تحت باب صفة الصلاة .
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين:
قال -رحمه الله تعالى- : " وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ( علمني دعاء أدعو به في صلاتي، قال: قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم ) متفق عليه " .
وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : علمني دعاءً أدعو به في صلاتي ، قال : ( قل : اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ، ولا يغفر الذنوب إلا أنت ، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم ) . متفق عليه .
قال -رحمه الله تعالى- " وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم : ( علمني دعاء أدعو به في صلاتي ) " :
أولًا: اعرف أهمية هذا الدعاء وقدره بمن سأل ولمن سُئل، فالسائل أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، وهو أحب الصحابة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو صاحبه في هجرته، إذن لابد أن يكون لهذا الدعاء شأن كبير، والمسؤول النبي عليه الصلاة والسلام فسوف يعلّم الصديق رضي الله عنه أجمع دعاء وأنفعه .
وقوله : ( علمني دعاء أدعو به في صلاتي ) : في هذا دليل على طلب العلم حتى من الكبراء ، وأن الإنسان لا ينبغي له أن يأنف من طلب العلم، أو يقول أنا عندي علم فلا أسأل عنه ، هذا أبو بكر رضي الله عنه أعلم الصحابة ومع ذلك سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلمه دعاء.
وفي قوله : ( علمني دعاء أدعو به في صلاتي ) دليل على أن الدعاء في الصلاة من أفضل ما يكون ، فإن الصلاة فيها السجود الذي قال فيه النبي عليه الصلاة والسلام: ( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد )، وأمرنا أن نجتهد فيه بالدعاء.
وقوله: ( في صلاتي ) لم يبين الموضع فهل يكون في السجود أو بين السجدتين أو بعد التشهد؟
ظاهر صنيع المؤلف رحمه الله أنه يكون بعد التشهد، لأنه ذكره في أدعية التشهد، ولكن الحقيقة أنه أعني: الحديث ليس فيه ما يدل على ذلك، فأنت إذا دعوت الله به في حال السجود أو بعد التشهد فكله حسن، وحسب ما يتيسر لك.
قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم ) :
هذا جمع بين الاعتراف والسؤال والثناء ، فجمع كل أنواع ما يدعى به ، لأن دعاء الله عز وجل إما أن يكون بالاعتراف وذكر الحال أو بالثناء المجرد أو بهذا وبهذا جميعا بالدعاء، فهنا دعاء وثناء وذكر حال.
أما الاعتراف وذكر الحال ففي قوله : ( اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ): هذا اعتراف من الإنسان بأنه ظلم نفسه ظلما كثيرا، وفي رواية: ( ظلما كبيرا ): والفرق بينهما أن الكِبَر باعتبار الكيفية، والكثرة باعتبار الكمية، وأكثر الروايات على: كثيرا ، ( ظلما كثيرا ) .
وقوله: ( ظلمت نفسي ) لماذا قال ظلمت نفسي والإنسان يعامل نفسه وإنما يظلم غيره ؟
نقول: لأن نفسك أمانة عندك يجب عليك أن ترعاها حق رعايتها، فلهذا إذا نصحتها شيئًا مما يجب لها فإنك تكون ظالما لها ، وبماذا يكون ظلم النفس؟ ظلم النفس يدور على شيئين:
إما تفريط في واجب، أو انتهاك لمحرم، هذا ظلم النفس:
فمن فرّط في واجباته فقد ظلم نفسه ، ومن انتهك محارم الله فقد ظلم نفسه، ولهذا قال الله عز وجل: (( ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه )) .
وقوله: ( ولا يغفر الذنوب إلا أنت ) : هذا الثناء : ( ولا يغفر الذنوب إلا أنت ) هذا هو الثناء، ثناء على الله بأنه لا أحد يغفر الذنوب إلا الله ، كما قال الله تعالى في سورة آل عمران : (( ومن يغفر الذنوب إلا الله )) ، لو اجتمع الخلق كلهم على أن يغفروا لك زلة من الزلات في حق الله عز وجل فإن ذلك لا يمكن، مستحيل، أما الذنوب التي بينك وبين الخلق فيمكن أن يغفروا لك كما قال الله تعالى: (( قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله )) وقال تعالى: (( وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم )) .
لكن في حق الله عز وجل لا يمكن لأحد أن يغفر لك ذنبك، وإنما الذي يغفره الله عز وجل.
وقوله: ( ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك ): فاغفر لي هذا الدعاء، فاغفر لي، وقد سبق لنا مرارا وتكرارا بأن المغفرة هي: ستر الذنب والتجاوز عنه، لأنها مأخوذة من المِغفر الذي يغطى به الرأس عند الحرب، والمغفر يستر الرأس ويقيه السهام، ففيه ستر ووقاية.
وقوله: ( فاغفر لي مغفرة من عندك ): نكرّها، مغفرة، لأن التنكير يدل على التعظيم، وهنا نكرّها للتعظيم.
ثم زادها تعظيما بقوله: ( من عندك ): فأضافها إلى الله عز وجل، لأن المغفرة من الكريم تكون أعظم وأكبر.
وقوله: ( وارحمني ) عطف على ( فاغفر لي )، وذلك أن الإنسان محتاج إلى معونة الله تعالى في شيئين:
غفران لذنوب مضت، ورحمة يسلم بها من ذنوب مستقبلة:
فالمغفرة للذنوب الماضية، والرحمة للعصمة من الذنوب في المستقبل، وقد يقال: وجه آخر المغفرة بها زوال المكروه، والرحمة بها حصول المطلوب، فإن الله عز وجل يذكر نعمه على العباد ويجعلها من آثار رحمته، وكلٌ صحيح، فأنت إذا سألت الله المغفرة والرحمة تسأل الله مغفرة ما سلف والرحمة في العصمة مما يستقبل، أو تسأل الله مغفرة الذنوب التي بها زوال المكروه والرحمة التي بها حصول المطلوب.
ثم قال: ( إنك أنت الغفور الرحيم ) هذا كالتعليل للدعاء، لأنه سأل شيئين: هما المغفرة والرحمة، ثم أتى بعدهما باسمين من أسماء الله يتضمنان ذلك وهما: ( إنك أنت الغفور الرحيم ) : وأنت هنا يقول أهل النحو: إنها ضمير فصل، وضمير الفصل له ثلاث فوائد:
التوكيد، والثاني الحصر، والثالث التمييز بين الخبر والصفة، ولهذا سمي فصل يفصل، التمييز بين الخبر والصفة.
فأنت إذا قلت: زيد الفاضل يحتمل أن تكون الفاضل صفة لزيد والخبر ما بعد حضر، ولكن إذا قلت: زيد هو الفاضل تعين أن تكون الفاضل خبرًا، فلهذا سمي ضمير فصل.
والصحيح من أقوال المعربين أنه حرف لا محل له من الإعراب، كما قال الله تعالى: (( لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم )) الغالبون ولا الغالبين ؟
(( الغالبين )) بالياء، فدل هذا على أنه لا محل لها من الإعراب.
هذا الدعاء الذي علمه النبي عليه الصلاة والسلام الصديقَ رضي الله عنه ينبغي الإنسان أن يدعو به في صلاته، إما بعد التشهد لقول النبي عليه الصلاة والسلام لابن مسعود رضي الله عنه في حديث ابن مسعود : ( ثم ليتخير من الدعاء ما شاء ) ، ولا شك أن ما عينه النبي عليه الصلاة والسلام وأرشد إليه خير مما نعينه نحن، لأن الأدعية الواردة أجمع وأنفع من الأدعية المستحدثة، وإن كان الإنسان له أن يدعو بما شاء ما لم يكن إثما، لكن الحفاظ على الأدعية الواردة أولى وأحسن.
وإما أن يقال: محله السجود لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد )، وأيٌّ جعلته في هذا أو هذا فإنه لا بأس به .
هذا الدعاء قلنا إنه تضمن ثلاثة أمور يتوصل إلى الله بها في الدعاء:
أولاً : الاعتراف ، والثناء ، والطلب ، وقد يكون الدعاء مجرّد إخبار بالحال واعتراف كقول موسى: (( رب إني لما أنزلت إليّ من خير فقير )) : أخبر عن نفسه فقط ، والله عز وجل إذا أخبره عبده بحاله فمعناه أنه يسأله أن يزيل تلك الحال إلى حال خير منها.
وقد يكون الدعاء دعاء مجردًا فقط، مثل قول الإنسان في صلاته: رب اغفر لي وارحمني بين السجدتين ما تقدمه ثناء، بل هو دعاء محض.
وقد يكون ثناء محضًا، قد يكون الدعاء ثناءً محضًا، يعني تثني على الله عز وجل اللهم أنت الكريم العظيم الرحيم وما أشبه ذلك، فهذا أيضا من الدعاء ولهذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام : ( خير الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك ) إلى آخره ، هذا الحديث الذي علمه النبي عليه الصلاة والسلام أبا بكر جامع للأصناف الثلاثة.
الطالب : شيخ ...!
الشيخ : نعم.
الطالب : ما يستدلون به؟
الشيخ : لا، ما يستدلون به، لأنك نطقت ما كتبت، وهم يقولون: لا تدع وهذا من أكبر المنكرات.
الطالب : قول بعضهم ...
الشيخ : يعني لأنه متضمن للدعاء، ولكنه ماهو بصريح هو.
الطالب : والإخبار بالحال؟
الشيخ : ماهو بصريح لكن الإخبار بالحال يتضمن الدعاء.
الطالب : يتضمن.
الشيخ : إيه.
2 - وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : علمني دعاءً أدعو به في صلاتي ، قال : ( قل : اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ، ولا يغفر الذنوب إلا أنت ، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم ) . متفق عليه . أستمع حفظ
أسئلة عن أحكام بعض الأدعية في الصلاة ؟
الشيخ : هاه؟
السائل : المؤمن؟
الشيخ : إلا يكون أحد الداعيين، لكن هو أشكل على إبراهيم أنه ما فيه صيغة دعاء يعني افعل .
السائل : شيخ!
الشيخ : نعم؟
السائل : الرشيد من أسماء الله ؟
الشيخ : الرشيد ماورد من أسماء الله .
السائل : ليس منها؟
الشيخ : ما ورد، ما أذكر أنه ورد، إن ربي على صراط مستقيم ورد وهذا هو الرشد لكن بلفظ الرشيد ما أعرف أنه ورد، طيب نستمر في الدرس، نعم؟
السائل : ...
الشيخ : ها؟
السائل : ...
الشيخ : نعم؟
السائل : في رواية فيها ال
الشيخ : لا ما يصح، الجمع بينهما لا يصح لأن الرواة إما ذكروا هذا أو هذا، ثم إن الرسول عليه الصلاة والسلام ما قال له هكذا، إنما قال أحد اللفظين، نعم إيه؟
وعن وائل بن حجر رضي الله عنه قال : صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فكان يسلم عن يمينه : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وعن شماله : السلام عليكم ورحمه الله . رواه أبو داود بإسناد صحيح .
الشيخ : هذا الحديث مما يُستغرب على المؤلف رحمه الله تصحيحه، لأن أكثر الذين خرجوه قالوا إنه ضعيف زيادة وبركاته، ولكن بعض أهل العلم كالمؤلف يرى أن سنده صحيح، فإن كان هذا الحديث صحيحًا فإنه ينبغي للإنسان أن يفعله أحيانًا، ويقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كما أن نسخ أبي داود أيضا اختلفت في رواية هذا الحديث ففي بعضها يقولها في التسليمة الأولى فقط، وفي بعضها يقولها في التسليمتين جميعا السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فيهما جميعا، ولكن أكثر الأحاديث الواردة عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه كان يقول: السلام عليكم ورحمة الله فقط، ولا يزيد : وبركاته .
وقد أعلّ بعض العلماء هذا الحديث بالشذوذ وقال: إن الأحاديث الكثيرة المتكاثرة عن النبي عليه الصلاة والسلام ليس بها ذكر بركاته، والرواة الذي في هذا السند أيضًا متكلم فيهم، والأولى ما دام الحديث فيه هذا الخلاف في متنه وسنده، الأولى أن يقتصر على ما تظافرت به النصوص: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، فإن هذا أسلم للإنسان وأبرأ لذمته، لأن إثبات شيء زائد في شريعة الله يحتاج إلى سند صحيح يكون حجة للإنسان بينه وبين ربه إذا لقيه يوم القيامة ، وما دام أكثر الأحاديث المتكاثرة على الاقتصار على ذلك بدون وبركاته فهو أولى ، لاسيما أنها بعض الأحيان تحدث تشويشًا، ولكن التشويش فيما ثبتت فيه السنة ما يهم، لأن الناس لو شوّشوا أول مرة يعتادون، إنما إذا كان الأمر لم يثبت ثبوتا يطمئن إليه الإنسان فالأولى ألا يفعل، نعم إذا كان الإنسان يريد أن يفعل ذلك فيما بينه وبين نفسه في صلاة النوافل بحيث إذا ترجح عنده أن الحديث له صحيح، فإن ترجح عنده ضعفه فلا يقوله لا في النوافل ولا في غيرها.
الطالب : شيخ !
الشيخ : نعم؟
الطالب : ما فيه، ما رواه مسلم بن فضيل عند الدارقطني ... أبي داود!
الشيخ : نعم لكن حتى في رجاله متكلم فيه، فيه كلام كثير في رجاله.
القارئ : قال -رحمه الله تعالى- : " وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجَد منك الجد ) متفق عليه " .
4 - وعن وائل بن حجر رضي الله عنه قال : صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فكان يسلم عن يمينه : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وعن شماله : السلام عليكم ورحمه الله . رواه أبو داود بإسناد صحيح . أستمع حفظ
وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة : ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير . اللهم لا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد ) . متفق عليه .
قال -رحمه الله تعالى- : " وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد ) " :
هذا من الأذكار التي يقولها النبي صلى الله عليه وسلم بعد صلاته، وقد أمر الله بالذكر بعد الصلاة فقال جل وعلا: (( فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قيامًا وقعودًا وعلى جنوبكم ))، فالذكر بعد الصلاة مأمور به بنص القرآن في الحضر وفي السفر، وهذه الآية: (( فإذا قضيتم الصلاة )) جاءت في سياق صلاة الخوف، وهو في السفر، ولهذا قال بعدها: (( فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة )). فالأذكار المشروعة خلف الصلوات مشروعة في الحضر وفي السفر.
وقول الله عز وجل: (( فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم )) : يدل على تأكد هذا الذكر، لأن الله أمر به في كل الحالات، سواء كنت قائمًا مثل أن يكون لك شغل فتقوم من بعد السلام مباشرة، أو قاعدًا أو على جنبك، تكون مريضًا فإذا انتهيت من الصلاة نمت كل هذا أنت مأمور به بأن تذكر الله عز وجل.
وهذا الذكر المجمل في كتاب الله عز وجل بيّنه النبي عليه الصلاة والسلام بالسنة، لأن السنة تبيّن القرآن وتفسره، وتقيّد مطلقه وتخصص عامَّه، وربما تأتي بأمور ليست بالقرآن بذاتها ولكنها في القرآن من حيث العموم، فإن كل ما أتانا الرسول عليه الصلاة والسلام فإن الله أمرنا بقبوله وأخذه، وما نهانا عنه فإن الله أمرنا باجتنابه.
مما كان يقوله النبي عليه الصلاة والسلام في أذكار الصلوات هذا الحديث الذي ذكره المغيرة بن شعبة رضي الله عنه كان يقول: ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له ) : وما معنى لا إله إلا الله ؟
يعني لا معبود حق إلا الله ، ما تقول: لا معبود إلا الله، لو قلت: أي: لا معبود إلا الله كان هذا كذبا، لأن هناك من يعبد من دون الله .
ولو قلت: لا موجود إلا الله كان هذا قولا بوحدة الوجود، لأنك إذا قلت لا موجود إلا الله معناه أن الخلق كلهم هو الله ، لأن الخلق موجودون ، ولهذا يغلط من قال : لا موجود إلا الله ، لا إله إلا الله أي: لا موجود إلا الله.
وإن قلت: لا إله موجود إلا الله، كان هذا أيضا كذب خطأ وكذب، لأنك إذا قلت: لا إله موجود قلنا: بل هناك إله موجود كما قال الله تعالى: (( واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون )) وقال: (( فلا تدع مع الله إلها آخر )).
إذن لا إله حق إلا الله ، حق ، وفرق بين موجود وبين حق ، لأن الموجود منه ما هو حق ومنه ما هو باطل في كل شيء: (( ذلك بأن الله هو الحقُّ وأن ما يدعون من دونه الباطل )) ، فإذن الصواب أن لا نافية للجنس ، وأن إله اسمها، وأن خبرها محذوف تقديره: حق .
وإنما صرنا إلى ذلك حتى لا تفسّر بخلاف الواقع ، أو بتفسير ليس بصحيح .وأما الله : فإلا هنا أداة استثناء ، والله بدل من الخبر المحذوف ، إله بمعنى مألوه، وليست بمعنى آله، لكنه سبحانه وتعالى مألوه أي: معبودٌ حبًا وتعظيمًا، وأهل الكلام ومن ضاهاهم يجعلون إله بمعنى آله، ويفسّرون الإله بالقادر على الاختراع وعلى الصنع، فيقولون: لا إله إلا الله أي: لا آله أي: لا قادر على الاختراع والإبداع إلا الله، ولو كان هذا معنى لا إله إلا الله ما أنكره المشركون، أو لا ؟
الطالب : نعم.
الشيخ : لأن المشركين يقرون بهذا ، يقولون مافي خالق إلا الله، لكن (( إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون * ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون )) فلو كان هذا التفسير هو تفسير لا إله إلا الله لكان المشركون موحدين ، وهذا التفسير الذي فسره به المتكلمون فسروا كلمة الإخلاص به ، هذا من أبطل التفاسير ، ولا يصح ولا يستقيم .
وقوله: ( وحده لا شريك له ) وحده : تأكيد للإثبات ، ولا شريك له تأكيد للنفي ، لأن كلمة الإخلاص تضمنت إثبات ونفيا ، تضمنت إثبات الألوهية الحق لله ، ونفي الألوهية الحق لغير الله .
فلهذا وحده يكون تأكيدًا للإثبات ، ولا شريك له يكون تأكيدا للنفي.
( له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ) : له الملك : جملة خبرية قدّم فيها الخبر ، وتقديم الخبر يدل على الحصر والاختصاص.
له: يعني لله وحده الملك، فلا أحد مالك إلا الله، وهو سبحانه وتعالى مالك ملك، ولهذا يقال: له الملك، وجاءت الفاتحة : (( ملك يوم الدين )) و (( مالك يوم الدين )) ، وذلك لأن كمال الملك بالملكية والتصرّف أو التدبير، الله عز وجل ملك مالك، الخلق منهم من يكون مالك وليس بملك ومنهم من يكون ملكا وليس بمالك ، فيه أناس يملّكون لكن ما لهم في تدبير الملك شيء، وفيه أناس يدبرون وليس لهم صفة الملك، فهم مالكون وليسوا بملوك، أما الرب عز وجل فإنه ملك الملوك، ومالك الملك ولهذا قال: ( له الملك ).
فإن قلت: إن الله تعالى أثبت لغيره ملكا، قال سليمان: (( وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي )) ، وقال الله تعالى: (( إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم )) ، وقال : (( أو ما ملكتم مفاتحه )) فكيف تقول: إن الملك مختص بالله ؟
فالجواب: أن الملك الذي لغير الله ملك محدود، من حيث الشمول ليس بشامل، ومن حيث التصرّف أيضا ليس بشامل، فأنت إنما تملك مالك فقط ما تملك مال فلان ومال فلان، وملكك لمالك محدود أيضًا، ما تملك التصرّف المطلق كما تشاء، وإنما تتصرف في ملكك كما أذن الله لك، فملكنا محدود مهما كان لنا من الملك .
وقوله: ( له الملك وله الحمد ) الحمد: هو وصف المحمود بالكمال مع المحبة والتعظيم ، وهذا هو الفرق بين الحمد والمدح ، المدح : تصف الممدوح بصفات الكمال لكن بدون محبة ، لكن الحمد تجد قلبك ممتلئاً محبة لهذا الموصوف ، فالحمد: " هو وصف المحمود بالكمال مع المحبة والتعظيم " .
وانظر إلى الفائدة في قرن الحمد بالملك ليتبين لك أن ملك الله عز وجل مبني على الحمد ، فكم من ملك لا يحمد ، وكم من مالك لا يحمد ، لكن الرب عز وجل محمود ، فملكه مقرون بالحمد ، ولهذا يقال : ( له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ) : كل شيء فالله تعالى قادر عليه ، سواء ما يتعلق بأفعاله أو بأفعال الخلق ، فالله تعالى قادر على أن يوجد المعدوم ويعدم الموجود، وقادر على أن يغيّر ويحوّل الشيء من شيء إلى شيء، قدرة مطلقة لا حدود لها، ولا تقيد بشيء، ولا تخصص بشيء.
( على كل شيء قدير ) ، (( وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليما قديرًا )) .
ثم ختم هذا الذكر بشيء من التفصيل من تمام ملك الله.
5 - وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة : ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير . اللهم لا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد ) . متفق عليه . أستمع حفظ
( .... اللهم لا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد ) . متفق عليه .
( لا مانع لما أعطيت ) : يعني أن ما أعطى الله العبد فإنه لا أحد يمنعه ، ما معنى ما أعطيت ؟ يعني ما وصل إلى المعطى بالفعل أو ما قدّرت أن تعطيه ها؟
الطالب : كلاهما.
الشيخ : ما قدّرت أن تعطيه، لأن قوله: لا مانع، المنع يكون قبل الوقوع، فلا أحد يمنع ما أعطاك الله عز وجل أبداً وهذا كقوله: ( ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك ).
فالذي قدّر الله أن يصل إليك ما أحد يمنعه أبداً لابد أن يصل.
( ولا معطي لما منعت ) : الشيء الذي منعه الله عز وجل لا يمكن أن يعطيك إياه أحد، ولا يمكن أن يصل إليك مهما بذلت من الأسباب التي توصل إلى هذا الشيء الذي تريده فإنه لا يمكن أن يصل إليك ما دام الله قد منعه.
( ولا معطي لما منعت ) : إذا آمن الإنسان بهاتين الجملتين فالإيمان بهما واجب، فإنه يَعتمد في رزقه على من؟
على الله، وفي دفع الضرر على الله، وفي جلب النفع على الله، ويكون دائما معتمدًا على ربه معتقدًا أنه سبحانه وتعالى هو حسبه لا غير.
( ولا ينفع ذا الجَد منك الجد ) : الجد قال العلماء: هو الحظ والغناء.
ذا الجد أي: صاحب الجد.
منك : متعلق بينفع ، ولهذا كلمة ينفع إما أن تضمّن معنى يغني ، أو معنى يمنع صاحب الغنى وصاحب الحظ لا ينفعه حظه من الله ، ولا غناه من الله : (( وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له )) ، (( أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة )) : فصاحب الحظ والغنى مهما كان عنده ما ينفعه.
( ولا ينفع ذا الجد منك الجد ) : ما قال: جده، قال: الجد، يعني حتى لو كان هذا الجد أعظم شيء فإنه لا يمكن أن ينفعه من الله عز وجل، وهذا إذا آمن الإنسان به ويجب عليه أن يؤمن به يستلزم أن يكون الإنسان معتمدًا على ربه في حمايته، لا على جنده ولا على ماله ولا على نصيبه وحظه، وإنما هو على ربه وحده لا شريك له.
وبهذا التقرير الذي لم نفِ بما تدل عليه هذه الكلمات العظيمة، يتبين أهمية هذا الذكر بعد الصلاة: ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد ).
قوله: اللهم: أصلها يا الله، لكن حذفت ياء النداء تيمنا بذكر اسم الله قبل، وعوّض عنه الميم: اللهم، للدلالة عليها.
واختيرت الميم دون غيرها من الحروف لدلالتها على الجمع، كأن الداعي جمع قلبه على الله سبحانه وتعالى.
6 - ( .... اللهم لا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد ) . متفق عليه . أستمع حفظ
هل قوله في الحديث " دبر كل صلاة مكتوبة " يشمل الصلوات الخمس ؟
الشيخ : الظاهر المقصودة الصلوات الخمس لأن أل للعهد، نعم ؟
القارئ : قال -رحمه الله تعالى- : " وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ بهن دبر كل صلاة: اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك من أن أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر ) رواه البخاري " :
الشيخ : خلص الأول ؟
الطالب : إيه .
الشيخ : أعد الحديث!
القارئ : " وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ بهن دبر كل صلاة: اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك من أن أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر ) رواه البخاري " .
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ بهن دبر كل صلاة : ( اللهم إني أعوذ بك من البخل وأعوذ بك من الجبن ، وأعوذ بك من أن أرد إلى أرذل العمر ، وأعوذ بك من فتنة الدنيا ، وأعوذ بك من عذاب القبر ) . رواه البخاري .
قال -رحمه الله تعالى- : " وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ بهن دبر كل صلاة ) " :
( يتعوذ بهن ) : هذا فيه إعادة الضمير على متأخر لفظا ورتبة وهو شاذ وقليل كما قال ابن مالك :
" وشذ نحو زان نوره الشجر ".
ولكن ما دام المعنى واضحًا فإنه لا بأس به .
يقول: ( كان يتعوذ بهن دبر كل صلاة ) : دبر يحتمل أن يكون معناه ما بعد الصلاة، ويحتمل أن يكون معناه آخر الصلاة، لأن آخر الشيء دبره، فآخر الشيء دبر الشيء هو آخره ، وكذلك دبر الشيء ما كان بعده ، ( فتسبحون وتحمدون وتكبرون دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين ) : المراد ما بعد الصلاة. وقوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ: ( لا تدعن أن تقول دبر كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك ) : هذا في آخر الصلاة قبل السلام، والمرجَّح: أن ما كان ذكرًا فالمراد بالدبر فيه ما بعد الصلاة، وما كان دعاء فالمراد بالدبر فيه ما كان في آخر الصلاة .
والقرينة التي ترجح ذلك أن الذكر أمر الله به بعد الصلاة، فقال: (( فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله )) ، فيكون كل ذكر قيّد بدبر الصلاة يكون بعدها .
وأما الدعاء فإننا نرجح أن دبر الصلاة فيه آخرها ، وذلك لقول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث ابن مسعود : ( ثم ليتخير من الدعاء ما شاء ) ، ولأن الإنسان يدعو الله عز وجل في أثناء الصلاة قبل أن ينصرف منها ، والإنسان في صلاته كما قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( يناجي ربه ) ، وعلى هذا فيكون المشهور أن يدعو بهذه الدعوات ، أو يتعوذ من هذه الأشياء في آخر الصلاة.
يقول: ( اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن ) : كلاهما شح ومنع، لكن البخل منع لبذل المال في محله، والجبن منع لبذل النفس في محله، ولهذا ضد الجبن الشجاعة، وضد البخل الكرم.
فالبخيل هو الذي يمنع ما ينبغي بذله من المال، أو من الأعمال أيضًا، ولهذا جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام: ( البخيل من ذكرت عنده فلم يصل عليّ ) .
وأما الجبن فإنه منع ما ينبغي بذله من النفس، وضده الشجاعة .
واعلم أن منع ما لا ينبغي بذله من المال ليس ببخل ، ولكنه اقتصاد واعتدال فإذا كان الإنسان لا يتهور بالإنفاق، وإنما ينفق المال حسب ما شرعه لله ورسوله، فهذا ليس ببخيل، وإنما هو مقتصد ومعتدل في إنفاقه، والله عز وجل يقول: (( كلوا واشربوا ولا تسرفوا )).
وبهذه المناسبة أود أن أنبه أن بعض الناس يتبع النساء فيما يُنفَق ، حتى إنك تجده يشتري أشياء ما لها داعي وليس لها حاجة كله من أجل إرضاء أهله ، وهذا أمر لا ينبغي ، بل الذي ينبغي أن يكون الإنسان معتدلا في إنفاقه ، ويمكنه أن يقنع زوجته أو من طلب من أهله أن ينفق وأن يشتري كذا وأن يشتري كذا ، يقنعهم بما يعطيه الله عز وجل من البيان والإقناع .
وأما الجبن : فإن الجبن لا يكون جُبناً إذا كان في موضع ينبغي فيه الإحجام، انتبهوا الجبن لا يكون جبنا في موضع ينبغي فيه الإحجام، ولهذا ما ينبغي أن تقدم إلا بعد أن تعرف النتيجة كما قال المتنبي:
" الرأي قبل شجاعة الشجعان *** هو أولٌ وهي المحل الثاني
فإذا هما اجتمعا لنفسٍ حرة *** بلغت من العلياء كل مكان " .
فالإنسان لا يتهور بل ينظر ويتأمل، فإذا كان للإقدام مكان أقدم، وإذا كان للإحجام مكان أحجم، وكما قيل أيضا وأظنه المتنبي :
" ووضع الندى في موضع السيف بالعُلا *** مضرٌ كوضع السيف في موضع الندى ".
وضع الندى : يعني كرم في موضع السيف للعلا مضر ، كوضع السيف في موضع الندى ، فإذا كان الحال تقتضي الكرم والعفو والصفح ، صار السيف وضعه مضر بالعلا ، وإذا كان الأمر بالعكس صار الكرم وضعه مضرا بالعلا. والمهم أن الجبن الذي هو ضد الشجاعة لا يكون جُبنا إذا كان المقام لا يقتضي الإقدام.
ومن ثَم ينبغي للإنسان أن يتأنى في أموره وألا يتعجل حتى يعرف النتائج.
( وأعوذ بك من أن أرد إلى أرذل العمر ) : أرذله أنقصه وأردئه ، والإنسان يرد إلى أرذل العمر إما لعلة طارئة وإما لتقدم في السن، الكبير إذا كبر يرد إلى أرذل العمر، تجده مثل الصبي، بل إنه أبلغ من الصبي، لأن الصبي حتى الآن لم يعرف ويرجى أن يعرف، فأهله يتحملون منه هذا الرداء وهذا النقص في عقله، لأنهم يؤملون أنه يزول ويترقى العقل والفهم .
لكن الذي والعياذ بالله وصل إلى كبر حتى صار عقله في منزلة الصبي يكون الرجاء فيه بعيد، فيُتعب أكثر، ثم إن هذا الذي رُد إلى أرذل العمر قد عرف بعض الأشياء، ولهذا تجده بعض الأحيان يصر على أهله أن يأتوا بها، مثلا إذا كان من أصحاب الغنم صار يهذي بالغنم، يوقظ أهله من النوم في وقت الليل يقول: جيبوا لي العنزة الفلانية مثلا، وإذا كان من أهله الأموال تجده أيضا يهذي فيها، هذا يتعب، لكن الصبي هل في باله هذا الشيء حتى يتعبهم؟
أبدًا، ولهذا سمي أرذل العمر، وأرذل صفة اسم تفضيل، يعني مافي العمر أرذل منه ولا حالة الصغر.
من أن يرد إلى أرذل العمر أقول: إن أرذل العمر قد يكون طارئا وقد يكون طارئا عارضا كما لو حصل للإنسان وجع في دماغه من حادث أو غيره وقد يكون بسبب الكبر .
( وأعوذ بك من فتنة الدنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر ) : من فتنة الدنيا، فتنة الدنيا تقدم لنا معناها، وهو: كل أمر أو بالأصح تعود إلى أمرين:
إما شبهات وإما شهوات:
الشبهات معناه أن الإنسان يخفى عليه الحق، إما لكثرة البدع والأفكار السيئة أو لغير ذلك من الأسباب، فتجده يكون حيران والعياذ بالله، ما يدري أن يذهب.
وإما شهوة: يكون عارفا بالحق عالما به لكنه لا يريده، نفسه تريد وتهوى خلاف الحق، النصارى فتنتهم شبهة ولا شهوة ؟
الطالب : شبهة.
الشيخ : هاه؟ النصارى؟
الآن شهوة لا شك، لكن حين تلقوا دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام كانت شبهة ، لأنهم ضالون ، واليهود شهوة لأنهم عالمون بالحق ، وكل من خالف الحق عالم به فقد فتن فتنة شهوة والعياذ بالله.
وكل من خالف الحق جاهلا به فقد فتن فتنة شبهة .
كثير من الناس الآن فتنوا في الدنيا فتنة شهوة يعلمون ما أوجب الله عليهم، ولا أظن الناس في عصر من العصور المتأخرة كانوا أعلم بالمسائل الشرعية من عصرنا هذا، لكن والعياذ بالله صار عندهم شهوات، ميل إلى الباطل.
أو ما كتبوا يشتبه عليه، لو كان عنده قرار وعقيدة سليمة لكن مع التلبيس والعياذ بالله صار قد يشتبه عليه الحق.
( وأعوذ بك من عذاب القبر ) : عذاب القبر ثابت كما سبق في القرآن والسنة وإجماع المسلمين.
ثابت بالقرآن والسنة وإجماع المسلمين : ما دليله من القرآن ؟
دليله من القرآن عدة آيات، منها قوله تعالى في آل فرعون: (( النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ))، ومنها قوله تعالى: (( ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون )) : اليوم ، وأل هنا للعهد ما نوعه؟
للعهد الحضوري، مثلها في قوله تعالى: (( اليوم أكملت لكم دينكم )) يعني اليوم الحاضر.
(( اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون )) .
ومنها قوله تعالى: (( ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق )) : إذ : ظرف ، إذ يتوفى ، فصار هذا الأمر متى ؟
حينما يتوفون، تتوفاهم الملائكة ، وأما السنة فكثيرة دلالتها كثيرة ظاهرة تبلغ إلى قريب التواتر.
وأما إجماع المسلمين: فكل المسلمين يقولون في صلاتهم: أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات إلى آخره، فهل يتعوذ الناس من شيء لا وجود له ؟
ما يمكن، لولا أن له وجودًا ما تعوذوا بالله منه، وعلى هذا فيكون عذاب القبر ثابتا بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين.
ولكن هذا العذاب غيبي، من نعمة الله عز وجل أن الله لا يطلع عليه أحدًا إلا من شاء من خلقه، لأنه لو اطلع الناس عليه لما تدافنوا، ولو اطلع الناس عليه لكان في ذلك فضيحة للمقبور، ولو اطلع الناس عليه لكان في ذلك عار على أهله، ولو اطلع الناس عليه لكان في ذلك أذى على أهله، ولكن من حكمة الله عز وجل أن الله أخفاه، ولو اطلع الناس عليه أيضًا ما كان للإيمان به فائدة، لأنه يكون الآن من أمور الشهادة، والفضل كل الفضل بالإيمان بالغيب. عذاب القبر الأصل أنه على الروح، ولكنها قد تتصل بالبدن، ولاسيما حال الدفن، حين يسأل الإنسان عن ربه ودينه ونبيه، فإنه يضرب بمرزبة من حديد إذا لم يجب، يصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الثقلين، نعوذ بالله.
وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه مر بقبرين في المدينة وقال: ( إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستبرئ من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة ) .
فهذه الخمس كان الرسول عليه الصلاة والسلام يتعوذ بهن دبر كل صلاة : ( اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك من أن أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر ).
8 - وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ بهن دبر كل صلاة : ( اللهم إني أعوذ بك من البخل وأعوذ بك من الجبن ، وأعوذ بك من أن أرد إلى أرذل العمر ، وأعوذ بك من فتنة الدنيا ، وأعوذ بك من عذاب القبر ) . رواه البخاري . أستمع حفظ
هل الرد إلى أرذل العمر يعود إلى وصف فقد العقل فلو بقي عقل الرجل وهو معوق فهل يعد هذا منه ؟
الشيخ : نعم.
السائل : يعني مثلا لو بقي عقل الرجل بعد ما كبر لكنه صار معه ضعف!
الشيخ : إيه نعم.
السائل : ماهو بهذا من أرذل العمر؟
الشيخ : هذا من أرذل العمر من حيث القوة الجسمية، أما الأول وهو المتبادر إنه المراد القوة الذهنية الفكرية هذا هو المتبادر، ولذلك إتعاب الإنسان الذي زال عقله وذهنه أشد من تعب الذي بدنه مشلول أو ما أشبه ذلك.
9 - هل الرد إلى أرذل العمر يعود إلى وصف فقد العقل فلو بقي عقل الرجل وهو معوق فهل يعد هذا منه ؟ أستمع حفظ
وعن ثوبان رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر الله ثلاثاً ، وقال : ( اللهم أنت السلام ومنك السلام ، تباركت يا ذا الجلال والإكرام ) . رواه مسلم .
الشيخ : هذا أيضًا من الأذكار التي ينبغي أن يقولها الإنسان بعد الصلاة ، كان عليه الصلاة والسلام إذا انصرف من صلاته استغفر الله ثلاثا يعني قال: أستغفر الله أستغفر الله أستغفر الله ، ومعنى أستغفر الله : أسأله المغفرة ، والمغفرة هي ستر الذنب مع التجاوز عنه ، هذه المغفرة ، قال العلماء : مشتقة من المغفر ، والمغفر هو الذي يوضع على الرأس من حديد ونحوه ليتقى به السهام .
إذن فهو ساتر، وفي نفس الوقت وقاية، ستر ووقاية .
وقوله: ( استغفر ثلاثا ) : الحكمة من الاستغفار بعد الانصراف من الصلاة لأن الإنسان لا يخلو من تقصير ، فهذا الاستغفار إن كانت الصلاة تامة كان كالطابع لها ، وإن كان فيها نقص كان كفارة لها ، كما جاء ذلك في سيد الاستغفار أو في كفارة المجلس ، كما جاء ذلك في كفارة المجلس .
فهذا الاستغفار بعد أداء العبادة نقول: إن كانت العبادة تامة فهو طابع عليها وإن كانت ناقصة فهو كفارة لها .
وهذا كقوله تعالى في الحج: (( ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم )).
وقال: ( اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام ) : في هذا الموضع ما تقول: وتعاليت، تقول: تباركت يا ذا الجلال والإكرام، لأن الأذكار توقيفية ما يزاد فيها إلا ما جاء به النص، والنص هنا ما ذكر وتعاليت.
فتقول: ( اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام ) أنت السلام: وش معنى أنت السلام ؟
يعني السالم من كل نقص ومن كل عيب ، فالله عز وجل سلام أي: سالم من كل نقص ومن كل عيب.
فإذا قلت: هذه الصيغة فعال كيف تحولها إلى فاعل؟
نقول: هذه من باب الصفة المشبهة، والصفة المشبهة تدل على إيش؟
على الثبوت والاستمرار، بخلاف اسم الفاعل، فإنه قد يدل على الحدث بدون ثبوت واستمرار.
فالسلام أبلغ من السالم، ولهذا جاء اسماً لله عز وجل.
( ومنك السلام ): هنا السلام بمعنى التسليم كالكلام بمعنى التكليم، يقال: كلمته كلاما وكلمته تكليما، فسلام هنا بمعنى تسليم أي: منك التسليم يعني أنك أنت المسلّم لمن تشاء من خلقك، فالسلام من الله عز وجل ، وهو جل وعلا سالمُ سلاما سالم من كل نقص وعيب.
( تباركت يا ذا الجلال والإكرام ) : تباركت قلنا: إن المعنى كثرت خيراتك، لأن أصل البركة: الخير الثابت الدائم ، مأخوذ من بركة الماء ، لكثرة الماء فيها وسعتها ودوامه وثبوته فيها ، فمعنى تباركت أي: أنك يا ربنا كثير الخيرات والبركات .
وهنا ما قال : بوركت ، بل قال : تباركت لأن التبارك صفته بخلاف غيره فإنه يكون مبارك ، وليس هو المتبارك ، ولهذا قال الله تعالى عن عيسى وعن يحيى: (( وجعلني مباركا )) أي: لما قلته، لكن تفاعل صفة ذاتية فيه.
( تباركت يا ذا الجلال والإكرام ) ذا : بمعنى صاحب.
والجلال بمعنى العظمة، يعني يا صاحب العظمة.
والإكرام لها معنيان:
أحدهما: أنه أهل لأن يكرم عز وجل وأن يعظّم .
والثاني: أنه مكرم لمن يستحق الإكرام من خلقه بالثواب الجزيل والثناء، وهذا الإكرام يتعلّق بالله عز وجل وبالخلق.
فبالله من حيث أنه محل التكريم والتعظيم، وبالخلق لأنهم مكرمون يكرمهم الله عز وجل.
ونظيره الودود: بمعنى الواد، وبمعنى المودود، فهو يود من شاء، وغيره أيضا من أحبابه يودونه.
إذن الإكرام صفة تتعلق بالخالق وبالمخلوق، بالخالق أنه أهل لأن يكرم ويعظم، وبالمخلوق أنه يكرم من يستحق الإكرام من خلقه.
إذن ينبغي لنا إذا سلمنا أن نقول: أستغفر الله أستغفر الله أستغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام قبل كل ذكر ، ولهذا تقول عائشة : ( كان النبي عليه الصلاة والسلام لا يجلس إلا بمقدار ما يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام ثم ينصرف ) : فدل هذا على أن هذا الذكر يكون قبل كل الأذكار .
والمناسبة فيه ظاهرة أيضًا لأنه ينبغي أن يلي الصلاة لأجل أن يكون طابعا لها أو كفارة لها، والله الموفق.
10 - وعن ثوبان رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر الله ثلاثاً ، وقال : ( اللهم أنت السلام ومنك السلام ، تباركت يا ذا الجلال والإكرام ) . رواه مسلم . أستمع حفظ
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من سبح الله دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين ، وحمد الله ثلاثاً وثلاثين ، وكبر الله ثلاثاً وثلاثين ، فتلك تسع وتسعون ، وقال تمام المائة : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ، غفرت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر ) . رواه مسلم ، وفي رواية أخرى : ( أن التكبير أربع وثلاثون ) .
وفي رواية أخرى: ( أن التكبير أربع وثلاثون ) " :
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال -رحمه الله تعالى- : " وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من سبح الله ثلاثا وثلاثين وحمد الله ثلاثا وثلاثين وكبّر الله ثلاثا وثلاثين فتلك تسع وتسعون، ثم قال تمام المئة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، من قالها دبر كل صلاة -يعني مكتوبة- غفرت خطاياه وإن كانت مثلا زبد البحر ) " :
غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر يعني في كثرتها وزبد البحر كثير لا يحصيه إلا الله عز وجل ، ففي هذا دليل على فضيلة هذا الذكر دبر الصلوات، كل صلاة مكتوبة: الفجر الظهر العصر والمغرب والعشاء.
تسبح الله ثلاثا وثلاثين فتقول: سبحان الله سبحان الله سبحان الله سبحان الله حتى تكمل ثلاثا وثلاثين، وتقول بعد ذلك: الحمدلله الحمدلله الحمدلله حتى تكمل ثلاثا وثلاثين، وتقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر حتى تكمل ثلاثا وثلاثين، فهذه تسع وتسعون كلمة، ولهذا جاءت تسع، فالرسول ما قال تسعة عندك تسعة ولا تسع؟
الطالب : تسع.
الشيخ : يعني تسع وتسعون كلمة.
يقول تمام المئة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
وفي لفظ لمسلم: أن التكبير أربع وثلاثون، بدون الذكر، بدون لا إله إلا الله، وبالتكبير أربع وثلاثون تكمل المئة.
ما معنى سبحان الله ؟
معنى سبحان الله تنزيها لله عز وجل، تنزيها لله عن ماذا؟
عن كل نقص، فالله عز وجل كامل من جميع الوجوه، كامل في أسمائه، وفي صفاته وفي أفعاله، فأسماؤه كلها حسنى تدل على معانيها الحسنة التي لا أحسن منها.
وصفاته كلها عُليا يقول الله عز وجل: (( ولله الأسماء الحسنى )) ويقول: (( وله المثل الأعلى )) يعني الوصف الأكمل.
وكذلك أفعاله فإن أفعاله كلها حميدة مرتبطة بالحكمة، فهو سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء لحكمة، فهو منزه عن العبث، منزه عن اللهو، منزه اللغو، منزه عن الباطل، منزه عن كل عيب، قال الله تعالى: (( وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما باطلا )) ، (( وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين * لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين )).
وقال عز وجل: (( وما ربك بغافل عما يعملون )) ، وقال تعالى: (( ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب ))، إلى غير ذلك مما يدل دلالة ظاهرة على أن الله تعالى منزه عن كل عيب، ولهذا ينزّه عن نفي السمع، أو نفي البصر، أو نفي الحكمة، أو نفي المغفرة، أو نفي الرضا أو ما أشبه ذلك.
خلافا لمن قال والعياذ بالله: إن الله تعالى لا سمع له ولا بصر له ولا حكمة له ولا رحمة له ولا مغفرة له ولا يحِب ولا يحَب والعياذ بالله، ويصفوه بصفات النقص الكاملة مدعين أنهم بذلك أثبتوا له الكمال، وهم والله إنما أثبتوا له النقص والعياذ بالله من حيث لا يشعرون، فلا أحدَ يصف الله تعالى بأكمل مما وصف به نفسه، وقد وصف نفسه بأنه غفور وأنه ذو رحمة وأنه قوي وأنه حكيم وأنه سميع بصير وأنه على كل شيء قدير، وأنه يُحِب ويحَب ويرضا ويسخط، ويفعل ما يشاء سبحانه وتعالى، فهو منزه عن كل نقص.
وأما قولك الحمدلله : فالحمد معناه وصف المحمود بالكمال، فبالتسبيح يكون التخلي عن صفات النقص ، وبالحمد يكون الاتصاف بصفات الكمال، فيكون من قال: سبحان الله والحمدلله يكون جامعًا لله تعالى بين النفي والإثبات ، بين نفي النقص الذي دل عليه سبحان، وبين إثبات الكمال الذي دل عليه الحمدلله .
وأما الله أكبر فهي كالطابع على هذا ، يعني أكبر من كل شيء عز وجل، (( له الكبرياء في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم )) .
وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن السماوات السبع والأراضين السبع في كف الرحمن كخردلة في كف أحدنا، فهو عز وجل له الكبرياء في السماوات والأرض.
وأما ختم هذه الكلمات الثلاث بكلمة التوحيد لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير فهذه الكلمة كلمة الإخلاص التي بعث بها جميع الرسل: (( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون )) : كل الرسل بعثوا بهذا.
(( ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت )) ، فكل الرسل متفقون على معنى هذه الكلمة ، وأنه لا أحد يعبد في السماوات أو في الأرض بحق إلا الله عز وجل.
وقوله ( له الملك وله الحمد ) فيه الثناء على الله عز وجل بتمام الملك وبتمام الصفات وكمالها: ( له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ) : كل شيء فالله قادر عليه لا يستثنى من هذا شيء، فكل شيء تتعلق به القدرة ويمكن أن يوصف الفاعل بأنه قادر عليه فإن الله عز وجل قدير عليه: (( وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليما قديرا ))، إذن بعد كل صلاة مكتوبة تقول: سبحان الله ثلاثا وثلاثين، والحمدلله ثلاثا وثلاثين، والله أكبر ثلاثا وثلاثين، وتختم المئة بقولك: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
أو تقول: الله أكبر أربعا وثلاثين تختم بها المئة، هذا جائز وهذا جائز.
فإن قلت: هل الأفضل أن أفردها أو الأفضل أن أجمعها؟
يعني الأفضل أقول: سبحان الله حتى أكمل الحمدلله حتى أكمل الله أكبر حتى أكمل أو الأفضل أن أجمعها فأقول سبحان الله والحمدلله والله أكبر؟
فالجواب: أن كلتا الصفتين قد وردت عن النبي عليه الصلاة والسلام، فهذا جائز وهذا جائز، وعلى القاعدة السابقة لنا أن العبادات الواردة على وجوه متنوعة ينبغي أن نفعلها على كل وجه، فينبغي أن تقول أحيانا : سبحان الله حتى تكمل ، وتجعل كل كلمة مفردة عن الأخرى وأحيانا تجمع بينها فتقول: سبحان الله والحمدلله والله أكبر حتى تكمل .
وقوله: ( غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر ) : ظاهر الحديث العموم، غفرت خطاياه، لأنها جمع مضاف، والجمع المضاف يفيد العموم، فظاهره أن الخطايا ولو كانت من الكبائر فإنها تكفّر وتغفر له إذا قال هذا الذكر، وهذا ما ذهب إليه بعض أهل العلم، ولكن جمهور أهل العلم يقولون: إن جميع الأحاديث الواردة في مغفرة الذنوب أو تكفير السيئات مقيدة باجتناب الكبائر، والدليل على ذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر ) .
قالوا فإذا كانت هذه الفرائض العظيمة : الصلوات الخمس ، أعظم فريضة عملية على الإنسان هي الصلوات الخمس ، إذا كانت هذه الفرائض العظيمة لا تقوى على تكفير الكبائر ، فإن ما دونها من باب أولى ألا تكفّر به الكبائر، ولا شك أن هذا قول وجيه، وهو قول الجمهور، لكن الإطلاق يرجى أن يكون هو الصواب، لأن الإنسان يرجو الله عز وجل أن يعفو عنه بهذا العمل جميع ذنوبه، لكن الجزم ما نجزم إلا إذا اجتنبت الكبائر.
11 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من سبح الله دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين ، وحمد الله ثلاثاً وثلاثين ، وكبر الله ثلاثاً وثلاثين ، فتلك تسع وتسعون ، وقال تمام المائة : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ، غفرت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر ) . رواه مسلم ، وفي رواية أخرى : ( أن التكبير أربع وثلاثون ) . أستمع حفظ
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : ( أوصيك يا معاذ : لا تدعن دبر كل صلاة أن تقول : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ) . رواه أحمد وأبو داود والنسائي بسند قوي .
الشيخ : هذا الحديث أوصى به النبي عليه الصلاة والسلام معاذ بن جبل رضي الله عنه أن يقول دبر كل صلاة: والمراد كل صلاة مكتوبة كما جاء ذلك مقيدا في بعض الروايات .
يقول: ( اللهم أعني على ذكرك وعلى شكرك وعلى حسن عبادتك ): الإعانة على هذه الأمور يحصل بها سعادة الدنيا والآخرة.
على ذكرك: يعني بالقلب واللسان، وعلى شكرك بالقلب واللسان والجوارح، وعلى حسن عبادتك: وهو أخص من الشكر، لأن الشكر يحصل بالعبادة وإن كانت على غير وجه الأحسن، لكن على حسن عبادتك أخص، وفيه الإعانة على هذه الأمور إعانة على ما فيه سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة .
وفي سؤال العبد ربه أن يعينه على ذلك عنوان على افتقاره إلى ربه، وأنه سبحانه وتعالى إن لم يعنه فإنه لا يفعل، وهو كذلك إذا لم يمدك الله عز وجل بعونه فإنه إن وكلك إلى نفسك وكلك إلى ضعف وعجز وعورة، ولهذا قرن الله الاستعانة بالعبادة فقال: (( إياك نعبد وإياك نستعين )) ، وقال: (( فاعبده وتوكل عليه )).
فلابد من استعانة العبد بربه، فإن لم يعنه خذل وعجز عن إدراك العمل، وفي قوله: ( حسن عبادتك ) لم يقل: على عبادتك، وإنما قال: ( على حسن )، لأن الإنسان قد يعبد ربه ولكن لا يكون عمله حسنا، إما لعدم إخلاصه وإما لعدم متابعته، والعمل لا يكون حسنا إلا بأمرين: بالإخلاص لله والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقوله: ( أن تقول دبر كل صلاة ) : اختلف العلماء في معنى دبر فقال بعض العلماء أي: بعد الصلاة، وهذا هو المشهور عند أكثر أهل العلم.
وقال بعض العلماء: في دبر كل صلاة أي: في آخر الصلاة قبل السلام، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال: لأن محل الدعاء آخر الصلاة لا ما بعد الصلاة، الذي بعد الصلاة الذكر وأما الدعاء فهو قبل، وعلى هذا فإذا جاءت دبر إن كان دعاء فهو قبل السلام، وإن كان ذكرًا فهو بعد السلام، الدليل من القرآن والسنة.
أما من القرآن في الذكر فقد قال الله تعالى: (( فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله )) فجعل محل الذكر بعد الصلاة، فكل ذكر يقيّد بدبر الصلاة فالمراد بعدها، وأما في الدعاء فقال النبي عليه الصلاة والسلام في حديث ابن مسعود لما ذكر التشهد: ( ثم ليتخير من الدعاء ما شاء ) ، وقال: ( إذا تشهد أحدكم التشهد آخره أو الأخير فليقل: أعوذ بالله من عذاب جهنم ) ، فجعل النبي عليه الصلاة والسلام ما بعد التشهد وقبل التسليم محلا للدعاء.
وحديث معاذ هذا قد ورد في بعض ألفاظه : أن الرسول أمره أن يقول في صلاته : ( لا تدعن أن تقول في صلاتك ) وهذه الرواية تؤيد ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من أنها تقال قبل السلام لا بعده ، نعم ؟
الطالب : هل تقال هنا وهنا ؟
الشيخ : لا ما يمكن، ما يمكن يقال هنا وهنا ما يمكن .
الطالب : يعني الأفضل في الصلاة؟
الشيخ : إما في الصلاة وإلا بعدها والأحسن في الصلاة ، نعم ؟
الطالب : شيخ بعض الوعاظ يقول: في فضل الله أكبر ... يدخل في معناها بأنك بين يدي أكبر فلا تنشغل عنه هل يصح الكلام هذا الذي يقال ؟
الشيخ : يعني له وجه يعني كونه يخص الانتقال هذا بالتكبير له وجه، إنك تذكر نفسك عند الانتقال من ركن إلى ركن لأنك بين يدي من هو أكبر من كل شيء إيه نعم.
الطالب : يعني لو قال : أعني على ذكرك والقصد الذي كان بالقلب يعني معناه الذكر الخاص ؟
الشيخ : هو الظاهر، لأن الشكر أعم علشان يكون بين الكلمتين تغاير .
12 - وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : ( أوصيك يا معاذ : لا تدعن دبر كل صلاة أن تقول : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ) . رواه أحمد وأبو داود والنسائي بسند قوي . أستمع حفظ
سؤال عن تعريف الكبائر ؟
الشيخ : هاه؟
السائل : صغائر الذنوب!
الشيخ : إيش؟
السائل : صغائر الذنوب؟
الشيخ : الصغائر الذنوب هي ما سوى الكبائر، وكأنك تقول وماهي الكبائر؟
نعم الكبائر يقول العلماء: كل ذنب رُتّب عليه عقوبة خاصة، كل ذنب يعني توعد عليه بعقوبة خاصة فهو كبيرة، فمثلا الزنا كبيرة، لأن فيه حدًا في الدنيا، شرب الخمر كبيرة لأنه ملعون شاربه، الربا كبيرة، القذف كبيرة، التولي يوم الزحف كبيرة، الغش كبيرة، كون الإنسان لا يحب لأخيه ما يحب لنفسه كبيرة أيضا، وهذه مسألة يجب أن نشوف نفتش الذي ما يحب لأخيه ما يحب لنفسه هذا فاعل كبيرة، من هذا نعم؟
الغيبة من الكبائر، الغيبة من كبائر الذنوب الرسول يقول: ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) : شف لا يؤمن ، قال شيخ الإسلام : " كل ذنب نفي الإيمان عن فاعله فهو من كبائر الذنوب " ، لأن أعظم عقوبة إنه ينفى عنك الإيمان، هذه فتّش عن قلبك يا الإنسان: هل أنت تحب لأخيك ما تحب لنفسك فسالم من هذه الكبيرة ، هل فيك شيء ما تحب لأخيك إن الله سبحانه وتعالى أن يعطيه مال أو يعطيه ولد أو يعطيه علم، إذا كنت ما تحب هذا فأنت مصر على كبيرة، مصر على كبيرة من كبائر الذنوب.
ولهذا مسألة القلوب من أصعب ما يكون تخليصها على الإنسان، يعني أعمال القلوب أشد من أعمال الجوارح، أعمال الجوارح كل واحد يزينه يقدر يزينه أليس كذلك؟
كل واحد يقدر يزيّن صلاة في ركوعها من أحسن شيء وفي سجودها وفي قيامها وفي قعودها ، نعم هذا ممكن ، لكن صلاح القلب هذا من أصعب ما يكون صعب جدًا ولهذا نسأل الله أن يعيننا وإياكم على صلاح القلوب، وإذا صلحت القلوب صلحت الأبدان. واحد يقول: إنه ينصح إنسان يقول له يا أخي لا تحلق لحيتك هذا حرام عليك، يقول: فقال لي التقوى ها هنا يشير إلى صدره، كلمة حق الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( التقوى ها هنا ، وأشار إلى صدره ) : لكنها كلمة حق من هذا الرجل الذي دافع بها عن نفسه عن حلق لحيته أريد بها باطل ، كلمة حق أريد بها باطل .
والجواب على كلامه سهل جداً وش نقول؟ نقول لو صلح ها هنا لصلح ها هنا ، لو صلح القلب لصلحت اللحية فإن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: ( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ): شف إذا صلحت صلح الجسد كله.
( وإذا فسدت فسد الجسد كله ): سبحان الله يعني بعض العلماء أبو هريرة رضي الله عنه شبّه القلب بالملك، والأعضاء بالجنود، وقال: " إن الأعضاء كجنود الملك " ، لكن هذا التشبيه ماهو مثل كلام الرسول عليه الصلاة والسلام، كلام الرسول شرط: ( إذا صلحت صلح ) هذا مرتب على هذا ترتيب لزومي، لكن الملك إذا أمر الجنود قد يتمرّدون، ولا لا ؟
بخلاف إذا صلح صلح الجسد، لكنه تشبيه تقريبي من أبي هريرة رضي الله عنه شف إذا صلحت صلح الجسد، وفي هذا دليل على أن محل التدبير للبدن كله هو القلب ماهو الدماغ، الدماغ يفكّر ويعدّل ويزين ويرسل إلى القلب والقلب يأمر، فالتفكير لا شك أنه في الدماغ، لكن يرسل إلى القلب، يرسل إلى القلب، والقلب يوجه أوامره، هو الذي يوجه الأوامر على الإرادات والقصد، ولهذا النية محلها القلب وليس الرأس .
وهذا أحد القولين في مسألة التقريب بين الواقع وبين ما دلت عليه النصوص من أن العقل بالقلب، يقول: التفكير في المخ والتوجيه في القلب، ففي المخ التصور والإدراك وفي القلب التدبير والتصريف والتوجيه، ولهذا : (( فتكون لهم قلوب يعقلون بها )) ، ما قال: يدركون، يعقلون، لأن العقل المدبر هو الذي يوجهك، نعم، وأما الإمام أحمد رحمه الله فقال : " إن العقل في القلب وله اتصال في الدماغ " ، وشبهه بعض المعاصرين بالدينمو المولّد للكهرباء في اللمبة، قال اللمبة هذا الدماغ والقلب الدينمو فالطاقة التي في القلب اللي في الدينمو ما تظهر إلا باللمبة كذلك الطاقة اللي في القلب ما تظهر إلا بالدماغ لكن في ظني أن التوجيه الأول أحسن أن التفكير في الدماغ والتدبير في القلب لقول الرسول عليه الصلاة والسلام ( إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ) .
المهم أننا نقول في هؤلاء الذين أحيانا يعارضون الإخوة الداعين إلى الله يعارضونهم إذا قيل لهم: اترك الربا قال: التقوى ها هنا، اترك الخمر قال: التقوى ها هنا، اترك حلق اللحية قال: التقوى ها هنا، اترك عقوق الوالدين قال التقوى ها هنا، ما بقي شيء، إذا كنت ما تتقي بجوارحك فلا تقوى عندك في قلبك، لو اتقى القلب لاتقت الجوارح بلا شك ، والله الموفق .
وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت ) . رواه النسائي وصححه ابن حبان . وزاد فيه الطبراني : ( وقل هو الله أحد ) .
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين:
قال -رحمه الله تعالى- : " وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت ) رواه النسائي وصححه ابن حبان .
وزاد فيه الطبراني ( وقل هو الله أحد ) " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال -رحمه الله تعالى- : " وعن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت ) " :
آية الكرسي هي التي ذكر فيها الكرسي، وهي قوله تعالى: (( الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له مافي السماوات ومافي الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم )) : هذه آية الكرسي .
أما قوله: (( لا إكراه في الدين )) فليس من آية الكرسي، لأن آية الكرسي آية واحدة، وهي هذه .
وقد سأل النبي عليه الصلاة والسلام أُبي بن كعب رضي الله عنه قال: ( أي آية أعظم في كتاب الله؟ قال: آية الكرسي، فضرب على صدره وقال: ليهنك العلم أبا المنذر ) : يعني هنأه بعلمه حيث علم أن أعظم آية في كتاب الله هي آية الكرسي.
وأما أعظم سورة فإنها سورة الفاتحة، هي أعظم سورة في كتاب الله، هذه الآية العظيمة من قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح .
ثبت في الصحيح أن الرسول عليه الصلاة والسلام جعل أبا هريرة رضي الله عنه وكيلا على الصدقة، صدقة الفطر، فلما كان ذات ليلة جاءه رجل، شيطان بصورة رجل، فأخذ من التمر فأمسكه أبو هريرة وقال: ( لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الرجل هذا، الشيطان المتلبس برجل قال: إنه فقير وذو عيال وطلب أن يعفو عنه، أبو هريرة رضي الله عنه رقّ له وعفا عنه، فلما أصبح وغدا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال له النبي صلى الله عليه وسلم : ما فعل أسيرك البارحة ) ؟
جاءه الوحي من الله أن هذا الشيطان جاء إلى أبي هريرة بهذه الصورة ، ( فقال يا رسول الله : إنه شكا إلي أنه فقير وذو عيال فأطلقته، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: كذبك وسيعود ) : كذبك يعني أخبرك بالكذب وسيعود. قال أبو هريرة : ( فعلمت أنه سيعود لقول النبي صلى الله عليه وسلم إنه سيعود ، فعاد وفعل مثل ما فعل في اليلة الأولى واعتذر بما اعتذر به في الليلة الأولى ) .
ولكن لما اعتذر أعطاه أبو هريرة، أعطاه لأن الرسول عليه الصلاة والسلام لما قال ( كذبك وسيعود ) ما قال: فلا تعطه وإلا كان أبو هريرة ما يعطيه، لكن لما لم يقل له فلا تعطه أعطاه.
ثم لما غدا على الرسول عليه الصلاة والسلام أبو هريرة قال له : ( ما فعل أسيرك البارحة فأخبره فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : كذبك وسيعود )، فعاد في الليلة الثالثة ولكنه أمسكه أبو هريرة، واعتذر ولكن قال: ما أطلقك إلا عند الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال: ( إني سأخبرك بآية إذا قرأتها لم يزل عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح، آية الكرسي، فلما أصبح أبو هريرة غدا إلى النبي عليه الصلاة والسلام وأخبره بالخبر فقال: صدقك وهو كذوب ) :
صدقك ماهو لأنه صاحب عيال، لكن صدقك بأنك إذا قرأت هذه الآية في ليلة لم يزل عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح.
هذه الآية اشتملت على عشر جمل: (( الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له مافي السماوات ومافي الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم )):
أما معانيها من حيث الإجمال ففي قوله: (( لا إله إلا هو )): توحيد الله عز وجل، وهذه الكلمة أعظم كلمة يقولها الإنسان: لا إله إلا الله، بعثت بها الرسل وأنزلت بها الكتب: (( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون )) .
وفي الأثر الذي قال الله تعالى فيه لموسى: ( لو أن السماوات السابع وعامرهن غيري، والأراضين السبع في كفة ، ولا إله إلا الله في كفة مالت بهن لا إله إلا الله ) :
الكلمة هذه عظيمة لأن فيها توحيد الله بالألوهية: لا إله إلا الله، إثبات ونفي وهذا هو حقيقة التوحيد، الإثبات بدون نفي ما يدل على التوحيد، والنفي المطلق تعطيل محض، لو قلت: القائم زيد، أو زيد قائم، لو قلت: زيد قائم ما دل على أن غيره لم يقم، لكن إذا قلت: لا قائم إلا زيد، دل على أن غيره ليس بقائم ، كذلك إذا قلت: لا إله إلا الله دليل على أنه لا إله إلا الله، ما في إله سوى الله ، ولكن هذه الجملة فيها خبر مقدّر لابد منه، وهو: حق، يعني لا إله حق إلا الله، والله بدل من ذلك الخبر، لأننا نقول: لابد من هذا التقدير حيث إنه يوجد آلهة تُعبد من دون الله تسمى آلهة، لكنها آلهة ليس لها حق في الألوهية ولهذا قال الله تعالى في آية أخرى: (( إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان )) فهي وإن عُبدت واتخذت إلها فإنه ليس لها ألوهية حقيقية، ولهذا نقول: لا إله حق إلا الله .
وقوله: (( الحي القيوم )) هذان وصفان ينتظمان جميع الأسماء الحسنى، ولهذا ورد في الحديث : ( أن اسم الله الأعظم هو الحي القيوم ) وقد ذُكر هذان الاسمان في كتاب الله في ثلاثة مواضع: في سورة البقرة في آية الكرسي، وفي سورة آل عمران: (( الله لا إله إلا هو الحي القيوم * نزل عليك الكتاب بالحق )) .
والموضع الثالث: في سورة طه في قوله: (( وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما )).
فهما منتظمان لجميع الأسماء الحسنى، فالحي معناه ذو الحياة الكاملة، ذو الحياة الكاملة التي لم تسبق بعدم ولا يلحقها فناء، حياة غير الله عز وجل ناقصة، مسبوقة بعدم وملحوقة بفناء، أما حياة الرب عز وجل فإنها لم تُسبق بعدم ولا يلحقها فناء.
ثم هي حياة كاملة كل صفات الكمال تتضمنها هذه الحياة، بخلاف حياة غيره فإنها ناقصة.
(( القيوم )) وش معنى القيوم؟
قيوم يقول علماء النحو: إنها صيغة مبالغة على وزن فيعول، إذن معناه أن هناك شيئا كثيرا من القيومية، فمعناه القيوم القائم بنفسه، القائم على غيره، كما قال الله تعالى: (( أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت )) كمن لا يقوم بذلك، من القائم على كل نفس بما كسبت؟
الله عز وجل (( ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها )) ، فهو القائم على غيره: (( ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره )): كل شيء قائم بالله عز وجل وهو القائم بنفسه.