تتمة شرح حديث: ( خولة الأنصارية رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة ) أخرجه البخاري.
الشيخ :( بغير حق ) : قوله : (بغير حق ) : الظاهر أنها صفة كاشفة وليست صفةً مقيدة أي: تبين أن كل خوض في المال فإنه بغير حق ، وليست صفة مقيِّدة ، لأنها لو كانت صفة مقيدة لكان الخوض ينقسم إلى قسمين: حق وباطل، وهذا ليس بوارد، التخوض كله باطل، فعلى هذا يكون قوله: ( بغير حق ): صفة كاشفة. والصفة الكاشفة لا تفيد التقييد، وإنما تفيد التعليل، -انتبه- لا تفيد التقييد ولكن تفيد التعليل ، -والمحجوب أظنه غافل، معنا؟ جسماً وقلباً؟- طيب. مثال ذلك (( يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم )): لو جعنا الذي خلقكم والذين من قبلكم صفة مقيدة لكان لنا ربان: أحدهما: خلقنا والذي من قبلنا، والثاني: لا، ولكنها صفة كاشفة، أي: مبنية للواقع، وتفيد إيش؟ التعليل، أي: من أجل كونه هو الخالق يجب أن تتقوه . ( في مال الله ) قوله: ( في مال الله ) قد يقول قائل: إن المراد به التخوض في الأموال الشرعية كالزكاة والغنيمة والفيء والخراج وما كان في بيت المال، نقول: هذا احتمال وارد لا شك، احتمال وارد ، والتخوض في هذه الأموال أشد من التخوض في مال الفرد الحر، لأن التخوَّض في مال الفرد الحر، يمكن للإنسان أن يبرأ منه بطلب المسامحة أو المعاوضة أو ما أشبه ذلك، لكن المشكل أن يتخوَّض في مال عام كأموال الزكاة والغنيمة والفيء وما أشبه ذلك، أقول: إن هذا وارد أن يكون قوله: ( في مال الله ) أي: الأموال الشرعية. ويحتمل أنه عام كما في قوله تعالى: (( وءاتوهم من مال الله الذي آتاكم ))، وهذا ليس المراد به الأموال الشرعية، الأموال المكتسبة وعلى هذا فيكون قوله: في مال الله: يشمل أجيبوا؟ جميع الأموال الشرعية والمكتسبة. يقول : ( فلهم النار يوم القيامة ): وهذا وعيدٌ، والجملة هنا مربوطة بالفاء، فلماذا، جابر، لماذا ؟ الطالب : سبقت بإن. الشيخ : سبقت بإيش؟ الطالب : بإن. الشيخ : بإن، وعلى هذا تقول إن زيداً فهو قائم ! ها ؟ الطالب : ... الشيخ : إي نعم لكن لماذا قلتَ: بالفاء وهي خبر إن ، الجملة هنا الإسمية خبر إن ، فلماذا قرنت بالفاء ، لأن ، نعم ؟ الطالب : شيخ تتبيعية . الشيخ : إيش ؟ الطالب : تتبيعية . الشيخ : لا ، لا ، هذه متصلة بالي قبلها . الطالب : شيخ التي قبلها فيها معنى الشرط . الشيخ : إي نعم . الطالب : تفيد العموم . الشيخ : إي نعم فيها معنى العموم ، هذا هو ، المبتدأ إذا صار فيه معنى العموم فإنه يجوز أن يقترن خبره بالفاء طيب .
فوائد حديث :( إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق ... ).
الشيخ : في هذا الحديث فوائد: أولاً: تحريم التخوض في المال وأن ذلك من الكبائر وجه الدلالة ؟ أنه توعد عليه بالنار. يتفرع من هذه الفائدة: أنه يجب على الإنسان حماية ماله من التخوض فيه وهذا بمعنى النهي عن إضاعة المال. ومن فوائده: أنه يَحرم على الإنسان أن يكتسب المال إلا من وجه حلال بحق بناء على أنْ قلنا: التخوض يكون سابقاً ولاحقاً نعم وهو كذلك، فالواجب على الإنسان أن يحتاط احتياطاً تاماً فيما يكتسبه مِن المال، وألا يأخذ كل ما هبَّ ودبَّ بل يتقي الشبهات. ومن فوائد الحديث: إضافة ما بأيدينا إلى ربنا عز وجل لقوله: ( من مال الله ). فإذا قال قائل: أليست الأموال لنا؟ فالجواب: بلى، أضافها الله عز وجل إلينا: (( ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً )) ، (( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ))، لكنَّ إضافتها إلينا إضافةُ تصرف لا إضافةُ خلق وإيجاد، نحن مالكوها نتصرف فيها لكن من اللذي أوجدها وخلقها؟ هو الله عز وجل، ثم إن تصرفنا فيه مقيد، بماذا ؟ بما أذن الله فيه، فليس لنا أن نعمل كما شئنا، طيب إذن وجه الإضافة هنا ظاهر: أن الله هو الذي خلقها وهو الذي رزقنا إياها وهو الذي شرع لنا أن نتصرف فيها كما شاء. ومن فوائد هذا الحديث: أنه ينبغي للإنسان إذا ذكر الحكم أن يذكر العلة لاطمئنان النفس لقوله: ( بغير حق ) . ومن فوائد الحديث: إثبات النار وإثبات يوم القيامة لقوله: ( فلهم النار يوم القيامة ).
وعن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه قال: ( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا ) أخرجه مسلمٌ.
الشيخ :" وعن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما يروي عن ربه : ( يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا ) " : اقتصر المؤلف -رحمه الله- على الشاهد منه، وهنا نبحث هل يجوز للراوي أن يختصر الحديث؟ نقول: أما الراوي الذي أعد نفسه لنقل الحديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام فإنه لا يجوز إلا بشروط . وأما الراوي الناقل كالمصنف مثلاً نقله من الأصل، الأصل هنا موجود، ما هو الأصل؟ صحيح مسلم ، موجود يمكن الرجوع إليه، لكن إنسان يروي الحديث عن شيخه يريد أن ينقله للأمة فهذا لابد أن يتمه ، لكن يجوز حذف شيء منه بشرط ألا يتعلق به ما قبله ، فإن تعلق به ما قبله فالحذف حرام ، ومع ذلك مع قولنا بأنه يجوز حذف الحديث فإن الأولى عدم الحذف حتى لو طال الحديث لو كان صفحة أو صفحتين ، نعم . في هذا الحديث يقول: فيما يرويه عن ربه، فيما يرويه من؟ الرسول عليه الصلاة والسلام. عن ربه هذا منتهى السند وهو الله عز وجل. وهذا الحديث الذي يرويه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه يقول: ( قال الله تعالى ) ، مثل حديث زيد بن خالد الجهني : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم ذات يوم صلاة الصبح في الحديبية على إثر سماء كان في الليل فقال: هل تدرون ما قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: أصبح من عبادي مؤمن وكافر ): نسمي هذا الحديث أيضاً من رواية النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه ويسمى عند العلماء : " حديثاً قدسياً "، وهو في مرتبة بين الحديث النبوي والقرآن الكريم . وفيه، أي: في الحديث القدسي: فيه الصحيح وفيه الحسن وفيه الضعيف وفيه الموضوع، أما القرآن فكله صحيح متواتر ليس فيه كلمة ولا حرف إلا وهو متواتر، وهذا من الفروق العظيمة بين الحديث القدسي والقرآن الكريم. يقول جل وعلا: ( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي ) حرمت: أي منعت الظلم على نفسي، ولله تعالى أن يحرم على نفسه ما شاء، وله أن يوجب على نفسه ما شاء، فقد حرم الله على نفسه أشياء، وأوجب على نفسه أشياء، قال الله تعالى: (( كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءاً بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فإنه غفور رحيم ))، قال: ( كتب على نفسه الرحمة ) وهنا نقول: هل هناك شيء واجب على الله؟ أجيبوا؟ الطالب : لا . الشيخ : لا إله إلا الله ، نقول: واجب، في واجب على الله لكن هو الذي أوجبه على نفسه، إذا أوجب على نفسه شيئاً نقول: هو ربنا عز وجل يفعل ما يشاء، فعلى الله واجبات أوجبها هو على نفسه، ولهذا قال ابن القيم -رحمه الله- : " ما للعباد عليه حق واجب " هذا في النونية : " ما للعباد عليه حق واجب *** هو أوجب الأجر العظيم الشانِ كلا ولا عملٌ لديه ضائعٌ *** إن كان بالإخلاص والإحسان " : يعني: لا يمكن يضيع عند الله عمل إطلاقاً بهذين الشرطين إن كان بالإخلاص، وإيش؟ والإحسان يعني المتابعة. المهم، أن الله يوجب على نفسه ما شاء، ويحرم على نفسه ما شاء، ولهذا قال: ( حرمت الظلم على نفسي ) . والظلم يدور على شيئين: إما عدوان، وإما نقص حق، فمن سطا على مالك وأخذه فمن أي القسمين ؟ الطالب : العدوان . الشيخ : العدوان، ومن جحد حقك فإيش؟ الطالب : النقص . الشيخ : فهو من النقص، فالرب عز وجل لا يمكن أن ينقص إنساناً حسنة عملها أبداً، ولا يمكن أن يضيف إليه عقوبة سيئة لم يعملها ، قال الله تعالى: (( ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلماً ولا هضماً )) . ( وجعلته بينكم محرماً ): هذا الشاهد جعلته بينكم أي: بين الناس محرماً حتى بين المسلمين والكافرين؟ الطالب : لا. طالب آخر : نعم. الشيخ : لا ، لا تتعجلوا بارك الله فيكم حتى بين المؤمن والكافر ؟ الطالب : نعم . الشيخ : الظلم حرام. الطالب : نعم. الشيخ : طيب ألسنا نقول للكافر: إما أن تسلم وإلا قاتلناك أو تبذل الجزية. الطالب : هذا ليس ظلمًا . الشيخ : هذا ليس هذا ظلماً، لأننا نفعل ذلك لحق الله لا لحقنا، أما فيما بيننا وبينه من الحقوق فلا نظلمهم، ولهذا يجب أن توفي بعقد البيع بينك وبينه، وبعقد الإجارة بينك وبينه، وبحق الشفعة إلى هذا الحد على رأي بعض العلماء الذي يقول: إن حق الشفعة حق ملك لا مالك، فيقول: إنه لو كان شريكك كافراً، وبعت نصيبك على مسلم فللكافر أن يأخذه بالشفعة، لأن هذا حق ملك لا مالك، على كل حال هذه مسألة نتركها جانباً حتى يأتي وقتها إن شاءالله. الشاهد: أن الظلم محرم بين العباد ( جعلته بينكم محرماً ) حتى بين المسلم والكافر. فإذا وأورد علينا الكافر قال: أنتم ظلمتوني، أنا حر في الدين، حرية الأديان دعوه يكون يهودياً يكون نصرانيا، ما عليكم منه ، ماذا نقول؟ الطالب : حق لله . الشيخ : نقول : هذا حق لله لازم علينا وعليك نحن ما ظلمناك في حقك الخاص إنما عاملناك بما أمرنا الله به وهو ربك وهذا ليس بظلم. ( فلا تظالموا ): أكد هذه الجملة قوله : ( وجعلته بينكم محرماً ) أكدها بقوله ، ( لا تظالموا ) أي لا يظلم بعضكم بعضاً طيب حتى الأب مع ابنه؟ الطالب : نعم . الشيخ : حتى الأب مع ابنه ، -جابر كأن عنده شك - حتى الأب مع ابنه ، هذا هو الأصل يعني: فإذا جاء أنت ومالك لأبيك وأخذ أبوك من مالك ما لا ترضى بأخذه فليس هذا بظلم لأنك أخذته بأمر الله فوجب عليه هو أيضاً أن يستسلم لأمر الله عز وجل . المهم أن الظلم حرام بين العباد حتى بين الأب وابنه والأم وولدها.
فوائد حديث :( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا ... ).
الشيخ : في هذا الحديث فوائد: منها: رواية النبي صلى الله عليه وسلم عن الله رواية النبي صلى الله عليه وسلم عن الله ، فيكون النبي صلى الله عليه وسلم بالنسبة للحديث القدسي كرجل من الإسناد بالنسبة للحديث النبوي. ومن فوائد هذا الحديث: إثبات الكلام لله عز وجل، أن الله يتكلم: من أين نأخذها؟ أنت! الطالب : أنا ؟ الشيخ : إي أنت ، من أين نأخذ من هذا الحديث أن الله يتكلم ؟ الطالب : أن الله قال : ( يا عبادي ). الشيخ : أن الله قال : ( يا عبادي )، وكلام الله تعالى صفة من صفاته يتكلم جل وعلا حقيقة لا مجازاً وكلامه صفة من صفاته، وهل هو من الصفات اللازمة كالعلم والقدرة أو من الصفات اللازم أصلها دون آحادها؟ الثاني، لأن الله يتكلم كما قال أهل السنة يتكلم متى شاء بما شاء كيف شاء يتكلم كلاماً حقيقي مسموع ولا غير مسموع ؟ الطالب : مسموع الشيخ : مسموع، طيب بحرف وصوت ، نعم بحرف وصوت ، ليس كلام الله هو المعنى القائم بالنفس ، لا ، من قال: إن كلام الله هو المعنى القائم بنفسه فإنه لم يثبت كلام الله وإنما أثبت علم الله. والعجب أن مذهب الأشاعرة في هذا الباب مذهب غير معقول يقولون: إن الله يتكلم وكلامه هو المعنى القائم بنفسه، طيب ما سمعه جبريل من الله قال : هذا صوت خلقه الله في الجو فسمعه جبريل، وقالت المعتزلة: كلام الله مخلوق لكنه صفة من صفاته فأي فرق بين المذهبين؟! لا فرق، ولهذا قال بعض المحققين منهم: الواقع أنه لا فرق بيننا وبين المعتزلة فكلنا متفقون على أن ما بين أيدينا من المصحف مخلوق ، كلنا متفقون على أن ما سمعه جبريل من الله مخلوق. نقول: هذا قول باطل أعني: القول بأن كلام الله هو المعنى القائم بنفسه، وأن ما سمعه جبريل أو موسى عليه الصلاة والسلام أو محمد فإنه مخلوق للتعبير عن ما في نفس الله. إذن فيه إثبات كلام الله عز وجل وكلام الله إذا أردنا أن نقوله على سبيل الإجمال صفة من صفاته يتعلق بمشيئته ، متى شاء تكلم ويتكلم بما شاء وكيف شاء. ومن فوائد هذا الحديث: إثبات أن جميع الخلق عباد الله لقوله: ( يا عبادي ) ولا شك أن الأمر كذلك: (( إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا )) كل شيء، (( وللَّهَ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ)) . كلها تسجد لله عز وجل تعبداً له (( تسبح له السماوات والأرض ومن فيهن وإن من شيءٍ )) يعني: ما من شيء (( إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم )) كل الخلق عباد لله عز وجل، لكنه يخاطب من هو مكلف ومن تحمل الأمانة وهو الإنسان. وكذلك الجن هم مخاطبون بالشريعة كالإنس. ومن فوائد هذا الحديث: أن الظلم في حق الله تعالى ممكن لكنه لكمال عدله حرمه على نفسه وجهه أنه قال: إني حرمت الظلم على نفسي ولو كان من الأمور المستحيلة لم يتمدح الله به أن حرمه على نفسه -انتبه- وهذه مسألة مهمة يجب أن نعرف الفرق بين هذا وبين ما قالته الجهمية من أن الله سبحانه وتعالى لا يمكن أن يظلم: الظلم عندهم المحال لذاته، نحن نقول: بإمكان الله تعالى أن يُهدر حسنة عملها الإنسان ولا يثيبه عليها، وبإمكانه أن يضع عليه وزراً دون أن يعمل سيئة، هذا ممكن، لكن لكمال عدله إيش؟ صار ممتنعاً عليه عز وجل، لأنه كامل العدل، أرأيت لله المثل الأعلى، رجل ملك يأخذ من أموال الناس ظلماً بغير حق ثم من الله عليه بالتوبة فترك ذلك يحمد أو لا يحمد؟ يحمد، الرب عز وجل يحمد حيث حرم الظلم على نفسه ولو كان غير ممكن ما كان هناك حمد وثناء على الله تعالى بذلك. ومن فوائد الحديث: أن لله تعالى أن يحرم على نفسه ما شاء، أما نحن فلا نحرم على الله. طيب فإن قال قائل: هل أنتم تجيزون الظلم على الله عز وجل أو تمنعونه؟ قلنا: نمنعه بمقتضى الرحمة والحكمة، لكن نظراً إلى أننا نمنعه بمقتضى صفاته التي اتصف بها أما من حيث العموم فإنه لا شك أنه يمكنه أن يظلم لكنه حرمه على نفسه لكمال عدله وحكمته ورحمته. ومن فوائد الحديث: إثبات النفس لله عز وجل وهذا ثابت لله أثبته هو عز وجل لنفسه فقال تعالى : (( ويحذركم الله نفسه )) وكذلك أنبياؤه أثبتت ذلك فقال عيسى عليه الصلاة والسلام: (( تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك )). وهنا وصف الله نفسه بذلك فقال: ( حرمت الظلم على نفسي ) فهل النفس شيء زائد على الذات أو هي الذات؟ الجواب: هي الذات، ( على نفسي ) أي: عليّ . (( يحذركم الله نفسه )) أي: يحذركم الله ذاته. (( تعلم ما في نفسي )) أي: ما في ذاتي (( ولا أعلم ما في نفسك )) وليس هو صفة زائدة على الذات بل هو بمعنى الذات تماماً وهذا هو مقتضى اللغة العربية ولا يمنعه شرع لا إجماع من السلف. ومن فوائد هذا الحديث: تحريم التظالم بين الناس، لقوله: ( وجعلته بينكم محرماً ). ومن فوائد هذا الحديث: تحريم ظلم الكفار لأنهم داخلون في عباد الله بالعبادة الكونية فظلمهم حرام ، أفهمتم ؟ طيب . إذا قال قائل: ومن اعتدى عليك فاعتديت عليه أتكون ظالماً؟ الطالب : لا . نقول: نقول: هو ظالم بعدوانه، أما أنت فلست بظالم إذا لم تعتد، ولهذا قال النبيعليه الصلاة والسلام : ( المستبان ما قالا فعلى البادئ منهما ) أي: على البادئ منهما إثمه ( ما لم يعتد المظلوم ) : فإن اعتدى صار عدوانه على نفسه. وعن أبي هريرة ، جاء وقت السؤال ؟ السائل : شيخ أحسن الله إليكم ... إطلاق. الشيخ : نعم، إي هو إطلاق صحيح ، الصياغة فيها إطلاق، لكن تشبه العموم من حيث أنه لم تعين شخصاً معيناً، ولهذا جاءت الفاء في خبرها. السائل : الإبهام ؟ الشيخ : إيش ؟ السائل : الإبهام ؟ الشيخ : يحتمل الإبهام فهو قريب من العموم نعم ؟ الطالب : أنا ؟ الشيخ : إي نعم .
السائل : سبق أن المرأة ... ؟ الشيخ : لا ، المرأة يثبت بشهادتها دخول شهر رمضان، ولا يثبت بشهادتها خروجه ، الدليل : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا ) شاهدان فصوموا وأفطروا ، شاهدان : فصوموا وأفطروا ، فلهذا لا تقبل المرأة في ذلك .
ما وجه قول بعض العلماء إنه يجوز سب الكافر واعتيابه لأنه لا حرمة له وهذا الحديث :( إني حرمت الظلم ... ) ؟
السائل : شيخ أحسن الله إليك ما وجه قول بعض العلماء أنه يجوز اغتياب الكافر وسبه لأنه لا حرمة له ، وجمع الحديث ؟ الشيخ : هم قصدهم بذلك إذا سبه تحذيراً من شأنه من حاله ، نعم يا سيلم ؟ السائل : عفا الله عنك بالنسبة لهذا القول يا شيخ ... حتى البهائم ... الشيخ : طيب البهائم غير مكلفات . السائل : كيف ... الشيخ : إنه كان ظلوماً . أظن سليم راح ، أنتم فهمتم شيء من سؤاله ؟ الطالب : لا ، يخبر . الشيخ : كيف ؟ الطالب : أن يخبر . الشيخ : كيف يخبر ؟ نعم ؟
السائل : ضرب الوجه في قتال أكبر وقتال أصغر فهل هذا يدخل فيه قتال الكفار؟ الشيخ : إذا قاتل أحد ؟ السائل : نعم ، في قتال الكفار أيضاً؟ الشيخ : حتى قتال الكفار إذا أمكن أن تتحاشى الوجه فافعل . السائل : شيخ أحسن الله إليكم ، قلنا بأن الظلم عام في الحديث كظلم الوالد لولده . الشيخ : نعم . السائل : هل إذا أخذ نصف مال ابنه ما يكون ظالماً ؟ الشيخ : لا ، ذكرنا قلنا بغير حق ، الحديث مقيد ، وما أذن به الشرع فهو حق . السائل : إذا أخذ شيء زائد عن الحق ؟ الشيخ : ما هو زائد ، بيأخذ نص المال وإذا أخذ النصف ما يتضرر الولد.
الشيخ : لكن طيب لو كان الولد له سرية جميلة شابة وأراد الأب أن يأخذها هل يمكن أن يأخذها ؟ الطالب : لا ، لا يمكن . طالب آخر : تخدمه فقط . الشيخ : نقول : يأخذها ما نقول يتزوجها ، هل يمكن أن يأخذها ؟ الطالب : نعم . طالب آخر : ما يجوز . الشيخ : لا ، يقول العلماء : لأن هذا تتعلق به حاجته النفسية ولا يمكن أن يمكن منها ، وأما مسألة أن يطأها فهذا معروف أنه لا يمكن أن يطأها لأنها من حلال أبنائه . الطالب : شيخ ؟ الشيخ : اصبر ، ولكن نظراً لأنها تتعلق بها حاجته ما يمكن أن يأخذها ، أما لو كان عنده إماء ولكنه لم يطأ واحدة منهن فللأب أن يأخذ منهن ما شاء عرفت ؟ طيب إذا أراد الأب أن يأخذ أواني البيت ، أواني بيت الابن والابن فقير ما يحصِّل ، يمكن هذا يا سليم ؟ الطالب : لا . الشيخ : ليش ؟ الطالب : لتعلق الحاجة ، الابن محتاج له . الشيخ : إي نعم ، لأن الحاجة تتعلق بذلك وربما الضرورة أيضاً نعم؟
قول من يقول إن الحديث القدسي لفظه من النبي صلى الله عليه وسلم ومعناه من الله عز وجل ؟
السائل : أحسن الله إليك : قول من يقول بأن الحديث القدسي لفظه من الله عز وجل ومعناه من النبي صلى الله عليه وسلم ؟ الشيخ : نعم ، هذا هو الظاهر ، بدليل أن ألفاظ الأحاديث القدسية تختلف ، هذا من وجه ، وبدليل أنه ليس معجزاً كالقرآن وأنه يجوز مسه بلا طهارة وأشياء فروق كثيرة ، أنا أرى هذا الرأي لكني أرى أن السلامة أسلم : أن لا تقول أنه كلام الله معنى لا لفظاً ، قل: هو ما رواه النبي عن ربه وبس فقط. السائل : ما يدخل في كلام الأشاعرة ؟ الشيخ : لا لا ، كلام الأشاعرة يقولون : القرآن لفظه من الرسول أو من جبريل والمعنى هو كلام الله ، كل كلام يتكلم الله به حتى إذا أراد شيئاً قال له : كن فيكون هم ما يقولون ، وأما من توهم ذلك فهو واهم ، نقول : هذا الكلام الحديث القدسي لا يثبت له أحكام القرآن أبداً بأي حال من الأحوال ، ليس محفوظاً بل فيه الضعيف والموضوع وفيه المختلف ولم ينقل بالتواتر ، ثم فيه أيضاً علو الإسناد ، إذا قلنا إن الحديث القدسي كلام الله لفظاً صار من حيث الإسناد أعلى من القرآن ليش؟ لأن النبي رواه عن الله مباشرة والقرآن نزل به جبريل على قلب النبي ، وعلى كل حال المسألة هذه أنا رأى منها السلامة ، وإلا أنا أرجح أنه كلام الله تعالى معنى نقله الرسول عن ربه . ويبقى الكلام أليس الرسول يقول : قال الله تعالى ؟ نقول : بلى يقول : قال الله ، نحن نقول : هذا قول الله ، كما أن الله يقول عن فرعون عن موسى قال فرعون قال موسى وهو ينقله بإيش؟ الطالب : بالمعنى . الشيخ : بالمعنى قطعاً ، لأن لغة موسى وفرعون ما هي عربية ، ثم نجد أيضاً أن نفس المعنى يعبر به مثلاً في آية بلفظ وفي آية أخرى بلفظ آخر ، السحرة : (( قالوا آمنا برب العالمين * رب موسى وهارون )) أليس كذلك ؟ الطالب : بلى . الشيخ : في سورة طه ماذا نقل الله عنهم ؟ (( آمنا رب هارون وموسى )) ، فأخر ما قدمه السحرة ، لأنه سبحانه وتعالى ينقل الكلام بالمعنى ، وأيضاً لو لم نقل أنه نقل بالمعنى ، لكان كلام هؤلاء الذين ينقل الله عنهم إيش؟ معجزاً وليس كذلك . على كل حال هذه مسألة نحن نرى أن الحديث القدسي نقله النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه بالمعنى وعبر به هو ، لكني أقول : إن السلامة أسلم ، لا تقل : إنه من كلام الرسول لفظاً نقله بمعناه عن الله عز وجل ، نقول : قل : الحديث القدسي ما يرويه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه ، ودعها ، لا تتكلم بغير هذا ، لأن الصحابة لم يتكلموا بغير هذا ، قالوا : قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه ، وليسعك ما وسع الصحابة ، هذا الذي أقوله أخيراً ، وإن كنت في قرارة نفسي أرى أنه هناك فرقاً بين القرآن وبين الحديث القدسي ، نعم ؟ السائل : شيخ في حديث عبد الله بن عمر : ( وإذا خاصم فجر ) . الشيخ : إيش ؟ السائل : حديث عبد الله بن عمر : ( وإذا خاصم فجر ) . الشيخ : في إيش ؟ وين ؟ السائل : سبق . الشيخ : فيما سبق ، نعم ، فيما سبق ولهما من حديث عبد الله بن عمر هذا في الصواب . السائل : عبد الله بن عمرو ! الشيخ : ابن عمرو، وكذلك عندي في النسخة طبعتها هندية يقول : ابن عمرو ، أجل صححوا . السائل : عندي ابن عمرو . الشيخ : ها ؟ السائل : عندي ابن عمرو . الشيخ : ابن عمرو ، زين الذي عنده ابن عمرو فجيد. السائل : شيخ ؟ الشيخ : نعم ، طيب ! السائل : إذا أخذ الأب مالا من ابنه فأعطاه لغيره ؟ الشيخ : يعطى ولداً آخر ، ليعطيه ولداً آخر ، ما هو ليعطيه غيره ! السائل : ليعطيه ولدا آخر . الشيخ : كلها صحيح ، يعني إذا أعطاه ولداً آخر فهذا من باب إيقاع العداوة والبغضاء بين الأولاد . خمس دقائق انتهت . السائل : نعم .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( أتدرون ما الغيبة؟ ) قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ( ذكرك أخاك بما يكره ) قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: ( إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته ) أخرجه مسلمٌ.
الشيخ :" وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( أتدرون ما الغيبة؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ) " : ( أتدرون ) : أي: أتعلمون، والاستفهام هنا استفهام استعلام يعني: يسألهم، لكن المراد به أن ينتبهوا، وإلا فالرسول يعلم عليه الصلاة والسلام أنه لا علم لهم بمثل هذه الأمور الشرعية، أو يعلم أنهم يعلمونها لكن أراد التقرير، والتنبيه. ( ما الغيبة ) : الغيبة: فِعلة من الغيب وليست كما ينطقه بعض الناس الغَيبة بالفتح هذا لحن مخل للمعنى ، والمراد: الغِيبة يعني: الفِعلة من الغيب وهي الهيئة. ( قالوا الله ورسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكره ) : اللهم صل وسلم عليه، هذه كلمة جامعة مانعة. يقول الصحابة: الله ورسوله أعلم: يعني: أعلم منا وهذا الواجب على كل من لا يعلم أن يقول: الله ورسوله أعلم ، وهنا إشكال في قوله : الله ورسوله ، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي قال: ما شاء الله وشئت قال: ( أجعلتني لله نداً ) حيث أتى بالواو. فالجواب أن يقال: الأمور القدرية لابد أن تأتي بما يدل على الترتيب والأمور الشرعية لا تحتاج إلى أن تأتي بما يدل على الترتيب، لأن ما شرعه الرسول فهو ما شرعه الله ، (( من يطع الرسول فقد أطاع الله )) ، ولهذا قال تعالى في الإتيان الشرعي: (( ولو أنهم رضوا ماءتاهم الله ورسوله ))، هذا إتيان شرعي لا بأس ، لكن أمر كوني لا يمكن أن يشرك الله مع غيره بالواو أبداً مثل ما شاء الله وشئت . وقوله: ( الله ورسوله أعلم ) أعلم : هل هي اسم تفضيل أو اسم فاعل؟ الطالب : اسم تفضيل. الشيخ : اسم تفضيل، وهل هي على بابها أو بمعنى عالم؟ نقول : هي على بابها ، والعجب أن بعض العلماء -عفا الله عنا وعنهم- يفسرون أعلم المضاف إلى الله بعالم، فيقولون في قوله تعالى: (( الله أعلم حيث يجعل رسالته )) يقولون معناها: الله عالم حيث يجعل رسالته، لماذا؟ قالوا: لئلا يكون بين الخالق والمخلوق مفاضلة، فنقول: سبحان الله ، إذا قلتَ: الله عالم صار بينه وبين المخلوق مساواة، وقلت: الله أعلم صار بينهما مفاضلة أيهما أولى؟ لا شك أنَّ أعلم أولى، فانظر إلى مَن حكَّم العقل ورجع إليه في باب الصفات كيف ينغمس فيما قررناه، فيقال: الله ورسوله أعلم على بابها أنها إيش؟ اسم تفضيل . قال: ( ذكرك أخاك بما يكره ) : الرسول عليه الصلاة والسلام يعني يميل في كلماته الجامعة إلى الاختصار ، ذكرك أخاك هذه مختصرة، وأصلها هي ذكرك أخاك، لأن ذكر هذه خبر لمبتدأ محذوف، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم عبر بها مراعاة للاختصار : ( ذكرك أخاك بما يكره ) : وهنا نسأل عن قوله: ( أخاك ) ما الذي جعلها بالألف أهي على اللغة المعروفة التي يلزم الأسماء الخمسة الألف مطلقاً أم لسبب؟ الطالب : مضاف . الشيخ : مضاف ، خطأ ، نعم؟ الطالب : مفعول به لذكر، مضاف إلى فاعله، أخاك مفعول به . الشيخ : إذن أخاك مفعول به لأي شيء للمصدر ذكر ، فالمصدر هنا مضاف للفاعل وأخاك مفعولٌ به ، ويدلك لهذا أنك لو قلت: هي أن تذكر أخاك تنصبها ولا ما تنصبها؟ الطالب : تنصبها . الشيخ : طيب ، تقول: ضربك زيداً تأديبٌ له، زيداً ويش الذي نصبها؟ الطالب : ضرب. الشيخ : ضرب المصدر المضاف للفاعل، والدليل أنك تقول: أن تضرب زيداً تأديبٌ له. طيب ( ذكرك أخاك ) وهو المسلم . ( بما يكره ) : بما أي بالذي يكرهه، من خِلقه أو خُلق أو عمل، خِلقة مثل أن تقول: هو قصير هو ضخم هو بطين وما أشبه ذلك مما يكره أن يوصف به، أو خُلق : بأن تقول: هذا الرجل سيئ الأخلاق، غضوب، عصبي، انفعالي هذا يكرهه إيش؟ من ناحية التخلق به، أو عمل بأن تقول: فلان فاسق، يتعامل بالربا ويترك صلاة الجماعة، وما أشبه ذلك . فهي إذن ذكرك أخاك بما يكره كلمة عامة بما يكره من خِلقة أو خُلق أو عمل، طيب فقيل له : ( قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ ) : أفرأيت في أخي ما أقول يعني: أني وصفته بما هو متصف به، قال: ( إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته ) : يعني بهته واغتبته ولا بهتان بغير غيبة ؟ الطالب : بهما جميعا . الشيخ : نعم بهذا وهذا، يعني إن كان فيه ما تقول فهذه غيبة ، وإن لم يكن فيه ما تقول فهو بهتان وغيبة. مثال ذلك: رجل قال: فلان عصبي يغضب لكل شيء وهو غير حاضر، هذه غيبة وهو حاضر هذه إيش؟ سب، وهو بريء من ذلك؟ هذه بهتان، نعم بهتان وغيبة إذا كان في غيبته. فإن قيل: هل جرى من الرسول عليه الصلاة والسلام مثل هذا التعبير أن يذكر الأهم ويحذف ما دونه؟ قلنا: نعم، وذلك فيما صح عنه أنه قال: ( ليت أنا نرى إخواننا ، قالوا: يا رسول الله ألسنا إخوانك؟ قال: أنتم أصحابي، وإخواني قوم آمنوا بي ولم يروني ) : آمنت بالله ورسوله، فقال: أنتم أصحابي هل معناه: ولستم إخواني ؟ المعنى: أن صحبتكم أخص مِن الأخوة، لأن الصحابي من اجتمع بالرسول صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ، فكأنه قال: أنتم أصحابي وإخواني أيضاً لكن الذين آمنوا بي ولم يروني هم إخوان وليسوا بأصحاب، هنا فقد بهته ، لأن البهت أعظم من الغيبة، فيكون المعنى فقد بهته مع الغيبة . طيب أخرجه مسلم . فإذا قال قائل : هل الغيبة أو نذكرها في الفوائد نعم .
الشيخ : من فوائد هذا الحديث: أولاً: حسن تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم حيث يلقي المسائل الخبرية بصيغة الاستفهام من أجل استرعاء الانتباه، يؤخذ من قوله الأخ ؟ وين وصلت ؟ الطالب : هنا . الشيخ : لا وين سرحت علم بالحقيقة ! الطالب : ما سرحت . الشيخ : شوف بارك الله فيك كعب بن مالك أخبر بالصدق فيما هو أعظم من هذا أين ذهبت ؟ الطالب : ... الشيخ : إيش ؟ طيب سعد . الطالب : من قوله : ( أتدرون ) ؟ الشيخ : من قوله : ( أتدرون ) وهذا من حسن التعليم أن يلقي الإنسان الكلام على وجه يسترعي الانتباه. ومن فوائد هذا الحديث: حسن أدب الصحابة رضي الله عنهم حيث قالوا: الله ورسوله أعلم، وهذا واجب على كل من لا يعلم أن يقول: الله ورسوله أعلم، يجب وجوباً، لأنه لو اقتحم وأجاب بشيء لا يعلمه صار من القائلين على الله ما لا يعلم، ولهذا قال بعض العلماء: " من العلم أن يقول الإنسان: لا أعلم فيما لا يعلم ". طيب ومن فوائد الحديث: جواز التشريك بالواو بين الله ورسوله فيما كان من أمور الشرع، بخلاف القدر، لأن الربوبية لا يملكها الإنسان في الواقع، ولذلك كان الناس باعتبار عبودية الربوبية كانوا كلهم سواء، الكافر والمؤمن باعتبار إيش؟ عبودية الربوبية التي نسميها: العبودية الكونية. طيب أما الشرع فلا . فإن قال قائل: هل تُعَدُّون ذلك إلى أن يقول الناس: الله والعالم الفلاني أعلم؟ الطالب : لا . الشيخ : في الأمور الشرعية ؟ الطال : لا . الشيخ : لا ، ليش؟ لأن هذا العالم ليس مشرعاً، الرسول عليه الصلاة والسلام يشرع ويقول عن الله ، والعالم ليس بمعصوم ، ولهذا لا يجوز إذا سألك سائل عن مسألة دينية أن تقول : الله والشيخ أعلم، ما يجوز، ليش يا جماعة؟ لأن الشيخ غير مشرع بخلاف الرسول صلى الله عليه وسلم. طيب فإن قال قائل: وهل نقول: مثل هذه العبارة بعد موت الرسول؟ الطالب : في الأمور الشرعية نعم . الشيخ : نقول: ما دام الأمر شرعي فالله ورسوله ولو كان ميتاً صلى الله عليه وسلم أعلم منا بلا شك، وإن كان الآن لا يمكن أن نعرف ما عند الرسول لكن هو أعلم منا بشريعة الله بلا شك. ومن فوائد هذا الحديث: مراعاة الاختصار في الكلام ، العقيلي يبين لنا من أين ؟ الطالب : قوله : ذكرك أخاك . الشيخ : حيث حذف المبتدأ اختصاراً ، لأن الاختصار أقرب إلى الحفظ ، والجمل المختصرة التي تأتيك جمل مختصرة لكن تشتمل على معاني كثيرة يكون لها رونق في النفس وبقاء في النفس أيضاً. ومن فوائد هذا الحديث: الاستعطاف، يعني: استعمال الاستعطاف في الكلام لقوله: ( أخاك ) ، لأنك إذا شعرت بأنه أخاك فلن تغتابه، فهذه من الأساليب الاستعطافية ، انظر إلى قوله تبارك وتعالى : (( والنجم إذا هوى* ما ضلَّ )) إيش؟ (( صاحبكم )) ، الذي تعرفونه . وقال تعالى: (( وما صاحبكم بمجنون )) : فهذه من الأساليب التي تستعطف المخاطب حتى يستقيم. ومن فوائد هذا الحديث: جواز غيبة الكافر لقوله: ( ذكرك أخاك ) ، لكننا إذا قلنا بهذا صار معارضاً لما قررناه في الحديث الأول : ( وجعلته -أي الظلم- بينكم محرماً فلا تظالموا ) ، نقول : لا شك أن غِيبة الكافر ليست كغيبة المسلم وحرمة الكافر ليست كحرمة المسلم، لكن متى كانت غيبته ظلماً فهو داخل في الأول، ووجه ذلك : أن دلالة الحديث الأول بالمنطوق ودلالة هذا بالمفهوم، والمعروف عند العلماء في أصول الفقه أن دلالة المنطوق مقدمة على دلالة المفهوم. طيب من فوائد هذا الحديث: أن الغِيبة أن تذكر أخاك بما يكره ولو كان غيره لا يكرهه، إذا كان هذا الرجل بالذات يكره هذا الوصف الذي تصفه به، وغيره لا يبالي، فهل نعتبر العرف العام أو الخاص؟ الطالب : الخاص . الشيخ : أجيبوا يا جماعة ؟ الطالب : الخاص . الشيخ : الخاص ، ما دام الرسول عليه الصلاة والسلام قال: ( ذكرك أخاك بما يكره ) نعم . بعض الناس يزعل إذا قيل له : والله أنت شايب كبير السن ، يزعل لكن هو في الحقيقة شايب وهذا الواقع ، هو ليش يزعل ما دام أنه يزعل لا تقوله . بعض الناس يقول : العجوز يصف بها الرجل ، أليس هكذا موجود يقول : عجوز أبي عجوز ، أنا أقول أبي عجوز تناقض هذا ، قل: أمي عجوزة ، وأبي شيخ : (( وأبونا شيخٌ كبيرٌ ))(( ياويلتي ءألد وأنا عجوزٌ )) إيش الذي جاب العجوز للرجال الآن ؟! لكن إذا كان يكره أن تقول له: عجوز ما تقول عجوز حتى لو كان الناس متعارفين بينهم بإطلاق العجوز على الشيخ وهو يكره لا تغتابه بهذا. طيب ( ذكرك أخاك بما يكره ). إن قال قائل: نجد في علماء الحديث من يسمى الأعرج والأعمش والأحول وما أشبه ذلك وهذه يكرهونها أو لا؟ الطالب : يكرهونها. الشيخ : نقول: الجواب عن هذا : أن هذا من باب التعريف الذي لا تمكن معرفة المذكور إلا به ، فإذا كان من باب التعريف الذي لا يمكن معرفة المذكور إلا به صار هذه المصلحة راجحة على مفسدة الغيبة على أن الذي يقول ذلك لا يقصد عيبه، وإنما يقصد إيش؟ التعريف به والنية لها آثر في هذا. ومن فوائد هذا الحديث: سعة صدر النبي صلى الله عليه وسلم للمناقشة، من أين تؤخذ ؟ الصحابة لما قال: ( ذكرك أخاك بما يكره ) أوردوا عليه قالوا : ( أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ ) ، وهذا من خُلق النبي عليه الصلاة والسلام أنه يتحمل المناقشة ، لأن المناقشة في الحقيقة تزول بها إشكالات كثيرة ، نعم ، لكن إذا علمتَ أن المناقش متعنت فهل تستمر معه ؟ تبدى معه كما يقولون : " من جرف العدانة " ، لا ، إذا عرفت أنه متعنت فامنعه، لأن الله قال للرسول عليه الصلاة والسلام في الذين يستفتونه من أهل الكتاب متعنتين قال: (( فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم )). طيب ومن فوائد هذا الحديث: أن الغيبة محرمة ولو كان في المغتاب ، وأريد اسم المفعول ما يذكره المغتاب وأريد اسم الفاعل، الكلام واضح؟ الطالب : نعم . الشيخ : ليش؟ لأن كلمة المغتاب ! الطالب : لكليهما. الشيخ : تصلح لهذا ولهذا ، فلابد من أن تبين ، مثل المختار إيش؟ تصلح لهذا وهذا، كيف نقدر المغتاب إذا كان اسم فاعل؟ نقول: المغتيب، صح ، صحيح ؟ الطالب : صحيح . الشيخ : صحيح ، والمختار إذا كانت اسم فاعل: المختير، ونقول في المغتاب إذا كان اسم مفعول : المغتيَب، وفي المختار: المختيَر، هذا هو الأصل، لكن اللغة العربية تأبى عليك هذا تقول: إذا تحركت الياء وانفتح ما قبلها إيش يا عماد؟ فاقلبها ألفًا ، المختيِر قل إيش؟ الطالب : المختار . الشيخ : المختار، المختير قل : المختار، طيب. أقول: إذا كان في المغتاب اسم مفعول ، ما قاله المغتاب اسم فاعل فهل تكون غيبة؟ نعم تكون غيبة، وإذا لم يكن فيه ما يقوله؟ الطالب : بهتان. الشيخ : فمن فوائد الحديث أن هذا يجمع بين الغيبة والبهتان. ومن فوائد الحديث: أن أوصاف الذم إذا تعددت فإن الإنسان يُعاقب عليها جميعها ولا تتداخل لقوله: ( فقد بهته ) ولو تداخلت لاكتفى بعقوبة ذنب واحد، طيب. ومن فوائد الحديث: التعبير بالأخص وطي ذكر الأعم، لقوله: ( فقد بهته ) ، وطُوي ذكر الأعم وهو الغيبة، لكن للعلم به ، لأنه ليس من المعقول أنك إذا ذكرت شخصاً بما يكرهه وهو موجود فيه أن يكون غيبة، وإذا ذكرته وهو غير موجود فيه لا يكون غيبة، هذا غير معقول. فإن قال قائل: ماذا تقولون في الغِيبة أكبيرة هي أم من الصغائر؟ قلنا استمع إلى قول ابن عبد القوي -رحمه الله- قال: " وقد قيل صغري غيبةٌ ونميمةٌ *** وكلتاهما كبرى على نص أحمدِ " أُعيد البيت مرة ثانية : " وقد قيل صغري غِيبةٌ ونميمةٌ *** وكلتاهما كُبرى على نص أحمدِ " وأعيدها الثالثة : " وقد قيل صغري غِيبةٌ ونميمةٌ *** وكلتاهما كُبرى على نص أحمدِ " الطالب : " قد قيل صغرى وكبرى غيبة ونميمة " . الشيخ : لا لا . الطالب : قد قيل صغرى غيبة ونميمة الشيخ : كيف أحد زي كدا ! الطالب : قد قيل صغرى غيبة ! الشيخ : ونميمة . لا لا تراجع الكتاب جزاك الله خير ، نعم ؟ الطالب : " وقد قيل صغري غِيبةٌ ونميمةٌ *** وكلتاهما كبرى على نص أحمدِ " الشيخ : أحسنت بارك الله فيك . والصواب أن الغيبة من كبائر الذنوب، وأن النميمة من كبائر الذنوب أما النميمة فجاء فيها : ( حديث لا يدخل الجنة قتات ) أي: نمام . وأما الغيبة فيدل على أنها من كبائر الذنوب أن الله تعالى قال في كتابه: (( ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم )) . هل أحد من الناس يقدَّم له أخوه ميتاً ليأكله ، هل يمكن أن يأكله ؟ لا لا يمكن ، وهذا يدل على أن هذا من أقبح الأعمال ، حتى قال بعض العلماء: إن معنى الآية أن هذا الذي اغتيب يقدم مَيتاً يوم القيامة ويجبر والعياذ بالله هذا الذي اغتابه على أن يأكله نسأل الله العافية، تعذيباً له، كما يكلف الذي يكذب في الرؤيا أن يعقد بين شعيرتين كل إنسان يقول: رأيت كذا وكذا وهو كاذب يوم القيامة يعطى شعيرتين يقال: اعقد بينهما هل يمكن يعقد بينهما ؟ لا يمكن ، والله أعلم ، عرفت ؟
قراءة من كتاب جامع العلوم والحكم لابن رجب عن شرح حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما ( الحلال بين والحرام بين ) مع تعليق الشيخ عليه : " .... الحديث السادس عن أبي عبدالله النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا وإن لكل ملك حمي ألا وإن حمى الله محارمه ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب رواه البخاري ومسلم هذا الحديث صحيح متفق على صحته من رواية الشعبي عن النعمان بن بشير وفي ألفاظه بعض الزيادة والنقص والمعنى واحد متقارب وقد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم من حديث ابن عمر وعمار بن ياسر وجابر وابن مسعود وابن عباس وحديث النعمان أصح أحاديث الباب ...".
الشيخ : نقرأ الآن ما اتفقنا عليه وهو حديث النعمان بن بشير ، أظن يقع الرابع . الطالب : السادس . الشيخ : أولاً نعلم أن ابن رجب رحمه الله جامع بين الحديث والفقه ، وأنه من أحفاد شيخ الإسلام ابن تيمية في العلم ، لأنه تلميذ تلميذ ابن تيمية رحمه الله فإن شيخه ابن القيم ، وابن القيم شيخه شيخ الإسلام رحمه الله نعم ، نقرأ نبدأ باسم الله ! القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين : قال الحافظ ابن رجب : بمناسبة شرح شيخنا حفظه الله تعالى لكتاب الجامع من بلوغ المرام للحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- الشيخ : للحديث المذكور . القارئ : نعم للحديث المذكور . قال -رحمه الله تعالى- : " الحديث السادس عن النعمان بن بشير " الشيخ : نقل ! القارئ : نقل -رحمه الله تعالى- : " عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن الحلال بين وإن الحرام بيِّن، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمي ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ) رواه البخاري ومسلم . هذا الحديث صحيح متفق على صحته " . الشيخ : قال ابن رجب . القارئ : قال ابن رجب -رحمه الله تعالى- : " هذا الحديث صحيح متفق على صحته من رواية الشعبي عن النعمان بن بشير ، وفي ألفاظه بعض الزيادة والنقص ، والمعنى واحد متقارب ، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر وعمار بن ياسر وجابر وابن مسعود وابن عباس ، وحديث النعمان أصح أحاديث الباب ، فقوله صلى الله عليه وسلم " . الشيخ : قول العلماء: هذا الباب أو أصح هذا الباب أو ما أشبه ذلك يريدون بذلك المسألة ، وقد تكون جزءً من باب ، لكن لم يصح في هذا الباب شيء يعني في هذه المسألة.
قراءة من كتاب العلوم والحكم مع تعليق الشيخ عليه: " ... فقوله صلى الله عليه و سلم الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس معناه أن الحلال المحض بين لا اشتباه فيه وكذلك الحرام المحض ولكن بين الأمرين أمور تشتبه على كثير من الناس هل هي من الحلال أم من الحرام وأما الراسخون في العلم فلا يشتبه عليهم ذلك ويعلمون من أي القسمين هي فأما الحلال المحض فمثل أكل الطيبات من الزروع والثمار وبهيمة الأنعام وشرب الأشربة الطيبة ولباس ما يحتاج إليه من القطن والكتان والصوف والشعر وكالنكاح والتسري وغير ذلك إذا كان اكتسابه بعقد صحيح كالبيع أو بميراث أو هبة أو غنيمة والحرام المحض مثل أكل الميتة والدم ولحم الخنزير وشرب الخمر ونكاح المحارم ولباس الحرير للرجال ومثل الاكتساب المحرم كالربا والميسر وثمن مالا يحل بيعه وأخذ الأموال المغصوبة بسرقة أو غصب ونحو ذلك وأما المشتبه فمثل بعض ما اختلف في حله أو تحريمه إما من الأعيان كالخيل والبغال والحمير والضب ... ).
القارئ : " فقوله صلى الله عليه وسلم : ( الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس ) : معناه أن الحلال المحض بيِّن لا اشتباه فيه وكذلك الحرام المحض ، ولكن بين الأمرين أمور تشتبه على كثير من الناس هل هي من الحلال أم من الحرام ، وأما الراسخون في العلم فلا يشتبه عليهم ذلك ، ويعلمون من أي القسمين هي ، فأما الحلال المحض فمثل أكل الطيبات مِن الزروع والثمار وبهيمة الأنعام وشرب الأشربة الطيبة ولباس ما يُحتاج إليه من القطن والكتان أو الصوف أو الشعر، وكالنكاح والتسري وغير ذلك إذا كان اكتسابه بعقد صحيح كالبيع ، أو بميراث أو هبة أو غنيمة . والحرام المحض مثل أكل الميتة والدم ولحم الخنزير وشرب الخمر ونكاح المحارم ولباس الحرير للرجال ومثل الأكساب المحرمة كالربا والميسر ". الشيخ : ومثلِ ولا ومثلُ ؟ القارئ : ما واضح هنا . الشيخ : بالرفع . الطالب : الاكتساب ! الشيخ : لا الأكساب ، مثل الأكساب المحرمة ، نعم . القارئ : " ومثلُ الأكساب المحرمة كالربا والميسر وثمن ما لا يحل بيعه ، وأخذ الأموال المغصوبة بسرقة أو غصب أو تدليس أو نحو ذلك . وأما المشتبه فمثل أكل بعض ما اختلف في حله أو تحريمه إما من الأعيان كالخيل والبغال والحمير والضب ، وشرب ما اختلف في تحريمه من الأنبذة التي يسكر كثيرها ، ولبس ما اختلف فيه إذا ". الشيخ : الخيل والبغال والحمير والضب ، المؤلف -رحمه الله- قرن بين أشياء بعضها واضح أن الخلاف فيه ضعيف، فمراده رحمه الله مجرد الاختلاف، الخيل الخلاف في حلها أو تحريمها ضعيف، والصواب أنها حلال، لأنه ثبت في صحيح البخاري : ( عن أسماء بن أبي بكر -فيما أظن- أنهم نحروا في المدينة فرساً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأكلوا منه ) وهذا صريح في الحل. وأما البغال فالخلاف في حلها ضعيف أي: القول بأنها حلال ضعيف لأنها متولدة من محرم ، فإن البغل ولد الحمار من الفرس . وأما الحمير فالخلاف في حلها أضعف ، لأن القول في حلها شاذ ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أعلم أنه حرمها ولم تحلل بعد ذلك. وأما الضب فالخلاف في تحريمه ضعيف فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( أنه أُكل بحضرته وسئل أحرام هو ؟ قال : لا ولكنه ليس في أرض قومي فأجدني أعافه ) . إذن المؤلف -رحمه الله- لم يرد تساوي هذه الأشياء في الحل والحرمة إنما أراد مجرد الخلاف فيها ، نعم .
قراءة من كتاب العلوم والحكم مع تعليق الشيخ عليه: " ... وشرب ما اختلف في تحريمه من الأنبذة التي يسكر كثيرها ولبس ما اختلف في إباحة لبسه من جلود السباع ونحوها وإما من المكاسب المختلف فيها كمسائل العينة والتورق ونحو ذلك ... ).
الشيخ : وشرب ! القارئ : " وشرب ما اختلف في تحريمه من الأنبذة التي يُسكر كثيرها ولبس ما اختلف فيه " . الشيخ : ما اختلف ؟ القارئ : فيه أو في ؟ الشيخ : عندكم فيه ؟ الطالب : في إباحة . الشيخ : في الصواب في . القارئ : " ولبس ما اختلف في إباحة لبسه من جلود السباع ونحوها ، وإما من المكاسب المختلف فيها كمسائل العِينة والتورق ونحو ذلك، وبنحو هذا المعنى فسر ". الشيخ : مسائل العِينة هل ليست مسألة واحدة ، حدها بعضهم بأنها كل ما يُتوصل به إلى الربا عن طريق الِحيلة ، وعلى هذا فمسألة التورق من العينة وقد نص على ذلك الإمام أحمد رحمه الله . مسألة العينة المسألة المشهورة : أن يبيع شيئاً بثمن مؤجل ويشتريه بأقل منه نقداً ، هذه مسألة العينة ، مثاله : باع علي سيارة بخمسين ألفًا إلى سنة ثم اشتراها منه بأربعين ألفًا نقداً ، وأخذ السيارة وأعطاه أربعين ألف ، حقيقة الأمر أنه أعطاه أربعين ألفاً بإيش بخمسين ألفاً إلى سنة ، ولهذا قال ابن عباس في هذه المسألة : " إنها دراهم بدراهم دخلت بينهما حريرة " . مسألة التورق : أن يبيع عليه سلعة بثمن مؤجل أكثر من ثمنها نقداً وقصد المشتري الدراهم ، ليس قصده السلعة ، هذه مسألة التورق ، وسميت بذلك : لأن الإنسان احتاج فيها إلى الورق وليس عنده ورق فاحتال على التوصل إلى الورق بهذه الحيلة ، وهي عند شيخ الإسلام رحمه الله محرمة مقطوع بتحريمها عنده ، حتى نقل عنه تلميذه ابن القيم في *إعلام الموقعين* أنه كان يسأل فيها مراراً فيأبى إلا أن يقول: حرام، وهي الآن شائعة بين الناس بكثرة . وأما إذا اشتراها بثمن أكثر لقصد عين السيارة ، ما هو لقصد قيمتها لكن بيكدها مثلا فهذا لا بأس به بالإجماع . وكذلك لو اشتراها يريد بها التكسب مثل أن اشتراها بخمسين ألفاً مؤجلة إلى سنة يريد أن يبيعها ببلد آخر بخمسين ألف نقداً ما هو علشان الدراهم لكن علشان التجارة هذا أيضاً لا بأس به ، نعم ؟ القارئ : " وبنحو هذا المعنى فسر " . الشيخ : وهل من ذلك أن يقول : أبيعه عليك بعشرة نقداً أو بعشرين نسيئة ؟ لا ، هذه جائزة ولا إشكال فيها ، يعني إذا قال : خذها نقداً بعشرة أو بعشرين نسيئة فسوف يأخذ بأحد الثمنين ، فليس ذلك من باب بيعتين في بيعة كما توهمه بعض العلماء ، نعم .
قراءة من كتاب العلوم والحكم مع تعليق الشيخ عليه: " ... وبنحو هذا المعنى فسر المشتبهات أحمد وإسحاق وغيرهما من الأئمة ... ).
القارئ : " وبنحو هذا المعنى فسر المشتبهات أحمد وإسحاق وغيرهما من الأئمة ، وحاصل الأمر أن الله تعالى أنزل على نبيه " . الشيخ : هذا المشتبه قاعدته : " ما اختلف العلماء فيه " ، هذا تفسير الإمام أحمد رحمه الله ، فما كان بيناً في حله أو تحريمه فالأمر واضح ، وما اختلف فيه العلماء فهو من المشتبه ، لكن أنتم تعلمون كما سمعتم أن الخلاف قد يكون ضعيفاً فيكون الاشتباه ؟ الطالب : ضعيفاً . الشيخ : ضعيفاً ، وقد يكون قوياً فيكون الاشتباه قوياً نعم.
قراءة من كتاب العلوم والحكم مع تعليق الشيخ عليه: " ... وحاصل الأمر أن الله تعالى أنزل على نبيه الكتاب وبين فيه للأمة ما يحتاج إليه من حلال وحرام كما قال تعالى (( ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء )) النحل ... ).
القارئ : " وحاصل الأمر أن الله تعالى أنزل على نبيه الكتاب وبين فيه للأمة ما يحتاج إليه من حلال وحرام كما قال تعالى: (( ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء )) قال مجاهد وغيره ". الشيخ : هذا هو الاختيار الصحيح أن القرآن ما ترك شيئاً إلا بينه : (( ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء )) : تبياناً إما أن تكون مفعولاً لأجله وعاملها نزلنا ، وإما أن تكون مصدراً في موضع الحال من الكتاب أي: مبيناً ، وأياً كان فهذا هو الاستدلال على أن القرآن فيه بيان كل شيء ، أما ما يستدل به كثير من الناس وهو قوله تعالى: (( ما فرطنا في الكتاب من شيء )) فهذا خطأ وتنزيل للآية على غير ما أراد الله . قال الله تعالى: (( وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون )) : والمراد بالكتاب هنا اللوح المحفوظ وليس الكتاب العزيز ، نعم.
قراءة من كتاب العلوم والحكم مع تعليق الشيخ عليه: " ... قال مجاهد وغيره كل شيء أمروا به ونهوا عنه ... ).
القارئ : " قال مجاهد وغيره : كل شيء أمروا به ونهوا عنه . وقال تعالى في آخر سورة النساء ". الشيخ : وعلى هذا فيكون من باب العام الذي أريد به الخاص على رأي من؟ الطالب : مجاهد. الشيخ : مجاهد وغيره ، والصواب أنها من العام الذي هو على عمومه ، لكن بيان القرآن إما أن يكون للشيء عينه ، وإما أن يكون بجنسه ، وإما أن يكون بقاعدة عامة يدخل فيها ما لا يحصى من المسائل ، وإما أن يكون بالإشارة والدلالة ، عرفتم؟ حتى ذُكر أن بعض النصارى كان جالساً مع أحد العلماء المشهورين الأذكياء العقلاء فأتى إليه وكان في مطعم ، فأتى إليه وقال أيها الشيخ إن كتابكم يقول : إنه تبيان لكل شيء ، وبين أيدينا الآن سندوتش وخبز ولحم وما شاء الله أين في القرآن كيف نصنع السندوتش واللحم والقرع وما أشبه ذلك ، أين وهو؟ كأن هذا النصراني يريد أن يكون القرآن دليل مطبخ ، فقال له الرجل : هذا موجود في القرآن ، قال كيف موجود في القرآن أين هو ؟ فنادى صاحب المطعم وقال تعالى كيف تصنع هذا؟ قال : أصنعه بكذا وكذا وبين له ، قال هكذا جاء في القرآن ؟ اندهش الرجل كيف جاء في القرآن أين هو ؟ قال إن الله يقول : (( اسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون )) فأرشدنا أن نسأل عن كل شيء يعلمه غيرنا إذا كنا لا نعلمه ، وهذا لا شك أنه دليل ، هذا دلك كيف تصل إلى العلم ، وإن كان ما دلك على نفس المعلوم ، لكن دلك كيف تصل إلى العلم ، فالذي نرى أن الآية عامة (( وأنزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء )) : وليست خاصة فيما أمر به أو نهي عنه ، نعم.
قراءة من كتاب العلوم والحكم مع تعليق الشيخ عليه: " ... وقال تعالى في آخر سورة النساء التي بين فيها كثيرا من أحكام الأموال والأبضاع (( يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شيء عليم )) النساء ... ).
القارئ : " وقال تعالى في آخر سورة النساء التي بين فيها كثيرا من أحكام الأموال والأبضاع : (( يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شيء عليم )) وقال تعالى " . الشيخ : انتبهوا النساء كما قال المؤلف بين الله فيها كثيراً من أحكام الأموال والأبضاع ، فيها آية التحريم والتحليل لما يحل من الأبضاع : (( حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم )) إلى آخره . والأموال حدث ولا حرج ، أموال الأحياء وأموال الأموات، وأموال العقلاء وأموال السفهاء، كلها موجودة في النساء، وهذا من فقه التفسير الذي لا يعلمه كثير من الناس ، كثير من الناس يفسر السور مثلاً وهو ما يحس في التفسير لا يعرف مقصد السورة ومجمعها ، وما الذي جمع فيها وهذا فقه عظيم في التفسير ينبغي للإنسان أن لا يهمله، نعم .
قراءة من كتاب العلوم والحكم مع تعليق الشيخ عليه: " ... وقال تعالى (( ومالكم أن لا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه )) الأنعام الآية وقال تعالى (( وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون )) التوبة ووكل بيان ما أشكل من التنزيل إلى الرسول كما قال تعالى (( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم )) النحل وما قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى أكمل له ولأمته الدين ولهذا أنزل عليه بعرفة قبل موته بمدة يسيرة (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )) المائدة وقال صلى الله عليه و سلم تركتكم على بيضاء نقية ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك وقال أبو ذر رضي الله عنه توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم وما طائر يحرك جناحيه في السماء إلا وقد ذكر لنا منه علما ... ).
القارئ : " وقال تعالى: (( ومالكم أن لا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه )) ، وقال تعالى: (( وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون )) . وَوَكَل بيان ما أشكل من التنزيل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: (( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم )) . وما قبض صلى الله عليه وسلم حتى أكمل له ولأمته الدين ، ولهذا أنزل عليه بعرفة قبل موته بمدة يسيرة: (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )). وقال صلى الله عليه وسلم: ( تركتكم على بيضاء نقية ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ) . وقال أبو ذر : ( توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم وما طائر يحرك جناحيه في السماء إلا وقد ذكر لنا منه علما ) " . الشيخ : الحمد لله : ( شوف ما طائر يحرك جناحية أو يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علماً ) : هل حلال هل هو حرام هذا هو الذي يهمنا من الطيور أما نوعه ما يهمنا الذي يهمنا هل هو حلال أو حرام. ماذا قال لنا؟ قال: (( هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً )) ، ( ونهى صلى الله عليه وسلم عن كل ذي مخلب من الطير ) ، ( ونهى عن قتل النملة والنحلة والهدهد والصرد ) ، فأنت تجد أن الحلال بين والحرام بين ، نعم .
قراءة من كتاب العلوم والحكم مع تعليق الشيخ عليه: " ... ولما شك ناس في موته صلى الله عليه و سلم قال عمه العباس رضي الله عنه والله ما مات رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى ترك السبيل نهجا واضحا وأحل الحلال وحرم الحرام ونكح وطلق وحارب وسالم وما كان راعي غنم يتبع بها رؤوس الجبال يخبط عليها العضاه بمخبطه ويمدر حوضها بيده أنصب ولا أدأب من رسول الله صلى الله عليه و سلم كان فيكم وفي الجملة فما ترك الله ورسوله حلالا إلا مبينا ولا حراما إلا مبينا لكن بعضه كان أظهر بيانا من بعض فما ظهر بيانه واشتهر وعلم من الدين بالضرورة من ذلك لم يبق فيه شك ولا يعذر أحد بجهله في بلد يظهر فيها الإسلام وما كان بيانه دون ذلك فمنه ما يشتهر بين حملة الشريعة خاصة فأجمع العلماء على حله أو حرمته وقد يخفى على بعض من ليس منهم ومنه ما لم يشتهر بين حملة الشريعة أيضا فاختلفوا في تحليله وتحريمه ... ).
القارئ : " ولما شك الناس في موته صلى الله عليه وسلم قال عمه العباس رضي الله عنه : والله ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ترك السبيل نهجًا واضحًا وأحل الحلال وحرم الحرام، ونكح وطلق، وحارب وسالم، وما كان راعي غنم يتبع بها رؤوس الجبال يخبط عليها العضاه بمخبطه ويمدر حوضها بيده بأنصب ولا أدأب من رسول الله صلى الله عليه وسلم كان فيكم " . الشيخ : اللهم صل عليه وسلم ، صدق رضي الله عنه ، نعم . القارئ : " وفي الجملة فما ترك الله ورسوله حلالًا إلا مبيناً ولا حرامًا إلا مبينًا لكن بعضه كان أظهر بياناً من بعض ، فما ظهر بيانه واشتهر وعُلم من الدين بالضرورة من ذلك لم يبق فيه شك ولا يعذر أحد بجهله في بلد يظهر فيه الإسلام ، وما كان بيانه دون ذلك فمنه ما اشتهر بين حَملة الشريعة خاصة فأجمع العلماء على حله أو حرمته ، وقد يخفى على بعض من ليس منهم ، ومنه ما لم يشتهر بين حملة الشريعة أيضًا فاختلفوا في تحليله وتحريمه ، وذلك لأسباب منها ". الشيخ : الآن بين -رحمه الله- أن منها ما علم بالضرورة من دين الإسلام فهذا لا يعذر أحد بجهله ، لا بد أن يكون عالماً به في بلد يظهر فيه أحكام الإسلام . والثاني: ما اشتهر بين حملة الشرع ولكنه يخفى على غيرهم إلا أنه واضح عندهم وهذا أيضاً مما أجمعوا عليه. والثالث: ما كان خفياً على بعض حملة الشرع وهو الذي وقع فيه الخلاف فصارت الأحوال كم؟ الطالب : ثلاثة . الشيخ : الأحوال ثلاثة بينها رحمه الله ، نعم .
قراءة من كتاب العلوم والحكم مع تعليق الشيخ عليه: " ... وذلك لأسباب منها أنه قد يكون النص عليه خفيا لم ينقله إلا قليل من الناس فلم يبلغ جميع حملة العلم ... ).
القارئ : " وذلك لأسباب منها : أنه قد يكون النص عليه خفياً لم ينقله إلا قليل من الناس فلم يبلغ جميع حملة العلم ومنها " : الشيخ : وهذا نقص بإيش؟ الطالب : بالعلم . الشيخ : بالعلم ، هذا نقص بالعلم ، يعني الذي يخفى عليه هذا معناه أن علمه قاصر لم يحط علماً بنصوص الشريعة ، نعم.
قراءة من كتاب العلوم والحكم مع تعليق الشيخ عليه: " ... ومنها أنه قد ينقل فيه نصان أحدهما بالتحليل والآخر بالتحريم فيبلغ طائفة منهم أحد النصين دون الآخر فيتمسكون بما بلغهم أو يبلغ النصان معا من لا يبلغه التاريخ فيقف لعدم معرفته بالناسخ والمنسوخ ومنها ما ليس فيه نص صريح وإنما يؤخذ من عموم أو مفهوم أو قياس فتختلف أفهام العلماء في هذا كثيرا ... ).
القارئ : " ومنها أنه قد ينقل فيه نصان أحدهما بالتحليل والآخر بالتحريم فيبلغ طائفة منهم أحد النصين دون الآخرين ، فيتمسكون بما بلغهم أو يبلغ النصان معًا من لا يبلغه التاريخ فيقف لعدم معرفته بالناسخ والمنسوخ " : الشيخ : وهذا أيضاً مثل الأول سببه نقص العلم ، نعم . القارئ : " ومنها ما ليس فيه نص صريح وإنما يؤخذ من عمومٍ أو مفهومٍ أو قياس فتختلف أفهام العلماء في هذا كثيراً " : الشيخ : وهذا لقصور في الفهم، نعم .
قراءة من كتاب العلوم والحكم مع تعليق الشيخ عليه: " ... ومنها ما يكون فيه أمر أو نهي فتختلف العلماء في حمل الأمر على الوجوب أو الندب وفي حمل النهي على التحريم أو التنزيه وأسباب الاختلاف أكثر مما ذكرنا ... ".
القارئ : " ومنها ما يكون فيه أمر أو نهي فتختلف العلماء في حمل الأمر على الوجوب أو الندب وفي حمل النهي على التحريم أو التنزيه وأسباب الاختلاف أكثر مما ذكرنا ". الشيخ : هذا اختلاف في المنهج ، هل كل نهي للتحريم ، هل كل أمر للوجوب اختلف فيه العلماء ، إي نعم والأسباب كثيرة أكثر مما ذكر. وقد ذكر شيخ الإسلام -رحمه الله- في كتابه *رفع الملام عن الأئمة الأعلام* ذكر أسبابًا كثيرة لاختلاف العلماء -رحمهم الله-، ولخصناه في رسالة فمن راجع الأصل والملخص يكون طيب ، نعم؟
قراءة من كتاب العلوم والحكم مع تعليق الشيخ عليه: " ... ومع هذا فلابد في الأمة من عالم يوافق الحق فيكون هو العالم بهذا الحكم وغيره يكون الأمر مشتبها عليه ولا يكون عالما بهذا فإن هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة ولا يظهر أهل باطلها على أهل حقها فلا يكون الحق مهجورا غير معمول به في جميع الأمصار والأعصار ولهذا قال صلى الله عليه و سلم في المشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فدل على أن من الناس من يعلمها وإنما هي مشتبهة على من لم يعلمها وليست مشتبهة في نفس الأمر فهذا هو السبب المقتضي لاشتباه بعض الأشياء على كثير من العلماء ... ).
القارئ : " ومع هذا فلابد في الأمة من عالم يوافق الحق فيكونُ هو العالمَ بهذا الحكم، وغيره يكون الأمر مشتبهًا عليه، ولا يكون عالما بهذا، فإن هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة ولا يظهر أهل باطلها على أهل حقها، فلا يكون الحق مهجوراً غير معمول به في جميع الأمصار والأعصار، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في المشتبهات : ( لا يعلمهن كثير من الناس ) : فدل على أن من الناس من يعلمها، وإنما هي مشتبهة على من لم يعلمها، وليست مشتبهة في نفس الأمر، فهذا هو السبب المقتضي لاشتباه بعض الأشياء على كثير من العلماء، وقد يقع الاشتباه في الحلال والحرام بالنسبة إلى العلماء وغيرهم من وجه آخر " : الشيخ : مقصود الشيخ في هذه القطعة : أنه لا يمكن أن يكون الحق مشتبهاً على جميع الأمة، بل لابد أن يكون في الأمة من هو عالم بالحق ولو واحد، أما أن يشتبه الحق على جميع الأمة فهذا مستحيل لأن هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة، ولو اشتبه الحق على كل الأمة لم يكن القرآن بياناً ولا السنة بياناً أيضاً ، نعم .
قراءة من كتاب العلوم والحكم مع تعليق الشيخ عليه: " ... وقد يقع الاشتباه في الحلال والحرام بالنسبة إلى العلماء وغيرهم من وجه آخر وهو أن من الأشياء ما يعلم سبب حله وهو الملك المتيقن ومنها ما يعلم سبب تحريمه وهو ثبوت ملك الغير عليه فالأول لا تزول إباحته إلا بيقين زوال الملك عنه اللهم إلا في الأبضاع عند من يوقع الطلاق بالشك فيه كمالك أو إذا غلب على الظن وقوعه كإسحاق بن راهويه والثاني لا يزول تحريمه إلا بيقين العلم بانتقال الملك فيه ... ).
القارئ : " وقد يقع الاشتباه في الحلال والحرام بالنسبة إلى العلماء وغيرهم من وجه آخر: وهو أن من الأشياء ما يعلم سبب حِله وهو الملك المتيقن، ومنها ما يعلم سبب تحريمه وهو ثبوت ملك الغير عليه، فالأول لا تزول إباحته إلا بيقين زوال الملك عنه، اللهم إلا في الأبضاع عند من يوقع الطلاق بالشك فيه كمالك، أو إذا غلب على الظن وقوعه كإسحاق بن راهويه. والثاني لا يزول تحريمه إلا بيقين العلم بانتقال الملك فيه. وأما ما لا يعلم له أصل " : الشيخ : والصحيح أننا في هذه المسألة نلزم الأصل ، فإذا شككنا في وقوع الطلاق فمن العلماء من قال : نوقعه لأنه أحوط وأورع ، ومنهم من قال : لا ، لا نوقعه ، لأن الأورع أن نبقي النكاح إذ أننا لو أوقعناه وقعنا في ورطتين : الأولى: تحريمها على الزوج ، والثاني: إباحتها لغيره ، فإذا قلنا : الأصل بقاء النكاح بنينا على أصل ولم نتورط إن قدر أن هناك تورطاً إلا بإيش؟ إلا في إحلال زوجها الذي لا تحل له على التقدير . فالصواب في هذا أنه لا يزول بالشك ولا بغلبة الظن ، فمثلاً لو قال لزوجته : إن كان هذا الطائر حماماً فأنتِ طالق ، وذهب الطير ، ولا ندري ما هو تطلق؟ الطالب : لا . الشيخ : الصحيح أنها لا تطلق ، في احتمال أن يكون حماماً ولكن الأصل بقاء النكاح ، حتى لو غلب على ظننا أن هذا الطائر حماماً فإنه لا يقع على القول الراجح ، نعم .
قراءة من كتاب العلوم والحكم مع تعليق الشيخ عليه: " ...وأما ما لا يعلم له أصل ملك كما يجده الإنسان في بيته ولا يدري هل هو له أو لغيره فهذا مشتبه ولا يحرم عليه تناوله لأن الظاهر أنما في ملكه لثبوت يده عليه والورع اجتنابه فقد قال صلى الله عليه و سلم إنى لأنقلب إلى أهلي فأجد التمرة ساقطة على فراشي فأرفعها لآكلها ثم أخشى أن تكون من الصدقة فألقيها خرجاه في الصحيحين فإن كان هناك من جنس المحظور وشك هل هو منه أم لا قويت الشبهة وفي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم أصابه أرق من الليل فقال له بعض نسائه يا رسول الله أرقت الليلة فقال إني كنت أصبت تمرة تحت جنبي فأكلتها وكان عندنا تمر من تمر الصدقة فخشيت أن تكون منه ... ).
القارئ : " وأما ما لا يعلم له أصل ملك كما يجده الإنسان في بيته ولا يدري هل هو له أو لغيره فهذا مشتبه ولا يحرم عليه تناوله ، لأن الظاهر أن ما في ملكه لثبوت يده عليه. والورع اجتنابه فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنى لأنقلب إلى أهلي فأجد التمرة ساقطةً على فراشي فأرفعها لآكلها ثم أخشى أن تكون صدقة فألقيها ) خرجاه في الصحيحين . فإن كان هناك من جنس المحظور وشك هل هو منه أم لا ، قويت الشبهة . وفي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أصابه أرق من الليل ، فقال له بعض نسائه : يا رسول الله أرقت الليلة ؟ فقال : إني كنت أصبت تمرة تحت جنبي فأكلتها وكان عندنا تمر من تمر الصدقة فخشيت أن تكون منه ) " . الشيخ : اللهم صل وسلم عليه ، هذا من تمام الورع لا شك فيه أن الإنسان يبتعد عن المشتبهات خصوصاً في الأكل والشرب ، نعم.
قراءة من كتاب العلوم والحكم مع تعليق الشيخ عليه: " ... ومن هذا أيضا ما أصله الإباحة كطهارة الماء والثوب والأرض إذا لم يتيقن زوال أصله فيجوز استعماله ... ).
القارئ : " ومن هذا أيضا ما أصله الإباحة كطهارة الماء والثوب والأرض إذا لم يتيقن زوال أصله، فيجوز استعماله وما أصله الحظر كالأبضاع " : الشيخ : حتى لو غلب على ظنه النجاسة ؟ الطالب : نعم . الشيخ : نعم ، حتى لو غلب على ظنه النجاسة ، لأن الأصل الطهارة ، لكن إذا قوي الظن بالنجاسة فالورع تركه. وعلى هذا فإذا تعارض ورع وواجب : مثل أن لا يكون عنده إلا هذا الماء المشتبه الذي يغلب على ظنه أنه تغير بنجاسة فنقول : لدينا الآن اجتناب تورعاً ، ولدينا استعمال وجوباً فأيهما نقدم ؟ الطالب : الثاني . الشيخ : الثاني ، الاستعمال وجوباً ، أما مع وجود غيره فلا شك أن الورع تجنبه ، ويتوضأ بالماء الذي لا إشكال فيه ، نعم.
قراءة من كتاب العلوم والحكم مع تعليق الشيخ عليه: " ... وما أصله الحظر كالأبضاع ولحوم الحيوان فلا تحل إلا بيقين حله من التذكية والعقد ... ).
القارئ : " وما أصله الحظر كالأبضاع ولحوم الحيوان فلا تحل إلا بيقين حله من التذكية والعقد ، فإن تردد في شيء من ذلك " : الشيخ : دائما ما أصله الحظر في الأبضاع ، يعني مثلاً : هذا الرجل إذا شك المرأة هذه هل عقد عليها عقد صحيح أو لا فما الأصل؟ المنع حتى نتيقن أنه استباح هذا الفرج بعقد صحيح . كذلك اللحم ، اللحم الأصل فيه التحريم ، ما هو الحيوان ، الحيوان الأصل فيه الحل ، لكن اللحم الأصل فيه التحريم حتى نعلم أنه ذُكي على وجه شرعي ، لكن إذا علمنا أنه ذُكِّي فهل الأصل أن المذكي سمى أو لا ؟ نقول : الأصل أنه سمى لما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها : ( أن قوماً أتوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله إن قوماً يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا ، فقال: سموا أنتم وكلوه ، قالت: وكانوا حديثي عهد بكفر )، لأن الأصل أن الفعل إذا صدر من أهله فهو صحيح حتى يقوم دليل الفساد ، نعم .
قراءة من كتاب العلوم والحكم مع تعليق الشيخ عليه: " ... فإن تردد في شيء من ذلك لظهور سبب آخر رجع إلى الأصل فيبنى عليه فيبني فيما أصله الحرمة على التحريم ولهذا نهى النبي صلى الله عليه و سلم عن أكل الصيد الذي يجد فيه الصائد أثر سهم غير سهمه أو كلب غير كلبه أو يجده قد وقع في ماء وعلل بأنه لا يدري هل مات من السبب المبيح له أو من غيره ... ).
القارئ : " فإن تردد في شيء من ذلك لظهور سبب آخر رجع إلى الأصل فبنى عليه ، فيبني فيما أصله الحرمة على التحريم ، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل الصيد الذي يجد فيه الصائد أثر سهم غيره " . الشيخ : أثر سهمٍ غير سهمه . القارئ : " أثر سهم غير سهمه ، أو كلب غير كلبه ، أو يجده قد وقع في الماء وعلل بأنه لا يدري هل مات من السبب المبيح له أو من غيره " . الشيخ : إذا علم أنه مات من السبب المبيح ؟ الطالب : حل . الشيخ : حل، يعني مثلاً لو أن هذا الطائر رماه وهو على غصن شجرة تحتها ماء، فسقط الطائر، لكن سقط وقد تمزق بدنه من الرصاص ثم أدركه ميتاً، فهنا يحل أو لا؟ الطالب : يحل . الشيخ : ليش ؟ الطالب : تمزق جسده . الشيخ : لأني أدري أنه مات بالرمي ، أما لو كانت الرصاصة في جانب من بدنه ثم وجدته ميتاً ، فهذا لا يحل ، لأني لا أدري أمات بالرمي أو مات ؟ الطالب : غرقاً . الشيخ : بالماء نعم.
قراءة من كتاب العلوم والحكم مع تعليق الشيخ عليه: " ... فيرجع فيما أصله الحل إلى الحل فلا ينجس الماء والأرض والثوب بمجرد ظن النجاسة وكذلك البدن إذا تحقق طهارته وشك هل انتقضت بالحدث عند جمهور العلماء خلافا لمالك رحمه الله إذا لم يكن قد دخل في الصلاة ... ).
القارئ : " فيرجع فيما أصله الحل إلى الحل ، فلا ينجس الماء والأرض والثوب بمجرد ظن النجاسة ، وكذلك البدن إذا تحقق طهارته وشك هل انتقضت بالحدث عند جمهور العلماء خلافا لمالك -رحمه الله- إذا لم يكن قد دخل في الصلاة ، وقد صح عن النبي صلى الله " : الشيخ : يعني مالك -رحمه الله- يفرق بينما إذا شككت هل أحدثت وأنت تصلي أو إذا شككت هل أحدثت وأنت لا تصلي والصواب أنه لا فرق.