تتمة المناقشة السابقة.
خالد يبين لنا بمثال لمن نقضوا العهد في عهد الرّسول صلّى الله عليه وسلّم؟
الطالب : قريش.
الشيخ : قريش، أي عهد نقضوه؟
الطالب : عهد الحديبية.
الشيخ : طيب وغيرهم؟
الطالب : غير قريش؟
الشيخ : إي.
الطالب : بنو قريظة.
الشيخ : وغيرهم؟
الطالب : بنو النّضير.
الشيخ : وغيرهم؟ عبيد الله؟
الطالب : بنو قينُقاع.
الشيخ : إي صحيح، يعني اليهود، طوائف اليهود الثلاثة الذين جرى بينهم وبين الرّسول صلّى الله عليه وسلّم العهد حين قدم المدينة كلّهم نقضوا العهد، نعم، نأخذ أسئلة في باب الجزية ولاّ؟
الطالب : ما راجعنا.
الشيخ : هاه؟ ما راجعتم؟
ما معنى قولنا إن إقامة المشركين في جزيرة العرب يحرم للمستوطن فقط ما معنى المستوطن ؟
السائل : بارك الله فيكم، ما معنى قولنا: أنّ إقامة المشرك في جزيرة العرب يحرم للمستوطن فقط؟
الشيخ : نعم.
السائل : ما معنى مستوطن؟
الشيخ : المستوطن الذي ينزل يعني يسكن ويكون قد هاجر من بلاده مثلا، أمّا إنسان أقام لعمل أو حاجة تنقضي فهذا لا بأس به.
السائل : ولو جاء مديرا أو وجيها؟
الشيخ : هذه مسألة تتعلّق بالحاجة، إذا دعت الحاجة والمصلحة إلى أنّه يبقى، يعني أحيانُا يكون المدراء من هؤلاء ليس عندنا من يقوم مقامه، والمدير أيضا ما هو مستوطن في أيّ يوم يقولون له امشي.
سؤال عن بعض صلاحيات ولي الأمر ؟
الشيخ : فهذا يرجع إلى أمانة الإمام.
السائل : هاه؟
الشيخ : يرجع إلى أمانة الإمام، أقول: يرجع إلى أمانته، وتعرف أنّ ولاة الأمور في الدّول خصوصا في الوقت الحاضر ليسوا كلّهم على المستوى الذي يثق به الإنسان لا في دينهم ولا في أمانتهم، نعم؟
السائل : بارك الله فيكم، بالنّسبة للغال والسارق ، السارق تقطع يده والعال لا.
الشيخ : نعم.
السائل : لماذا نفرق ؟
الشيخ : لأنّ له شبهة إذ أنّ له مشاركة في هذا الذي غلّه، أفهمت؟
الطالب : كيف له شبهة ؟
الشيخ : أليس هو مع الغازين وغانم هو؟
الطالب : نعم.
الشيخ : له نصيب من هذا الذي يغلّ، السّارق لا، ولهذا لو سرق الشّريك من المال المشترك لم تقطع يده.
الفرق بين ما يركب دواب المسلمين من الفيء فهل يحلق بالغال ؟
السائل : الفرق بين الذي يركب دابّة المسلمين من الفيء ويأخذ من الثّياب هل يلحق بالغالّ المعروف ؟
الشيخ : لا، هذا ممّا رخّص فيه الشّرع، هذا ممّا رخّص فيه إذا كان لحاجة، نعم؟
السائل : ...
الشيخ : نخلّيها بعد.
بسم الله الرّحمن الرّحيم :
يقرأ أحدكم.
القارئ : بسم الله الرّحمن الرّحيم :
نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- في: " باب الجزية والهدنة: عن عائذ ابن عمرو المزني رضي الله عنه " .
الشيخ : لا، عندنا عن معاذ بن جبل.
الطالب : أخذناه يا شيخ.
الشيخ : أخذناه؟
الطالب : نعم.
الشيخ : طيب، نعم.
القارئ : " وعن عائذ بن عمرو المزني رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الإسلام يعلو ولا يُعلى ) أخرجه الدار قطني.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام ، وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه ) رواه مسلم.
وعن المسور بن مخرمة ومروان: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج عام الحديبية -فذكر الحديث بطوله-، وفيه: هذا ما صالح عليه محمد بن عبدالله سهيل بن عمرو على وضع الحرب عشر سنين يأمن فيها الناس ويكف بعضهم عن بعض ) أخرجه أبو داود وأصله في البخاري.
وأخرج مسلم بعضه من حديث أنس رضي الله عنه وفيه: ( أن من جاءنا منكم لم نرده عليكم، ومن جاءكم منا رددتموه علينا، فقالوا: أتكتبُ هذا يا رسول الله؟ قال: نعم، إنه مَن ذهب منا إليهم فأبعده الله، ومن جاءنا منهم فسيجعل الله له فرجاً ومخرجاً ) .
وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة ) " .
الشيخ : يرَح، لم يرَح أو يرِح؟
القارئ : يرِح.
الشيخ : نعم، نعم.
القارئ : " ( وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً ) أخرجه البخاري " .
وعن عائذ بن عمرو المزني رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الإسلام يعلو ولا يعلى ) . أخرجه الدار قطني .
الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله وسلّم على نبيّنا محمّد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين:
قال المؤلّف: " وعن عائذ بن عمرو المزني رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الإسلام يعلو ولا يُعلى ) " :
ذكره المؤلّف في باب: " الجزية والهدنة ":
لأنّ من علوّ الإسلام أن يأخذ المسلمون الجزية من غير المسلمين، لأنّ الجزية فيها إهانة وفيها ذلّ كما قال الله تعالى: (( حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ))، فهذا وجه المناسبة.
وقوله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ( الإسلام يعلو ولا يُعلى ) :
هذا خبر لكنّه يتضمّن الحكم، فالإسلام لا شكّ يعلو، ولكن بشرط أن يكون أهله حاملين له حقيقة فإذا حملوه حقيقة نصرهم الله به ودليل هذا في كتاب الله: (( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدّين كلّه ولو كره المشركون )) .
أمّا إذا لم يحمله أهله حقيقة فإنّه يوشك أن يكون هؤلاء الذين لم يحملوه أخبث من اليهود والنّصارى، لأنّ الله تعالى قال: (( مثل الذين حمّلوا التّوراة ثمّ لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا )).
وإذا كان الله قد مَنّ على هذه الأمّة بميزات لم تكن لغيرها كان له عليها من الحقّ ما هو أوكد من حقوق الآخرين، فإذا أَهملوا هذا الحقّ صاروا أخبث، وإذا نظرنا إلى المسلمين اليوم وجدنا أنّهم على اختلاف طوائفهم كلٌّ أخذ بنصيب ممّا عليه اليهود والنّصارى، فالتّحريف لكتاب الله وسنّة رسوله موجود، كما أنّ التّحريف في التّوراة والإنجيل موجود، الحسد موجود، إيثار الدّنيا على الآخرة موجود، إلى غير ذلك، لو تتبّعت أحوال المسلمين اليوم لوجدتهم أو أكثرهم قد أخذوا من خصال الكفّار والمشركين بنصيب، ولذلك وصلوا إلى الحال التي ترى، صاروا من أذلّ الأمم، بل إنّنا إذا اعتبرنا كثرتهم قلنا: هم أذلّ الأمم لأنّ أمّة تبلغ إلى هذا الحد من العدد، وإلى هذا الحد من الغنى في بعض الجهات، ثمّ تذلّ إلى هذا الذّلّ لا شكّ أنّها أردئ الأمم، فإنّ من الأمم من هم دونهم كثرة ودونهم في الغنى ومع ذلك لهم نصيبهم من الكلمة في المجتمعات أكثر من نصيب المسلمين.
فالحاصل أنّ قوله: ( الإسلام يعلو ) متى؟
إذا أخذ أهله به فإنّه سوف يعلو ويعلو بهم أي: يعليهم حتى يكونوا فوق النّاس.
( ولا يُعلى أي: لا يمكن أن يهزم ويكون شيء فوقه وهذه من البشرى، لكنّ هذه الجملة الأخيرة ليست شاملة عامّة بل مقيّدة بقول الرّسول صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ( لا تزال طائفة من أمّتي على الحقّ ظاهرين ) : هذه الطائفة هي التي لا يمكن أن يُعلى إسلامها ، أما الطوائف الأخرى فإنّه قد يعلى إسلامها ، والحقيقة أنّه قد تعلى هي ولا يعلى إسلامها ، الإسلام نفسه لا يمكن أن يعلوه أيّ دين ، لأنّ الدّين الإسلامي هو العالي الظاهر ، لكن إن جاء تسلط غير المسلمين مع ضعف المسلمين فهو لأنّهم لم يقوموا بما أوجب الله عليهم.
5 - وعن عائذ بن عمرو المزني رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الإسلام يعلو ولا يعلى ) . أخرجه الدار قطني . أستمع حفظ
فوائد حديث :( الإسلام يعلو ولا يعلى ).
ويستفاد منه أيضًا: بيان مرتبة الدّين الإسلامي، وهو أنّه لا يمكن أن يعلوه أيّ دين لقوله: ( ولا يعلى ) وهذا خبر كما قلت لكم لكنّه يتضمّن أحكاماً
منها: ما ذكره العلماء: أنّه لا يجوز للكفّار أن يعلوا بنيانهم على المسلمين، إذا كانوا في بلد واحد، وأراد الكافر أن يعلي بنيانه على من حوله من المسلمين فإنّه يمنع، لأنّ الإسلام يعلو ولا يعلى.
ومنها: أنّ العلماء كرهوا أن يكون الإنسان المسلم مستخدما عند كافر يكون خادما له شخصيّا فإنّ هذا من؟
الطالب : الذل.
الشيخ : من إذلال المسلم والعلوّ عليه، ولهذا يستطيع الذي استخدمه أن يقول يا فلان هات حذائي لبّسني إيّاها، اغسل ثوبي النّجس وما أشبه ذلك.
ولهذا قال العلماء: إنّه يكره ولو قيل بالتّحريم لم يبعد.
وأمّا استخدام الكافر للمسلم في جهة لا لعينه كما لو كان الكافر رئيسا في شركة أو ما أشبه ذلك ، فإنّ هذا الذي يخدم ليس يخدم الكافر وإنّما يخدم إيش؟
الشّركة أو المصلحة الحكوميّة أو ما أشبه ذلك ، فلا يعدّ هذا من باب استخدام الكافر للمسلم.
ومنها أي: من الأحكام المترتّبة على أنّ الإسلام هو العلوّ : أنّنا لا نبدأ غير المسلمين بالسّلام ، ولهذا أتى المؤلّف رحمه الله بحديث أبي هريرة بعد ذلك ، لأنّ الإسلام هو الذي يجب أن يُكرم أهلُه وأمّا غير الإسلام فلأهله الإهانة والإذلال.
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام ، وإذا لقيتم أحدهم في طريق ، فاضطروه إلى أضيقه ) . رواه مسلم .
( لا تبدأوا اليهود ) : اليهود هو الذين يدّعون أنّهم أتباع موسى، والنّصارى هم الذين يدّعون أنّهم أتباع عيسى.
سمّي اليهود بذلك نسبة إلى جدّهم يهوذا، وسمّي النّصارى بذلك من المناصرة لأنّهم نصروا عيسى بن مريم ، أعني : أنّ طائفة منهم نصرته، وطائفة لم تنصره كما هو معروف في آية الصّفّ.
وقيل: إنّهم سمّوا نصارى من البلد المعروفة بالنّاصرة، فهو نسبة إلى مكان، وأيّا كان فهم الذين يدّعون أنّهم متّبعون لعيسى بن مريم، وقلنا: يدّعون، وأضربنا عن قول: يتّبعون، لأنّه لا يصحّ أن نقول أنّ النّصارى اليوم متّبعون لعيسى بل هم مكذّبون لعيسى كافرون به لا شكّ، لأنّ عيسى بن مريم قال لهم: (( يا بني إسرائيل إنّي رسول الله إليكم مصدّقا لما بين يديّ من التوراة )) فهذا موقفه من الرّسالات السّابقة.
وموقفه من الرّسالات اللاّحقة قال: (( ومبشّرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد )) ولم يقل مصدّقا بل قال : ومبشّرا، وهذا أبلغ لأنّ المبَشّر به يكون نعمة على من بُشّر به ، فيكون تصديقه من باب تصديق الخبر وشكر النّعم، ومع ذلك رفضوا هذه البشارة وأنكروها ولم يؤمنوا بمحمّد عليه الصّلاة والسّلام، إذن فهم حقيقة كافرون بعيسى ولا شكّ وعيسى خصمهم يوم القيامة، لأنّ الله سيقول له : (( يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للنّاس اتّخذوني وأمّي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي به حق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك )) إلى آخر الآيات، فعيسى هو خصمهم يوم القيامة، وهم مكذّبون له كافرون به، لكن الإسلام لسعته ورحابته أقرّهم على دينهم بالجزية، ولعلّه بما عندهم من الكتاب لعلّهم يهتدون ويرجعون إلى الصّواب.
وقوله: ( لا تبدأوهم بالسّلام ) ولم يقل: بالتّحيّة لأنّ التّحيّة أعمّ، فقد يضطرّ الإنسان إلى بداءتهم بالتّحيّة لكن نقول: لا تبتدأوهم بالسّلام، التحيّة مثل أهلا وسهلا ممكن أن يضطرّ الإنسان إلى أن يقول: لرجل نصراني أو يهودي أو وثني أهلا وسهلا، لكن لا يمكن أن يقول بمقتضى الشّرع إيش؟
السّلام عليكم، ( لا تبدأوهم بالسّلام ).
وعلم من قوله: ( لا تبدأوهم بالسّلام ): أنّنا نردّ عليهم السّلام، لأنّنا إذا رددنا فهم البادؤون، والنهّي إنّما هو عن بدائتهم، أمّا الرّدّ عليهم فلا.
ولكن كيف نردّ عليهم؟
نردّ عليهم بمثل ما حيّونا به، كما قال الله تعالى: (( وإذا حيّيتم بتحيّة فحيّوا بأحسن منها أو ردّوها )) فبدأ بالأحسن ثمّ قال: (( أو ردّوها )) وهو الواجب، فإذا قال اليهودي أو النصراني: السّلام عليكم بلفظ صريح، فأقول: عليك السّلام، بلفظ صريح، وإذا قال: السّام عليك، أقول: وعليك، وإذا احتمل الأمران أقول: عليك أيضًا.
وهذا أيضا من الآداب الإسلاميّة أنّه إذا قال: السّام عليك، لا أقول: وعليك السّام، أكون أنا أحسن أدبا منه، أقول: وعليك، ففي هذه الحال أكون قابلته بما قابلني به، ولهذا لمّا قالت عائشة في ردّها على اليهوديّ الذي مرّ بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقال : السام عليك يا محمّد، قالت: ( وعليك السّامّ واللّعنة ) نهاها الرّسول عليه الصّلاة والسّلام وقال: ( إنّ الله يحبّ الرّفق في الأمر كلّه )، وهذا من آداب الإسلام وعلوّه أن لا أنزل مثله إلى السّاحة التي نزل فيها وهي الدّعاء، بل أقول: عليك، كما قال لي، إن كان قال: السّامّ فهو عليه، وإن كان السّلام فهو عليه أيضا.
وقوله: ( وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه ) : إذا لقيتم أحدهم في طريق فلا تفسحوا له، اضطرّوه أي: ألجؤوه إلى الضّرورة إلى أضيقه، فلا تفسح له مهما كان، ولو كان أكبر منك مرتبة أو أغنى منك أو أعظم منك سلطة لا، لا تفسح له، إن بقي ولم يذهب يمينا ولا يسارا فلا تهتمّ به، اجعله هو الذي يميل يمينا أو يساراً ، وليس المعنى أنّك تلجؤه حتّى تضيّق عليه برصّه على الجدار، لماذا؟
لأنّ قول الرّسول عليه الصّلاة والسّلام يفسّره فعله، وفعل أصحابه، فما كان النّاس في المدينة يفعلون هكذا باليهود الذين فيها، لكن إذا مثلاً لقيناهم ونحن خمسة وهم خمسة والطّريق لا يتّسع إلى لخمسة فقط، فهل نحن نفسح لهم ونمشي واحدًا واحدًا حتى يتجاوزوا أو بالعكس؟
الطالب : بالعكس.
الشيخ : بالعكس، نضطرّهم إلى الأضيق، أمّا نحن فنبقى أعزّاء.
7 - وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام ، وإذا لقيتم أحدهم في طريق ، فاضطروه إلى أضيقه ) . رواه مسلم . أستمع حفظ
فوائد حديث :( لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام ... ).
أوّلًا: النّهي عن بدأ اليهود والنّصارى بالسّلام، والأصل في النّهي التّحريم، ولا سيّما والقرينة هنا تدلّ عليه، وهو أنّ بَداءتهم بالسّلام فيه شيء من إكرامهم وإعزازهم والكافر لا يستحقّ إكراما ولا إعزازا لمّا قال المنافقون ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ، قال الله تعالى: (( ولله العزّة ولرسوله ولرسوله )) وأمّا المنافقون فلا عزّة لهم وكذلك الكافرون.
ومن فوائد الحديث: جواز الرّدّ عليهم يؤخذ من المنطوق أو من المفهوم؟
الطالب : من المفهوم.
الشيخ : من المفهوم، لأنّه إذا كان نهى عن البداءة فالرّدّ جائز.
ولكن هل يجوز أن أزيد في الرّدّ على ما قال إذا قال: أهلا بأبي فلان، إذا قال: السّلام عليك، أقول: وعليكم السّلام ورحمة الله؟
يحتمل الآية تدلّ على أنّه فيه احتمال (( إذا حيّيتم بتحيّة فحيّوا بأحسن منها أو ردّوها )) .
فإذا قال قائل: أنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام نهى عن ابتدائهم؟
نقول: نعم عن الإبتداء لكن الزّيادة هنا صارت تابعة للرّدّ، ويغفر في التّوابع ما لا يغفر في الأوائل، لكن إذا خشينا أن يتعاظم في نفسه لو رددنا عليه بأكثر فحينئذ نمنعه من أجل هذه المفسدة.
ومن فوائد الحديث: أنّ المسلم ينبغي أن يكون عزيزًا في دينه لا بشخصه، فيرى في نفسه أنّه عزيز بما يحمله من دين الله من غير فخر ولا خُيلاء، لأنّه إذا رأى أنّه عزيز بالدّين لم يكن عنده فخر ولا خيلاء لأنّ الدّين يحارب الفخر والخيلاء، لكن لا ينبغي أبدًا أن يذلّ أمام الكفار، وينبني على ذلك أنّنا لا نقلّدهم فيما لا خير لنا فيه، أمّا ما فيه خير كالصّنائع وغيرها فهذا ليس تقليدا لهم في الواقع وإنّما نأخذ من علومهم ما ننتفع به، كما أخذ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مِن عبد الله بن أريقط دلالته على الطّريق، ولم يقل: هذا مشرك فلا آخذ بدلالته، بل أخذ بدلالته.
فإن قال قائل: وهل يلحق غير اليهود والنّصارى بهم في النّهي عن بداءتهم بالسّلام؟
الجواب : نعم ، بل من باب أولى ، لأنّ اليهود والنّصارى أهل كتاب ولهم من الخصائص والمزايا ما لا يوجد في غيرهم ، فإذا كان كذلك فإذا نهي عن بداءتهم بالسّلام فغيرهم من باب أولى.
ومن فوائد هذا الحديث: أنّنا لا نفسح المجال لهم عند الملاقاة في الطرق لقوله: ( وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطرّوه إلى أضيقه ).
ومن فوائد الحديث: أنّه يجوز أن نمكّن اليهود والنّصارى من المشي في الطّرقات وغير ذلك، لأنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام لم يقل : اطردوهم، قال: ( اضطروّهم إلى أضيقه ).
وعن المسور بن مخرمة و مروان : أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج عام الحديبية فذكر الحديث بطوله ، وفيه : ( هذا ما صالح عليه محمد بن عبدالله سهيل بن عمرو على وضع الحرب عشر سنين يأمن فيها الناس ويكف بعضهم عن بعض ) . أخرجه أبو داود وأصله في البخاري . وأخرج مسلم بعضه من حديث أنس ، وفيه : أن من جاءنا منكم لم نرده عليكم ، ومن جاءكم منا رددتموه علينا ، فقالوا : أتكتب هذا يا رسول الله ؟ قال : ( نعم ، إنه من ذهب منا إليهم فأبعده الله ، ومن جاءنا منهم فسيجعل الله له فرجاً ومخرجاً ) .
بدأ الآن في الهدنة لأنّ الباب: " باب الجزية والهدنة ".
وعام الحديبية هو العام السّادس من الهجرة، خرج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من المدينة إلى مكّة معتمرًا في نحو ألف وأربعمائة رجل، لا يريد إلاّ العمرة، ومعه الهدي، وأحرم مِن ذي الحليفة، ولما وصل إلى الحديبية أبى المشركون أن يدخل مكّة، حملهم على ذلك حميّة الجاهليّة، وقالوا : " لا تتحدّث العرب أنّنا أخذنا ضغطة " ، وكان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد أراه الله من الآيات ما يقتضي أن يصالحهم وأن لا يدخل ، وذلك في ناقته حينما بركت وكان يزرجها ولكنّها أبت فقال النّاس : خلأت القصواء : يعني حرنت فلم تحدث مشيًا فقال عليه الصّلاة والسّلام: ( والله ما خلأت وما ذاك لها بخلق ) حتى البهائم لها أخلاق؟
الطالب : نعم.
الشيخ : نعم: ( وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل ) :
الفيل الذي جاء به أبرهة ليهدم به الكعبة ولكنّه أعني الفيل أبى أن يدخل، انحبس في المغمّس، حبس الفيل في المغمّس حتى ظلّ يحبو كأنه مكبولُ.
ثمّ قال: ( والذي نفسي بيده -أو قال- نفس محمّد بيده لا يسألوني خطّة يعظّمون بها حرمات الله إلاّ أجبتهم عليها ) عليه الصّلاة والسّلام، لا ذلاّ لهم ولكن تعظيمًا لحرمات الله، وحصل ما حصل، وجرى الصّلح وكان فيه:
( هذا ما صالح عليه محمّد بن عبد الله ) وكان قد قال: ( هذا ما صالح عليه محمّد رسول الله ) :
ولكن سهيل بن عمرو أبى ، قال: " لو نعلم أنّك رسول الله ما قاتلناك ولا منعناك ، ولكن اكتب محمّد بن عبد الله " ، فقال عليه الصّلاة والسّلام: ( والله إنّي لرسول الله وإن كذّبتموني ، اكتب محمّد بن عبد الله ) :
فأنكر عليه الصّلاة والسّلام إنكارهم أن يكون رسول الله، وأثبت أنّه رسول الله لكن تواضع للحقّ لا للخلق، وقال: ( اكتب محمّد بن عبد الله ) : وهو محمّد بن عبد الله لا شكّ ، لكن وصفه بالرّسالة أفضل من وصفه بالنّسب ، إلاّ أنّه من باب تعظيم حرمات الله.
" ( هذا ما صالح عليه محمد بن عبدالله سهيل بن عمرو على وضع الحرب عشر سنين يأمن فيها الناس ويكف بعضهم عن بعض ) أخرجه أبو داود وأصله في البخاري " :
كتب الكتاب على هذا الشّرط ، وله شروط أخرى لكن هذا هو المقصود من إيراده في هذا الباب.
( هذا ما صالح عليه على وضع الحرب عشر سنين ) : يعني لا حرب بينه وبين قريش لمدّة عشر سنوات ، وأطال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في المدّة من أجل أن يستتبّ الأمن بين الناس، وقد سمّى الله تعالى هذا الصّلح سمّاه فتحاً : (( لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا )) ، فسمّاه الله تعالى فتحًا ، لأنّ النّاس اختلط بعضهم ببعض ، ولأنّه مقدّمة للفتح الأعظم فتح مكّة ، إذ أنّ سبب فتح مكّة هو نقض المشركين لهذا العهد ، فصار كالمقدّمة بين يدي فتح مكّة.
( يأمن فيها النّاس ) من المراد بالنّاس؟
المسلمون والكافرون يأمنون، يذهب الرّجل إلى مكّة ويرجع ويأتي الآت من مكّة ويرجع من دون أن يخاف على نفسه .
والثاني: " ( يكفّ بعضهم عن بعض ) أخرجه أبو داود وأصله في البخاري.
وأخرج مسلم بعضه من حديث أنس وفيه: ( أن من جاءنا منكم لم نرده عليكم، ومن جاءكم منا رددتموه علينا ) " :
من القائل هكذا؟
الطالب : سهيل.
الشيخ : سهيل، ( من جاءنا منكم لم نردّه، ومن جاءكم منّا فردّوه ) : هذا شرط ثقيل جدّا لأنّ ظاهره عدم العدل ، إذ أنّ العدل يقتضي أنّ من جاءنا منهم لا نردّه ، كما أنّه من جاءهم منّا لا يردّونه، أو من جاءهم منّا ردّوه ومن جاءنا منهم نردّه، أمّا أن تكون المسألة بالعكس فالغضاضة فيها على المسلمين ظاهرة.
لكن نظرًا إلى أنّ المقصود بذلك تعظيم حرمات الله صارت فتحاً مبيناً وخيرًا كثيرًا.
وتعلمون ما في القصّة من مراجعة أمير المؤمنين عمر لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى قال له: ( يا رسول الله ألسنا على الحقّ وعدوّنا على الباطل؟ قال: بلى )، وحصل مراجعة بينه وبين الرّسول عليه الصّلاة والسّلام، وبينه وبين أبي بكر، وكان جواب أبي بكر كجواب الرّسول صلّى الله عليه وسلّم سواء بسواء، يقول: ( فقالوا : أتكتب هذا يا رسول الله ؟ قال : نعم، إنه من ذهب منا إليهم فأبعده الله ) : الذي يذهب من المسلمين إلى الكفّار مهاجرًا إليهم لا لغرض تجارة أو نحوها فأبعده الله.
( ومن جاءنا منهم فسيجعل الله له فرجا ومخرجا ) يعني لو رددناه سيجعل الله له فرجا ومخرجاً ، وكان الأمر كذلك، فإنّ من جاءنا منهم ورددناه إليهم جعل الله له فرجاً ومخرجاً كما سيذكر إن شاء الله.
9 - وعن المسور بن مخرمة و مروان : أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج عام الحديبية فذكر الحديث بطوله ، وفيه : ( هذا ما صالح عليه محمد بن عبدالله سهيل بن عمرو على وضع الحرب عشر سنين يأمن فيها الناس ويكف بعضهم عن بعض ) . أخرجه أبو داود وأصله في البخاري . وأخرج مسلم بعضه من حديث أنس ، وفيه : أن من جاءنا منكم لم نرده عليكم ، ومن جاءكم منا رددتموه علينا ، فقالوا : أتكتب هذا يا رسول الله ؟ قال : ( نعم ، إنه من ذهب منا إليهم فأبعده الله ، ومن جاءنا منهم فسيجعل الله له فرجاً ومخرجاً ) . أستمع حفظ
فوائد حديث :( هذا ما صالح عليه محمد بن عبدالله سهيل بن عمرو على وضع الحرب عشر سنين يأمن فيها الناس ويكف بعضهم عن بعض .... )
أوّلًا : بيان غطرسة الكفّار ، وأنّهم يريدون الحيلولة بين المسلمين وبين دينهم ، من أين تؤخذ؟
من منع المشركين رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم أن يقدم إلى مكّة ، مع أنّ قريشًا قد فتحت الأبواب ، بل قد كسّرت الأبواب لكلّ من جاء إلى مكّة ليعتمر ، لأنّهم يستفيدون من ذلك استفادة دعائيّة واقتصاديّة وغير ذلك ، لكن الرّسول لا، يمنعونه، مع أنّه هو وليّ البيت: (( وما كان هؤلاء أولياءه إن أولياؤه إلاّ المتّقون )).
وفيه أيضًا: بيان أنّ من ترك شيئًا لله عوّضه الله خيرًا منه.
ويتفرّع على هذا أن نصبر وإن كان في الأمر غضاضة علينا ما دمنا ننتظر، أو نريد رضى الله عزّ وجلّ.
وفيه أيضاً من الفوائد: جواز مصالحة المشركين على وضع الحرب وهو ما يعرف بالسّلم أو السّلام لمدّة عشر سنين، لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم صالح قريشا على وضع الحرب لمدّة عشر سنين، مع أنّ قريشا أخرجوا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه من ديارهم واحتلّوها وهي أشرف البقاع ، وصالحهم عشر سنوات على ترك الحرب، وعلى هذا فيكون الحديث مخصّصًا لقوله: ( أُمرت أن أقاتل النّاس حتى يشهدوا أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّدا رسول الله ) فيكون هذا مخصّصا لهذا العموم أي: ما لم يكن بيننا وبينهم إيش؟
الطالب : عهد.
الشيخ : عهد أو صلح.
وهل العهد والصّلح جائز للحاجة أو مطلقا؟
الجواب: جائز للحاجة والضّرورة لا مطلقاً، فإذا دعت الحاجة إلى الصّلح بيننا وبين الكفّار فعلنا، وإلاّ فالأصل وجوب القتال.
واختلف العلماء -رحمهم الله- هل هذا خاصّ بقريش، لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم صالحهم تعظيمًا لحرمة البيت أو هو عامّ؟
في هذا قولان للعلماء: منهم من قال: إنّه عامّ وأنّه تجوز مصالحة الكفّار لمدّة عشر سنوات مطلقاً.
ومنهم من قال: هذا خاصّ بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ومن معه وذلك لأنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام قصد بهذا إيش؟
الطالب : تعظيم البيت.
الشيخ : تعظيم البيت لا إقامة الهدنة بينه وبين الكفّار، والصّحيح العموم. وعلى هذا فهل يختصّ جواز المصالحة بهذا القدر من الزّمن أي: عشر سنوات فأقلّ، أو هل لنا أن نزيد لأجل المصلحة؟
الطالب : الثاني.
الشيخ : الصّحيح أنّه لنا أن نزيد لمصلحة لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم فعل ذلك بنفسه أي: عقد عشر سنوات لكنّه لم يقل للناس: لا تعقدوا فوق ذلك، فيكون الأصل الجواز، يعني لنا أن نقول: عشرين سنة، خمسة عشر سنة، لأنّه لا دليل على التّحديد.
وهل لنا أن نطلق أي: أن نصالح صلحا غير مقيّد؟
في هذا خلاف بعض العلماء يقول: لا بأس كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
وبعض العلماء يقول: لا، لا بدّ من التّحديد.
والصّحيح جواز الإطلاق وأنّه يجوز أن نصالح الكفّار على وضع الحرب بدون قيد، وحينئذ نقول: ما دام الأمر مقيّدا بالحاجة، فما دمنا في حاجة إلى بقاء هذا الصّلح فلنبقه، وإذا وجدنا ضعفا في عدوّنا أو وجدنا قوّة فينا فلنا أن ندعو العدوّ إلى الدّخول في الإسلام أو بذل الجزية، ولا حجّة للعدوّ علينا في هذه الحال، لأنّه ليس بيننا وبينه إيش؟
مدّة معيّنة حتى يقولون: غدرتم أو نقضتم العهد، لأنّ العهد مطلق.
وهل يجوز أن نعاهد عهدا دائما؟
لا، لأنّ العهد الدّائم يعني وضع الجهاد وإبطال فرضيّته، وهناك فرق بين الدّائم وبين المطلق:
الدّائم يعني مؤبّد ، فيكتب مثلا بالعهد أنّنا نضع الحرب بيننا وبينهم دائما أو أبدًا هذا حرام ولا يجوز ، لأنّه إبطال فريضة من فرائض الإسلام ، بل جبّ ذروة الإسلام، لأنّ الإسلام ذروة سنامه؟
الطالب : الجهاد.
الشيخ : الجهاد في سبيل الله.
ومن فوائد هذا الحديث: أنّه إذا تمّ الصّلح فإنّه لا يجوز الاعتداء على الكفّار الذين جرى بيننا وبينهم الصّلح، لقوله: ( يأمن فيها النّاس فيكفّ بعضهم عن بعض )، فلا يجوز لأيّ واحد مِن النّاس يعتدي على هؤلاء الذين جرى بيننا وبينهم الصّلح، لأنّهم في عهد، وأوفى النّاس بالعهود هم المسلمون كما قال تعالى: (( والموفون بعهدهم إذا عاهدوا )).
طيب ومن فوائد هذا الحديث في رواية مسلم: جواز مثل هذا الشّرط، أنّ من جاءنا منهم مسلمًا رددناه، ومن جاءهم منّا فإنّه لا يردّ، ونعلّل بما علّل به النبي صلّى الله عليه وعلى آله وعلى آله وسلّم :
أنّ من جاءهم منّا فأبعده الله ولا خير فيه، ومن جاءنا منهم فرددناه فيسجعل الله له فرجا ومخرجا.
وقد حصل هذا كما توقّعه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، بل كما وعد به ، لأنّه قال : ( سيجعل ) والسّين للتنفيس تفيد التّحقيق، من الذي ردّ فجعل الله له فرجا؟
الطالب : أبو بصير.
الشيخ : أبو بصير، أبو بصير جاء مسلماً من قريش فألحقه قريش برجلين يطلبان رجوعه، فلمّا أدركاه في المدينة ردّه النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام وفاء بالشّرط، لأنّ مراعاة المصلحة العامّة أولى من مراعاة المصلحة الخاصّة، فهذا الرّجل الذي ردّ إلى الكفّار لا شكّ أنّ فيه غضاضة عليه عظيمة وربّما يقتلونه، لكن المصلحة العامّة وهي وفاء المسلمين بعهودهم أولى بالمراعاة من المصلحة الخاصّة، لا يقال مثلا : كيف نردّه وهو مسلم؟ هذا إذلال لمسلم، هذا كذا، نقول: نعم هو إذلال لا شكّ لكن المصالح العامّة مقدّمة.
فالمهمّ أنّ الرّسول ردّه فذهب به الرّجلان، وفي أثناء الطريق نزلوا يتغدّون فقال أبو بصير لأحدهم: يمدح سيفه ويثني عليه، فقال ذلك الرّجل: والظاهر أنّه غبيّ قال: نعم ولقد فعلت وفعلت، قال: أعطني نشوف، فأعطاه إيّاه فسلّه وجبّ رأسه.
الثاني: هرب إلى المدينة، إلى الرّسول عليه الصّلاة والسّلام، فلحقه أبو بصير فلمّا وصل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال له أبو بصير: ( يا رسول الله إنّ الله قد أبرأ ذمّتك ووفيت بعهدك ) يعني لا تردّني خلاص، ردّيتني ونجوت، قال: ( ويل أمّه مشعل حرب لو يجد له من يصوغه ): لما قال هذا الكلام كان أبو بصير ذكيّا عرف أنّه سيردّه فهرب، خرج من المدينة، وذهب إلى السّاحل، ساحل البحر، وجلس على الطّريق، كلّما مرّت عير لقريش عدا عليها وأخذ منها، وعلم به المستضعفون من الذين أسلموا في مكّة، علموا به فخرجوا إليه كوّن عصابة ، لكنّها عصابة مسلمة بحقّ ، فكان كلّما جاء شيء لقريش أخذوه فتعبت قريش منهم ، وأرسلوا للرّسول عليه الصّلاة والسّلام فكنا منهم، نعم فهذا الذي حصل، فجعل الله له فرجا ومخرجا، وهكذا ينبغي للإنسان أن يكون واثقا بالله عزّ وجلّ في كلّ شيء، نعم؟
السائل : شيخ قول الله تعالى: (( فلا تهنوا وتدعوا إلى السّلم وأنتم الأعلون )).
الشيخ : نعم.
السائل : ... المسلمين لا يبدؤون بالصلح ؟
الشيخ : إي لكن مقيّدة يا أخي، اقرأ الذي بعدها.
السائل : (( وأنتم الأعلون )).
الشيخ : (( وأنتم الأعلون والله معكم )) من الذي يتّصف بهذه الأوصاف؟ نعم لو اتّصفنا بهذه الأوصاف ما وهنّا ولا حزنّا، نسأل الله السلامة،، نعم ناصر؟
10 - فوائد حديث :( هذا ما صالح عليه محمد بن عبدالله سهيل بن عمرو على وضع الحرب عشر سنين يأمن فيها الناس ويكف بعضهم عن بعض .... ) أستمع حفظ
لماذا لم يرد الرسول صلى الله عليه وسلم أبا بصير لما خرج من المدينة هاربا إنفاذ للعهد مع قريش ؟
الشيخ : لا، لأنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم ليس له سلطة الآن، الرّجل خرج من المدينة، ليس له سلطة عليه، نعم؟
11 - لماذا لم يرد الرسول صلى الله عليه وسلم أبا بصير لما خرج من المدينة هاربا إنفاذ للعهد مع قريش ؟ أستمع حفظ
سؤال عن كون الحكومات الإسلامية اليوم لا تريد الجهاد ؟
الشيخ : هاه؟
السائل : ... وتخليهم عن الدين ، هل ندعوهم إلى الجهاد ؟
الشيخ : هل إيش؟
السائل : هل يدعون إلى الجهاد ؟
الشيخ : يدعون إلى؟
السائل : الجهاد.
الشيخ : المسلمون؟
السائل : نعم.
الشيخ : أمّا على مستوى الحكومات فلا أظنّ هذا، لأنّ الحكومات اللهمّ إلاّ من شاء الله ليس لها نيّة في هذا، ما لها نيّة في الجهاد، وكيف يكون لها نيّة في الجهاد وهي تحكّم غير كتاب الله وسنّة رسوله وتفصل الدّين عن الأمّة؟! والجهاد في سبيل الله معناه أن تجاهد لتكون كلمة الله هي العليا، هذا مفقود في أعظم الحكّام، حكّام المسلمين.
أمّا على المستوى الشّعبي هذا ربّما، يوجد في الدّولة من يرغب في هذا، لكن يبقى النّظر أنّه مشكل أنّهم يقاتلون بغير إمام.
سؤال عن حكم الجهاد بإمام ؟
الشيخ : نعم ؟
السائل : شيخ ألا يكون في دعوة أفراد من العامّة إلى أن يذهبوا إلى الجهاد فتنة مثلا أو إثارة ما يغضب وليّ الأمر؟
الشيخ : أنت سمعت الآن ما قلتُ، أنّ المشكل أنّهم بلا إمام، ولذلك لا أُحسن أن أذكر أو أضع النّقاط على الحروف بالنّتائج التي حصلت من الجهاد بلا إمام، وأنّه حصل أشياء لا تحمد عقباها، فهي مسيئة في الواقع، تسوء الإنسان.
السائل : شيخ بارك الله فيك ...
الشيخ : أحدهم.
السائل : أحدهم ...
الشيخ : يا محمّد بن محجوب لا تحجب عن العلم! الرّسول يتكلّم في بلد الظّهور فيه لمن؟
للمسلمين، لكن تكون في أمريكا الظّهور لمن؟
السائل : للكفّار.
الشيخ : للكافرين.
السائل : لا ، أقصد غير بلاد المسلمين .
الشيخ : هاه؟
بعض بلاد المسلمين حول بلاد الكفّار في هذه الأمور.
بعض بلاد المسلمين الآن يجعلون بين يدي الكفّار قوما يبعدون الناس عنهم أكثر من أن نضطرّهم إلى أضيق الطريق .
السائل : هل هذا من الجهاد يا شيخ ؟
الشيخ : ... ما يمكن هذا.
سؤال عن معنى حديث : ( إذا لقيتم اليهود والنصارى فاضطروهم إلى أضيقه ... ) ؟
السائل : كيف نضطرّهم إلى أضيق الطرق ويكون فيها سيارات يا شيخ ؟
الشيخ : هههه، أي والله عجائب! إذا قابلونا في السّيّارة ونحن في السيّارة نجعلهم هم الذين يضطرّون إلى أضيق الطّريق.
المدينة في عهد الرّسول فيها أسواق هكذا؟
العلماء والفقهاء الذين جاؤوا بعد الرّسول صلّى الله عليه وسلّم بأزمنة طويلة قالوا : إذا اختصم النّاس في الطّريق يجعل سبعة أذرع ، هذا أوسع طريق عند الفقهاء! كم سبعة أذرع؟
الطالب : ثلاثة مترات ونصف.
الشيخ : بالأمتار؟
الطالب : ثلاثة أمتار ونصف.
الشيخ : كيف؟
الطالب : ثلاثة أمتار ونصف.
الشيخ : ثلاثة أمتار ونصف.
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم:
الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين:
نقل المصنّف -رحمه الله تعالى-: " عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما " .
الشيخ : أنا عندي ابن عمر، ابن عمر وقرأنا هذا.
الطالب : ما شرحناه يا شيخ.
الشيخ : كيف؟
الطالب : ما شرح .
الشيخ : طيب.
القارئ : " وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً ) أخرجه البخاري.
قال المصنّف -رحمه الله-: باب السّبق والرّمي.
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ( سابق النبي صلى الله عليه وسلم بالخيل التي قد ضمرت من الحفياء ، وكان أمدها ثنية الوداع ) ".
الطالب : عندنا أُضمِرت.
الشيخ : ضُمّرت.
الطالب : في الخيل؟
الشيخ : أي في الخيل.
القارئ : " ( وكان أمدها ثنية الوداع، وسابق بين الخيل التي لم تضمَّر من الثنية إلى مسجد بني زريقٍ ) ".
الشيخ : بني زريق.
القارئ : " ( من الثنية إلى مسجد بني زريقٍ وكان ابن عمر فيمن سابق ) متفقٌ عليه "
الشيخ : فيمن سابق.
القارئ : " ( فيمن سابق ) متّفق عليه.
وزاد البخاري قال سفيان: من الحفياء إلى ثنية الوداع خمسة أميال أو ستةٌ، ومن الثنية إلى مسجد بني زريقٍ ميلٌ " .
وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً ) . أخرجه البخاري .
الحمد لله رب العالمين ، وصلّى الله وسلّم على نبيّنا محمّد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين :
ذكر المؤلّف رحمه الله فيما ساقه من الأحاديث : " باب: الجزية والهدنة " شيئاً من أحكام الهدنة : وهو ما رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة ) :
من: شرطيّة، وجملة لم يَرَح؟
الطالب : جواب.
الشيخ : رائحة الجنّة: جواب الشّرط.
وهنا هل العمل بلم أو العمل بمن؟ نقول من المباشر؟
الطالب : لم.
الشيخ : لم، وعلى هذا فتكون الجملة في محلّ جزمٍ جواب الشّرط.
" ( وإنّ ريحها -أي : الجنة- يوجد من مسيرة أربعين عاما ) أخرجه البخاري " : ريح الجنّة أشجارها ورياحينها وكلّ ما فيها يوجد من مسيرة أربعين عاما .
وفي روايات أخرى يأتي الإشارة إليها إن شاء الله.
قوله: ( من قتل معاهدًا ): المعاهد هو من عقدنا معه عهدًا، وهو ثلاثة أنواع: مستأمِن، وذمّي ومعاهد:
المستأمِن : هو الذي دخل بلادنا بأمان لمصلحة إمّا ليسمع كلام الله وإمّا ليحضر مجالس العلم، وإمّا ليبيع ويشتري وإمّا ليعمل وإن كان أصله حربيّا فإنّه إذا أمّن بالدّخول صار آمنا.
أمّا المعاهد: فهو الذي جرى بيننا وبينه عهد، كما جرى للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مع قريش.
وأمّا الذّمّي: فهو الذي يبقى في بلادنا تحت حمايتنا ويبذل لنا الجزية كلّ عام، وكلّها تدخل في المعاهدة، ولكن تختلف المعاهدة وأحكامها بين هؤلاء.
15 - وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً ) . أخرجه البخاري . أستمع حفظ
فوائد حديث :( من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة ... ).
أوّلاً: وجوب الوفاء بالعهد، وجهه: أنّه ترتّب على من غدر بالعهد حرمانه من دخول الجنّة وهذا يقتضي أنّه من كبائر الذّنوب.
ثانياً: من فوائده أنّ ما يصنعه بعض النّاس اليوم من قتل الدّاخلين إلى البلاد بعهد وأمان يدخل في هذا الحديث، ما دام من له السّلطة أذن له في دخول البلاد وأعطاه عهدا فإنّه لا يحلّ لأحد أن يقتله، فإن فعل حقّ عليه هذا الوعيد.
ومن فوائد هذا الحديث: إثبات أنّ للجنّة رائحة، وهذا أمر معلوم، قال الله تعالى: (( فأمّا إن كان من المقرّبين فرَوح وريحان وجنّة نعيم )).
ومن فوائد هذا الحديث: أنّ ريح الجنّة يوجد من مسافات بعيدة، ورد أربعين عامًا، وورد سبعين عامًا، وورد غير ذلك فاختلف العلماء في الجمع بين الأحاديث والجمع بينها سهل :
فإمّا أن يقال: إنّ اختلاف هذه التّقادير باعتبار اختلاف السّير.
وإمّا أن يقال: باعتبار اختلاف المشامّ، لأنّ بعض النّاس يشمّ شمّا قويّا وبعضهم دون ذلك.
وإمّا أن يقال: باعتبار المشموم فإنّ بعض المشمومات لها رائحة تشمّ من بعيد وبعضها دون ذلك.
المهمّ أنّ القاعدة أنّه ليس فيما أخبر الله به رسوله شيء من التّناقض، وإذا ترائ لك شيء من التّناقض فالواجب عليك أن تحاول إيش؟
الجمع بين النّصوص لأنّ نصوص الكتاب والسّنّة لا يمكن أن يكذّب بعضها بعضا.
وبهذا الحديث انتهى باب الجزية والهدنة.
باب السبق والرمي.
ومناسبة هذا الباب لكتاب الجهاد عموما أنّ من أنواع السّبق ما يكون معينا على الجهاد كما سيأتي إن شاء الله.
والسَّبَق والسَّبْق بينهما فرق:
السَّبَق: العوض، والسَّبْق: فوات من أراد إدراكه، معناه أن يسبق ويتقدّم على غيره، التّقدّم على الغير هو السَّبْق، وأمّا السَّبَق بالفتح فهو إيش؟
الطالب : العِوض.
الشيخ : العِوض، وأمّا الرّمي فواضح.
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ( سابق النبي صلى الله عليه وسلم بالخيل التي قد ضمرت من الحفياء وكان أمدها ثنية الوداع وسابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريقٍ، وكان ابن عمر فيمن سابق ) متفقٌ عليه، وزاد البخاري قال سفيان: "من الحفياء إلى ثنية الوداع خمسة أميال أو ستةٌ، ومن الثنية إلى مسجد بني زريقٍ ميلٌ".
هذه أماكن معروفة في المدينة.
وأمّا الخيل التي ضُمِّرت فهي التي تجاع يعني تمنع من العلف ولا تعطى إلاّ قدر ما يسدّ رمقها لمدّة معيّنة فتضمر ويخفّ لحمها ويكون عندها من القوّة أكثر ممّا لم تضمّر، ثمّ بعد ذلك تستعمل في المسابقة.
وأمّا التي لم تضمّر فهي التي بقيت تأكل على ما تريد ولا يخفّ لحمها ولا يكون فيها سبق، ولذلك فرّق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بين هذا وهذا.
( وسابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريقٍ، وكان ابن عمر فيمن سابق ).
18 - عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ( سابق النبي صلى الله عليه وسلم بالخيل التي قد ضمرت من الحفياء وكان أمدها ثنية الوداع وسابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريقٍ، وكان ابن عمر فيمن سابق ) متفقٌ عليه، وزاد البخاري قال سفيان: "من الحفياء إلى ثنية الوداع خمسة أميال أو ستةٌ، ومن الثنية إلى مسجد بني زريقٍ ميلٌ". أستمع حفظ
فوائد حديث :( سابق النبي صلى الله عليه وسلم بالخيل التي قد ضمرت من الحفياء ... ).
ومن فوائده: أنّ تضمير الخيل وإن كان يلحقها شيء من المشقّة بالتّجويع فإنّ ذلك للمصلحة، فيؤخذ منه أنّه إذا اقتضت المصلحة أن نعمل في الحيوان ما يؤلمه فإنّه لا بأس ، سواء كانت المصلحة دينيّة أو المصلحة دنيوية، فمثال الدينية هنا : تضمير الخيل، ومثالها أيضًا إشعار الهدي ، أتدرون ما إشعاره؟
أن يشقّ سنامه حتى يسيل الدّم، وهذا لا شكّ أنّه يؤلمه لكن لمصلحة، وهو العلامة على أنّه هدي، ومن ذلك أيضًا وسم إبل الصّدقة، فإنّ ذلك يؤلمها بلا شكّ ولكن لمصلحة وهي: حفظ مال الصّدقة.
وأمّا الدّنيوية فمثل وسم الحيوان لمن أراد أن يبيع ويشتري فيه ، فإنّ هذه مصلحة دنيويّة ولا بأس بها.
ومن ذلك أيضا ما يفعله الناس اليوم من تقطيع آذان بعض الغنم، يزعمون بأنّ ذلك يقلّل من إيذائها بتدلّي آذانها في الشّرب وعند الأكل وما أشبه ذلك، وبأنّه يزيد في القيمة، فهذا لا بأس به، وليس هذا من البحيرة، ولكنّه ممّا يفعله الإنسان للمصلحة.
إلاّ أنّنا نقول: إذا أمكن قطع آذانها بلا أذيّة وبلا إيلام كان واجبًا، ولكن كيف يكون بلا إيلام؟ أجيبوا؟
الطالب : بالبنج.
الشيخ : بالبنج، تبنّج وتقطع الأذن بدون إيلام وهذا لا بأس به.
طيب ومن فوائد هذا الحديث: أنّه ينبغي مراعاة الشوط في بعده وقربه حسب الخيل التي سابق عليها، المضمّرة يمدّ لها في الشّوط، وغير المضمّرة يقصّر، لأنّ غير المضمّرة تفحم وتتعب فيلحقها مشقّة لا داعي لها.
ومن فوائد هذا الحديث: أنّه لا بأس أن تكون المسابقة مع من لم يبلغوا الأشدّ، فإنّ ابن عمر رضي الله عنهما كان لم يبلغ أشدّه، ومع ذلك دخل في المسابقة فلا يحقرنّ أحدٌ نفسه في مثل هذا.
" وزاد البخاري وقال سفيان: من الحفياء إلى ثنية الوداع خمسة أميال أو ستةٌ، ومن الثنية إلى مسجد بني زريقٍ ميل " :
نعم ، فالفرق إذن عظيم ، ميل إلى خمسة أميال أو ستة !
الطالب : واحد من خمسة.
الشيخ : واحد من خمسة أو واحد من ستّة، لأنّ كلّ واحد من نوعي الخيل يسابق على حسب ما يمكنه.
وعنه رضي الله عنه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم سبق بين الخيل وفضل القرح في الغاية ) رواه أحمد وأبو داود وصححه ابن حبان.
عندي القرّح جمع قارح وهو: ما كملت سنّه كالباذل في الإبل أي ميّزها في الغاية.
" رواه أحمد وأبو داود وصحّحه ابن حبّان " : هذا أيضا كالذي قبله أنّه يفرّق بين ما يحتمل بعد الشّوط وما لا يحتمل.
20 - وعنه رضي الله عنه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم سبق بين الخيل وفضل القرح في الغاية ) رواه أحمد وأبو داود وصححه ابن حبان. أستمع حفظ
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا سبق إلا في خف أو نصلٍ أو حافرٍ ) رواه أحمد والثلاثة وصححه ابن حبان.
الطالب : سَبْق.
الشيخ : أعطيناكم الفرق.
الطالب : سبْق.
الشيخ : بفتح الباء؟
الطالب : بالسّكون.
الشيخ : بالسّكون؟
الطالب : لا ، سَبَق بالفتح.
الشيخ : لا سَبَقَ : بالفتح، السَّبَق هو العوض الذي يؤخذ عن المسابقة.
يقول: " ( لا سَبَق إلا في خف أو نصلٍ أو حافرٍ ) رواه أحمد والثلاثة وصحّحه ابن حبان " :
قوله: ( لا سَبَق إلاّ في خفّ ) معروف أنّ لا النافية للجنس، وأنّ خبرها محذوف أي: لا سبق كائن إلاّ في خفّ.
والخفّ : هو إشارة إلى الإبل لأنّها هي ذات خفاف.
والنّصل إشارة إلى الرّمي بالسّهام.
والحافر إشارة إلى الخيل، فهذه الثّلاثة أجاز النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المسابقة فيها بعوض وأمّا غيرها فلا يجوز، وهذا الإستثناء استثناء مِن شبه الميسر أو من الميسر نفسه، لأنّ المسابقة إذا أُخذ عليها عوض صارت من الميسر، إذ أنّ الدّاخل فيها بين غانم وغارم وهذا هو حقيقة الميسر.
فإن قال قائل: لماذا أبيح السّبق في هذه الثّلاثة؟
فالجواب: أنّه أبيح لأنّ ذلك ممّا يعين على الجهاد في سبيل الله، فالإبل تحمل أمتعة المجاهدين وأسلحتهم وتحمل المجاهدين أيضا.
والنّصل يرمي به المجاهد فيدافع عن نفسه ويهاجم عدوّه.
وأمّا الحافر فكذلك يكرّ عليه ويفرّ، فهو ممّا ينتفع به في الحرب في الجهاد في سبيل الله.
21 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا سبق إلا في خف أو نصلٍ أو حافرٍ ) رواه أحمد والثلاثة وصححه ابن حبان. أستمع حفظ
فوائد حديث :( لا سبق إلا في خف أو نصلٍ أو حافرٍ ).
أوّلًا: تحريم المسابقة على عوض إلاّ في هذه الثّلاثة، وجه ذلك قوله: ( لا سَبَق ) وهذا النّفي بمعنى النّهي، فهو نفي لكن يراد به النّهي، كقوله تعالى: (( ذلك الكتاب لا ريب فيه )) : نفي لكنّه بمعنى النّهي أي: لا ترتابوا فيه، الأخ عادل؟
الطالب : السلام عليكم يا شيخ.
الشيخ : وعليكم السّلام ورحمة الله، الآن بدأنا قبل قليل في درس بلوغ المرام.
الطالب : طيب خير إن شاء الله.
الشيخ : طيب، فإن قال قائل: وهل تجوز المسابقة في غير ذلك على غير عوض؟
فالجواب: نعم، تجوز المسابقة على غير عوض في غير هذا، تجوز المسابقة في المصارعة، لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم صارع ركانة بن يزيد، وتجوز المسابقة على الأقدام، لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سابق عائشة، وتجوز المسابقة في كلّ عمل مباح لكن بلا عوض.
وأمّا العمل غير المباح فلا تجوز المسابقة فيه مثل: النّرد، والشطرنج، وما أشبههما.
وبذلك نعرف أنّ المسابقة على ثلاثة أقسام:
القسم الأوّل: ما جاز بعوض وبغير عوض، وهو هذه الثّلاثة.
والثاني: ما حرم بعوض وغيره مثل؟
الطالب : النرد.
الشيخ : النّرد والشّطرنج، وضابطه: " أنّه يلهي كثيرا ويكسب قليلا " ، فكلّ ما ألهى كثيرا وأكسب قليلا فإنّه محرّم.
والثالث: ما يجوز بلا عوض ولا يجوز بعوض وهو المسابقة في الأشياء المباحة. لكن القسم الثاني الذي لا يجوز بعوض ولا غيره، يرخّص فيه للصّبيان ما لا يرخّص فيه للكبار، وذلك لأنّ الصّبيّ لا بدّ أن يلهي نفسه باللّعب والمسابقة وما أشبه ذلك، وليس مُكلّفا بحفظ الوقت كما يكلّف الكبير، فلهذا يرخّص للصّبيان في أشياء من اللعب لا ترخّص للكبار.
من فوائد هذا الحديث: أنّ ظاهره أنّه يجوز السَّبَق ولو كان من أحد المتسابقين، مثل أن يقول أحدهما للثاني: سأسابقك على فرسي، وأنت على فرسك، والغالب منّا له ألف درهم، ثمّ يتسابقان على ذلك، فمن سبق أخذ ألف الدّرهم وهذا هو القول الرّاجح: أنّه يجوز أن يكون السَّبَق من أحد المتسابقين بدون أن يكون هناك طرف ثالث يسمّى المحلّل، لأنّ هذا حلال ولا يحتاج إلى محلّل. ولكن بعض أهل العلم -رحمهم الله- قال: لا، لا يحقّ لأحد المتسابقين إلاّ بمحلّل، بأن يدخل معهما مسابق ثالث يساوي فرسُه فرسيهما، وهذا الثالث لا يؤخذ منه شيئًا، إن سبق فله وإن سُبِق فليس عليه شيء، وعلّلوا ذلك قالوا: لأجل أن تخرج الصّورة عن مشابهة القمار، ولكنّ هذا القول ضعيف جدّا، لأنّ الشّارع أجاز القمار في هذا لغلبة المصلحة، والمصلحة إذا كانت كبيرة أكبر من مضرّة المفسدة فإنّها تغلّب، لأنّ الدين الإسلامي إنّما جاء لتحصيل المصالح الخالصة أو الرّاجحة، فإذا ترجّحت المصلحة انغمرت المفسدة فيها وكان ذلك جائزًا.
وعنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من أدخل فرساً بين فرسين وهو لا يأمن أن يسبق فلا بأس به وإن أمن فهو قمارٌ ) رواه أحمد وأبو داود وإسناده ضعيفٌ.
هذا من أدلّة من قالوا : إنّه لا بدّ من محلّل .
قال: ( من أدخل فرسًا بين فرسين ) فتكون الأفراس كم ؟
الطالب : ثلاثة.
الشيخ : والمتسابقون؟
الطالب : ثلاثة.
الشيخ : ثلاثة، ( وهو لا يأمن أن يُسبق فلا بأس ) : وفيه احتمال أن يَسبِق هذا الفرس أو يُسبق، ما معنى أن يُسبق يعني أنّ فيه احتمالا أنّه يُسبق فهذا لا بأس به.
وأمّا إذا كان قد أمن أن يسبق، لأنّه يعرف أنّ فرسه سابق ولا بدّ يقول: فهذا قمار، فهو قمار لأنّه إذا كان يأمن أن يسبق صارت المسابقة حقيقة بين من؟
الطالب : الاثنين.
الشيخ : بين الاثنين المتسابقين، بين متسابقين اثنين، إذ أنّ فرسه قد أمن أن يُسبق.
ولكن هذا الحديث على تقدير صحّته لا يدلّ على ما قاله من يرى أنّه لا بدّ من المحلّل، لأنّ هذا المحلّل إذا كان يأمن أن يُسبق فهو قمار، إذا سبق هو، إذا سبق من يكون له العوض؟
الطالب : له.
الشيخ : يكون له، فأين القمار؟
القمار أن يكون العاقد إمّا غانما وإمّا غارما، وإذا كان هذا الرّجل يأمن أن يُسبق ويعلم أنّ فرسه سيسبق في كلّ حال صار معناه أنّه غانم بكلّ حال ولا يمكن أن يلحقه غرم، فهو في الحقيقة لو صحّ فلا دليل فيه على اشتراط المحلّل. وخلاصة القول في هذه المسألة: أنّ المسابقة في الخيل والإبل والسّهام لا بأس بها وأنّه لا يشترط أن يدخل بينهما محلّل، والمحلّل هو الطرف الثالث الذي لا يخرج شيئا فيكون إمّا غانما وإمّا سالما، والغنم أو الغرم في زميليه.
23 - وعنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من أدخل فرساً بين فرسين وهو لا يأمن أن يسبق فلا بأس به وإن أمن فهو قمارٌ ) رواه أحمد وأبو داود وإسناده ضعيفٌ. أستمع حفظ
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقرأ: (( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل )): ( ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي ) رواه مسلمٌ.
قال سمعته وهو على المنبر، إنّما قال هذه الجملة لفائدتين:
الفائدة الأولى: أن يؤكّد ضبطه للقضيّة. والثانية: أن يبيّن أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أعلنه لأنّه على المنبر.
تلا هذه الآية: (( وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة ))
(( أعدّوا )) : الخطاب للمؤمنين، (( ولهم )) الضّمير يعود على الأعداء، على الكفّار، (( ما استطعتم )) أي: ما قدرتم عليه (( من قوّة )) : قوّة هنا نكرة في سياق الشّرط فتكون عامّة، فتشمل القوّة الإيمانيّة التي هي صدق الإيمان بالله عزّ وجلّ والثّقة بنصره، والتوكّل عليه وتفويض الأمر إليه، وما إلى ذلك، وتشمل أيضًا القوّة في إعداد العدّة بكثرة الجيوش ومهارتها وما أشبه ذلك، وتشمل القوّة النّهائيّة وهي الرّمي، وهي التي نصّ عليها النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم حيث قال: ( ألا إنّ القوّة الرّمي ) :
ووجه كون هذه القوّة الغاية، أنّ الإنسان ينال عدوّه من بعد بخلاف ما إذا كان القتال بالسّيوف فإنّه عن قرب وربّما يصيبه عدوّه ، ولكن إذا كان بالرّمي فهو عن بُعد ، فنيل عدوّه له يكون أقلّ احتمالًا ، وكرّرها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم تأكيدًا، وإلاّ فإنّ خبره الواحد يغني عن التّكرار لوجوب تصديق خبره.
24 - وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقرأ: (( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل )): ( ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي ) رواه مسلمٌ. أستمع حفظ
فوائد حديث :( ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي ).
ومن فوائد هذا الحديث: أيضًا أنّه ينبغي لنا نحن المسلمين أن نهتمّ بالرّمي، والرّمي في كلّ مكان بحسبه، ففي عهد الرّسول عليه الصّلاة والسّلام الرّمي بالقوس، وهو سهم لا يتجاوز ثلثي الذّراع أو نحوه، أمّا الآن الرّمي بإيش؟
الطالب : بالمدفع والصّاروخ.
الشيخ : بالصّواريخ عابرات القارّات، ولهذا يجب على المسلمين أن يكون لهم قوّة من هذا النّوع.
ومن فوائد هذا الحديث: أنّه يجوز الحصر الإضافي، بمعنى أن يذكر الكلام محصورًا بالنّسبة لشيء معيّن لقوله: ( ألا إنّ القوّة الرّمي )، فالرّسول عليه الصّلاة والسّلام حصرها في ذلك، لكنّ هذا حصر إضافي بمعنى: أنّ هناك قوّة سوى هذا، لكن باعتبار الغاية المثلى إنّما يكون بالرّمي.
هل يستفاد من هذا الحديث طلب تعلّم الرّمي؟
نعم، لأنّه إذا كان الله أمر بذلك وفسّر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم القوّة بالرّمي فهذا يكون داخلا في أمر الله حيث قال: (( وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة )).
تتمة فوائد حديث :( لا سبق إلا في خف أو نصلٍ أو حافرٍ ).
هل يمكن أن نقيس على الخفّ الذي هو الإبل ما يشبهها من معدّات الحرب اليوم؟
الطالب : نعم.
الشيخ : نعم، يجوز مثل الدّبّابات وشبهها، وهل نقيس على النّصل ما يشبهه اليوم؟
نعم، وكذلك يقاس الحافر فما الذي يشبه الحافر؟
الطالب : الطائرات.
الشيخ : أشبه حاله فيما أظنّ الطائرات لأنّها هي أسبق ما يعدى به في الوقت الحاضر.
فيه أشياء ما ذكرها المؤلّف -رحمه الله- مثل السّباحة فهي من أيّ الأقسام الثلاثة التي تكلّمنا عليها؟
الطالب : المباح.
الشيخ : ممّا؟
الطالب : يباح.
الشيخ : بعوض أو بغيره؟
الطالب : بغير عوض.
الشيخ : بغير عوض، يعني من الأعمال المباحة لكنّها لا تدخل في قوله صلّى الله عليه وسلّم: ( لا سبق إلاّ في نصل أو خفّ أو حافر ).
كتاب الأطعمة.
الأطعمة: جمع طعام، وهي: ما يؤكل ويشرب، كلّ ما يؤكل ويشرب فهو طعام.
فإن قال قائل: ما يؤكل واضح أنّه طعام ولكن ما يشرب هل يسمّى طعاماً؟ الجواب: يطعم، الذي يشرب يطعم، فيكون طعامًا من هذه النّاحية لقوله الله تبارك وتعالى: (( فمن شرب منه فليس منّي ومن لم يطعمه فإنّه منّي ))، إذن الأطعمة هنا تشمل إيش؟
الأكل والشّرب.
واعلم أنّ الأصل في الأطعمة أكلا أو شرباً هو الحلّ، لقول الله تعالى: (( هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً ))، ولقوله تبارك وتعالى: (( وأنزلنا من السّماء ماءً طهورًا لنحييَ به بلدة ميتًا ونُسقِيَه ممّا خلقنا أنعامًا وأناسيّ كثيرًا )) وهذا الماء النازل من السّماء ولقول النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم في البحر: ( هو الطهور ماؤه، الحلّ ميتته ) فالأصل هو إيش؟
الحلّ، وقد أنكر الله عزّ وجلّ على من حرّم ذلك بغير دليل فقال: (( قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده والطّيّبات من الرّزق ))، وعليه فإذا اختلف اثنان في حلّ شيء مأكول فمن الذي يطالب بالدّليل؟
الطالب : الذي يحرم.
الشيخ : الذي يمنع ويحرّم هو الذي يطالب بالدّليل، وكذلك يقال في المشروبات إذا تنازع اثنان في شراب، فقال: أحدهما حلال، وقال الثاني: حرام، فالذي يطالب بالدّليل هو القائل بأنّه حرام.
إذن فالأصل الحلّ، وهل الأصل الطّهارة؟
الطالب : نعم.
الشيخ : نعم، ما دمنا نقول: الأصل الحلّ، فالأصل الطّهارة في كلّ شيء، وسنبيّن إن شاء الله في المستقبل الأصول التي يدور عليها التّحريم:
فمنها: ما كان ضارّا، ما كان ضارّا فهو حرام، لكنّ الضارّ ينقسم إلى قسمين: ضارّ بذاته، وضارّ لعارض:
الضّارّ لذاته مثل السّمّ هذا حرام ، لأنّه ضارّ قاتل، وقد قال الله تعالى: (( ولا تقتلوا أنفسكم )).
والضّارّ لعارض: مثل الحلى لمن أصيب بالسّكّر، وكان يضرّه فإنّه يحرم عليه أن يأكله وإن كان في الأصل حلالاً، بل قال شيخ الإسلام -رحمه الله- : " إنّه يحرم أن يأكل الإنسان شيئا يتأذّى به وإن لم يضرّه " كيف ذلك ؟
يعني بأن يملأ بطنه من الطّعام ولا سيما إن كان مالحًا، حينئذ يحتاج إلى إيش؟
الطالب : ماء.
الشيخ : إلى ماء، وإذا شرب ماء وقد ملأ بطنه من الطّعام ، فإنّه على خطر أن ينفجر أو على الأقلّ يتأذّى .
والعجيب أنّنا نأكل كثيرًا ثم نطلب مهضّمات ، طيب ليش تأكل كثير؟
كل قليلا واسلم من أن تبذل دراهمك في مهضّمات، لكن طبيعة الإنسان هكذا، ولهذا كان دعاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لمعاوية رضي الله عنه : أن يأكل بسبعة أمعاء ليس هذا للقدح فيه، بل هذا لأجل أن تطيب له الحياة، لأنّ معاوية صار ملكاً أو خليفة يؤتى له بكلّ شيء، فإذا وسّع الله بطنه وأكثر أكله صار هذا من جملة التّنعّم في الدّنيا.
طيب إذن الضارّ سواء كان ضارّا بنفسه أو لعارض فإنّه يكون حراما.
النّجس: كلّ نجس حرام، حتى لو قيل أو تصوّر أحد أنه ليس بضارّ فإنّه حرام ، لأنّه إذا كان يجب التّخلّي عن النّجس ظاهرًا فالتّخلّي عنه باطنًا من باب أولى. فإن قال قائل : ألا نقول له : كل هذا النّجس واغسل فمك ويديك إن تلوّثت به!
نقول: لا، لأنّ الله تعالى لم يجعله نجسا يجب التّحرّز منه إلاّ لضرر فيه لكن الضّرر قد يظهر، ويكون الضّرر بطيئا لا تظهر أعراضه إلاّ بعد حين.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: - ( كل ذي ناب من السباع, فأكله حرام ) - رواه مسلم.
الطالب : الحلّ.
الشيخ : الأصل فيه الحلّ، لأنّه ممّا خلق الله لنا في الأرض، لكن قد يحرم لسبب.
منها: ما ذكره : " عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ( كلّ ذي ناب من السباع، فأكله حرام ) رواه مسلم " :
( كلّ ذي ناب من السباع، فأكله حرام ) : فقيّد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم التّحريم بقيدين:
الأوّل: أن يكون من السّباع.
والثاني: أن يكون له ناب، والمراد بالنّاب النّاب الذي يفترس به مثل الكلب، والذّئب، والأسد، والنّمِر، وما أشبهها، هذه كلّها حرام لأنّ لها نابا تفترس به. وقول الرّسول عليه الصّلاة والسّلام: ( فأكله حرام ) ولم يقل: فهو حرام، لأنّ هذه الأشياء مما يجوز الإنتفاع به، بما سوى الأكل، هذه القاعدة: " كلّ ذي ناب من السّباع فأكله حرام ".
طيب فإن كان من غير السّباع فإنّه لا يحرم، وكذلك لو كان من السّباع لكن ليس له ناب يفترس به فإنّه لا يحرم ، فبناء على ذلك نقول : الضّبع هل هي حلال أو حرام؟
الطالب : حلال.
الشيخ : حلال، لماذا؟
لأنّها ليس لها ناب تفترس به، ولا تفترس إلاّ عند الضّرورة القصوى، طيب ما هي الحكمة من التّحريم؟
الحكمة أنّ الإنسان إذا تغذّى بهذا النّوع من الطّعام فإنّه يكتسب طبيعة منه فيكون محبّا للعدوان على الغير فلذلك منع منه.
ولهذا قال العلماء في الرّضاع: لا ينبغي أن يسترضع امرأة حمقاء أو سيّئة الخلق لأنّ ذلك يؤثّر على من؟
الطالب : على الرّضيع.
الشيخ : على الرّضيع، كذلك أيضًا إذا أكل من السّباع فإنّ ذلك يؤثّر في طباعه.
28 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: - ( كل ذي ناب من السباع, فأكله حرام ) - رواه مسلم. أستمع حفظ
وأخرجه: من حديث ابن عباس بلفظ: نهى. وزاد: - ( وكل ذي مخلب من الطير ).
وأيهما أفصح في التّحريم؟
الطالب : الأول.
الشيخ : الأوّل لأنّه قال: ( فأكله حرام ).
" وزاد: ( وكلّ ذي مخلب من الطّير ) " :
يعني ونهى عن كلّ ذي مخلب من الطّير، فكلّ ذي مخلب من الطّير فإنّه حرام. والمراد بالمخلب: المخلب الذي يصيد به، وأمّا ما لا يصيد به فلا بأس. والمخلب هنا الظّفر، لأنّه مأخوذ من الخلب وهو الإمساك والجذب، وليس المخلب ما يظهر في ساق الدّيكة إذا تقدّم بها السّنّ فإنّ هذا ليس بمخلب. الظّفر مخلب لكن إذا كان يصيد به فهو حرام مثل؟
الطالب : الصقر .
الشيخ : الصّقر والعقاب والبازي والنّسر وأشياء كثيرة.
وأمّا ما ذهب إليه بعض العامّة من أنّ كلّ ذي منقار معكوف فهو حرام، فهذا ليس بصحيح وليس قاعدة شرعيّة، وما رأيتها حتى في كتب الفقهاء ما رأيت هذا.
قد يكون الشّي مباحا ومنقاره معكوف أو حراما ومنقاره مستقيم، المدار على ما بيّنه النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام: ( كلّ ذي مخلب من الطّير ).
طيب إذا كان له مخلب لا يصيد به؟
فهو حلال، ولهذا الحمام لها مخلب، والدّجاج لها مخلب، وأكثر الطّيور له مخلب لكن لا يصيد به فلذلك كان حلالا .
وإذا شككنا فيه، فالأصل الحلّ، نعم.
الطالب : شيخ أسأل !
الشيخ : ما جاء وقت الأسئلة؟
الطالب : جاء.
الأمور المباحة كالسباحة وغيرها إذا بذل العوض عن أحد الطرفين فما حكم ذلك ؟
السائل : جزاك الله خير شيخنا : بالنسبة للأمور المباحة في السّبق كالسّباحة وغيرها إذا بذل العوض أحد الطّرفين مثلا والآخر يعني لا يأخذ !
الشيخ : أي نعم.
السائل : هل هذا جائز !؟
الشيخ : يعني مثلا إذا قال إن سبقتني فلك كذا.
السائل : نعم، وإن سبقتك فلا آخذ منك شيئاً.
الشيخ : أي نعم، هذا لا يكون قماراً، لأنّه ما فيه غانم أو غارم، لأنّ الطرف الثاني إمّا غانم وإمّا سالم فخرج عن القمار.
في كثير من البلدان الآن لهم سباق الخيل على عوض و المصلحة هنا منتفية لأن الجهاد لا يوجد الآن فهل نقول إنها محرمة لذلك ؟
السائل : شيخ ذكرنا أنّ إباحة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم للسبق بين أمور ثلاثة، في أشياء ثلاثة لأجل المصلحة، والآن في عصرنا قد كثر في كثير من البلدان السبق في الخيل الحوافر يعني.
الشيخ : كيف؟
السائل : قد كثر يعني في بعض البلدان.
الشيخ : نعم.
السائل : السبق بالحوافر أي: بالخيل والمصلحة هنا منتفية!
الشيخ : نعم.
السائل : الجهاد الآن في هذا الوقت ليس على الخيل.
الشيخ : نعم.
السائل : فهل نقول بالتّحريم لانتفاء علّة الإباحة؟
الشيخ : سمعتم كلامه؟
الطالب : لا.
الشيخ : يقول: إنّ العلّة في إباحة العوض في هذه أنّها تقوّي على الجهاد، ففيها هذه المصلحة التي تربو على المفسدة، إذا قدّرنا أنّنا في بلد لا ينتفع به في الجهاد فهل تنتفي العلّة أو لا؟
هذا ينبني على أنّ المنصوص عليه إذا كانت علّته مستنبطة وتخلّفت فهل يتخلّف الحكم؟
فيه خلاف:
فمن العلماء من قال: أنّنا نأخذ بظاهر اللّفظ، ولا يمكن أن نرفع الحكم عن الشّيء الملفوظ به من أجل علّة مستنبطة.
ومنهم من قال: بل إذا تخلّفت العلّة تخلّف الحكم، ومن ذلك الشّعير مثلا في زكاة الفطر، كان في عهد الرّسول عليه الصّلاة والسّلام يخرج، أليس كذلك؟
الطالب : بلى.
الشيخ : قال ابن عمر رضي الله عنهما: ( فرض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زكاة الفطر، أو قال: صدقة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير ) ، لأنّ طعامهم في ذلك الوقت، أو لأنّ الشّعير في ذلك الوقت كان من طعامهم.
فهل نقول: في وقتنا هذا يجوز إخراج الفطرة من الشّعير والآدميّون لا يأكلونه الآن؟
ينبني على هذا، إن أخذنا بظاهر اللّفظ قلنا: هذا منصوص عليه ولا يمكن أن نرفع الحكم فيه من أجل علّة.
ومن قال: إنّ الحكم يدور مع علّته، قال: إنّ الشّعير في وقتنا لا يجزئ، وربّما يكون عند أناس آخرين قوتا فيجزئ.
وهذه المسألة من هذا الباب وأنا في نفسي حرج من جواز المسابقة بعوض على الخيل في بلد لا ينتفعون بها في الجهاد، لكن سمعنا أنّهم ينتفعون بها في بلاد أخرى، ولا سيما البلاد الجبليّة فإنّهم ينتفعون بها كثيراً.