تحت باب الزهد والورع.
تتمة شرح حديث ( أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كل بني آدم خطاءٌ وخير الخطائين التوابون ) أخرجه الترمذي وابن ماجه وسنده قويٌ. ).
الأول: الإخلاص لله وهذا أساس كل عمل صالح، كل عمل صالح لابد فيه من الإخلاص لله وإلا كان مردوداً كما قال الله تعالى في الحديث القدسي: ( أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه ).
الثاني: الندم بحيث يتحسر ويتأسف، وألا يكون فعله للذنب وعدمه سواء.
والثالث: الإقلاع عن الذنب.
والرابع: العزم على ألا يعود.
والخامس: أن يكون قبل وقت رد التوبة.
طيب لو تاب الإنسان إرضاءً لوالده لا تقرباً إلى الله تعالى أتقبل التوبة؟
الطالب : لا .
الشيخ : لا، لابد من الإخلاص لله عز وجل.
لو تاب بلا ندم وأقلعَ عن الذنب لكن ما كأن الذنب مرَّ عليه ولا نَدِمَ ولا تأثر هذا أيضاً لا تقبل توبته، لأنه لابد مِن أن يشعر الإنسان بأنه مذنب.
والثالث: لو تاب الإنسان من السرقة، إنسان سَرق وتاب من السرقة، ولكن المال المسروق لم يرده إلى صاحبه أيُقبل؟
الطالب : لا يقبل .
الشيخ : ليش؟
الطالب : ما رد المال إلى صاحبه .
الشيخ : ومن شرط قبول التوبة إيش؟ الإقلاع!
طيب إذا قال قائل: الإقلاع بالنسبة للأموال واضح أن الإنسان يرد الأموال إلى أهلها، إن كانت دراهم ردها إلى أهلها، وإن كانت أرضاً ردها إلى أهلها هذا واضح .
لكن إذا كان الإنسان لا يعلم أهلها، أخذ دراهم من إنسان وتاب ولكن لا يدري وهذا يقع أحياناً، أحياناً يقع يأخذ الإنسان مثلاً من هذا الدكان حاجة ثم ينتقل صاحب الدكان ولا يدري أين ذهب وييأس منه ماذا يصنع؟
يتصدق بها تخلصاً منها لصاحبها، طيب فإن تصدق بها تقرباً بها إلى الله لم تنفعه ولم تنفع صاحبه، لأنها لا تقبل منه حيث إنها حرام، ولن تنفع صاحبها لأنه لم ينوها له فيطالبه صاحبها بها يوم القيامة.
طيب إذا كانت المظلمة غير مال، مثلا إنسان اغتاب شخصاً فكيف يتخلص ؟
قال العلماء: يذهب إلى هذا الرجل الذي اغتابه ويقول: سامحني حللني، وإذا قال له: سامحني حللني هل من المستحسن أن يقول: ما الذي قلت فيَّ ؟
الطالب : لا.
الشيخ : لا ، إذن يسامحه عن حق مجهول، ولا يعرف، ولا يسأل لأنه ربما لو سأله وأخبره كان ذلك عظيماً في نفسه ثم لم يسامحه، لكن إذا قال: أنت مسامح فهذا طيب ولو كان مجهولاً.
وقيد بعض العلماء ذلك قال: إن كان صاحبه الذي اغتابه قد علم بالغيبة فليتحلل منه، وإن لم يعلم ووثق أنها لم تبلغه فالأولى ألا يتحلل منه، لأنه ربما لو تحلل منه لأبى، ولكن يستغفر له كما جاء في الحديث : ( كفارة من اغتبته أن تستغفر له ) ، ويثني عليه بالخير في المجالس التي كان يثني عليه فيها شراً ، ولكن لا شك أن الذي تطمئن إليه النفس ويطمئن إليه الإنسان هو أن يذهب ويصارحه فإن هداه الله فهذا المطلوب، وإن لم يسمح له فإذا علم الله من نية هذا التائب الصدق فإن الله جل وعلا يتحمل عنه.
لا، باقي ، باقي من الشروط؟
الطالب : الرابع.
الشيخ : أن يعزم على ألا يعود ، أو الشرط ألا يعود؟
الطالب : أن يعزم .
الشيخ : أن يعزم على ألا يعود، لأنك لو قلت: الشرط ألا يعود ثم عاد مرة ثانية بطلت التوبة الأولى، لكن إذا قلت: العزم على ألا يعود صحت التوبة، ثم إن عاد مرة ثانية احتاج إلى تجديد توبة للذنب الثاني.
إذن إذا عزم على ألا يعود صحت التوبة وإن كان متردداً والله ما أدري أخاف أصحابي جاؤوا إلي وقالوا يا فلان نبي نتمشى وهم يتمشون على محرم أخاف إني أروح معهم هل تقبل توبته؟ أجيبوا يا جماعة ؟
الطالب : لا .
الشيخ : ليش؟
لأنه لم يعزم على ألا يعود ، ولا بد أن يعزم على ألا يعود.
الخامس: وهو الأهم بعد الإخلاص أن تكون التوبة في وقت لا ترد فيه التوبة، والوقت الذي ترد فيه التوبة نوعان:
خاص، وعام: فالخاص: حضور أجل كل إنسان، كل من حضر أجله وتاب بعد حضور الأجل لم يقبل منه لقوله تعالى: (( وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن )) ، وانظر إلى كلام الرسول عليه الصلاة والسلام لعمه أبي طالب قال: ( قل لا إله إلا الله كلمة ) تنفعك ها ويش قال ؟
( أحاجُّ لك بها عند الله ) قد تنفع وقد لا تنفع .
طيب ولما غرق فرعون وأحسَّ بالهلاك ماذا قال لما أدركه الغرق؟
قال: (( آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وأنا من المسلمين ))، فقيل له: (( ءآلآن )) يعني الآن تسلم (( وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين * فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية )) : يعني بدنك يظهر ويبرز ، ليش ؟
لأن فرعون قد أرعب بني إسرائيل، وربما إذا لم يروه ويشاهدوه ربما يكون في نفوسهم أنه لعله نجا، أو لعله ينجو، لكن إذا رأوه ميتاً طابت نفوسهم، ولهذا قال: (( لتكون لمن خلفك آية )).
أما النوع الثاني من الوقت الذي ترد فيه التوبة فهو: العام: وذلك عند طلوع الشمس من مغربها ، هذه الشمس العظيمة تشرق من المشرق وتغرب من المغرب ، فإذا أذن الله تعالى في انقطاع التوبة خرجت من المغرب وحينئذٍ يؤمن كل إنسان ويتوب كل إنسان لكن يقول الله عز وجل: (( يوم يأتي بعض آيات ربك )) وهو طلوع الشمس من مغربها.
(( لا ينفع نفساً إيماناً لم تكن آمن من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً )) .
طيب إذن خير الخطائين التوابون أي: كثيروا الخطأ كثيروا التوبة، والتوبة عرفتم شروطها.
2 - تتمة شرح حديث ( أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كل بني آدم خطاءٌ وخير الخطائين التوابون ) أخرجه الترمذي وابن ماجه وسنده قويٌ. ). أستمع حفظ
الكافر إذا أسلم هل كذلك نقول إنه يجب عليه أن يندم عما فعله مع المسلمين ؟ وما الجواب عن بعض ما يقول بعض الصحابة من أنهم كانوا يذكرون أمر الجاهلية ويضحكون ؟
الشيخ : إي نعم، هذا ظاهر كلام العلماء هكذا كل له توبة نعم .
السائل : ولكن كيف نفسر فعل بعض الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يتحدثون عن جاهليتهم ويتضاحكون ؟
الشيخ : نعم يتحدثون هذا تحدث بنعمة الله ، أنهم كانوا على هذا من قبل والآن على هذا ، ما قصدهم التبجح بذلك ، قصدهم إظهار نعمة الله عليهم .
السائل : أثابكم الله يا شيخ !
الشيخ : نعم ؟
السائل : ذكرنا قبل قليل أن من الإسلام ما هو حسن ومنه غير ذلك أشكل!
الشيخ : إيش؟
السائل : ذكرنا قبل قليل أن الإسلام نوعان حسن .
الشيخ : أن ؟
السائل : أن الإسلام منه ما هو حسن ومنه ما هو غير ذلك .
الشيخ : لا لا ما هو بهكذا ، من الإسلام ما هو حسن ومنه ما هو سيئ باعتبار فعل الفاعل ، يعني من الناس مسلم لكنه لا يقوم بالواجب هذا باعتبار فعل الإنسان لا باعتبار أصل الإسلام ، أصل الإسلام لا شك أن كله حسن وكله خير .
3 - الكافر إذا أسلم هل كذلك نقول إنه يجب عليه أن يندم عما فعله مع المسلمين ؟ وما الجواب عن بعض ما يقول بعض الصحابة من أنهم كانوا يذكرون أمر الجاهلية ويضحكون ؟ أستمع حفظ
هل إذا اغتاب أحد رجلا ثم تاب وعلم أنه لو تحلل منه لكانت فيه مفسدة كبيرة فكيف يفعل ؟
الشيخ : نعم ؟
السائل : ...
الشيخ : ويتحلل منه .
السائل : إذا علم في مفسدة محققة هل يتحلل منه ؟
الشيخ : إذا إيش؟
السائل : علم أنه إذا ذهب إليه وطلب منه المسامحة في مفسدة محققة ؟
الشيخ : في إيش؟
السائل : في مفسدة محققة .
الشيخ : نعم .
السائل : فهل يعني يلزم ؟
الشيخ : هو إذا علم الرجل بأن هذا قد اغتابه فلا بد أن يتبين مهما كان، وإذا كان يخشى لو صارحه مشافهة فليرسل إليه شخص يعظمه الرجل الآخر ويقول: إن في إنسان أخطأ عليك وفعل وقال، فلعك تسامحه أنا آتي به إليك يعتذر وما أشبه ذلك ، لأنه صحيح ربما إنه لو ذهب إليه وشافهه ربما يحصل بينهم مصادمة، لكن في مثل هذه الحال يمكن يتخلص بأن يرسل أحداً يتواصل بينهما .
السائل : أحسن الله إليك
الشيخ : أنا أريد الي ورا أنت بعده يلا .
ما ضابط العزلة الجائزة ؟
الشيخ : في إيش؟
السائل : العزلة !
الشيخ : نعم .
السائل : يعتزل دفاعاً عن الدين .
الشيخ : نعم .
السائل : ما صورته؟
الشيخ : إنسان يقول: لو اختلطت بالناس لفسد ديني لأن الناس دينهم فاسد إي نعم، واضح ؟
السائل : واضح.
الشيخ : طيب.
قوله عليه الصلاة والسلام ( ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام ) هل يأثم بوقوعه في الحرام يعني هل هذا هو المقصود ؟
الشيخ : وقوعه في الحرام ؟
السائل : نعم ، يعني هل هذا هو المقصود ؟
الشيخ : هل يأثم بوقوعه في الحرام ؟!
السائل : لأن الآن أشكل علي يا شيخ كونه الأمر المشتبه قد يقع فيه يفعله ولم يتضح !
الشيخ : ذكرنا أمس لها معنيان ، ولا أدري أنت منتبه لهذا ولا لا ؟
السائل : ما انتبهت .
الشيخ : إذا لم تنتبه جنيت على نفسك.
6 - قوله عليه الصلاة والسلام ( ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام ) هل يأثم بوقوعه في الحرام يعني هل هذا هو المقصود ؟ أستمع حفظ
المتبادر من هذا الحديث ( وثلث لنفسه ) أن منفذ الهواء في البطن ؟
السائل : شيخ إذا قال قائل : إن هذا الحديث قد يشكل !
الشيخ : أي؟
السائل : ( ما ملأ ابن آدم شراً من بطن ) .
الشيخ : نعم .
السائل : مع ما يقوله بعض الأطباء الآن : منفذ الطعام والشراب غير منفذ الهواء ، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم البطن إلى ثلاثة أثلاث ، فالمتبادر أن منفذ الهواء في البطن .
الشيخ : المتبادر إيش؟
السائل : من هذا الحديث أن منفذ الهواء في البطن !
الشيخ : لنفسه ، الإنسان لو يملأ بطنه بارك الله فيك يلا يتنفس حتى عندنا الآن في المثل العامي : " فلان ما شاء الله شبع شبع يلا يتنفس " وإلا معلوم أن الهواء في الرئة لكن يضيق النفس مع الملئ ، واضح؟
أما سمعت ... قال والله فلان ملها بطنه جدا جدا، نعم ؟ افهمها هذه لغة .
ما ضابط ترك الإنسان ما لا يعنيه ؟
الشيخ : الأمور الشرعية يقال مثلاً أنا يعنيني أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر هل رأيت إنسان يفعل المنكر تقول ما يعنيني اثمه على نفسه ؟ يعنيني هذا تعنيني الدعوة إلى الله ، أكون في مكان في مسجد في مجتمع أدعو إلى الله تعالى إذا كان هناك مناسبة هذا مما يعنيني ، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله ، هذا مما يعني الإنسان .
السائل : يعني يكون الحديث خاص ؟
الشيخ : لا ، عام الحديث عام متقن ومحكم وكل شيء ما في شك ، لكن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعني الإنسان ، تم الخمسة يا إخوان .
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الصمت حكمةٌ وقليلٌ فاعله ) أخرجه البيهقي في الشعب بسندٍ ضعيفٍ وصحح أنه موقوفٌ من قول لقمان الحكيم .
الصمت يعني: السكوت، حكمة يعني: وضع للشيء في موضعه.
وقليل فاعله : قليل خير مقدم، وفاعله مبتدأ مؤخر يعني أن فاعله قليل.
ولا شك أن الصمت أسلم من الكلام المتكلم بين أمرين:
إما مفيد وإما ضار، هذا هو الغالب.
لكن الصامت سالم، فالصمت حكمة، ولكن هذه كما قال المؤلف لا تصح عن النبي عليه الصلاة والسلام، إنما هي من قول لقمان الحكيم أو غيره أيضاً ما ندري هل تصح عن لقمان أو لا، لأن لقمان الحكيم ذكر الله عنه أشياء في سورة لقمان.
واعلم ان كل ما ينقل عن الأمم السابقة إذا لم يكن في القرآن أو في صحيح السنة فإنه لا يقبل لأن الله تبارك وتعالى قال: (( أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ )) إيش؟ (( لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ )) : إذن علم الأمم السابقة لابد أن يكون في القرآن أو في السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لكن لننظر في هذا الكلام هل الصمت حكمة في كل حال ؟
لا، قد يكون الصمت سَفهاً، إذا رأى الإنسان منكراً هل نقول: اسكت؟
لا، نقول: تكلم، السكوت سَفَه، إذا سئل الإنسان عن مسألة علم يعلمها ويعرفها هل نقول اسكت؟
لا، نقول: السكوت هنا سفه وحرام أيضاً ، ( لأن من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار ) وعلى هذا فليس هذا القول على إطلاقه بل فيه تفصيل .
أما قليل فاعله: يعني: قليل من يسلك هذا السبيل وهو السكوت هذا صحيح، أكثر الناس يحبون الكلام ويتكلمون، حتى إنك تجد المسألة توضع أو تطرح ويتكلم عنها من ليس من أهل الكلام فيها، ربما يجي إنسان يقول: والله ويش تقول في رجل صلى وهو آكل لحم إبلٍ جاهلاً؟
وفي طلبة علم وفي عوام قال لك العامي: ما يضر هذا ما يخالف، الله يقول في محكم كتابه العظيم يقول : (( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا )) .
شوف عامي وعنده طلبة علم هذا نقول: الصمت في حقه حكمة والكلام سفه، لكن قليل من يفعل هذا، أي: أن كثيراً من الناس يتكلمون في موضع لا ينبغي أن يتكلموا فيه.
9 - وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الصمت حكمةٌ وقليلٌ فاعله ) أخرجه البيهقي في الشعب بسندٍ ضعيفٍ وصحح أنه موقوفٌ من قول لقمان الحكيم . أستمع حفظ
باب الترهيب من مساوئ الأخلاق.
لما كانت الأمور لا تتم إلا بإثبات ونفي جعل العلماء -رحمهم الله- باباً للترغيب وباباً للترهيب ليكمل سير الإنسان وأخلاق الإنسان، لأن الأخلاق: أخلاق مطلوبة يُرغَّب فيها، أخلاق غير مطلوبة هذه يُرهب منها، ولهذا قال: " باب الترهيب من مساوئ الأخلاق " :
والأخلاق : جمع خلق وهي الصورة الباطنة أي ما يتخلق به الإنسان، لأننا نقول: خَلق وخُلُق، الخَلق الصورة الظاهرة والخُلُق الصورة الباطنة أي: ما يتخلق به الإنسان.
الأخلاق منها سيئ ومنها حسن ومنها ما لا يوصف بسوء ولا حسن.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب ) أخرجه أبو داود، ولابن ماجه من حديث أنس نحوه.
الجملة هي جملة تحذيرية أي : أحذركم الحسد، لكن قدم الضمير اهتماماً بالأمر.
والحسد هو: " تمني زوار نعمة الله على غيره " ، أن يتمنى الإنسان أن يزيل الله النعمة عن غيره سواء تمنى أن تزول النعمة إليه أو أن تزول النعمة عن غيره لا إليه، أو أن تزول النعمة عن غيره إلى غيره، فالأقسام كم؟
ثلاثة، أي: يتمنى أن تزول نعمة الله عن هذا إلى نفسه، فهمت يا ولد إيش قلنا ؟
الطالب : تمني زوال النعمة عن الإنسان .
الشيخ : لا .
الطالب : يتمنى أن تزول النعمة عن الشخص إلى !
الشيخ : إلى نفسه .
الطالب : إلى نفسه .
الشيخ : طيب ، والثاني أن يتمنى زوال نعمة الله على زيد لتكون لعمرو .
والثالثة : أن يتمنى زوال نعمة الله على زيد مطلقاً ، كل هذا من الحسد ، هذا هو المعروف عند جمهور العلماء في تعريف الحسد، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- : " الحسد كراهة نعمة الله على الغير " : أن يكره أن ينعم الله على غيره وهذا أعم.
فإذا رأيت نفسك تكره أن ينعم الله على غيرك بعلم أو مال أو خُلُق أو صحة أو ما أشبه ذلك فاعلم أنَّ فيك شيئاً من الحسد حاول أن تقضي عليه، ولهذا قال الله عز وجل: (( ولا تتمنوا ما فضَّل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيبٌ مما اكتسبوا وللنساء نصيبٌ مما اكتسبن )) أتم ؟
(( وسئلوا الله من فضله )) ، يا أخي لا تتمنى أن نعمة الله على فلان تأتي إليك، اسال الله من فضله ودع نعمة الله على فلان لفلان، فالذي أعطاه قادر على أن يعطيك.
وقوله عليه الصلاة والسلام: ( فإنه يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب ) : فإنه أي: الحسد.
يأكل الحسنات: حسنات من ؟ الحاسد.
كما تأكل النار الحطب: والنار وإذا ولعت في الحطب أكلته، وهذا تعليل للحكم .
فذكر النبي عليه الصلاة والسلام أن في الحسد ذهاب الحسنات كيف تذهب الحسنات؟
نعم، للمفاسد العظيمة التي تحصل بالحسد، فمنها: اعتراض الحاسد على حكمة الله عز وجل، لأنك إذا كرهت ما أنعم الله به على غيرك فهذا اعتراض، كأنك تقول: هذا الرجل مثلاً لا يستحق هذه النعمة، ففيه اعتراض على القدر، كذلك أيضاً الحسد لا يخلو غالباً من البغي على من؟
الطالب : المحسود.
الشيخ : على المحسود، فتجد الحاسد يبغي على المحسود إما بلسانه أو بفعاله من أجل أن تزول هذه النعمة .
ومنها أيضاً: أن الحاسد دائماً يكون قلقاً ضيق الصدر، حتى إنه ربما لا يطيب له الأكل ولا النوم، وكلما ازدادت نعمة الله على المحسود ازداد نكداً وهمًّا وغمًّا.
ومعلوم أن النكد والهم والغم يوجب انقباض النفس وعدم انشراح الصدر بالطاعات وغيرها، حتى إنه ربما يكون يصلي وقلبه يفكر فيما أنعم الله به على المحسود فيقل ثواب الحسنات.
ومنها أيضاً: أن الحاسد ينحسر أن يسبق المحسود بما أنعم الله به عليه، فمثلاً: إذا رأى طالب علم قد فضله في العلم تجده يقول: ما حاجة أن أتعب لأنني لن أصل إلى درجة هذا، فيتوقف عن الخير بسبب الحسد والعياذ بالله.
وأول من حسد فيما نعلم من؟
الطالب : إبليس.
الشيخ : إبليس، فيكون الحسد إذن من اتباع خطوات الشيطان والتأسي بالشيطان وهذا من مفاسده.
وله مفاسد كثيرة لكن هذا الذي حضرني منها الآن، فالحسد فيه شر كثير.
فإذا قال قائل: الحسد في الواقع غريزة : كل إنسان يعرف نعمة الله على أحد يتمنى أن يكون له مثلها مثلاً.
قلنا: هذا ليس الحسد المذموم هذا الحسد يسمى حسد غبطة ولا بأس به، ولكن احمل نفسك على أن تصل إلى ما وصل إليه هذا الإنسان من الدرجة ، إن كنت تحسده على علم فاحمل نفسك على طلب العلم حتى تصل إلى ما وصل إليه، إن كنت تحسده على جاه فاحمل نفسك على أن تكون حسن الأخلاق كريم الطبع محسناً إلى الناس باذلاً نفسك لهم وحينئذٍ يكون لك عندهم جاه وهلم جرّا.
وهذا ليس الحسد المذموم هذا يسمى حسد الغبطة، وقد أقره النبي عليه الصلاة والسلام في قوله: ( لا حسد إلا في اثنتين ).
11 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب ) أخرجه أبو داود، ولابن ماجه من حديث أنس نحوه. أستمع حفظ
وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ليس الشديد بالصرعة، وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ) متفقٌ عليه.
وعنه -أي: عن أبي هريرة رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ) " :
ليس الشديد: يعني ليس القوي .
بالصُرَعة أي: بالذي يصرع الناس، والصرعة في صيغ المبالغة أي كثير الصرع قوي الصرع، مثل: همزة لُمزة يعني كثير الهمز واللمز فالصرعة هو كثير الصرع قوي الصرع.
والمصارعة المغالبة أيهما يصرع صاحبه ويضرب به على الأرض.
والمصارعة لها أساليب، ما هي مبنية على قوة الشخص، قد يكون الشخص قوياً فيصرعه من هو دونه، فلها أساليب معينة، وهي عند الناس الآن إيش هي ؟
الطالب : رياضة.
الشيخ : فن، فن من فنون الرياضة، ولها عشاق لكنهم في الواقع يضيعون أوقاتهم في غير فائدة.
فهل الشديد القوي هو الذي يغلب الناس إذا صرعهم؟
لا، ويُذكر أن رُكانة بن يزيد كان قوياً شديداً لا يصرعه أحد، حتى إنه من قوته يقال: إنهم يضعون جلد الثور تحت قدميه ويأتي أقوى الرجال ليجره من تحت قدمه ويعجز عنه، يتقطع الجلد دون أن تزول قدماه، وهذا يدل على أنه قويٌّ جداً، جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليسلم وطلب من الرسول أن يصارعه قال: ( إن صرعتني يا محمد عرفت أنك نبي وأسلمت، وإن صرعتك هي عادتي ): يعني هذا معنى قوله .
فصارع النبي صلى الله عليه وسلم فصرعه النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما صرعه آمن، وهذا لا شك أنه من فوائد قوة الجسم وحنكته.
وقوله: ( وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ) : القوي الذي يصرع نفسه ويملكها عند الغضب.
والغضب هو: جمرة كما قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( جمرة يلقيها الشيطان في قلب الإنسان ) ، ولهذا تجده يحتمي ويظهر دمه على جسمه يحمر وجهه وعيناه وترتعد أطرافه نعم وينتفش شعره من قوة ما يجري .
الشديد هو: الذي يملك نفسه إذا غضب ولا ينفذ مقتضى غضبه.
ولهذا : ( جاء رجل إلى الرسول عليه الصلاة والسلام قال: أوصني قال: لا تغضب، قال: أوصني، قال: لا تغضب، قال: أوصني، قال: لا تغضب ).
والغضب ثلاثة أقسام:
القسم الأول: مبتدأ الغضب وهذا يعتري كل إنسان ولا يمنع تصرف الإنسان في نفسه.
والثاني: منتهى الغضب وهذا هو الذي يستولي على الإنسان حتى لا يدري ماذا يقول ولا ماذا يفعل، ولا هل هو في الأرض أو في السماء، وهذا يقع.
والثالث: وسط بين هذا وهذا ، الغضب شديد لكنه يحس في نفسه ، ولكن الغضب يضغط عليه.
فأما الأول وهو الغضب في ابتدائه فحكم تصرف من اتصف به النفوذ، تصرفه نافذ في كل شيء، إن حكم بين الناس فحكمه نافذ، إن طلق زوجته فطلاقه نافذ، إن أعتق عبده فعتقه نافذ، كل تصرفاته نافذة، هذا متى؟
مبتدأ الغضب، وهذا بإجماع العلماء، ولم يختلف فيه أحد، وقد قضى النبي صلى الله عليه وسلم القضاء وهو غضبان في قصة من؟
الزبير، وصاحبه الأنصاري.
طيب الثاني: الغضب الذي يصل بصاحبه إلى حد لا يشعر بنفسه، فهذا لا عبرة بتصرفه باتفاق العلماء، لأنه ذهب عنه وعيه، ولذلك تجده ربما يأخذ أكبر ما يجد ويضرب به ولده، وربما يضرب أولاده بعضهم ببعض، يأخذ الولد الصغير يجعله كأنه عصاً يضرب به الكبير.
أشياء عجيبة تذكر عن بعض الغاضبين، أشد من المجنون، هذا حكمه إيش؟ لا ينفذ، إن قال قولاً لم يعتبر، وإن فعل فعلاً لم يعتبر إلا فيما لا يشترط فيه العقل كالجناية على الآدمي، هذا وإن جنى لابد أن يؤخذ حق الآدمي.
الثالث إيش؟
الطالب : الوسط.
الشيخ : الوسط: وسط بينهما، فهذا اختلف العلماء -رحمهم الله- هل يعتبر بقوله أو لا؟
والصحيح أن قوله غير معتبر، لأنه يقول القول وهو غير مريد له، قد ضغط عليه.
ومن ذلك إذا طلق زوجته وهو غضبان بهذا الغضب، فإن الصحيح أن طلاقه لا يقع.
وكذلك لو أعتق عبيده فإن العتق لا يقع، ولو أوقف أملاكه فإنه لا ينفذ، ولو باع شيئاً لم ينفذ.
المهم القاعدة : أن من كان هذا غضبه فإنه لا ينفذ تصرفه، هذه أقسام الغضب، وقد تبين هذه الأقسام ابن القيم رحمه الله في كتابه *إغاثة اللهفان - غير الكتاب الكبير المعروف- في عدم وقوع طلاق الغضبان*، انتهى الوقت؟
الطالب : الغضبان يا شيخ !
الشيخ : نعم ؟
الطالب : في عدم وقوع طلاق ؟
الشيخ : الغضبان .
الطالب : أنت قلت السكران !
الشيخ : لا، الغضبان ، انتهى الوقت؟
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :
قال المصنف -رحمه الله تعالى- :
" وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ليس الشديد بالصرعة ) " .
الشيخ : عنه : عمن؟
القارئ : " عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ) متفقٌ عليه.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الظلم ظلماتٌ يوم القيامة ) متفق عليه.
وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإنه أهلك من كان قبلكم ) أخرجه مسلمٌ.
وعن محمود بن لبيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر: الرياء ) أخرجه أحمد بإسناد حسن " .
12 - وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ليس الشديد بالصرعة، وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ) متفقٌ عليه. أستمع حفظ
مناقشة ما سبق.
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين :
الشيخ : هل الحسد ينافي كمال الإيمان ؟ نعم ؟
الطالب : نعم ينافي .
الشيخ : الدل ؟ نعم ؟
الطالب : قول الله عز وجل : ( ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض ) ، وقوله تعالى : ( يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ) فقد وقع في نهي الله عز وجل ونهي الله عز وجل يؤدي إلى نقصان الإيمان .
الشيخ : نعم يعني النهي عنه يقتضي أنه معصية والمعصية تنقص الإيمان ، طيب في أيضاً دليل آخر ، ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) والحاسد ليس كذلك.
ما هو الحسد عند عند شيخ الإسلام ابن تيمية ؟ سعد ؟
الطالب : الحسد هو تمني زوال النعمة عن الغير .
الشيخ : عند شيخ الإسلام ابن تيمية ؟
الطالب : كراهة نعمة الله على الغير .
الشيخ : نعم ، " كراهة نعمة الله على الغير " ، وعند أكثر العلماء هو كما قلت: تمني زوال نعمة الله عن الغير ، والأول أعم.
هل الغبطة تعد من الحسد المذموم ؟
الطالب : الغبطة لا تعد من الحسد المذموم، لأنك لا تتمنى زوال النعمة.
الشيخ : نعم أحسنت، هذا تعليل لأنك لا تتمنى زوال النعمة ولا تكره نعمة الله على غيرك، لكن هل هناك دليل؟
الطالب : دليل؟
الشيخ : نعم.
الطالب : الدليل ما أخرجه البخاري في صحيحه : ( لاحسد إلا في اثنتين ) .
الشيخ : أحسنت .
الطالب : ( رجل أتاه الله مالاً فسلطه على هلكته ) .
الشيخ : على هلكته بالحق .
الطالب : ( على هلكته بالحق ، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ) .
الشيخ : نعم أحسنت فأثبت الحسد في هذا مقرراً له لكن هذا حسده ، كمل ؟
الطالب : حسده غير مذموم .
الشيخ : إي نعم حسده غبطة فليس بمذموم ، طيب .
إذا قال قائل : الحسد كامن في النفوس وكل إنسان قد يكره أن ينعم الله على شخص نعمة تكون أكثر مما عنده فما الجواب؟ إي نعم ؟
الطالب : يقال : إن وجوده في كثير من الناس لا يبرر كونه محرم في الشرع ، بل على هؤلاء الناس من يجد في نفسه مثل هذا المرض هذا أن يعالجها وأن يداوم على ذلك حتى .
الشيخ : أحسنت يعني نقول: إذا وجدت ذلك في نفسك فعليك أن تعالجها وأن تنزه نفسك عنه ، وفي الحديث : ( إذا ظننت فلا تحقق، وإذا حسدت فلا فاستغفر ) أفهمت ؟ طيب .
ما وجه كونه يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب ؟
الطالب : لأنه بسببه يكون العداون .
الشيخ : غالب ، طيب ، في الحسد ؟
الطالب : لأنه اعتراض على القدر .
الشيخ : كيف ذلك ؟
الطالب : لأن الحاسد كره نعمة الله على عبده والله عز وجل .
الشيخ : لأن الحاسد كره نعمة الله على عبد فكأنه يكره ما ؟
الطالب : يكره ما أحبه الله عز وجل وما أنعم به .
الشيخ : أو ما قدره الله ، طيب .
أخذنا أظن الحديث الثاني : ( ليس الشديد بالصرعة ) صرعة يعني ؟
ما حضرت ؟
الطالب : حضرت .
الشيخ : ولكن ، يلا يا رياض .
الطالب : القوة يا شيخ .
الشيخ : الصرعة ويش معناها؟
الطالب : المصارعة يا شيخ يعني يكون قوي
الشيخ : الصرعة يعني القوي في الصرعة ؟
الطالب : نعم القوي في الصرع .
الشيخ : أو في الصرعة ؟
الطالب : لا في الصرع .
الشيخ : من المصارعة ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : مفاعلة ، والمصدر منها منها فعال ، مفاعلة صرعة طيب يعني معناه الصرعة الذي لا يغلب بالمصارعة ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : فمن هو الشديد ؟
الطالب : القوي، الشديد هو القوي الذي يملك نفسه عند الغضب .
الشيخ : الشديد هو الذي يملك نفسه عند الغضب أحسنت طيب .
هل هذا الحصر حقيقي أو نسبي؟
الطالب : هذا نسبي .
الشيخ : نسبي ، لأن الشديد في المصارعة لا شك أنه قوي لكن كأن الرسول يقول الشدة المحمودة هي أن إيش؟
أن يملك نفسه عند الغضب، طيب لها نظير : ( ليس المسكين الذي يطوف على الناس فترده اللقمة واللقمتان وإنما المسكين الذي يتعفف ) : هذا قول الرسول ( ليس المسكين ) مع أنه هو المسكين ، لكن المسكين حقيقة الذي هو أهل لذلك هو الذي يتعفف ولا يفطن له ويظنه الناس غنياً لتعففه.
نعم ذكرنا بالأمس الأحكام المترتبة على الغضب !
الطالب : قلنا أن الغضب ينقسم إلى ثلاثة أقسام .
الشيخ : قلنا أن الغض ينقسم إلى ثلاثة أقسام نعم ؟
الطالب : مبتدأ الغضب ، ومنتهى الغضب ، والغضب الوسط بين هذا وهذا .
الشيخ : الأول ابتداء الغضب يعني الغضب الخفيف ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : والثاني ؟
الطالب : الثاني الغضب إذا وصل إلى نهايته .
الشيخ : نعم الذي بلغ الغاية والنهاية ، والثالث ؟
الطالب : الوسط .
الشيخ : الوسط طيب ، ما الفرق بين الوسط وبين الغاية ؟
الطالب : أن الغاية لا يشعر بما يقول ، ولا ما يفعل ، أما الوسط فإنه يغالب.
الشيخ : النهاية هو إنسان لا يشعر ولا يدري عن نفسه إطلاقاً، لا يدري هل تكلم معه لا يدري هل هو في السماء أو في الأرض هل هو في البيت أو في السوق ، كالسكران تماماً ، وأما الوسط فهو الذي يعرف ذلك لكن الغضب ألجأه إلى أن يتكلم بكلام ، أعرفت طيب .
رجل غضب غضباً شديداً يا سعد غضباً شديداً جداً جداً فجعل يسب الدين ما تقول ؟
الطالب : لا يكفر .
الشيخ : يكفر ؟
الطالب : لا يكفر .
الشيخ : سب الدين ؟
الطالب : يعذر لأنه غضبان غير مريد لقوله .
الشيخ : ماذا تقولون ؟
الطالب : صحيح .
الشيخ : صحيح ، لأن الرجل لا يملك نفسه ولا يدري ما يقول ، ولهذا هؤلاء الصنف من الناس إذا انتهى غضبهم وبرد وقال لهم من حولهم : أنتم قلتم كذا وكذا قال أبداً ما قلت ولا علمت أني قلت هذا .
طيب ، سيأتينا إن شاء الله تعالى بعد بقية الحديث الغضب نذكر دواء الغضب .
ثم قال المؤلف -رحمه الله تعالى- فيما نقله : " عن ابن عمر رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( الظلم ظلمات يوم القيامة ) " .
الطالب : الفوائد .
الشيخ : كيف؟
الطالب : فوائد حديث أبي هريرة.
الشيخ : صحيح؟ طيب.
فوائد حديث :( ليس الشديد بالصرعة ... ).
ومن فوائده: الحث على ضبط النفس عند وجود ما يثيرها، لأن الإنسان عندما يحصل له ما يثير نفسه ربما يتكلم بكلام لا يجوز، أو يفعل أفعالاً غير جائزة.
من فوائد الحديث: أن مَن يملك نفسه عند الغضب أشدُّ ممن يصارع فيَصرع لقوله صلى الله عليه وسلم: ليس الشديد بهذا ولكن كذا وكذا ، مع أن المصارع الذي يصرع الناس إيش؟
شديد قوي لكن حقيقة الأمر أن من يقوى نفسه عند الغضب فهو أشد منه وأقوى.
ومن فوائد الحديث: حسن تعليم الرسول عليه الصلاة والسلام حيث يبين للناس الحكم أو الحال بأشياء محسوسة لأن كل واحد من الناس يعرف أن الذي يصارع الناس فيصرعهم يعرف أنه قوي وشديد، فبين الرسول عليه الصلاة والسلام من هو أحق منه بأن يوصف بالشدة، وهو الذي يملك نفسه عند الغضب.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الظلم ظلماتٌ يوم القيامة ) متفق عليه. وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فإنه أهلك من كان قبلكم" أخرجه مسلمٌ.
وفي الحديث الثاني حديث جابر: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلماتٌ يوم القيامة، واتقوا الشح، فإنه أهلك من كان قبلكم ) أخرجه مسلمٌ " :
في هذين الحديثين: التحذير من الظلم فما هو الظلم؟
الظلم: في الأصل هو النقص، ومنه قوله تعالى: (( كلتا الجنتين آتت أُكلها ولم تظلم منه شيئاً )) أي: لم تنقص منه شيئاً بل أتت به كاملاً، أما في الشرع فهو العدوان على الغير وعلى النفس أيضاً إما بالتفريط فيما يجب، وإما بالتعدي فيما يحرم، هذا ضابط الظلم: إما تفريط فيما يجب أو تعد فيما يحرم، أو تعد فيما يحرم، عليه يدور الظلم.
ويكون في المال والنفس والعرض لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا ) إلخ.
فمثال الظلم في المال: أن يدعي الإنسان على شخص ما ليس له، أو أن ينكر ما كان واجباً عليه، الأول تعدٍ بما لا يجوز.
والثاني إيش؟
الأول ادعى على شخص أنه يطلبه كذا وكذا ثم أقام بينة زور أو ما أشبه ذلك وأخذه هذا تعدٍّ في أخذ ما ليس له.
والثاني الذي أنكر ما يجب عليه تعدٍ فيما عليه وكلاهما ظلم، كذلك أيضاً لو أن إنساناً أخذ مال شخص سرقةً أو غصباً فهذا ظلم، لأنه عدوان على الغير. الظلم في النفس أن يعتدي على نفسه إما بقطع عضو أو جرح أو إهانة كرامة بزناً أو لواط أو ما أشبه ذلك، وأما العِرض فأن ينتهك عرضه فيغتابه أو يقذفه أو ما أشبه ذلك، المهم أن الظلم محله ثلاثة أشياء المال، والنفس، والعرض. يقول الرسول عليه الصلاة والسلام : ( ظلمات يوم القيامة ) : يوم القيامة يكون عقوبة الظالم أن يسلب منه النور فلا يكون له نور، فيكون بمنزلة الكفار والمنافقين، لأن المؤمنين يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم، أما الكافر فليس له نور، وأما المنافق فيُعطى نوراً ثم ينزع منه، هذا الذي يظلم يكون ظلمه ظلمات عليه يوم القيامة.
15 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الظلم ظلماتٌ يوم القيامة ) متفق عليه. وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فإنه أهلك من كان قبلكم" أخرجه مسلمٌ. أستمع حفظ
فوائد حديث :( الظلم ظلماتٌ يوم القيامة) .
وعلى هذا فنقول في هذا الحديث: تحريم الظلم.
وفيه أيضاً: أن الجزاء مِن جنس العمل، لما ظلم الناس في الدنيا أظلم الله عليه يوم القيامة، فالجزاء من جنس العمل.
وفيه أيضاً، في الحديث : إثبات يوم القيامة وهو اليوم الذي يبعث فيه الناس لله عز وجل وسمي يوم القيامة لأمور ثلاثة:
الأول: أن الناس يقومون فيه من قبورهم لله عز وجل دليله قوله تعالى: (( ليومٍ عظيمٍ * يوم يقوم الناس لرب العالمين )).
الثاني: أنه تقام فيه الأشهاد كما قال تعالى: (( إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد )).
الثالث: أنه يقام فيه العدل: لقوله تعالى: (( ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً )).
فوائد الحديث: ( اتقوا الظلم ... ).
فيه أولاً: ( اتقوا الظلم ) : يستفاد منه وجوب اتقاء الظلم، لأن الأصل في الأمر الوجوب لا سيما وأنه علله بقوله: ( فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ) فيكون حينئذ من الكبائر.
ومن فوائد الحديث حديث جابر: أن التقوى ليست خاصة بالله عز وجل بل تكون لله وللمخلوقات فهنا اتقوا الظلم وُجهت إلى؟
الطالب : الظلم.
الشيخ : وهو عمل من أعمال الإنسان، وفي قوله: (( واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله )) أضيفت إلى إيش؟
إلى زمن، وفي قوله تعالى: (( واتقوا النار التي أعدت للكافرين )) أضيفت إلى مكان.
وفي قوله تعالى: (( واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون )) أضيفت إلى الله عز وجل لماذا؟
لأن أصل التقوى اتخاذ وقاية، والإنسان يتخذ الوقاية من الرب عز وجل ومن عقوباته وعذابه.
ومن فوائد الحديث: أن الظلم مِن كبائر الذنوب كما سبق.
ثم قال: ( واتقوا الشح فإنه أهلك من كان قبلكم ): الشُّح: الطمع فيما عند الغير، فهو محاولة أخذ ما ليس له، والبخل منع ما يجب عليه بذله، وتارة نجمع الشح والبخل فنقول: الشُّح الطمع فيما عند الغير، والبخل منع ما يجب بذله مِن علم أو مال أو عمل.
وفي الحديث: ( البخيل من إذا ذكرت عنده لم يصل عليّ ) : اللهم صل وسلم عليه ، فهذا بخل بخل بإيش؟ بعمل، بخل بعمل .
وإذا قلت: سألت فلاناً من العلماء ولم يجبني، فهذا بخل بالعلم، وإذا قلت: سألت فلاناً مالاً ولم يعطني فهذا بخل بالمال.
أما الشح فهو الطمع فيما عند الغير، وأيهما أشد؟
الشح، لأن منع ما عندك أهون من طلب ما ليس عندك.
قال: ( فإنه أهلك من كان قبلكم ) : أهلكهم إهلاكاً حسياً أو معنوياً أو هما ؟ الطالب : هما .
الشيخ : هما ، أهلكهم لأن هذا لا شك أنه نقص في دينهم، وأهلكهم إهلاكاً حسياً لأنهم بذلك سفكوا دماءهم واستحلوا أموالهم.
ففي هذا الحديث أيضاً: تحريم الشح لقوله: ( اتقوا الشح ).
فإن قال قائل: إن الله تعالى جعل الشح في كتابه من طبائع النفوس فقال تعالى: (( وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً والصلح خير وأُحضرت الأنفس الشُّح ))، فكيف ندفع ما كان من طبيعة النفوس؟
قلنا: هو كسبيٌ، الشح أمر كسبي، والأمر الكسبي يمكن للإنسان أن يحترز منه ويتخلى عنه، وإن كانت النفوس مجبولة على محبة المال مثلاً لكن الإنسان يغلبه دينه حتى يطفئ عنه حرارة الشُّح.
ومن فوائد هذا الحديث: الاعتبار بمن خلا من الأمم لقوله : ( فإنه أهلك من كان قبلكم ) .
ومن فوائده: أن ما كان سبباً للعقوبة في الأمم الماضية، فإنه يكون سبباً للعقوبة في هذه الأمة، أعرفتم؟
بل لو قال قائل: إنه يكون في هذه الأمة أعظم لأنها أكرم الأمم عند الله، وإذا كانت أكرم وجب عليها من شكر لله ما لا يجب على غيرها.
وانظر إلى نساء النبي عليه الصلاة والسلام: من يأت منهن بفاحشة مبينةٍ يضاعف لها العذاب ضعفين، ومن يقنت منهن وتعمل صلحاً يؤتها الله أجرها مرتين، فلكرمهن عند الله ضوعف لهن في الثواب، وضوعف عليهن في العقاب، وهذا هو الموافق للفطرة، لأننا لو فرضنا أن رجلاً صديقاً لك يظهر المودة في قلبه ولسانه فأساء إليك أدنى إساءة تجد أن هذه الإساءة في حقه إيش؟
عظيمة جداً، لكن لو أساء إليك بها أو بما هو أعظم منها شخص آخر لكان ذلك عندك أهون، فلهذا نقول: إذا كان الشح سبباً لإهلاك من قبلنا فإنه سيكون سبباً لإهلاكنا، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: فإنه أهلك من كان قبلكم عفو الخاطر، بل قال ذلك تحذيراً.
إذن يستفاد منه: أن ما جرى على من سبقنا بعمل فإنه يوشك أن يجري علينا بإيش؟
بعمل آخر، إلا أنه يستثنى من ذلك مسألة واحدة وهي أن الله تعالى أجاب دعوة النبي عليه الصلاة والسلام حين سأل الله ألا يُهلك أمته بِسَنَةٍ بِعامة، فهذه مستثنى هذه الأمة لن تهلك على سبيل العموم كما هلك من هلك من الأمم السابقين.
وعن محمود بن لبيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر: الرياء ). أخرجه أحمد بإسناد حسن.
إن أخوف ما أخف عليكم الشركُ ولا الشركَ؟
الطالب : الشركُ .
الشيخ : طيب أخاف ما هي فعل ماضي تنصب؟
الطالب : نعم .
الشيخ : طيب ولم ما نقول الشركَ ؟
لأن الشرك خبر إن.
وأما قوله: (( ما أخاف )) هذه صلة الموصول، واضحة.
يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: ( أخوف ما أخاف عليكم -من الأعمال الباطنة- هو الشرك الأصغر ) :
المؤلف رحمه الله يبدو لي اختصره فقال: الرياء والحديث بطوله : ( فسئل عنه فقال: الرياء ) .
قال الرياء: هو أخوف ما يخاف علينا من الشرك الأصغر.
والرياء: مصدر راءى يرائي يرياءً، كجاهد يجاهد جهاداً، طيب هل هناك مصدر آخر لراءى، ما هو؟
الطالب : مراءاة.
الشيخ : مراءاة كما أن جاهد له مصدر آخر وهو مجاهدة فما هو الرياء؟
الرياء: " أن يحسن الإنسان عبادته ليراه الناس فيتقرب إليهم بذلك "، وإن شئت فقل: " أن يظهر الإنسان عبادته ليراه الناس فيمدحوه بذلك سواء أظهرها على وجه حسن أو على وجه عادي " ، هذا هو الرياء .
وسمي رياء، لأن الإنسان يراعي فيه رؤية الناس.
وهل إذا كان يقول قولاً فيظهره للناس من أجل أن يمدحوه عليه هل يدخل في هذا؟
نعم يدخل لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من سمَّع سمَّع الله به ومن راءى راءى الله به ) .
18 - وعن محمود بن لبيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر: الرياء ). أخرجه أحمد بإسناد حسن. أستمع حفظ
فوائد حديث :( إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر: الرياء ).
وفي أيضاً: أن السيئات تختلف بعضها أشدُّ خطراً من بعض لقوله: ( أخوف ما أخاف ) ، لأن أخوف هذه اسم إيش؟
اسم تفضيل، واسم التفضيل لابد فيه من مفضل ومفضل عليه، فالرسول عليه الصلاة والسلام يخاف منا أن نعمل عملاً سيئاً لكن يختلف خوفه بعضه أشد من بعض.
ومن فوائد الحديث: انقسام الشرك إلى قسمين أصغر وأكبر، فهل هناك ضابط؟
نقول: الضابط إن أردت ضابطاً حُكمياً فهناك ضابط، وإن أردت ضابطاً ذاتياً يعني حَدّ فهناك أيضاً ضابط:
أما الضابط الحكمي فيقال: الشرك الأكبر ما يخرج به الإنسان من الملة، وهذا يُسمى تعريفاً بالحكم، والتعريف بالحكم عند أهل الكلام معيب ومردود كما قال الناظم:
" وعندهم من جملة المردود *** أن تدخل الأحكام في الحدود " .
وأما التعريف بالحد الذاتي فيقال: الشرك الأصغر ما كان وسيلة للأكبر غالباً، هذا الشرك الأصغر، ما كان وسيلة للأكبر غالباً، فلننظر:
الرياء وسيلة للشرك الأكبر، لأنه يتدرج بالإنسان حتى يصل إلى عبادة الناس، هو الآن يعبد الله لكن يزين العبادة ليمدحه الناس عليها فيتقرب بالعبادة إلى الناس، لكنه يجره الأمر إلى أن يعبد الناس، فلهذا نقول: هو شرك أصغر، ورأيت ابن القيم -رحمه الله- يعبر عن الشرك الأصغر بما يتعلق بالرياء فيقول: يسير الرياء، لأن الرياء الكثير الأكبر هذا يحبط العمل، فإذا كان الإنسان يرائي في كل عبادة لم يبق عنده عبادة.
طيب إذن نأخذ من هذا الحديث: انقسام الشرك إلى إيش ؟
إلى أكبر وأصغر.
والضابط في الحكم أن الشرك الأصغر إيش؟
ما لا يخرج به من الملة، والأكبر ما يخرج به من الملة.
في الحد الذاتي نقول: الشرك الأصغر ما كان وسيلة وذريعة إلى الشرك الأكبر. طيب من الشرك الأصغر تعليق التمائم، لماذا؟
لأنه وسيلة إلى الإشراك في الربوبية، حيث يعتقد أن التمائم سبب لمنع الضرر أو الشفاء من المرض أو ما أشبه ذلك فيتعلق قلبه بها .
وربما يتدرج حتى يعتقد أن السبب نفسه هو الذي يكشف الضر فيكون شركاً أكبر.
ومن فوائد هذا الحديث: تحريم الرياء، لأنه من الشرك الأصغر، ولكن هل يدخل في الذنوب التي هي تحت المشيئة أو نقول: لابد من المجازاة عليه ما لم يتب منه؟
فيه خلاف فمن العلماء من يقول: إن قول الله تبارك وتعالى: (( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء )) : يراد به الشرك الأكبر ، لقوله تعالى: (( إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار )).
وأما الشرك الأصغر فإنه داخل تحت المشيئة، فتكون كل الذنوب وإن عظمت ما عدا الكفر والشرك داخلة تحت المشيئة.
ومنهم مَن يقول: الشرك أعظم مِن الكبائر، قال ابن مسعود رضي الله عنه: " لأن أحلف بالله كاذباً أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقاً " ، مع أن الحلف بالله كاذباً من كبائر الذنوب ، فتكون سيئة الشرك سيئة قبيحة لا يمكن أن تدخل تحت المشيئة.
ويؤيد هؤلاء قولهم بنفس الآية (( إن الله لا يغفر أن يشرك به )) قالوا: إن أن هنا مصدرية يؤول ما بعدها بالمصدر ، فإذا أولنا ما بعدها بالمصدر صار تقدير الآية إن الله لا يغفر شركاً به، ويكون شركاً هنا نكرة في سياق النفي فتعم. وعلى كل حال الشرك ولو كان أصغر صاحبه في خطر يجب عليه أن يتوب منه ومن جميع الذنوب، لكنه يتأكد في حقه لأنه ليس داخلاً تحت المشيئة على رأي بعض العلماء، هذا بالنسبة لحكم الرياء.
لكن ما حكم العبادة إذا اقترن بها الرياء؟ وهذا مهم جداً !
نقول: إن اقترن الرياء بالعبادة من أصلها فهي باطلة لا تقبل من الإنسان لا فريضة ولا نافلة لقول الله تعالى في الحديث القدسي: ( أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه ) ، حتى لو كانت صدقة: إنسان مثلاً رأى الناس يتصدقون فقام يتصدق مراءاة، نقول: هذا إيش؟
غير مقبول. أو صلاة، رأى الناس مثلاً ينظرون إليه فقام يصلي هذا لا تقبل، لا تقبل صلاته.
طيب فإن رآءى في وسط العبادة بأن زين صلاته، ولكن أصل العبادة لله فهل تبطل العبادة أو يبطل الثواب الحاصل بتحسينها ؟
الثاني، هذا مقتضى العدل، مقتضى عدل الله عز وجل أن يحبط العمل الذي حصل فيه الرياء، وأما الأصل فلا يحبط عمله لأنه فعله لله.
-أرجو الانتباه- الآن إذا كان الرياء مشاركاً للعبادة من أصلها فهي ؟
الطالب : باطلة .
الشيخ : باطلة، طيب، إذا طرأ عليه؟
يعني أن الرجل قام يصلي لله لكن لما رأى الناس حوله شعر بأنه يصلي رياءً طرأ عليه الرياء في أثناء العبادة فهل تبطل العبادة ؟
نقول في ذلك تفصيل:
فإن كانت العبادة يتعلق آخرها بأولها بطلت، وإن كان لا يتعلق آخرها بأولها لم تبطل.
مثال الأول: الصلاة، طرأ الرياء عليه في أثناء الصلاة يبطلها كما لو أحدث في أثناء الصلاة فإنه إيش ؟
يبطلها، فهنا وجد المفسِد في أثناء الصلاة والصلاة آخرها يتبع أولها، فنقول: إن الصلاة كلها باطلة.
أما إذا كان لا ينبني آخرها على أولها فإنه يبطل ما حصل فيه الرياء فقط، كرجل أعدَّ ألف ريال للصدقة، وتصدق بخمس مائة بنية خالصة ثم طرأ عليه الرياء حين الصدقة بما بقي فما الذي يبطل؟
الطالب : الثاني .
الشيخ : الثاني ، الأخير أما الأول فلا يبطل لأنه وقع بإخلاص.
جاء وقت السؤال الآن .
إذا عرف المسلم من نفسه حسن إخلاصه في عبادة ما ثم جاءه الرياء من الشيطان ولكنه لم يدافعه ولم يلتفت إليه فترك الوساوس اعتمادا على صدقه مع الله فهل يضره ذلك ؟
الشيخ : هذا السؤال مهم وهو أن الشيطان يأتي إلى الإنسان ويقول: إنك مراء قبل أن يبدأ بالعمل لئلا يعمل، فتجد بعض الناس يمتنع من قراءة القرآن يقول له الشيطان هذا مرائي، أو يمتنع من الصلاة أو من الصدقة خوفاً من الرياء ، هذا لا يجوز للإنسان أن يدع العبادة من أجل ذلك ، بل يعتمد على الله عز وجل ويتلهى عن ذلك وهو مخلص لله تعالى في هذا.
ثم إنه إذا دافع الرياء بقي ، يعني لو طرأ عليه ودافعه فإن ذلك لا يضره بل له أجر على مدافعته، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الذي يقرأ القرآن ويتتعتع به وهو عليه شاق قال له أجران ، لكن إذا كان لم يدافعه ولم يبالي به ، لا دافعه ولم يبالي به هذا أيضاً لا يضر لأنه لم يؤثر عليه ولكن ما تقول في رجل يدافع الوسواس بالرياء يعني ورجل آخر لم يطرأ عليه الرياء إطلاقاً أيهما أكمل ؟
الطالب : الثاني .
الشيخ : الثاني أكمل ، الدليل هو ما ذكرنا بعضه في الحديث السابق قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( الماهر في القرآن مع السفرة الكرام البررة والذي يتتعتع به وهو عليه شاق ) إيش؟
الطالب : له أجران .
الشيخ : ( له أجران ) لكنه ليس في المنزلة كالأول هذاك أفضل وأرفع .
فالذي يسلم من الرياء لا شك أنه أكمل وأفضل والذي يدافعه ويتلهى عنه لا يضره نعم ، خلص؟
السائل : يا شيخ ؟
الشيخ : نعم ، الحمد لله .
السائل : شيخ أحسن الله إليك ، أخذنا أن الغبطة هي أن يتمنى ما !
الشيخ : نؤجلها بعد ، نعم .
20 - إذا عرف المسلم من نفسه حسن إخلاصه في عبادة ما ثم جاءه الرياء من الشيطان ولكنه لم يدافعه ولم يلتفت إليه فترك الوساوس اعتمادا على صدقه مع الله فهل يضره ذلك ؟ أستمع حفظ
قلنا إن تعليق التمائم شرك أصغر وهذه العلة يمكن أن توجد في كل سبب من الأسباب كالدواء ونحوها ؟
الشيخ : الشيء الذي مضى يا مسعود لا تسأل عنه انتهى .
السائل : قلنا أن التمائم شرك لأن إذا إنسان يظن أنه يعلق تمائم أنه تنفعه وهذه يمكن أن توجد في كل سبب ؟
الشيخ : إيش؟
السائل : هذه العلة .
الشيخ : أعد السؤال ؟
السائل : قلنا أن التمائم شرك ، تعليق التمائم شرك .
الشيخ : نعم شرك أصغر .
السائل : نعم ، وهذه العلة يمكن أن توجد في كل سبب ومسبب كالدواء وغيرها من الأشياء .
الشيخ : هذا يقول : التمائم ليست بشرك ، لأنها لو جعلناها شركاً لكان كل سبب يكون شركاً ؟
نقول: السبب ، الأسباب أو ما يعتقد أنه سبب على ثلاثة أنواع :
النوع الأول: ما دل الشرع على أنه سبب .
والنوع الثاني : ما دلت التجارب على أنه سبب .
والنوع الثالث : ما لم تدل عليه الأدلة الشرعية ولا الحسية بالتجارب .
فالثالث هو الذي يكون شركاً ، لأن الإنسان إذا اعتقد أنه سبب والله سبحانه وتعالى لم يجعله سبباً لا بالتجارب ولا بالوحي فإنه جعل نفسه شريكاً مع الله ، فمثلاً العسل شفاء ، قراءة القرآن شفاء ، بأي طريق علمنا أن القرآن شفاء ؟
الطالب : بالشرع .
الشيخ : بالشرع ، وكذلك العسل ، وكذلك الحبة السوداء .
في أشياء كثيرة لم نعلم عن كونها شفاءً بالقرآن ولكن علمنا ذلك بالتجارب، هذه لا يمكن أن ننكر أنها سبب ونحن جربنها ووجدناها مؤثرة. لكن التمائم لم يأت الشرع بأنها سبب ولم يقل التجارب أيضاً بأنها سبب ولا علاقة بين المرض وبين أن تعلق شيئاً على صدرك أو بيدك، ثم إن الشرع جاء بنفيه ، والرسول عليه الصلاة والسلام قال : ( إن التمائم والتولة شرك ) .
السائل : شيخ أحسن الله إليك ما ضابط موضوع التجربة ؟
الشيخ : التجربة مرتين ثلاث أربع ، نعم .
السائل : الضابط؟
الشيخ : التجربة ، قلت : تكون بالتكرار مرتين ثلاث يعرف .
السائل : لأن بعض الناس يفعل شيئاً في الرقية أو في نحو ذلك ويقول مثلاً هذا شيء ثابت بالتجربة وقد يكون مرة ؟
الشيخ : ما حصل ، نعم ؟
21 - قلنا إن تعليق التمائم شرك أصغر وهذه العلة يمكن أن توجد في كل سبب من الأسباب كالدواء ونحوها ؟ أستمع حفظ
ما هو الشرك الخفي الأصغر ؟
الشيخ : الشرك الخفي هو: الذي يكون في القلب، الرياء من الشرك الخفي، مثلاً التمائم شرك ظاهر لكنه أصغر، الرياء من الشرك الخفي، لأن ما ندري هذا إنسان يصلي ما ندري هل هو مرائي ولا غير مرائي، فالخفي هو ما كان خافياً على الناس ويجوز أن يكون المراد بالخفي ما خفيت دلالة النصوص على كونه شركاً .
السائل : امتناع الداعي من الدعوة إلى الله عز وجل !
الشيخ : إيش؟
السائل : امتناع الداعي إلى الله عز وجل في أيام الفتنة والهرج هل يعد ذلك كتما للعلم ؟
الشيخ : الذي أرى في أيام الفتنة يجب على الدعاة أن يكرسوا الجهود في الدعوة إلى الحق ، ومن قال في أيام الفتنة تسقط الدعوة ، تزداد الفتنة ، أرى أن الإنسان يدافع عن الحق يدافع لكن لا يهاجم يدافع ولا يهاجم لأن المهاجمة ربما يكون فيها احتكاك : (( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله )) ، لكن يبين الحق ويدعو إليه ويظهره للناس بمظهر حسن وأن نكون إن شاء الله مجبول على قول الحق .
السائل : شيخ !
الشيخ : ها ؟
السائل : شيخ بارك الله فيكم ، سؤال الأخ يقول في وقت الهرج ، يعني القتل يعني إذا كثر القتل وتعرض الداعي إلى قتله مثلاً ؟
الشيخ : لا ما هو هذا ما هو هذا .
السائل : الذي أجبت عنه .
سائل آخر : هذا الهرج .
الشيخ : يقول ما أجبت عنه .
ما حكم من يطيل إذا صلى بالناس حتى يوافق السنة وإذا صلى وحده لم يفلع ذلك فهل يعد هذا من الرياء ؟
الشيخ : لا ، يعني إنسان مثلاً إذا تقدم إماماً شعر بمسؤولية فصلى بالناس كما يصلي الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن لو صلى وحده خفف هذا لا يعد رياءً ، بل هذا ربما يكون من باب أداء الأمانة ، لأنك إذا صليت لنفسك صل كما تشاء طول خفف بشرط أن تنقص عن الواجب ، لكن إذا كان أمامك أناس فاحرص على اتباع السنة ، ولاحظوا أن لكل مقام مقال أحياناً كان الرسول عليه الصلاة والسلام يخفف على خلاف العادة إذا سمع بكاء الصبي أوجز في صلاته ، وأحياناً يزيد مثل قيام الليل ، نعم .
23 - ما حكم من يطيل إذا صلى بالناس حتى يوافق السنة وإذا صلى وحده لم يفلع ذلك فهل يعد هذا من الرياء ؟ أستمع حفظ
ما حكم الاعتقاد في الأسباب ؟
الشيخ : إن ؟
السائل : إن اتخاذ الأسباب إن دل عليها الشرع فهي شرعية ، وإن كانت ليست سببا فهي شركا أصغر .
الشيخ : نعم .
السائل : وإن اعتقد أنها المسببة !
الشيخ : لا سببا .
السائل : اعتقد أنها سببًا
الشيخ : أنها سبب فهي شرك أصغر.
السائل : من اعتقد أنها تنفع من دون الله عز وجل فهي شرك أصغر ؟
الشيخ : نعم أكبر ، لا هذه حتى الأسباب الشرعية أو الحسية إذا اعتقد أنها فاعلة بذاتها فهو شرك أكبر ، هذه لو اعتقد أنها لا تفعل بنفسها اعتقد أنها مجرد سبب ولم يثبت أنها سبب لا شرعاً ولا حساً فهذا شيء آخر.
ذكرنا ضابط الشرك الأصغر ولم نذكر ضابط الشرك الأكبر ؟
الشيخ : إذا عرفنا هذا فكل ما بين الشرع أنه شرك فهو صواب، إذا أخرجنا الأصغر فما سواه أكبر، يعني مثل السجود لغير الله الذبح لغير الله النذر لغير الله الاستغاثة بالأموات وما أشبه هذا ، نعم.
بيان أن الرياء لا يقتصر على العبادة.
من الناس من يرائي بهيأته أو ملبسه أو طعامه أو ما أشبه ذلك ، يعني لا تظنوا أن الرياء في العبادة فقط بل في كل عمل يُنسب به إلى الديانة والعبادة وإن لم يعمل، كل عمل ينسب به أي؟
أي: سببه إلى الديانة والعبادة والزهد فإنه من الرياء، ولذلك يجب على الإنسان -ونسأل الله أن يعيننا وإياكم على ذلك- أن يحرص على هذا، على أن لا يرائي بعمله الدال على العبادة ، لكن لو ترك الشيء هذا مثلاً ترك اللباس الجيد والمركوب الجيد تواضعاً لله عز وجل فلا بأس به تواضعاً، تواضعاً بشرط لا لأن ينجح عند الناس فلا بأس به .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( آية المنافق ثلاثٌ؛ إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان ) متفقٌ عليه، ولهما من حديث عبد الله بن عمرو ( وإذا خاصم فجر ).
آية أي: علامة، لكن الآية لا تطلق إلا على العلامة الدالة دلالة لا إشكال فيها، وذلك لأن الدليل قد يكون دالاً على المدلول دلالة ظَنية، لكن الآية تكون دلالتها إيش؟
قطعية لا يتخلف مدلولها.
( أية المنافق ) المنافق: هو الذي يبطن الشر ويظهر الخير.
من أين هو مأخوذ؟
قالوا: إنه مأخوذ من نافِقاء اليربوع، اليربوع دويبة أكبر من الفأر قليلاً، ولكن أرجلها طويلة وأيديها قصيرة، هذه الدويبة أعطاها الله تعالى ذكاءً: تحفر لها بيتاً في الأرض جُحراً وتجعل له باباً، ثم إذا انتهى إلى ما تريد حفرته صاعدة إلى ظهر الأرض حتى إذا لم يبق إلا قشرة رقيقة توقفت لفائدة وهي: أنه إذا هاجمها أحد من باب الجحر خرجت من عند هذه القشرة الرقيقة، هكذا المنافق (( إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم )) : فلهم بابان، لهم وجه مع المؤمنين ووجه مع الكافرين.
إذن المنافق بالمعنى العام: كل من أبطن شراً وأظهر خيراً، أما بالمعنى الخاص: الذي هو النفاق الذي يكون صاحبه في الدرك الأسفل من النار فهو إبطان الكفر وإظهار الإسلام، ولم يكن مَعروفاً إلا بعد أن ظهر الإسلام واعتز المسلمون في بدر وصارت الغلبة، بزغ نجم النفاق -والعياذ بالله- فصار الواحد إذا لقي المؤمنين يقول: آمنا وصدقنا ومحمد رسول الله، ويأتون إلى الرسول ويقولون: نشهد إنك لرسول الله، ويذكرون الله لكن لا يذكرون الله إلا قليلاً.
( آية المنافق ) أي: علامته، ( ثلاث : إذا حدث كذب ) حدث أي: أخبر عن أمر واقع أو أمر سيقع ( كذب ) أي: أخبر بالشيء على خلاف وجهه، هذا هو الكذب الإخبار بالشيء على خلاف وجهه.
( وإذا وعد أخلف ) : إذا وعد أخلف يعني: إذا وعد إنساناً بشيء أو على شيء أخلف ولم يفِ .
( وإذا ائتمن خان ) : سواء ائتمن على النفس أو على المال أو على العرض فإنه يخون.
والخيانة هي : أن يتوصل إلى الشيء على وجه خفي فإن كان بحق فهو مكر وليس بخيانة .
وإن كان بغير حق فهو خيانة ، ولهذا المكر ليس مذموماً ولا ممدوحاً، والخيانة مذمومة على كل حال، المكر إذا كان في موضعه فهو مدح، ولهذا أثبته الله لنفسه ولم يثبت الخيانة فقال: (( ويمكرون ويمكر الله )) ، وقال ذلك بأنهم : (( فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم )) ولم يقل: فخانهم ، لأن الله لا يوصف بالخيانة، إذ أن الخيانة هي : الخديعة في موضع الائتمان، والمكر هو : الخديعة في غير موضع الائتمان، أفهمتم الفرق ؟
ولهذا صار المكر في محله كَمالاً.
هذه علامات المنافق فيه علامة رابعة لم تذكر في هذا الحديث وهي: ( إذا خاصم فجر ) إذا خاصم فجر.
27 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( آية المنافق ثلاثٌ؛ إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان ) متفقٌ عليه، ولهما من حديث عبد الله بن عمرو ( وإذا خاصم فجر ). أستمع حفظ
فوائد حديث :( آية المنافق ثلاثٌ ... ).
الكذب في الحديث، وجه ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل ذلك من علامات النفاق محذراً أمته من ذلك، وظاهر الحديث أن الكذب محرم على أي صورة كانت، أي صورة كانت فهو كذب .
وقسَّم بعض الناس الكذب إلى قسمين:
كذب أبيض، وكذب أسود، ولا شك أن هذا التقسيم باطل، والصواب أن الكذب كله أَسود، لكن ما يُظن أنه كذب وليس بكذب هذا لا يكون كذباً كالتورية مثلاً الذي حصل مِن ابراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام فإن هذا ليس بكذب في الواقع، لكنه كذب صورة فيما يظنه السامع، وهو حقيقة ليس كذباً.
طيب يشمل الكذب هنا: الكذب في الخصومة بأن يدعي الإنسان ما ليس له أو ينفي ما عليه، فإن هذا كذب.
يشمل الكذب ليضحك به الناس، وما أكثر هذا بين الناس، يأتي بقصة كذب ما لها أصل لكن من أجل أن يضحك الناس وقد جاء في الحديث : ( ويل لمن حدث فكذب ليضحك به القوم، ويل له ثم ويل له ).
طيب واعلم أن الكذب يطلق في اللغة العربية على الخطأ، وإن لم يتعمده الإنسان، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( كذب أبو السنابل )، أبو السنابل ابن بعكك مر على سبيعة الأسلمية وقد مات زوجها ونفست بعد موت زوجها بليال قصيرة، نفست يعني: وضعت حملها ، فجعلت تتجمل للخطاب فمرَّ بها أبو السنابل ونهاها عن ذلك ، وقال: إنه لا يمكن أن تتزوجي حتى يمضي عليك أربعة أشهر وعشرا، فلفت عليها ثيابها وذهبت إلى النبي عليه الصلاة والسلام تسأله، وأخبرته بما قال أبو السنابل بن بعكك فقال: ( كذب أبو السنابل ) : كذب أي أخطأ ، لأن أبا السنابل ما تعمد الكذب ولكنه أخطأ في كونه أخبرها بحكم ليس شرعياً.
ومن فوائد هذا الحديث: تحريم إخلاف الوعد، وجهه: أنه مِن آيات النفاق، وظاهر الحديث أنه لا فرق بين أن يكون في إخلاف الوعد ضرر على الغير أو لم يكن.