تحت باب الإحرام وما يتعلق به.
إتمام شرح الحديث السابق ( وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا ينكح المحرم ، ولا ينكح ، ولا يخطب ) . رواه المسلم .
والذين قالوا: إن الخطبة مكروهة قالوا: إن كونها وسيلة أدنى من كون العقد وسيلة، لأن الخطبة وسيلة للعقد فهي وسيلة بالدرجة الأولى، فلا تساوي وسيلة بالدرجة الثانية، فكانت الخطبة مكروهة وهذا الثاني هو المشهور من المذهب. ولكن القول بأنها حرام هو الأقرب، لأن الحديث سياقه واحد، والتفريق بين شيئين سياقهما واحد وأنه فيهما واحد بمجرد علة قد تكون هي العلة الملحوظة للشارع وقد لا تكون، هذا أمر لا ينبغي، فنقول: لا تخطب وأنت محرم اصبر حتى تحل، لأنك لو خطبت الآن ما أنت بعاقد ولا لا ؟
الطالب : نعم.
الشيخ : طيب إذا قال أنا بخطب المحرمة أنا ما أحرمت ؟
الطالب : كذلك .
الشيخ : نشوف يا جماعة الحديث : ( ولا يخطِب المحرم ) هل نقول : ( ولا يُخطَب ) ومثله لا يخطب إذا أخذنا بظاهر اللفظ قلنا لا يخطب ما يدخل في هذا ، ولو أنه لو خطب امرأة محرمة فلا بأس نعم ، ولكن لا شك أن الأولى يعني عدم إشغال المرأة لأنها إذا خطبت سوف تستشار ، وإذا استشيرت فسوف يتعلق قلبها بهذا الشيء فالأولى تركها حتى تحل طيب .
الطالب : سؤال بس يا شيخ !
الشيخ : طيب ما فيه سؤال بارك الله فيكم ، الآن نقول : هذه الأشياء حرام هل فيها فدية ؟
يقول أهل العلم : إنه لا فدية فيها حتى المشهور من المذهب أن هذه الأشياء لا فدية فيها ، يقولون : لأنه إنما ورد النهي عنها ولم يرد فيها إيجاب الفدية والأصل براءة الذمة ، وهذا التعليل واضح نور ، لكن يجب أن ينسحب هذا التعليل على جميع المحظورات التي لم ترد فيها فدية ، حتى لا نتناقض ، أما أن نتناقض ونقول : هذا فيه فدية وهذا ما فيه فدية ماهو صحيح ، قد يقول قائل: عقد النكاح ما فيه ترفه نقول: كيف ما فيه ترفه، الإنسان إذا عقد له النكاح نعم يتضاحك ولا لا ؟
ويسر ويكون هذا من أكبر الترفه يمكن ما يكفيه أن يضحك في شفتيه يضحك في عينيه ويضحك في وجنتيه نعم وتجد عليه البشاشة ، كيف ما حصل له الترفه وواحد عقد له النكاح على امرأة هذا فيه ترّفه ولا لا ؟
هاه ما فيه شك حتى آدم يقر بهذا !
الطالب : نعم .
الشيخ : طيب على كل حال يعني هذا يدلنا على أن الأصل في كل المحظورات إذا لم تقرن بوجوب الفدية من قبل الشارع نعم فما الأصل؟
الطالب : براءة الذمة .
الشيخ : الأصل براءة الذمة ، لكن لو قال لك قائل : ألا يمكن أن نعامل الناس بالتربية ونقول : لنفرض أن الشرع لم يدل على وجوب الفدية أفلا يليق بنا أن نعامل الناس بالتربية ونقول : ما دام هذا قول جمهور العلماء فلنفتِ به الناس لئلا يتساهلوا، لأنك لو قلت لواحد مثلا : عليك أن تستغفر الله عز وجل لما فعلت من المحظور ولا عليك شيء ، لرأيت كثيرا من الناس يتساهلون ما دام الأمر أستغفر الله وأتوب إليه ما هو ضار، واضح ؟
فلو أن أحدًا سلك هذا المسلك كما سلكه بعض أهل العلم حيث أراد أن يفتي ابنه بشيء فقال: إما أن تفعل وإلا أفتيتك بقول فلان وهو أشد مما أفتاه به ، أقول : لو أننا سلكنا هذا المسلك وهو الذي أنا أسلكه لكان هذا جيدا لكن نحن نتكلم فيه باعتبار أن الذي أمامنا طلبة علم ، ويجب أن يبين الإنسان ما يرى أنه الحق ، والفتوى شيء والعلم شيء آخر .
طيب إذن من محظورات الإحرام عقد النكاح وخطبة النكاح ، طيب خطبة النكاح ها؟
الطالب : تكره .
طالب آخر : الأصل الحل .
الشيخ : نعم المذهب تكره لكن الأصل الحل ، فلو جاؤوا للمأذون الشرعي ، مأذون شرعي محرم نعم هذا المأذون الشرعي جاء بعمرة ، وقبل أن يصل إلى البيت نزَّل عفشه عند واحد صديق له وقال له : جابك الله الآن بنتي الآن عند الزوج نبي نعقد له تفضل اعقد لنا يجوز ولا ما يجوز ؟
الطالب : ما يجوز إذا محرم ما يجوز.
الشيخ : هو محرم أبو الزوجة غير محرم والزوج غير محرم والزوجة غير محرمة ؟
الطالب : ما يجوز.
الشيخ : هاه؟
الطالب : ما يجوز.
الشيخ : لا لا ما يمكن .
الطالب : المذهب ليس بصحيح .
الشيخ : المذهب يكره وليس بصحيح .
الصحيح الجواز، لأنه ما فيه دليل على الكراهة، الكراهة حكم شرعي يحتاج إلى دليل فنقول لهذا الرجل: ما في مانع اجلس اقرأ خطبة الحاجة واعقد لهم ولا في مانع نعم .
طيب وعن عثمان رضي الله عنه .
طيب وعن أبي قتادة الأنصاري .
2 - إتمام شرح الحديث السابق ( وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا ينكح المحرم ، ولا ينكح ، ولا يخطب ) . رواه المسلم . أستمع حفظ
الكلام على بعض ضوابط الصيد الذي يحرم على المحرم.
قال العلماء : الصيد كل حيوان -الصيد المحرم في الإحرام- كل حيوان حلال بري متوحش أصلا، كل حيوان حلال وش بعد ؟
الطالب : متوحش.
الشيخ : متوحش أصلا القيود كم ؟
الطالب : أربعة .
الشيخ : أربعة ، فقولنا : كل حيوان حلال خرج به الحرام ، فالحرام ليس من الصيد ، ولا يدخل في محظورات الإحرام .
بري خرج به البحري فصيد البحر حلال حتى للمحرم ، فلو كنا في سفينة في البحر وحاذينا يلملم وأحرمنا واتجهنا إلى الميناء بجدة ، وفي طريقنا هذا كنا نصيد الأسماك ونأكل يجوز؟
الطالب : نعم.
الشيخ : ليش؟
الطالب : ليس بري.
الشيخ : نعم، لا ليس بريا، والله عز وجل يقول: (( أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحُرِّم عليكم صيد البر ما دمتم حرما )) تمام طيب إذن يجوز.
متوحش احترازًا من غير المتوحش: عندنا حيوان بري غير متوحش مثل الدجاج والغنم والإبل والبقر كثير .
الطالب : هي برية؟
الشيخ : برية، البر ضد البحر، هذه برية فهي إذن حلال، طيب لأنها غير متوحشة .
طيب أصلا : احترازا من المتوحش توحشًا عارضًا مثل لو هربت ناقة وصارت ما تمسك فقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام : ( إن لهذه الإبل أوابد ) أو ( النعم أوابد كأوابد الوحش ) .
وفيه أيضا البربري ما هو البربري الأسترالي، الأسترالي يتوحش ، إذا أطلقته ما عاد يمكن تمسكه ، هذا متوحش أصلا ولا عارضاً؟
الطالب : عارضًا .
الشيخ : عارضًا طيب أمسكنا هذا الأسترالي ونحن محرمون نذبحه ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : تذبحه أنت ما صدته الآن يالله صدته بالسيارة متوحش لكن !
الطالب : عارض
الشيخ : لكن عارض ، طيب إذن هو ليس من الصيد المحرم على المحرم طيب متوحش أصلا : لو كان غير متوحش عارضًا كالغزال والأرنب والحمام ، الأرانب فيه أشياء ماهي متوحشة ولا لا ؟
تمسكها بيدك ولا تخالف الغزال كذلك الحمام كذلك ، لكن نقول : هذا حرام على المحرِم ، كيف حرام على المحرم وهو يمسكه مثل ما يمسك الدجاج ويمسك الأشياء الأخرى ؟
نقول: لأن أصله الوحشي أصله متوحش ، فلو أن إنسانا ربَّى حمامة وأحرم بحج أو عمرة ما يجوز يذبحها ، لنفرض واحد في الشرائع -تعرفون الشرائع أظن ؟
الشرائع هاه لكن قبل حدود الحرم-
قدم من الطائف وأحرم من السيخ ومر بيته في الشرائع وقال لأهله : أنا ودي اليوم آكل حمامة في الغداء يجوز يذبحون له حمامة يأكله ؟
الطالب : لا .
الشيخ : حمامة في بيته يا شيخ ما يجوز ليش؟
الطالب : لأنها متوحشة.
الشيخ : لأنها متوحشة أصلا ، أو عنده غزال ظبي قال : والله اليوم ودنا نذبح الظبي وهو محرم وجاء يذبحه يجوز ؟
الطالب : لا .
الشيخ : هاه لا يجوز عرفتم الآن ما هو الصيد الذي يحرم على المحرم ماهو الصيد الذي يحرم على المحرم ؟
الطالب : كل حيوان حلال بري متوحش أصلا .
الشيخ : كل حيوان حلال بري متوحش أصلا ، طيب هذا حرام وعرفتم الدليل من القرآن طيب.
وعن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه - في قصة صيده الحمار الوحشي ، وهو غير محرم - قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه وكانوا محرمين : ( هل منكم أحد أمره أو أشار إليه بشيء ؟ ) قالوا : لا ، قال : ( فكلوا ما بقي من لحمه ) . متفق عليه .
احترازا من الحمار الأهلي ، الحمار الأهلي كان حلالا في أول الإسلام ثم حرم في عام خيبر في السنة السادسة من الهجرة ، كان حلال يؤكل يركب الإنسان على حماره وإذا جاع ذبحه وأكله ، لكن والحمدلله حرمه الله لأنه رجس حرّمه الله .
الحمار الوحشي صيد ما يمكن يمسك ولا يألف ، أبو قتادة رضي الله عنه خرج عام الحديبية من المدينة ولم يُرد الإحرام ما أراد العمرة ، وبعثه النبي عليه الصلاة والسلام في جماعة معه إلى سيف البحر فصاد حماراً وحشياً ، يقول فيه : قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه وكانوا محرمين أما أبو قتادة فغير محرم : ( هل منكم أحد أمره أو أشار إليه بشيء ؟ قالوا : لا ) : بل إن رمحه سقط وقال: ناولوني الرمح ولم يناولوه ما ساعدوه بشيء أبدا ، قال الرسول عليه الصلاة والسلام : ( فكلوا ما بقي من لحمه ) :
وكأنهم أكلوا بالأول ثم صار في نفوسهم شك ثم سألوا الرسول عليه الصلاة والسلام واضح ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : طيب إذا قال قائل : كيف يأكلون منه وهم محرمون ؟
نقول : لأن الذي صاده غير محرم فتذكيته حلال ولا حرام ؟
تذكيته حلال ، وهم ما صادوا وإنما أكلوا لحم صيد ، والحرام على المحرم ها؟
صيد الصيد، أما نفس الصيد إذا لم يصده ولم يكن منه معونة على صيده ولا صِيد لأجله فهو حلال له.
4 - وعن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه - في قصة صيده الحمار الوحشي ، وهو غير محرم - قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه وكانوا محرمين : ( هل منكم أحد أمره أو أشار إليه بشيء ؟ ) قالوا : لا ، قال : ( فكلوا ما بقي من لحمه ) . متفق عليه . أستمع حفظ
وعن الصعب بن جثامة الليثي رضي الله عنه أن أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حماراً وحشياً ، وهو بالأبواء ، أو بودان . فرده عليه وقال : ( إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم ) . متفق عليه .
شف الصعب بن جثَّامة رضي الله عنه كان رجلا مضيافا كريما وكان عدَّاء سبوقا يصيد الحمر ، لما نزل به الرسول عليه الصلاة والسلام وأكرم به من ضيف ، ما وجد أحدا أكرم منه ضيفاً صح؟
الطالب : نعم.
الشيخ : فذهب يصيد له فأصاب حمارًا وحشيًا وصاده وجاء به إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم ردَّه ، فلما رده على الصعب وقد جاء به إكراماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم رأى أن هذا أمر كبير ، ويا له من أمر !! رسول الله يرد هديته وضيافته ، تغير وجهه رضي الله عنه ، فلما رأى ما في وجهه اعتذر إليه صلوات الله وسلامه عليه وقال : ( إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم ) :
بين له السبب ، فزال ما في نفسه ، وكأن هذا القول الذي قيل إليه : كأنه ماء بارد على جسم حار اطمأن واستراح ، لأنه لما أخبره بأن السبب سبب شرعي لا احتقارا لما قام به الصعب ولا شبهة فيه ولكن لأنهم كانوا محرمين ، فهنا الرسول عليه الصلاة والسلام لم يأكل وقال لأصحاب أبي قتادة : ( كلوا ) فكيف نجمع بين الحديثين ؟
قال بعض العلماء : إن حديث الصعب ناسخ لحديث أبي قتادة ، لأن حديث الصعب كان في حجة الوداع وحديث أبي قتادة في عمرة الحديبية ، وبينهما أربعة سنوات ، ومعلوم أنه إذا تعارض حديثان ولم يمكن الجمع بينهما فإننا نعدل إلى النسخ ، والنسخ هنا محقق ، لأنه متأخر ، والجمع على هذا القول متعذر ، فيقولون : إذن إذا أُهدي لمحرم لحم صيد حرم عليه مطلقاً ، قالوا ويؤيد قولَنا أن الله قال : (( وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما )) صيد البر والصيد هنا بلا شك بمعنى المصيد وليس اسم مصدر أو مصدر صاد يصيد صيدا ، لا يصح أن يكن مصدرا لماذا؟
لأن البر لا يصاد لو قلنا : (( حرم عليكم صيد البر )) ما صح ما استقام إذا جعلنا الصيد مصدر ، إذ أن البر لا يصاد ، فالصيد هنا بمعنى المصيد بمعنى اسم المفعول ، فمعنى مصيد البر حرّم علينا ، وظاهره أنه حرام على المحرم سواء صاده أم لم يصده ، فقالوا إذن : نأخذ بحديث الصعب بن جثَّامة لأنه متأخر فيكون ناسخا ، ولأنه يقويه ظاهر القرآن ، وعلى هذا فإذا جاءنا رجل ونحن محرمون بلحم أرنب أو غزال أو حمامة وإن كان لم يصده من أجلنا ، فإننا نرده ونبين له السبب كما فعل الرسول عليه الصلاة والسلام .
وقال بعض أهل العلم : إنه لا يمكن أن نقول بالنسخ مع إمكان الجمع ، وإمكان الجمع هنا حاصل ، مؤيد بقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( صيد البر حلال لكم ما لم تصيدوه أو يصد لكم ) :
يمكن كيف إمكانه؟
إمكانه بأن يحمل حديث الصعب بن جثامة على أنه صاده للرسول صلى الله عليه وسلم .
وأما حديث أبي قتادة فقد صاده أبو قتادة لنفسه، فقد صاده لنفسه، وهذا جمع حسن ويؤيده حديث جابر : ( صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أو يصد لكم ) .
وإذا أمكن الجمع وجب الرجوع إليه ، لأن به العمل بكلا الدليلين ، أظنه واضح يا جماعة ؟
الطالب : نعم .
5 - وعن الصعب بن جثامة الليثي رضي الله عنه أن أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حماراً وحشياً ، وهو بالأبواء ، أو بودان . فرده عليه وقال : ( إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم ) . متفق عليه . أستمع حفظ
فوائد الحديثين :( أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه - في قصة صيده الحمار الوحشي ... )، ( الصعب بن جثامة الليثي رضي الله عنه أن أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حماراً وحشياً ).
الأول : جواز أكل المحرم الصيد إذا لم يصد له ولم يكن له أثر في صيده ، لحديث أبي قتادة.
ثانيًا: ورع الصحابة رضي الله عنهم.
ثالثًا: جواز تجاوز الميقات بلا إحرام لمن لم يرد الحج أو العمرة لحديث أيضا أبي قتادة رضي الله عنه .
رابعًا: وجوب الاستفصال عند الفتوى إذا كان المقام يحتمله لقوله : ( هل منكم أحد أمره أو أشار إليه بشيء ) .
طيب أن الوسائل لها أحكام المقاصد، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام جعل الإشارة كالفعل في تحريم الأكل .
وأما الحديث الثاني فيستفاد منه : محبة الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإكرامهم له ، لحديث الصعب بن جثامة .
ويستفاد منه أيضا حسن خلق الرسول صلى الله عليه وسلم حيث اعتذر عند رده .
ويستفاد منه أنه لا يمكن أن يُستهان بأمر الله ورسوله مجاملة لأحد، لأن الرسول لم يجامل الصعب بل رده مع ثقله عليه، واعتذر له، فلو أن أحدا أراد أن يجامل شخصاً في أمر محرم فالمجاملة هنا حرام، لكن هل يجامله لأمر يتضرر هو بنفسه لا تضررًا شرعياً ، مثل واحد شبعان وسير على شخص ، الشخص هذا عنده حيف تعرفون الحيف ؟
هاه قشد، القشد وهذا القشد بعد مشكل، تمر فيه سمن ودقيق، معروف الآن؟
طيب هو شبعان وسير عليه وجاب له قدر قشد، قال له: تفضل، إن أكل مجاملة يمكن يتضرر لأنه شبعان، وإن تركه قد يزعل الثاني، فهل الأولى أن يأكل مجاملة لصاحبه، أو الأولى أن لا يأكل ويخبره ؟
الطالب : الثاني .
الشيخ : الثاني أولى وقد مر علينا أن شيخ الإسلام ابن تيمية يقول : " إنه إذا كان يخشى أن يتضرر أو يتأذى بالطعام فإنه يحرم عليه " : يحرم عليه حرام إذا كان يخشى أن يتأذى أو يتضرر .
نعم طيب وفي حديث الصعب بن جثامة قلنا فيها: أن الإنسان لا يجامل في دين الله عز وجل، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأكل وقال: ( إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم ) .
ويستفاد من مجموع الحديثين : أن الصيد لا يحرم على المحرم إلا إذا صيد من أجله أو كان له أثر في صيده نعم .
طيب هل في الصيد جزاء ؟
الجواب: نعم فيه جزاء بينه الله تعالى في قوله : (( يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدًا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديًا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صيامًا )) .
قال أهل العلم : فإذا كان الصيد له مثل كالنعامة مثلا مثيلتها البعير، البعير يشبه النعامة ، لها عنق طويل وأرجل طويلة فهي شبيهة بها فإذا قتل المحرم نعامة وجب عليه بعير .
طيب إذا قال : ما في إبل الآن ، أو ما أريد أن أذبح وأتعب قلنا : قدّر البعير على قول بعض العلماء ، أو قدر النعامة على القول الآخر كم تساوي ؟
قال تساوي مئة ريال ، اشتري بمئة ريال طعاما ووزعه على الفقراء لكل مسكين نصف صاع أو مد بر ، قال : ماني بقادر أتعب، قلنا : إذن قدر مقدار طعام لكل مسكين ، قال عندنا مثلا اشترنا مئة صاع وكل صاع أربعة أمداد كم أربعمئة يوم ، صم أربعمئة يوم : (( أو عدل ذلك صيامًا )) عن كل مسكين يوم ، إن قال ما أقدر ؟
تعذر كل شيء قلنا : تسقط عنك ، لأن الواجبات تسقط بالعجز عنها إذا لم يكن لها بدل .
المهم أنه يخير بين ذبح المثل أو طعام يقابل إما الصيد وإما المثل على خلاف بين العلماء ، فإن لم يفعل صام عن إطعام كل مسكين يوماً وهو بالخيار.
6 - فوائد الحديثين :( أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه - في قصة صيده الحمار الوحشي ... )، ( الصعب بن جثامة الليثي رضي الله عنه أن أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حماراً وحشياً ). أستمع حفظ
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( خمس من الدواب كلهن فواسق ، يقتلن في الحل والحرم : الغراب ، والحدأة ، والعقرب ، والفأرة ، والكلب العقور ) . متفق عليه .
ها ؟ قال عليه الصلاة والسلام : ( خمس من الدواب كلهن فواسق ) : جمع فاسقة أي : كلهن مجبولات على العدوان والإضرار .
قال: ( يقتلن في الحل والحرم ) : وهذا خبر بمعنى الأمر ، يعني أنه يشرع قتلهن في الحل والحرم .
العقرب : وهي معروفة وأذيتها واضحة ، لأنها تلسع وتفرز سُماً ضاراً ومثلها ما كان مثلها أو أولى كالعقربان وهو يمكن أشد منها أيضًا والحية وغير ذلك من ذوات السموم ، يعني يُلحق بها كل ذوات السموم .
الحِدَأة : طائر معروف ، هذا الطائر ينتشل اللحم وينتشل الذهب الحلي مغرم بكل أحمر ، كل شيء أحمر يأخذه ويطير به إذن هو مؤذي سروق يسرق الناس هذا أيضا يقتل .
الغراب : قال العلماء إن الغراب غرابان :
غراب يسمى غراب الزرع وهو أسود مثل الحمامة لا يؤذي بل هو كغيره من الطيور فهذا لا يقتل ، إلا من قتله على أنه صيد يأكله .
وغراب آخر غراب خبيث كبير يُقطِّع أغصان الأشجار، وينقر دبر الإبل ويؤذي حتى إنه أحيانا يأتي إلى النخل ويقص الشماريخ قصًا يقصها قصا شماريخ النخل تسقط في الأرض هذا يقتل في الحل والحرم.
طيب الفأرة معروفة وش الفأرة وش تؤذي المسكينة ؟ ها ؟
الطالب : تأكل الكتب .
الشيخ : إي تأكل الكتب ويلوث الكتب أيضًا ببعره .
الطعام ما يأكل الطعام !
الطالب : يشق الأكياس .
الشيخ : يشقق الأكياس إي طيب ، ويسرق الذهب أيضًا ، يسرق الذهب وهو مغرم به أيضًا ، وينقب الجدار ولا لا ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : المهم له أذيات متعددة فيقتل.
وقال عليه الصلاة والسلام: ( الكلب العقور ) سواء كان أسودا أو غيره يعني الكلب الأسود يقتل مطلقا وغير الأسود يقتل إن كان عقورا ، يعني إن كان طبيعته العقر سواء كان يعقر الآدميين أو البهائم ، لأنه مؤذي .
قال أهل العلم : " والتنبيه بهذه الأمثلة يدل على أن ما كان مثلها فهو مثلها في الحكم ، وما كان أشد منها فهو أولى منها بالحكم " ، ولهذا أخذوا قاعدة من ذلك فقالوا : " يسن قتل كل مؤذٍ " : كل مؤذي فإنه يسن قتله ، وجاء المؤلف -رحمه الله- بهذا الحديث بعد حديث الصعب بن جثامة وحديث أبي قتادة ليبين أن محرّم الأكل لا يتعلق به حكم الصيد.
طيب إذن نقول: هذه الخمسة وما كان بمعناها يؤمر بقتلها، فلننظر تتميما للفائدة كم أقسام الدواب من حيث القتل وعدم القتل ؟
قال العلماء إنها من حيث القتل وعدمه تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
قسم أمر بقتله ، وقسم نهي عن قتله ، وقسم سكت عنه .
الذي أمر بقتله ؟ ها ؟
الطالب : الخمسة !
الشيخ : لا الحكم قطعًا ما نريد تعيينها ، الذي أمر بقتله نقتله ، مثل هذه الخمسة ، ومثل الوزغ ، ومثل العنكبوت على حديث ورد فيها وإن كان ضعيف ، لكن العنكبوت فيها أذية ، وش أذيتها ؟
تعشش على الكتب وعلى الجدران والملابس وما أشبه ذلك .
على كل حال ما أمر بقتله نصًا أو قياسًا قتل.
المنهي عن قتله أربعة : النملة والنحلة والهدهد والصُرَد .
النملة معروفة ، والنحلة معروفة ، الهدهد معروف أيضا ما شاء الله وش بقي لنا ؟
الطالب : الصرد.
الشيخ : الصرد طائر معروف !
الطالب : ههههه معروف ولا.
الشيخ : طائر معروف يعرفه أصحاب الصيد ، وهو طائر يكون أكبر من العصفور ، ولونه أشهب أو فيه خضرة ، على كل حال أنا لست من أهل الطيور ، لكن أهل الطيور يعرفونه .
وهذه الأربع نهى الشارع عن قتلها ، إذن نقتلها ولا لا ؟
الطالب : لا .
الشيخ : لا نقتلها .
فيه أشياء سكت الشارع عنها فإن كانت حلالا فالإذن في قتلها مستفاد من من حلها لأنه لا يمكن أن تحل إلا بالذبح أو الصيد .
وإن كانت غير حلال شف القسم الثاني فيه تفصيل :
إن كانت حلالا فالإذن بقتلها مستفاد من حلها ولكنها تقتل على حسب الشروط الشرعية التي تحل بها ، وإلا تكن حلالا فقد اختلف العلماء فيها : فمنهم من قال : إنه يكره قتلها لأنها خلق من مخلوقات الله خلقها الله تعالى ليستدل الناس بها على قدرة الله عز وجل وحكمته ، وتتبين آياته بها وما لك ولها ؟!
إذا كان ما منها أذية دعها ما عليك منها .
ومنهم من قال : لا يكره قتلها بل هي مما سكت عنه وما سكت عنه فهو عفو ما له حكم ، إن قتلتها فلا إثم عليك ، وإن تركتها فلا إثم عليك ، لا نأمرك ولا ننهاك ، وهذا الأخير هو الأصل، الأصل هو هذا، اللهم إلَّا أن يخشى الإنسان على نفسه من أن يسيطر عليه محبة العدوان ، كونه يقتلها بدون ذنب يمكن بعض الناس تتربى نفسه على هذا الأمر ويبدأ ما يهمه إنه يقتل النفس ، فهذا إذا كان يخشى على نفسه من ذلك فليتركها طيب .
7 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( خمس من الدواب كلهن فواسق ، يقتلن في الحل والحرم : الغراب ، والحدأة ، والعقرب ، والفأرة ، والكلب العقور ) . متفق عليه . أستمع حفظ
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم . متفق عليه .
احتجم في رأسه وليت المؤلف بينه ، وقد ثبت ذلك في الصحيح : أنه احتجم في رأسه عليه الصلاة والسلام ، لأن فائدة ذكر هذه الزيادة واضحة ، إذ يستفاد منها جواز الحجامة للمحرم ، وليس كالصائم لا يحتجم .
وثانيًا: أنه يجوز أن يحلق من شعر رأسه ما لا تمكن الحجامة إلا به، والحجامة أظنها يعرفها بعض الناس ولا معلومة للجميع ؟
الطالب : معروفة .
الشيخ : معروفة للجميع الحمدلله ، هي إذا كانت في الرأس لابد أن يحلق لها ما يمكن أن يحتجم به.
فوائد حديث: ( ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم ).
نقول: لا فإن ظاهر حديث ابن عباس ليس فيه فدية، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفد، وليس هذا كقوله : (( ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله )) فإن ذلك في حلق جميع الرأس .
وعلى هذا فنقول: المحرم يجوز أن يحتجم في غير رأسه ولو لحاجة دون ضرورة ، وأما في رأسه فلا يحتجم إلا إذا دعت الضرورة والحاجة ، لأنه لا يحتجم إلا بحلق موضع الحجامة ، وهذا يقتضي أن يفعل محرمًا بحلق الرأس.
لكنه إذا حلق للحجامة فلا فدية عليه.
وعن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال : حملت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي ، فقال : ( ما كنت أرى الوجع بلغ بك ما أرى ، أتجد شاة ؟ ) ، قلت : لا ، قال : ( فصم ثلاثة أيام ، أو أطعم ستة مساكين ، لكل مسكين نصف صاع ) . متفق عليه .
طيب إذن : ( ما كنت أظن أن الوجع بلغ بك ما أرى ) : بعيني الآن ثم قال : " ( أتجد شاة ؟ قلت : لا ، قال : فصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع ) متفق عليه " :
سؤال الرسول صلى الله عليه وسلم له هل يجد الشاة ليس على سبيل الإلزام والوجوب بل على سبيل الأفضلية ، وهنا قال له: افعل كذا يعني واحلق رأسك وسبب ذلك أن كعبا رضي الله عنه كان مريضًا والمريض عادة لا يتنظف، وإذا لم يتنظف الإنسان مع المرض يكثر فيه الأوساخ، والأوساخ في الرأس إذا كان له شعر يولد القمل، فجيء به إلى الرسول عليه الصلاة والسلام والقمل ينزل من رأسه، فعرف الرسول عليه الصلاة والسلام أنه مريض، وقد قال الله تعالى: (( فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية )) يعني وحلق : (( ففدية من صيام أو صدقة أو نسك )) : فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم أن يحلق وأمره بماذا؟
بالفدية، إذن نقول: من احتاج إلى فعل محظور فليفعل، ولكن عليه الفدية، ومن هنا يمكن أن نقسم فعل المحظور إلى ثلاثة أقسام :
الأول : أن يفعله عالما ذاكرا مختارا غير معذور كم ذولي ها؟
الطالب : أربعة.
الشيخ : أربعة : عالما ذاكرا مختارا غير معذور ، فهذا يترتب على فعله الإثم ، وما في هذا المحظور من الفدية ، يترتب عليه كم ؟
شيئان الإثم ومافي هذا المحظور من الفدية ، متى هذا يا مصطفى ؟
الطالب : إذا ارتكب المحظور وهو عالم وذاكر غير مكره .
الشيخ : يعني مختار.
الطالب : مختارا من غير حاجة.
الشيخ : من غير عذر، أو من غير حاجة مافي مانع .
طيب الثاني نحن قلنا أقسام ولا أحوال ؟
الطالب : أقسام .
الشيخ : إذن القسم الثاني : أن يفعله معذورا بجهل أو نسيان أو إكراه يعني يفعله جاهلا أو ناسيا أو مكرها ، فهذا لا إثم عليه ولا فدية ، عكس الأول لا يتعلق بفعل هذا إثم ولا فدية ، وإن كان جماعًا لا يترتب عليه فساد النسك ولا وجوب القضاء ، يعني لا يترتب عليه شيء من فعل المحظور أبدًا ، متى ؟ إذا كان ناسيا أو جاهلا أو مكرها ، طيب وش الدليل ؟
الدليل نوعان :
عام ، وخاص ، فالعام قوله تعالى : (( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا )) ، (( وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم )) ، (( من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرًا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم )) ، وجه الدلالة من آية البقرة واضح : (( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا )) ، فقال الله : ( قد فعلت ) .
ومن آية الأحزاب : (( وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم )) ، وإذا انتفى الجناح وهو الإثم انتفى ما يترتب عليه من الفدية .
وفي آية النحل : (( من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان )) ، وجه الدلالة أنه إذا سقط حكم الإكراه ، أو إذا سقط حكم الكفر بالإكراه مع أن الكفر أعظم الذنوب فما دونه من باب أولى ، هذه الأدلة من أين ؟
الطالب : من القرآن .
الشيخ : من القرآن .
من السنة : ( رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) ، هذا القسم الأول من الأدلة وهي الأدلة العامة.
فأي إنسان أخرج شيئًا من هذا العموم فعليه الدليل ، انتبهوا لهذه القاعدة التي جاءت في الكتاب في كتاب الله وسنة رسوله : " أي إنسان يخرج فردا من أفراد المسائل من هذا العموم ويقول: إن الإكراه لا يؤثر أو إن الجهل لا يؤثر أو إن النسيان لا يؤثر فعليه الدليل " ، واضح يا جماعة ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : طيب فيه دليل خاص في موضوع المحظورات في جزاء الصيد قال الله تعالى : (( ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النَّعم )) : فإذا اشترط الله العمد لوجوب الجزاء في الصيد مع أنه إتلاف فغيره من باب أولى ، وعلى هذا فنقول : إذا فعل هذه المحظورات أتموا جاهلا أو ناسيا أو مكرها فلا شيء عليه ، حتى في الجماع ؟
الطالب : نعم.
الشيخ : حتى في الجماع .
سأل سائل قال: إنه حج وزوجته وفي مزدلفة جامع زوجته، يا ولد ليش تجامع زوجتك ؟ قال لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( الحج عرفة ) انتهى الحج فجامعتها ، وش نقول له ؟
الطالب : ما عليه شيء .
الشيخ : ما عليه شيء ليش ؟
الطالب : لأنه جاهل .
الشيخ : جاهل متأول سمع : ( الحج عرفة ) ومشى عليه ، نعم أو لا يدري حديث عهد بإسلام ناشئ توه ناشئ في الإسلام ولا يدري فظن أن ذلك لا بأس به ، أو ظن أن الجماع المحرم ما كان فيه إنزال ولم يحصل منه إنزال كما يوجد فيه كثير من الناس الآن ، ولا سيما المتزوجون عن قرب رمضان يجامعون زوجاتهم في النهار بدون إنزال ويحسبون أنه ما فيه بأس ، نعم هكذا يقولون والله أعلم بكلامهم ، لكن هم يقولون هكذا ، على كل حال إذا كان جاهلا نقول : لا شيء عليه .
بقي عليَّ في المثال الأول الذي قال أنا جامعتها لأن الرسول يقول : ( الحج عرفة ) هل نقبل تأويله وهو ليس من أهل الاجتهاد ؟
الطالب : لا لا .
طالب آخر : ما نفتيه هو في حالة خاصة.
الشيخ : إي هو ما أفتى لكن أفتى نفسه هل نقول: والله هذا ماهو عذر لأنك
الطالب : جهل مركب !
الشيخ : لا إلى الآن ما وصلنا إلى الجهل المركب يا آدم ، لأنك ما لك حق تتأول وأنت لست من أهل الاجتهاد .
الطالب : هو ما يدري هذا .
الشيخ : لكن نعم هو يبي يجيبنا بهذا ، وقال : أنا ما على بالي إطلاقا أن هذا محرم أصلا أنا ما ذهبت أؤول دليلا يدل على التحريم ثم أقول إنه مباح أصلا ما علمت أن هذا يحرم حتى المحظورات الأخرى ما ظنيت أنها تحرم .
طيب على كل حال إذا كان جاهلا فلا شيء عليه .
القسم الثالث : أن يفعل هذه المحظورات عالما ذاكرا مختارا لكن لعذر ، (( فمن كان منكم مريضًا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك )) واضح ولا لا ؟
الطالب : واضح .
الشيخ : طيب إنما الحمدلله أن الله رفع عنه الإثم كفاية وعليه الفدية ، عليه فدية ذلك المحظور .
لكن هل يدخل في هذا مسألة الجماع هاه الله لا يبلانا ولا إياكم ، يمكن يكون مريضا بشبق ولا يزول إلا بالجماع ما يزول باستمناء مثلا !
الطالب : بالمباشرة .
الشيخ : ولا بالمباشرة ، الشبق هو : أن بعض الناس إذا تحركت شهوته نزل الماء في الأنثيين وألّمتاه تأليمًا عظيمًا بل ربما يتورمان حتى يُنزل، وبعض الناس نسأل الله العافية ما يكفيه هذا إلا إذا جامع، والعلماء -رحمهم الله- كانوا يذكرون هذا ونستبعد أن يكون هذا الأمر حتى ورد عليَّ سؤال منه في هذا العام في رمضان، رجل مصاب بهذا الشيء ويقول عن نفسه: إنه لا ينفع فيه إلا الجماع .
طيب لو فرض أن إنسانا أصيب في الحج بهذا ولم يفد إلا الجماع ؟
فهذا ضرورة ، هذا من جنس كعب بن عجرة نقول : هذا ضرورة لأنه لو لم يفعل لكان خطرا على حياته ، والحمدلله هذه القاعدة مستمرة : " أنه إذا فعل شيئا من المحظورات عالما ذاكرا مختارا لكن لعذر اقتضى ذلك فإنه لا إثم عليه ولكن عليه فدية ذلك المحظور " .
الطالب : جزاك الله خير .
الشيخ : والله أعلم .
القارئ : الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين :
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- : " وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( لما فتح الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم مكة ، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن الله حبس عن مكة الفيل، وسلط عليها رسوله والمؤمنين، وإنها لم تحل لأحد كان قبلي، وإنما أُحلت لي ساعة من نهار، وإنها لن تحل لأحد بعدي، فلا ينفّر صيدها ولا يقتلع شوكها ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد، ومن قُتل له قتيل فهو بخير النظرين ، فقال العباس : إلا الإذخر يا رسول الله فإنا نجعله في قبورنا وبيوتنا فقال : إلا الإذخر ) متفق عليه " :
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
سبق ما يحرم من محظورات الإحرام الصيد وأنه يستثنى من ذلك نعم ما صاده غير المحرم لا لأجل المحرم فإنه يجوز له أكله .
وسبق البيان الدواب التي تقتل في الحل والحرم .
وسبق بيان ما تنقسم إليه أقسام فعل المحظور ولا حاجة إلى مناقشة فيها لأنها واضحة ومن شاء فليرجع إلى المسجل.
10 - وعن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال : حملت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي ، فقال : ( ما كنت أرى الوجع بلغ بك ما أرى ، أتجد شاة ؟ ) ، قلت : لا ، قال : ( فصم ثلاثة أيام ، أو أطعم ستة مساكين ، لكل مسكين نصف صاع ) . متفق عليه . أستمع حفظ
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : لما فتح الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم مكة ، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : ( إن الله حبس عن مكة الفيل ، وسلط عليها رسوله والمؤمنين ، وإنها لم تحل لأحد كان قبلي ، وإنما أحلت لي ساعة من نهار ، وإنها لن تحل لأحد بعدي ، فلا ينفر صيدها ، ولا شوكها ، ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد ، ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين ) فقال العباس : إلا الإذخر ، يا رسول الله ، فإنا نجعله في قبورنا وبيوتنا ، فقال : ( إلا الإذخر ) . متفق عليه .
وذلك في رمضان في السنة الثامنة من الهجرة .
وأسباب الفتح معلومة وهو أن قريشا لما عاهدوا النبي صلى الله عليه وسلم في الحديبية نقضوا الصلح والعهد الذي كان بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم فلم يبق لهم عهد بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فخرج إليهم وقاتلهم ففتحها الله عليه عَنوة بالسيف ، ولكنها لم تقسم : لأنها محل شعائر الإسلام ، ومشاعر الحج ، فلا يمكن قسمتها .
قال : ( إن الله حبس عن مكة الفيل ) حبس أي : منع ، والفيل هو الفيل الذي أتى به أبرهة من أجل أن يهدم الكعبة ، والقصة مشهورة معلومة في التاريخ ومعلومة في التفسير ، وذلك أن الله تعالى أرسل عليهم (( طيرًا أبابيل )): جماعات متفرقة ، (( ترميهم بحجارة من سجيل )) : حجارة صلبة ، (( فجعلهم كعصف مأكول )) : وأبادهم عن آخرهم .
ولكن النبي صلى الله عليه وسلم سلطه الله عليها، ( سلط عليها رسوله والمؤمنين ) أي : جعل لهم السلطة عليها في دخولها .
فإن قلت : ما الرابطة بين حبس الفيل وتسليط الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه؟
فالجواب أن الفيل لو دخل مكة لحصل بينهم وبين أهل مكة قتال وانتهكت فيه الحرمة ، حرمة الحرم .
أما النبي عليه الصلاة والسلام فحصل بينه وبين أهل مكة قتال ولكن سيأتي بيان أن هذا خاص بالرسول صلى الله عليه وسلم .
فإن قلت : لماذا منع الله الفيل وسلط رسوله والمؤمنين عليها ؟
فالجواب : أن أصحاب الفيل جاؤوا لإهانة الكعبة ، وأما النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فجاؤوا لتعظيم الكعبة ، ولهذا لما قال سعد بن عبادة رضي الله عنه : ( اليوم يوم ملحمة اليوم تستحل الكعبة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : كذب بل هذا يوم تعظم فيه الكعبة ) ، وقت دخول الرسول عليه الصلاة والسلام مكة .
إذن فالفرق بينهما ظاهر ، والحكمة في تسليط الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه على مكة دون أصحاب الفيل ظاهرة جدا .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( وسلط عليها رسوله والمؤمنين ، وإنها لم تحل لأحد كان قبلي ) :
يعني ما أحد من الأنبياء وأممهم أحل الله له أن يدخل مكة بقتال أبدًا، لأن مكة معظمة، الأشجار وهي جمادات نامية محترمة فيها كما سيأتي .
قال: ( وإنها لم تحل لأحد كان قبلي وإنما أحلت لي ساعة من نهار ) :
وهي ما بين طلوع الشمس إلى صلاة العصر ، الوقت الذي لابد فيه من القتال حتى يدخلها النبي صلى الله عليه وسلم .
ساعة من نهار أحلت للرسول عليه الصلاة والسلام ، فهي لم تحل لأحد قبله ولم تحَلَّ له حلا مطلقا إنما أحلت له ساعة من نهار بقدر الضرورة .
ثم قال: ( وإنها لن تحل لأحد بعدي ) :
فصارت مكة حرام قبل الرسول عليه الصلاة والسلام حرام بعده ، في أول البعثة وآخرها ولم تحل للرسول عليه الصلاة والسلام إلا ساعة من نهار في كل عهد رسالته عليه الصلاة والسلام ، وهذا يدل على عظمة هذا البيت عند الله سبحانه وتعالى .
قال: ( فلا ينفر صيدها ) ، وفي حديث آخر أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال : ( إن أحدٌ ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا: إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم ) .
قال: ( فلا ينفر صيدها ) معنى ينفر : أي يطرد ولا يزجر ولا يشوش عليه ، لو أتيت إلى صيد وهو مستظل في شجرة فإنه لا يجوز لك أن تنفره ، ويجوز أن تقتله ؟
الطالب : لا من باب أولى .
الشيخ : لا من باب أولى إذا منع التنفير فالقتل من باب أولى ، أما لو نفر بدون تنفير لما أحس بالماشي حوله طار فإنه لا إثم عليك في ذلك ، لأنك لم تنفره .
( فلا ينفر صيدها ولا يختلى شوكها ) : لا يختلى شوكها وفي لفظ : ( ولا يعضد ) أي : يقطع شوكها .
( ولا يختلى خلاها ) الخلا : الحشيش أي : لا يحش ، والعضد القطع ، والشوك يعني الشجر ذات الشوك أي : أن حشيشها لا يحش ، وشجرها لا يقطع ولو كان ذا شوك احتراماً للمكان .
طيب لو فرض أن أحدًا أراد أن يفتح خطاً ووجد فيه شجرة فإنه لا يقطعها ، اللهم إلا إن دعت الضرورة القصوى إلى ذلك فنعم .
قال : ( ولا يعضد شوكها ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد ) : ساقطتها يعني اللقطة لا تحل إلا لمنشد ، يعني إلا لمن أراد أن ينشدها مدى الدهر ، فمن أخذها لا للإنشاد فهو حرام ، ومن أخذها للتملك بعد الإنشاد فهو حرام ، ومن أخذها للإنشاد دائما فهو حلال :
فالأحوال ثلاثة : إما أن يأخذها للتملك من الآن ، أو للتملك بعد الإنشاد ، أو للإنشاد ، الذي يحل من هذه الثلاث الأخير .
أما لقطة غيرها فيحل منها الثاني ، وأما الأول فلا يحل في أي لقطة كانت . من أخذ اللقطة للتملك من الآن فهذا لا يجوز لا في مكة ولا في غيرها ، ومن أخذها للتملك بعد الإنشاد الشرعي فهو جائز في غير مكة ، ومن أخذها للإنشاد دائماً فهو جائز في مكة وغيرها ، لكن في غير مكة ليس بواجب وفي مكة يجب الإنشاد دائما.
قال: ( ومن قتل له قتيل فهو بخير النَّظَرين ) : لما بين الرسول عليه الصلاة والسلام أن القتال محرم في مكة كأن إيرادًا ورد والقتل ؟ قال: القتل إذا كان قصاصا فلا بأس به، ( من قتل له قتيل بمكة فهو بخير النظرين ) : ما هما ؟
إما أن يقتل القاتل وإما أن يأخذ الدية .
فإذا قتل لإنسان شخص في مكة عمدًا يثبت فيه القصاص ، فإننا نقول : لأوليائه أنتم الآن بالخيار ، إن شئتم اقتلوا القاتل وإن شئتم خذوا الدية .
وقوله : ( بخير النظرين ) باعتبار المصلحة أو باعتبار ما يريده الأولياء ؟ باعتبار ما يريده الأولياء ، لأن هذا الخيار خيار تشهٍ لا خيار مصلحة ، وقد مر علينا منذ زمن بأن التخيير إن كان للمصلحة فيجب فيه اتَّباع المصلحة وإن كان تخيير تشهٍ وإرادة فالإنسان فيه مخير، ففي كفارة اليمين إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة هذا خيار تشهي أي شيء كفّرت به فهو جائز.
وفي تخيير الإمام في الأسرى من الكفار بين القتل والفدى بمال أو أسير والمن هذا تخيير مصلحة .
فإذا كان التصرف للغير فتخيير مصلحة ، للنفس فتخيير تشهي ، هنا التصرف للنفس ولا للغير؟
الطالب : للنفس .
الشيخ : للنفس ، فيكون التخيير تشهياً إن اشتهيت فاقتل إن اشتهيت فخذ الدية .
قال: ( ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين ، فقال العباس : إلا الإذخر يا رسول الله ، فقال : إلا الإذخر ) :
الإذخر نبت معروف في مكة ، وبيَّن العباس رضي الله عنه السبب في ذلك قال : " ( يا رسول الله فإنا نجعله في قبورنا وبيوتنا ، فقال : إلا الإذخر ) متفق عليه " :
الإذخر نبت معروف في الحجاز له سيقان مثل أعواد الكبريت يجعل في القبور وفي البيوت ، في القبور يجعل فيما بين اللبنات حتى لا ينهال التراب ، في البيوت يجعل فيما بين الجريد في السقف ويوضع الطين فوقه ، السقف أول ما نجعل إيش ؟
الطالب : الجريد .
الشيخ : لا خشب ، ثم الجريد ثم الإذخر ثم الطين ، الإذخر هذا يمنع تساقط الطين من بين الجريد ، فالناس في حاجة إليه ، فقال الرسول عليه الصلاة والسلام : " ( إلا الإذخر ) متفق عليه " .
11 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : لما فتح الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم مكة ، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : ( إن الله حبس عن مكة الفيل ، وسلط عليها رسوله والمؤمنين ، وإنها لم تحل لأحد كان قبلي ، وإنما أحلت لي ساعة من نهار ، وإنها لن تحل لأحد بعدي ، فلا ينفر صيدها ، ولا شوكها ، ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد ، ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين ) فقال العباس : إلا الإذخر ، يا رسول الله ، فإنا نجعله في قبورنا وبيوتنا ، فقال : ( إلا الإذخر ) . متفق عليه . أستمع حفظ
فوائد حديث:( أبي هريرة رضي الله عنه قال : لما فتح الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم مكة ... ).
أولًا : انتهاز النبي صلى الله عليه وسلم الفرصة في الخطب حين دعاء الحاجة إليها ، لأنه خطب في وقت يحتاج الناس فيه إلى بيان الأحكام فخطب الرسول عليه الصلاة والسلام فبين الأحكام .
ثانيًا : أن الخطب تبتدأ بالحمد بالحمدلله والثناء عليه .
ثالثاً : أنه ليس بلازم أن نثني بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .
رابعًا : بيان أن الله سبحانه وتعالى خالق أفعال العباد بهيمها وناطقها ، لقوله : ( إن الله حبس عن مكة الفيل ) ، لأن الفيل كانوا إذا وجهوه إلى مكة حرن وأبى أن يقدم ، إذا وجهوه إلى اليمن هرول ومشى ، والذي حبسه من ؟
الله إذن فعل الفيل بمشيئة الله ، ففيه دليل على عموم مشيئة الله في أفعال المخلوقين بهيمها وناطقها .
ومن فوائده أيضا : أن الله سبحانه وتعالى له الحكم فيما أراد من خلقه ، الكوني والشرعي ، ولهذا منع كونا الفيل ، وأذن شرعا للرسول صلى الله عليه وسلم فسلطه على مكة ومن معه من المؤمنين .
ومن فوائد الحديث : بيان عظمة الكعبة ، لأنها لم تحل لأحد من الناس قبل الرسول عليه الصلاة والسلام ، ولم تحل للرسول صلى الله عليه وسلم إلا بقدر الضرورة لقوله : ( وإنما أحلت لي ساعة من نهار ) .
ومن فوائدها : " أن الضرورات تتقدر بقدرها " : لا يزيد الإنسان فيها على قدر الضرورة ، أي : أن ما أبيح للضرورة لا يجوز أن يتعدى به موضع الضرورة ، وهذه قاعدة نافعة في كل الأحكام : " أن ما أبيح للضرورة فإنه لا يجوز أن يتعدى به محل الضرورة " ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أبيحت له ساعة من نهار إذ لا يتمكن أن يزيل هذا الكفر والشرك حتى تكون مكة بلاد إسلام إلا بهذا القتال ، ولولا ذلك ما تمكن ، لبقيت محترمة بمن فيها من الكفار ولم يستطع أحد الوصول إليها .
ومن فوائد الحديث : تحريم القتال بمكة لقوله : ( وإنها لن تحل لأحد بعدي ) ، ولكن إذا قوتل الإنسان فله أن يقاتل ، لقوله تعالى : (( ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم )) ، ولهذا أجاز النبي عليه الصلاة والسلام قتل القتلى في القصاص ، لأنه قتل بحق ، والقتل أخص من القتال ، لأنه قد يجوز القتال ولا يجوز القتل ، لو ترك أهل بلد الأذان والإقامة جاز قتالهم بل وجب قتالهم، ولكن لا يجوز قتلهم ، فإذا استسلموا ما نأسرهم ولا نجهز على جريحهم .
طيب ومن فوائد الحديث : جواز النسخ في الأحكام الشرعية ، لأن تحريم مكة نُسخ كذا .
ومنها : جواز توقيت النسخ حيث نسخ التحريم إلى الحل ساعة من نهار .
ومنها : إثبات الحكمة لله عز وجل ، لأن هذا النسخ المؤقت لحكمة .
ومنها : تعليل الأحكام الشرعية وأن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما . ومن فوائدها : تحريم الصيد ، من فوائد الحديث تحريم الصيد في مكة، لقوله : ( لا ينفر صيدها ) ، وتحريم قتله من باب أولى .
ومن فوائد الحديث : تحريم قطع الشجر صغيره وكبيره ، مؤذيه وغير مؤذيه ، لقوله : ( ولا يختلى شوكها ) ، هذا إذا كان الشجر نبت بفعل الله عز وجل ، أما ما نبت بزرع الآدمي، فإنه ملكه له أن يتصرف فيه بما شاء، فلو غرس الإنسان نخلة في مكة فله أن يجتثها ، ولو غرس شجرة فله أن يجتثها ، ولو زرع فله أن يحصده ، أما ما نبت بدون فعل الآدمي فإنه محترم لا يجوز قطعه . طيب ومنها ، أي من فوائد الحديث : أن لقطة الحرم لا تملك بالتعريف ، لقوله ( ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد ) وهذا هو القول الصحيح في هذه المسألة ، ومنهم من قال : إن لقطة الحرم كغيرها تملك بالتعريف ، وإنما قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( لا تحل ساقطتها إلا لمنشد ) من باب التأكيد على الإنشاد ، ولكن الصحيح هو الأول.
طيب فإذا قال قائل : إذا علم الإنسان أنه لابد أن ينشدها مدى الدهر إلا أن يجد صاحبها فإنه لن يأخذها ماذا نقول؟
نقول : لا يأخذها ، الشارع ما أراد إلا هذا أن لا تأخذها ، وإذا جاء ثان لا يأخذها وثالث لا يأخذها حتى تبقى في مكانها وصاحبها إذا فقدها رجع من حيث جاء ووجدها ، حتى يبقى كل شيء آمنا .
لكن في عصرنا الآن نرى أنه لو تركها لجاء من بعده وأخذها وجاء من لا يسأل من يأخذها للتملك ، فنقول : حينئذ إذا كان يخاف أن تؤخذ على وجه التملك وأن لا يبحث عن صاحبها فالأولى أن يأخذها ويسلمها إلى الجهات المسؤولة ، إلى ولي الأمر وبذلك تبرأ ذمته ، هذا ما لم يكن يعلم صاحبها ، فإن علم صاحبها بكتابة أو وسم أو شبهه فإنه يأخذها ويسلمها له .
ومن فوائد الحديث : أن أولياء المقتول لهم الخيار بين القتل والدية لقوله : ( ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين ) ، وأنه لا فرق بين أن يكون ذلك في مكة أو في غيرها.
ومن فوائد الحديث جواز القتل في مكة بحق لقوله : ( فهو بخير النظرين ) ، فإذا زنا الإنسان في مكة وهو محصن فإننا نرجمه ، لا نقول : والله هذا في مكان آمن ، نقول : لأنه من حيث المعنى والعلة ، لأنه لما انتهك حرمته صار هو لا حرمة له ، واضح ؟
وكذلك لو وجب على شخص قتل للفساد في الأرض فإننا نقتله ، لو أن أحدًا ارتد في مكة وصار لا يصلي وأبى أن يتوب ، فإننا نقتله ، بل هذا أعظم ، لأن هذا إذا قدّر أننا لن نقتله أو صار الحكم ضعيفًا لا يجرؤ على قتله فإنه يجب إخراجه لأنه كافر ، والكافر لا يجوز إقراره في مكة .
ومن فوائد الحديث : أن من الناس من يكون فيه بركة ، في تشفيع الأحكام الشرعية، كما أن من الناس من يكون فيه شؤم ، فالأقرع بن حابس لما قال فيما سبق : أفي كل عام ، هذا سؤال ما ينبغي لو قال الرسول : نعم لوجبت ولما استطعنا .
أما إذا كان الإنسان الذي يسأل، يسأل في تخفيف على المسلمين فهذا يحمد عليه ، ويكون من بركاته ، كما ذكر أُسيد بن حضير في قصة عقد عائشة حين فقد ولم يكن عند الناس ماء فنزلت آية التيمم قال : ( ما هي بأول بركتكم يا آل بكر ) .
طيب إذن من بركات العباس استثناء الإذخر الذي يحتاجه الناس في مكة للبيوت والقبور .
ومن فوائد الحديث أنه لا يشترط في الاستثناء نيته قبل تمام المستثنى منه ، ولا اتصاله به أيضًا ، وجهه : أن الرسول قال : ( إلا الإذخر ) ، ولم يكن نواه الرسول عليه الصلاة والسلام لأنه لو نواه لقال : ولا يختلى شوكها إلا الإذخر ، وأيضا حصل فصل بين المستثنى والمستثنى منه وهو : ( لا تحل ساقطتها إلا لمنشد ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين ) وكلام العباس ثم قال : ( إلا الإذخر ) ، فهذا استثناء مع الفصل ومع عدم النية ، لكن الكلام واحد ولا منقطع ؟
الطالب : واحد .
الشيخ : الكلام واحد فإذا اتصل المستثنى بالمستثنى منه في كلام واحد ولو لم يلِ المستثنى أو لم ينوه المستثني فهو صحيح.
طيب من العلماء من يقول : إنه تشترط نية الاستثناء قبل تمام المستثنى منه، ويشترط أيضا الاتصال، فكيف يجيبون عن هذا الحديث ؟
يقولون: إن قوله: ( إلا الإذخر ) هذا نسخ وليس بتخصيص، فيقال لهم : سبحان الله !! هل يمكن أن نجعل : ( إلا الإذخر ) أن نجعله حديثا مستقلا أسألكم؟
الطالب : لا.
الشيخ : لا يمكن لأن فيه أداة الاستثناء، لكن هذا أمر يسلكه بعض الناس إذا اعتقد شيئا حاول أن يحوّل النصوص إلى اعتقاده ، وهذه طريقة ليست بسليمة، فالواجب على الإنسان أن ينظر ما تدل عليه النصوص ويتبعها، لا أن يرى رأياً فيتبع النصوص ذلك الرأي.
طيب الشاهد من هذا الحديث ما يتعلق بالصيد ولا لا ؟
ما يتعلق بالصيد، ولكنه في الواقع لا مناسبة فيه للباب، لأن الباب : " الإحرام وما يتعلق به " ، والذي ذكر في هذا الحديث ما يتعلق بالحرم لا بالإحرام ، أفهمتم؟
طيب الشجر تحريمه يتعلق بالحرم فقط ، الشجر بالحرم فقط ، ولهذا يحرم قطع الشجر في الحرم على المحل والمحرم ، ويحل قطع الشجر في الحل للمحرم وعلى المحل فلا علاقة له بالإحرام .
الصيد له علاقة بالحرم والإحرام ، ولهذا يحرم الصيد في الحرم على المحل والمحرم ويحرم الصيد على المحرم في الحل والحرم ، أفهمتم ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : طيب وإذا كان المحرم في الحرم حرم عليه الصيد من وجهين :
كونه في الحرم وكونه محرمًا، وهل يلزمه جزاءان لوجود السببين أو جزاء واحد ؟ قال بعض العلماء: يلزمه جزاءان، لأنه انتهك حرمتين: حرمة الحرم وحرمة الإحرام، فيلزمه جزاءان.
وقال بعض العلماء وهو المذهب: لا يلزمه إلا جزاء واحد، لأنه انتهك حرمتين في محرّم واحد وهو الصيد، وأيضا لو ألزمنا المحرم جزاءين لم نكن ألزمناه بالمثل لأنه قتل واحدًا وألزمناه اثنين والله تعالى يقول: (( فجزاء مثل ما قتل من النعم )) ، وكما أن المثلية كما تكون بالصفة تكون كذلك في العدد كقوله تعالى : (( الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن )) طيب .
12 - فوائد حديث:( أبي هريرة رضي الله عنه قال : لما فتح الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم مكة ... ). أستمع حفظ
وعن عبدالله بن زيد بن عاصم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن إبراهيم حرم مكة ، ودعا لأهلها ، وإني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة ، وإني دعوت في صاعها ومدها ، بمثل ما دعا به إبراهيم لأهل مكة ) . متفق عليه .
13 - وعن عبدالله بن زيد بن عاصم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن إبراهيم حرم مكة ، ودعا لأهلها ، وإني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة ، وإني دعوت في صاعها ومدها ، بمثل ما دعا به إبراهيم لأهل مكة ) . متفق عليه . أستمع حفظ
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( المدينة حرم ما بين عير إلى ثور ) . رواه مسلم .
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( المدينة حرام ما بين عَير إلى ثور ) " :
هذان الحديثان يتعلقان أيضا بالحرم ولا علاقة لهما بالإحرام .
قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( إن إبراهيم حرم مكة ) : وثبت في حديث الصحيحين أيضا أن الله هو الذي حرم مكة ، ولا تعارض بين الحديثين ، لأن المحرم هو الله وإبراهيم مبلّغ ، فنسب التحريم إلى إبراهيم باعتبار التبليغ ، ونسب إلى الله سبحانه وتعالى لأنه منشئ الأحكام ، واضح ؟
فيكون الله هو الذي حرمها وإبراهيم بلّغ التحريم وأظهره .
ويقول: ( إنه دعا لأهلها ) : دعا لأهلها بالبركة في أي آية نعرفه ؟
في البقرة: (( رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر )) طيب : (( من كفر )) هذه معطوفة على إيش ؟
على من آمن ومن كفر ، فيكون الله عز وجل أعطى إبراهيم أكثر مما سأل لأن إبراهيم قال : (( ارزق أهله من الثمرات من آمن بالله واليوم الآخر )) فقال الله تعالى : (( ومن كفر )) : أتدرون لماذا قال إبراهيم : (( من آمن )) ؟
تأدبا مع الله ، لأنه قال قبل ذلك: (( إني جاعلك للناس إمامًا قال: ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين )) يعني : أن الله أعطاه عهده لكن استثنى الظالمين من ذريته ، فتأدب في الدعوة الثانية مع الله فقال : (( ارزق أهله من الثمرات من آمن )) ، ولكن الله عز وجل عمم ، ففي الأولى الله خصص دعاءه وفي الثانية عمم وأعطاه أكثر مما سأل .
قال الله سبحانه وتعالى: (( ومن كفر )) لكن من كفر قال: (( فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير )) ، نسأل الله العافية .
المهم أن إبراهيم دعا لأهل مكة ، ونبينا صلى الله عليه وسلم دعا لأهل المدينة بمثل ما دعا به إبراهيم .
الطالب : جاء أنه دعا بمثلين !
الشيخ : بمثلين ؟ ( وإني حرمت المدينة وإني دعوت في صاعها ومدها بمثل ) بمثل ، والله ما أعرف !
الطالب : أنا قرأت الحديث .
الشيخ : هو فيها حديث لكن بس ما أدري هو في الصحيحين ولا لا ، إي نعم ما عندكم الشرح ؟
الطالب : في الشرح يا شيخ !
الشيخ : إي لكن في الشرح ما فسرها ؟
*سبل السلام ما هو معكم ما تكلم عليها ؟
الطالب : لا .
الشيخ : طيب نراجعها إن شاء الله .
الشاهد في هذا قوله : ( إني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة ) ، وهذا تشبيه لأصل التحريم بأصل التحريم ، وذلك لأن تحريم حرم مكة أشد وأشمل لأن حرم المدينة يستثنى منه أشياء هي حلال وهي في حرم مكة حرام فيكون التشبيه هنا في أصل التحريم لا في وصفه ، فإنَّ حرم المدينة فيه أشياء تحل ولا تحل في حرم مكة .
طيب وحرم المدينة من أين إلى أين ؟
يقول : ( مِن عَير إلى ثور ) : وعير وثور جبلان معروفان في المدينة ، قال العلماء : والمسافة أي : مسافة حرم المدينة بريد في بريد ، البريد أربعة فراسخ والفرسخ ثلاثة أميال ، فيكون البريد كم ؟
الطالب : اثنا عشر ميل .
الشيخ : اثنا عشر ميل ، يعني اثنا عشر ميل في اثني عشر ميلاً ، الميل أظنه بالكيلو كيلو ونصف تقريبا ها ؟
الطالب : أقول : كيلو وستة من عشرة من الكيلو .
الشيخ : كيف ؟
الطالب : كيلو وستة من عشرة من الكيلو .
الشيخ : واحد وستة من عشرة كيلو وستة من عشرة ، إذن اضرب اثنا عشر ميل في واحد وستة من عشرة ؟
الطالب : ثمانية عشر .
الشيخ : لا ، ثمانية عشرة وزيادة ، ثمانية عشر كيلو وزيادة.
الطالب : قالوا : غير معروفة أيضا .
الشيخ : ها ؟
الطالب : المعروف عَير لا ثور .
الشيخ : لا وهو معروف أيضًا العلماء بعضهم قال كما قلت إنه غير معروف لكن المحققون يقولون إنه معروف ، وعلى كل حال الكلام على المسافة بريد في بريد.
ثم قال المؤلف : " باب صفة الحج ودخول مكة " .
الطالب : الفوائد !
الشيخ : نعم .
14 - وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( المدينة حرم ما بين عير إلى ثور ) . رواه مسلم . أستمع حفظ
فوائد الحديثين :( إن إبراهيم حرم مكة ، ودعا لأهلها ...)، ( المدينة حرم ما بين عير إلى ثور )
أولاً : نسبة الشيء إلى من بلغه لقوله : ( إن إبراهيم حرم مكة ) ، ومثله أن الله نسب القرآن إلى جبريل ونسبه أيضا إلى محمد عليهما الصلاة والسلام ، فقال تعالى : (( إنه لقول رسول كريم * ذي قوة عند ذي العرش مكين )) فنسبه هنا إلى ؟
الطالب : جبريل .
الشيخ : وقال تعالى : (( إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر )) فنسبه إلى محمد ، فنسبت الشيء إلى المبلغ سائغة شرعا ولغة .
ومن فوائد الحديث : رحمة هذين الرسولين بأهل هاتين البلدتين، وشفقتهما على أهلهما، فإبراهيم دعا لأهل مكة، ومحمد صلى الله عليه وسلم دعا لأهل المدينة.
ومن فوائدها: ثبوت الحرم بالمدينة، لقوله عليه الصلاة والسلام : ( إني حرمتها كما حرم إبراهيم مكة ).
ومنها: أن الرسول صلى الله عليه وسلم خصَّ الدعوة للمدينة بالمد والصاع، وهو الطعام الذي يُقدر بالأصواع والأمداد، وهذا لا يستلزم أن يكون الرسول عليه الصلاة والسلام دعا في كل شيء، وإنما دعا في الطعام ولذلك نجد أن الطعام في المدينة يكون دائماً متوفراً، ويكون أيضا مباركا في زرعه وجنيه.
ومن فوائد الحديث الثاني حديث علي بن أبي طالب: بيان حد حرم المدينة، وأنه ما بين عَير إلى ثور.
15 - فوائد الحديثين :( إن إبراهيم حرم مكة ، ودعا لأهلها ...)، ( المدينة حرم ما بين عير إلى ثور ) أستمع حفظ
باب صفة الحج ودخول مكة.
من شروط العبادة الإخلاص لله، والمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، وهما الركنان الأساسيان في كل عبادة، فلا تقبل عبادة بشرك، ولا تقبل عبادة ببدعة :
البدعة تنافي الاتباع ، والشرك ينافي الإخلاص .
ومن ثَم احتاج العلماء -رحمهم الله- إلى بيان صفات العبادات فبينوا صفة الوضوء ، صفة الصلاة ، صفة الصيام ، صفة الحج ، صفة الزكاة وغير ذلك ، حتى يعبد الناس اللهَ عز وجل على شريعة محمد صلى الله عليه وسلم .
وقول المؤلف : " ودخول مكة " : يعني كيف يدخل مكة ومن أين يدخل مكة ومتى يدخل مكة ؟
ثلاثة أشياء كيف يدخلها ومن أين وفي أي وقت؟
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حج فخرجنا معه ، حتى إذا أتينا ذا الحليفة ، فولدت أسماء بنت عميس فقال : ( اغتسلي واستنفري بثوب ، واحرمي ) ، وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ، ثم ركب القصواء حتى إذا استوت به على البيداء أهل بالتوحيد : ( لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ) . حتى إذا أتينا البيت استلم الركن ، فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً ، ثم أتى مقام إبراهيم ، فصلى ، ثم رجع إلى الركن فاستلمه ، ثم خرج من الباب إلى الصفا ، فلما دنا من الصفا قرأ : ( إن الصفا و المروة من شعائر الله ) [ البقرة : 158 ] ( أبدأ بما بدأ الله به ) فرقى الصفا ، حتى رأى البيت ، فاستقبل القبلة ، فوحد الله ، وكبره وقال : ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ، لا إله إلا الله وحده ، أنجز وعده ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ) ثم دعا بين ذلك قال مثل هذا ثلاث مرات ، ثم نزل إلى المروة ، حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى ، حتى إذا صعدنا مشى حتى أتى المروة ، ففعل على المروة كما فعل على الصفا - وذكر الحديث - وفيه : فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى ، وركب النبي صلى الله عليه وسلم ، فصلى بهم الظهر ، والعصر ، والمغرب ، والعشاء ، والفجر ، ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس ، فأجاز حتى أتى عرفه . فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها ، حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء ، فرحلت له ، فأتى بطن الوادي ، فخطب الناس ، ثم أذن ثم أقام ، فصلى الظهر ، ثم أقام فصلى العصر ، ولم يصل بينهما شيئاً ، ثم ركب حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات وجعل حبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة ، فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس ، وذهبت الصفرة قليلاً ، حتى غاب القرص ودفع ، وقد شنق للقصواء الزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله ، ويقول بيده اليمنى ، ( يا أيها الناس ، السكينة ، السكينة ) وكلما أتى حبلاً من الحبال أرخى لها قليلاً حتى تصعد . حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ، ولم يسبح بينهما شيئاً ، ثم اضطجع حتى طلع الفجر ، وصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة ، ثم ركب حتى أتى المشعر الحرام ، فاستقبل القبلة فدعاه ، وكبره ، وهلله ، فلم يزل واقفاً حتى أسفر جداً ، فدفع قبل أن تطلع الشمس ، حتى أتى بطن محسر فحرك قليلاً ، ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى ، حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة ، فرماها بسبع حصيات ، يكبر مع كل حصاة منها ، كل حصاة مثل حصى الخذف ، رمى من بطن الوادي ، ثم انصرف إلى المنحر فنحر ، ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأفاض إلى البيت ، فصلى بمكة الظهر . رواه مسلم مطولاً .
خمسة أسداس المسلمين تقريبا ، خمسة من ستة كثير ، حتى كانوا كما قال جابر : ( كانوا بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفه وعن يمينه وعن شماله مد البصر ) : عالم عظيم يريدون أن يأخذوا من إمامهم صلوات الله وسلامه عليه كيف يعبدون الله تعالى بهذا النسك العظيم .
خرج النبي عليه الصلاة والسلام من المدينة وقد بقي خمسة أيام من ذي القعدة، خرج في الخامس والعشرين في يوم السبت، بعد أن أعلم الناس في خطبة الجمعة كيف يُحرمون ، وسئل ماذا يلبس المحرم ، وأوضح للناس مبادئ النسك .
وبقي في ذي الحليفة عليه الصلاة والسلام وبات بها ، وفي اليوم التالي : اغتسل ولبس إحرامه ثم أحرم .
والمؤلف -رحمه الله- اختصر الحديث اختصارا تاما لم يأت منه إلا ما يتعلق بالحج : " قال : ( حج النبي صلى الله عليه وسلم حج فخرجنا معه حتى إذا أتينا ذا الحليفة فولدت أسماء ) " :
أتى بكلمة فَ : لأنها معطوفة على جملة هي جواب الشرط ، يعني حتى أتينا ذا الحليفة نزل وصار كذا وكذا وكذا فولدت .
وذو الحليفة هي : مهل أهل المدينة وتعرف الآن هاه بأبيار علي .
طيب : " ( فولدت أسماء بنت عميس وهي زوجة أبي بكر رضي الله عنه ، ولدت محمد بن أبي بكر، فأرسلت إلى النبي عليه الصلاة والسلام كيف تصنع ؟ فقال لها : اغتسلي واستثفري بثوب وأحرمي ) " :
اغتسلي عن الحيض ولا للإحرام ؟
للإحرام ، ولا يصح أن نقول : إنه عن النفاس ، لأن النفاس باقٍ ، ومن شرط صحة الطهارة عن موجب للطهارة أن ينقطع ذلك الموجب ، ولهذا لا يصح التوضؤ عن البول والإنسان يبول ، ولا يصح التوضؤ عن لحم الإبل والإنسان يأكل لحم ، فالطهارة عن موجب لها لا تصح إلا بعد انقطاع الموجب .
إذن فالغسل الذي أمرَ به الرسول صلى الله عليه وسلم أسماء للإحرام .
قال : ( واستثفري بثوب ) :
لما ولدت رضي الله عنها أرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم كيف تصنع ؟ فقال : ( اغتسلي واستثفري بثوب وأحرمي ) :
كيف تصنع من الآن إلى انقضاء النسك ؟
أو كيف تصنع الآن ؟
الطالب : كيف تصنع الآن .
الشيخ : كيف تصنع الآن ولهذا لم يبين لها النبي عليه الصلاة والسلام ماذا تصنع في المستقبل لم يقل لها كما قال لعائشة : ( افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت ) ، لأنها إنما تريد حل المشكلة الحاضرة وبه نعرف خطأ ابن حزم -رحمه الله- في هذه المسألة حيث قال : إن النفساء يجوز لها أن تطوف بالبيت بخلاف الحائض قال : " لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل لأسماء لا تطوفي بالبيت وقال ذلك لعائشة " ، والجواب على هذا سهل أن نقول : إن أسماء إنما أرادت أن تسأل عما تصنع الآن وبينها وبين مكة والوصول إلى البيت مفاوز بخلاف عائشة فإن ذلك كان بسرف قريبا من مكة. قال : ( اغتسلي واستثفري بثوب ) معنى استثفري به : يعني تلجمي به ، ويسمى باللغة الحاضرة التحفظ، يعني تحفظي به ، يعني تضع على فرجها شيء لأجل أن تمنع الخارج عند الاغتسال قال : ( وأحرمي ) : وأطلق الإحرام لأنه في ذي الحليفة أحرم الناس على الوجوه الثلاثة التي سبقت في حديث عائشة : بحج وبعمرة وبهما .
( وأحرمي ) يقول .
17 - عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حج فخرجنا معه ، حتى إذا أتينا ذا الحليفة ، فولدت أسماء بنت عميس فقال : ( اغتسلي واستنفري بثوب ، واحرمي ) ، وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ، ثم ركب القصواء حتى إذا استوت به على البيداء أهل بالتوحيد : ( لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ) . حتى إذا أتينا البيت استلم الركن ، فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً ، ثم أتى مقام إبراهيم ، فصلى ، ثم رجع إلى الركن فاستلمه ، ثم خرج من الباب إلى الصفا ، فلما دنا من الصفا قرأ : ( إن الصفا و المروة من شعائر الله ) [ البقرة : 158 ] ( أبدأ بما بدأ الله به ) فرقى الصفا ، حتى رأى البيت ، فاستقبل القبلة ، فوحد الله ، وكبره وقال : ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ، لا إله إلا الله وحده ، أنجز وعده ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ) ثم دعا بين ذلك قال مثل هذا ثلاث مرات ، ثم نزل إلى المروة ، حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى ، حتى إذا صعدنا مشى حتى أتى المروة ، ففعل على المروة كما فعل على الصفا - وذكر الحديث - وفيه : فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى ، وركب النبي صلى الله عليه وسلم ، فصلى بهم الظهر ، والعصر ، والمغرب ، والعشاء ، والفجر ، ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس ، فأجاز حتى أتى عرفه . فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها ، حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء ، فرحلت له ، فأتى بطن الوادي ، فخطب الناس ، ثم أذن ثم أقام ، فصلى الظهر ، ثم أقام فصلى العصر ، ولم يصل بينهما شيئاً ، ثم ركب حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات وجعل حبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة ، فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس ، وذهبت الصفرة قليلاً ، حتى غاب القرص ودفع ، وقد شنق للقصواء الزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله ، ويقول بيده اليمنى ، ( يا أيها الناس ، السكينة ، السكينة ) وكلما أتى حبلاً من الحبال أرخى لها قليلاً حتى تصعد . حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ، ولم يسبح بينهما شيئاً ، ثم اضطجع حتى طلع الفجر ، وصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة ، ثم ركب حتى أتى المشعر الحرام ، فاستقبل القبلة فدعاه ، وكبره ، وهلله ، فلم يزل واقفاً حتى أسفر جداً ، فدفع قبل أن تطلع الشمس ، حتى أتى بطن محسر فحرك قليلاً ، ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى ، حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة ، فرماها بسبع حصيات ، يكبر مع كل حصاة منها ، كل حصاة مثل حصى الخذف ، رمى من بطن الوادي ، ثم انصرف إلى المنحر فنحر ، ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأفاض إلى البيت ، فصلى بمكة الظهر . رواه مسلم مطولاً . أستمع حفظ