تتمة فوائد حديث :( لعن زائرات القبور ).
" وكل ما أتى ولم يحدد *** بالشرع كالحرز فبالعرف احدد "
فيحدد بالعرف، ومعلوم عند الناس الآن أن الإنسان إذا تقدم من المسجد إلى اتجاه قبر الرسول صلى الله عليه وسلم ووقف أمامه وسلم عليه كلهم يقولون : هذه زيارة، ولهذا يقول المزورون : تعال نزورك صح ولا لا إذًا فهي زيارة.
وعليه فإننا فإني أرى أن قبر النبي صلى الله عليه وسلم كغيره بمعنى أنه لا يجوز للمرأة أن تزوره، وإن كان فقهاؤنا رحمهم الله يرون أن المرأة تزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم وأنه سنة لها كحال الرجل. واستفدنا من الحديث الأول والثاني : أنه ينبغي لزائر القبور أن يكون على جانب من الخشية والتفكر والتأمل، لا يزور المقبرة وكأنما زار حفلًا يضحك نعم ويتكلم بأمر الدنيا، ولهذا كره أهل العلم لمتبع الجنازة أن يتكلم بشيء من أمور الدنيا ... بل الذي ينبغي أن يكون الإنسان خاشعًا متذكرًا للآخرة، وفي الحديث الصحيح الطويل المشهور حديث سمرة أظن بن جندب قال : ( خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ) عبد الرحمن بن سمرة .
الطالب : البراء بن عازب .
الشيخ : البراء بن عازب البراء بن عازب ( خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولما يلحد فجلس النبي صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله كأنما على رؤوسنا الطير ) كأنما على رؤوسنا الطير يعني أنهم قد خفضوا رؤوسهم ولا يتحركون في حالة خشوع وهذا هو الذي ينبغي للإنسان نسأل الله أن يحسن لنا ولكم الخاتمة والعاقبة .
الطالب : اللهم آمين . ... .
الشيخ : نعم .
الطالب : ... .
الشيخ : نعم .
الطالب : ... .
الشيخ : أي هو ما يصل إلى الشرك الأكبر ما يصل إلى الشرك الأكبر نعم .
الطالب : ... .
الشيخ : هو شرك من حيث إنه إثبات سبب لم يجعله الشارع سببًا هو من هذه الناحية نوع من الشرك .
الطالب : قلنا إن حديث اللعن .
الشيخ : آه آه .
الطالب : ... .
الشيخ : نعم .
الطالب : ... .
الشيخ : نعم .
الطالب : إذا فيه حديث الرسول لعن شيئا .
الشيخ : نعم .
الطالب : ... .
هل اللعن أشد من النهي المجرد ؟
السائل : نقول لعن لكن هل نقول : نهى ؟
الشيخ : لا لا أبلغ اللعن أبلغ متضمن للنهي لكنه أبلغ منه، ثم كما قلنا أيضًا اللعن هنا للنساء والنهي الأول عام للرجال والنساء فليس هذا هو هذا .
السائل : كنت نهيتكم يعني باللعن .
الشيخ : شوف بارك الله فيك لا شك أن اللعن إذا لعن الرسول عن شيء أنه نهي عنه بلا شك متضمن للنهي، لكن اللعن أشد يعني لو أقول نهى الرسول عن زيارة النساء للقبور كنت مخطئًا في هذا لأني قصرت دلالة الحديث، بل يجب أن أقول لعن فاللعن أشد من النهي لأن النهي كما تعرف قد يكون للكراهة وقد يكن للتحريم، وقد يكون النهي للإباحة أحيانًا لكن لعن ما يحتمل إلا اللعن، وأيضًا العلماء متفقون أن مجرد النهي لا يجعل الشيء من الكبائر مجرد النهي واللعن يجعله من الكبائر .
السائل : فهم عائشة وسكوت الصحابة .
الشيخ : نعم .
السائل : ... .
الشيخ : نعم .
السائل : والأمر محتمل أنه ناسخ وغير ناسخ .
الشيخ : نعم .
السائل : يدل على أنه .
لو قال قائل إن عائشة لما زار قبر أخيه من غير إنكار بقية الصحابة يدل على جوازه ؟
السائل : لم يرد .
الشيخ : لا لا هذا غلط هذا .
السائل : ... .
الشيخ : هذا غلط .
السائل : يعني لم يطلعوا على هذا .
الشيخ : ما في شك اللي معها اللي معها بيطلع عليه واحد ولا اثنين من مئة وأربع عشرين ألف يمكن .
السائل : دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : ( اللهم لا تجعل قبري ) .
الشيخ : ثم أنا قلت لك ما نحتج بعائشة ولا بغيرها ما دام عندنا عن الرسول صلى الله عليه وسلم نهي ما يمكن .
السائل : ... يقول لهم .
الشيخ : نعم .
السائل : ... .
الشيخ : قلت لك فيه .
سؤال عما إذا مرت المرأة على القبور هل تدعو لهم ؟
السائل : ... .
الشيخ : نعم .
السائل : كيف عرفنا أنها مرت لم تقصد .
الشيخ : جمع بين أحاديث الرسول اللي قال قولي كذا هو اللي لعن زائرات القبور أليس هو ؟
السائل : ... .
الشيخ : قولي قالت : ( ماذا أقول لهم ؟ قال : قولي السلام عليكم دار قوم مؤمنين ) فهمت ولا فيه إذا زرت فنحن نقول الذي قال هذا هو الذي لعن زائرات القبور كيف نجمع بين قوله لعائشة وبين لعنه، نقول: نجمع بينهما إما أن يحمل قوله لعائشة على الدعاء المطلق أو يحمل على أنها امرأة مارة بالمقابر بدون قصد الزيارة وسلمت عليه نعم نعم أبد هذا غلط اللي بالشرح غلط لأننا راجعت " صحيح مسلم " بنفسي ما هي فيها يزرك .
السائل : ... .
الشيخ : أي نعم أي ما فيها ... نعم نفس القصة .
حديث النبي صلى الله عليه وسلم ( اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد ) أليس هو مخالف لما عليه الآن من أن بعض الزائرين يقع في دعاءه والاستغاثة به ؟
الشيخ : نعم .
السائل : النبي صلى الله عليه وسلم : ( اللهم لا تجعل قبري وثنًا يعبد ) .
الشيخ : نعم أي من عبد الرسول ولم يعبد قبره يعني ما جعل وثن صورة الرسول صلى الله عليه وسلم كصورة قوم نوح يعبد هذا على ما نراه، وعلى ما يراه ابن القيم وبعض العلماء قال : لا إن الرسول ما أجيب بهذا ما أجيبت دعوته لأن الله تعالى سبق علمه سبحانه وتعالى أن هذه الأمة سوف تركب سنن من كان قبلها ومنه عبادة الأوثان، ولكن الراجح عندي والله أعلم ما ذهب إليه ابن القيم أن الله أجاب دعاءه نعم .
السائل : ... الفقهاء الأربعة الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي .
5 - حديث النبي صلى الله عليه وسلم ( اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد ) أليس هو مخالف لما عليه الآن من أن بعض الزائرين يقع في دعاءه والاستغاثة به ؟ أستمع حفظ
سؤال عن حكم زيارة القبور للنساء ؟
السائل : قد تنوح عند القبر والميت في الحديث أنه يعذب .
الشيخ : سيأتينا إن شاء الله قريبًا .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم النائحة والمستمعة . أخرجه أبو داود .
( لعن النائحة ) ومن لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد لعنه الله واللعن هو الطرد والإبعاد من رحمة الله.
وقوله : ( النائحة ) هناك نوح وندب فالندب رفع الصوت بتعداد محاسن الميت هذا الندب، ولكن ويقترن بواو الندبة فتقول : " وا سيداه " وا كذا وتذكر الأوصاف التي هي محاسن لهذا الميت، وأما النوح فإنه البكاء برنة تشبه نوح الحمام نوح الحمام معروف لكم جميعًا، فهذه هي النياحة النبي عليه الصلاة والسلام لعن النائحة، لأن النائحة يدل فعلها على عدم الصبر على قضاء الله وقدره، ولأن النائحة تفجع من يسمعها فتزداد المصيبة بذلك، ولأن النوح أيضًا يكون أحيانًا سببًا للطم الخدود وشق الجيوب وذر التراب على الرؤوس أو التمرغ على الأرض وما أشبه ذلك، فلأجل هذه الأمور الثلاثة لعنت النائحة لعنها النبي عليه الصلاة والسلام، أما المستمعة فهي التي تجلس عندها لتستمع إليها وليست المستمعة هي السامعة السامعة مارة وسمعت ولا عليها إثم، لكن المستمعة تجلس نعم تستمع إلى هذه النائحة فإن شحذتها زيادة صارت أشد مثل تسمع تنوحخ يا قلبي قلبك نعم الله يرحم الحال وما أشبه ذلك، فإنها تزداد تزداد والعياذ بالله وهذا يوجد كثيرًا في أحوال النساء الآن يوجد كثير يجتمع نساء ككثيرة من يوم يبدأن هذه تنوح وهذي ترق لها ثم ... يصيحن كل النهار هذه يجدد المصيبة، ولا يمكن أن تزول عن قلب المرأة كلما ذكرت هذا الاجتماع ولو بعد حين تجد أنها تحس بهذه المصيبة، فلذلك لعن النبي صلى الله عليه وسلم المستمعة طيب السامعة مثل أن تمر امرأة إلى جوار بيت ينوح أهله فتسمع النوح أو الجيران يسمعون النوح، لكن ما يستمعون هل تدخل في اللعن ولا لا ؟ ما تدخل في اللعن لأن السماع لا يؤخذ به الإنسان، أما الاستماع فهو الذي يصغي إلى الشيء ويستمعه وينصت له فهذا يكون مشاركًا للفاعل في الإثم .
7 - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم النائحة والمستمعة . أخرجه أبو داود . أستمع حفظ
فوائد حديث: ( لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم النائحة والمستمعة ).
وعن أم عطية رضي الله عنها قالت : أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا ننوح . متفق عليه .
9 - وعن أم عطية رضي الله عنها قالت : أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا ننوح . متفق عليه . أستمع حفظ
وعن ابن عمر عن أبيه رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الميت يعذب في قبره بما نيح عليه ) . متفق عليه . ولهما نحوه عن المغيرة بن شعبة .
قوله : ( الميت يعذب في قبره ) الميت مبتدأ وهو عام وخبره يعذب والباء في قوله : ( بما ) للسببية وما يحتمل أن تكون اسمًا موصولًا أي : بالذي نيح عليه به، ويحتمل أن تكون مصدرية أي : بالنوح عليه هذا إعراب الحديث، أما معناه فإن النبي عليه الصلاة والسلام يخبر بأن الميت إذا ناح عليه أهله فإنه يعذب في قبره، والنياحة سبق لنا تعريفها أنها صوت بالبكاء صوت خاص يشبه نوح الحمام وهو يشبه التطريب بالبكاء بالنسبة للآدميين.
وقوله : ( يعذب بما نيح عليه ) يقول المؤلف : " ولهما " أي : للبخاري ومسلم " عن المغيرة بن شعبة نحوه " وكذلك صح عن عمر في " صحيح مسلم " عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا وفي لفظ لمسلم من حديث عمر : ( يعذب ببعض بكاء أهله عليه ) والآن هذا الحديث يدلنا على أن النوح كما أنه سبب للعن والطرد بالنسبة للنائحة فهو أيضًا سبب لتعذيب الميت به، وهذا الحديث مما أشكل أشكل على الصحابة فمن بعدهم حتى إن أم المؤمنين رضي الله عنها عائشة أنكرت ذلك وقالت : ( إنكم ما كذبتم ولا كذبتم ولكن السمع يخطئ ) فنسبت عمر وابنه إلى الخطأ في السمع والوهم واستدلت لإنكارها بقوله تعالى : (( ولا تزر وازرةٌ وزر أخرى )) وهذه القاعدة الكلية العامة ثابتة في الكتب السابقة وفي كتابنا القرآن الكريم قال الله تعالى : (( أم لم ينبّأ بما في صحف موسى * وإبراهيم الذي وفَّى * ألا تزر وازرةٌ وزر أخرى )) فهذا متفق عليه في الشرائع أن الوازرة يعني النفس التي تتحمل الوزر لكونها مكلفة لا تحمل وزر غيرها إلا إذا كانت هي السبب في هذا الوزر فإنها تعاقب بمثل العامل لقول النبي عليه الصلاة والسلام : ( من دل على خير كفاعله ) وكذلك ( من سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ) ولهذا كان ابن آدم الذي قتل كان عليه كفل من كل نفس قتلت بغير حق، لأنه أول أول من سن القتل والعياذ بالله إذًا نقول : هذا الحديث ظاهره مشكل بالنسبة للآية الكريمة.
وعائشة رضي الله عنها قالت : ( إن الرسول صلى الله عليه وسلم مر بيهودية تبكي فقال : إنها لتبكي وإن الميت يعني اليهودي ليعذب في قبره ) فاستدلت بالآية وبالحديث فهي رأت رضي الله عنها أن هذا الحديث الذي معنا حديث ابن عمر وحديث المغيرة وحديث عمر مخالف للقرآن وروت أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال ذلك لامرأة يهودية كان أهلها يبكون عليها وهي تعذب في قبرها حطيتو بالكم ونحن نقول : أما توهيمها الرواة فهو في غير محله لأن الأصل في الثقة إيش ؟ عدم الوهم هذا هو الأصل ولاسيما مثل عمر وابن عمر وهذا المغيرة بن شعبة وغيرهم قد يكون قد سمعه، لكن ما حدث به أحدًا، وأما استدلالها بالحديث فنحن نقبله منها على العين والرأس بأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال ذلك في هذه المرأة اليهودية، لكن لا يمنع أن يكون قال قولًا آخر في موضع آخر فهي روت ما روت وعمر وابنه رويا ما رويا عن النبي صلى الله عليه وسلم وما سمعاه منه، وحينئذ يكون ردها لهذا الحديث لوجود المانع وهو : (( ولا تزر وازرةٌ وزر أخرى )) غير صحيح وردها له لوجود حديث آخر أيضًا غير صحيح، السبب أن القصة متعددة فهي روت قصة أخرى غير التي حدث بها النبي عليه الصلاة والسلام وسمعها عمر وابنه وحينئذ يبقى علينا الآن الإشكال لا زال باقيًا بالنسبة لظاهر الحديث مع ظاهر الآية (( ألا تزر وازرةً وزر أخرى )) (( ولا تزر وازرةٌ وزر أخرى )) آيتان فما هو الجمع ؟ اختلف العلماء في الجمع يعني بعد أن نقول : إن الحديث ثابت نحتاج الآن إلى الجمع، أما على رأي من أنكر الحديث كعائشة فإنه لا يحتاج إلى الجمع ما نحاول الجمع لأنها رأت أن الآية مرجحة على هذا الحديث وأن هذا وهم، لكن نحن نرى أن الحديث صحيح ولكن يبقى النظر في الجمع بينه وبين الآية اختلف العلماء في ذلك على عدة أقوال : فمنهم من قال : إن الجمع هو أن الحديث إنما كان فيمن أوصى بالنوح هو قال لأهله إذا مت فنوحوا علي لا تدعوني لا أنوح لا تهتموا بي إذا لم تنوحوا علي قال الناس : إنهم لم ها لم يهتموا به ولم يبالوا بموته ولم يصابوا بفقده ولكن أوصيكم بأن تنوحوا علي، ومعلوم أنه من أوصى بالإثم فهو آثم، فإذا نفذ فإنه يأثم هذا وجه وهذا الوجه كما تعلمون عند التأمل عليل جدًّا، لأن الحكم أنيط بالنوح والميت بمجرد وصيته بالإثم يكون آثمًا سواء ناحوا أو لم ينوحوا، فلا يمكن أن نلغي الوصف الذي علق به الحكم في كلام الرسول عليه الصلاة والسلام ونعتبر وصفًا جديدًا لم يدل عليه الحديث، وقال بعض أهل العلم : إن هذا في رجا اعتاد أهله وذووه أن ينوحوا على أمواتهم وهو يعلم بهم ولا ينهاهم فيكون كأنه مقر لهم، لأنه يعلم بمقتضى عادتهم أنه إذا مات سوف ينوحون عليه قالوا : ويجب على من كانت هذه عادة أهله وذويه يجب عليه أن ينهاهم عند موته ويقول : لا تنوحوا علي كما تنوحون على أمواتكم فإن لم يفعل فهو آثم ويعذب في قبره وعلى هذا فيكون هذا الرجل عذب في قبره على ترك إنكار المنكر بعد موته نعم بعد موته المنكر ما فعل إلا بعد موته لأنه من الجائز ألا ينوحوا عليه، لأن هذا أمر عادي والعادي قد يتخلف فهم يؤثمونه لأنه لم يوص بتركه وهم من عادتهم أن ينوحوا على أمواتهم هذان قولان مع قول عائشة فتكون ثلاثة، والقول الرابع : يقولون : إن الحديث يقول : ( إن الميت ليعذب ) ليعذب والعذاب نوعان : عذاب على عقوبة وعذاب بشيء لا يلائم الإنسان فيتعذب به وليس فيه عقوبة، لكن يتعذب بمعنى أنه يهتم ويحزن وما أشبه ذلك، فأما على الأول أن يكون العذاب بمعنى عقوبة على فعل معصية فهذا بالنسبة للميت وارد ولا لا ؟ غير وارد لأنه ما فعل ذنبًا إنما فعل الذنب غيره، وأما الثاني : وهو الاهتمام بالشيء والتألم منه بدون أن يمس بعذاب فهذا يمكن قالوا : ومن هذا النوع قول النبي عليه الصلاة والسلام : ( إن السفر قطعة من العذاب ) ( إن السفر قطعة من العذاب ) ومعلوم أن المسافر ما هو بيجلد ولا تقطع يده ولا رجله وإنما يكون مهتمًا متشوش البال لا يستريح إلا إذا وصل مقره، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وهو أحسن الوجوه عندي لأنه يحصل به الجمع بين الآية الكريمة وبين هذا الحديث الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم : فإنه يعذب بما نيح عليه أي : يعذب بمعنى أنه لا يعاقب عقوبة، ولكن يتألم ويهتم بهذا الأمر وهذا ليس ببعيد وحينئذ لا يكون مخالفًا للآية.
نستفيد من قصة عائشة فائدة عظيمة بالنسبة للأحاديث وهي أن الأحاديث التي تخالف ظاهر القرآن لا ينبغي لنا أن نقبلها حتى نتثبت تثبتًا كاملًا، لأنها رضي الله عنها ردته على طول حكمت بوهم الراوي نعم، ومعلوم أنه لو جاءنا شيء يخالف القرآن ولم يمكن الجمع بينه وبين القرآن فلا شك أننا إيش ؟ نوهم الراوي لأن خطأ الإنسان لا شك أنه أقرب من خطأ القرآن القرآن ما فيه خطأ أبدًا، لكن قد يكون الخطأ في الأفهام بحيث لا نستطيع الجمع بينه وبين النصوص الأخرى التي جاءت بها السنة أو يكون الوهم من الراوي، والوهم من الراوي أمر محتمل ولا أحد يستبعد الوهم، لكن إذا رأيتم شيء من الأحاديث يخالف القرآن في ظاهره أو يخالف الأحاديث الصحيحة المتلقاة بالقبول من أهل العلم فلا تتسرعوا في الحكم عليه بالتصحيح ولو كان ظاهر سنده الصحة حتى تتأكدوا لأنه لا بد إذا كان يخالفها ولا يمكن الجمع لا بد فيه من علة .
10 - وعن ابن عمر عن أبيه رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الميت يعذب في قبره بما نيح عليه ) . متفق عليه . ولهما نحوه عن المغيرة بن شعبة . أستمع حفظ
فوائد الحديث :( الميت يعذب في قبره بما نيح عليه ).
ويستفاد منه : أن الميت يحس بما يصنعه أهله يحس بما يصنعه، لأنه لولا أنه يحس بهذا النوع ما تعذب به في قبره وقد روي روي أحاديث لكن فيها نظر أن الأعمال تعرض على أقارب الميت ولاسيما أبواه، فإن كانت خيرًا استبشروا بها والله أعلم بصحة هذا، لكننا نحن لا لا في مثل هذه الأمور الغيبية لا نتجاوز ما ورد به النص كل الأمور الغيبية ما فيها قياس، ولهذا لا نتجاوز ما ورد به النص فالميت تقدم لنا أنه يسمع قرع نعال المشيعين له إذا انصرفوا عنه، وهذا الحديث يدل على أنه يسمع نوحهم، وورد أيضًا في حديث صححه ابن عبد البر وأقره ابن القيم أن الإنسان إذا سلم على صاحب القبر وهو يعرفه فإن الله يرد عليه روحه ويرد عليه السلام، ولكننا نتوقف ما نحكم بحكم عام من أجل هذه النصوص الفردية، لأن هذه أمور غيبية فالواجب علينا أن نقتصر فيها على ما جاءت به النصوص، وإن كان الفقهاء رحمهم الله قالوا : إن الميت يتأذى بكل منكر عنده سواء كان قولًا أو فعلًا، لكن هذه القاعدة التي ذكروها تحتاج إلى ما يسندها من الدليل عن الرسول عليه الصلاة والسلام.
ويستفاد من هذا الحديث : إثبات الأسباب منين نأخذه ؟ من ( بما نيح عليه ) الباء للسببية وقد تقدم لنا ذلك وأن الذي خالف في هذا من ؟ الأشاعرة نعم ينكرون الأسباب ويقولون : إن الأسباب لا تأثير لها وإنما هي علامات مجردة فقط والمؤثر هو الله فإذا رميت زجاجة بحجر وانكسرت يقولون : إن الزجاجة لم تنكسر بالحجر، لكن وقوع الحجر عليها أمارة فقط يحصل بها الانكسار فالكسر حصل عند الحجر لا بالحجر دخلت ورقة في النار وهي تلتهب واحترقت الورقة قالوا : النار ما أحرقتها ليش ؟ قال : النار ما تحرق لأنك لو أثبت أن النار تحرق أثبت خالقًا مع الله أي نعم ويش اللي جعل الورقة البيضاء نعم الثخينة المتماسكة ويش اللي جعلها سوداء متداعية إذا قلت النار قال أعوذ بالله هذا شرك كيف ؟ قال : نعم ما تقدر النار تغير عرفتم يا جماعة هذا وجه قوله، إذًا بماذا ليش تغير القرطاس مثلًا إلى هذا الوصف ؟ قالوا : حصل الاحتراق عند النار لا بالنار لا بالنار نعم طيب أنا ركبت أنا لمبة في مكانها وولعت نعم هي لما أمسكت في مكانها هل أنا اللي جعلتها تمسك ؟ لا لكن حصل الإمساك عند فعلي لا بفعلي، أنا الآن أول ما خرجت من المسجد طرحت الباب تطرف الباب بيدي قالوا ما هو أنت اللي طرفته ويش اللي طرفه ؟ عند فعلك حصل التطرف، المهم أن هذا القول في الحقيقة إذا تأمله الإنسان وجد أنه أضحوكة وأن الفطر لا تقبله إطلاقًا، فالصواب أنه يحصل الشيء بسببه لكن من الذي جعل هذا السبب فاعلًا ؟ الله عز وجل، وحينئذ يعود الفعل كله إلى الله، فإن خالق السبب خالق للمسبب لا شك في هذا، وعليه فنقول : في هذا الحديث إثبات الأسباب والعلل وهذا هو الذي دلت عليه النصوص بكثرة سواء كانت الأحكام كونية أو كانت الأحكام قدرية فإنه لا بد فيها من علل لا بد لها من علل وحكم لكنها بعضها بل أكثرها مجهول لنا .
وعن أنس رضي الله عنه قال : شهدت بنتاً للنبي صلى الله عليه وسلم تدفن ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس عند القبر ، فرأيت عينيه تدمعان . رواه البخاري .
اللهم صل وسلم عليه أي البنات ؟ هي أم كلثوم دفنت وحضر النبي عليه الصلاة والسلام دفنها وكانت زوجة لأمير المؤمنين عثمان بن عفان وأختها الأخرى رقية زوجة له أيضًا، ولهذا يسمى ذا النورين فإذا احتجت الرافضة بأن عليًّا زوج بنت الرسول نقول لهم : وعثمان زوج ابنتيه زوج ابنتيه نعم ولو كان هذا يقتضي الفضل لكان عثمان أفضل من علي رضي الله عنه، لو كان مجرد تزوج الإنسان ببنت من بنات الرسول صلى الله عليه وسلم يؤدي إلى الفضل لكان عثمان أفضل من علي رضي الله عنه، لأنه تزوج ابنتيه ولكان العاص بن أبي الربيع مساويًا لمن ؟ لعلي بن أبي طالب، ولكن الفضائل لها أسباب أخر، وقد مر علينا أن الصحيح عند أهل السنة والجماعة أن عثمان أفضل من علي وأن ترتيبهم في الفضيلة كترتيبهم في الخلافة طيب. يقول : ( شهدت بنتًا للنبي صلى الله عليه وسلم تدفن ) تدفن موضعها من الإعراب حال جملة حالية ( ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس عند القبر ) أيضًا هذه الجملة حالية ( وعيناه تدمعان ) حال أيضًا جملة حالية ( وتدمعان ) خبر ومبتدأ في هذا الحديث دليل على جواز البكاء على الميت سواء كان ذلك عند موته أو بعد دفنه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم هنا كان يبكي على ابنته وهي تدفن والبكاء غير النياحة، لأن البكاء شيء تمليه الطبيعة والجبلة وليس فيه صوت صوت يترنم به الإنسان وينوح به كما تنوح الحمام فهو أمر لا بد منه عند كثير من الناس، ودمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موت ابنه إبراهيم فقال : ( العين تدمع والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزنون ) صلى الله عليه وسلم فمجرد البكاء ليس فيه عقوبة، وأتى المؤلف بهذا الحديث لفائدة عظيمة وهي أن الميت لا يعذب ببكاء أهله لا يعذب ببكاء أهله، فإذا جاءتنا كما هي في بعض ألفاظ مسلم : ( يعذب ببكاء أهله ) فلتحمل هذه الأحاديث على أن المراد النياحة، أما مجرد البكاء الذي تمليه الطبيعة وتقتضيه فإن هذا ليس فيه إثم، وليس فيه أيضًا عذاب على الميت، ولهذا جاء في بعض ألفاظ حديث عمر ( إن الميت ليعذب ببعض بكاء أهله ) انتبه لقوله : ( بعض بكاء أهله ) بعض البكاء ما هو ؟ النياحة أما البكاء بدون نياحة فليس فيه تعذيب .
12 - وعن أنس رضي الله عنه قال : شهدت بنتاً للنبي صلى الله عليه وسلم تدفن ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس عند القبر ، فرأيت عينيه تدمعان . رواه البخاري . أستمع حفظ
فوائد حديث:( أنس رضي الله عنه قال : شهدت بنتاً للنبي صلى الله عليه وسلم تدفن ... ).
ويستفاد منه : رقة النبي صلى الله عليه وسلم من قوله : ( وعيناه تدمعان ).
ويستفاد منه : جواز الجلوس عند القبر نعم لقوله : ( جالس عند القبر ).
ويستفاد منه : أنه لا تشرع الموعظة في هذه الحال عند الدفن لأنه لو كانت مشروعة لوعظ النبي صلى الله عليه وسلم عند كل دفن يشهده فإن قلت : أليس في حديث البراء بن عازب أن الرسول صلى الله عليه وسلم جلس وجلس حوله أصحابه كأن على رؤوسهم الطير، فجعل ينكت بالأرض بعود معه وجعل يحدثهم أن الإنسان إذا كان في إقبال من الدنيا وإدبار من الآخرة حصل له كيت وكيت والحديث طويل فهذه موعظة ولا ؟ موعظة فالجواب على ذلك : أن هذه الموعظة حصلت بسبب لأنهم انتهوا إلى القبر ولما يلحد يعني ما بعد انتهوا من لحده وحفره فجلس وجلس الناس حوله، فكان من المناسب أن يحدثهم وهو حديث كحديث المساجد وليس قيام قيامًا يقوم فيه الإنسان ويعظ الناس ويذكرهم، ولا يقال : إن هذه الساعة ساعة يناسب فيها الوعظ لأن القلوب رقيقة والناس يشاهدون المقابر ويشاهدون هذا الميت يدفن فقلوبهم متهيئة للنصيحة لو قال قائل هكذا لقلنا : لا شك أن هذا الأمر كما قلت ولكن هل فعله الرسول عليه الصلاة والسلام إلا في هذه الحال التي اقتضاها سبب ؟ الجواب : لا، وهل الرسول يعلم أن النفوس في مثل هذه الحال رقيقة ومتهيئة لقبول النصيحة ؟ يعلم يعلم ومع ذلك ما فعل وعندي والله أعلم أن الحكمة من هذا لئلا يتخذ هذا الموقف مكانًا للوعظ والخطب، فإنه إذا اتخذ لذلك ربما يأتينا أناس أهل فصاحة وبيان وانطلاق ثم ... يخطب له نصف ساعة ثلثين ساعة نعم ثم ينسى الناس الميت أو ربما يدفن ويشتغلون بهذه المواعظ فخير الهدي هدي النبي صلى الله عليه وسلم، إذا كان الناس جلوسا لانتظار الدفن فهذا لا بأس أن يحدث من حوله بما يرى أنه مناسب، وأما أنه يقوم الرجل فيخطب فإن هذا يعتبر من البدع والدليل على ذلك أن الرسول عليه الصلاة والسلام ما فعله في كل جنازة خرج فيها. ويستفاد من هذا الحديث : أنه يجوز أن ينزل في القبر من ليس قريبًا من الميت، لأن أقرب الناس إلى البنت أبوها وهو الرسول عليه الصلاة والسلام ومع ذلك لم ينزل في قبرها بل أمر أبا طلحة لأنه سألهم قال : ( أيكم لم يقارف الليلة ؟ فقال أبو طلحة : أنا فقال : انزل في القبر فنزل في قبرها ) مع أن أبا طلحة ليس من محارمها وهي امرأة، فيستفاد من هذا الحديث : أن الإنسان يجوز له أن يدع دفن المرأة ويتولاها غيره ممن ليس محرمًا لها وهذا إذا خيف منه الفساد فإنه يمنع منه، يعني بمعنى أننا ننزل رجلًا ليس بثقة يتولى مس المرأة نعم وحملها وإضجاعها في القبر إلا إذا كان إنسانًا ثقة.
قال : " وعن جابر رضي الله عنه " نعم .
الطالب : ... .
الشيخ : نعم .
الطالب : ألا يبقى الإشكال بأن السبب هو .
الشيخ : نعم .
الطالب : ... .
سؤال عن حديث :( الميت يعذب في قبره بما نيح عليه ) ؟
السائل : ... .
الشيخ : نعم إلا إذا كان سببًا له .
السائل : قوله تعالى : (( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة )) .
سؤال عن قوله تعالى (( واتقوا فتنة لا تصبن الذين ظلموا منكم خاصة )) ؟
الشيخ : نعم أي نعم لأن هؤلاء الذين فعلوا الظلم كان هؤلاء الذين ليسوا بظالمين عندهم، ولهذا قال : اتقوا هذه الفتنة وتقوى هذه الفتنة بأن نزيلها ما استطعنا أي نعم، ثم إن العقوبات العامة هذه كالخسف والطوفان وما أشبه ذلك هذه عامة ما هي خاصة نعم .
السائل : شيخ الميت هل نجعله يعلم ما يصنع أهله مطلقًا هكذا ؟
هل الميت يسمع مطلقا هكذا ؟
الشيخ : لا لا لا لا كما قلت لك كل الأمور الغيبية سواء في حال الموت أو غيرها يقتصر فيها على ما جاء به النص فقط .
السائل : ما نقول يسمع .
الشيخ : ما نقول ما نقول .
السائل : ... .
الشيخ : أي إلا النوح .
السائل : قول الرسول : ( من الذي لم يقارف البارحة ) .
الشيخ : نعم نعم .
السائل : ما معناه ؟
ما معنى قوله قوله صلى الله عليه وسلم (لم يقارف ...) لما أراد دفن ابنته رضي الله عنها ؟ وما الحكمة من ذلك ؟
السائل : الحكمة في هذا .
الشيخ : الحكمة والله أعلم قال بعضهم : إن هذا من باب التعريض لعثمان رضي الله عنه، لأن له زوجة أخرى وقد كان عندها في تلك الليلة ولكن هذا بعيد، والرسول عليه الصلاة والسلام ما يشرع مثل هذا الحكم من أجل التعريض بشخص معين، وقيل : إنه إذا كان بعيد العهد بالجماع بعيد عهد بالجماع فإنه لا يكون تذكره له عن قرب والله أعلم، وبعضهم قال : لم يقارف لم يعمل ذنبًا ولكن هذا بعيد إذ أن الرسول ما يمكن يحيل هذا الأمر ويجعله عامًّا بين الناس كأن الذي يقول أنا ما عملت يعني يزكي نفسه، ومن المعلوم أنه إذا سلم أحد من ذنب فالرسول عليه الصلاة والسلام أسلم الناس نعم .
السائل : ... .
الشيخ : ها .
17 - ما معنى قوله قوله صلى الله عليه وسلم (لم يقارف ...) لما أراد دفن ابنته رضي الله عنها ؟ وما الحكمة من ذلك ؟ أستمع حفظ
سؤال عن رأي عائشة رضي الله عنها لحديث ( الميت يعذب في قبره بما نيح عليه ) ؟
الشيخ : نعم .
السائل : ... .
الشيخ : نعم هي تريد أن تقول إن هؤلاء وهموا وإن الرسول قال هذا في اليهودية، يعني ما قاله قولًا عامًّا هذا الذي تريده .
وعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تدفنوا موتاكم بالليل إلا أن تضطروا ) . أخرجه ابن ماجه ، وأصله في مسلم ، لكن قال : زجر أن يقبر الرجل بالليل ، حتى يصلى عليه .
وقوله : ( إلا أن تضطروا ) هذه استثناء من أعم الأحوال يعني في أي حال من الأحوال لا تدفنوا إلا أن تضطروا يسمون هذا استثناء من أعم الأحوال، لأن الاضطرار هنا حالة وليست إنسان أو شخصًا حتى نقول : إنها من الجنس.
وقوله : ( تضطروا ) أي : يلجئكم شيء إلى الدفن في الليل ويجعلكم تلجؤون إليهم.
وقوله : ( موتاكم ) هذه النسبة لأدنى ملابسة حتى ولو كان من غير أقاربك ولكنه من المسلمين فإنه داخل في هذه الإضافة.
يقول الرسول عليه الصلاة والسلام : ( إلا أن تضطروا ) " أخرجه ابن ماجه " قال المؤلف : " أخرجه ابن ماجه وأصله في مسلم " والذي في مسلم ( أن رجلًا توفي في الليل فكفنوه في غير طائل ثم دفنوه ) فجاء النهي عنه في قوله قال : " لكن قال : ( زجر أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلى عليه ) " ( حتى يصلى عليه ) واعلم أن قوله : ( حتى يصلى عليه ) ليس معناه أنه في النهار يدفن بلا صلاة، لكن ( حتى يصلى عليه ) تحسن صلاته تحسن الصلاة عليه، ففي هذا الحديث ينهى الرسول عليه الصلاة والسلام عن الدفن بالليل، ولكن هذا النهي معلل بعلتين وليت أن المؤلف ذكر أو ساق لو ساق حديث مسلم لكان أولى، ولكنه معلل بعلتين النهي معلل بعلتين العلة الأولى : ألا يحسن كفنه بحيث يكفنوه بما تيسر من غير أن يطلبوا الأفضل والأحسن، والثانية : عدم الصلاة عليه وليس المراد العدم بالكلية، لأن هذا بعيد من الصحابة أن يدفنوه بلا صلاة ولكن الكثرة أو الصلاة بتأن وتؤدة، لأنه قد يكون في الليل يصلون عليه صلاة سريعة لا يأتون فيها بالأكمل وليس المراد نعم حتى يصلى عليه معناه أنه انتفت الصلاة بالكلية أبدًا هذا لا يمكن .
19 - وعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تدفنوا موتاكم بالليل إلا أن تضطروا ) . أخرجه ابن ماجه ، وأصله في مسلم ، لكن قال : زجر أن يقبر الرجل بالليل ، حتى يصلى عليه . أستمع حفظ
فوائد حديث : ( لا تدفنوا موتاكم بالليل إلا أن تضطروا ).
ويستفاد منه : النهي عن الدفن بالليل إلا عند الضرورة لقوله : ( إلا أن تضطروا ) ولكن هذا النهي كما قلت منصب على ما إذا كان هناك تقصير في تكفينه أو الصلاة عليه، وكذلك لو كان هناك تقصير في تغسيله بحيث لم يجدوا إلا ماء قليلا لا يحصل به الإنقاء فإننا نقول : انتظروا إلى الصباح، أما إذا لم يكن هناك سبب يقتضي التأجيل فقد ثبت أن أن الأموات يدفنون بالليل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، مر علينا قصة المرأة التي كانت تقم المسجد فدفنوها في الليل ولم ينههم الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك، والصحابة رضي الله عنهم دفنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلًا فإنه توفي يوم الاثنين ودفن ليلة الأربعاء، وكذلك دفن أبو بكر ليلًا وهذا دليل على أن الصحابة رضي الله عنهم فهموا من النهي متى ؟ إذا كان هناك تقصير فيما يجب للميت إما بالتغسيل أو التكفين أو الصلاة، فإن لم يكن تقصير فلا حرج وكذلك أيضًا لو كان هناك خوف على الميت من أن يتشقق لو بقي إلى الصباح فإنه يدفن بسرعة، وكذلك لو كان عليه خوف لو دفن في النهار فإنه يدفن في الليل كما ذكر عن عثمان رضي الله عنه أنهم دفنوه ليلًا خفية خوفًا ممن ؟ من الخوارج الذين قتلوه أن ينبشوه ويمثلوا به فإن قلت : ظاهر هذا الحديث جواز الدفن في كل وقت إلا في الليل في حالة الإخلال فنقول : نعم هذا ظاهره، لكن هذا الظاهر مقيد بحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : ( ثلاث ساعات نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا : حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع - يعني قيد رمح - وحين يقوم قائم الظهيرة وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب ) هذه ثلاث ساعات ينهى عن الصلاة فيها وعن دفن الموتى، فمثلًا لو وصلنا بجنازة إلى المقبرة ووجدنا أن القبر لم يحفر وبقينا نحفر القبر حتى خرجت الشمس عند انتهاء حفر القبر فإنه لا يجوز أن يدفن الميت حتى ترتفع قيد رمح وذلك نحو ربع ساعة من طلوعها، وكذلك لو أتينا به في الضحى عند الزوال فإنه إذا بقي على الزوال نحو خمس دقائق فإننا لا ندفنه، وكذلك إذا ذهبنا به في العصر وتضيفت الشمس للغروب لم يبق عليها إلا مقدار رمح فإننا لا ندفنه حتى تغرب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك .
وعن عبدالله بن جعفر رضي الله عنهما قال : لما جاء نعي جعفر - حين قتل - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اصنعوا لآل جعفر طعاماً ، فقد آتاهم ما يشغلهم ) . أخرجه الخمسة إلا النسائي .
21 - وعن عبدالله بن جعفر رضي الله عنهما قال : لما جاء نعي جعفر - حين قتل - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اصنعوا لآل جعفر طعاماً ، فقد آتاهم ما يشغلهم ) . أخرجه الخمسة إلا النسائي . أستمع حفظ
فوائد حديث :( عبدالله بن جعفر رضي الله عنهما قال : لما جاء نعي جعفر ... ).
ومنها : أنه يسن بعث الطعام إلى أهل الميت في اليوم الذي يموت فيه لأنه يقول : ( لما جاء نعيه ) وقد سبق لنا أنه أن نعيهم كان في اليوم الذي ماتوا فيه.
ومنها أيضًا : أن هذا الطعام يسن صنعه أهل الميت إذا علمنا أنه أتاهم شيء يشغلهم، أما إذا علمنا أنهم لا يهتمون بذلك مثل أن يكونوا في فندق أو في شيء يجهز لهم الطعام يعني ليس هم الذين يصنعونه فإن ظاهر التعليل أنه لا يسن.
ومن فوائد الحديث أيضًا : أن فيه تطبيقًا للأصل الأصيل وهو تعاون المؤمنين بعضهم ببعض فإن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا، فهؤلاء الذين اشتغلوا بما أتاهم أو بما حل بهم من المصيبة كان ينبغي أن يعينهم إخوانهم على مصالحهم بصنع الطعام طيب وهل نأمرهم بأن يجتمع الناس إليهم ؟ نعم لا، ولهذا قال العلماء : إنه يكره الاجتماع للتعزية وانتظار المعزين خلافًا لما يفعله كثير من الناس اليوم تجدهم يجتمعون في البيوت استقبالًا لمن يأتون للتعزية، وهذا لا أصل له وأقبح منه أن بعض الناس يصنع ما يشبه وليمة العرس من قهوة وشاي ويجمع ناسا كثيرين وأحيانًا ... في السوق في الأسواق وربما يأتون بشخص يقرأ القرآن لكن بأجرة ليس تطوعًا ولا تبرعًا، وكل هذا من البدع التي ينهى عنها لأنها لم تكن في عصر الصحابة رضي الله عنهم ولا زمن أتباعهم بإحسان طيب، وهذا الذي يقرأ هل ينتفع الميت بقراءته ؟ لا الظاهر ما فيه خلاف هذا، لأن هذا يقرأ للدنيا لو ينقص مما جعل له شيء قليل ما قرأ يمكن يبقى قرش أسقط القراية مما يقرأه نعم فإذًا إنما يقرأ لماذا ؟ للدنيا وإذا كان لا يقرأ إلا للدنيا فإنه لا أجر له، لأن من شرط الأجر على قراءة القرآن أن تكون خالصة لله عز وجل، أما أن تكون للدنيا فلا أجر له، وحينئذ يكون فيها ضياع وقت وإتعاب بدن وضياع مال وإثم على هذا القارئ، ولهذا أنا أنصح الإخوان الذين في بلادهم مثل هذه الأمور أن يحرصوا على إزالتها، ولكن بالحكمة لأن الشيء المعتاد عند العامة يصعب على الإنسان أن يقوم أمامهم مواجها ويقول : هذا خطأ هذا منكر هذا محرم يمكن لو فعل هكذا لقاموا عليه أمثال الذر على العظم ثم أكلوه أكلًا، ولكن ممكن أن يتكلم مع واحد من المسؤولين عن هذه القضية نعم إذا مات الميت لشخص تذهب إليه قبل أن يصنع تقول : لا تفعل مثلما يفعل الناس الآن تبين له الحق، والغالب أن الحق إذا بين بلطف مع إخلاص النية لله عز وجل الغالب أنه يقبل، طيب وهل يستفاد من هذا الحديث : أنه لا يصنع الطعام إلا من كان قريبًا من أهل الميت أو نقول : إن هذه وقعت اتفاقًا وأن العبرة بعموم العلة ؟ هذا هو الظاهر الظاهر أنه حتى الأصحاب إذا كان هناك أصحاب لأهل الميت ورأوا أنهم يصنعون لهم الطعام ويبعثون به إليهم فإن هذا مشروع .
وعن سليمان بن بريدة عن أبيه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقولوا : ( السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، نسأل الله لنا ولكم العافية ) . رواه مسلم .
الطالب : ... .
الشيخ : للاحقون لا عندي بدون توكيد لاحقون طيب ننظر ( كان يعلمهم ) المعروف أن كان إذا كان خبرها مضارعًا فإنها تفيد الاستمرار غالبًا.
وقوله : ( يعلمهم إذا خرجوا أن يقولوا ) كلمة إذا خرجوا ليست متعلقة بـيعلمهم ولكنها متعلقة بـيقولوا كان يعلمهم أن يقولوا إذا خرجوا نعم ويحتمل أنها متعلقة بـيعلمهم، ويكون تعليم النبي صلى الله عليه وسلم إياهم حين يخرجون معه إلى المقبرة لكن الاحتمال الأول أقرب ( السلام عليكم أهل الديار ) السلام عليكم جملة خيرية والسلام بمعنى السلامة من كل الآفات ويدخل فيها السلامة من عذاب القبر.
وقوله : ( أهل الديار ) أهل منصوب على أنها منادى وحرف النداء محذوف أي : يا أهل الديار و( الديار ) الديار هي محل الإقامة ديار محل الإقامة فديار الناس في الحياة الدنيا هي القصور وديار أهل المقابر القبور، ولهذا قال : ( أهل الديار ) طيب وقوله : ( من المؤمنين والمسلمين ) هذه من بيانية بيان لأهل الديار وعطف المسلمين على المؤمنين يفيد التغاير، لأن هذا هو الأصل والفرق بينهم أن المؤمن أكمل حالًا من المسلم، لأن المؤمن استسلم لله تعالى ظاهرًا وباطنًا والمسلم استسلم ظاهرًا وقد يكون عنده تقصير في الباطن، ولهذا قال الله تعالى : (( قالت الأعراب آمنَّا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولمَّا يدخل الإيمان في قلوبكم )) ما دخل إلى الآن لكنه حري بالدخول، لأن لمّا تفيد قرب الوقوع تفيد النفي مع قرب الوقوع.
وقوله : ( وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ) ( وإنا إن شاء الله ) إن للتوكيد وخبرها لاحقون، وجملة ( إن شاء الله ) معترضة بين اسم إن وخبرها.
وقوله : ( نسأل الله لنا ولكم العافية ) ( نسأل الله لنا ولكم العافية ) عافيتنا نحن أول ما يتبادر إلى الأذهان عند أكثر الناس أنها عافية للبدن من الأسقام، ولكنها في الواقع عافية البدن من الأسقام وكذلك القلب عافيته من الأمراض لأن مرض القلب يجب على الإنسان أن يسأل السلامة منه فهو أشد من مرض البدن العافية لهم بالنسبة لعافية قلوب الموتى غير واردة هنا لماذا ؟ لأنهم ماتوا فليس لهم عمل، لكن عافية الأبدان والأرواح واردة من أي شيء يعافون ؟ من العذاب يعافون من العذاب نرجع الآن إلى هذا الحديث إلى الحديث فنقول : كون الرسول عليه الصلاة والسلام يعلم أصحابه إذا خرجوا إلى المقابر أن يقولوا هكذا يدل على اهتمام الرسول عليه الصلاة والسلام بهذا الدعاء وأنه ينبغي للمسلم أولًا : اهتمام الرسول بهذا الدعاء، وثانيًا : أنه ينبغي للمسلم أن يدعو به إذا خرج إلى المقبرة، ولكن هل إذا خرج بمجرد خروجه من بيته أو حتى يصل ؟ لا شك أن المراد حتى يصل إلى المقبرة، ومنها قوله : ( السلام عليكم أهل الديار ) أنا عندي بالشرح ( السلام على أهل الديار ) هكذا عندكم في الأصل أي الأصل وهناك فرق بين اللفظين، لأنه إذا كان عليكم فهو خطاب لأهل القبور، هل يستفاد منه أن أهل القبور يسمعون ذلك لأن خطاب من لا يسمع لغو من القول أو يحتاج إلى ثبوته، لكن الحديث الذي بعده واضح أنه يخاطبهم أما على الرواية الثانية السلام على أهل الديار فليس فيه إشكال طيب إذًا إذا صح اللفظ بالخطاب وينبغي أن نرجع إلى أصل مسلم إذا صح اللفظ بالخطاب فإنه يحمل على أحد وجهين : إما أن الأموات يسمعون ليصح الخطاب، وإما أنه نزل استحضاره إياهم كأنما يشاهدهم نزله منزلة من يخاطب وإن كانوا لا يسمعون، بدليل أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام وإلى الآن عندما تقول : ( السلام عليك أيها النبي ) هل الرسول عليه الصلاة والسلام حاضر عندهم ؟ لا ما هو حاضر لا شك لأنه يسلم عليه في أقصى المدينة وفي بلاد أخرى فهم لا يخاطبونه مخاطبة الحاضر، ولكن يقول شيخ الإسلام : إن هذا من باب قوة استحضار القلب لهذا المدعو له كأنه أمامك تخاطبه، فإذا كان الاحتمال هنا واردا على الاحتمال الأول فإنه لا يمكن أن تجزم بأن أهل المقابر يسمعون سلام الناس إذا سلموا عليهم لا نجزم ما دام الاحتمال واردًا، لأن المعروف أنه إذا حصل الاحتمال بطل الاستدلال لأنه ما يتعين أن يكون دالًّا على ذلك .
23 - وعن سليمان بن بريدة عن أبيه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقولوا : ( السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، نسأل الله لنا ولكم العافية ) . رواه مسلم . أستمع حفظ
فوائد حديث :( سليمان بن بريدة عن أبيه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقولوا ... ).
ويستفاد من الحديث : الفرق بين الإيمان والإسلام وهذا موضع اختلف الناس فيه فمنهم من قال : إن الإسلام هو الإيمان، ومنهم من فرق بينهما وسبب هذا الاختلاف ظواهر بعض النصوص فإن بعض النصوص يفهم منها أن الإسلام والإيمان شيء واحد مثل قوله تعالى : (( فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين * فما وجدنا فيها غير بيتٍ من المسلمين )) فلما قال : (( فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين * فما وجدنا فيها غير بيتٍ من المسلمين )) فدل هذا على أن الإيمان والإسلام واحد، وقال بعض أهل العلم وهو الحق : إن الإيمان غير الإسلام ودليل ذلك قوله تعالى : (( قالت الأعراب آمنَّا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا لوما يدخل الإيمان في قلوبكم )) وقوله في حديث جبريل : ( أخبرني عن الإسلام ؟ فقال : أن تشهد لا إله إلا الله ثم قال : أخبرني عن الإيمان ؟ ) فدل ذلك على أن الإيمان غير الإسلام وهذا هو الحق، لكن إذا انفرد أحدهما دخل فيه الآخر إذا انفرد أحدهما دخل فيه الآخر فقوله تعالى : (( ورضيت لكم الإسلام دينًا )) وقوله : (( إنَّ الذين عند الله الإسلام )) يدخل فيه الإيمان ولا لا ؟ لا شك أنه يدخل فيه الإيمان، وكذلك قوله تعالى : وعد الله الذين آمنوا منهم لا وعملوا الصالحات تأتي الإسلام (( واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات )) نعم ما فيها ذكر الإسلام يدخل فيها المسلمون ولا لا ؟ يدخل فيها أما إذا قرنا فإن الإيمان شيء والإسلام شيء آخر، والجواب عن الآية الكريمة في لوط : (( فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين * فما وجدنا فيها غير بيتٍ من المسلمين )) أن الله لم يقل : فما وجدنا فيها غير المسلمين قال : (( غير بيت من المسلمين )) وهذا صحيح فإن بيت لوط بيت إسلام لأن امرأة لوط لم تكن تعلن الكفر كما قال تعالى : (( فخانتاهما )) فهي تظهر أنها مسلمة فالبيت بيت إسلام، لكن الذي نجا من ؟ المؤمن من هذا البيت من بيت الإسلام.
ويستفاد من الآية فائدة عظيمة جدًّا : وهي أن ما غلب عليه حكم الإسلام فهي دار إسلام وإن كان فيها كفار ما دام غلب عليها الإسلام وظهرت فيها شعائر الإسلام فهي بلد إسلام، وإن كان فيها كفار ولو كثروا ما دام الغلبة والظهور للمسلمين.
وقوله : ( وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ) يستفاد منها : أن الحي سيموت ولا ما يستفاد ؟ يستفاد ( وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ) نعم ولكن ما الغرض ؟ لهذه الجملة غرض وهي تذكير الإنسان نفسه بمآله وأنه سيلحق بهؤلاء الأموات ففيه إشكال تعليق بالمشيئة إن شاء الله سيأتي في الدرس القادم ( المؤمنين والمسلمين ) ذكرنا أنه قال : ( من المؤمنين والمسلمين ) لأن الأموات الأموات في الواقع منهم مؤمن ومنهم مسلم فكامل الإيمان كامل الإيمان مؤمن المحافظ على ما أمر الله والمبتعد عما نهى الله ومن كان دون ذلك فهو مسلم ولا شك أن في المقابر من هو مؤمن ومن هو مسلم، ولهذا قال : ( من المؤمنين والمسلمين ) قال : ( وإنا إن شاء الله تعالى بكم لاحقون ) وإنا الضمير يعود على نفس القائل أو عليه وعلى الأحياء الذين معه إن كان معه أحياء أو من على الأرض الآن، المهم أن هذا الضمير الذي هو ضمير المعظم نفسه أو ضمير ممن معه غيره صالح لهذا ولهذا وقوله : ( إن شاء الله بكم لاحقون ) هذا التعليق على جملة خبرية لأن ( إنا لاحقون ) جملة خبرية ما فيها إشكال وهي جملة أيضا معلومة متيقنة ولا غير متيقنة ؟ متيقنة كل سيموت فلماذا جاء التعليق إن شاء الله ؟ اختلف العلماء في الجواب عن هذا فقيل : إنه لمجرد الامتثال لقوله تعالى : (( ولا تقولنَّ لشيءٍ إنِّي فاعلٌ ذلك غدًا * إلَّا أن يشاء الله )) وهذا القول فيه نظر لأن قوله : (( ولا تقولنَّ لشيءٍ إنِّي فاعلٌ )) إنما هو بالنسبة لما تفعله أنت، أما الموت فليس من فعلك وهو متحقق لكن ما تفعله وهو مستقبل لا تقل : إني فاعله وتجزم أنك ستفعله لأن الأمر بيد من ؟ بيد الله فقل : إن شاء الله وقيل : إنها قيلت للتبرك مجرد تبرك نعم وهذا أيضًا فيه نظر، لأن مجرد التبرك بمثل هذا التعبير لا وجه له، وقيل : إنها ذكرت نعم ذكر التعليق بناء على الحال أو المكان كيف الحال والمكان ؟ الحال يعني أنتم متم على الإيمان والإسلام فأقول : إن شاء الله باعتبار أنني أموت على ما متم عليه لا تعليقا للموت لأن الموت سيكون ( وإنا بكم لاحقون ) ويش عليه ؟ على الإيمان والإسلام لا على مفارقة الدنيا لأنها ما تحتاج إلى تعليق المشيئة أو في المكان، لكن هذا لا يكون إلا لأهل بقيع الغرقد، أما غيرهم فإنه ليس له خصيصة الدفن في غير البقيع ليس له خصيصة، أما في البقيع فله خاصية وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد ) وهذا الدعاء قد يكون شاملًا لكل من يدفن فيه وقد يكون خاصًّا لمن كانوا في ذلك الوقت الذي دعا فيه الرسول عليه الصلاة والسلام، فيكون هنا إن شاء الله عائدًا إلى إلى المكان أما عوده إلى الحال فهو صالح لكل بلد وقيل : إن التعليق هنا للتعليل أن التعليق للتعليل المعنى أننا بمشيئة الله لاحقون بكم أي : أن موتنا يكون بمشيئة الله ففيه تفويض الأمر إلى الله عز وجل قالوا : والتعليق هنا يراد به التحقيق مقرونًا بماذا ؟ بمشيئة الله يراد به التحقيق مقرونا بمشيئة الله، فيكون ذكر التعليق من باب التعليل كأنه قال : وإنا بمشيئة الله بكم لاحقون قالوا : ومثل ذلك قوله تعالى : (( لتدخلنَّ المسجد الحرام إن شاء الله آمنين )) فإن هذا لا يتصور فيه إلا أن يكون من باب التعليل بالمشيئة وأن الأمور كلها بمشيئة الله عز وجل طيب ثم قال : ( نسأل الله لنا ولكم العافية ) الأقرب الأخير أقربها الأخير لأن ما فيه تكلف وواضح جدًّا أن المراد به التعليل فيكون هذا من باب تحقيق أن كل شيء بمشيئة الله يقول : ( نسأل الله لنا ولكم العافية ) السؤال هنا سؤال استفهام ولا سؤال استجداء ؟ استجداء لأن السؤال إذا كان سؤال استفهام واستخبار فإنه يعدى بـعن فتقول : سألت زيدًا عن كذا وإذا كان السؤال سؤال استجداء فإنه يتعدى بنفسه فيقال : سألت زيدا كذا، وهنا من هذا الباب الحديث من هذا الباب المفعول الأول الله والمفعول الثاني العافية العافية للإنسان في الدنيا تكون من أمراض القلوب وأمراض الأبدان والعافية للأموات تكون من أمراض الأبدان أي من العذاب الذي سببه مرض القلب من العذاب الذي سببه مرض القلب أمراض الأبدان يعرفها الأطباء الذين تعلموا هذه المهنة الطب الجسمي البدني، وأمراض القلوب يعرفها أهل العلم وهي تدور على شيئين : شبهة وشهوة شبهة وشهوة ففي قوله تعالى : (( فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض )) شهوة مرض شهوة، وفي قوله تعالى عن المنافقين : (( في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضًا )) هذا شبهة فالأمراض القلبية كلها لو تأملتها لوجدتها تدور على هذين المرضين : شبهة دواؤها العلم، وشهوة ويش دواؤها ؟ دواؤها العمل - يرحمك الله - على صراط الله المستقيم ألا يتبع الإنسان نفسه هواها، بل ينظر إلى ما يرضي ربه سبحانه وتعالى فيقوم به ولو عصى نفسه ولو أهان نفسه ولو أذلها، لأن إهانة الإنسان نفسه لله عز ورق الإنسان لربه حرية نعم إذًا نقول : العافية بالنسبة للأموات هي العافية من آثار الذنوب التي هي أمراض القلوب، وأما بالنسبة لنا فمن إيش ؟ أمراض الأبدان وأمراض القلوب فإن قلت : ولنا أيضًا يمكن أن يكون لنا عذاب على أعمالنا ؟ قلنا : العذاب على أعمالنا في الدنيا لا يتجاوز هذين الأمرين، لأن الإنسان قد يعاقب على الذنب بفساد قلبه والعياذ بالله سواء من شهوة أو شبهة، وقد يعاقب على الذنب بالأمراض بالآفات المادية النقص في الأموال والأنفس والثمرات.
نستفيد من هذا الحديث عدة فوائد : أولًا : نصح النبي صلى الله عليه وسلم لأمته من أين يؤخذ ؟ من قوله : ( يعلمهم ) وأن الرسول صلى الله عليه وسلم بلغ البلاغ المبين.
ويستفاد منه أيضًا : مشروعية الدعاء لأهل القبور بما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم، لأن الدعاء أحسنه وأجمعه وأنفعه ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولكن مع هذا إذا دعوت أنت بغيره مما أباح الله فلا حرج طيب.
ومن فوائد الحديث : جواز مخاطبة أهل المقابر لقوله : ( السلام عليكم ) ( السلام عليكم ) فإن قلت : هذا يشكل كيف تخاطب أقواما قد ماتوا ورمّوا ؟ فما الجواب ؟ الجواب أننا علينا أن نفعل وليس علينا أن نقول : لم ؟ الرسول عليه الصلاة والسلام أمرنا بذلك، ومن الجائز أن الله تعالى يسمعهم هذا السلام ومن الجائز أن يكون الخطاب ليس للإسماع، ولكنه لقوة استحضار الإنسان لهؤلاء الأموات كأنهم بين يديه يسلم عليهم، ونظير ذلك قولنا : ( السلام عليك أيها النبي ) وخطاب من لا يعقل خطاب ممكن وقد جرى عليه الناس، فهذا عمر يقول للحجر : ( إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع - يعني الحجر الأسود - ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك ) على أني لا أريد أن أقيس مسألة أهل القبور بالحجر، لأن الحجر عندنا واضح أنه جماد وأنه لن يرد إلا على سبيل أن يكون آية أو كرامة، لكن أهل القبور أمرهم غيبي فقد يكونون يسمعون هذا الدعاء طيب.
ومن فوائد الحديث : أن الإيمان والإسلام متباينان لقوله : ( من المؤمنين والمسلمين ) ووجه ذلك أن الأصل في العطف التغاير قد يكون تغايرًا بالذوات أو تغايرًا بالصفات، إلا ما قام الدليل على أنه ليس متغايرًا فيعمل به مفهوم طيب، وقد مر علينا مرات كثيرة أن الإيمان والإسلام إذا انفرد أحدهما شمل الآخر وضربنا لذلك أمثلة. ومن فوائد الحديث : أن القبور ديار أهل القبور لقوله : ( أهل الديار ) وهو كذلك فإنها ديارهم، لكنهم أقوام متجاورون ولا يتزاورون طيب يقول.
ومن فوائد الحديث أيضًا : أنه ينبغي للإنسان أن يعلق كل شيء بمشيئة الله فإن كان أمرًا محتمل الوقوع فهو من باب التفويض .