وعن عائشة رضي الله عنها قالت :( كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم ، ويباشر وهو صائم ، ولكنه كان أملككم لإربه ). متفق عليه . وللفظ لمسلم ، وزاد في رواية : (في رمضان ).
هذا مبتدأ الدّرس اللّيلة:
" وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم ) " :
يقبل يعني: يقبّل أهله وزوجته وهو صائم، والتّقبيل معروف.
وجملة: ( وهو صائم ) في موضع نصب على الحال، وهو عامّ لصيام الفرض والنّفل.
( ويباشر وهو صائم ) : المباشرة أخفّ من التّقبيل وعرّفها بعضهم بأنّها الجماع بما دون الفرج، هذه المباشرة.
وقولها: ( وهو صائم ) نقول فيها كما قلنا في ما سبق إنّها في موضع نصب على الحال.
ثمّ قالت: ( ولكنه كان أملككم لإرْبه ) يقال: إِرْبه وأَرَبه، الأَرَب الحاجة والإِرْب العضو يعني عضو النّكاح، طيب والمعنى واحد يعني أَرَبه وإِرْبه كلاهما يؤدّي إلى شيء واحد أي أنّه يملك حاجته وهي الجماع في هذا الموضع.
فهو عليه الصّلاة والسّلام يملك حاجته.
وقال: " متّفق عليه واللفظ لمسلم، وزاد في رواية: ( في رمضان ) " :
وعلى هذا فيكون قولها : ( وهو صائم ) : الذي ذكرنا قبل قليل أنّه يعمّ الفرض والنّفل يكون هذا الحديث في؟
الطالب : رمضان.
الشيخ : في الفرض، في رمضان، لكن إذا جاز في الفرض ففي غيره من باب أولى.
طيب في هذا الحديث تخبر عائشة رضي الله عنها عن أمر خفيّ لا يطّلع عليه إلاّ زوجات الرّسول عليه الصّلاة والسّلام، وهذا من جملة الفوائد التي أشرنا إليها في ما سبق في تعدّد زوجات الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: أن ينقلن للنّاس ما لا يطّلع عليه إلاّ هنّ.
طيب تخبر أنّه يقبّل وهو صائم، والتّقبيل كما نعرف لا بدّ أن يحرّك الشّهوة، اللهم إلاّ من رجل ميّت الشّهوة ضعيفها جدّا فهذا قد لا تتحرّك شهوته، أمّا رجل فيه شيء للنّساء فإنّه لا بدّ أن تحرّك القبلة شهوته إذا قبّل زوجته.
نعم وكذلك أيضاً يباشر وهو أعظم من التّقبيل، لأنّ المباشرة هنا الجماع فيما دون الفرج وهو أشدّ منه ، التّقبيل إثارة للشّهوة ، قالت عائشة رضي الله عنها: ( كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يأمرني فأتّزر فيباشرني وأنا حائض ) : فهذا الحديث يفسّر الحديث الذي نحن بصدده.
ولكن هل كان الرّسول عليه الصّلاة والسّلام يُنزل؟
قولها: ( ولكنّه كان أملككم لإربه ) : يدلّ على أنّه لا ينزل وأنّه يملك نفسه بحيث لا يخرج منه شيء بهذا التّقبيل أو هذه المباشرة.
وهذه الجملة أرادت رضي الله عنها بها أن لا يتصرّف النّاس كتصرّف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا كانوا لا يملكون أنفسهم، لأنّ الجملة التّعليليّة لا بدّ أن يكون لها أثرها.
فإذا كان الإنسان لا يملك إرْبه ويخشى على نفسه إذا باشر أن يجامع أو أن ينزل فإنّه يجب عليه أن يتوقّف، ولا يجوز له أن يفعل ذلك، لأنّه يعرّض صيامه للخطر، إلاّ إذا كان الصّيام نفلاً فإنّ صيام النّفل يجوز للإنسان أن يقطعه تعمّداً، أو إذا كان الصّيام فرضاً في حال لا يلزمه الصّيام فيها، فإذا كان فرضاً في حال لا يلزمه الصّيام فيها فله أن يفعل كما لو كان في سفر، فإنّ المسافر له أن يفطر في نهار رمضان، فله أن يباشر وأن يقبّل وأن يجامع ويأكل ويشرب ولا حرج عليه، لأنّه أبيح له أن يفعل، نعم.
1 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت :( كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم ، ويباشر وهو صائم ، ولكنه كان أملككم لإربه ). متفق عليه . وللفظ لمسلم ، وزاد في رواية : (في رمضان ). أستمع حفظ
فوائد حديث ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم ...).
أوّلًا: جواز الحديث عمّا يُستحيا منه في إظهار الحقّ، من أين يؤخذ؟
من فعل عائشة رضي الله عنها حيث تكلّمت في أمر يستحيا منه فإنّ المرأة تستحي أن تتكلّم بهذا لا سيما إذا كانت تريد نفسها كما تدلّ عليه الرّوايات الأخرى: ( أنّه يقبّلها هي رضي الله عنها ) ، لكن في بيان الحقّ لا ينبغي أن يستحيا الإنسان من أيّ شيء، ولهذا قالت أمّ سليم لما سألت الرّسول صلّى الله عليه وسلّم عن المرأة تحتلم قالت مقدّمة لسؤالها: ( إنّ الله لا يستحي من الحقّ ، فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت ) ؟
والاستحياء من الحقّ لا يمدح بل يذمّ لأنّه خور وجبن من الإنسان المستحي، وأنت أيضا إذا استحييت من الحقّ فمعناه أنّك فوّضت القول بالحقّ أو فوّضت فعل الحقّ وهذا خلاف الإيمان.
ومن فوائد الحديث: جواز التّقبيل للصّائم، كيف ذلك؟
لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يقبّل وهو صائم، فإن قلت: الرّسول عليه الصّلاة والسّلام عبد غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر؟
نعم فالجواب: أنّ هذا أورد على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أورده عليه عمر بن أبي سلمة حين سأل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن القبلة للصّائم فقال: ( سل هذه -يعني: أمّ سلمة- فأخبرته أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يفعل ذلك، فقال يا رسول الله إنّ الله قد غفر ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر، فأخبر النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام بأنّه أعلم النّاس بالله وأتقاهم لله وأخشاهم له ) ، إذن هذا الإيراد أجاب عنه مَن؟
الطالب : النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
الشيخ : الرّسول عليه الصّلاة والسّلام، نقول: (( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر )) .
طيب وهل يستحبّ أن يقبّل وهو صائم أو يباشر وهو صائم؟
الطالب : لا يستحب.
الشيخ : يستحبّ يعني ما أقول هل يجوز؟
الطالب : لا.
الشيخ : هل يستحبّ؟
الطالب : لا.
الشيخ : لا، لكن بعض العلماء كابن حزم -رحمه الله- قال: إنه يستحبّ للإنسان أن يقبّل وهو صائم وأنّه يؤجر على ذلك، وأن يباشر وهو صائم ويؤجر على ذلك، ولكن هذا قول ضعيف جدّا، لأنّ فعل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لهذا ليس على سبيل التّقرّب والتّعبّد لكنّه بمقتضى الجبلّة والطّبيعة، وما كان كذلك فإنّه لا يقال: إنّه مستحبّ، لكن فعله في الصّيام يدلّ على الجواز. نعم لو فرض أنّ الإنسان فعله ليبيّن جوازه فهذا قد يقال: إنّه يؤجر لا من أجل التّقبيل أو المباشرة ولكن من أجل بيان السّنّة وتثبيتها، لأنّ النّاس قد يقبلون السّنّة بالفعل أكثر ممّا يقبلونها بالقول، فإذا كان مثلا رجل عنده ابنه مثلا أو أخوه، أخوه مثلا شاب، ولنقل ابنه لأنّ أخاه ما يتصوّر، هو شابّ مثلا وأبوه شيخ كبير، قبّل زوجته وأبوه يشهده، فأخذ عليه الخشبة يريد أن يضربه بها، قال: هذا حرام والعياذ بالله كيف تقبّل امرأتك هذه؟ فأعاد مرّة أخرى ليبيّن له الجواز، يؤجر بهذا؟
الطالب : نعم.
الشيخ : نعم ما دام يريد إظهار السّنّة فإنّه يؤجر، ولا شكّ أنّ إظهار السّنّة لا سيما في مثل الأمر الذي يستعظمه العامّة وهو ليس بعظيم، لا شكّ أنّ هذا من الأمور المطلوبة.
أمّا أن نقول: إنّه مستحبّ لذاته فهذا ليس بصواب بلا شكّ، ولا نقول: يطلب للصّائم أن يقبّل زوجته كما يطلب له أن يدعو الله ويذكر الله ويقرأ القرآن وما أشبه ذلك.
طيب واستدلّ بعض العلماء، أو نقول أيضا: فيه دليل على أنّه لا فرق بين الشابّ والشّيخ الدّليل؟
أنّنا نعلم أنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام كان ممّا حبّب إليه النّساء، وكان عنده قوّة ثلاثين رجلا عليه الصّلاة والسّلام، ولا شكّ أنّه يشتهي النّساء ومع ذلك يقبّل وهو صائم، فلا فرق بين الشّابّ والشّيخ وأما ما رواه أبو داود في التّفريق بينهما فضعيف لا تقوم به حجّة.
ويستفاد من هذا الحديث: أنّ من لا يملك نفسه فلا يفعلنّ هذا الفعل، لقولها: ( وكان أملككم لإربه ) فمن لا يملك نفسه بمعنى: أنّه يخشى إن باشر أن لا يملك نفسه فيجامع، فإنّنا نقول لا تفعل وإلاّ افعل؟
الطالب : لا تفعل.
الشيخ : لا تفعل، من باب سدّ الذّرائع، والنّاس يختلفون في قوّة الإيمان، وفي قوّة ملك النّفس، فإنّ بعض النّاس قد يمنعه إيمانه من التّجاوز من الحلال إلى الحرام، وبعض النّاس يمنعه أيضا ملكُه نفسَه وإن كان ليس قويّ الإيمان لكن رجل يملك نفسه تماما فيملك نفسه أن يفعل الشّيء المحرّم، نعم على كلّ حال النّاس يختلفون:
فالإنسان الذي يخشى على نفسه الوقوع في المحرّم نقول: سدّ الذّريعة على نفسك ولا تفعل، وسدّ الذّرائع أمر جاءت به الشّرائع، فإذا كان كذلك فلا تفعل، وأمّا إذا كنت لا تملك نفسك فلا.
يستفاد من هذا الحديث كما استفاده بعضهم: أنّه لو أنزل لم يفسد صومه، وجه الدّلالة قال: لأنّ المباشرة عند أكثر النّاس سبب للإنزال، أكثر النّاس لا سيما الشّاب قويّ الشّهوة سريع الإنزال لا يملك نفسه بلا شكّ، بعض النّاس إذا حدّث امرأته ربّما ينزل والنّاس يختلفون في هذا لأنّها طبائع تختلف النّاس فيها، فيرى بعض العلماء من هذا الحديث أو يستفيد من هذا الحديث: أنّ الإنزال بشهوة لا يفسد الصّوم ولو مع المباشرة والتّقبيل، وقال محتجّا لقوله: إنّكم تقولون إذا قبّل فقط أو باشر فقط بدون إنزال لم يفسد صومه، وإذا أنزل بدون تقبيل ولا مباشرة لم يفسد صومه، يعني: كما لو فكّر وأنزل فإنّه لا يفسد صومه، فما الذي جعلهما مجتمعين يفسدان الصّوم؟ أفهمتم الآن؟
الطالب : نعم.
الشيخ : طيب، يقرّر قوله هذا يقول: أنتم تقولون إذا قبّل ولم ينزل أو باشر ولم ينزل يفسد صومه أو لا؟
الطالب : لا.
الشيخ : لا يفسد صومه، طيب إذا أنزل بدون تقبيل ولا مباشرة بتفكير؟
الطالب : لا يفسد.
الشيخ : لا يفسد، كذا وإلاّ لا؟
الطالب : بلى.
الشيخ : يقول: ما الذي يجعلهما إذا اجتمعا فسد؟ يعني: إذا حصل تقبيل وإنزال أو مباشرة وإنزال فسد؟ هذا تقرير مذهبه، فما تقولون؟
الطالب : قويّ.
الشيخ : هاه؟ توافقون؟
الطالب : لا يا شيخ.
الشيخ : عبد الله؟
الطالب : لأن المباشرة هنا سبب للإنزال.
الشيخ : أي.
الطالب : ولذلك تتعدى الحد ... وهو الإنزال.
الشيخ : طيب.
الطالب : أقول إذا كان الإنزال ليس من فعله من التفكير فقط فقد عفي عنه
الشيخ : نعم.
الطالب : عفي عنه.
الشيخ : نعم.
الطالب : بالمباشرة والتقبيل بدون إنزال فلا حرج يقبل.
الشيخ : نعم زين، إذن نقول: يرتفع الحكم في الإنزال بلا مباشرة، بأنّه حديث نفس وقد عفا الله عن حديث النّفس.
ويرتفع الحكم بالنّسبة للمباشرة المجرّدة لهذا الحديث.
ونحن نقول: إذا أنزل بفعله فإنّ صومه يفسد، لأنّ قول عائشة رضي الله عنها : ( كان أملككم لإربه ) يشير إلى هذا، هذا واحدة.
ثانيًا: لا شكّ أنّ الإنزال شهوة وفي الحديث الصّحيح في ثواب الصّيام قال الله تعالى: ( يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي ) ، والمنيّ شهوة بدليل قول الرّسول عليه الصّلاة والسّلام : ( وفي بَضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: نعم، أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر ) والذي يوضع هو؟
الطالب : المنيّ.
الشيخ : المنيّ، هو الذي يوضع في الرّحم، فهذا أيضا يدلّ على أنّ الإنزال بالمباشرة أو التّقبيل مفطّر، ونحن قد نلتزم بأنّه بالتّفكير يفطّر الإنزال، لكن عندنا حديث: ( إنّ الله تجاوز عن أمّتي ما حدّثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلّم ) يعني: لولا هذا الحديث لقلنا إذا أنزل بالتّفكير أفطر واضح؟
طيب، ثانياً أو ثالثاً : أنّ بعض العلماء حكى الإجماع على أنّ الإنزال بالمباشرة والتّقبيل يفطّر، ففي *الحاوي للشّافعيّة نقل الإجماع على أنّه يفطّر، والموفّق في *المغني قال: لا نعلم فيه خلافا، والمذاهب الأربعة كلّها متّفقة على أنّه أي الإنزال بالمباشرة أو التّقبيل يفطّر، نعم، فالصّواب عندي: أنّ الإنزال بالمباشرة أو التّقبيل أنّه مفطّر للصّائم، والجواب عمّا أُورد سمعتموه.
طيب هل الإمذاء يفطّر؟
الطالب : لا.
الشيخ : إذا أمذى بمباشرة أو تقبيل؟
الطالب : لا.
الشيخ : لا يفطّر، لا شكّ في ذلك، أنّه يفطّر خلافا للمشهور من مذهب الإمام أحمد -رحمه الله-، فإنّ المشهور عند أصحابه أنّ الإمذاء بذلك مفطّر، والصّواب أنّه لا يفطّر للفرق العظيم بينه وبين الإنزال، فإنّ بينهما فروق كثيرة ولا يمكن إلحاق المذيّ بالمنيّ لا يمكن، لا يمكن من حيث الحقيقة ولا من حيث الأثر على الجسم، ولا من ناحية الأحكام المترتّبة على ذلك، لا يمكن لا يفطّر. فالحاصل الآن لدينا مباشرة وتقبيل بدون إنزال ولا مذي؟ هاه؟
الطالب : لا يفسدان.
الشيخ : لا يفسدان الصّوم، المباشرة والتّقبيل بدون إنزال ولا مذيّ لا يفسدان الصّوم قولا واحدا في المذهب، طيب المباشرة أو التّقبيل مع الإمذاء؟
الطالب : لا يفسد.
الشيخ : على المذهب يفسدان الصّوم والصّحيح؟
الطالب : لا يفسدان.
الشيخ : لا يفسد الصّوم، طيب مع الإنزال؟
الطالب : يفسد.
الشيخ : يفسدان الصّوم على القول الصّحيح وهو إمّا إجماع أو على الأقلّ المخالف في ذلك نادر.
فالصّحيح أنّه يفطّر، نعم.
أنّ تكرار النّظر حتى ينزل يفطّر، قال: لأنّ هذا فعل، وفيه خلاف هذا. مخصّص نعم، يعني مبين فإنّ قوله: (( فالآن باشروهنّ وابتغوا ما كتب الله لكم )) فعل الرّسول صلّى الله عليه وسلّم يبيّن أنّ المراد بالمباشرة الجماع.
الطالب : طيب هل عائشة تدعي الخصوصية في قولها : ( وكان أملككم لإربه ) ؟
الشيخ : بس هذه الخصوصيّة ممتنعة لمّا سأله.
الطالب : عارف، لكن قولها عن القبلة والمباشرة ما يشعر بكراهتها لها ؟
الشيخ : والله ما أعتقد أنّها تكره أن الرّسول يقبّلها مهما كان.
لا، هي تريد أن لا يندفع النّاس إلى هذا الفعل، فيصيرون ما يبالون، نعم ؟ إيش تقولون؟
رجل صار يكلّم زوجته ويداعبها بالقول ما منه أي فعل، لكن مع كثرة الكلام أنزل؟
الطالب : إن غلب على ظنّه أنّه ينزل.
الشيخ : لا لا ، هو غلب على ظنّه، عارف من نفسه، الظّاهر أنّه ما يفسد صومه وتحتاج إلى تأمّل، لأنّنا إذا قلنا أنّ تكرار النّظر لا يفطر في الإنسان فإنّ الأثر الحاصل بتكرار النّظر أكثر من الأثر الحاصل بالكلام ، فالظاهر أنّه ما يفسد صومه ، لكن ينبغي للإنسان أن يتوقّى هذا الشّيء إذا خاف الإنزال، الذي ينبغي له أن يتوقّاه.
والجهاد على رأي بعض العلماء إذا شرع فيه يجب إتمامه.
الطالب : ...
الشيخ : إي ما فيه شك أبدا، كما قال أهل العلم ، قال: إنّه ينبغي لمن شرع في عبادة أن لا يقطعها إلاّ لغرض صحيح.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما :( أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم ، واحتجم وهو صائم ). رواه البخاري .
احتجم: افتعل، يحتمل أنّ المعنى أنّه عليه الصّلاة والسّلام طلب من يحجمه، وهو كذلك، فمعنى احتجم أي: طلب من يحجمه، والحجامة إخراج الدّم من البدن بطريق معروف: وهو أن يجرح مكان الحجامة ويؤتى بوعاء صغير فيه أنبوبة متّصلة به، فيأتي الحاجم بعد أن يجرح المكان، يأتي الحاجم ثمّ يضع هذا الوعاء الصّغير .
الطالب : تغيّرت.
الشيخ : تغيّرت؟
الطالب : نعم .
الشيخ : أي طيّب، المهمّ هذه الحجامة السّابقة ، المعروفة منذ عهد الرّسول عليه الصّلاة والسّلام إلى أن أدركناها نحن في هذا العصر.
فالحاجم إذن .
ومن عادته الحجامة إذا فقدها مُرض وصار فيه دوخة وتعب حتى يحتجم، فالنّبيّ عليه الصّلاة والسّلام احتجم وهو محرم، وبالضّرورة سيحلق مواضع المحاجم من أجل الحاجة.
وقوله: ( واحتجم وهو صائم ) : أيضا جملة حاليّة وهو صائم وهنا أطلق الصّيام، فيحتمل أنّه في رمضان ويحتمل أنّه في غيره، يعني يحتمل أنّه في رمضان أو في غيره، وهل الرّسول عليه الصّلاة والسّلام كان محرما في غير رمضان؟ هاه؟
الطالب : نعم.
الشيخ : أي نعم، أحرم في عمرة الحديبية في ذي القعدة، وفي عمرة القضاء كذلك في ذي القعدة، وفي عمرة الجِعرّانة في ذي القعدة أيضا نعم، وفي حجّته في ذي القعدة أيضاً ولاّ لا؟
كلّ عمراته كانت في أشهر الحجّ، لكن الصّيام الذي ورد احتجم وهو صائم هل هو مقيّد في إحرامه أو هما جملتان منفصلتان؟
الواقع أنّ اللّفظ الذي في أيدينا هما جملتان منفصلتان، وأما ما جاء في بعض الرّوايات : ( احتجم وهو صائم محرم ) فهذا لا يصحّ ، لأنّه لم يكن الرّسول عليه الصّلاة والسّلام صائما محرما أبدا، إذ أنّ ذهابه إلى مكّة في وقت الصّيام كان في غزوة الفتح، ولم يكن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم محرمًا ، فالجمع بينهما وهم من بعض الرّواة.
أمّا : ( احتجم وهو محرم، واحتجم وهو صائم ) يعني فصل هذه عن هذه فهذا كما يقول المؤلّف رواه البخاري.
3 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما :( أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم ، واحتجم وهو صائم ). رواه البخاري . أستمع حفظ
فوائد حديث ( أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم ...).
الفائدة الأولى: جواز الحجامة للمحرم لقوله: ( احتجم وهو محرم ).
الثاني: أنه يجوز أن يحلق من الشّعر ما يحتاج إليه من الحجامة ليش؟
لأنّه من اللّازم ذلك، وجواز الملزوم يدلّ على جواز؟
الطالب : اللاّزم.
الشيخ : اللّازم.
ثالثًا: أنّه إذا حلق من رأسه مثل هذا القدر فليس فيه فدية، وبه نعرف ضعف قول من يقول: إنّ الإنسان إذا أخذ شعرة من رأسه واحدة فعليه طعام مسكين، فإن أخذ اثنتين فطعام مسكينين، فإن أخذ ثلاث شعرات ففدية من صيام أو صدقة أو نسك، فهذا القول ضعيف، ولا يعدّ مَن أخذ ثلاث شعرات من رأسه لا يعدّ حالقا أبدًا، والله عزّ وجلّ يقول: (( لا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محلّه فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية )) والكلام على إيش؟
الطالب : على حلق الرّأس.
الشيخ : على حلق الرّأس، أمّا أخذ شعرة أو شعرتين فهذا ليس فيه شيء.
فإن قلت: إنّ الذي أسقط الفدية هنا الحاجة إلى أخذ الشّعر ؟
فالجواب: الحاجة لا تسقط الفدية، لأنّ الله قال: (( فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية )) وهذه الصّورة حاجة ولاّ لا؟
حاجة، ولهذا كعب بن عجرة رضي الله عنه حلق رأسه لأنّه جيء به إلى النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام والقمل يتناثر على وجهه من رأسه، لأنّه كان مريضا، والمريض تكثر معه الأوساخ ويضعف معه البدن وتكثر فيه القمل، فقال له النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام: ( ما كنتُ أُرى الوجعَ بلغ بك ما أَرى ) ثمّ رخّص له أن يحلق وأن يفدي بصيام أو صدقة أو نسك، واضح؟
الطالب : واضح.
الشيخ : إذن نقول: إنّ الحاجة إلى حلق هذا الجزء اليسير من الرّأس من أجل الحجامة لا تسقط الفدية، لأنّها لو وجبت ما أسقطتها الحاجة بدليل حديث كعب بن عجرة.
وعلى هذا فنقول: إنّ أقرب الأقوال في هذا الباب أي في حلق الشّعر، أقرب الأقوال مذهب مالك رحمه الله : أنّه إذا حلق ما يزول به الأذى وجبت الفدية، وإن حلق دون ذلك فلا فدية عليه لكن يحرم عليه أن يحلق إلاّ لحاجة.
طيب في هذا الحديث أيضا دليل على جواز الحجامة للصّائم، لقوله: ( احتجم وهو صائم ) وإلى هذا ذهب أكثر الفقهاء :
أنّ الحجامة للصّائم لا تفطّر ، لأنّها ليست أكلا ولا شربا ولا جماعا ولا بمعنى الأكل والشّرب وعلى هذا فلا تفطّر، والله عزّ وجلّ يقول: (( فالآن باشروهنّ وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر )) .
فإن قلت: ألا يحتمل أنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام احتجم وهو صائم ثمّ قضى، يعني أفطر ثمّ قضى؟ هاه؟
الجواب: نعم إنّه يحتمل لا شكّ، هذا الاحتمال وارد، لكن لو كان الأمر كذلك لنقل.
ثمّ إنّ مثل هذا السّياق يقتضي أنّه سيق للاستدلال به على أنّ الصّائم لا تؤثّر عليه الحجامة، فيكون هذا الإيراد غير وارد، كما نقول في قوله: ( احتجم وهو محرم ) أفلا يجوز لأنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام فدى ؟
الطالب : يجوز.
الشيخ : يجوز، لكن الظّاهر خلاف ذلك، إذ لو فدى لنقل.
طيب إذن يؤخذ من هذا الحديث جواز الحجامة للصّائم، وأنّها لا تفطّره.
فإن قلت: أفلا يكون الرّسول عليه الصّلاة والسّلام احتاج إلى الحجامة ومعلوم أنّ الصّائم إذا احتاج إلى الأكل والشّرب بحيث يتضرّر بفقدهما في أثناء النّهار يجوز له أن يأكل أو يشرب ولاّ لا؟
الطالب : نعم.
الشيخ : يجوز، فيمكن الرّسول عليه الصّلاة والسّلام لكونه يحتجم كثيرا يمكن أنّه احتاج إلى الحجامة في ذلك اليوم فاحتجم.
فالجواب أن نقول:
ليس الكلام في جواز الحجامة من عدمها، نحن قلنا: ما احتجم إلاّ والحجامة جائزة له إمّا لكونها جائزة للصّائم مطلقا، وإمّا لكونها جائزة عند الحاجة، وليس كلامنا في هذا، الكلام في هل تفطّر أو لا؟
فظاهر الحديث أنّها لا تفطّر، لأنّها لو كانت تفطّر لنقل عنه أن قضى هذا الصّوم، وأنّه أفطر ذلك اليوم.
وعن شداد بن أوس رضي الله عنه :( أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى على رجل بالبقيع وهو يحتجم في رمضان ، فقال : أفطر الحاجم والمحجوم ) . رواه الخمسة إلا الترمذي ، وصححه أحمد وابن خزيمة وابن حبان .
نعم، هذا أيضا الحديث يقول: مرّ على رجل بالبقيع، والمراد بالبقيع ما حوله، لأنّ البقيع هو المقبرة التي هي مدفن موتى أهل المدينة ، والظاهر أنّ النّاس لا يكونون في نفس المقبرة يحتجمون لما في ذلك من تلويث المقبرة بالدّم وغير ذلك، ولكن يعني بالبقيع ما حولها ، إلاّ أن يراد بالبقيع كلّ ذلك المكان، يعني ما فيه من القبور وما كان خارجا عنه فيصحّ.
على كلّ حال مسألة المكان لا يهمّ، المهمّ أنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام قال: ( أفطر الحاجم والمحجوم ) الحاجم مَن هو؟
الطالب : فاعل الحجامة.
الشيخ : فاعل الحجامة، والمحجوم المفعول به، فالحاجم مثل الحلاّق، والمحجوم المحلوق، كذا؟
الطالب : نعم.
الشيخ : طيب، قوله عليه الصّلاة والسّلام: ( أفطر الحاجم والمحجوم ) هو كقوله: ( إذا أقبل اللّيل من هاهنا وأدبر النّهار من هاهنا وغربت الشّمس فقد أفطر الصّائم ) أفطر يعني: حلّ له الفطر؟
الطالب : نعم.
الشيخ : طيب هنا: ( أفطر الحاجم والمحجوم ) يعني حلّ لهما الفطر؟
الطالب : لا.د
الشيخ : لا، لكن هذا يختلف عن ذاك، لأنّ القول الرّاجح في ذاك: ( فقد أفطر الصّائم ) أي: حلّ له الفطر وليس المعنى فقد أفطر حكما كما قيل به.
أمّا هنا فقد أفطر يعني: أفسد صومه فأفطر، هذا معنى الحديث.
وقوله: ( أفطر الحاجم والمحجوم ) فيه إفطار الرّجلين، أمّا المحجوم فالفطر في حقّه معقول المعنى، ما هو؟
هو ما يحصل له من الضّعف بخروج الدّم، الضّعف الذي يوجب ضرر البدن وطلب البدن الأكل والشّرب حتى يعوّض ما نقص بخروج ذلك الدّم، والإنسان في صومه جعله الله سبحانه وتعالى يكون وسطاً بين الإفراط والتّفريط : بين أن يأكل ويشرب ليقوّي البدن بالغذاء، وبين أن يحتجم ويستقيء فيضرّ البدن بفقد الغذاء أو بفقد الدّم:
بفقد الغذاء بالقيء أو بفقد في الحجامة، فراعى الشّرع جانب العدل بالنّسبة للبدن: لا إفراط ولا تفريط.
فجعل ما أدخل البدن ممّا يقوّيه جعله مفطّرا، وما أخرجه ممّا يضعفه جعله أيضا مفطّرا حتى يقوم البدن بالعدل لا إفراط ولا تفريط، وهذا من الحكمة العظيمة، فعلى هذا نقول: الحكمة في كون المحجوم يفطر هو ما يحصل للبدن من الضّعف الذي يحتاج معه إلى مادّة غذائيّة يستعيد بها قوّته، وعليه فإن كان الإنسان في ضرورة إلى الحجامة احتجم، وقلنا له: كل واشرب ولو في رمضان إذا كان في ضرورة، لأنّ بعض النّاس لا سيما الذين يفعلون الحجامة إذا فقدوها أحياناً يُغمى عليهم ويموتون، فإذا بلغ الإنسان إلى هذا الحدّ فنقول: احتجم وكل واشرب وأعد للبدن قوّته، وإذا لم يصل إلى هذا الحدّ وكان بإمكانه أن يصبر إلى غروب الشّمس قلنا له: في الفرض يحرم عليك أن تحتجم، ولا يجوز، بل تبقى إلى أن تغرب الشّمس وتفطر، أمّا الآن فلا، إن كان في نفل فالأمر واسع فيه، لأنّ النّفل يجوز للإنسان أن يأكل فيه ويشرب ولو بلا عذر أعرفتم؟
طيب إذن عرفنا الحكمة بالنّسبة لمن؟
الطالب : للمحجوم.
الشيخ : بالنّسبة للمحجوم، طيب بالنّسبة للحاجم؟
بالنّسبة للحاجم قد تكون الحكمة خفيّة وهي كذلك، الحكمة في الحقيقة بالنّسبة للحاجم خفيّة جدّا، ولهذا ذهب بعض العلماء إلى أنّ الحاجم لا يفطر، والمحجوم يفطر، لكنّ هذا القول كما تنظرون ضعيف جدّا ليش؟
الطالب : مصادم.
الشيخ : مصادم كيف؟ تأخذ ببعض النّصّ وتدع بعضا لا يمكن هذا، هذا ليس بعدل في جانب النّصوص.
وقال بعضهم: الحكمة في المحجوم ظاهرة وفي الحاجم تعبّديّة ما ندري، نحكم بما حكم به الرّسول عليه الصّلاة والسّلام ولا ندري، وبناء على قولهم: فالحاجم يفطر بأيّ وسيلة حجم، لأنّ المسألة تعبّديّة.
وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة: " بل الحكمة معقولة فيهما، أمّا في المحجوم فقد سبقت وهي الضّعف الذي ينهك البدن، وأمّا بالنّسبة للحاجم فلأنّ الحاجم يمصّ القارورة والدّم قد يكون غزيرا خرج بسرعة وبشدّة فينفذ إليه من القارورة دم وهو لا يشعر لشدّة المصّ ، لأنّه يمصّ بقوّة يشفط شفطا قويّا فربّما يتهرّب من الدّم إلى بدنه وهو لا يشعر، فجعلت هذه المظنّة بمنزلة المئنّة، قال ونظيره النّائم ينام والنّوم ليس بحدث ولكنه مظنّة الحدث " ، فصار النّوم ناقضا للوضوء وإن كان قد لا يحدث منه ناقض ، فشيخ الإسلام رحمه الله يرى أنّ الحكمة معقولة في الطّرفين: في الحاجم والمحجوم .
قال: " وبناء على ذلك لو حجم بغير هذه الطّريقة المعروفة فإنّ الحاجم؟
الطالب : لا يفطر.
الشيخ : لا يفطر " ، وأنتم قلتم لي الآن أنّهم بدأوا يحجمون بغير هذه الطّريقة، فلو فرض أنّه حجم بآلة تمصّ بدل مصّ الآدميّ فإنّه لا يفطر بناء على أنّ العلّة معقولة ، وإذا كانت العلّة معقولة فالحكم يدور معها وجوداً وعدماً، لكن المشهور من مذهب الحنابلة أنّ الحكمة غير معقولة، والغريب أنّها عندهم غير معقولة في الطّرفين، ولهذا قالوا: لو فصد الإنسان فصدًا وخرج به من الدّم أكثر ممّا خرج به بالحجامة فإنّه لا يفطر، لأنّ الحكمة غير معقولة تعبّديّة، لو فصد أو شرط فإنّه لا يفطر، عرفت؟
الطالب : ما هو الفصد؟
الشيخ : الفصد هو: أن يشقّ العرق عرضا حتى يخرج الدّم. وأمّا الشّرط أن يشقّه طولا حتى يخرج الدّم، والفصد أن يشقّه؟
الطالب : عرضا.
الشيخ : عرضا حتى يخرج الدّم، عشان يخرج الدّم الفاسد، إذا هاج بالإنسان الدّم فعلوا به هكذا.
قال شيخ الإسلام : " والأصلح في البلاد الحارّة الحجامة، وفي البلاد الباردة الفصد أو الشّرط ، لأنّ البلاد الباردة يغور فيها الدّم، ينزل إلى باطن البدن من أجل البرودة الخارجيّة، فكان الفصد أو الشّرط أبلغ من الحجامة في استخراج الدّم الفاسد ، وأمّا في البلاد الحارّة فإنّ الدّم يخرج ويبرز على ظاهر الجلد فتكون الحجامة أنفع وأفيد " .
نعم على كلّ حال هذه مسائل طبّيّة ما نعرفها.
الآن نشوف: في هذا الحديث قال الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: ( أفطر الحاجم والمحجوم ) ونحن إذا أخذنا بظاهره قلنا فسد صومهما، والعلّة عرفتم الآن أنّ للعلماء فيها ثلاثة أقوال:
قول: أنّها معقولة فيهما، وقول: أنّها غير معقولة فيهما، وهذان قولان متقابلان.
والثالث: أنّها معقولة في المحجوم غير معقولة في الحاجم، نعم طيب .
الطالب : الرابع قول شيخ الإسلام.
الشيخ : لا، هو كلام شيخ الإسلام معقولة فيهما.
5 - وعن شداد بن أوس رضي الله عنه :( أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى على رجل بالبقيع وهو يحتجم في رمضان ، فقال : أفطر الحاجم والمحجوم ) . رواه الخمسة إلا الترمذي ، وصححه أحمد وابن خزيمة وابن حبان . أستمع حفظ
فوائد حديث ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى على رجل بالبقيع ...).
على السّبب الظّاهر المعلوم وهي: الضعف بسبب الحجامة .
البدن يضعف فيحتاج إلى الفطر فيفطر بماذا؟
الطالب : بالأكل والشرب.
الشيخ : بالأكل والشّرب فخرج عن ظاهر الحديث، لأنّ ظاهر الحديث الإفطار بالحجامة وهؤلاء يقولون: لا، كادا يفطران، ليس أفطرا بل كادا يفطران.
أمّا الحاجم فقالوا: نعم يكاد يفطر لأنّه لو شفط بقوّة دخل الدّم إلى جوفه فأفطر، لكن لو شفط شيئا فشيئا لم يفطر فالمعنى: كاد يفطر الحاجم لأنّه ربّما شفط بقوّة فأفطر، إذن على قول هؤلاء يكون: ( أفطر الحاجم والمحجوم ) : كادا يفطران ولم يفطرا ولاّ لا؟
لأنّ المحجوم لو تصبّر مع الضّعف حتى غربت الشّمس وأكل وشرب صحّ صومه.
والحاجم لو تأنّى رويدا رويدا صحّ صومه.
طيب وقلت: وإحالة في الحكم على السّبب الظّاهر، ما هو السّبب الظّاهر في الحديث الذي أفطر به الحاجم والمحجوم؟
الطالب : الحجامة.
الشيخ : الحجامة، هم يقولون: لا، إنّ الرّجلين كانا يغتابان النّاس، كل واحد منهم يجيب واحد ويفتحه وينهش من هاللّحم، نعم، كانا يغتابان الناس فقال الرّسول عليه الصّلاة والسّلام: ( أفطر الحاجم والمحجوم ) ، وهذا التّأويل هو في الحقيقة تحريف:
أوّلاً: لأنّهم هم يقولون: إنّ الغيبة لا تفطّر، وهذا من الغرائب، يقولون: إنّ الغيبة لا تفطّر ولما قال الرّسول: ( أفطر الحاجم والمحجوم ) قال كانا يغتابان النّاس، وأنتم تقولون الغيية ما تفطّر، يعني: لو اغتابوا النّاس بدون حجامة ما أفطروا، وإن اغتابوا النّاس وحجموا أفطروا! إيش هذا ما يصلح، ما يستقيم. الشّيء الثاني: أنّه من الجناية على النّصّ أن نلغي الوصف الذي عُلّق عليه الحكم ثمّ نذهب نلتمس وصفا آخر، وصفا آخر نعلق به الحكم، فإنّ هذا جناية على النّصوص، ولاّ لا؟
الطالب : بلى .
الشيخ : هذه بلا شكّ جناية على النّصوص، وما مثل هؤلاء إلاّ مثل من قالوا في المرأة المخزوميّة التي كانت تستعير المتاع وتجحده، ( فأمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بقطع يدها ) فقالوا: إنّ هذه المرأة ما أمر الرّسول بقطع يدها لأنّها استعارت فجحدت ولكن لأنّها كانت تسرق.
وما مثل هؤلاء أيضا إلاّ كمثل قول من قال: إنّ قول النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام: ( بين الرّجل وبين الشّرك والكفر ترك الصّلاة ) أو ( العهد الذي بيننا وبينهم الصّلاة فمن تركها فقد كفر ) قالوا: إنّ المراد من جحدها، إذا كان المراد الذي جحدها فالذي يجحد ولو صلّى كلّ وقت في وقته ومع الجماعة فهو كافر، فكيف نلغي الوصف الذي علّق عليه الحكم ثمّ نجلب له وصفا آخر لم يذكره الشّرع؟!!!
فالمهمّ أنّ مثل هذه الأمور من أهل العلم عفا الله عنّا وعنهم يحمل عليها أنّهم يعتقدون قبل أن يستدلّوا، فيكون عند الإنسان حكم معيّن تقليدا لمذهب من المذاهب أو اختيارا من عند نفسه ثمّ تأتي النّصوص بخلاف ذلك المذهب أو ذلك الفهم، فيحاول أن يصرف النّصوص إليها ولو بضرب من التّعسّف، والحقيقة أنّ هذه ليست طريقاً سليماً، إذ أنّ الإذعان والتّسليم المطلق هو الذي يجعل النّصوص متبوعة له لا تابعة، بمعنى أنّه إذا دلّت النّصوص على شيء يأخذ به، وهو سيحاسب على ما دلّت عليه النّصوص، والحكم بين النّاس إلى من؟
الطالب : إلى الله.
الشيخ : إلى الله ورسوله، فإذا دلّ كلام الله ورسوله على شيء من الأشياء فالواجب علينا أن نأخذ به مهما كان، والخطر علينا إذا خالفنا هذا الظّاهر ليس إذا أخذنا به، الخطر علينا إذا خالفنا هذا الظّاهر.
إذن فهذا الحديث يدلّ على أنّ الحاجم والمحجوم يفطران، يبقى النّظر ما الجواب عن حديث ابن عبّاس السّابق؟
الجواب عليه: أنّ الإمام أحمد رحمه الله ضعّف رواية: ( احتجم وهو صائم ) ، وقال : إنّ ذلك لا يصحّ ، وأنّه انفرد به أحد الرّواة عن ابن عبّاس، وأنّ غيره خالفه فيها، وإذا كان الأمر كذلك فإن مخالفة الثّقات في نقل الحديث تجعله شاذّا، وإن كان المخالف ثقة.
والحديث الذي معنا حديث شدّاد بن أوس قال البخاري: " إنّه أصحّ شيء في الباب " ، والغريب أنّ هذا الحديث جعله بعض العلماء من المتواتر ، لأنّه رواه عدد كبير عن الرّسول عليه الصّلاة والسّلام في إفطار الحاجم والمحجوم، حتى قالوا: إنّه من المتواتر.
فالإمام أحمد رحمه الله ذهب إلى أنّ الحديث وهم ( احتجم وهو صائم ) .وبعضهم قال: إنّ الحديث منسوخ بحديث شدّاد ، لأنّ حديث شدّاد بن أوس كان في السّنة الثامنة، وحديث ابن عبّاس كان في عمرة الحديبية أو عمرة القضاء فهو سابقٌ.
وعلى قاعدة بعض العلماء يقولون: حديث ابن عبّاس من فعل الرّسول، وحديث شدّاد من قوله، وفعله لا يعارض قوله، والحكم للقول لا للفعل، وهذه طريقة الشّوكاني -رحمه الله- وجماعة من أهل العلم، ولكن هي ليست بطريقة مرضيّة عندنا كما سبق إذا أمكن الجمع.
طيب لكن يبقى عندنا حديث آخر بعد هو الذي قد يعارض الحديث الذي نحن الآن بصدده، وهو:
" عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ( أول ما كرهت الحجامة للصائم أن جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائم، فمرَّ به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أفطر هذان، ثم رخّص النبي صلى الله عليه وسلم بعد في الحجامة للصائم ، وكان أنس يحتجم وهو صائم ). رواه الدارقطني وقواه " :
أظنّ انتهى الوقت؟ حديث ابن عبّاس كان متقدّماً، نعم؟
الطالب : هذا على أي قول؟
الشيخ : هذا كلّه على القول بأنّ الحجامة تفطّر، وذكرنا لكم أنّ هذا هو قول فقهاء الحديث: كأحمد بن حنبل وابن المنذر وابن خزيمة وكذلك هو قول الظّاهريّة، وأنّه أرجح من القول بأنّه لا يفطّر، وذكرنا أيضا أنّ هذا هو مقتضى النّظر والقياس، أليس كذلك؟
الطالب : بلى.
الشيخ : قلنا: القياس يقاس على حديث القيء حديث أبي هريرة : ( من استقاء عمدا فليقض ) : والعلّة الجامعة بينهما أنّ كلّ واحد منهما سبب للضّعف.
أمّا مقتضى النّظر فلأنّ الشّارع جعل الصّائم يكون معتدلاً بالنّسبة لشهواته فلا ينال منها ما يشتهيه، ولا يُحرم منها ما يضرّه فقده، فيكون متوازنا، فالأكل والشّرب يغذّي البدن والحجامة بالعكس والاستقاء كذلك بالعكس، فجعل الشّارع الأمر معتدلا.
ثمّ نقول بناء على ذلك: إن كنت محتاجا إلى الحجامة ولا بدّ فاحتجم وكل واشرب ولو في رمضان واقض يوما مكانه، وإن كنت غير محتاج إلى الحجامة فأبق على نفسك قوّتها وانتظر حتّى تغرب الشّمس، فيه الحديث الذي يأتينا الآن.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال :( أول ما كرهت الحجامة للصائم أن جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائم ، فمر به النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أفطر هذان ، ثم رخص النبي صلى الله عليه وسلم بعد في الحجامة للصائم ، وكان أنس يحتجم وهو صائم ). رواه الدار قطني وقواه .
أوّل كيف نعربها؟
الطالب : مبتدأ.
الشيخ : مبتدأ، أين الخبر؟
الطالب : ...
الشيخ : أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر من جملة فهي مصدر.
طيب: ( أوّل ما كرهت ) : كُرِه، الكراهة في لسان الشّارع غير الكراهة في عرف الفقهاء، الكراهة في لسان الشّارع للشّيء المحرّم الذي قد يكون شركا أكبر، اقرأ قول الله تعالى: (( وقضى ربّك ألاّ تعبدوا إلاّ إيّاه وبالوالدين إحسانا )) إلى أن قال: (( كلّ ذلك كان سيّئه عند ربّك مكروهاً ))، نعم، واقرأ ما جاء في الحديث عن النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام : ( إنّ الله كره لكم وأد البنات ): وأد البنات من كبائر الذّنوب.
فالكراهة في لسان الشّارع غير الكراهة في عرف الفقهاء، في عرف الفقهاء الكراهة منزلة بين التّحريم والإباحة، فيعرّفون المكروه بأنّه: ما نُهي عنه لا على سبيل الإلزام بالتّرك، ويقولون في حكمه: يثاب تاركه امتثالا ولا يعاقب فاعله، فهو بمنزلة بين المنزلتين بالنّسبة للمباح والمكروه.
فهنا الكراهة في لسان الشّارع لأنّ الاصطلاح على أنّ الكراهة وسط في منزلة بين المنزلتين هذا اصطلاح متأخّر.
وقوله: ( كرهت الحجامة للصّائم أنّ جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه احتجم وهو صائم ) : جعفر بن أبي طالب كان أخا؟
الطالب : لعليّ بن أبي طالب.
الشيخ : لعليّ بن أبي طالب، لكنّ عليّا رضي الله عنه يكبره في المرتبة وسبق الإسلام وأنّه أحد الخلفاء الرّاشدين، نعم .
( احتجم وهو صائم فمرّ به النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: أفطر هذان ) : المشار إليهما الحاجم والمحجوم .
( ثمّ رخّص النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعد في الحجامة للصّائم وكان أنس يحتجم وهو صائم ):
نعم نقول هذا الحديث: ( أفطر هذان ) المشار إليهما الحاجم والمحجوم كما قلت، فهل غيرهما مثلهما؟
الجواب: نعم، يعني غير هذين الشّخصين مثلهما في الحكم لأنّه سبق لنا قاعدة مهمّة أنّ ما ثبت في حكم الواحد في هذه الأمّة فهو له ولغيره ممّن ساواه في المعنى الذي عُلّق عليه الحكم، انتبه لهذه النّقطة، ممّن ساواه في المعنى الذي علّق عليه الحكم، ما هو لكلّ واحد من النّاس، لمن ساواه.
مثال ذلك: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حين رأى رجلا في السّفر قد ظلّل عليه والنّاس زحام حوله، قال: ( ليس من البرّ الصّيام في السّفر ) هل نأخذ هذا على عمومه؟
الطالب : لا.
الشيخ : لا، ما نقول كلّ النّاس ليس من البرّ الصّيام في حقّهم، بل نقول: الرّجل الذي يبلغ به الصّيام ما بلغ بهذا الرّجل ليس الصّوم في السّفر بالنّسبة إليه من البرّ واضح؟
أي نعم، طيب إذن الحجامة لا نعقل لها معنى يختصّ بجعفر بن أبي طالب وحاجمه، بل نجد أنّ معناها شامل عامّ فكلّ من حجم أو احتجم فإنّه داخل في هذا الحكم.
ولكن هل يدخل عليه بالنّصّ أو يدخل عليه بالقياس؟ نعم؟
الطالب : بالنّصّ.
الشيخ : كلمة : هذان كما مرّ علينا اسم الإشارة يعيّن المشار إليه ولهذا كان اسم الإشارة أحد المعارف، فهو يعيّن المشار إليه كما لو قلت: أفطر جعفر وفلان أعني: الحاجم له، فهي تعيّن المشار إليه، فهل نقول: إنّ الحكم في غيرهما ثابت بالقياس عليهما؟
الجواب: هذا هو الظّاهر، نعم، أنّه بالقياس.
وقد يقول قائل: لا، بل إنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام إذا نصّ على شخص بعينه فهذا النّصّ المعيّن لهذا الشّخص كالتّمثيل لقاعدة عامّة ، فعليه نأخذ بعموم المعنى، ويكون غيرهما داخلا في العموم المعنويّ ويكون ذكر هذا الشّيء المعيّن كالتّمثيل فقط، ومن ثَمّ قيل: " العبرة بعموم اللّفظ لا بخصوص السّبب "، أيّا كان فالحكم لهما ولغيرهما لكن نقول: ( ثمّ رخّص النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعد في الحجامة للصّائم ) .
وفي بعض ألفاظ الحديث أنّما رخّص من أجل الضّعف، إنّما جعلت الحجامة أو كرهت من أجل الضّعف ثمّ رخّصت، فإذا كان كراهة الحجامة من أجل الضّعف فإنّ المعروف أنّ الضّعف؟ هاه؟
الطالب : لا يجوز.
الشيخ : لا يجوز، وما علّق الحكم به على أمر لا يجوز فإنّ نسخه لا يمكن إلاّ أن تزول تلك العلّة التي من أجلها شرع الحكم.
نعم قال: " ( وكان أنس يحتجم وهو صائم ) رواه الدّارقطني وقوّاه " :
أنا بأشوف الإخوان منكم المحدّثين لأنّ الدّارقطني ما هو عندي، يخرّج لنا هذا الحديث، لأنّه إذا صحّ هذا الحديث فربّما يكون فيصل المسألة، نعم، من الذي عنده الدّارقطني؟
الطالب : في المكتبة.
الشيخ : عندنا هنا؟
7 - وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال :( أول ما كرهت الحجامة للصائم أن جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائم ، فمر به النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أفطر هذان ، ثم رخص النبي صلى الله عليه وسلم بعد في الحجامة للصائم ، وكان أنس يحتجم وهو صائم ). رواه الدار قطني وقواه . أستمع حفظ
فوائد حديث ( أول ما كرهت الحجامة للصائم أن جعفر بن أبي طالب ...).
أوّلًا: الرّسول عليه الصّلاة والسّلام قال: ( أفطر هذان ) بعد أن رآهما يحتجمان، ومن المعلوم أنّ هذين المحتجمين لا يعلمان الحكم لأنّهما لو علما الحكم ما فعلاه، ما احتجما ، يعني طيّب ما حصلت الحجامة، فكيف قال: ( أفطر هذان ) : والقاعدة عندنا: " أنّ المحظور إذا فعل على سبيل الجهل فإنّه لا يؤثّر " ، فكيف نخرّج هذا الحديث؟
لأنّك إن قلت: إنّهما كانا عالمين فهو بعيد أن يكونا عالمين بأنّ الحجامة تفطّر نعم ثمّ تجري الحجامة منهما، وإن قلت: غير عالمين فقد حكم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بأنّهما أفطرا، نعم؟
الطالب : للضرر عليهما.
الشيخ : إيش؟
الطالب : للضرر عليهما.
الشيخ : إي
الطالب : لما احتجما وقع الضرر عليهما فإن لم يفطرا لأصابهما الضعف.
الشيخ : نعم، نعم يا حمد؟
الطالب : أفطر جنس هذا أو نوع هذا.
الشيخ : أي طيّب.
الطالب : هذا ليس لتعيين شخصه هذا ، بل هو حكم من فعله.
الشيخ : طيب، هذا الذي قاله حمد: بأنّه باعتبار على الجنس أو النّوع، نعم؟
الطالب : أن يكون بأن سبب الفطر ممكن، لكن هما لا يعلمان به، وهو بالنّسبة للحاجم فيه شك من الدم، وبالنّسبة للمحجوم الضّرر.
الشيخ : طيب هو الواقع أنّ الجواب على أحد أمرين:
إمّا ما قاله الأخ حمد والمراد ( أفطر هذان ) بمنزلة قوله: ( أفطر الحاجم والمحجوم ) فيكون المراد أفطر هذا النّوع من النّاس الذي حجم واحتجم، هذا قول.
قول ثاني : أنّ المراد بيان أنّ الحجامة تفطّر وأنّ الحجامة سبب، بقطع النّظر عن كون هذين الرّجلين ينطبق عليهما شروط الفطر أو لا ينطبق، واضح؟ فيكون هنا كأنّ في الحديث إيماء إلى بيان سبب الفطر لا إلى الحكم بكون هذين الرّجلين قد أفطرا، وهذا هو الذي نقله ابن القيّم في *إعلام الموقّعين* عن شيخه ابن تيميّة رحمه الله يقول: " إنّ المراد هو بيان أنّ هذا الفعل مفطّر أمّا كون هذين الرّجلين مفطران فهذا يعلم من أدلّة الكتاب الأخرى " ، وهذا الحمل واجب ، لأنّ لدينا نصوصا عامّة صريحة واضحة في أنّ الجاهل معذور بجهله، فيجب أن تحمل هذه النّصوص المتشابهة على النّصوص المحكمة، وهذه القاعدة أنا أريد منكم جميعا أن تفهموها : " أنّ النّصوص المتشابهة المحتملة لأمرين أحدهما ممّا تقرّه القواعد العامّة، والثاني ممّا لا تقرّه فيجب أن يحمل على القواعد العامّة إذا كان الحمل ممكنا، أمّا إذا لم يكن ممكنا فإنّه يبقى هذا مخصّصا للعموم ويثبت الحكم فيه بخصوصه " ، لا يتعدّاه إلى غيره، فلو فرض أنّنا لم نجد محملا لهذا الحديث قلنا نخصّه بالحالة الواقعة فقط ونقول: من أفطر بالحجامة ولو جاهلا بأنّها تفطّر فعليه القضاء يكون مفطرا، وفي غيرها لا قضاء عليه -معنا يا أحمد؟-
الطالب : هل يلزم من إفطارهما أن يعلما أن الحجامة تفطر ، فلو جامع الإنسان وهو جاهل بالحكم ؟
الشيخ : يعني ما يدري أنه حرام.
الطالب : لا، يعني نقول: إن هذه ترفع الإثم ، مثلا لو جامع إنسان جاهلا برمضان.
الشيخ : جاهلا الحكم وإلاّ؟
الطالب : جاهلا أن الجماع يفطّر.
الشيخ : يحسب أنّه حرام ولا يفطّر؟
الطالب : لا يعلم أنه حرام.
الشيخ : أو يحسب أنّه جائز؟
الطالب : يظنّ أنّه جائز.
الشيخ : هذا ما عليه شيء.
الطالب : ولا القضاء ؟
الشيخ : نعم على القاعدة، ما عليه قضاء ، قال: أنا أحسب الذي يفطّر هو الأكل والشّرب وأنّ الجماع ما فيه شيء قلنا : ما عليك شيء ، لأنّ أصلا هذا الإنسان ما تعمّد المعصية : (( وليس عليكم جناح في ما أخطأتم به ولكن ما تعمّدت قلوبكم )) فإذا ارتفع عليه الإثم ارتفع موجبه.
الطالب : في باب التسمية يا شيخ !
الشيخ : هاه؟
الطالب : في باب وجوب التسمية! قلنا أن من نسيها يرفع عنه الإثم !
الشيخ : أي صحيح.
الطالب : لو صلّى مثلا وهو!
الشيخ : محدثا.
الطالب : محدثا هنا يرتفع عنه الإثم ولكن يلزمه إعادة الصّلاة.
الشيخ : نعم.
الطالب : كيف الجمع؟
الشيخ : الجمع بينهما يقول العلماء: إن فعل المأمور المطلوب إيجاد هذا الشّيء، ترك المحظور المطلوب التّخلّي عنه، وما دام هذا الإنسان باشر المحظور جاهلا أو ناسيا ما عليه شيء، ولا يستفيد .
والصّحيح أنّ الأكل والشّرب بالنّسبة للصّائم من باب ترك المحظور لأنّه ترك، طيب إذن زال الإشكال، ما دام حملناه على الجنس يعني أو النّوع، أو على بيان السّبب فما الحكم إذن بالنّسبة لجعفر وحاجمه حسب القواعد العامّة؟ أنّهما لا فطر عليهما، لأنّهما لا يعلمان إذ يبعد من حالهما أن يعلما أن ذلك محرّم ثمّ يُقدما عليه.
طيب ويستفاد من هذا الحديث إذا صحّ: جواز النّسخ في الأحكام، يعني أنّ الله عزّ وجلّ يغيّر الأحكام من حكم إلى آخر كذا؟ وهذا ثابت بالقرآن والسّنّة والإجماع، إلاّ أنّ أبا مسلم الأصفهاني -رحمه الله- ما هو الخراساني القائد المعلروف في بني العبّاس، الأصفهاني يقول: إنّ النّسخ ليس بجائز، ويحمل ما ورد على ذلك على أنّه تخصيص، وكيف التّخصيص؟
قال: لأنّ الحكم الأصل أن يثبت في جميع الزّمان، من أوّل ما شرع إلى يوم القيامة، هذا الأصل، طيب إذا نسخ فمعناه رُفع الحكم في ما بقي من زمنه، فيكون ذلك تخصيصا باعتبار الزّمن، وليس باعتبار آحاد العاملين.
فمثلا إذا كان هذا الحكم: (( حرّمت عليكم الميتة )) إلى متى؟
الطالب : إلى يوم القيامة.
الشيخ : إلى يوم القيامة، جاء حكم برفع هذا التّحريم مثلا، نقول: الآن بقيّة الزّمن الذي بعد النّسخ حصل فيه التّخصيص، والحقيقة أنّ هذا مع مذهب الجمهور خلاف لفظيّ، وكان الواجب أن نقول: إنّه نسخ كما قال الله عزّ وجلّ، ليش ما نقول نسخ؟!! نعم.
أمّا اليهود فيذكر عنهم أنّهم يمنعون النّسخ، ولهذا يكذّبون بعيسى ومحمّد عليهما الصّلاة والسّلام ما فيه نسخ، ولكنّ الله ردّ عليهم بقوله: (( كلّ الطّعام كان حلاّ لبني إسرائيل إلاّ ما حرّم إسرائيل على نفسه من قبل أن تزّل التّوراة )) إذن ففيه نسخ أو لا؟
الطالب : نعم.
الشيخ : فيه نسخ ، وعلى كلّ حال النّسخ ثابت.
لكن إذا قال قائل: ما هي الحكمة من النّسخ، إن كان الخير في النّاسخ فلماذا لم يثبت من الأوّل، وإن كان الخير في المنسوخ فلماذا نسخ؟
فالجواب: أنّ الخير أمر نسبيّ، قد يكون الشيء خيرا في هذا الزّمن وغيره خير منه في زمن آخر أليس كذلك؟
الطالب : بلى.
الشيخ : وحينئذ يكون الخير في النّسخ والمنسوخ، المنسوخ إبّان بقاء حكمه إيش؟
الطالب : هو الخير.
الشيخ : هو الخير، وبعد أن نسخ فالخير في بدله، وحينئذ لا يقال: إنّ قولكم بالنّسخ قدحٌ في علم الله أو في حكمته، لأنّ اليهود يدّعون هذا، اليهود يقولون : إذا جوّزتم النّسخ جوّزتم البداءة على الله وهو العلم بعد الجهل نقول: قاتلكم الله أتنكرون ما ثبت ودلّ العقل على إمكانه وأنتم تقولون: يد الله مغلولة، وأنّ الله فقير!! نعم، شوف التّناقض؟!
فنقول: إنّ الله سبحانه وتعالى عليم بلا شكّ وعلمه سابق على وجود الأشياء، وحكيم وحكمته من صفاته الأزليّة الأبديّة نعم، لكن يعلم عزّ وجلّ أنّ هذا الحكم خير في زمنه وأنّ بدله خير في زمنه، وهذا شيء معلوم، ولا حاجة إلى الأمثلة.
إذن نقول: في هذا الحديث الذي معنا دليل على جواز النّسخ، وهو ثابت بالقرآن بقوله تعالى: (( ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها )) وفي قوله تعالى: (( فالآن باشروهنّ )) ، وقبل الآن؟
الطالب : ممنوع.
الشيخ : ممنوع، وفي قوله: (( الآن خفّف الله عنكم وعلم أنّ فيكم ضعفًا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين )) الآن، وقبل: (( إن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا ))، هذا أيضا دليل على النّسخ.
(( سنقرؤك فلا تنسى إلاّ ما شاء الله )) هذه أيضا استدلّ بها بعض العلماء على جواز النّسخ، ما شاء الله أن ينساه حتى يرتفع حكمه فعل.
وأمّا السّنّة فكثير: ( كنتم نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ) ، ( كنت نهيتكم عن الانتباذ في الدّبّاء فانتبذوا فيما شئتم غير أن لا تشربوا مسكراً ) ( كنت نهيتكم ) إيش؟
الطالب : ( عن ادّخار لحوم الأضاحي ).
الشيخ : ( عن ادّخار لحوم الأضاحي فادّخروا ما شئتم )، والأمثلة على هذا كثير، ممّا يدلّ على جواز النّسخ .
والحكة تقتضيه، لأنّ النّاس في ابتداء الشّريعة ليسوا كالنّاس عند كمال الشّريعة، تقبّلهم للشّيء بعد كمال الشّريعة ورسوخ الإيمان في قلوبهم أكثر من تقبّلهم في أوائل الشّريعة، ولهذا جاءت الشّريعة متطوّرة حسب أحوال المشرّع لهم، نعم وش تقول يا؟
قراءة من الشرح
قال -رحمه الله تعالى-: " حديث أبي سعيد : ( أرخص رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الحجامة للصّائم ) إسناده صحيح.
فوجب الأخذ به لأنّ الرّخصة إنّما تكون بعد العزيمة، فدلّ على نسخ الفطر بالحجامة سواء كان حاجما أو محجوما.
والحديث المذكور أخرجه النّسائي والدّارقطني ورجاله ثقات ولكن اختلف في رفعه ووصله، وله شاهد من حديث أنس أخرجه الدّارقطنيّ ولفظه: ( أول ما كُرهت الحجامة للصائم أن جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائم، فمر به رسول الله عليه وسلم فقال: أفطر هذان، ثم رخّص النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعد في الحجامة للصّائم، وكان أنس يحتجم وهو صائم ) ، ورواته كلّهم من رجال البخاريّ إلاّ أنّ في المتن ما ينكر ، لأن فيه أن ذلك كان في الفتح وجعفر كان قتل قبل ذلك ".
أليس الحديث الذي معنا فاصلا في المسألة؟
الشيخ : أي أي صحّ، نحن علّقنا على كتابنا في *فتح الباري ، لأنّني رجعت إلى ابن حزم وعلّقنا عليه بأنّ هذا التصحيح لابن حزم وليس ل.
السائل : ...
الشيخ : نعم.
السائل : أحد المعاصرين نبه على كلام الحافظ ابن حجر يعني قوله في الفتح يقول ... يقول هذا غير موجود في الدارقطني هذا وهم منه ، ذكره في إرواء الغليل.
الشيخ : أي لكن هذا كلام ابن حزم.
السائل : شيخ هذا القول أنه ... يقول غير موجود .
الشيخ : أي يمكن النّسخ تختلف، يمكن النّسخ تختلف ، نعم ؟
السائل : ...
الشيخ : نعم.
السائل : ... فصل في المسألة
الشيخ : والله هو الظّاهر، واضح أنّ المنع ثابت، نعم.
ألا يقال في توجيه الحديث أن معنى أفطر هذان أي أنهما مضطران إلى الفطر ولابد؟
السائل : الوجه الذي ذكرتم مهو بأقرب من أفطر الحاجم والمحجوم، ظاهر إلا حمله على المحمل البعيد.
الشيخ : نعم.
السائل : لكن لو قلنا أنّهما أفطرا لحاجتهما ، لحاجة المحجوم للفطر حتى لو لم يفطر وهو محتاج لقلنا الدليل واضح.
السائل : ما يقال : هذا الوجه أقوى ؟
الشيخ : صحّ، بس هذا يحتاج إلى إثبات أن الرسول علم حالهما ، إلاّ أن يقال : العادة أنّ الإنسان لا يحتجم إلاّ لحاجة، نعم؟
السائل : ما الراجح ؟
الشيخ : والله كلّها قائمة ، الكلام على أنه مسألة الحجامة والفطر بها.
تتمة شرح حديث ( أول ما كرهت الحجامة للصائم أن جعفر بن أبي طالب ...).
وهذه الأحاديث كما ترون من جهة الصّحة وعدمها عليها مؤاخذات، فعندنا أصل وهو: أنّ الأصل بقاء الصّوم وعدم إفساده هذا الأصل إلاّ بدليل.
وعندنا حكمة معقولة وهي ما علّل به في بعض الألفاظ : أنّها من أجل الضّعف وهذا موجود .
فإذا كان عندنا أصلان وعندنا حديث قويّ والمعارض له أحاديث ضعيفة فنقول: على الأقلّ نقول: للصّائم اعمل بالأحوط، ما دام ما عليك الآن، مادام ما عليك مشقّة، ليس عليك مشقّة وتعب في انتظار اللّيل فانتظر استبرأ لدينك وعرضك، فإن كان عليك تعب فاحتجم، ثمّ حينئذ نقول: على رأي من يقول بالإفطار كل واشرب يحلّ لك الأكل والشّرب لأنّك أفطرت بعذر. وعلى رأي الآخرين الذين يقولون: أنّك ما أفطرت نقول: أمسك لأنّك ما أفطرت إلى اللّيل عرفتم؟ وش يبقى عندنا؟
يبقى عندنا قضاء هذا اليوم :
واجب على من قال أنّه يفطر، وليس بواجب على من قال: إنّه لا يفطر، فإذا صامه صار أحوط.
فصارت المسألة الاحتياط بلا شكّ ترك الحجامة إلى اللّيل إذا أمكن، وإذا لم يمكن فأنت احتجم وأمسك، فإن قُدّر أنّك ضعفت عن الإمساك وعجزت فأفطر على القولين، أفطر بسبب الحجامة.
هل احتمال الضعف والمرض للمحتجم في الحديث قوي؟
الشيخ : نعم حمد؟
السائل : ... في حديث أنس ، ما هو جوابنا على القاعدة التي ذكرناها أن الحكم إذا ... مستمر فإنه لا يجوز ؟
الشيخ : نعم، الظاهر لي أنّ الإجابة عن هذا أنّ هذا الضّعف، تبيّن أنّ هذا الضّعف محتمل وليس بالضّعف الشّديد الذي يوجب الفطر.
السائل : طيب يا شيخ نفس هذه العلة موجودة مع الجماعة ...
الشيخ : نعم.
السائل : ... ثم النبي صلى الله عليه وسلم في حديث علي، ثم قعد وأمر بالقعود، يعني الوصف ما زال قائم والرسول أمر !
الشيخ : والله الظّاهر لي أنّ أمر بالقعود ليس بصحيح.
السائل : صحيحة.
الشيخ : لا ما أظنّ أنّ هذا صحيح أبدًا، أو نقول: أمر يكون ضدّ الأمر الأوّل بمعنى رخّص.
من أسلم حديثا هل نتدرج معهم في التعليم وبيان الفرائض والشرائع؟
السائل : مسألة التّدرّج في الدين.
الشيخ : نعم.
السائل : لو أنّ إنسانا أسلم في وقتنا الحالي.
الشيخ : نعم.
السائل : فهل نسلك معه كما سلك النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه في التدرج أو نخبره بالشّرائع مرّة واحدة؟
الشيخ : هو ورد حديث لكن في إسناده شيء من الضّعف: ( أنّ وفدا جاؤوا إلى الرّسول صلّى الله عليه وسلّم واشترطوا في إسلامهم أن لا يؤدّوا الزّكاة فرخّص لهم في هذا، وقال: إنّهم إذا أسلموا أدّوا الزّكاة ) ، هو على كلّ حال هو نبلغهم بالشّرائع، لكن الرّسول قال لمعاذ بعد أن تمّت الشّرائع: قال: ( ادعهم إلى الصّلاة فإن أجابوا لذلك فادعهم إلى الزّكاة ) .
وإذا كان له عذر احتجم وأفطر وقضى يوماً مكانه، وأمّا مبالغة الناس الآن حتى أنّ الواحد منهم إذا جرحه أدنى شيء أو تدمّى سنّه أو ما أشبه ذلك ذهب يقول أفطرت أفطرت فهذا لا أصل له.
السائل : أفطر يا شيخ الحاجم والمحجوم ؟
الشيخ : نعم؟
السائل : الرّاجح يا شيخ فطر الحاجم والمحجوم ؟
الشيخ : للحاجم والمحجوم نعم، سمّع.
السائل : والعلة ... يا شيخ؟
الشيخ : قد تكون هي العلّة عند الله وقد تكون خلافها، لكن الكلام على الحكم الشّرعيّ، والمؤمن ليس عليه إلاّ أن يُسلّم عرف الحكمة أو لم يعرفها.
تتمة فوائد حديث (أول ما كرهت الحجامة ... ).
الطالب : الفوائد.
الشيخ : من الفوائد : هل يلحق بالحجامة غيرها كالفصد والتّشريط أو لا؟
في هذه المسألة خلاف بناء على أنّه هل الحكمة معقولة أو هو تعبّدي؟
إن قلنا: إنّه تعبّديّ فلا قياس، لأنّ القياس إلحاق فرع بأصل في حكم لعلّة جامعة، إلحاق فرع وهو المقيس، بأصل وهو المقيس عليه، في حكم لعلّة جامعة فإذا كان الحكم تعبّدّيا أي غير معقول العلة ، فإنّه يمتنع القياس لفوات ركن من أركانه وهي العلّة.
فمن قال: إنّه تعبّديّ وهو المشهور من المذهب قال: إنّه لا يلحق الفصد والتّشريط بالحجامة، وأنّ الصّائم لو شَرَّط أو فصد فإنّه لا يفطر بذلك، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله عند أصحابه.
واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " أنّ الشّرط والفصد بمعنى الحجامة فيلحق بها " ، فلا يجوز للصّائم أن يفصد أو أن يشرط .
وكذلك أخذ الدّمّ من الإنسان ليحقن في غيره ينبني على هذا، فإذا أخرج من الإنسان دم يحقن في غيره وكان كثيراً بحيث يؤثّر على البدن كما تؤثّر الحجامة فإنّه ينبني على ما سمعتم، هل يلحق بالحجامة غيرها أم لا؟!
فإن قلنا: يلحق قلنا إنّ هذا يفطر، وإلاّ فلا، وعلى القول بأنّه يلحق بها ما يساويها:
إذا طلب من شخص أن يتبرّع بدم لآخر فإن كان صومه نفلا فلا حرج عليه، لأنّه يجوز للصّائم نفلا أن يفطر بدون عذر.
وإن كان صومه فريضة نظرنا: إن كان المريض مضطرّاً إلى ذلك بحيث يخشى عليه الموت إن لم يُحقن به قبل المغرب ففي هذه الحال يجب على الصّائم أن يتبرّع بدمه ويفطر، لأنّه يجب إنقاذ الغريق والحريق ولو أدّى إلى الفطر، وفي هذه الحال يعني إذا تبرّع بدمه وأفطر يجوز أن يأكل ويشرب وإلاّ لا؟
يجوز، لأنّ القاعدة عندنا أنّ كلّ من أفطر في رمضان بسبب يبيح الفطر فله الأكل والشّرب بقيّة النّهار، لأنّ الإمساك لا فائدة منه ما دام أنّ الشّارع قد أذن له في الأكل والشّرب، فلا حرج، ولولا ذلك لقلنا: إنّ المريض لا يجوز له أو يأكل أو يشرب ولو كان قد أفطر من أجل المرض إلاّ إذا جاع حتى خيف عليه، أو إذا عطش حتى خيف عليه، نعم مع أنّه يجوز أن يأكل ويشرب كما شاء.
طيب أمّا الدّم اليسير كالدّم الذي يؤخذ للفحص أو الدّم الذي يكون بقلع السّنّ أو بقلع الضّرس أو ببطّ الجرح أو ما أشبه ذلك فإنّه لا يؤثّر قولًا واحدًا، وما علمنا أن أحدًا قال بتأثيره، لكن الدّم الخارج من الضّرس أو السّنّ لا يبتلع لأنّه إذا بلعه أفطر من أجل إيش؟
من أجل أنّه شرب دما، لا لأجل أنّه خرج منه دم.
وعن عائشة رضي الله عنها :( أن النبي صلى الله عليه وسلم اكتحل في رمضان ، وهو صائم ). رواه ابن ماجه بإسناد ضعيف . قال الترمذي : لا يصح في هذا الباب شيء .
" عن عائشة رضي الله عنها: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم اكتحل في رمضان وهو صائم ). رواه ابن ماجه بإسناد ضعيف، وقال الترمذي: لا يصح في هذا الباب شيء. ":
قولها: ( اكتحل ) أي: وضع الكحل في عينه وهو معروف.
وقولها: ( في رمضان وهو صائم ) هل يحتاج إلى قولها وهو صائم؟