تحت باب الزهد والورع.
تتمة فوائد حديث :( آية المنافق ثلاثٌ ... ).
ومن فوائد هذا الحديث: تحريم إخلاف الوعد، وجهه أنه مِن آيات النفاق، وظاهر الحديث أنه لا فرق بين أن يكون في إخلاف الوعد ضرر على الغير أو لم يكن، وهذا هو الصواب: أن الوفاء بالوعد واجب، سواء تضمن ضرراً أم لم يتضمن، أما إذا تضمن ضرراً فلا شك في تحريمه، مثل: أن يأتيني رجل يستقرض مني مالاً ليشتري به حاجة سيارة أو بيتاً أو غير ذلك، فيقول لي: أنا الآن ليس عندي شيء، أقول: اذهب لا توفيني إلا بعد سنة، فالآن وعدته أنني إيش؟
لا أطالبه إلا بعد سنة، ولما مضى أشهر طالبته، قلت: أعطني قَرضي، هذا إخلاف ولا لا؟
إخلاف، فيكون حراماً، ولهذا كان القول الراجح: أن القرض إذا أُجل يتأجل وأنه لا يجوز للمقرِض أن يطالب به حتى يتم الأجل.
وذهب كثير من العلماء إلى أن الوفاء بالوعد ليس بواجد بل هو سنة، لكن لا وجه لما قالوا، وكيف نقول: إن الكذب حرام والإخلاف ليس بحرام مع أن الحديث واحد وهو آية النفاق ؟!
ومن فوائد هذا الحديث: الرد على أولئك الذين يتبجحون بالغربيين ويقولون: هم أهل الوفاء بالوعد وإذا أراد أحدهم أن يؤكد الوفاء قال: وعد إنجليزي، سبحان الله!! يعني: الإنجليز هم أهل الوفاء والمسلمون ليسوا أهل الوفاء، وهذا نعم هو واقع من بعض المسلمين نسأل الله الهداية لنا ولهم، واقع أن بعض المسلمين لا يهمه أن يوفي بالوعد أو لا سواء كان على ضرر بأخيه أو ليس على ضرر، لكن كوننا نقول: الوعد إنجليزي هذه غفلة وهضم للإسلام، الوعد الذي لا يخلف هو وعد من؟
الطالب : المؤمن.
الشيخ : وعد المؤمن، والشريعة التي جاءت بالوفاء بالوعد هي الدين الإسلامي، كل الشرائع جاءت بالوعد، لأن هذا من الأمور العامة، إذن الإخلاف بالوعد حرام سواء تضمن ضرراً وصورته إيش؟
الطالب : الدين.
الشيخ : في القرض الذي مثلنا به وله صور كثيرة، أو لم يتضمن ضرراً كما لو أخلفه في موعد على المشي مثلاً: وعد صاحبه قال: سنخرج إلى أطراف البلد للتمشي ووعده فأخلفه هذا قد لا يتضرر به صاحبه فهو حرام لابد أن يفي بالوعد.
الخصلة الثالثة: وهي أشدها وأعظمها : ( إذا ائتمن خان ) : ولم يؤد الأمانة، وهذا يشمل الائتمان على العرض وعلى المال وعلى القول، أي شيء يؤتمن عليه فإنه إذا خانه فهو من المنافقين أو فقد اتصف بصفة من صفات المنافقين.
مثال ذلك: رجل وضع عند آخر دراهم وديعة فاحتاج المودَع إلى هذه الدراهم وأنفقها بناء على أنه سوف يردها على صاحبها ما تقولون في هذا ؟
هذا خيانة، ولا يحل، لو قال: إن صاحبها يأذن لي قلنا: استأذن إذا كنت صادقاً استأذن منه.
إنسان ائتمنك على حديث قال: ترى هذا بيني وبينك، ثم إن هذا المخاطَب أفشى الحديث وأظهره، هذه صفة من صفات المنافقين هذا ائتمن فخان، لكن لو قال: أنا ما خنت لأن الرجل قال: هذا بيني وبينك وهو كذلك، هو حدثني وليس عندنا أحد، لكن لم يقل لي: لا تحدث به أحداً، ماذا نقول؟
نقول: كل إنسان يعرف أن المحدث إذا قال: بيني وبينك فيعني لا تخبر أحداً.
طيب ومن ذلك أيضاً من الائتمان ما ذكره بعض العلماء أن الإنسان إذا صار يحدثك ويلتفت هل حولنا أحد فقد ائتمنك فلا يجوز أن تفشي سره.
ومن الخيانة أن يكون الإنسان عنده أجير استعمله لمدة شهر أو أكثر أو أقل ثم عند المحاسبة خانه ولم يبين له أنه يستحق الأجرة سواء أيام العطل أو غير أيام العطل فهذه أيضاً خيانة.
والمهم أن الخيانة هي الغدر في موضع الائتمان.
بعض الناس يستعمل التورية في كلامه حتى إن كل كلامه تورية فهل ينبغي هذا ؟
الشيخ : إيش ؟ تورية !
السائل : حتى إنك لا تعتمد عليه ، كل كلامه تورية يا شيخ ، فهل ينبغي في حق الطلبة؟
الشيخ : التورية في الواقع ثلاثة أقسام :
تورية الظالم : فهذه حرام ولا إشكال فيها ومنه قول المدعى عليه : والله ما له عندي شيء ، هذه حرام لا إشكال فيها كيف والله ما له عندي شيء ؟!
يعني اختصم رجلان عند القاضي فادعى أحدهما على الآخر بأن في ذمته له ألف ريال، فقيل للمدعي: أين البينة ؟ قال: ما عندي بينة اطلب يمينه، توجه إليه فقال: والله ما له عندي شيء، ونوى أن ما اسم موصول، يعني والله له الذي عندي شيء ، هذه تورية إذا جعل ما بمعنى الذي فهو صادق الذي عنده شيء ، لكن عند القاضي وعند الخصم على أنها نافية هذه حرام ولا إشكال فيها.
وكذلك كل تورية يكون بها ضرر على المسلم أو إسقاط لحق فهي حرام.
القسم الثاني : التورية في مظلوم، التورية من مظلوم يعني إنسان ظلم فورّى هذا لا بأس به، لأن هذه التورية يريد بها الدفع عن نفسه، هذه لا حرج فيها، مثاله:
الطالب : إبراهيم عليه السلام .
الشيخ : قصة إبراهيم عليه السلام حيث قال للملك: ( هذه أختي ) ويعني بها زوجته ليدفع الظلم عن نفسه .
الثالث : ما ليس بظالم ولا مظلوم فهذه اختلف فيها العلماء :
فمنهم من أجازها ، ومنهم من منعها ، والصواب المنع ، لأنها تؤدي إلى اتهام الإنسان بأنه كذوب ، إذا ظهر الأمر على خلاف توريته قال الناس : هذا كاذب فلم يأمنوه على أي شيء، وهذا الأخير الذي قلته أنه الصحيح هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، أنه لا تجوز التورية إلا لمظلوم فقط فأما الظالم ومن ليس بظالم ولا مظلوم فلا.
طيب هل تجوز للمصلحة ؟
الظاهر إن شاء الله أنها تجوز للمصلحة، مثل: أن يأتي إنسان يسأل عن صديق له وأنت تعرف أنه لو علم به لأمسك بيده وذهب يتسكع في الأسواق بدون فائدة، وهو الآن في مجلس علم، فقلت: فلان ليس فيه ، أو ليس موجوداً المخاطب يظن أنه إيش؟
ليس موجوداً في هذا المجلس، وأنت تريد ليس موجوداً أي: في مجلس آخر، هذا لا بأس به لأن فيه مصلحة .
كذلك أيضاً بعض الناس مثلاً يحب أن لا يفتح بابه لأحد، فإذا قرع الباب أحد يقول أهل البيت: غير موجود ، غير موجود في إيش؟ في البيت ؟
لا، ينوون حجرة معينة، غير موجود يعني في حجرة معينة، هذا جائز لأن فيه مصلحة ، فإذا كان فيه مصلحة فلا بأس به .
إذا كان المقصود بالكذب الإنكار على المخاطب أو الاستهزاء به فما حكم ذلك ؟
الشيخ : مثل ؟
السائل : كقول إبراهيم عليه السلام : (( بل فعله كبيرهم هذا )) ؟
الشيخ : نعم ، هذا المقصود به إفحام الخصم ، المقصود إفحام الخصم والاستهزاء بهم .
الطالب : شيخ انتهى الوقت يا شيخ .
الشيخ : يعني نوع من التورية .
السائل : الوديعة ، لو ودع مالا مثلا فيأخذ من هذا المال ويرده ؟
الشيخ : من قال ؟
السائل : ...
الشيخ : لا لا، هذا فائدة البنوك ، البنوك نعم، لكن لو أبي الربطة هذه أقول خذها جزاك الله خير حطها عندك ما أحد يتصرف فيها، ومن تصرف بها فهو معتدي، ولهذا نحن نقول ونكرر: أن تسمية الدراهم التي توضع في البنك تسميتها وديعة غلط، بل هي قرض، لأن كل وديعة أذنت للمودع أن يتصرف فيها صارت قرضاً .
الطالب : شيخ انتهى الوقت .
الشيخ : انتهى الوقت ؟
القارئ : نقل المصنف -رحمه الله تعالى- : " وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( سباب المسلم فسوقٌ، وقتاله كفرٌ ) متفق عليه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث ) متفقٌ عليه.
وعن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( ما من عبدٍ يسترعيه الله رعيةً يموت يوم يموت وهو غاشٌ لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة ) متفقٌ عليه.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( اللهم مَن ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه ) أخرجه مسلمٌ.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه ) متفقٌ عليه ".
مناقشة ما سبق.
الحمد لله رب العالمين :
سبق لنا أن للمنافقين آيات أي: علامات يستدل بها عليهم ومنها ؟ نعم ؟
الطالب : ذكر في الحديث ثلاثة : ( إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان ) .
الشيخ : أحسنت ، هل في الحديث ما يدل على وجوب الوفاء بالوعد ؟ الأخ نعم !
الطالب : نعم يا شيخ يدل على ذلك.
الشيخ : كيف ذلك ؟
الطالب : لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعله من صفات المنافق .
الشيخ : إيش؟
الطالب : لأنه من صفات المنافقين .
الشيخ : أخبر أن إخلاف الوعد من صفات المنافقين تحذيراً أو إخباراً بالواقع فقط ؟
الطالب : تحذيراً من صفاتهم .
الشيخ : تحذيراً من صفاتهم أحسنت ، هل يلزم الوفاء بالوعد ولو تضرر الواعد ؟
الطالب : نعم ، إذا كان واجبا عليه .
الشيخ : لكن ولو تضرر؟
الطالب : على حسب الضرر، إذا كان ضرر يحتمل بأن يكون ضرر يسير.
الشيخ : يعني إذا كان ضرراً كبيراً فإنه معذور بإخلاف موعده، وإن كان يسيراً فلا بأس، افرض أنه وعد شخصاً الساعة الخامسة وطرأ على بعض عائلته مرض احتاج أن يذهب به إلى المستشفى هل يلزمه الوفاء ويدع المريض ولا يكون هذا عذراً ؟
الطالب : يكون عذراً .
الشيخ : هذا عذراً ، إذا ائتُمن خان من علامات المنافقين، لكن لو أن أحداً من الناس أعطاك وديعة قال: هذه الدراهم احفظها عندك وكنت تطلبه دراهم وقد جحدها، فهل يجوز لك أن تأخذ هذه الوديعة عوضاً عن الدراهم التي لك عنده؟
الطالب : لا يجوز .
الشيخ : لا يجوز ؟
الطالب : لا يجوز ، لأن هذه خيانة في موضع الائتمان .
الشيخ : لا يجوز ، هو جحد دراهم خانني من قبل ؟
الطالب : ولو هو عصى الله فنطيع الله فيه .
الشيخ : هذا ما هو جواب ، هات عندك دليل ؟
الطالب : نعم ، قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك ) .
الشيخ : أحسنت نعم ، ( أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك ). قال العلماء: إنه يجوز لمن وجبت له النفقة على شخص وامتنع من إعطائه أن يأخذ من ماله بلا إذنه، فما مدى صحة هذا القول خالد؟
الطالب : صحيح .
الشيخ : صحيح ، الدليل ؟
الطالب : حديث التي سألت النبي صلى الله عليه وسلم عمن كان يمنع النفقة .
الشيخ : حديث هند بنت عتبة أنها شكت زوجها أبا سفيان إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يعطيها النفقة فقال : خذي !؟
الطالب : بالمعروف .
الشيخ : خذي؟
الطالب : أمرها تأخذ بالمعروف .
الشيخ : تأخذ بالمعروف من مالها ؟
الطالب : من ماله .
الشيخ : قل : تأخذ من ماله بالمعروف ، واضح ؟
إذا قيل ما الفرق بين هذه المسألة وبين الحديث الذي ذكره سامي ؟
الطالب : أنا ؟
الشيخ : إي نعم .
الطالب : أن الرجل هذا ائتمنه على ماله ، أمانة ، وأما الآخر فهو مستلزم لنفقة يجب عليه أن يؤديها ، أما إذا لم يؤديها كان له عليه حق أن يأخذ من ماله .
الشيخ : هذا ما هو بظاهر ، حتى هذا يقول : عليه لي دين وقد جحد وأريد أن آخذ حقي .
الطالب : نقول : أن هذا حديث أد الأمانة خيانة في موضع الائتمان .
الشيخ : نعم .
الطالب : وأما ذاك فلا ، الأمر الثاني : أن حديث هند بن عتبة ليس لها طريق إلا هذا ، وأما ذاك فيؤخذ بطريق أخرى يعني يرفع إلى الحاكم .
الشيخ : إلى الحاكم وهذا يرفع إلى الحاكم !
الطالب : ولكن لما رفعت إلى الحاكم أرشدها إلى هذا الطريق .
الشيخ : المهم هذا يرفع للحاكم ! هذه ما هي علة .
الطالب : ما هي واضحة .
الشيخ : لا ، يقول العلماء رحمهم الله : إذا كان سبب الحق ظاهرًا فلا بأس أن تأخذ من ماله قدر حقها ، كالنفقة الواجبة ، والضيافة إذا نزلت في قوم ولم يضيفوك فلك أن تأخذ من مالهم بغير علمهم ، لأن السبب ظاهر بخلاف الدين فإن السبب غير معلوم للناس ، ولو أبيح للإنسان أن يأخذ قدر حقه ممن جحد دينه لحصل في هذا فوضى ، لكان كل واحد يأخذ من مال الثاني يقول إيش؟
الطالب : لي عليه دين .
الشيخ : لي عليه دين ، أما النفقة والضيافة فهذه أمرها ظاهر هكذا فرق العلماء رحمهم الله، وقالوا : إن مسألة الظَّفر جائزة بشرط أن يكون أن يكون سبب الحق إيش؟
الطالب : ظاهراً .
الشيخ : ظاهراً لا يتهم أحد به .
( إذا خاصم فجر ) وهو الخصلة الرابعة ، معناها محجوب ؟
الطالب : إذا خاصم فجر ؟
الشيخ : نعم .
الطالب : معناه يا شيخ إذا خاصم أحد أو حصل غضب بينه وبين الآخر ، فجر يعني ما كان منه إلا !
الشيخ : إلا الفجور !
الطالب : ما كان منه يعني الصلاح !
الشيخ : سليم ؟
الطالب : هو أن يأخذ الحق بغير حق .
الشيخ : إذا خاصم فجر يعني؟
يعني أخذ ما لا يستحق أو إيش؟
الطالب : الزيادة من الصحيح إلى الظلم ومن الحق إلى الجور.
الشيخ : ما هو ظاهر، نعم ؟
الطالب : أنا شيخ ؟
الشيخ : أنت .
الطالب : يفجر أي: يعني يفشي أسراره، يعني يبطل ما كان بينه وبينه من أسرار أو مما يعني تعاهدا على كتمه وينشرها .
الشيخ : إذا خاصم ؟
الطالب : إي نعم .
الشيخ : هذاك إذا ائتمن خان .
الطالب : إي نعم : معناه ينقص الحق ويزيد في الباطل بغير وجهه.
الشيخ : يعني يأخذ ما لا يستحق ؟
الطالب : نعم ، سواء يعني مادياً أو معنوياً ، يعني ينقص من خصمه حقه ويزيد يعني ما لا يستحق .
طالب آخر : شيخ إذا خاصم فجر: هنا بمعنى كذب إذا خاصم كذب .
الشيخ : طيب .
الطالب : أي مال عن الحق إلى الباطل .
الشيخ : ( إذا خاصم فجر ) : نقول: عشان ما يضيع الوقت، إذا خاصم فجر في الخصومة فادعى ما ليس له أو كتم ما وجب عليه هذا الفجور طيب.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( سباب المسلم فسوقٌ، وقتاله كفرٌ ). متفق عليه.
سباب: مصدر سَبُّ يسُب سباً وسباباً، والمسلم: هو من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والتزم بأحكام الإسلام.
والفسوق: الخروج عن الطاعة مأخوذ من قولهم: فسقت الثمرة إذا خرجت من قشرها.
وقتاله: أي: قتال المسلم كفر، والكفر هو: الردة أو ما يقاربها.
يخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن من سبَّ المسلم فهو فاسق، سِباب المسلم فسوق، أي: إذا سب أحدٌ من المسلمين أخاه فقد فسق أي: انتقل من وصف العدالة إلى وصف الفسق.
وإن قاتله فقد كفر أي: فَعَل فِعل الكافرين، لأنه لا يمكن أن يحمل السلاح على أخيه من كان مسلماً حقاً، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من حمل علينا السلاح فليس منا ).
6 - وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( سباب المسلم فسوقٌ، وقتاله كفرٌ ). متفق عليه. أستمع حفظ
فوائد حديث : ( سباب المسلم فسوقٌ، وقتاله كفرٌ ).
منها: احترام عرض المسلم وجوباً، منها وجوب احترام عرض المسلم، وجه الدلالة أن سبه فسوق، ويستثنى من ذلك ما إذا سبه رداً على سبه فإنه ليس فسقاً، لقوله تعالى: (( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به )).
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( المستبان ما قالا فعلى البادئ منهما ما لم يعتدي المظلوم ) نعم.
ومن فوائد هذا الحديث: أنَّ الفسق دون الكفر، وجه ذلك، أن الفسق صار جزاءً للسب والسب أهون من القتال، وعظم العقوبة يدل على عظم العمل والذنب.
ومن فوائد هذا الحديث: أن قتال المسلم كفر، ولكن هل هو الكفر المخرج عن الملة أو لا؟
نقول: لا، ليس الكفر المخرج عن الملة، والدليل على هذا قول الله تبارك وتعالى: (( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين * إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم )): وهذا قتال صريح، فسمى الله تعالى الطائفتين المقتتلتين إخوة لمن؟
للطائفة التي تصلح بينهما، فدل هذا على أن القتال كفر لا يخرج عن الملة، ولهذا لم يقل: قتاله كفر، قال: كفر، أي: من خصال الكفر، لأنه لا يمكن أن يحمل السلاح على المسلم إلا من كان كافراً.
فإن قال قائل: فما تقولون في قتله؟
قلنا: كذلك القتل أشد من القتال، ومع ذلك لا يخرج به الإنسان من الإيمان، لقول الله تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر )) إلى قوله: (( فمن عُفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان )) فجعل الله المقتول أخاً للقاتل ، وهذا يدل على أنه لا يخرج بذلك من الإيمان .
ذكرنا الآن أن القتل أشد من القتال، وأن القتال أهون، لأن القتال يجوز فيما لا يجوز فيه القتل.
ذكر العلماء -رحمهم الله- : أنه لو اتفق أهل بلد على ترك الأذان أو على ترك صلاة العيد فإنهم يقاتَلون ولكنهم لا يقتلون.
ولو امتنعوا عن الزكاة فإنهم يقاتَلون ولكن لا يقتلون.
ولو بغوا على الإمام وخرجوا عليه فإنهم يقاتَلون ولكنهم لا يقتلون، بمعنى: أننا نقاتلهم حتى نكفَّ شرهم ولكن لا نقتلهم.
الكفار إذا قتلناهم ثم صارت لنا الغلبة عليهم فلنا أن نقتل مقاتلتهم، أليس كذلك؟!
لكن هؤلاء الذين يقاتلون من المسلمين لا يجوز أن نقتلهم إذا قدرنا عليهم، بل ولا يجوز أن نلحق من ولى منهم وأدبر، ولا يجوز أن نجهز على جريحهم، لأنهم معصومون، وقتالنا إياهم قتال مدافعة ليس قتالاً نريد منهم شيئاً آخر سوى أن ندافع عن أنفسنا.
من فوائد هذا الحديث: تحريم سب المسلم، وتحريم قتاله، والقتال أعظم.
إذا كان كذلك، فإن الفائدة المنهجية في هذا الحديث أن يتجنب بعضنا سب بعض سواء كانت المقابلة وجهاً لوجه، وهذا سب، أو في غَيبته وهذا غِيبة فكلاهما حرام، كلاهما كبيرة من كبائر الذنوب.
وإذا كان كذلك فإنه لا يحل لنا أن يسب بعضنا بعضاً لا في مقابلته ولا في غَيبته، ولاسيما إذا كانوا طلبة علم، فإن الواجب على أهل العلم في هذه الأمور أكثر من الواجب على غيرهم.
وإذا كنا نقول لعامة الناس: إن الغيبة من كبائر الذنوب فإننا نقول لطلبة العلم الذين يغتاب بعضهم بعضاً: إنها من كبائر الذنوب وزيادة.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث ).متفقٌ عليه.
إياكم والظن: هذا من باب التحذير.
والظن: هو اعتقاد شيء ليس له أصل، أن تظن في نفسك شيئاً لا أصل له وهو حديث النفس، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( إن الظن أكذب الحديث ) .
وظاهر الحديث العموم أنه يجب علينا أن نحذر الظن، لكن الآية الكريمة بينت أنه لا يجب علينا أن نحذر جميع الظن حيث قال الله تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا )) إيش؟
(( كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم )) وعلى هذا فتكون هذه الآية مقيدة للحديث، بأن المراد: الظن الذي يكون إثماً.
أما الظن الذي ليس بإثم فلا يجب علينا أن نتجنبه، والظن الذي ليس بإثم هو: أن تقوى القرينة جداً جداً حتى كأن الإنسان يشاهد الشيء ويتيقنه، فهذا لا يحرم لأن هذا أمر يفرضه الواقع، والأمر الذي يفرضه الواقع يشق التحرز منه ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
8 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث ).متفقٌ عليه. أستمع حفظ
فوائد حديث :( إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث ).
التحذير من الظن والمراد إيش؟
الظن الذي ليس عليه قرائن ، فأما ما عليه قرائن فإنه لا يحرم، ولهذا قال العلماء -رحمهم الله-: يحرم ظن السوء في مسلم ظاهره العدالة، قيدوا ذلك: يحرم ظن السوء بمسلم ظاهر العدالة، أما إذا كان ظاهره خلاف العدالة فلا بأس أن تظن به ما يليق بحاله.
ومن فوائد هذا الحديث: أن حديث النفس يطلق عليه الحديث لقوله: ( فإن الظن أكذب الحديث ) وهو كذلك، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم ) ، وهذا الحديث من أعظم الحديث الذي سقته الآن استشهاداً لحديث الباب: ( إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم ) : ما أكثر الأحاديث التي تحدثنا به أنفسُنا فيما يتعلق بالله أو يتعلق بعباد الله أو يتعلق بخاصة النفس! أحاديث كثيرة لكنها والحمد لله لا أثر لها، لأنها مما عُفي عنه.
طيب يأتي الشيطان إلى بني آدم ويحدثهم في ذات الله عز وجل بما لا يليق بالله فهل يأثم؟
لا يأثم ما لم يركن إلى هذا الحديث ويصدق به، فإن ركن إليه وصدق به حُكم عليه بما يقتضيه ذلك، وأما إذا كان مجرد طارئ على النفس ولكنه دافعه أو أعرض عنه فإنه لا يضره.
ومن فوائد الحديث: حسن تعليم الرسول عليه الصلاة والسلام، وذلك أنه لما ذكر الحكم، ذكر العلة، وذكر العلة يقتضي تنشيط النفس على قبول الحكم، لأن الإنسان يطمئن إلى ما يعرف علته أكثر مما يطمئن إلى ما لا يعرف علته، وإن كان تمام العبودية لا يكون إلا إذا استسلم الإنسان لما يعلم عِلته وما لا يعلم.
لكن لا شك أنه إذا ذكرت العلة، ازداد الإنسان طمأنينة، ولا حرج على الإنسان أن يزداد طمأنينة فيما يكون به ذلك، فها هو إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام قال لله تعالى: (( رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي )).
وعن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( ما من عبدٍ يسترعيه الله رعيةً يموت يوم يموت وهو غاشٌ لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة ) متفقٌ عليه.
هذا حديث عظيم يجب على الإنسان أن يكون نُصب عينيه دائماً وأبداً : ( ما من عبد يسترعيه الله رعية ) : هل هذا يختص بالإمام الأعظم أو بمن هو نائب عنه كالوزراء والأمراء أو هو عامٌ ؟
الطالب : عام .
الشيخ : عامٌ، الدليل: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ) : الرجل راع في أهله استرعاه الله عليهم إذا مات وهو غاشٌ لهؤلاء الأهل فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( حرم الله عليه الجنة ). ومن الغش في رعية الناس اليوم نصب هذه الدشوش التي أفسدت العقائد والأخلاق ودمرت الأمم ، فإن الذي ينصبها سيكون عليه وبالها وهو في قبره والعياذ بالله ، ويكون حين مات ميتاً وهو غاشٌ لأهله ولرعيته ، ولهذا يجب الحذر من أن يخلِّف الإنسان في أهله شيئاً محرماً عليهم.
فإن قال قائل: وهل يدخل في ذلك مدير المدرسة؟
الطالب : نعم.
الشيخ : نعم، يدخل في ذلك مدير المدرسة، فإذا مات وهو غاش لمن تحت يده فإن الله يحرم عليه الجنة. طيب يدخل في ذلك المدرس الاستاذ ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : نعم ، إذن عام ، هو في الحقيقة عام ، حتى المرأة في بيت زوجها تدخل في ذلك ، إذا غشت الزوج وصارت تنفق ما لا يحتاج إليه، وتعطي ما لم يأذن لها فيه وما أشبه ذلك فهذا غش، إن ماتت على هذا فإن الله يحرم عليها الجنة.
10 - وعن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( ما من عبدٍ يسترعيه الله رعيةً يموت يوم يموت وهو غاشٌ لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة ) متفقٌ عليه. أستمع حفظ
فوائد حديث :( ما من عبدٍ يسترعيه الله رعيةً ... ).
الفائدة الأولى: أن الأمور كلها بيد الله، وأنه لا يمكن لأحد أن يصل إلى سلطة ما قليلة كانت أو كثيرة إلا بإذن الله، دليل ذلك : ( ما من عبد يسترعيه الله ).
ومن فوائد هذا الحديث: أنه لو تاب هذا الغاش ومات وهو ناصح فإنه لا يلحقه هذا الوعيد ، وعلى هذا فالحمد لله لكل داء دواء.
ومن فوائد هذا الحديث: وجوب النصح على الولي إذا ولاه الله تعالى على رعية وجه ذلك: الوعيد الشديد على هذا.
ومِن فوائد الحديث: أن غِش من استرعاك الله عليه من كبائر الذنوب، وجهه الوعيد، وكل ذنب فيه وعيد في الآخرة فإنه من كبائر الذنوب.
ومن فوائد الحديث: أن هذا الغش كفر، لأنه تحرم عليه الجنة، توافقون على هذا؟ إذا حرمت عليه الجنة أين يكون ؟
الطالب : في النار .
الشيخ : أبداً !؟
الطالب : ظاهر الحديث .
الشيخ : حرمت عليه الجنة يا إخوان !
الطالب : ظاهر الحديث .
الشيخ : ظاهر الحديث هو هذا ، ظاهر الحديث أنه يخلد في النار ولا نعلم أحداً يخلد في النار دائماً إلا إذا كان كافراً .
لكن مذهب أهل السنة والجماعة أن مثل هذه النصوص الوعيدية يحملونها على النصوص الأخرى، ولذلك انقسم أهل القبلة في أحاديث الوعيد والوعد :
فمنهم من غلب جانب الوعد ونسي جانب الوعيد، وقال: كل نص ورد في الوعيد إنما هو في الكافرين، وأما المسلمون فإنه لا يلحقهم.
فالمسلم عندهم مهما عمل من المعصية فإنه لا يلحقه إثم هذه المعصية ولو من كبائر الذنوب وهؤلاء هم المرجئة، وهذا لا شك أنه فتح بابٍ بل كسر بابٍ للعصاة، العاصي إذا اعتقد هذه العقيدة ماذا يصنع ؟
سيعمل أي معصية دون الكفر، ويقول: الحمد لله الإيمان كامل، والإثم مرفوع ولا شك أن هذا باطل.
على العكس من ذلك قوم أخذوا بنصوص الوعيد، وقالوا: إن نصوص الوعيد مطبقة على إطلاقها، وليس فيها تقييد ولا رد للنصوص الأخرى، وهؤلاء هم المعتزلة والخوارج، فقالوا: كل نص وعيد فإنه نافذ، وإذا اقتضى الخلود في النار، فمن عوقب به فهو في النار لا يخرج منها أبداً، وعلى هذا يتنزل ظاهر الحديث الذي معنا الآن: أن مَن مات وهو غاشٌ لرعيته فإنه يخلد في النار، لأنه ليس هناك إلا داران: إما الجنة وإما النار، فإذا حرمت الجنة إيش؟
لزم أن يخلد في النار، وهذان طرفان كلاهما على غير الصواب، والصواب: أن هذه النصوص الوعيدية مطلقة تقيد بالنصوص الأخرى الدالة على أنَّ مَن في قلبه أدنى مثقال حبة خردل من إيمان فإنه إيش؟
لا يخلد، وبذلك نعمل بين النصوص.
واعلم أن هذا هو شأن كل خلاف يقع في الأمة على طرفي نقيض، فإن سببه أن الناظر ينظر من جانب واحد، أي: بنظر أعور، فينظر من جانب واحد ويحمل النصوص على هذا الجانب.
فإذا قال قائل: على مذهب أهل السنة كيف نخرج هذا الحديث وأمثاله؟
نقول: إن دخول الجنة دخولان: دخول مطلق لم يُسبق بعذاب، ودخول مقيد نسميه: مطلق الدخول وهو الذي يسبقه العذاب، فما المراد بالدخول هنا؟ الدخول المطلق يعني: أن الله يحرم عليه أن يدخل الجنة دخولاً مطلقاً لم يسبق بعذاب.
إذن لابد أن يعذب ثم إيش ؟
ثم يدخل، فيكون: ( إلا حرم الله عليه الجنة ) يعني: إلا حرم الله عليه الجنة حتى يعاقبه.
فإذا قال قائل: إذا قلتم هكذا ، فهل تكون مثل هذه النصوص مخصصة لعموم قول الله تعالى: (( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ))، وأن يقال : لمن يشاء إلا من ورد أنه لابد أن يعذب ، ولو لم يكن مشركاً فإنه لا يغفر له؟
نقول: هذا الاحتمال وارد ، وأن نقول: إن النصوص الدالة على تعذيب فاعل شيء من الأعمال تخصص قوله : (( ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء )) ، فيكون المعنى: ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء إلا إيش؟
إلا إذا ورد أنه لابد أن يُعاقب عليه كما في هذا الحديث ، وهذا وجه قوي.
وقال بعضهم: إن هذا الحديث يخصَّص بالآية فيكون هذا مطلقاً ويخصص بالآية ويقال: إن فاعله داخل تحت المشيئة، وعلى هذا التقدير: يعني لو أننا تنزلنا جدلاً لهذا الاحتمال وهو خلاف الظاهر فإننا نقول: وفاعل المعصية التي لا تغفر بالحسنات مخاطر من يضمن أنه يدخل في قوله تعالى: (( لمن يشاء ))؟
الطالب : لا أحد .
الشيخ : هل أحد يضمن؟
لا أحد يضمن، إذن الإنسان مخاطر على كل حال.
ومن فوائد هذا الحديث: إثبات الجنة وهو كذلك، هذا أمر يعني قد يقول قائل: إن قولك من فوائد الحديث إثبات الجنة كقول القائل : السماء فوقنا والأرض تحتنا نعم أو قول الآخر:
" كأننا والماء من حولنا *** قوم جلوس حولهم ماء "
لأن هذا أمر معلوم بالضرورة ؟
فيقال: إن زيادة الأدلة يزداد بها اليقين ، لكن نحن عندنا علم يقيني بوجود الجنة والنار.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه ) أخرجه مسلمٌ.
قد يكون هذا الحديث ضد الأول : ( من ولي من أمر أمتي شيئاً ) : شيئاً نكرة في سياق الشرط فيعم أي شيء يكون، ( فشق عليهم ) أي: حمَلهم ما يشق عليهم .
( فاشقق عليه ) : وهذا الذي دعا بهذا الدعاء مَن؟
الرسول عليه الصلاة والسلام ، وهو دعاء بما تقتضيه حكمة الله عز وجل ، فإن الجزاء من جنس العمل ، فكما أن الإنسان شق على عباد الله فإن الله تعالى يشق عليه، ومن جملة المشقة عليه أن يتمادى فيما يشق على المسلمين لأنه كل ما تمادى بما يشق على المسلمين فإن الله يشق عليه فيكون ذلك من عقوبته والعياذ بالله.
وقوله: ( فشق عليهم ) هذا يستثنى منه المشقة التي أمر بها المشقة التي أمر بها فمثلاً قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( مروا أبنائكم بالصلاة لسبعٍ واضربوهم عليها لعشر ) والضرب قد يشق على الإنسان لكن هذا أمر مما أذن فيه.
وقال تعالى: (( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحدٍ منهما مائة جلدةٍ ولا تأخذكم بهما رأفةٌ في دين الله )) : وهذه مشقة لكنها مشقة مأمور بها ، وثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام : أن الزاني المحصن يرجم، وهذا إيش؟
الطالب : مشقة .
الشيخ : مشقة لكنها مأمور بها، فالمهم أن قوله: ( فشق عليهم ) أي: مشقة لم يُؤمر بها ، أما إذا أُمر بها فإن الله يقول في الزاني والزانية: (( ولا تأخذكم بهما رأفةٌ في دين الله )).
12 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه ) أخرجه مسلمٌ. أستمع حفظ
فوائد حديث :( اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه ).
أنه يندب أو يجب على من تولى شيئاً من أمور المسلمين أن يرفق بهم ما استطاع، لأنه إذا رفق بهم، رفق الله به وإذا شق عليهم، شق الله عليه.
ومن فوائد هذا الحديث: حِرص النبي صلى الله عليه وسلم وشفقته على أمته وجه الدلالة: أنه دعا على من ولي من أمر أمته شيئاً فشق عليهم.
ومن فوائده: أن الجزاء من جنس العمل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يطلب شيئاً أكثر مما عمل هذا الرجل.
ومن فوائده: أنه يجوز للإنسان أن يأخذ بِحقه ممن اعتدى عليه، وجهه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم دعا على من شق على الأمة بأن الله يشق عليه، وذلك لأن المشقوق عليه مِن المولَّى عليهم لا يستطيع الدفاع عن نفسه، لأنه مأمور تحت أمير، ولكن الرسول عليه الصلاة والسلام كفاه المؤونة بماذا ؟
بدعوته لله تعالى أن يشق عليه.
فإن قال قائل: أفلا يحتمل أن الله لا يجيب دعوته؟
الطالب : بلى .
طالب آخر : هو في احتمال في ذلك .
الشيخ : ذكرنا قبل قليل أن هذا مقتضى حكمة الله عز وجل، فإذا كان الرسول دعا بما تقتضيه الحكمة فإننا نعلم أنه سيجاب ، لأن هذا مقتضى حكمة الله عز وجل ، وإلا فمن المعلوم أن كل شيء دعا به الرسول يحتمل أن يجاب ويحتمل ألا يجاب ، لكن أولاً: أن الأصل هو أن الرسول مجاب الدعوة .
وثانياً: أنهه إذا كان هذا الدعاء تقتضيه حكمة الله فإنه سيجاب بناء على اقتضاء الحكمة .
السائل : ما فهمت السبب الظاهر وغير الظاهر ؟!
الشيخ : إيش ؟
السائل : في القرض .
الشيخ : أقرضتك ألف ريال أليس كذلك؟
نعم ، سمعتموه ما يقول؟
الطالب : نعم .
السائل : ...
الشيخ : لا أقرضتك الآن ، في مجلس كبير ، أقرضتك ألف ريال وجحدت ، ما عندي لك شيء هل هؤلاء يعلمون أني أقرضتك؟
لا إذن سبب وجوب ألف ريال في ذمتك خفي ولا ظاهر ؟
السائل : خفي .
الشيخ : خفي .
رجل نزل ضيفاً على قوم ، والضيف له حق الضيافة فلم يضيفوه السبب ظاهر ولا غير ظاهر ؟
وجوب إعطاءه ضيافته ظاهر ولا لا ؟ هذا هو .
الرجل مثلاً لم ينفق على زوجته أو لم ينفق على أبنائه ، وجوب النفقة على هذا الرجل ظاهر ولا غير ظاهر ؟
الطالب : ظاهر .
الشيخ : نناقش أخونا الذي في ذمته ألف ريال لنا والحمد لله .
السائل : ...
الشيخ : نعم ؟
السائل : قد يكون أعطاه لكن يقول ما أعطاني !
الشيخ : هو هذا شيء بينه وبين الله، بينه وبين الله الضيف ربما يعطيه صاحب المحل الضيافة ويكرمه ثم يأخذه ويقول ما أعطاني هذا شيء ثاني الكلام على الي بينه وبين الله نقول : يجوز للضيف أن يأخذ مقدار ضيافته ، لأن السبب ظاهر .
لكن هنا مسألة لو أن امرأة عند زوجها ولها يعني أشهر أو سنوات ثم لما فارقها قالت : إنه في كل هذه المدة لم ينفق عليّ، هل نقبل دعواها ونقول : الأصل عدم الإنفاق ، أو نقول لا نقبل الدعوة ؟
الطالب : لا نقبل .
الشيخ : من العلماء من قال : إننا نقبل دعواها لأن الأصل عدم الإنفاق ، ولما كانت الحال بينهما سائرة جيدة كانت راضية وساكتة ، ولما حصل الفراق وسوء التفاهم تريد أن تطالب بحقها فالأصل هو عدم الإنفاق.
لكن القول الثاني يقول : هذا أصل الأصل عدم الإنفاق، لكن ما الظاهر؟ الظاهر الإنفاق، رجل نشاهده كل يوم يدخل بأكياس الخبز وكراتين اللحم وما أشبه ذلك ثم نقول لا ينفق ، هذا بعيد ، والصواب في مثل هذا أننا نغلب الظاهر على الأصل ، وأنتم تعرفون أن الأصل والظاهر قد يتصارعان فنغلب أحياناً الأصل ونغلب أحياناً الظاهر ، نعم يا سليم ؟
السائل : عفا الله عنك ، ذكرت ... بين والظن يا شيخ .
الشيخ : إي مبنية على أصل، والظن المبني على أصل قلنا أنه لا بأس جائز.
السائل : ...
الشيخ : إي بس عاد لا تسرف أخشى أن الإنسان إذا أسرف لو يجد إنساناً يعني وجه في أصل الخلقة ليس ذاك الوجه النير وترى هذا والعياذ بالله قد اسود وجهه من المعاصي كما اسود قلبه ما يصير .
السائل : شيخ إذا أقر أن له شيء وأبى أن يعطيه فهل له بالظَّفر ويكون ظاهر ؟
الشيخ : لا مو بظاهر ، هل كل الناس يعرفون أنه مدين له ؟
السائل : لا ، لكن هنا أظهر .
الشيخ : لا ، الأصل أنه يأخذ المال ويقول هذا مالك ولكن ماني معطيك إياه ، هذا لا بأس أن تأخذ ، يعني لو قال هذا مالك عين مالك تأخذه ، أخذ عين مالك ممن سرقه أو غصبه أمر جائز.
ما ضابط ما يكون سبا في الشجار الذي يقع بين الناس لأن بعضهم إذا قيل له لا تسب قال أنا أذكره بما فيه ؟
الشيخ : هو ذكر الإنسان بما يكره إن كان بحضوره فهو سب ، وإن كان في غير حضوره فهو غيبة .
السائل : ولو كان فيه ؟
الشيخ : هذا الضابط ، ولو كان فيه نعم .
14 - ما ضابط ما يكون سبا في الشجار الذي يقع بين الناس لأن بعضهم إذا قيل له لا تسب قال أنا أذكره بما فيه ؟ أستمع حفظ
ما ضابط التعزير ؟
الشيخ : إيش؟
السائل : أن السباب قد ينفع .
الشيخ : أن السباب قد يكون نافع ؟
السائل : نعم .
الشيخ : نعم .
السائل : فما التوجيه ؟ هل هذا يقبل مثلا من المدرس ؟
الشيخ : هذه قد تكون عقبوة هذه عقوبة ، مثلاً لو أن الإنسان تكلم على ولده، المدرس تكلم على الطالب هذا ما يعد سباب، هذا يعد تربية يعني عقوبة والعقوبة والتعزير تختلف من الناس من يعزر بالكلام ومنهم من يعزر بالمال ومنهم من يعزر بالضرب فهمت ؟
الخجول يعزر بإيش؟
الطالب : بالنظر .
الشيخ : بالكلام ، والبخيل ؟
الطالب : بالمال .
الشيخ : بالمال ، المال لا تحركه وسوي الذي تبيه هذا بالنسبة للبخيل فالناس يختلفون في مسألة التعزير .
هل تجوز غيبة الكافر وسبه ؟
الشيخ : نعم .
السائل : حديث ابن مسعود : ( سباب المسلم فسوق ) هل يفهم منه جواز سب الكافر؟
الشيخ : إي نعم يفهم منه لأن الكافر ليس معصوم العرض ، نعم ، لكن ما لم يكن في ذلك مفسدة ، فإن كان في ذلك مفسدة فلا تسب الكافر ، إذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام لما رأى المفسدة في المفاضلة بين الأنبياء مع ثبوت المفاضلة قال: ( لا تفضلوني على يونس بن متى ) فكيف عاد بالسب!؟
إذا كان هذا الذي ...لا يعطني حقي ولا أعرف أنه لن يعطني حقي إلا لرشوة فهل يجوز أن أرشيه ؟
الشيخ : نعم ؟
السائل : أحسن الله إليك في الحديث الذي أخرجه النسائي قلنا أنه : ( من استرعاه الله رعية ) هذا عام ، فإذا كان مثلاً رجل استرعاه الله رعية في مصالح المعاملات ، وكلما ذهب الإنسان إليه ليخلص له معاملته قال له: غداً ثم غداً ثم غداً ويمكن تستمر أشهر ، وهو يعلم أن هذا الشخص يريد مالاً فإذا أعطاه قال : إني أعطيه رشوة والرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( لعن الله الراشي والمرتشي ) فيأبى أن يخلص معاملته لأجل أن يعطيه هذا المبلغ !؟
الشيخ : إي هذا سؤال مهم ، يقول : إذا كان هذا الذي استرعاه الله عليّ لا يؤدي حقي، لا يعطيني حقي وأعرف أنه لن يعطيني حقي إلا برشوة ، هل يجوز أن أرشيه؟
الجواب: نعم ، وقد نص على هذا أهل العلم، وقال: إن هذه رشوة إنما هي من أجل الوصول إلى الحق أو الدفاع عن النفس .
أحياناً مثلاً يأمر هذا الراعي أن تجلد بدون حق ، ولم تفعل شيئاً متأكدًا لكنه لعداوة شخصية أو ما أشبه ذلك أمر بأن تجلد ، فإذا أعطيته ما تدفع به عن نفسك فلا بأس ، والاثم عليه هو .
وكذلك إذا أعطيته ما تستخلص به حقك فلا بأس والإثم عليه ، وهذه ليست هي الرشوة التي حرمها النبي عليه الصلاة والسلام .
انتهى الوقت ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : نعم .
17 - إذا كان هذا الذي ...لا يعطني حقي ولا أعرف أنه لن يعطني حقي إلا لرشوة فهل يجوز أن أرشيه ؟ أستمع حفظ
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه ) متفقٌ عليه.
إذا قاتل: يشمل القتال الأعظم المؤدي إلى الموت والهلاك، ويشمل القتال الذي دون ذلك، مثال الذي دون ذلك: قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحدٌ أن يجتاز بين يديه فليدفعه فإن أبي فليقاتله ) : ليس هذا هو القتال الذي يؤدي إلى الهلاك ، ( فإن معه شيطان، أو فإنه معه القرين ) .
المهم إذا قاتل قتالاً يؤدي إلى الهلاك وقد أذن له به أو قتالاً دون ذلك فإنه يجب عليه أن يتقي الوجه، لأن الوجه مجمع المحاسن، وفيه ما هو أرق الأشياء كالعينين، فيكون الجناية عليه أو ضربه أشد من ضرب الظهر أو ضرب الصدر أو ضرب العضد أو ضرب الفخذ، أو ما أشبه ذلك .
وقوله: ( فليتق الوجه ) : ورد في أحاديث أخرى غير هذا أن الله تعالى خلق آدم على صورته، يعني على صورة الوجه؟
الطالب : لا .
الشيخ : لا، لا يستقيم، لأنه لو كان كذلك لكان كل المخلوقات خُلقت على صورة وجهه، على صورة إيش؟
على صورة الرحمن عز وجل، وقد أنكر بعضهم حديث الصورة وقال: إنه لا يصح وأنه منكر، لأنه لو كان كذلك، لزم أن يكون الله تعالى مماثلاً للخلق! ( خلق آدم على صورته ) وإذا كان هذا اللازم باطلاً فالملزوم باطل.
وذهب بعضهم إلى تأويله بتأويلات مستكرهة بعيدة ويلزم عليه لوازم باطلة.
وقال بعض العلماء: إما أن يبقى الحديث على ظاهره ويقال: إن الله خلق آدم على صورته، لكن لا يلزم من كونه على صورته أن يكون مماثلاً له بدليل أن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، ومع ذلك فليست مماثلة له .
وقال آخرون: على صورته كقوله: ناقة الله، وبيت الله، وما أشبه ذلك، أي: على صورته التي اختارها عز وجل لهذا البشر الذين منهم الأنبياء والأولياء والأتقياء فاعتنى سبحانه وتعالى بهذا الوجه فأضافه إلى نفسه، أو بهذا الإنسان فأضافه إلى نفسه، ويكون هذا من باب إضافة التشريف، وهذان القولان هما اللذان يتوجهان في الحديث، أما ما سواهما فهو باطل.
18 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه ) متفقٌ عليه. أستمع حفظ
فوائد حديث :( إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه ).
منها: وجوب اتقاء الوجه عند المقاتلة، ويتفرع على هذا جواب سؤال سألني عنه بعض الإخوة في الصباح ، وهو ما يسمى بالملاكمة والمصارعة ، سألني عن الملاكمة وعن المصارعة هل تجوز أو لا ؟
فقلت: أما المصارعة فهي جائزة بشرط ألا تكون على عِوض، يعني: بشرط ألا يقول أحدهما للآخر: إن غلبتني فعلي كذا وكذا وإن غلبتك فعليك كذا وكذا. أما الملاكمة فلا تجوز، ليش؟
لأنها خطيرة، وأخبرني هو أن الملاكمة من قواعدها: أن يكون الضرب على الوجه خاصة.
السائل : نعم.
الشيخ : هذا صحيح ؟
السائل : نعم هو كذلك .
الشيخ : طيب إذا كان على الوجه خاصة فظاهر من الحديث وأنه لا يجوز، فصار محرم من وجهين :
أولاً: أنه يقصد بها الوجه قصداً أولياً وقد نهي عن ذلك.
والثاني: أن فيها خطرًا، لو ضرب هذا الملاكم أخاه على صدره أو على كبده أهلكه، لاسيما وأنهم كما وُصف يأتون بادعاء شديد، وكأنهم يريدون أن يقفزوا بعضهم على بعض.
الطالب : صح .
الشيخ : هكذا ؟
الطالب : صح .
الشيخ : إي نعم إذن معناه هذا خطر .
الطالب : المصارعة كذلك .
الشيخ : المصارعة يتماسكون ويتعاركون .
الطالب : تطور .
الشيخ : كيف؟
الطالب : المصارعة الآن أنواع !
الشيخ : أنواع ؟
الطالب : بالوجه .
الشيخ : يصارعه بوجهه يلكمه كذا ؟!
الطالب : ههههههه يضربون الوجه .
الشيخ : لا الماكمة ضرب كذا بالوجه .
الطالب : وكذلك المصارعة .
الشيخ : على كل حال كل ما أدى إلى ضرب الوجه فهو محرم ، وكل ما صار سبباً يعني خطيراً يمنع الله يقول : (( ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً )) نعم .
ومن فوائد هذا الحديث: أن الوجه هو جمال الإنسان، ولهذا أُمر باتقائه عند المقاتلة.
يتفرع من هذا مسألة الحجاب، الحجاب الآن لا نشك أنه يجب على المرأة أن تغطي وجهها عن الرجال الأجانب الذين ليسوا من محارمها، وأن هذا مقتضى الحكمة، وأنه ليس من مقتضى الحكمة إطلاقاً أن يقال للمرأة: يجب عليك أن تستري قدمك ولا يجب أن تستري وجهك، أيهما أشد فتنة؟
الطالب : الوجه.
الشيخ : الوجه أشد فتنة، وأولى بالستر، والإنسان إذا خطب امرأة ليس يقول: للسفير ابحث لي عن قدمها، وإنما يقول: عن وجهها. أما القدم فهو أمر ثان، صحيح أنه يقصد أن يكون جميلاً لكنه ليس هو الأولى.
أهم شيء الوجه، فكيف يقال: إن الوجه الذي هو محل الرغبة ومحط الفتنة لا بأس من كشفه، وأما القدم فيجب أن تستر كيف تأتي الشريعة بهذا؟
فإذا قالوا: جاءت الشريعة بهذا من أجل أن تهتدي المرأة إلى طريقها قلنا: هذه علة عليلة، لأنه يمكن أن تهتدي إلى طريقها بإيش؟
بالنقاب، تهتدي بالنقاب أو بالخمار تضعه على هكذا على نصف الوجه مثلاً، وأما أن تكشف هذا الوجه فهذا حرام.
ثم إن المرأة في الحقيقة قاصرة، إذا أذن لها بكشف الوجه أتظنون أنها ستقتصر على الوجه بطبيعته؟
أبداً، هي تريد أن تكون زهرة، تدخل على الوجه تحسينات، تحمير شفاة وتشقير حواجب، ومكاييج، وهلم جراً، وهذا شيء مجرب مشاهد، يعني ما هو مشاهد نسمع عنه، نعم نسمع عنه كثيراً، فلو لم يكن من القول بوجوب ستر الوجه إلا أنه سد للذريعة لكان كافياً في ثبوت الحكم.
وعنه رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله أوصيني، قال: ( لا تغضب ) فردد مراراً قال: ( لا تغضب ) أخرجه البخاري.
هذا الحديث كان ينبغي أن يجعله المؤلف أين؟
بعد قوله: ( ليس الشديد بالصرعة ) .
أوصاه الرسول قال: ( لا تغضب )، والنبي صلى الله عليه وسلم يوصي كل إنسان بما يناسب حاله ، وهذا الرجل يظهر والله أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرف أنه سريع الغضب، فلهذا لم يوصيه بتقوى الله، ولم يوصه بترك الكذب، ولم يوصه بكثرة الطاعة، أوصاه قال: ( لا تغضب ) مما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم أن هذا الرجل إيش؟
الطالب : غضوب.
الشيخ : كان غضوباً فقال له: ( لا تغضب ) : ومعنى لا تغضب : ليس أن لا تغضب الغضب الطبيعي الذي لابد لكل إنسان منه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن ينهي عن هذا، وينزه كلامه صلى الله عليه وسلم عن هذه الإرادة!
لكن يريد أحد أمرين: إما أن المعنى لا تسترسل مع الغضب بل اكتمه بقدر الإمكان.
وإما أن المعنى لا تنفذ مقتضى الغضب، أعرفتم؟
الأول: واضح أن الإنسان يسترسل ويزداد غضباً وشيطة.
وأما الثاني: فينفذ مقتضى غضبه، وأما مجرد الغضب فلابد لكل إنسان حي القلب أن يغضب عند وجود السبب ولا يمكن أن يتخلف الغضب.
فإن قال قائل: ما دواء الغضب؟
قلنا: له أدوية:
أولاً: أن يكون الإنسان قوياً يغلب نفسه ولا تغلبه، دليل هذا : ( إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ).
ثانياً: أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي رآه غاضباً قال: ( إني أعلم كلمة لو قالها، لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ).
ومناسبة الاستعاذة عند الغضب ظاهرة جداً، لأن الغضب جمرة يلقيها الشيطان في قلب ابن آدم.
الثالث: أن يتوضأ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الغاضب أن يتوضأ، ووجه ذلك أن الوضوء فيه تبريد الأعضاء، وفيه أن الإنسان يشتغل عن الغضب بعمل ، ما هو العمل ؟
الطالب : الوضوء .
الشيخ : الوضوء ، ربما يكون محتاجاً إلى أن يأتي بالماء ويقرب الإناء وما أشبه ذلك ، وهذا الاشتغال يبرد عليه الغضب ، فصار الوضوء يبرد الغضب من وجهين :
أولاً: ببرودته فيبرد الأطراف والأعضاء التي تكاد تنفجر من الغضب.
وثانياً: أنه يوجب انشغال النفس بهذه الأعمال فيهدأ الغضب.
رابعاً أو خامساً؟
الطالب : رابعاً.
الشيخ : رابعاً: ( إذا كان قائماً فليجلس، وإذا كان جالساً فليضطجع ) هكذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم لأنه إذا تغير حاله هدأ غضبه، فإذا غضب وأحياناً ترى الإنسان إذا غضب وهو جالس من شدة الغضب يقوم، فيقال: إذا غضبت وأنت واقف فاجلس، إن هدأ الغضب فذاك، وإلا اضطجع، ولا شك أن الإنسان إذا فعل ذلك سوف يزول غضبه، لأن هذه الحركات توجب انشغال النفس عن تنفيذ الغضب، هذه أشياء جاءت بها السنة.
هناك أيضاً شيء آخر وهو مغادرة المكان، يعني: إذا غضبت على أهلك فاخرج من البيت حتى يهدأ الغضب، وكم من إنسان إذا بقي في مكانه يخاصم ويضاد فإنه لا يزيد بذلك إلا غضباً لكن إذا انصرف على طول وترك المكان هدأ غضبه.
20 - وعنه رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله أوصيني، قال: ( لا تغضب ) فردد مراراً قال: ( لا تغضب ) أخرجه البخاري. أستمع حفظ
فوائد حديث :( أن رجلاً قال: يا رسول الله أوصيني، قال: ( لا تغضب ) ... ).
حكمة النبي صلى الله عليه وسلم حيث يوصي كل إنسان بما يليق بحاله.
ومن فوائده: أنه ينبغي للمجيب أن ينظر إلى حال السائل فيخاطبه بما يليق بحاله، الإنسان العامي تخاطبه بلغة عامية واضحة ليس فيها تعقيد، لو سألك سائل مثلاً عامي قال: ما تقول فيمن أكل لحم إبل أيصلي بلا وضوء أم لابد أن يتوضأ؟
فقلت لا، لابد أن يتوضأ، هل من المستحسن أن تقول: لابد أن يتوضأ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( توضؤوا من لحوم الإبل )، وقد اختلف العلماء -رحمهم الله- في هذا أله حكمة أم لا؟
فقال بعض العلماء: إنه تعبدي لأن كل حكم شرعي لا نعقل معناه فهو تعبدي.
وقال بعض العلماء: بل فيها حكمة، والحكمة أن الرسول أمر بذلك وامتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم حكمة.
وقال آخرون: بل الحكمة هو أن الإبل خلقت من الشياطين كما جاء في الحديث، وقال آخرون: بل الحكمة أن لحم الإبل يثير الأعصاب ولهذا نهى الأطباء عن كثرة أكل لحم الإبل ممن كان عصبياً ، انتهى الجواب ، إيش يعمل؟
الطالب : ضاع .
الشيخ : ضاع منك الجواب الأول الذي هو محط الفائدة يضيع عليه، فأنت كلم كل سائل بما يتحمله عقله وبما يناسب حاله.
لكن هنا مسألة مهمة وهي أن الإنسان إذا جاءك يسأل ورأيته على معصية ولنفرض أنها حلق اللحية أو إسبال الثوب، فمن المستحسن أن تعرض عليه النصيحة، لأنه جاء إليك كالمضطر، ولأن هذه طريق الرسل، يوسف لما جاءه صاحبي السجن صاحبا اثنين، ماذا قال لهما عند استفتاءهما قال: (( يا صاحبي السجن ءأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار )) وهذه تفوت كثيراً من طلبة العلم ، تجد السائل يسأل وينصرف ، لكن إذا حصل لك فرصة أن تمسك هذا الرجل إن لم يكن عندكما أحد فهذا واضح ، وإن كان عندكما أحد قل له انتظر أو اهمس في أذنه ففي هذا خير كثير وتأثير بليغ، نعم ؟
السائل : شيخ أحسن الله إليك البناء على القرائن وجعلها أصل في الحكم على الناس ؟
الشيخ : طيب ما انتهينا من الفوائد نكمل هذا الحديث .
من فوائد هذا الحديث: أنه يجوز للسائل أن يردد السؤال استثباتاً للأمر لا اعتراضاً عليه، لأن هذا الرجل كان يقول: أوصني يقول: لا تغضب، أوصني لا تغضب، وكأن هذا الرجل استهان بهذه الوصية العظيمة، قال: لا تضغب، كأنه يريد شيئاً آخر، لكن وصاه الرسول بهذه الوصية، فعلى هذا نقول: يجوز أن يكرر السائلُ السؤال إذا كان يترقب جواباً آخر، أما إذا كان لا يترقب جواباً آخر فلا فائدة من إعادة السؤال.
ومنها: أن من الآداب ألا يغضب الإنسان وأن يكتم غضبه، ويكظم غيظه بقدر المستطاع، وكم من إنسان غضب ونفَّذ غضبه وندم، ما أكثر الذين يسألون الآن عن الطلاق ويقولون: نحن طلقنا على غضب، والله أعلم.
السائل : أحسن الله إليك هل العمل بالقرائن يعني يكون مطلقاً يسوغ للإنسان أن يعمل بالقرائن كحكمه على الناس وعلى بعض الأشياء؟
الشيخ : مثل إيش؟
السائل : مثلاً تكون عنده قرينة أن زيد من الناس أكل من حقه شيء فهل يُعمل به مطلقاً أم نقول فيه تفصيل ؟
الشيخ : أما من جهة حقك أنت ... لا تبحث ، أن لا تبحث ، لأنه روى أبو داود عن عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يحدثني أحدٌ عن أحدٍ شيئاً فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر ) ، فالشيء الذي لا ينفعك لا تبحث عنه وتحقق ، حتى لو نقل إليك الأمر أو استنتجت من ملامح وجه الرجل أنه قال فيك شيئاً لا تبحث خليك على جهلك حتى لا يحمل قلبك غلاً على أحد .
وأما المسائل الأخرى فلا بأس أن تفعل ما به يتحقق الأمر فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح خيبر قال لأحد أقارب حُيي بن أخطب : ( أين مال حيي؟ قال يا رسول الله، أو قال: يا محمد أفنته الحروب، قال: سبحان الله العهد قريب والمال كثير أين هو ) : العهد قريب متى ؟
لأن بني النضير لما خرجوا عن المدينة أحالوا أموالهم إلى خيبر، ثم أعطاه الزبير بن العوام قال له اضربه حتى يقر، فمسه الزبير بعذاب ، فقال اصبر ، أنا أدلكم على خربة كان حُيي يحوم حولها ، فذهبوا إلى الخربة وحفروا وإذا مال حيي في نفس الخربة ، وإذا هو قد جعل الذهب في جلد ثور ممتلئاً ، فأخذه النبي عليه الصلاة والسلام .
هنا قال العلماء : أخذوا من هذا : أنه يجوز تعزير المتهم إذا كانت التهمة قوية حتى يقر .
ما هو يمدينا ولذلك إن شاء الله تعالى الليلة المقبلة سنحضر كتاب *جامع العلوم والحكم * الذي عنده نسخة يحضرها من أجل أن نقرأ شرح حديث النعمان بن بشير : ( الحلال بين والحرام بين ) لأن ابن رجب -رحمه الله- تكلم عليه كلام لا أظنه يرى في غيره ، غداً إن شاء الله الذي عنده الي عنده منها نسخة يجيبها.
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجميعن :
نقل المصنف -رحمه الله تعالى-: " عن خولة الأنصارية رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة ) أخرجه البخاري.
وعن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه قال: ( يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا ) أخرجه مسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: ذكرك أخاك بما يكره. قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته ) أخرجه مسلم " .
مناقشة ما سبق.
سبق لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا على من ولي من أمر أمته شيئاً فشق عليهم أن يشق الله عليه فهل هذا مقيد بشيء ؟ نعم ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : بماذا ؟
الطالب : مقيد .
الشيخ : بماذا ؟
الطالب : أن تكون المشقة غير مأمور بها في الدين .
الشيخ : أحسنت أن تكون غير مأمور بها في الدين فإن أمر بها ؟
الطالب : فإن أمر بها فلا شيء عليه .
الشيخ : فليشق عليهم .
الطالب : فيقوم بها .
الشيخ : في آية من القرآن تدل على هذا ؟
الطالب : آية من القرآن ؟
الشيخ : إي نعم .
الطالب : (( ولا تأخذكم بهما رأفة )) .
الشيخ : (( الزانية فاجلدوا )) ؟
الطالب : (( كل واحد منهما مئة جلدة )) .
الشيخ : (( ولا تأذخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر )).
طيب أحسنت هل يشمل هذا من ولي من أمر أمتي شيئاً محمد؟
الطالب : أنا ما حضرت أمس .
الشيخ : ما حضرت ؟ طيب !
الطالب : نعم يشمل .
الشيخ : يشمل كل من تولى شيئاً .
الطالب : نعم يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ) .
الشيخ : يعني حتى الرجل إذا شق على أولاده مثلاً ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : طيب بارك الله فيك ، إذا مات الإنسان الذي استرعاه الله رعية وهو غاش لرعيته ، عقيل ما جزاؤه؟
الطالب : حرم الله عليه الجنة .
الشيخ : حرم الله عليه الجنة ، وهذا يقتضي أن يكون كافراً ؟
الطالب : لا.
الشيخ : لا يقتضي لماذا ؟
للنصوص الأخرى وهو أن الغش لا يخرج من الملة ، إذن كيف يحرم الله عليه الجنة لأنه إذا حرم الله عليه الجنة صار مأواه النار .
الطالب : قال العلماء في مثل هذه النصوص، يقولون الدخول دخولان : دخول مطلق ومطلق الدخول .
الشيخ : نعم .
الطالب : الدخول المطلق هو الذي لم يسبق بعذاب.
الشيخ : الذي لم يسبق بعذاب طيب الدخول المطلق الذي لم يسبق بعذاب ومطلق الدخول هو الذي سُبق بعذاب ثم دخل صاحبه الجنة هذا الذي ما حكم الله عليه الجنة أي النوعين ؟
الطالب : الثاني .
الشيخ : الذي هو ؟
الطالب : الذي هو مطلق الدخول .
الشيخ : مطلق الدخول ؟!
الطالب : الدخول المطلق .
الشيخ : الدخول المطلق حرم الله عليه الجنة أي: منعه منها ليس منعاً دائماً بل أن يكون المنع في الدخول المطلق طيب .
هل يدل هذا على أن الغش من كبائر الذنوب ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : صالح ؟
الطالب : يدل على أنه من كبائر الذنوب .
الشيخ : كيف ؟
الطالب : أن الرسول عليه الصلاة والسلام رتب عليه عقوبة خاصة مما يدل على أنه من كبائر الذنوب .
الشيخ : لأن الرسول رتب عليه العقوبة الخاصة وهي الوعيد بحرمانه من دخول الجنة ، هل هناك أيضاً وعيد آخر على من غش ؟ الأخ ؟
الطالب : أنا ؟
الشيخ : إي نعم.
الطالب : قوله صلى الله عليه وسلم : ( من غشنا فليس منا ) .
الشيخ : قوله ( من غشنا ) وفي لفظ : ( من غش فليس منا ) بارك الله فيك ، الآن في الحديث قال الرسول عليه الصلاة والسلام في الذي طلب منه أن يوصيه قال : ( لا تغضب ) فكيف عدل عن الوصية بتقوى الله التي هي وصية الله في الأولين والآخرين إلى أن قال : ( لا تغضب )؟
الطالب : النبي صلى الله عليه وسلم يوصي بما يناسب المقام والحال .
الشيخ : أحسنت .
الطالب : وأوصى هذا الرجل بما يناسب حاله .
الشيخ : أحسنت ، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام يوصي كل إنسان بما يناسب حاله وتقتضيه حاله ولعل الرسول عليه الصلاة والسلام علم من حال هذا الرجل أنه كان غضوباً فأوصاه أن لا يغضب .
طيب هل نهاه عن الغضب الطبيعي الذي لا بد أن يقع من الإنسان ؟ إيش نهاه؟
الطالب : نهاه عن الغضب الذي يحمل الإنسان إلى ذهاب عقله
طالب آخر : نهاه عن الاسترسال في الغضب وتضييع الواجب .
الشيخ : عن ؟
الطالب : الاسترسال في الغضب .
الشيخ : الاسترسال في الغضب ، صحيح ، أن لا يسترسل الإنسان .
بماذا يداوى الغضب ؟
الطالب : بأمور .
الشيخ : بأمور .
الطالب : منها أولاً : الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم .
الشيخ : أولاً : الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم .
الطالب : ثانياً : الوضوء .
الشيخ : الوضوء ثانياً الوضوء .
الطالب : ثالثاً : إن كان قائماً يقعد وإن كان قاعداً يضطجع .
الشيخ : نعم أحسنت كلها كانت عليه السنة ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : فيها شيء رابع ثبت بالتجربة وهو ؟
الطالب : وهو مغادرة المكان .
الشيخ : مغادرة المكان قبل أن ينفذ شيئاً فإنه إذا غادر المكان برد أو سكت عنه الغضب.
وعن خولة الأنصارية رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة ) أخرجه البخاري.
" عن خولة الأنصارية رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق، فلهم النار يوم القيامة ) أخرجه البخاري " :
خولة امرأة فكيف قبلنا خبرها وهي امرأة والله عز وجل يقول: (( فإن لم يكونا رجلين فرجلٌ وامرأتان )) والنبي صلى الله عليه وسلم جعل شهادة المرأتين بشهادة رجل؟
الجواب: أن هذا من باب الإخبار الديني، والإخبار الديني يستوي فيه المرأة والرجل، حتى لو أن المرأة شهدت بغروب الشمس فإن للصائم أن يفطر، ولو شهدت برؤية الهلال فإن على الناس أن يصوموا وهي امرأة، قالوا: لأن هذا خبر ديني فقبلت فيه المرأة .
يقول عليه الصلاة والسلام: ( إن رجالاً ) : ورجال هذه نكرة في سياق الإثبات ، والنكرة في سياق الإثبات تدل على الإطلاق لا تدل على العموم، فكأنه قال: إن من الرجال، لأن النكرة في سياق الإثبات تدل على الإطلاق إلا في موضع واحد ، إذا كانت في سياق الإثبات على وجه الامتناع فإنها تكون للعموم .
( إن رجالاً بتخوَّضون ) : يتخوضون من الخوض، والخوض هو: الشيء الباطل الذي يتصرف فيه الإنسان تصرفاً أهوج ، كما قال الله تعالى: (( الذين هم في خوضٍ يلعبون )) .
والتخوض في المال نوعان: سابق ولاحق ، فأما التخوض السابق فمعناه: أن يكتسب الإنسان المال من أي وجه كان حلال أو حرام، المهم أن يجمع المال هذا تخوض.
نقول: إنه تخوض سابق على كسب المال.
والتخوض اللاحق هو الذي يكون بعد كسب المال لا يحسن التصرف فيه يتخوض فيه يميناً وشمالاً بالملاهي والملذات وغيرها من الأشياء التي لا تنفع بل هي إضاعة للمال.