأخذ على قلائص الصدقة ) : قلائص جمع قلوص ، وهي الناقة ، وأضافها إلى الصدقة لأنها تُجبى من أموال أهل الإبل ، ويؤتى بها إلى المدينة ، فأمره أن يأخذ على قلائص الصدقة .
قال : ( فكنت آخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة ) : آخذ البعير بالبعيرين قرضًا أو شراءً ؟
الطالب : شراءً .
الشيخ : شراءً ، شراءً قطعا لأن الباء هنا للمعاوضة ، ومن المعلوم أن الربا لا يجوز للإنسان يعطي واحدًا ويأخذ اثنين ، لأنه يكون ربا ، لأنه قرض جر نفعا وهو ربا .
وقوله : ( إلى إبل الصدقة ) أي : إلى أن تأتي إبل الصدقة .
4 - وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يجهز جيشاً , فنفدت الإبل , فأمره أن يأخذ على قلائص الصدقة , قال : فكنت آخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة . رواه الحاكم والبيهقي , ورجاله ثقات . أستمع حفظ
فوائد حديث :( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يجهز جيشاً , فنفدت الإبل ... ).
جواز التوكيل في تجهيز الجيش ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وكَّل عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما .
ومنها : منقبة لعبد الله بن عمرو حيث ائتمنه النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الأمر العظيم ، وهذا يدل على حنكة الرجل وأمانته .
ومنها أيضًا ، من فوائد الحديث : التأهب والاستعداد في تنفيذ الجيوش ، لقوله : ( أن يجهز ) ، والتجهيز : أن يقوم بجهازه وكل ما يلزمه من مؤونة ، فلا يبعث الجيش هكذا بدون أن يجهز .
ومن فوائد الحديث : أنه يجوز بيع الحيوان بالحيوان نسيئة ، وهذا الحديث أقوى من الحديث السابق حديث سمرة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة ) ، فهو أصح منه وأقرب إلى القواعد ، فعلى هذا يكون مرجحًا على حديث سمرة .
ومن فوائد الحديث أيضًا : أنه يجوز النَّساء ، بل تجوز الزيادة في بيع الحيوان بالحيوان ، وجهه ؟
الطالب : البعير بالبعيرين .
الشيخ : البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة .
ومنها : جواز الزيادة في بيع التقسيط وجهه ، أن هذه الزيادة في مقابلة الأجل ، وهذا أمر لا يشتبه على أحد ، حتى إن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- نقل إجماع العلماء على جواز بيع التقسيط إذا كان قصد المشتري السلعة ، بخلاف ما إذا كان قصده المال فقد عرفتم أنه من باب التورق وأنه يرى تحريمه ، لكن إذا كان قصده السلعة فلا بأس أن يأخذها مؤجلة بزيادة .
وهذا هو الموافق للفِطَر ، إذ لا يمكن لأي إنسان أن يبيع شيئا بثمن مؤجل كئمنه إذا كان نقدًا هذا مستحيل ، اللهم إلا محاباة للمشتري لقرابة أو صداقة أو ما أشبه ذلك ، وأما البيع المعتاد فإنه لا يمكن أن يبيع شخصٌ سلعة تساوي مئة الآن بمئة بعد سنة ، لا بد أن يأخذ على هذا التأجيل مقابل ، وليس هذا من باب الربا في شيء ، بل هو من باب الأمر الجائز .
طيب هل يجوز يا عادل أن أبيع البعير بثلاثة أبعرة ؟
الطالب : يجوز .
الشيخ : يجوز ؟! ويش الدليل ؟
الطالب : حديث عبد الله بن عمرو .
الشيخ : يقول : ( كنا نأخذ البعير بالبعيرين ) ، إي نعم ، طيب هذه بعيرين نبي نأخذ ثلاثة ، بعير بثلاثة أبعرة ، ويش تقولون ؟
الطالب : العدد لا مفهوم له .
الشيخ : إذا جاز البعيرين جاز الثلاثة والأربعة ، لأن جواز البعيرين يدل على أنه لا ربا بين الحيوان بيع بعضه ببعض وعلى هذا فتجوز الزيادة .
طيب ما رأيكم فيما لو عامل الإنسان معاملة فجاء شخص وقال له : ما دليلك على جوازها ؟ هل طلب الدليل هنا صحيح ؟ نصر !
الطالب : الأصل في المعاملات الحل .
الشيخ : إذًا نقول : طلب الدليل هنا في غير محله ، فنقول له : الدليل عدم الدليل ، لأن الأصل في المعاملات الحل حتى يقوم دليل على المنع طيب .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة : أن يبيع ثمر حائطه إن كان نخلاً بتمر كيلاً , وإن كان كرماً أن يبيعه بزبيب كيلاً , وإن كان زرعاً أن يبيعه بكيل طعام , نهى عن ذلك كله . متفق عليه .
المزابنة مفاعله ، وهذه الصيغة من الأفعال تدل على الاشتراك ، في الغالب ، الغالب أن المفاعلة تدل على اشتراك بين اثنين وأكثر كالمقاتلة والمجاهدة والمغارسة والمساقاة وما أشبهها ، وقد لا تدل على الاشتراك كالمسافرة ، يقال : سافر الرجل مسافرة وهو واحد ، ليس له طرف آخر .
المزابنة : من الأفعال المشتركة ، وهي مأخوذة من الزبن وهو الدفع ، فهي مبايعة بين شخصين لكنها خصت بنوع خاص من البيوع ، وإلا فإن جميع البيوع فيها مزابنة ، لأنها من الدفع ، فالبائع يدفع السلعة والمشتري يدفع الثمن ولكنها خُصت بنوع معين من البيوع .
ولا مانع من أن يخصص المعنى العام بشيء أو في شيء من أفراده .
المزابنة فسرها بقوله : ( أن يبيع ثمر حائطه ) وأن : هنا مصدرية إما أن يكون المصدر مرفوعًا على أنه خبر مبتدأ محذوف ، والتقدير : هي أن يبيع .
وإما أن يكون في محل جر نعم بيان للمزابنة ، لأن المزابنة مجرورة بـعن .
( أن يبيع ) أي : البائع .
( ثمر حائطه إن كان نخلا بتمر كيلا ، وإن كان كرماً أن يبيعه بزبيب كيلاً ، وإن كان زرعاً أن يبيعه بكيل طعام ، نهى عن ذلك كله ) :
هذه ثلاث صور :
الصورة الأولى : أن يبيع ثمر حائطه إن كان نخلا بتمر كيلا ، فيأتي شخص إلى صاحب الحائط ويقول : بعني ثمرة هذه النخلة بتمر ، هذه المزابنة لا تجوز ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها ، والعلة في ذلك أنها بيع تمر بتمر ، وبيع التمر بالتمر يشترط فيه التساوي كيلا ، ومعلوم أن التمر على النخل لا يمكن فيه الكيل ، وإذا لم يمكن في الكيل فإنه لا يتحقق التساوي .
فإن قال قائل : نحن نخرصه بما يؤول إليه تمرة ، فنقول : هذه النخلة إذا أثمرت يأتي منها خمسون صاعًا من التمر ، فإذا دفع المشتري خمسين صاعًا من التمر بتمر هذه النخلة فقد قابل التمر الذي دفعه ثمر النخل بماذا ؟ بالخرص ؟! فالجواب على ذلك أن نقول : إن الخرصَ ظن وتخمين ، والكيلَ علم ويقين ، ولا يمكن أن يقابل الظن والتخمين بالعلم واليقين ، ولدينا قاعدة في باب الربويات وهي : " أن الجهل " - نعرف أن عندك علم - " وهي أن الجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل " ، الجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل ، ونحن الآن نجهل التساوي كيلا لأن الخرص ليس علما بل هو ظن وتخمين .
وكذلك أيضا بالنسبة للعنب ( إن كان كرماً ) أي : عنباً ، ( أن يبيعه بزبيب كيلاً ) : الزبيب هو : العنب المجفف ، والكرم هو العنب الطري ، فيكون رجل عنده شجرة من العنب وفيها عنب فيأتي إليه شخص ويقول : أنا أشتري منك عنب هذه الكرم بزبيب ، كم يأتي هذا العنب ؟ فيقول : يأتي إذا يبس خمسين صاعًا ، فأقول : هذه خمسون صاعًا من الزبيب ، فهذا مزابنة ، ولا يحل ، وعلته ما سبق أن التساوي أو التماثل بينه وبين الزبيب مجهول ، والجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل .
( وإن كان زرعًا أن يبيعه بكيل طعام ) : الزرع يشمل الشعير ويشمل البُر، فهذا رجل عنده مزرعة يأتي منها مئة صاع ، فجاء رجل إليه وقال : بعني هذه المزرعة بمئة صاع حب ، الذي عبر عنه في الحديث بالطعام لأنه يطعم ، فنقول : هذا لا يجوز ، والعلة فيه أنه بيع بر ببر أو شعير بشعير مع الجهل بالتساوي ، والجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل .
طيب ، هذا الحديث إذًا يدخل في باب الربا ، أليس كذلك ؟ يدخل في باب الربا .
طيب أرأيتم لو أنه باع تمر نخله بزبيب كيلاً ، فهل يجوز ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : نعم يجوز لأن بيع التمر بالزبيب لا تشترط فيه المماثلة ، وكذلك لو باع ثمر نخله بطعام كيلا فإنه لا بأس به ، لأن هذا لا تشترط فيه المماثلة .
طيب لكن إذا باع تمرا بزبيب أو طعاما ببر أو شعير فلا بد من ؟ ها ؟
الطالب : التقابض .
الشيخ : لا بد من التقابض لاشتراكهما في الكيل الذي هو علة الربا ، بل في الكيل والطعام والقوت .
يُستثنى من هذا الحديث ما ثبتت به السنة من العرايا في ثمر النخل وكذلك في العنب على القول الصحيح ، فلو أن إنسانا أراد أن يشتري ثمر نخل بتمر ، فإنه يجوز في باب العرايا ، لكن بشروط :
الشرط الأول : ألا يكون عنده نقد ، عند المشتري نقد .
والشرط الثاني : أن يكون محتاجًا للرطب ، يعني يريد أن يتفكه ليس إنسانا لا يهمه أن يأكل تمرا أو رطبا بل نفسه تشتاق إلى الرطب ، فهو في حاجة له . والشرط الثالث : أن يكون في خمسة أوسق فما دونه ، أو فيما دون خمسة أوسق ، والوسق ستون صاعًا أي : ثلاثمئة صاع ، فإن زاد عليها فإنه لا يجوز . الشرط الرابع : أن يكون الرطب في خرصه بمقدار ما يؤول إليه مساوياً للتمر ، بمعنى أن نقول : هذا الرطب إذا يبس يأتي منه مئة صاع ، ويبدل بكم ؟ بمئة صاع بدون زيادة ، يعني أن يكون خرصُ الرطب بما يؤول إليه تمرًا مساويًا للتمر الذي دفع .
الشرط الخامس : أن يأكله رُطباً يأكله مَن ؟ المشتري رطباً ، فلو تركه حتى أثمر بطل البيع ، اللهم إلا أن يدعه لعذر كأن يحال بينه وبينه ، فهذا يعذر فيه ، فبهذه الشروط الخمسة يجوز بيع الرطب بالتمر ، وإذا لم توجد هذه الشروط الخمسة فإنه لا يجوز .
العنب كالتمر ، لأن الناس يحتاجون إلى التفكه فيه ، أما الزرع فلا لأن الزرع مهما كان سوف يتحول إلى حب ، ولن ينتفع به قبل أن يكون حبا ، ( نهى عن ذلك كله ) متفق عليه .
6 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة : أن يبيع ثمر حائطه إن كان نخلاً بتمر كيلاً , وإن كان كرماً أن يبيعه بزبيب كيلاً , وإن كان زرعاً أن يبيعه بكيل طعام , نهى عن ذلك كله . متفق عليه . أستمع حفظ
فوائد حديث: ( ابن عمر رضي الله عنهما قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة ... ).
أولا : أنه لا يجوز بيع الرطب بالتمر كذا ؟! ولا فرق بين أن يكون الرطب على رؤوس النخل أو قد فرك ، قد فرك وجُني ، ويستثنى من ذلك ما أشرنا إليه من العرايا .
طيب في العرايا ذكرنا خمسة شروط ونزيد شرطا سادسًا : وهو أن يكون الرطب على رؤوس النخل ، فإن كان قد جُني فإنه لا يصح ، لا بد أن يكون على رؤوس النخل لأجل أن يجنيه شيئا فشيئا .
طيب يستثنى من هذا العرايا لدلالة السنة على ذلك .
يستفاد من هذا أيضًا : مراعاة تجنب الربا ولو على وجه بعيد ، لأنه حُرم بيع الرطب بالتمر والزبيب بالعنب وكذلك الزرع بالحب .
ومن فوائد الحديث أيضًا : أنه لا يجوز بيع الرطب باليابس فيما يشترط فيه التماثل ، أو لا ؟!
الطالب : نعم .
الشيخ : وإن لم يكن على الوصف الذي ذكر في الحديث ، فلو فرض أن لدينا تمراً طريا لكنه ليس رطباً وتمر آخر يابسًا فإنه لا يجوز بيع هذا بهذا ، لماذا ؟ لأن ذلك سوف يختلف في الكيل ، فإن كيل الرطب ليس ككيل اليابس ، طيب .
7 - فوائد حديث: ( ابن عمر رضي الله عنهما قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة ... ). أستمع حفظ
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن اشتراء الرطب بالتمر فقال : ( أينقص الرطب إذا يبس ) ؟ قالوا : نعم , فنهى عن ذلك . رواه الخمسة وصححه ابن المد يني والترمذي وابن حبان والحاكم .
" ( يسأل عن اشتراء الرطب بالتمر .فقال : أينقص الرطب إذا يبس ؟ قالوا : نعم ، فنهى عن ذلك ) رواه الخمسة وصححه ابن المديني والترمذي وابن حبان والحاكم " :
( اشتراء الرطب بالتمر ) : من باب شراء الربوي بجنسه ، ومعلوم الاختلاف بين الرطب وبين التمر وأنه لا يمكن فيهما التساوي ، ولهذا سأل النبي صلى الله عليه وسلم : ( أينقص إذا جف ؟ قالوا : نعم ) : وسؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن نقصان الرطب إذا جف ليس سؤال استخبار ، لماذا ؟
الطالب : لأنه يعلم .
الشيخ : لأنه يعلم ذلك لكنه سؤال تقرير للحكم وإشارة إلى العلة وهو : أن ذلك لا يجوز لأن الرطب ينقص إذا جف ، وعلى هذا فنقول : بيع الرطب بالتمر لا يجوز ، والعلة أنه ينقص إذا جف .
وبيع التمر بالتمر يشترط فيه التساوي والتساوي هنا معدوم ، حتى لو أن الرطب خُرص بما يؤول إليه تمرا مساويا بالتمر الذي بيع به ، فإنه لا يجوز وذلك لأن الخرص ظن وتخمين ، والمشترط العلم اليقين .
8 - وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن اشتراء الرطب بالتمر فقال : ( أينقص الرطب إذا يبس ) ؟ قالوا : نعم , فنهى عن ذلك . رواه الخمسة وصححه ابن المد يني والترمذي وابن حبان والحاكم . أستمع حفظ
فوائد حديث :( أينقص الرطب إذا يبس ... ).
حِرص الصحابة رضي الله عنهم على تعلم العلم ، لأنهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه المسألة الدقيقة .
ومن فوائده : حسن تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم ، حيث يقرن الحكم بالعلة ، وقرن الحكم بالعلة له فوائد :
منها : طمأنينة المكلَّف ، فإن الإنسان إذا بُين له الحكم بعلته ازداد طمأنينة ، ولا شك أن المؤمن مطمئن بحكم الله ورسوله على كل حال لكنه يزداد ، قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام : (( رب أرني كيف تحى الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي )) ، فالإنسان إذا قرن له الحكم بالعلة ازداد طمأنينة .
ومن فوائدها ، أي من فوائد قرن الحكم بالعلة : بيان سمو الشريعة وأن أحكامها مبنية على حكم وأسرار ، ولكنَّ هذه الأحكام المبنية على الحكم والأسرار قد تكون حكمها وأسرارها معلومة وقد تكون مجهولة ، لأننا نحن لم نُؤت من العلم إلا قليلا ، وليس كل حُكمٍ حَكَم الله به ورسولُه نعلم حكمته لأننا قاصرون ، فلذلك كان ذكر علة الحكم مبينا لسمو الشريعة وأن لها في أحكامها أسرارا وحكما عظيمة .
ومن فوائد ذكر العلة المقرونة بالحكم : إمكان القياس ، بحيث يُلحق بهذا المنصوص عليه ما يساويه في تلك العلة .
فإن قال قائل : إمكان القياس حاصل وإن لم تذكر العلة !
فالجواب : أن الأمر كذلك ولكن لا شك أن العلة المنصوصة أقوى من العلة المستنبطة ، العلة المستنبطة قد تكون هي المرادة للشارع وقد لا تكون ، لكن العلة المنصوصة لا شك أنها هي المقصودة للشرع فهي أقوى ، ثم إن العلة المنصوصة يقوى الإنسان على إلحاق المسكوت عنه بالمنطوق إذا شاركه في العلة ، بخلاف العلة المستنبطة ، ولهذا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث ، من أجل أن ذلك يحزِنُه ) : هذه العلة استفدنا منها فوائد عظيمة وهي : أن كل ما يُحزن المسلم فإنه منهي عنه ، ويكون ذكر هذا الحكم المعلَّل كذكر المثال لهذه العلة العامة ، فكل ما يحزن أخاك المسلم فإنك منهي عنه ، وكل ما يسره فإنك مأمور به ، وإن لم تؤمر به لعينه لكنك مأمور به لجنسه ، فكل ما يسر المؤمن فإنك مأمور به كما أنك منهي عن كل ما يحزنه .
ومن فوائد الحديث : أن هذا الحكم -أعني: بيع الرطب باليابس من الربويات إذا كان من جنسه- عام في التمر بالرطب وغيره ، وعلى هذا فيكون بيع الحب الرَّطِب بالحب اليابس غير جائز ، لأنه سوف ينقص إذا جف ، نعم ؟
السائل : شيخ ! ...
الشيخ : نعم ؟
السائل : فهذه المسألة بيع الكرم أو بيع الكرم بالزبيب .
الشيخ : نعم .
السائل : أليست هذه مثلها ؟
الشيخ : أي نعم ، هذه مما يحتج به عليهم ، أي نعم الصحيح هذا حجة قوية عليهم ، لأن الزبيب كان متعاطي عند الرسول صلى الله عليه وسلم .
سؤال عن بعض حكم بيع الرطب بالتمر ؟
الشيخ : لا هم يقولون : إذا كان مجدود فإنه يستطيع هذا أن يبيعه ويشتري بدراهم ، يعني يبيع التمر الذي عنده مثلما قال الرسول : ( بع التمر الجمع بالدراهم ثم اشتر بالدراهم جنيبا ) ، أما الذي في النخلة هو سوف يأخذه شيئا فشيئاً .
السائل : شيئًا فشيئًا .
الشيخ : نعم .
هل إذا انتفت العلة من المناجاة بين اثنين بأن كان الثالث مشغولا مثلا فهل يجوز في هذه الصورة؟
الشيخ : نعم ؟
السائل : حديث : ( لا يتناجى اثنان دون الثالث ) .
الشيخ : إيش ؟
السائل : ( لا يتناجى اثنان دون الثالث ) : فإن كانا يعلمان أن هذا لا يحزن الثالث ، هل نقول إن العلة ذهبت فلا شيء عليهم ؟
الشيخ : أي نعم ، إي نعم ، يعني مثل لو إنسان يطالع وعنده اثنين ينتاجون ما يهم ، نعم .
السائل : إذا كان العنب ! .
الشيخ : إن كان كرما .
11 - هل إذا انتفت العلة من المناجاة بين اثنين بأن كان الثالث مشغولا مثلا فهل يجوز في هذه الصورة؟ أستمع حفظ
سؤال عن حديث :( لا تسموا العنب كرما .... ) ؟
الشيخ : هذا يحتمل ، الحقيقة أن هذا يحتمل أنه من تفسير الرسول صلى الله عليه وسلم أو من تفسير الصحابي ، فإن كان من تفسير الرسول عليه الصلاة والسلام فهو دليل على أن النهي ليس للتحريم ، ولكنه للتنزيه والإرشاد أيضا فإن الرسول قال : ( فإن الكرم قلب المؤمن ) ، المسألة من باب التأدب في اللفظ فقط .
السائل : ما السؤال يا شيخ ؟
الشيخ : السؤال أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : ( لا تسمى العنب كرما فإن الكرم قلب المؤمن ) ، أي نعم هذا السؤال ، نعم .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الكالئ بالكالئ يعني الدين بالدين . رواه إسحاق والبزار بإسناد ضعيف .
فقولهم : طلب الكف : خرج به الأمر وما ليس بأمر ولا نهي الإباحة ، لأن الأمر طلب الفعل ، والإباحة لا يطلب فعل ولا كف .
وقولهم : على وجه الاستعلاء : خرج به ما كان على وجه المساواة ، أو كان على وجه الأدنى بمعنى أن الأدنى يوجه النهي إلى الأعلى ، فالأول يسمونه التماس ، كقول الزميل لزميله مثلا : لا تشوش عليَ .
وإذا كان من أدنى إلى أعلى يسمى دعاء وسؤال وما أشبه ذلك ، ومعلوم أن توجيه الرسول صلى الله عليه وسلم النهي إلى أمته من باب طلب الكف على وجه الاستعلاء ، لأن أمره مطاع عليه الصلاة والسلام ، ولكنه أشد الناس تواضعا للخلق وللحق .
قال : ( نهى عن بيع الكالئ بالكالئ ) وفسره بقوله : ( يعني الدين بالدين ) : ولكنه تفسير لا يوافق ظاهر اللفظ ، لأن ظاهر اللفظ الكالئ يعني المؤخر بالكالئ بالمؤخر ، وهذا الحديث كما ترون :
أولاً إسناده ضعيف . وثانياً ليس على إطلاقه ولا عمومه ، وإنما يشمل صورا معينة وهي التي يكون فيها شيء من المحظور الشرعي ، وله صور :
منها : بيع الدين بالدين على الغير ، مثل أن يحضر إليَّ شخص ويقول : أنت تطلب فلاناً مئة صاع بر ، بعني إياه بمئتي ريال أسلمها لك بعد سنة ، هذا لا يجوز ، لماذا ؟ أولا : لأنه بيع دين في ذمة الغير ، قد يقدر على استلامه وقد لا يقدر .
وثانياً : أن فيه ربحا فيما لم يضمن ، وقد مر علينا : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ربح ما لم يضمن ) : كيف ربح ما لم يضمن ؟ لأن الدين الذي في ذمة الغير لي لم يدخل في ضماني ، متى يدخل في ضماني ؟ إذا تسلمته ، ومن المعلوم أنني إذا بعت مؤجلا فإنه سيزيد ثمنه ، لأنه ليس البيع المؤجل كالبيع الحاضر ، وحينئذ بعت ما لم يدخل في ضماني ، وبعت ما يكون مشكوكاً في القدرة عليه ، هذه صورة .
كذلك أيضًا من بيع الدين بالدين : أن يكون عند شخص لي عنده مئة درهم فتحل ، تحل المئة ويأتي إليَّ ويقول : ما عندي شيء ، فأقول : نجعل المئة بمئة صاع بر إلى سنة ، فهذا لا يجوز ، لماذا ؟
لأنه كما قلنا : سوف يربح فيما لم يضمن ، لأنه ليس ثمن الحاضر كثمن المؤجل ، فمئة صاع بر بمئة درهم مثلا ، الذي في ذمتي مئة درهم وأنا بعته بمئة صاع بر ، يمكن لو بعته بحاضر لا أحصل بمئة درهم إلا تسعين صاعًا ، والآن أنا بعته بمئة فربحت فيما لم يضمن ، ولأنه يؤدي إلى قلب الدين بهذه الحيلة ، قلب الدَّين على المدين بهذه الحيلة كيف ذلك ؟ لما حلَّ الأجل لمئة الدرهم جعلناها بمئة صاع إلى سنة ، فحلت السنة وليس عنده بُر ، فأقول : تكون بمئتي صاع شعير مثلا ، أو أقول : بعت مئة صاع بر تكون بمئة وعشرين درهم وحينئذ يؤدي إلى إيش ؟ إلى قلب الدَّين ويكون ذلك شبيهًا بما نهى الله عنه في قوله : (( يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربوا أضعافاً مضاعفةً )) .
وقد يكون أيضا من صوره : أن يبيع الإنسان ما في ذمة الغير المعسر على شخص آخر بدراهم أقل ، ففي ذمة هذا الفقير لشخص ألف درهم ، فيأتيه إنسان ويقول : بعه عليَّ بخمسمئة درهم ، وأنا وحظي مع هذا الفقير ، فهذا أيضا لا يجوز ، لأنه أولاً : بيع دراهم بدراهم بدون قبض .
والثاني : بيع شيء لم يدخل في ضمانه .
والثالث : أنها شبيهة بالميسر ، كيف الميسر ؟ الميسر لأن هذا الذي اشترى هذه الألف بخمسمئة : " إن قدر عليها فهو غانم ، وإن عجز فهو غارم " ، وهذه هي قاعدة الميسر فقاعدة الميسر : " كل عقد يتضمن إما الغرم وإما الغنم " ، وعلى هذا نقول : هذا الحديث إن صح يجب أن يحمل على ما دلت النصوص على منعه ، لا على كل دين بدين .
طيب وبناء على ذلك لو اشتريت منك مئة صاع بر بمئة درهم ، ولا أحضرنا لا الدراهم ولا البر ، فإن ذلك على القول الراجح جائز ، ولا بأس به ، لأن كلاً منها غير مؤجل ، بل هو حاضر وليس فيه محظور إطلاقا ، وعمل الناس الآن على هذا ، يجي الإنسان يشتري من شخص طعام رز أو سكر أو بر أو الذي هو بدراهم لا يسلمه له في الحال ، فهو بيع دين بدين لكنه جائز لأنه ليس فيه محظور ، لأنه ليس فيه محظور إطلاقا لا جهالة ولا غرر ولا ربا ، والأصل في العقود الحِل إلا ما قام الدليل على منعه ، وهذا لم يقم دليلا على منعه لأن الحديث هذا ضعيف ، ولأنه يصدق ولو بصورة واحدة ، يعني إذا صدق النهي ولو بصورة واحدة كفى ، لأن لدينا أدلة تدل على أن الأصل هو الجواز .
فإذا صح الحديث حمل على الصورة التي يعلم منعها بالأدلة الأخرى .
طيب هل يجوز بيع الدين على غير مَن هو عليه بسعر يومه إذا بيع بما لا يشترط فيه التقابض أو لا يجوز ؟
مثاله : رجل عنده لي مئة صاع بر ، فجاءني شخص وقال : بعها علي بمئة درهم بقيمتها الحاضرة بدون أي ربح ، أو لا يجوز ؟
في هذا خلاف بين أهل العلم :
منهم من قال : لا يجوز ، لأن هذا ليس عنده ، ( وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع ما ليس عنده ) .
ومنهم من قال بالجواز ، لكن إن قدر على قبضه تم البيع ، وإلا فله الرجوع ، وإلا فله الرجوع ، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ، وهذا قد يحتاج إليه الإنسان فيما لو كان المطلوب في بلد آخر ، لو كان المطلوب في بلد آخر وجاء شخص من أهل البلد الذي فيه المطلوب واشترى مني ما في ذمته بعوض لا يجري بينه وبينه ربا النسيئة فهنا قد يحتاج إليه لكن بشرط :
أن يكون بسعر اليوم ، لئلا يربح فيما لم يضمن .
فإن قال قائل : هذا القول يرد عليه حديث ابن عمر : ( كنا نبيع الإبل بالدراهم ونأخذ عنها الدنانير ، وبالدنانير فنأخذ عنها الدراهم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تتفرقا وبينكما شيء ) ؟!
فالجواب : أن هذا لا يرد ، لأن بيع الدراهم بالدنانير أو بالعكس يُشترط فيه التقابض قبل التفرق ، وبيع الدراهم بالدنانير ولو كان حاضرًا بحاضر لا بد فيه من التقابض قبل التفرق ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم ) ، أما صورتنا التي ذكرنا فهي بيع شيء بآخر لا يجري بينهما ربا النسيئة .
ولكن لا شك أن الاحتياط الأخذ بالقول الثاني وهو : ألا يبيعه حتى يقبضه ، لأنه إذا فُتح هذا الباب فربما يتبايع الناس ديونًا لا يُرجى حصولها ، ويكون هذا من باب الميسر ، وربما يبيعون ديونا يرجى حصولها لكن بربح ، وكل هذه من المحظورات الشرعية .
فالأولى والاحتياط الأخذ بالمنع ، وألا يبيع الإنسان ديناً في ذمة غيره حتى يقبضه .
نعم ثم قال المؤلف : " باب الرخصة في العرايا وبيع الأصول والثمار " .
الطالب : شيخ !
الشيخ : نعم ؟
الطالب : الفوائد ؟
الشيخ : فوائد الحديث ذكرناها فيما ذكرنا من الصور ، إن الحديث ليس على إطلاقه فيه صور جائزة وفيه صورة ممنوعة ، لكن بادلة أخرى .
13 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الكالئ بالكالئ يعني الدين بالدين . رواه إسحاق والبزار بإسناد ضعيف . أستمع حفظ
باب الرخصة في العرايا وبيع الأصول والثمار.
الرخصة في اللغة بمعنى : السهولة .
وفي الشرع : " التيسير والتسهيل في أمر ملزمٍ به " ، أن يرخص في أمر ملزم به في الأصل ويسهل فيه ، هذا هو تعريفها الذي هو من أوضح التعريفات ، وهذا هو المطابق للفظها اللغوي : فالرخصة شرعاً : " التسهيل في أمر ملزم به إما بتركه وإما بفعله " .
وقوله : " في العرايا " جمع عَريَّة فعيلة بمعنى مفعولة ، أي : معراة ، معراة من أي شيء ؟ معراة من النقد كما سيأتي في صورته .
" وبيع الأصول والثمار " : الأصول ضد الفروع ، والأصل في كل مكان بحسبه ، فعندكم في الفرائض أصول المسائل ، أليس كذلك ؟ وفي أصول الفقه الأصول ، كذلك في علم العقائد يقال : الأصول ، بل حتى في الفقه يقال : الأصل في كذا قوله تعالى ، أي : الدليل الذي يعتمد عليه .
والمراد بالأصول هنا المراد بها : الأراضي والعقارات والأشجار ، الأراضي والعقارات من الدور وما أشبهها ، والأشجار ، وهذه أصول للثمرات التي يحصل عليها منها :
فالأرض تؤجر وتستغل ، والأشجار فيها الثمار ، والدور ونحوها فيها الإجارة والاستغلال .
وأما الثمار فهو : جمع ثمر وهو ما يحصل من ثمر النخل والعنب ونحوها .
عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في العرايا أن تباع بخرصها كيلاً . متفق عليه , ولمسلم : رخص في العرية بأخذها أهل البيت بخرصها تمراً يأكلونها رطباً .
قال : ( أن تباع بخرصها كيلا ) : تباع بخرصها كيلا ، الضمير في تباع يعود على الرطب ، وسُميت عرية لأنها عرت عن النقد ، إذ إنها بيعت بماذا ؟ بتمر ، ولهذا قال : ( بخرصها كيلا ) : كيف قال : كيلا ؟
لأن التمر يباع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بالكيل ، ما تأتي نقول : أعطني كيلو تمر ، نقول : أعطني صاع تمر أو مد تمر ، يكال بالمكيال .
طيب إذًا نقول : هذه سميت عرية لأنها عرت عن النقد ، ما فيها دراهم ، بل هي تمر بتمر لكن هذه رطب وهذه تمر يابس .
قوله : (بخرصها ) الخرص معناه : التقدير والتخمين ، ولا بد أن يكون من عالم به ، لا بد أن يكون الخرص من عالم به لا من أي واحد من الناس ، لأنه فن يعرفه أصحابه .
ولا يصح أن يكون الخرص من أي واحد ، يقولون : إن شخصًا من الناس كان عاملاً على الزكاة ، وكان خرصه ضعيفًا وربما لا يرفع رأسه إلى الثمرة ، فوقف تحت جذع نخلة وإذا هو قد خرص واحدة قبلها ، قال : حنا خرصنا هذه مئتين وزنة ، هذه نبي نخليها أربعمئة وزنة ، لأنها نشيطة ، فرفعوا رؤوسهم وإذا النخلة فحل ما فيها ثمرة إطلاقا ، لأن هذا الرجل ليس يعني ، ما هو يناظر ، فلا بد أن يكون الخارص خبيرا .
ليس كل إنسان يخرص ، فإذا أراد أحد أن يتعامل بهذه المعاملة في العرايا فلا بد أن يأتي شخص خبير يقال له : كم تخرص هذه الثمرة إذا يبست ؟ قال أخرصها بمئة صاع ، تباع بكم ؟ بمائة صاع ، قال : أخرصها بخمسين تباع بخمسين .
طيب وهل يعتبر الخرص وقت كونها رطبا ؟ الجواب : لا ، لأن وقت كونها رطبا كما أشار إليه النبي عليه الصلاة والسلام يختلف عن وقت كونها تمرا فإنها إذا يبست سوف تنقص .
طيب خذ هذا قيدًا : وهو : " أن تباع بالخرص فلا يجوز أن تباع جزافا " .
طيب لو قال : أخذت هذه الثمرة بهذه الصبرة من التمر ها ؟ لا يجوز .
طيب أخذت هذه الثمرة بهذه الصبرة من البر الصبرة يعني الكومة من البر ؟ الطالب : يجوز .
الشيخ : يجوز لكن بشرط التقابض لماذا يجوز؟ لأن بيع التمر بالبر لا يشترط فيها المساواة .
طيب ثم قال : " ولمسلم : ( رخص في العرية يأخذها أهل البيت بخرصها تمرًا يألكونها رطبا ) " :
طيب رخص للعرية يأخذها أهل البيت بخرصها تمرًا هذا بيان للخرص هل تخرص رطبا أو تخرص تمرا فبين أنها تخرص تمرا ، إذًا تخرص بما تؤول إليه تمرا قال : ( يأكلونها رطبا ) ، لأنه إذا لم يأكلوها رطباً سوف تتحول إلى تمر ، وحينئذ لا فرق بينها وبين التمر الذي بيعت به ، فتضيع الفائدة التي من أجلها رُخص في العرايا .
خذ هذا قيدا آخر وهو : أن تؤكل رطبا ، نعم أن تؤكل رطبا ، فإن أُخرت حتى يبست بطل العقد ، لأن الفائدة التي من أجلها رخص في بيع الرطب بالتمر تزول .
15 - عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في العرايا أن تباع بخرصها كيلاً . متفق عليه , ولمسلم : رخص في العرية بأخذها أهل البيت بخرصها تمراً يأكلونها رطباً . أستمع حفظ
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في بيع العرايا بخرصها من التمر فيما دون خمسة أو سق أو في خمسة أو سق . متفق عليه .
رخص في بيع العرايا إلى آخره : كل هذه الألفاظ كما ترون بكلمة رخص ، وذلك لأن الأصل المنع والتحريم .
قال : ( في بيع العرايا بخرصها من التمر ) أي : بما يساوي خرصها من التمر ، وهي تخرص تمرا ، فيقدم المشتري مئة صاع من التمر إذا كان خرص هذا الرطب تمرا يكون مئة صاع ، ولا بد من التساوي بالكيل المعلوم ، والخرص . طيب يقول : ( فيما دون خمسة أوسق ، أو في خمسة أوسق ) أو : هذه للشك من الراوي .
( فيما دون ) أي : فيما أقل من خمسة أوسق .
الأوسق : جمع وسق وهو الحمل ، وسُمي وسقا لأنه يوسق أي : يشد ويربط وهو أي : الوسق ستون صاعًا بصاع النبي صلى الله عليه وسلم ، فتكون الخمسة ثلاثمئة صاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن الحديث الآن فيه شك هل هو في خمسة أوسق أو فيما دون خمسة أوسق ؟
وهنا ثلاث صور : أن تكون بأقل ، أن تكون بأكثر ، أن تكون بالخمسة ، أما فيما هو أقل فلا شك أن الحديث يتناوله ، وأما ما هو أكثر فلا شك أن الحديث يدل على المنع فيه ، وأما ما كان خمسة أوسق فهو محل الشك : وما هي القاعدة في مثل هذا ؟ القاعدة : في مثل هذا أن نحول المشكوك فيه إلى الشيء المتيقن ، والشيء المتيقن في هذا أن بيع الرطب بالتمر لا يجوز هذا هو الأصل ، فتبقى الخمسة مشكوكًا فيها فهل تجوز أو لا ؟
والأصل ؟
الطالب : المنع .
الشيخ : الأصل المنع ، الأصل المنع وعلى هذا فنأخذ هذا الشرط الثالث : أن تكون فيما دون خمسة أوسق ، كذا طيب الشروط كم صارت الآن ؟
الطالب : ثلاثة .
الشيخ : من أين تؤخذ ؟
الأول قال : أن تباع بخرصها .
الثاني : أن يأكلوها رطبا .
الثالث : أن تكون فيما دون خمسة أوسق .
طيب ، الرابع : التساوي بين الرطب والتمر لكن بما يؤول إليه الرطب ، يعني ما نخرصها ونقول : المئة بتسعين بل لا بد من التساوي .
الخامس : أن يكون المشتري محتاجًا إلى الرطب ، فإن لم يكن محتاجا فإنها لا تجوز ، لو قال : لا يهمني أنا آكل تمرا أو آكل رطبا نعم ، قلنا : إذًا لا حاجة إلى أن تتجشم الشيء المحرم الذي لم يرخص إلا لحاجة وأنت لست محتاجاً إليه .
طيب السادس : ألا يكون عنده نقد ، يعني ما عنده فلوس ، هكذا قال العلماء ، ولعل مرادهم : ألا يكون عنده عوض غير التمر ، بمعنى أنه إذا كان عنده بر مثلا أو شعير فإنه لا يحتاج إلى أن يشتريها بتمر .
السابع : التقابض بين الطرفين .
أولا : ما هو الدليل على اشتراط التقابض ؟ الدليل على ذلك : أن الأصل في بيع التمر بالتمر أنه لا بد فيه من الشرطين : التساوي ، والتقابض .
التساوي هنا عرفنا أنه رُخص فيه ، والتقابض لم يرخص فيه ، فيبقى على الأصل وعلى هذا فلا بد من التقابض .
وكيف يكون التقابض ؟ قال العلماء : أما في النخل فبالتخلية ، وأما في التمر فبالكيل ، الكيل والأخذ ، التمر مبذول من البائع ولا من المشتري ؟
الطالب : من المشتري .
الشيخ : من المشتري لا بد أن يكال ويستلمه البائع ، الرطب قبضه بالتخلية كيف بالتخلية ؟
أن يقول البائع للمشتري : هذه النخلة وثمرتها لك يخلي بينه وبينها ، طيب .الشرط الثامن : أن أن تكون على رؤوس النخل ، لأنه هكذا جاء في الحديث : ( على رؤوس النخل ) ، فإن كانت قد جُزت فهل تجوز أو لا تجوز ؟ الجمهور أنها لا تجوز لأن الفائدة التي من أجلها رُخص فيها تزول ، إذ أنه رُخص فيها من أجل أن يأخذها المشتري رطبا شيئا فشيئا ، لكن ينزله أربعة أوسق رطب ما يستفيد .
قال بعض الناس : ربما يكون عنده ثلاجة ويستفيد ، نقول : بدل من أن يخليه في الثلاجة ويخسر عليه الكهرباء ، وربما تفسد الثلاجة أو تطفأ الكهرباء ويفسد عليه التمر ، نجعله على رؤوس النخل أحسن وأولى ، لهذا هذا الشرط لا بد منه : أن يكون على رؤوس النخل .
فإن قال قائل : طيب إذا كان هذا الفقير أتى بشيء قليل كصاع مثلا ، واشترى به رطباً يؤول إلى صاع إذا صار تمرًا من أجل أن يقدمه إلى ضيوف عنده ، فهل ترخصون له في ذلك ؟ أو ما فهمتم الصورة ؟
الطالب : بلى .
الشيخ : يعني إنسان عنده ضيوف الآن محتاج إلى مقدار صاع من الرطب وليس عنده دراهم لكن عنده تمر ، فذهب إلى صاحب الدكان واشترى منه بهذا التمر هذا الرطب ، هل تجيزون ذلك أو لا ؟
نقول : على رأي جمهور العلماء لا نجيزه ، لأنهم يشترطون أن يكون على رؤوس النخل .
ولكن لو قال قائل : إن اشتراطه على رؤوس النخل فيما إذا كان غرض المشتري أن يأخذه شيئاً فشيئاً ، أما إذا كان غرض المشتري دفع حاجته الحاضرة فالظاهر أنه لا بأس به ، لاسيما إذا تعذر أو تأخر بيع هذا التمر بدراهم ، ثم يشتري بالدراهم رطباً ، أما إذا أمكن بسهولة أن يبيع التمر بالدراهم ثم يشتري الرطب فهذا كما قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( بع الجمع بالدراهم ، واشتر بالدراهم جنيباً ) : فصارت الشروط الآن ثمانية ، ثمانية وفوائد الحديث نخليها في الدرس القادم لأن وقت الأسئلة حان .
16 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في بيع العرايا بخرصها من التمر فيما دون خمسة أو سق أو في خمسة أو سق . متفق عليه . أستمع حفظ
هل شرط جواز العارية إذا كان ذلك بين الرطب والتمر فقط ؟
الشيخ : لا ليس بشرط ، لو باع سكري مثلا بشقر ما في بأس .
السائل : بس هذه عجوة !
الشيخ : نعم ؟
السائل : إحداهما عجوة !
الشيخ : أي ما يضر لا بد من التساوي ولو اختلف النوع ، نعم .
هل يجوز أن تكون العريا فيما دون خمسة أوسق ؟
الشيخ : أي نعم ، ما في مانع ، ما دام دون أقل من خمسة أوسق سواء قل أو كثر ظاهر الحديث هكذا نعم شاكر .
شراء الرطب بالتمر عارية ثم تحول هذا الرطب إلى تمر لأنه لم يأكله صاحبه مع أنه كان في البداية يريد أن يأكله ؟
الشيخ : ما هو قلنا على رؤوس النخل !
السائل : نعم يا شيخ ، أخذ منه ، المشتري أخذ رطب .
الشيخ : نعم .
السائل : وأراد أن يأكله أخذ فترة إلى أن انتهى منه ، فتحول إلى تمر .
الشيخ : هذا لا بأس به ما فيه مانع ، ما دام ما تحول إلى تمر في رؤوس النخل ، لأنه ربما يأخذ مثلا كمية على أنه سيأكلها ولكن ما حصل أن يأكلها لا بأس.
19 - شراء الرطب بالتمر عارية ثم تحول هذا الرطب إلى تمر لأنه لم يأكله صاحبه مع أنه كان في البداية يريد أن يأكله ؟ أستمع حفظ
إذا تضرر هذا البائع من دخول هذا المشتري كل حين ليأخذ الرطب فهل له أن يقول اجنيه مرة واحدة ؟
الشيخ : نعم يا خالد !
السائل : شيخ أحسن الله إليك ، أقول : إذا كان صاحب البستان يتضرر بدخول هذا المشتري إلى بستانه كل حين ليأخذ ما في النخل ، فقال : اجذذ جميعا واذهب به .
الشيخ : ما يحصل ، ما ينفع .
السائل : الضرورة يا شيخ ؟
الشيخ : لأنه هو راض به ، هو عارف أن هذا المشتري ما اشترى إلا بيجده يجنيه كل يوم بيوم ، نعم .
20 - إذا تضرر هذا البائع من دخول هذا المشتري كل حين ليأخذ الرطب فهل له أن يقول اجنيه مرة واحدة ؟ أستمع حفظ
هل لصاحب العاريا الذي أخذ رطبا أن يبيعه أو يهدي منه ؟
الشيخ : إلا !
السائل : أن يهدي ويبيع ؟
الشيخ : إي ما في مانع ، ما في مانع أن يهدي ويبيع ، ليش ؟ نعم ، مهند .
السائل : يا شيخ بيع الرطب بالتمر يعني جوزناه في العرايا ، وإذا كان التين المجفف يا شيخ !
الشيخ : هذا سلمك الله يكون إن شاء الله في الفوائد .
السائل : شيخ !
الشيخ : نعم ؟
السائل : بالنسبة ... .
الشيخ : إيش ؟ ما بدأنا به ، زين .
فوائد حديث : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في العرايا أن تباع بخرصها كيلاً ).
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين :
في حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه من الفوائد :
أولاً : الدلالة على ما ذكره العلماء : " مِن أن المشقة تجلب التيسير " ، المشقة تجلب التيسير ، وهذه مأخوذة من عدة نصوص منها قوله تعالى : (( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها )) ، وقوله : (( فاتقوا الله ما استطعتم )) ، وقوله : (( وما جعل عليكم في الدين من حرج )) .
فلما شق على هذا التفكه بالرطب يسر الله له بجواز شرائه بالتمر ، فالمشقة تجلب التيسير .
ومن فوائد الحديث : الدلالة أيضا على القاعدة العامة : " أن الدين الإسلامي لم يكن فيه حرج لا في العبادات ولا في المعاملات " ، فإذا تعذر على الإنسان إلا أن يتعامل بهذه الصفة فإنه من قواعد الشريعة أن ييسر له الأمر ، ولكن التعذر لا بد أن يتحقق .
طيب ومن فوائدها ، ومن فوائد الحديث : ما أشار إليه ابن القيم -رحمه الله- : " أن ما حرم تحريم الوسائل فإن الحاجة تبيحه دون الضرورةـ " ، يعني أن القاعدة في المحرم أنه لا يباح إلا عند الضرورة ، بشرط أيضا أن تندفع ضرورته به وقد مر علينا هذا : أن المحرم يجوز للضرورة وأن تندفع الضرورة به :
فالشرط الأول للضرورة : ألا يوجد مباح سواه .
الشرط الثاني : أن تندفع ضرورته به ، فإن لم تندفع ضرورته به فإنه لا يحل ، ولهذا حرم التداوي بالشيء المحرم لماذا ؟ لأنه لا ضرورة إليه لجواز أن يشفى المريض بدونه ، ولأنه لا يتيقن زوال الضرورة بتناوله ، فالشرطان كلاهما مفقودان في التداوي بالمحرم .
المهم أن القاعدة المعروفة عند أهل العلم بل التي دل عليها القرآن : " أن المحرم لا تبيحه إلا الضرورة إذا اندفعت الضرورة به " ، دليله قوله تعالى : (( وقد فصل لكم ما حرم عليكم )) أتموا ! (( إلا ما اضطررتم إليه )) .
لكن قال العلماء : " ما كان محرما تحريم الوسائل فإن الحاجة تبيحه " ، فإن الحاجة تبيحه وذكروا لذلك أشياء منها :
مسألة العرايا ، مسألة العرايا : لا يجوز بيع الرطب بالتمر كما في الحديث السابق : ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم سئل عن شراء الرطب بالتمر فقال : ( أينقص إذا جف ؟ قالوا : نعم ، فنهى عن ذلك ) .
لكن في العرايا أجاز الشارع اشتراء الرطب بالتمر لماذا ؟ لأن منع بيع الرطب بالتمر خوفا مِن أن يكون وسيلة إلى ربا الفضل ، أن الناس يتدرجون فيقولون : إذا جاز البيع بالخرص في الرطب مع التمر ، فليجز أيضا في التمر مع التمر وحينئذ يقعون في الربا .
فلما كان تحريم ذلك من باب تحريم الوسائل أباحه الشارع للحاجة إليه .
ومن ذلك : تحريم الحرير على الرجال ، فإن الحاجة تبيحه ، الحِكة التي تصيب الإنسان تجيز له أن يلبس الحرير لأجل تخف عنه .
ومن ذلك : تضبيب الآنية بالفضة ، تبيحه الحاجة ، لماذا ؟ لأن أصل تحريم هذا خوفًا من أن يتدرج الإنسان منه إلى أن يتخذ إناء كاملًا من الفضة ويستعمله في الأكل والشرب ، فتحريم التضبيب بالفضة تحريم وسائل ، فأباحته الحاجة ، ليش ما نقول الضرورة ؟ بإمكانه أن يشرب في إناء آخر ، وبإمكانه أن يضبب بحديد أو برصاص أو ما أشبه ذلك .
ومن ذلك أيضا : تحريم النظر إلى وجه المرأة الأجنبية فإنه من باب تحريم الوسائل لكونه وسيلة إلى الزنا ، ولهذا جاز النظر إليه للحاجة كالخِطبة ، فإن الخطيب يجوز أن ينظر إلى وجه المخطوبة ، ولو كان تحريمه تحريم قصد وغاية ما جاز ، لأن نظر الخاطب إلى مخطوبته ليس ضرورة ، إذ يمكنه أن يوكل من ينظر إليها من النساء الثقات .
طيب إذًا القاعدة هذه لها عدة صور وهي : ما كان محرمًا تحريم وسيلة فإن الحاجة تبيحه وإن لم يضطر إليه .
من فوائد الحديث : جواز العرايا في ثمر النخل ، لقوله في حديث أبي هريرة : ( بخرصها من التمر ) ، وهل يلحق بالنخل ما سواها كالتين والعنب فيكون الإنسان محتاجًا إلى التفكه بالعنب فيشتريه بالزبيب ، أو إلى التين الرطب فيشتريه بتين يابس ، اختلف العلماء في هذا فقال بعض العلماء :
إنه لا يجوز القياس لأن لدينا حديثا عاماً : ( نهى عن بيع المزاينة ) ، ( نهى عن بيع المزاينة ) واضح ؟!
استثني منه العرايا وهذا تخصيص ، فيبقى العام على عمومه وتُخرج منه صورة التخصيص وهي العرايا في التمر أما غيرها فلا يجوز .
قالوا : ولو جازت العرايا في غير التمر لجازت بين الحب والزرع ، والحب والزرع ما يجوز ، يعني لا يجوز للإنسان أن يشتري زرعاً بحب وهو يريد سنبله ، انتبهوا ، وهذه الصورة ممنوعة بالاتفاق فيما أعلم .
ولكنَّ بعض أهل العلم ذهب إلى جواز العرايا في العنب والتين ونحوهما مما يتفكه به ويمكن خرصه ، واستدل لذلك بأن الشريعة مطردة لا تفرق بين متماثلين ، ولا تجمع بين مفترقين ، مطردة ما فيها تناقض ، وإنما ذُكرت العرايا في التمر لأن هذه هي المعاملة التي كانوا يفعلونها ، العنب ليس كثيرًا عندهم ولهذا يأتيهم الزبيب من الشام وغيرها ، والتين كذلك ، المدينة أكثر ما فيها التمر فلهذا جاءت العرية في التمر لأنه الكثير عندهم ، وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره ، وهذا القول هو الصحيح .
وأما النقد بمسألة الحب بالزرع فلا نقد ، ما فيه نقد ، لماذا ؟
لأن الحب في السنبل خفي ، ولا يمكن خرصه ، ولهذا لم تأت السنة بخرص الزروع على أهلها لإخراج زكاتها ، السنة جاءت بخرص ثمار النخل ، أما الزروع فلم تأت به ، حتى إن بعض العلماء حكى إجماع العلماء على أن الزروع لا تُخرص من أجل معرفة مقدار الزكاة فيها وعللوا ذلك بماذا ؟
بأنه لا يمكن الإحاطة بها ، إذ أن الحب محفوف بقشر ، والقشر عليه عود ، يسمونه عندنا السبل ، لهذا لا يمكن أن نقيس الرطب المشاهَد المعلوم الممكن خرصه ، لا يمكن أن نُلحق به ما كان مستورًا بقشوره .
طيب من فوائد الحديث : التضييق في مسألة العرايا ، بأن تكون فيما دون خمسة أوسق ، وهل هذا الشرط في الصفقة الواحدة أو في صفقات متعددة ؟ فيه خلاف ، فمن العلماء من قال : إنه شرط في الصفقة الواحدة .
ومنهم من قال : إنه شرط في الصفقات كلها .
وبيان ذلك : رجل عنده عائلة كبيرة ، احتاج إلى عشرة أوسق ، فاشترى من فلاح ثلاثة ومن فلاح ثلاثة ومن فلاح أربعة ، كل صفقة بمفردها لا تبلغ خمسة أوسق ، لكن مجموعها عشرة ، فهل المعتبر كل صفقة بمفردها أو المعتبر حاجة الإنسان ويشتري ما زاد على الخمسة أو الخمسة فما زاد بصفقة أخرى ؟
فيه خلاف بين العلماء فقيل : متى اشترى الإنسان دون خمسة أوسق لم يشتر أكثر ، ولو في صفقة ثانية وثالثة ورابعة ، ولكن الصحيح أن المعتبر الحاجة ، وأن تكون فيما دون خمسة أوسق في الصفقة الواحدة ، وعلى هذا فإذا كان عند الإنسان عائلة كبيرة أو كان رجلا مضيافًا يغشاه الناس واحتاج إلى أكثر من خمسة أوسق لكن اشترى من عدة بائعين فإن ذلك لا بأس به ، والدليل أن الرجل لو اشترى دون خمسة أوسق ثم أكلها هل يشتري أخرى أو لا يشتري ؟ يشتري ، إذًا فالمدار على الحاجة ، المدار على الحاجة لكن لا تبلغ خمسة أوسق في كل صفقة .
طيب ومن فوائد الحديث : أن العبرة بحاجة المشتري ، فإذا كان المحتاج البائع فهل نراعيه ؟
الطالب : لا يراعى .
الشيخ : إذا كان المحتاج البائع صاحب البستان هل نراعيه ولا لا ؟
الطالب : لا يراعى .
الشيخ : لا يراعى ؟! إي صاحب البستان يريد تمرا عنده عمال ما يأكلون إلا التمر ، ما يشترون الرطب وهو ما عنده ، هو ما عنده الآن ما عنده تمر قلنا له : اصبر حتى يتمر ، قال : هؤلاء العمال يجوعون ، بيتمر بعد شهرين أقول : انتظروا ، مُشكل فأنا محتاج ، فهل تقول : إن الشرع إذا أجاز للمشتري هذه الصفقة لحاجته للتفكه بالرطب ، فإجازته للبائع المحتاج للتمر لا تفكها من باب أولى ؟
الطالب : لا .
الشيخ : ولا واحد منكم يقول هكذا ؟
الطالب : الرطب أولى .
الشيخ : بس هذول عمال ما يعرفون الرطب .
الطالب : بعه واشتر الرطب .
الشيخ : طيب حتى هذا نقول بعه ، إذا كان المشتري محتاج للرطب نقول : بع التمر واشتر رطب ، على كل حال هذه المسألة فيها خلاف بين العلماء نعم ، وكنت أظن أن تكونوا على قولين ، كعادتكم ، لكن سبحان الله هذا إجماع منكم على أنه ما يجوز ، زين الحمد لله ، إذًا فيه علماء الحمد لله ،
العلماء اختلفوا في هذا على قولين :
منهم من قال : إن هذه المسألة خرجت من القياس وخرجت عن العموم فلا يتعدى بها النص ، عرفتم ؟! والحاجة في الحديث لمن ؟
الطالب : للمشتري .
الشيخ : للمشتري فلا نتعدى النص .
ومنهم من قال: إن الشارع لا يفرق بين حاجة المشتري أو حاجة البائع فإذا كانت تجوز للمشتري من أجل التفكه بالرطب فجوازها للبائع من أجل حاجته للتمر من باب أولى .
نعم ، والمسألة لا شك أنها تعارضها المعنيان أو تجاذبها الدليلان ، دليل القياس الذي قد يكون جليا أو مساوياً ودليل الاقتصار على النص فيما ورد فيه التخصيص .
طيب على كل حال فيها قولان ، وما دمتم أنتم الآن عندكم قولان في هذه المسألة فهذا ما أقول لكم .
طيب زين والله أنا تردد فيها ، متردد قد نقول : إن هذه مسألة خرجت عن العموم وعن القياس فيقتصر فيها عما ورد به النص ، وإن كان هذا ستنقوضه علي في مسألة العنب والتين ، المهم -وقد نعم نعم - وقد أقول : بأن الرخصة يستوي فيها البائع والمشتري والإيرداد الذي أوردته صحيح ، فيه لا شك أنه قد يكون أن البائع هذا صاحب النخل محتاج إلى تمر ، يحتاج إلى تمر عمال عنده ، أما هو محتاج ولا هم محتاجين العمال ؟ يمكن لو أعطاهم الرطب يبدى العامل ياكل الرطب جميعا ولا يبالي ، لأن الرطب لين نعم وذا عامل تعبان ويأكل كثير ولو وجد تمرة فيها يبوسة يقعد يمضغها شوي نعم حتى يخف الأكل عليه ، على كل حال إن هذه الحاجة وادرة .
الطالب : ... .
الشيخ : لا لا ما هي بأقوى ، لأن التمر بتمر ما في فرق بس هذا طيب وهذا رديء .
طيب المهم اعرفوا هذا الخلاف الآن وأن كلا واحد من القولين له معنى يجلبه .
طيب فيه أيضا من فوائد هذا الحديث : " أنه إذا تعذر اليقين رجعنا إلى غلبة الظن " وهذه قاعدة معروفة في الفقه ، إذا تعذر اليقين رجعنا إلى غلبة الظن من يعرف مأخذها ؟
الطالب : أنا لا نستطيع كيلها فرجعنا للظن .
الشيخ : فرجعنا إلى الظن صح ، اعتبار الخرص وهو أمر ظني من أجل تعذر اليقين وهذا أمر مطرد ، أنه إذا تعذر رجعنا إلى غلبة الظن ، كذا ولا لا !؟ ولكن هذا الرجوع إلى غلبة الظن أمر مطرد ولا إيش ؟ يعني أحيانا نقول : ارجع إلى غلبة ظنك وأحيانا نقول : ارجع إلى اليقين ، أحيانا نقول : لا بد من اليقين ، فالظاهر لي بعد تتبع بعض المسائل أن ما كان من العبادات اكتفي فيه بغلبة الظن .