تحت باب صفة الحج ودخول مكة
تتمة شرح الحديث السابق ( وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها : ( طوافك بالبيت وسعيك بين الصفا و المروة يكفيك لحجك وعمرتك ) . رواه مسلم .
فلما طافت بالبيت وسعت بين الصفا والمروة طلبت من الرسول صلى الله عليه وسلم أن تعتمر فقال لها : ( طوافك بالبيت وبالصفا والمروة يسعك ) يعني يكفيك ( لحجك وعمرتك ) ، ولكنها ألحت، ألحت على النبي عليه الصلاة والسلام حتى قالت : ما يمكن يرجع الناس بحج وعمرة وأرجع بحج ، فلما رآها قد ألحت وكان عليه الصلاة والسلام يحب أن يجبر الخاطر فيما لا يخالف الشرع ، أذن لها أن تعتمر ، وأمر أخاها عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما أن يخرج بها إلى التنعيم لتحرم بالعمرة ففعلت ، وكان ذلك في الليلة الرابعة عشرة بعد انتهاء أيام التشريق .
2 - تتمة شرح الحديث السابق ( وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها : ( طوافك بالبيت وسعيك بين الصفا و المروة يكفيك لحجك وعمرتك ) . رواه مسلم . أستمع حفظ
فوائد حديث :( طوافك بالبيت وسعيك بين الصفا و المروة ... ).
أولًا : أن الطواف بالبيت وبالصفا والمروة لا يسقط عن الحائض، لأن عائشة كانت حائضًا فلم يسقط عنها ، بل أمرها الرسول عليه الصلاة والسلام أن تطوف وتسعى .
ويستفاد من هذا الحديث : أن السعي ركن ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قرنه بالطواف وقال : ( يسعك لحجك وعمرتك ) ، وهذا يدل على أنه لابد أن يكون موجودا في الحج والعمرة .
ومن فوائد الحديث : أن القارن لا يلزمه طوافان وسعيان ، خلافا لمن قال بذلك من أهل العلم ، وأنه يكفيه طواف وسعي .
ومن فوائده : أن العبادتين إذا كانتا من جنس دخلت الصغرى منهما في الكبرى ، إذا كانتا من جنس ، فإن الصغرى تدخل في الكبرى ، كيف ذلك ؟ لأن العمرة هنا دخلت في الحج وهما من جنس واحد ، كلاهما نسك ، بل قد سمى النبي عليه الصلاة والسلام العمرة سماها الحج الأصغر .
ومثال آخر : لو نوى المحدث حدثًا أصغر لو نوى بغسله الحدثين أجزأ ، ولا حاجة للوضوء، بل القول الراجح في مسألة الجنب : أنه إذا نوى الحدث الأكبر ارتفع الحدثان ، لأن الله تعالى لم يوجب على ذي الجنابة إلا الغسل فقط قال : (( وإن كنتم جنبًا فاطهروا )) ولم يذكر وضوءً .
من فوائد هذا الحديث حسن خلق النبي عليه الصلاة والسلام بالنسبة لأهله وهذا مأخوذ من مجموع القصة ما هو من هذا الحديث نفسه ، وذلك بتسليته إياها حين قال : ( إن هذا شيء كتبه الله على بنات آدم ) ، وكذلك بتطييب خاطرها حين ألحت عليه بأن تأتي بعمرة مستقلة بعد الحج .
طيب هل يستفاد مِن الحديث جواز تأخير الطواف عن السعي للقارن ؟
نقول : هذا لا شك فيه ، جواز تأخير الطواف عن السعي للقارن ، هذا لا شك فيه ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان قارنًا وسعى بعد طواف القدوم ، ولم يطف بعد طواف الإفاضة ، وهذا واضح .
لكن لو فرض أن الرجل لم يسع مع طواف القدوم وجعل السعي مع الطواف يوم العيد ، وقدمه على الطواف يجوز ولا لا ؟
الطالب : يجوز.
الشيخ : يجوز نعم.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرمل في السبع الذي أفاض فيه . رواه الخمسة إلا الترمذي ، وصححه الحاكم .
طواف القدوم ، وطواف الإفاضة ، وطواف الوداع فقط .
ولو شاء أن يطوف غير ذلك لطاف ، لأنه قدم في اليوم الرابع من ذي الحجة وبقي نازلاً في الأبطح إلى يوم الثامن ، لو شاء لنزل وطاف بالبيت لكنه عليه الصلاة والسلام لم يرد ذلك تشريعًا للأمة.
4 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرمل في السبع الذي أفاض فيه . رواه الخمسة إلا الترمذي ، وصححه الحاكم . أستمع حفظ
فوائد حديث :( ن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرمل في السبع الذي أفاض فيه ).
طيب إذن متى رمل؟
الطالب : في طواف القدوم .
الشيخ : في طواف القدوم نعم.
وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء ، ثم رقد رقدة بالمحصب ، ثم ركب إلى البيت فطاف به . رواه البخاري .
رسول الله عليه الصلاة والسلام لما رمى الجمرات في اليوم الثالث عشر ولا الثاني عشر ؟
الطالب : الثالث عشر .
الشيخ : الثالث عشر، لأنه تأخر، لما رماها كان يرميها بعد الزوال وقبل صلاة الظهر، نزل مِن منى لأن منى أول ما يُفعل فيها الرمي وآخر ما يفعل الرمي، ولهذا النبي عليه الصلاة والسلام أول ما قدم وهو على بعيره رمى الجمرة، وفي آخر يوم كذلك رمى الجمرة ثم ارتحل وركب، ولم يبق بعد رمي الجمرات.
ارتحل عليه الصلاة والسلام وصلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمحصَّب، المحصَّب : يعني المكان الذي كثرت في الحصباء ، وهو الشعب الذي يفيض على الأبطح ، الآن أظن فيه مقر الإمارة وصار الآن عمائر وفلل ما يمكن المبيت فيه إطلاقاً ، ولهذا القول مثلًا فيه بأن التحصيب سنة أو غير سنة أصبح الآن غير وارد ، لأنه لا يمكن .
على كل حال النبي رقد ثم ركب في آخر الليل، ركب عليه الصلاة والسلام في آخر الليل ونزل إلى البيت، وطاف طواف الوداع، وصلى الصبح ثم ركب إلى المدينة، صبح اليوم الرابع عشر، وكانت أم سلمة رضي الله عنها كانت استأذنته أو استفتته في طواف الوداع وقالت : ( إنها مريضة فقال : طوفي من وراء الناس وأنت راكبة ، قالت : فسمعته يقرأ في صلاة الفجر ذاك اليوم (( والطور وكتاب مسطور )) ) : الشاهد من هذا أن الرسول عليه الصلاة والسلام نزل في هذا المكان وصلى فيه كم وقتا ؟
أربعة أوقات ، والخامس في المسجد الحرام .
6 - وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء ، ثم رقد رقدة بالمحصب ، ثم ركب إلى البيت فطاف به . رواه البخاري . أستمع حفظ
وعن عائشة رضي الله عنها أنها لم تكن تفعل ذلك - أي : النزول بالأبطح - وتقول : إنما نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه كان منزلاً أسمح لخروجه . رواه مسلم .
أعقب المؤلف حديث ابن عباس بهذا الحديث ليبين أن نزول الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك المكان ليس على سبيل التعبد ، بل هو أسمح لخروجه وأيسر ، لأنه عليه الصلاة والسلام لما انتهى من منى وكان يحب أن يمشي في أول النهار ، فأين يذهب ؟
إذا كان انتهى من منى قبل صلاة الظهر ، وهو يريد أن يسافر إلى المدينة في أول النهار ، لم يبق إلا أن ينزل في هذا المكان ليستريح وينام ما شاء الله سبحانه وتعالى أن ينام ، ثم بعد ذلك يرتحل .
فعائشة تقول : إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك تعبدًا ، وإنما فعله لأنه أسمح لخروجه ولهذا كانت لا تفعله رضي الله عنها .
وبعض العلماء يقول : بل فعله تعبدًا فيكون النزول في هذا المكان سنة .فالعلماء اختلفوا في هذا ، ولكن إذا جاء مثل هذا الخلاف والأدلة فيه محتملة أن يكون ذلك على سبيل التعبد أو على سبيل الراحة والتيسير فأيهما نأخذ به؟
الطالب : الأصل المشروعية يا شيخ.
الشيخ : قد يقول قائل : إن الأصل المشروعية وأن النزول بهذا سنة ، وقد يقول قائل : لا ، الأصل عدم المشروعية لأن العبادة لابد أن نعلم بأن الشارع شرعها ، وهنا ليس عندنا علم لأن الحج بالاتفاق انتهى بعد رمي جمرة العقبة، وهذا المنزل لا نعلم أنه مكان نسك حتى نقول: إن النزول به سنة، وما نزوله في هذا المنزل إلا كنزوله قبل أن يخرج إلى الحج في الأبطح، فهل أنتم تقولون مثلا : إن نزوله في الأبطح قبل الخروج إلى منى سنة ؟
أو لأنه منزل اختاره لا على سبيل التعبد ؟
الطالب : سنة .
الشيخ : لا ما هو سنة ليس بسنة ، لكنه فعله على سبيل أنه نزح عن مكة للتوسعة على من أتى حاجا في ذلك الوقت .
على كل حال المسألة محتملة : أن يكون سنة وأن لا يكون سنة ، والمسألة الآن إنما الخلاف فيها خلاف نظري لماذا ؟
لأن الآن لا يمكن النزول في الأبطح ، انتهى الموضوع ، لكن لو فُرض أن الأمور عادت وأن مكة عادت إلى حالتها الأولى يكون النزاع حينئذ له فائدة عملية ، أما الآن فالنزاع ما هو إلا مسألة نظرية.
الطالب : ما يكفي يا شيخ من فعل الخلفاء؟
الشيخ : نعم؟
الطالب : ما يكفي يا شيخ بفعل الخلفاء؟
الشيخ : لا ما يستأنس به ، لأنه هذا أيسر مثل ما قالت عائشة .
7 - وعن عائشة رضي الله عنها أنها لم تكن تفعل ذلك - أي : النزول بالأبطح - وتقول : إنما نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه كان منزلاً أسمح لخروجه . رواه مسلم . أستمع حفظ
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت ، إلا أنه خفف عن الحائض . متفق عليه .
قال : أُمر الناس هذه الصيغة قال علماء المصطلح : إن لها حكم الرفع ، لأن الصحابي إذا قال : أمر فإن الآمر هو الرسول عليه الصلاة والسلام لأنه ليس فوق مرتبة الصحابة إلا الرسول عليه الصلاة والسلام فيكون هو الآمر .
بل إن هذا أحد الألفاظ في الحديث ، وإلا ففيه لفظ آخر صريح بأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي أمر فقال ابن عباس : ( كان الناس ينفرون من كل وجه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت ) : وهذا مرفوع صريحاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
طيب على كل حال قوله : ( أُمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت ) : كلمة الناس هذه لفظ عام لكن يراد به الخاص ، من هذا الخاص ؟
هم الذين ينفرون من الحج، لقول ابن عباس : ( كان الناس ينفرون من كل وجه ) .
وقيل : هم الحجاج سواء نفروا أم لم ينفروا ، وعلى هذا يكون الطواف وداع لا للسفر ولكن لانتهاء أعمال الحج ، والإنسان عليه أن يودع سواء سافر ولا ما سافر ، كما أنه إذا ودع فإنه لو بقي شهرين أو ثلاثة في مكة لا يعيد الطواف، ولكن جمهور أهل العلم على أن المراد بالناس هنا المراد بهم النافرون من الحج لقول ابن عباس : ( كان الناس ينفرون من كل وجه ) : ولا ينفر أحد في وقت الحج إلا من كان حاجا هذا هو الغالب.
وقوله : ( حتى يكون آخر عهدهم بالبيت ) : آخر عهدهم بالبيت وفي رواية لأبي داود : ( آخر عهدهم بالبيت الطواف ) : فتفسر هذه الرواية معنى الآخرية هنا وهي أن يكون آخر عهدهم بالبيت الطواف .
وقد يقال : إنه وإن لم ترد هذه الرواية فإن المراد الطواف ، لأن الذي يختص بالبيت من الأعمال هو الطواف .
لو كانت الصلاة يعني لو قال قائل : آخر عهدهم بالبيت الصلاة مثلا ، قلنا الصلاة لا تختص بالبيت ، وإلا لقال بالمسجد مثلا ، لما قال : بالبيت وقد علم أنه لا يختص به إلا الطواف فهذه قرينة على أن المراد هنا الطواف .
ولهذا قيل : إن بعض الملوك نذر أن يتعبد لله عبادة لا يشركه فيها أحد من الناس أبدًا ، شف كيف تصور هذا : " قال لله علي نذر أن أفعل عبادة لا يشاركني فيها أحد من الناس حين فعلها " !
نقول الصلاة ؟
ما يمكن، ما نقول الصلاة لأنه يمكن أحد يصلي في ذلك الوقت ، نقول الصيام ما يمكن، الصدقة ما يمكن فسألوا العلماء فقال بعض أهل العلم :
قال لهم : أفرغوا له المطاف ، واجعلوه يطوف وحده ، حينئذ لا يشاركه أحد يكون قد وفى بنذره إذن .
الطالب : يكون عطَّل المنفعة .
الشيخ : إي دعنا من مسألة المعصية ، الكلام على إنه وفى بنذره نعم وهو إذا استسمح الذي بالمسجد ما عصى ، إذا كان في المسجد ناس وسامحهم وقال اسمحوا لي أطوف لحالي لأن علي نذر !
الطالب : النفع النفع .
الشيخ : القصد ردا لكلام الأخ طلال.
الطالب : يحصل هذا يا شيخ ، ممكن يزور مقابر ؟
الشيخ : إي في مقابر أخرى في البلاد الثانية تزار هذا الوقت
الطالب : أو تقبيل الحجر يا شيخ .
الشيخ : ما فيه شيء .
المهم على كل حال هذا الذي وقع نحن ما نريد أن نحل مشكلته الآن نخبركم بالذي وقع .
طيب أقول إن قوله : ( آخر عهده بالبيت ) : يمكن أن نقول حتى وإن لم ترد رواية أبي داود المصرحة فإنه يتعين بالقرينة أن يكون المراد الطواف .
هنا يقول : ( إلا أنه خفف عن الحائض ) : خفف يعني خفف الأمر عن الحائض والحائض معروفة .
وهل مثلها النفساء ؟
فيها خلاف بين العلماء : فابن حزم يرى أن النفساء لا يمتنع عليها الطواف ، وقد مر علينا في أول كتاب الحج وجه استدلاله ، ولكن الجمهور يرون أن النفساء كالحائض لا تطوف بالبيت ، ويجيبون عن هذا الحديث بأنه من باب التغليب ، والقيد إذا كان أغلبيا لا يكون له مفهوم .
8 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت ، إلا أنه خفف عن الحائض . متفق عليه . أستمع حفظ
فوائد حديث :( أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت ... ).
أولاً: وجوب طواف الوداع على الحاج .
الطالب : حسب العمرة عدم الوجوب ؟
الشيخ : كيف ؟ ( أُمر الناس ) .
الطالب : الحائض !
الشيخ : الحاج !
الطالب : إي ما كان واضح .
الشيخ : إي يعني اللفظ ما بان ، وجوب طواف الوداع على الحاج نعم لقوله : ( أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت ) وهذا قاله النبي عليه الصلاة والسلام في حجه في حجة الوداع .
لو قال قائل : قد يكون الأمر هنا للاستحباب !
قلنا: لا يصح لوجهين :
الوجه الأول: أن الأصل في الأمر الوجوب إلا بدليل .
الوجه الثاني : أنه قال : ( خفف عن الحائض ) والتخفيف لا يقال إلا في مقابل الإلزام ، إذ لو كان الأمر هنا استحبابا لم يكن هناك فرق بين الحائض وغير الحائض لأنه مخفف عن الجميع ، إذ أن المستحب لا يلزم به الإنسان ، واضح ؟ طيب .
فإن قلت وهل يجب ذلك في العمرة ؟
فالجواب : أن هذا محل خلاف بين العلماء منهم من قال إنه يجب الطواف للعمرة كما يجب للحج ، واستدل لذلك بأن العمرة حج أصغر كما قال النبي عليه الصلاة والسلام ، وبأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليعلى بن أمية : ( اصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك ) وهذا عام ويخرج منه ما لا يفعل في العمرة بالإجماع ، مثل الطواف والمبيت والرمي والوقوف.
الطالب : طواف الإفاضة!
الشيخ : نعم طواف الإفاضة ، طيب .
بل نقول الطواف ما يخرج لأن العمرة فيها طواف .
وأيضا قالوا : إن المعتمر دخل إلى البيت بتحية وهذا من باب القياس فلا يخرج منه من إلا بتحية .
رابعًا: أن هذا أحوط، أن الطواف أحوط، لأنك إذا طفت لم يقل أحد لم طفت وإن لم تطف قال لك الموجبون : لماذا لا تطوف ؟
وما كان أحوط فهو أولى، لقول النبي عليه الصلاة والسلام : ( من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ) ، وقوله : ( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ) .
ولكن مع هذا ليس وجوبه في العمرة كوجوبه في الحج من أجل الخلاف فقط ، وإلا فالأدلة تدل على الوجوب .
ومن فوائد هذا الحديث : أنه يجب أن يكون الوداع آخر عهد الإنسان لقوله : ( آخر عهدهم ) : ولكن إذا بقي الإنسان بعد الطواف للصلاة أو اشترى حاجة في طريقه أو تغدى أو تعشى أو ما أشبه ذلك من الأشياء الخفيفة فإن هذا لا يضر ، لأنه سبق لنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى الفجر بعد طواف الوادع .
فهذه المسائل اليسيرة لا تضر ، إلا إذا كان المقصود به الاتجار يعني : أنه اشترى شيئاً للتجارة ، فإن العلماء يقولون: إذا اشترى شيئا للتجارة فعليه أن يعيد الطواف .
ومن فوائد الحديث : سقوط طواف الوداع عن الحائض ، لقوله : ( إلا أنه خفف عن الحائض ) : الحائض لا يجب عليها الطواف لعذر شرعي ولا حسي ؟
ها ؟ شرعي ، أما حسي فقد تكون قادرة ، فهل يلحق بالعذر الشرعي العذر الحسي كما لو كان الإنسان مريضًا ؟
ها ؟ فالجواب : لا ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأم سلمة لما قالت إنها مريضة قال : ( طوفي من وراء الناس وأنت راكبة ) فلم يسقطه عنها للمرض ، فما دام هذا الإنسان عاجزًا نقول يحمل .
لكن لو فرض أنه لا يمكن حمله يعني مرض مرضًا مدنفا ما يقدر ، فهنا قد نقول بالسقوط ، لأن هذا عذر لا يمكن معه الفعل كالحيض ، بخلاف العذر الذي يمكن معه الفعل كالمرض الخفيف الذي يمكن أن يحمل الإنسان فهذا لا يسقط .
ومن فوائد الحديث : تحريم جلوس الحائض في المسجد ، لأن العلة من منع الحائض من الطواف المكث في المسجد ، والطواف مكث ، فلا يحل لها أن تمكث في المسجد حتى ولو كان للدرس أو للموعظة أو ما أشبه ذلك ، ولهذا أمر النبي عليه الصلاة والسلام النساء أن يخرجن لصلاة العيد وأمر الحيض أن يعتزلن المصلى.
ومن فوائد الحديث : رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده حيث خفف عن الحائض فلم يلزمها أن تبقى كما تبقى المرأة التي لم تطف طواف الإفاضة ، بل تستمر في سفرها ولا عليها شيء .
ما هي أدلة القائلين بوجوب طواف الوداع إلا في الحج ؟
الشيخ : نعم ؟
السائل : ذكرت كلام الذين يقولون خاصة يعني ما أدلتهم ؟
الشيخ : نعم، إي نعم أدلتهم يقولون: إن الرسول قاله في الحج ، ونحن نقول : نعم هو قاله في الحج لكن لأن أصل إيجابه لم يكن إلا في ذلك اليوم ، قالوا : ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم اعتمر ولم يطف ، فنقول : كان ذلك قبل إيجابه، لأنه لم يجب إلا في حجة الوداع، وكم من أشياء تأخر وجوبها فوجبت بعد .
هل يكفي طواف العمرة عن طواف الوادع إذا خرج المعتمر مباشرة من مكة ولم يمكث ؟
الشيخ : إي نعم ، هذا ليس دليلا ، بل هو دليل لما ترجم له البخاري -رحمه الله- : أن المعتمر إذا خرج فإنه لا يحتاج إلى طواف الوداع يكفيه عن طواف الوداع لأنه طاف قريبا ما نقص إلا السعي ، والسعي شيء يسير وتابع للطواف .
السائل : شيخ شيخ !
الشيخ : نعم خالد !
السائل : قلت : ذكرت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزد على ثلاثة أبرد .
الشيخ : إيش ؟
السائل : أقول : ذكرت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزد على ثلاثة أبرد .
الشيخ : نعم .
السائل : وفي البخاري عن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزور البيت أيام منى .
الشيخ : ما هو بصحيح هذا .
السائل : وكذلك طاف مع نسائه ليلا ، أفاض مع نسائه ليلا ؟
الشيخ : أبدا ما هو بصحيح ، كل هذه هذه إما ضعيفة سندا ومتنا وإلا ضعيفة متنا نعم ؟
السائل : شاذة ؟
الشيخ : إي شاذة .
وعن ابن الزبير رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام ، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من صلاة في مسجدي هذا بمائة صلاة ) رواه أحمد ، وصححه ابن حبان .
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- : " وعن ابن الزبير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام ، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من صلاة في مسجدي هذا بمئة صلاة ) رواه أحمد وصححه ابن حبان " :
قول الرسول عليه الصلاة والسلام : ( صلاة في مسجدي هذا أفضل ) : هذا قد يشكل من الناحية العربية حيث ابتدأ بالنكرة فما الجواب ؟
الجواب : أنها أفادت بالوصف : في مسجدي هذا ، وقد قال ابن مالك:
" ولا يجوز الابتداء بالنكرة *** ما لم تفد "
ثم جعل مثلا لهذا :
" ورجل من الكرام عندنا *** " .
فالحديث يطابق المثل الذي ذكره ابن مالك في قوله :
" ورجل من الكرام عندنا *** " .
طيب .
وقوله : ( أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام ) : المسجد الحرام أفضل من مئة صلاة في المسجد النبوي فيكون أفضل من مئة ألف صلاة فيما عداه ، إلا المسجد النبوي فهو أفضل منه بمئة .
الطالب : المسجد الحرام .
الشيخ : لا المسجد النبوي ، المسجد الحرام أفضل من مئة ألف صلاة فيما عداه إلا المسجد النبوي فإنه أفضل بمئة صلاة فقط .
يقول الرسول عليه الصلاة والسلام حاثًا ومرغبًا على الصلاة في هذين المسجدين ، لأن ذكر الفضل في العمل يتضمن الحث عليه والترغيب فيه ، ولولا أنه يتضمن ذلك لكان من باب اللهو والعبث ، يعني فإذا أثنى الشارع على فاعل أو فعل فهذا يدل على الحث عليه ، إذ لو لم يكن كذلك لكان عبثا لا فائدة منه .
وقوله : ( صلاة في مسجدي هذا ) : أشار إليه لأنه مشاهد محسوس .
قال : ( مسجدي هذا ) والإشارة كما عُرف : " تعيين الشيء بواسطة الإشارة بالأصبع فهي إشارة حسية في الأصل " ، لكن قد تكون إشارة معنوية كقول المؤلف : هذا كتاب فيه كذا وكذا .
وقوله : ( في مسجدي هذا ) : يعني مسجد المدينة ، وأضافه النبي صلى الله عليه وسلم إلى نفسه ، لأنه هو الذي بناه وابتدأه ، فإنه صلى الله عليه وسلم أول ما قدم المدينة فأول شيء بدأ به اختيار مكان المسجد وبناؤه .
طيب وقوله : ( أفضل من ألف صلاة فيما سواه ) أي : من المساجد ، بدليل قوله : ( إلا المسجد الحرام ) والأصل في المستثنى أن يكون من جنس المستثنى منه ، فهو أفضل من ألف صلاة فيما عداه من المساجد إلا المسجد الحرام . وقوله : ( إلا المسجد الحرام ) : المسجد الحرام يعني الذي له الحرمة والتعظيم وهو مسجد مكة خاصة ، لقوله تعالى : (( جعل الله الكعبة البيت الحرام قيامًا للناس )) .
ولقوله: (( وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفًا أن يبلغ محله )) .والنصوص في هذا كثيرة .
وقوله : ( صلاة في المسجد الحرام أفضل من صلاة في مسجدي بمئة صلاة ) : يدل على أن الصلاة في المسجد الحرام أفضل من المسجد النبوي بمئة صلاة ، فيكون أفضل من غيره بكم ؟
بمئة ألف صلاة ، يعني لو صليت جمعة واحدة في المسجد الحرام صارت أفضل من مئة ألف جمعة فيما عداه ، كم مئة ألف جمعة من سنة ؟
الطالب : من السنين ؟
الشيخ : معلوم من السنين ، ما هيسنة واحدة سبحان الله .
الطالب : مئة ألف .
الشيخ : لا لا ، السنة فيها حوالي خمسة وخمسين جمعة ، نعم .
الطالب : خمسين .
الشيخ : إذا قلنا خمسين كل سنتين بمئة ، كل سنتين مئة ، لو قلنا : ألفين سنة سبحان الله !!
على كل حال فضل عظيم في الصلاة في هذا المسجد .
طيب نعود إلى الحديث المرة الثانية : ( صلاة في مسجدي هذا ) الإشارة تدل على تعيّن المشار إليه ، فهل المراد المسجد الذي في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام وما زيد فيه فلا يدخل فيه ، أم نقول إن المراد المسجد وما زيد فيه ؟ في هذا خلاف بين العلماء فمنهم من قال :
المراد به مسجد النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو مسجده ، وأما ما زيد فيه فلا يدخل في هذا التفصيل ، وحجتهم في ذلك الإشارة ، لأن الإشارة تعيّن المشار إليه : ( مسجدي هذا ) نعم ، وإلا لأطلق وقال : في مسجدي وسكت فلما قال: هذا ، علم أنه لا يتناول ما زيد فيه، وإلى هذا يذهب بعض أهل العلم وقالوا : إن الزيادة لا شك أن لها فضلا لأنها مسجد ، لكنها لا يحصل فيها هذا الفضل .
وقال بعض أهل العلم : بل إن ما زيد فيه فله حكمه ، واستدلوا بحديثين ضعيفين : ( أن مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام لو بلغ صنعاء فهو مسجده ) : وهذا الحديث ضعيف لكن يعضده فعل الصحابة وإجماعهم رضي الله عنهم، فإن الصحابة أجمعوا على الصلاة في الزيادة التي زادها عمر، وأجمعوا أيضا على الصلاة في الزيادة التي زادها عثمان رضي الله عنه، ومعلوم أن الزيادة العثمانية في قبلي المسجد، وأن الصحابة كانوا يصلون في قبلي المسجد في الصف الأول، لم يذكر أنهم كانوا يتأخرون حتى يكونوا في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا شبه إجماع من الصحابة على أن ما زيد فيه فله حكمه، وهذا هو الصواب بلا شك، وقد صرّح به شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره: " أن ما زيد في المسجد فهو منه "، هذا لا شك فيه.
12 - وعن ابن الزبير رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام ، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من صلاة في مسجدي هذا بمائة صلاة ) رواه أحمد ، وصححه ابن حبان . أستمع حفظ
بيان القول الراجح في كون المسجد الحرام هو مسجد الكعبة أو هو جميع الحرم.
ما هو المسجد الحرام هل المراد به جميع الحرم أو المراد به مسجد الكعبة خاصة ؟
في هذا أيضا نزاع بين أهل العلم فمنهم من قال : المراد به كل الحرم ، فإذا صليت في أي مكان من الحرم ولو خارج حدود مكة فصلاتك أفضل من مئة ألف صلاة ، نعم ، إلا المسجد النبوي .
طيب واحتج هؤلاء بقوله تعالى : (( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى )) : وقرروا هذه الحجة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أسري به من بيت أم هانئ رضي الله عنها، ومعلوم أن بيت أم هانئ خارج المسجد، مسجد الكعبة.
واستدلوا أيضا بقوله تعالى : (( يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله )) ، فقالوا : (( وإخراج أهله منه )) : ومعلوم أن هؤلاء إنما أخرجوا من بيوتهم وديارهم وليسوا من المسجد نفسه لأنهم ليسوا ساكني المسجد ، بل هم في بيوتهم .
وهنا قال: (( وإخراج أهله منه أكبر عند الله )) .
واستدلوا أيضا بقوله تعالى : (( هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله )) : وهم إنما صدوهم عن مكة وعن المسجد الحرام لا شك .
واستدلوا أيضا بقوله تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا )) قال : (( لا يقربوا المسجد الحرام )) وهم ممنوعون من دخول مكة ، فدل هذا على أن المراد بالمسجد الحرام كل الحرم .
واستدلوا أيضا بقوله تعالى : (( إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد )) : نعم والناس العاكف معناه المديم المكث ، لأن الاعتكاف طول المكث ، والناس إنما يمكثون في بيوتهم ، يعكفون في بيوتهم ، فقالوا : إن هذه الآيات تدل على أن المراد بالمسجد الحرام جميع مكة .
أما من السنة فقالوا : إنه قد روى الإمام أحمد من حديث عبدالله بن عمر : ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديبية كان مقيما في الحل ، وكان إذا جاءت حانت الصلاة دخل فصلى في الحرم ) :
وهذا يدل على أن الصلاة في الحرم كله يشملها التضعيف ، واضح ؟
وربما يستدلون بالمعنى والنظر فيقولون : لو خصصناه بالمسجد الحرام الذي هو مسجد الكعبة لضيقنا على الناس لأن كل واحد في مكة لا يرغب أبدا أن يدع مئة ألف صلاة وبينه وبينها هذه المسافة القريبة ، بل لابد أن يذهب ويصلي ، وحينئذ يحصل الضيق والمشقة على الناس .
قالوا : ويدل لهذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم أقام في الأبطح أربعة أيام قبل الخروج إلى منى ولم يكن ينزل إلى المسجد الحرام ليصلي فيه مع قرب المسافة وسهولتها ، كل هذه الأدلة استدلوا بها على أن المراد بالمسجد الحرام جميع الحرم .
وقال آخرون وهو ظاهر كلام الحنابلة -رحمهم الله- إن المراد بالمسجد الحرام مسجد الكعبة، مسجد الكعبة فقط، وقالوا: عندنا دليل لا يمكنكم معه الكلام إطلاقا وهو : أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال فيما رواه مسلم من حديث ميمونة رضي الله عنها : ( صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا مسجد الكعبة ) : هذا لفظ الحديث في مسلم ، فقال : ( إلا مسجد الكعبة ) وهذا صريح في أن المراد بالمسجد الحرام في مثل هذا الحديث مسجد الكعبة الذي فيه الكعبة ، وبأن حديث أبي هريرة : ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ) فيه رواية في مسلم أيضًا : ( لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد مسجد الكعبة ، ومسجدي هذا ، والمسجد الأقصى ) : فصرح بأن المراد بالمسجد الحرام مسجد الكعبة .
وهذا لو قال قائل: الحديث واحد!
نقول: إن كان هذا اللفظ المسجد الحرام ومسجد الكعبة من النبي عليه الصلاة والسلام فقد فسر قوله بقوله.
وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل اللفظين فقد فسره الصحابي وهو أعلم بمدلول كلام الرسول صلى الله عليه وسلم .
وإن لم يكن من تفسير الصحابي ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال أحد اللفظين ، وما دام لا مرجح بينهما فيكون كل واحد منهما مقابلاً للآخر ويكونان سواء .
على كل حال هذا الحديث ولا سيما حديث ميمونة لأنه نص في الموضوع يعتبر فيصلاً للنزاع وهو : ( صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا مسجد الكعبة ) .
طيب وعندي أن هذا يكفي عن كل شيء ، لكن مع ذلك لابد من الإجابة عن أدلة القائلين بأنه يعم جميع الحرم .
طيب يقولون : أيضا عندنا دليل آخر ، ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ) : فهل تقولون : إنه يجوز للإنسان أن يشد الرحل إلى مسجد الشعث والجودرية وأدنى مسجد في مكة ؟
الجواب : ما أظنهم يقولون بذلك ، اللهم إلا إن كان التزاما عند المضايقة ، لأنه عند المناظرة قد يلتزم الإنسان بما لا يعتقده لكن كما يقال فك للمشكلة. فنحن نقول: إذا كنتم لا تجيزون أن تشد الرحال إلى مسجد من مساجد مكة سوى مسجد الكعبة فما الفرق بين قوله : ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ) وبين قوله : ( صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام ) ؟
لا فرق .
ثم إن المعنى يقتضيه وهو : أنه إنما جاز شد الرحال إلى هذه المساجد لماذا ؟
لتميزها بالفضل ، فإذا قلتم : إن الذي تشد إليه الرحل هو مسجد الكعبة فقولوا : إن الذي فيه الفضل هو مسجد الكعبة ، وإلا لصار ذلك تناقضا .
أما الجواب عن الأدلة التي استدل بها هؤلاء : فأما قوله تعالى : (( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى )) فالثابت في الصحيحين أن الرسول صلى الله عليه وسلم أسري به من الحطيم ، حطيم الكعبة : ( بينما أنا نائم في الحطيم ) أو قال : ( مضطجع إذ أتاني آت ) ، وحينئذ يكون الإسراء به من المسجد الحرام الذي هو مسجد الكعبة لا غير. ورواية بيت أم هاني إن صحت فقد جُمع بينها وبين هذا الحديث الصحيح بأنه كان نائما في الأول في بيت أم هاني ثم جاءه الملك ثم قام حتى أتى المسجد واضطجع فيه أو نام ثم أُسري به من هناك .
وأما قوله : (( يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا )) فهذا أحرى أن يكون دليلا عليهم لا دليلا لهم ، لأن الله عز وجل لم يقل فلا يدخلوا المسجد الحرام بل قال: (( فلا يقربوا )) ولا يمكن أن تحولوا الآية إلى الدخول .
وإذا قلنا بالآية : (( فلا يقربوا المسجد الحرام )) : كان ممنوعا أن يقرب الناس حول حدود الحرم ، أو أن يقرب المشركون حول حدود الحرم ومن المعلوم أنكم لا تقولون بذلك .
تقولون : إن المشرك يمكن أن يدنو من حدود الحرم إلى مسافة شبر أو أصبع ، بينما لو أخذنا بالآية وقلنا المسجد الحرام هو كل الحرم لكان يجب أن يبتعدوا عن حدود الحرم بعدا ينتفي فيه القرب ، وهذا أنتم لا تقولون به ، إذن : (( فلا يقربوا المسجد الحرام )) لا يدخلوا حدود الحرم لأنهم إذا دخلوا حدود الحرم فقد قربوا من المسجد الحرام ، فامنعوهم .
وأما قوله تعالى : (( هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام )) : فالنبي عليه الصلاة والسلام إنما جاء للحديبية هل جاء ليزور مكة وأقاربه فيها وبيوته ثم يرجع ، ولا جاء ليصل إلى البيت الحرام ؟
هذا هو المقصود ولو قدر أن الإنسان صدّ عن كل مكة ولكن نزل في المسجد الحرام ما همه ، المقصود الذي عنه الصد هو المسجد الحرام مسجد الكعبة ، وحينئذ لا دليل في الآية .
طيب قوله تعالى: (( وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله )) : هذه هي أقوى دليل لو كانت دليلاً لكانت هي أقوى دليل لمن قال إن المسجد الحرام كل الحرم ، لأن أهل الحرم أهل لكل الحرم ، ولكن نقول : أهل الحرم إنما يفتخرون بانتسابهم إلى المسجد الحرام ، هم أهل المسجد كما قال الله تبارك وتعالى في سورة الأنفال : (( وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون ولكن أكثرهم لا يعلمون )) : فهنا نقول : هم أهل المسجد الحرام لأنهم إنما يشرفون به ، يشرفون بهذا المسجد ، وكل ما قرب من المسجد إنما شرف بالمسجد ، فصار هو المقصود الأعظم فلهذا سمي هؤلاء أهلا له.
ثم نقول: أهل المسجد الحرام الذين يعمرونه بطاعة الله وهم إنما يعمرون بطاعة الله مسجد الكعبة، هو محل الصلاة والطواف وغير ذلك، كذلك قوله : (( إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام )) نقول : إنهم يصدون الناس عن العمرة والحج وهذا لا يصح إلا بالوصول إلى المسجد الحرام ، فتبين بهذا أن المراد بالمسجد الحرام هو مسجد الكعبة لأن هذا هو الذي ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام ، وهذا يقطع كل نزاع ، لكن الإجابة عن ما احتجوا به لإزالة الشبهة .
بقي أن يقال : لو فرض أن المسجد الحرام زاد هل يدخل في الفضيلة أو لا ؟
نقول : نعم يدخل ، أولًا: لأنه ليس كالمسجد النبوي فيه التعيين بالإشارة بل قال المسجد الحرام فكل ما كان مسجدا حول الكعبة فهو داخل في الحديث. طيب لو قال قائل: لو صلى الإنسان حول المسجد في السوق هل ينال هذا الأجر؟
نقول: فيه تفصيل، إن كان المسجد ممتلئا والصفوف متصلة فهم القوم لا يشقى بهم جليسهم، ينال الأجر هؤلاء، أما إذا كان المكان واسعاً في المسجد وصلى هذا في سوقه فلا ينال هذا الأجر.
بيان هل هذا التفضيل في المساجد الثلاثة للصلاة شامل للفريضة والنافلة.
قال بعض أهل العلم : أنه خاص بالفرائض ، وأن صلاة الفريضة في المساجد الثلاثة مفضلة على غيرها ، بل في المسجدين لأن الثالث ما ذكر في الحديث ، وأما النافلة فلا .
والصحيح أنه شامل للفريضة والنافلة ، وأن صلاة الفريضة في المساجد المفضلة وصلاة النافلة سواء في المفاضلة ، فلو صلى الإنسان التراويح في المسجد الحرام لكان خيرًا من مئة ألف صلاة تراويح فيما عداه من المساجد، وتحية المسجد في المسجد الحرام خير من مئة ألف تحية في غيره وعلى هذا فقس .
بيان أنه لا تلازم بين قولنا إن النافلة تضعف في هذه المساجد الثلاثة وقولنا إن صلاة النافلة في البيت أفضل منها في المسجد.
الجواب : لا ، النافلة في البيت في مكة أو في المدينة أفضل منها في المسجد ، لأن الذي فضل مسجده على غيره من المساجد هو الذي قال : ( أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة ) ، وعلى هذا فإذا أردت أن تصلي الوتر وأنت في مكة فهل الأفضل أن تذهب إلى المسجد الحرام وتصلي فيه ، أو الأفضل أن تصلي الوتر في بيتك ؟
الأفضل أن تصلي الوتر في بيتك .
وكذلك لو كنت في المدينة فهل الأفضل أن تصلي الوتر في بيتك أو في المسجد النبوي ؟
الجواب في بيتك لهذا الحديث : ( أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة ) ، ولفعل الرسول عليه الصلاة والسلام ، فإن النبي عليه الصلاة والسلام كان يتنفل في بيته مع أنه قال للناس : ( صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما عداه إلا المسجد الحرام ) .
إذن ما هو الجواب الذي يكون منضبطا ؟
نقول : ما فُعل في المسجد النبوي أو المسجد الحرام فهو أفضل من غيره من المساجد بالتفضيل الذي ورد ، ولكن إذا سئلنا هل الأفضل أن نفعل النوافل في المسجد أو في البيت ؟
نقول : ما شرع في المسجد الأفضل الصلاة في المسجد كصلاة الكسوف على قول من يرى أنها سنة وكصلاة تحية المسجد والصلاة في رمضان في قيام رمضان نعم والاستسقاء إن فعل في المسجد .
طيب أما إذا كان تطوعا مطلقا لا يسن فعله في المسجد ففي البيت أفضل ولو كان في المساجد الثلاثة .
الطالب : شيخ!
الشيخ : نعم ؟
الطالب : ...
الشيخ : كيف وشلون ؟
الطالب : إذا كانت الصلاة في داره بألف صلاة
الشيخ : نعم
الطالب : وداعية في بلد يريد يدعو لربه !
الشيخ : لا لا الأفضل الدعاء إلى الله .
15 - بيان أنه لا تلازم بين قولنا إن النافلة تضعف في هذه المساجد الثلاثة وقولنا إن صلاة النافلة في البيت أفضل منها في المسجد. أستمع حفظ
مناقشة ما سبق أخذه.
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين :
فيما سبق بين الرسول عليه الصلاة والسلام تفاضل المساجد في الصلاة فيها، ذكر مسجده؟
لا الأخ نعم الصلاة في مسجده؟
الطالب : تعدل عن ألف صلاة.
الشيخ : تعدل ولا أفضل ؟
الطالب : أفضل من ألف صلاة .
الشيخ : ها ؟
الطالب : أفضل من تعدل !
الشيخ : لا أفضل لكن أفضل من الصلاة في إيش في السماء ولا في الأرض ؟
الطالب : أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد .
الشيخ : إلا ؟
الطالب : إلا المسجد الحرام.
الشيخ : إلا المسجد الحرام طيب .
وسبق لنا أن إشارة النبي صلى الله عليه وسلم إلى مسجده تدل على انحصار الفضل فيه وأن العلماء اختلفوا في الزيادة فماهو الراجح ؟
الطالب : الراجح أن ما زيد فيه فهو كمسجد النبي صلى الله عليه وسلم .
الشيخ : أن ما زيد فيه فهو كمسجده ، طيب ماهو الدليل يا بندر ؟
الطالب : أن الصحابة رضوان الله عليهم أقروا زيادة عمر رضي الله عنه وكذلك الصلاة في زيادة عثمان رضي الله عنه.
الشيخ : وصاروا يصلون فيها وهي خارجة عن المسجد الذي كان في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم نعم طيب .
وسبق لنا أيضا أن المسجد الحرام الصلاة فيه أفضل من صلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بمئة ألف صلاة ؟
الطالب : بمئة.
الشيخ : بمئة صلاة .
طيب فما هو المسجد الحرام ياسر؟
الطالب : في خلاف.
الشيخ : في خلاف بين العلماء منهم ؟
الطالب : منهم من قال: كل الحرم .
الشيخ : كل الحرم.
الطالب : كل الحرم يعتبر المسجد الحرام.
الشيخ : نعم ومنهم؟
الطالب : ومنهم من قال: هو المسجد الذي فيه الكعبة.
الشيخ : الذي فيه الكعبة ، طيب ما هو حجة القائلين بأنه جميع الحرم؟
الطالب : استدلوا ببعض الآيات منها : (( يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر )) وقالوا : إخراج أهله منه أكبر هم أهل المسجد ، وأهل المسجد ليسوا الماكثين في المسجد وإنما هم الماكثين في بيوتهم فدل هذا على أن أهل المسجد المراد به الحرم كله.
الشيخ : نعم .
الطالب : واستدلوا أيضا بقول الله تعالى : (( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله )) .
الشيخ : نعم.
الطالب : وقالوا إن النبي صلى الله عليه وسلم عندما أسري به أسري به من بيت أم هاني .
الشيخ : طيب .
الطالب : واستدلوا كذلك بحديث ابن عمر في الصحيح : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يصلى دخل الحل ) .
الشيخ : فيما رواه أحمد أنه كان في الحديبية نازلا !
الطالب : نازلا فإذا أراد أن يصلي دخل الحل .
الشيخ : دخل؟
الطالب : الحرم .
الشيخ : الحرم نعم .
الطالب : وقوله سبحانه وتعالى: (( إنما المشركون نجس فلا يدخلوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا )) ، فقالوا : منعوا من دخول المسجد الحرام وهو كل مكة الحرم .
الشيخ : إي .
الطالب : واستدلوا أيضا بقوله تعالى: (( هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا )) فقالوا : أنهم ما دخلوا حدود الحرم .
الشيخ : الحرم صدوهم عن الحرم كله نعم.
الطالب : واستدلوا بقوله تعالى : (( إن الذين يصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد )) .
الشيخ : نعم .
الطالب : واستدلوا بقوله تعالى : (( إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام )).
الشيخ : ذكرناها ، نعم؟
الطالب : واستدلوا بدليل من النظر قالوا : لو أننا منعنا الناس أو قلنا : إن الحرم محصور على مسجد الكعبة لكان أهل مكة كلهم يعني يصلون في مكة
الشيخ : في المسجد .
الطالب : في المسجد وأصبح هذا فيه حرج .
الشيخ : نعم.
الطالب : كذلك استدلوا بمبيت النبي صلى الله عليه وسلم بالمحصب، وقالوا إن الفضل إذا كان في مسجد الكعبة فقط لكان النبي صلى الله عليه وسلم نزل إلى مسجد الكعبة وصلى فيه لأنه يسارع إلى فعل الخير ، بما أنه صلى في المحصب فهذا يدل على أنه فيه أفضلية كما فيه أفضيلة .
الشيخ : نعم.
الطالب : لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم عندما نزل مكة بات في الأبطح ... قبل أن ينزل في منى .
الشيخ : إيه نعم .
الطالب : قوله تعالى: (( أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين )) والعكوف هو طول المكث .
الشيخ : إي.
الطالب : وما يكون مكثهم في بيوتهم إذا ذهبوا إلى مكة .
الشيخ : لا هذه ما هي .
الطالب : فسماه تطهيرا للمسجد الحرام لهم .
الشيخ : لا هذه الظاهر ليس لها قدمان !
الطالب : في الآية الثانية ...
الشيخ : ها ؟
الطالب : في بداية الآية الثانية : (( والهدي معكوفا أن يبلغ محله )) .
الشيخ : ذكروها .
طيب على كل حال الرأي الثاني استدلوا بماذا يا عادل؟
الطالب : ما هو ؟
الشيخ : إن المراد بالمسجد الحرام مسجد الكعبة ؟
الطالب : ما رواه مسلم قال : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تشد الرحال ).
الشيخ : لا.
الطالب : ( صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا مسجد الكعبة ).
الشيخ : إلا مسجد الكعبة طيب .
الطالب : الحديث الثاني : ( لا تشد الرحال إلا ثلاثة ) وقالوا : منها إلا مسجد الكعبة .
الشيخ : الكعبة ، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ومسجد إيلياء ،
طيب .
الطالب : استدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد ).
الشيخ : إي .
الطالب : وإذا كنا نقول: بأن الحرم كله مسجد فإنه يجوز أن يشد الرحل إلى مساجد مكة كالعيمرية والشعث وغير ذلك.
الشيخ : وغيره من مساجد مكة .
الطالب : وهذا ما يقولون به .
الشيخ : وهذا ما يقولون به .
طيب على كل حال الآن عرفنا الأدلة لكن فيه نص يكون فيصلا في الجميع وهو حديث ميمونة، حديث ميمونة واضح وصريح .
بقي أن نرد على استدلالاتهم ، ما هو بعلى أدلتهم ، على استدلالاتهم محمد !
الطالب : على استدلالاتهم؟
الشيخ : نعم.
الطالب : في قوله تعالى : (( سبحان الذي أسرى بعبده ))!
الشيخ : ليلا من المسجد الحرام.
الطالب : إلى المسجد الأقصى، وقالوا: إنه أسرى من بيت أم هاني والصحيح أنه أسرى من عند الكعبة المحطم.
الشيخ : لا، الحطيم الحطيم.
الطالب : وهذا أصح من حديث أم هاني على صحة حديث أم هاني نقول إنه نام في البيت .
الشيخ : كان نائما في البيت ثم أوقظ حتى جاء إلى المسجد واضطجع ثم أسري به من هناك .
الطالب : ردا على قولهم استدلالا بقوله تعالى : (( هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام )) : أن الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته كانوا يقصدون الحرم للعمرة والحج .
الشيخ : نعم .
الطالب : ولم يكونوا يقصدون مكة .
الشيخ : نعم.
الطالب : ولو أنهم صدوا عن كل مكة ولم يصدوا عن الحرم لم يعتبر هذا صد .
الشيخ : نعم .
الطالب : وأيضا نرد عليهم قوله : (( إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام )) فنقول : هذا دليل عليهم لقوله تعالى : (( فلا يقربوا )) ولم يقل : فلا يدخلوا فالقرب هو عدم القرب من المسجد بالكلية .
الشيخ : تمام ، ولهذا أنتم تقولون : إنه يجوز أن يأتي المشرك إلى أدنى نقطة من الحل حتى لم يبق عليه إلا خطوة ويصل إلى الحرم ، واضح ولو كان المراد بالمسجد الحرام كل الحرم لكان لا يقربون حدود الحرم إطلاقا طيب .
الطالب : أما قوله تعالى : (( يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه )) إلى قوله (( كفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله )) أقول هذا أقوى دليل لهم ، ولكن أهله هم الذين يعمرون بيت الله بطاعته .
الشيخ : نعم ولهذا نقول مثلا في الأحياء هؤلاء أهل المسجد الجامع مثلا ، أهل المسجد الفلاني أهل المسجد الفلاني وإن كانوا غير ساكنين فيه.
طيب المهم أن كل الذي استدلوا به يمكن الإجابة عليه ، والإجابة عليه متعينة لأن الحديث صرّح بأن المراد بالمسجد مسجد الكعبة .
بقينا في كون الرسول صلى الله عليه وسلم نازلاً في الحل وكان يدخل ويصلي في الحرم ، فهو من رواية ابن إسحاق كما قلنا في الشرح ، وإذا صح فنحن لا ننكر أن الحرم أفضل من الحل بلا شك ، وأن الإنسان إذا كان في الحل وكان الحرم قريباً منه فالأفضل أن يدخل عند الصلاة إلى داخل الحرم ، هذا لا إشكال فيه .
وأما كون الرسول عليه الصلاة والسلام نزل بالأبطح فلأنه لا يمكن أن ينزل في المسجد وهم حوالي مئة ألف الذين حجوا معه كيف ينزلون في المسجد؟
وهو عليه الصلاة والسلام لما قيل له عام الفتح : ( أتنزل غدًا في دارك ؟ قال: وهل ترك لنا عقيل من دار ) : أو لدار فليس له دار في مكة حتى ينزل فيها إذن ليس له منزل إلا ظاهر مكة في الأبطح.
والرسول عليه الصلاة والسلام لا يحب أن يشق على أمته في أنه ينزل لكل صلاة من الأبطح إلى المسجد الحرام ليصلي فيه، ليتبين أن الدين يسر، والأمر ليس بواجب، غاية ما هنالك أن فيه فضيلة، وما يحصل من المشقة بالشد والنزول وما أشبه ذلك عليه وعلى أمته الذين معه لا شك أنه عذر في ترك هذه السنة .
طيب نأخذ فوائد الحديث ما أخذناها أظن ؟
الطالب : لا .
الشيخ : طيب فوائد الحديث له فوائد عديدة.
الطالب : العادية والبادية كيف نرد عليها؟
الشيخ : نعم نقول: العاكف فيه والباد سواء، يعني معناه المقيم في المسجد حتى لو كان مقيمًا دائما فهو أفضل، أو نقول: إن المسجد الحرام هنا العاكف فيه مثل وإخراج أهله منه، يعني إن قلنا: العاكف في نفس المسجد كقوله: (( وطهر بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود )) إن قلنا : العاكف هو الذي في المسجد فنقول أيضا الذي ليس بعاكف هم سواء.
فوائد حديث : ( صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا ... ).
الفائدة الأولى: الترغيب في الصلاة في هذا المسجد لقوله : ( في هذه المساجد ) : بل المسجدين لأنه لم يذكر المسجد الثالث وهو الأقصى مسجد مكة ومسجد المدينة .
ولكن هل يقال : إن هذا أفضل من الصلاة في البيت أو يقال ما يشرع أن يكون في البيت فكونه في البيت أفضل ؟
الجواب هو الثاني وأظن أنا ذكرناه، وقلنا: يدل لهذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم الذي قال: ( صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه ) هو الذي قال: ( خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة )، وكان هو يصلي النوافل في بيته ، ومن ثَم حمل بعض العلماء هذا الحديث على أن المراد بالصلاة هنا صلاة الفريضة، الصلوات الخمسة، ولكن ينبغي أن يقال: لا ، كل ما فعل في هذه المساجد من صلاة فهو أفضل مما سواه في المساجد الأخرى ، ويبقى عاد النظر هل هو أفضل في المسجد أو في البيت هذا له أدلة أخرى .
مثلا تحية المسجد في المسجد الحرام خير من مئة ألف تحية فيما سواه ، كذلك أيضا لو أن أحدًا تقدم إلى المسجد وصلى وصار يتنفل حتى أُقيمت الصلاة فهذا النفل الذي كان يفعله بانتظار الصلاة خير من مئة ألف صلاة فيما عداه.
وفي المسجد النبوي خير من ألف صلاة .
ومن فوائد الحديث : أن الأعمال تتفاضل باعتبار المكان ، والدلالة فيه واضحة: ( خير من ألف صلاة ) .
وهل يتناول هذا جميع الأعمال أو هو خاص في الصلاة فقط ؟
يرى بعض العلماء أنه خاص في الصلاة فقط ، وأن ما عداها من الأعمال كالصدقة والصيام وطلب العلم وما أشبه ذلك فلا يفضل هذا الفضل ، وإن كان في الحرم أفضل لكن لا يصل إلى هذا الفضل ، وهذا هو الصحيح إن لم يوجد أدلة صحيحة عن الرسول عليه الصلاة والسلام في المفاضلة في بقية الأعمال ، ووجه ذلك : أن التفاضل أو إثبات الفضل في العمل أمر توقيفي لا يُتعدى فيه الشرع ، فنقول : الصلاة ورد فيها هذا الفضل وما عداها فإنه يتوقف على ثبوت ذلك عن النبي عليه الصلاة والسلام .
وقد أخرج ابن ماجه بسند فيه نظر أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : ( إن من صام رمضان في مكة كان بمئة ألف شهر ) ، فإن صح هذا الحديث ألحقنا به الصيام ، وإلا فلا نلحق به شيئاً ، الدليل على عدم الإلحاق ؟
أولًا : أن إثبات الفضائل للأعمال توقيفي .
ثانيًا : أن للصلاة شأنا ليس لغيرها من بقية الأعمال فهي آكد وأفرض أعمال البدن ، حتى إن القول الراجح أن تاركها يكون كافرا ، وإذا كانت بهذه الميزة فلا يمكن أن يلحق بها ما دونها إلا بنص .
ومن فوائد هذا الحديث : إثبات التفاضل في الأعمال ، وقد سبق لنا أن الأعمال تتفاضل بحسب المكان والزمان والعامل وجنس العمل، وش بعد؟ ونوع العمل أيضا .
الطالب : وكميته.
الشيخ : وكميته.
الطالب : الكيفية.
الشيخ : وكيفيته نعم وكيفيته ، كل هذه وجوه للفضائل في الأعمال ، فالمكان هو كما رأيتم .
الزمان : (( ليلة القدر خير من ألف شهر )) ، ( ما من أيام العمل الصالح أحب إلى الله فيهن من هذه الأيام العشر ) يعني عشر ذي الحجة.
في العامل : ( لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه ) .
في كيفية العمل : (( ليبلوكم أيكم أحسن عملا )) .
في جنسه : ( ما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إلى مما افترضت عليه ) .
في نوعه : الصلاة أفضل من الزكاة والزكاة أفضل من الصيام والصيام أفضل من الحج وهكذا .
الطالب : الكمية في عدد الركعات ؟
الشيخ : نعم الكمية كيف الكمية ؟
الطالب : يعني أربع ركعات أفضل من ركعتين .
الشيخ : يعني يزيد بها الإيمان لا شك، لكن الأفضلية ما.
الطالب : النوع والجمع؟
الشيخ : لا ، النوع ، الجنس أعم ، الفرائض على سبيل العموم أفضل من النوافل ، النوع الصلاة مثلا أفضل من الزكاة .
طيب ومن فوائد هذا الحديث: أنه إذا ثبت وقد ثبت تفاضل الأعمال لزم من ذلك تفاضل العامل، ثم يلزم منه أيضا شيء آخر: تفاضل الناس في الإيمان، فيكون في الحديث دليل على أن الإيمان يزيد وينقص، وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة : أن الإيمان يزيد وينقص .
لكن كيف زيادته أو بماذا تكون الزيادة هل هو بالعمل ؟
نقول: بكل ما ذكرنا من الأنواع المفاضلة ، يزيد بالفرائض أكثر مما يزيد بالنوافل ، ومن العجب أن الشيطان يضحك علينا يجعلنا نعتقد أن النافلة أفضل من الفريضة ولهذا تجد كثيرًا من الناس يحسنون النوافل تمامًا والفرائض يتساهلون فيها ، هذا من الغرائب.
تجده مثلا في صلاة النافلة يخشع ويحضر قلبه ويستحضر ما يقول ولكن في الفريضة يتهاون، وهذا من البلاء الذي يصاب به الإنسان، والواجب أن يعلم الإنسان ويعتقد أن صلاته الفريضة أفضل من النافلة ، وأنه يجب أن يعتني بالفريضة أكثر مما يعتني بالنافلة ، ولولا محبة الله لها ولولا أهميتها عنده عز وجل ما أوجبها على عباده ، فإيجابها على العباد يدل على أنها أحب إلى الله ، وأنها أولى بالعناية من النافلة .
طيب إذا قال قائل : أيما أفضل المجاورة في مكة أو المجاورة في المدينة ؟
نعم اختلف في هذا أهل العلم :
فمنهم من قال: إن المجاورة في مكة أفضل لأن مكة أفضل من المدينة بلا شك والنبي عليها الصلاة والسلام قال في الحزوراء في مكة قال : ( إنك لأحب البقاع إلى الله ، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما خرجت ) ، وهذا واضح صريح .
وأما ما يرويه بعض الناس أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال في مكة : أحب البقاع إلى الله وفي المدينة أحب البقاع إليّ ، فهذا ما هو صحيح هذا ليس بصحيح .
طيب وقال بعض أهل العلم : إن المجاورة في المدينة أفضل ، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام حث على السكنى فيها وقال : ( المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ) .
وقال بعض أهل العلم : المجاورة في مكان يقوى فيه إيمانه وتكثر فيه تقواه أفضل في أي مكان ، يعني في أي مكان يكون أنفع وأقوى إيماناً وأكثر تقوى لله عز وجل فهو أفضل ، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- وقال : " إذا فرضنا أن الإنسان في مكة يضعف إيمانه وتقواه ويقل نفعه فليخرج كما فعل الصحابة رضي الله عنهم " ، الصحابة وين راحوا ؟
ذهبوا إلى الشام وإلى الكوفة والبصرة وإلى مصر يلتمسون ما هو أفضل وأنفع للعباد وسكنوا هناك ، وصاروا يعلمون الناس ويدرسونهم العلم ، وتركوا المدينة ومكة أيضا وهذا القول أصح.
لكن لو فرضنا أن الإنسان يتساوى عنده البقاء في مكان وفي مكة والمدينة؟ قلنا: في مكة والمدينة أفضل، البقاء في مكة والمدينة أفضل من غيرهما بلا شك، أما المفاضلة بين مكة والمدينة فهي عندي محل توقف بالنسبة للمجاورة أما بالنسبة لفضل مكة فلا شك أن مكة أفضل.
طيب يتفرع على تفاضل العمل في مكة والمدينة : هل تتضاعف السيئات في مكة والمدينة ؟
الجواب : أما بالكمية فلا ، وأما بالكيفية فنعم ، العقوبات على السيئات في مكة أعظم من العقوبات على السيئات في غيرها ، وفي المدينة أعظم أيضًا ، ودليل ذلك قوله تعالى : (( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون )) : وهذه الآية في الأنعام مكية ، وبهذا نعرف بطلان ما يذكر عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : " لا أجلس أو لا أسكن في بلد حسناته وسيئاته سواء " لما قيل له ألا تسكن في مكة؟ قال : " لا ، لا أسكن في بلد سيئاته وحسناته سواء " ، فإن هذا لا يصح عن ابن عباس رضي الله عنهما وابن عباس أفقه وأعلم من أن يقول مثل هذا الكلام.
باب الفوات والإحصار
الفوات : مصدر، أو اسم مصدر لفات يفوت، والمصدر: فوتا، واسم المصدر فواتا .
فالفوت هو السبق الذي لا يدرك ، فإذا سبقك إنسان ولم تدركه تقول: فاتني هذا هو الفوت .
أما في الاصطلاح فالفوات : " طلوع فجر يوم النحر قبل أن يقف الحاج بعرفة " ، هذا الفوات في الاصطلاح ، طلوع فجر يوم النحر قبل أن يقف الحاج بعرفة .
يعني لو أن أحدًا أحرم بالحج واتجه إلى المشاعر وطلع الفجر عليه قبل أن يصل إلى عرفة فهذا هو الفوات .
نقول: هذا الرجل فاته الحج، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( الحج عرفة ) ، فإنه يدل على أن من فاته الوقوف فاته الحج .
نعم هذا الفوات .
الإحصار، الإحصار في اللغة : المنع ، يقال : حصره ويقال : أحصره ، في القرآن : (( فإن أحصرتم )) وفيه أيضا : (( للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله )) أي : منعوا ، فالإحصار في اللغة المنع .
وفي الاصطلاح : " منع الناسك من إتمام نسكه " ، وهل يشترط أن يكون بعدو أو بأي مانع يكون ؟
فيه خلاف بين أهل العلم :
منهم من قال : إنه يشترط أن يكون الإحصار بعدو وأنه لا إحصار بغير عدو. ومنهم من قال : إنه عام في العدو وفي غيره ، لأن الإنسان قد يحصره عدو وقد يحصره مرض أو كسر أو ضياع أو ما أشبه ذلك .
فصار عندنا الآن تعريف للفوات وتعريف للإحصار :
الفوات لغة : اسم مصدر لفات يفوت ، ومعناه : سبق لا يدرك ، السبق الذي لا يدرك .
في الاصطلاح : طلوع فجر يوم عرفة قبل أن يقف الحاج بها .
الطالب : طلوع فجر يوم النحر .
الشيخ : طلوع فجر يوم النحر نعم قبل أن يقف الحاج بعرفة تمام .
الإحصار في اللغة المنع ، وفي الاصطلاح : " منع الناسك من إتمام نسكه " . لماذا قلنا منع الناسك ؟
ليشمل الحاج والمعتمر لأن كلا منهما يسمى ناسكا .
وقولنا : من إتمام نسكه هل يشترط أن يكون بعدو أو لا يشترط ؟
فيه خلاف بين أهل العلم :
فالمشهور من مذهب الحنابلة أنه يشترط أن يكون الإحصار بعدو وأن من حصر بغير عدو فإنه لا يثبت له حكم المحصر .
ومنهم من قال : إنه عام وهذا هو الصحيح ، أنه عام يشمل من أحصر بعدو أو مرض أو ذهاب نفقة أو ضياع أو ما أشبه ذلك .
طيب ماذا يصنع نعم ، نأخذ الأحاديث قبل !
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قد أحصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحلق رأسه ، وجامع نساءه ، ونحر هديه ، حتى اعتمر عاماً قابلاً . رواه البخاري .
( قد أحصر النبي صلى الله عليه وسلم ) : أي منع من الوصول إلى البيت وذلك في عام الحديبية ، حين منعه المشركون من أن يتمم عمرته عليه الصلاة والسلام .
لماذا منعوه ؟ قالوا : " لا يتحدث العرب أننا أخذنا ضغطة " : يعني أنك دخلت قهرا علينا ، فصار هذا المنع حمية الجاهلية كما قال تعالى : (( إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله )) إلى آخر الآية .
منعوا الرسول عليه الصلاة والسلام أن يؤدي العمرة وهم والله أحق أن يُمنعوا من البيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الله يقول : (( وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون )) .
ولكن لله تعالى في قضائه وقدره حكم عظيمة ، فهم منعوا الرسول صلى الله عليه وسلم فحلق رأسه وجامع نساءه ونحر هديه حتى اعتمر عامًا قابلًا.
ابن عباس رضي الله عنه أتى بهذه الأفعال مرتبة بالواو ، والمراد بها مطلق الجمع فمثلا : ( حلق رأسه وجامع نساءه ونحر ) : فيه اختلاف في الترتيب بحسب الواقع ، لأن الواقع أن الرسول صلى الله عليه وسلم نحر أولا ، ثم حلق ثانيا ، ثم تحلل تحللا كاملا وجامع أهله .
ولو نظرنا إلى الحديث لكان مقلوبا تماما ولا لا ؟
أو فيه اختلاف، فيه اختلاف نعم : حلق رأسه ثم بعد ذلك جامع نساءه ونحر والواقع : أنه نحر ثم حلق ثم جامع، لكن الواو لا تقتضي الترتيب .
ومراد ابن عباس رضي الله عنهما مراده أن النبي صلى الله عليه وسلم تحلل بعد هذا الإحصار تحللا كاملا، والدليل على أنه تحلل كامل قال : ( وجامع أهله )، قال : ( حتى اعتمر عاما قابلا ) : من العام الثاني اعتمر عمرة تسمى عمرة القضاء : بمعنى القضية يعني عمرة المقاضاة ، وليست قضاء للعمرة التي أحصر منها لأن العمرة التي أحصر منها ، لأن العمرة التي أحصر منها كتبت كاملة ولهذا يقال إن الرسول صلى الله عليه وسلم اعتمر كم عمرة ؟
أربع عمر منها العمرة التي صد عنها فهو اعتمر كاملا ، لكن الثانية عمرة جاءت بحسب المقاضاة التي صارت بينه وبين قريش .
في هذا الحديث دليل على أن الحصر يكون في العمرة وهو كذلك، ويدل عليه أيضا القرآن : (( وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي )) .
وفيه أيضا أنه يشرع الحلق لقوله : ( وحلق رأسه ) : ولكن هل يجب نعم؟
الطالب : لا.
الشيخ : الصحيح أنه يجب كيف لا؟ الرسول صلى الله عليه وسلم مر علينا في حديث المسور بن مخرمة : ( حلق رأسه وأمر أصحابه ) ولما تأخروا قليلا غضب عليه الصلاة والسلام فيجب عند الإحصار الحلق .
طيب ونحر هل يجب النحر ؟
نعم يجب النحر، لكن إن كان قد ساق الهدي نحر هديه كله الذي ساقه، وإن لم يسقه فالواجب عليه أدنى ما يسمى هديًا لقوله تعالى: (( فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي )).
ومن فوائده أن المحصر يعتمر من السنة القابلة أو من الشهر القادم ، المهم إذا زال الإحصار اعتمر .
وهل هذه العمرة قضاء للعمرة السابقة أو لا ؟
في هذا خلاف بين أهل العلم :
فمن العلماء من قال: إن المحصر يجب عليه القضاء إذا زال إحصاره .
وهل يقضي من مكان الإحصار أو يستأنف نسكا جديدا ؟
نقول : يستأنف نسكا جديدا لأن النسك لا يتجزأ ، فإن هذا الرجل حل وانتهى وجامع وفعل جميع المحظورات فكيف يبني على ما سبق ؟
فهمتم القول هذا ؟
إنه يجب عليه أن يقضي سواء كان الذي أحصر عنه هو الفريضة أو كان تطوعا.
حجتهم في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى العمرة التي أحصر عنها، وهذا استدلال بالأثر قالوا والأصل أنه صلى الله عليه وسلم أسوة أمته: (( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة )) ، وقد قضى ما أحصر عنه فلنقض . وقالوا أيضا : لنا دليل نظري وهو أن النسك مِن حج أو عمرة إذا شرع الإنسان فيه وجب عليه إتمامه، ولو كان نفلا، فإذا كان يجب عليه إتمامه وجب عليه قضاؤه إذا أُحصر عنه ، وصار فائدة الحصر أنه يتحلل ويترخص ويذهب، هذا فائدة الحصر، أما براءة ذمته به فلا ، فلابد أن يقضي.
واستدلوا أيضا بأن العمرة التي أتى بها الرسول عليه الصلاة والسلام تسمى عمرة القضاء ، والأصل أن القضاء لما فات ، كما تقول إذا خرج وقت الصلاة وصليت بعد الوقت تقول : قضاء ، وكما تقول إذا أفطر الإنسان في رمضان: إنه يقضي ، كما قالت عائشة : " فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان ". وقال بعض أهل العلم : إنه إذا أحصر عن النسك لا يلزمه القضاء إلا إذا كان هذا النسك واجبًا، مثل أن يكون فريضة الإسلام أو يكون واجباً بنذر فإنه يلزمه قضاء إذا أحصر عنه، لأن ذمته لم تزل مشغولة بهذا الواجب حتى يتمه، أما إذا كان تطوعًا فإنه لا يلزمه القضاء، واستدلوا بأثر ونظر :
أما الأثر فقالوا : إن الرسول صلى الله عليه وسلم لما أمر أصحابه أن يحلوا، أمرهم أن يحلوا لم يأت عنه حرف واحد يقول: واقضوا من العام القادم.