شرح خطبة كتاب بلوغ المرام لابن حجر رحمه الله وهي قوله: ( بسم الله الرحمن الرحيم ،الحمد لله على نعمه الظاهرة والباطنة قديما وحديثا والصلاة والسلام على نبيه ورسوله محمد وآله وصحبه الذين ساروا في نصرة دينه سيرا حثيثا وعلى أتباعهم الذين ورثوا علمهم والعلماء ورثة الأنبياء أكرم بهم وارثا وموروثا أما بعد فهذا مختصر يشمل على أصول الأدلة الحديثية للأحكام حررته تحريرا بالغا ليصير من يحفظه من بين أقرانه نابغا ، ويستعين به الطالب المبتدئ ولا يستغني عنه الراغب المنتهي . وقد بينت عقب كل حديث من أخرجه من الأئمة لإرادة نصح الأمة . فالمراد بالسبعة أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة ، وبالستة من عدا أحمد ، وبالخمسة من عدا البخاري ومسلم . وقد أقول الأربعة وأحمد ، وبالأربعة من عدا الثلاثة الأول ، وبالثلاثة من عداهم وعدا الأخير ،وبالمتفق البخاري ومسلم ، وقد لا أذكر معهما ، وما عدا ذلك فهو مبين . وسميته بلوغ المرام من أدلة الأحكام ، والله أسأله أن لا يجعل ما علمناه علينا وبالا ، وأن يرزقنا العمل بما يرضيه سبحانه وتعالى. ).
القارئ : بسم الله الرّحمن الرّحيم والصّلاة والسّلام على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين قال ابن حجر رحمه الله تعالى في كتابه " بلوغ المرام كتاب الطّهارة " ..
الشيخ : ليس هذا، الخطبة.
القارئ : قال رحمه الله في كتاب بلوغ المرام من أدلّة الأحكام:
" الحمد لله على نعمه الظاهرة والباطنة قديمًا وحديثًا، والصلاة والسلام على نبيه ورسوله محمد وآله وصحبه الذين ساروا في نصرة دينه سيرًا حثيثًا وعلى أتباعهم الذين ورثوا علمهم والعلماء ورثة الأنبياء أكرم بهم وارثًا وموروثًا، أما بعد:
فهذا مختصر يشمل على أصول الأدلة الحديثية للأحكام حررته تحريرًا بالغًا ليصير من يحفظه بين أقرانه نابغًا ".
الشيخ : من بين أقرانه.
القارئ : ليصير من يحفظه من بين؟
الشيخ : من بين أقرانه.
القارئ : " ليصير من يحفظه من بين قرانه نابغًا ، ويستعين به الطالب المبتدئ ولا يستغني عنه الراغب المنتهي، وقد بينت عقيب كل حديث ".
الشيخ : كيف عُقيب؟ عندي عقب وإن لم تكن كذلك فهي عَقِيب وليست عُقَيْب.
الطالب : مشكّلة عُقَيْب.
الشيخ : لا، غلط، عندنا عَقِب.
القارئ : " وقد بينت عقب كل حديث من أخرجه من الأئمة لإرادة نصح الأمة، فالمراد بالسبعة: أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وبالستة: من عدا أحمد، وبالخمسة: من عدا البخاري ومسلم، وقد أقول الأربعة وأحمد، وبالأربعة من عدا الثلاثة والأول " ..
الشيخ : من عدا.
القارئ : " وبالأربعة من عدا الثّلاثة والأوّل ".
الشيخ : لا، الأُوَل، " من عدا الثّلاثة الأُوَل "
القارئ : " وبالأربعة: من عدا الثلاثة الأول، وبالثلاثة: من عداهم والأخير " ..
الشيخ : وعدا الأخير، " من عداهم وعدا الأخير ".
القارئ : " وبالمتّفق عليه البخاري ومسلم، وقد لا أذكر معهما غيرهما، وما عدا ذلك فهو مبين، وسميته بلوغ المرام من أدلة الأحكام، والله أسأله أن لا يجعل ما علمناه علينا وبالًا ، وأن يرزقنا العمل بما يرضيه سبحانه وتعالى ".
الشيخ : بسم الله الرّحمن الرّحمن .
الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله وسلّم على نبيّنا محمّد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين .
أمّا بعد : فهذه اللّيلة هي ليلة الإثنين الحادي عشر من شهر جمادى الأولى عام سبعة عشر وأربعمائة وألف وبها نفتتح دراستنا لبلوغ المرام، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يبلّغنا جميعًا المرام في الدّنيا والآخرة.
اعلم أوّلا أنّ أصل أدلّة الأحكام التي تعبّدنا الله بها هما شيئان: الكتاب والسّنّة، وما صحّ عن النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم من السّنّة فله حكم الكتاب تمامًا، لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حذّر ممّن يعمل بالقرآن ولا يعمل بالسّنّة فيقول: ( يوشك أن يكون أحدكم متّكئًا على أريكته يأتيه الأمر من أمري، يقول: ما ندري! ما وجدنا في كتاب الله اتّبعناه! ) يعني: وما ليس في كتاب الله لا نتّبعه، ومعنى أنّ الرّسول قال: ( لاألفينّ أحدكم على أريكته ) أي: لا أجدنّه على ذلك، وهذا تحذير من النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لمن يأخذ بما في القرآن ولا يأخذ بما في السّنّة، فالأصلان الذان تبني عليهما الأحكام التي تعبّدنا الله بها هما: الكتاب والسّنّة، أمّا الإجماع فهو دليل مستند على الكتاب والسّنّة لولا الكتاب والسّنّة ما كان الإجماع دليلًا إذن فهو ثابت بالكتاب والسّنّة، كذلك القياس، القياس ثابت بالكتاب والسّنّة، ولولا الكتاب والسّنّة ما صار القياس دليلًا، وعلى هذا فثبوت كون القياس دليلًا إنّما كان بالكتاب والسّنّة، وثبوت كون الإجماع دليلًا إنّما كان بالكتاب والسّنّة، وحينئذ تنحصر الأدلّة التي تثبت بها الأحكام بإيش؟
الطالب : الكتاب والسّنّة.
الشيخ : بالكتاب والسّنّة، طيب بعد هذا نقول: الكتاب العزيز لا يحتاج إلى نظر في إثباته، لأنّه ثابت بطريق التّواتر المفيد للعلم القطعيّ الذي لا يعتريه الشّكّ ولا يعتريه التّردّد، لأنّ الأمّة نقلته قرنا عن قرن، وصغيرا عن كبير ولم يختلف فيه أحد، ولهذا قال أهل العلم من أنكر حرفًا واحدًا من كتاب الله عزّ وجلّ مما لم يكن قراءة فإنّه كالذي أنكر القرآن كلّه فيكون كافرًا، إذن النّاظر في كتاب الله العزيز لا يحتاج إلى إيش؟
الطالب : النظر في ثبوته.
الشيخ : إلى النّظر في ثبوته، لماذا؟ لأنّه ثابت بالدّليل، بالتّواتر القطعيّ الذي لا يعتريه الشّكّ لكنّه يحتاج إلى النّظر في دلالته على الحكم، يحتاج إلى النّظر في دلالته على الحكم، وهذا هو الذي يختلف فيه النّاس اختلافًا عظيمًا وكثيرًا، ربّما يستنبط بعض النّاس من الآية الواحدة أكثر من حكم بل عشرات الأحكام، وآخر لا يستنبط منها إلاّ قليلًا أو لا يستنبط منها شيئًا، ولهذا لمّا سأل أبو جحيفة عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: " هل عهد إليكم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بشيء؟ " يعني إمّا أن يقال: إنه أوصى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالخلافة لعليّ بن أبي طالب وما أشبه ذلك ممّا أشيع، أشاعته الشّيعة في ذلك الوقت، قال رضي الله عنه: " لا والذي فلق الحبّة وبرأ النّسمة، ما عهد إلينا بشيء إلاّ فهمًا " وإلاّ هنا استثناء منقطع " إلاّ فهمًا يؤتيه الله تعالى أحدًا في كتابه أو ما في هذه الصّحيفة، قال: وما في هذه الصّحيفة؟ قال: العقل وفكاك الأسير وأن لا يقتل مسلم بكافر " فالشّاهد قوله: " إلاّ فهمًا " فإنّ النّاس يختلفون في فهم كتاب الله عزّ وجلّ اختلافًا عظيمًا، ولا يخفى علينا أنّ أصول التّفسير أو قواعد التّفسير تدلّ على أنّ أوّل ما يفسّر به القرآن القرآن، لأنّ الكلّ كلام الله والله تعالى أعلم بمراده بكلامه، ثمّ بالسّنّة، ثمّ بأقوال الصّحابة ولا سيما الفقهاء منهم، ثمّ بأقوال التّابعين الذين أخذوا التّفسير عن الصّحابة، أمّا السّنّة فيحتاج النّاظر فيها لإثبات الحكم إلى أمرين:
الأمر الأوّل: ثبوتها عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
والأمر الثاني: دلالتها على الحكم، فيشترك القرآن والسّنّة في هذا الأخير وهو إيش؟ الدّلالة على الحكم، وتنفرد السّنّة بالنّظر إلى ثبوتها عن النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم بأنّ ما ينسب عن الرّسول عليه الصّلاة والسّلام فيه الصّحيح وفيه الحسن وفيه الضّعيف وفيه الموضوع المكذوب على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لهذا احتاج النّاس إلى أن يعرفوا كيف صحّت النّسبة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فألّفوا في ذلك الكتب العظيمة الحديثيّة والقواعد المرعيّة ثمّ أيضًا كتب الرّجال وبيان أحوالهم، ثمّ ألّفوا أيضًا تاريخ مواليد الرّجال ووفياتهم، لأنّ النّاظر في ذلك يحتاج إلى معرفة الرّجال بأحوالهم هل هم عدول أم غير عدول، هل هم حفّاظ أو غير حفّاظ، ثمّ يحتاج إلى تاريخ حياتهم ووفاتهم من أجل أن يسلم من أن يحكم على السّند بأنّه متّصل وهو منقطع، لأنّه إذا تقدّم موت الشّيخ ونسب أحد إليه رواية وهو لم يدرك وقته، علمنا بأنّ الرّواية هذه منقطعة، إذن لا بدّ من تعب في إثبات السّنّة أو في إثبات ما ينسب إلى الرّسول صلّى الله عليه وسلّم إليه، ومن ثَمَّ احتجنا إلى علم الرّجال وإلى علم مصطلح الحديث وقواعده، وإلى مراجعة كتب العلماء فيما يتعلّق بالحديث وهو باب واسع متعب، ولقد كان النّاس برهة من الزّمن طويلة لا يعتنون بهذا كثيرًا لأنّهم انهمكوا في تحرير المذاهب وتنقيحها والتّفريع عليها، لكن في الآونة الأخيرة والحمد لله بدأ النّاس يهتمّون بعلم الحديث والنّظر في سند الحديث وفي متن الحديث وفي كلام أهل العلم فيه، فأصبح هناك اهتمام كبير في طلب علم الحديث وهو أمر لا بدّ منه.
ثمّ إنّ العلماء رحمهم الله ألّفوا في الحديث على جهات شتّى، منهم من ألّف على الأبواب ومنهم من ألّف على المسانيد، ومنهم ألّف على التّاريخ على وفيات الرّواة، إلى آخر ما هو معروف في علم المصطلح، وممّن ألّف على الأبواب قاض من قضاة مصر في عهده عليّ بن أحمد بن حجر العسقلاني رحمه الله، ألّف هذا الكتاب المبارك وهو " بلوغ المرام من أدلّة الأحكام " وهو كتاب مختصر لكنّه مفيد فائدة عظيمة، فإذا وفّق الله تعالى من يشرحه شرحًا وافيًا بحيث يتكلّم على الحديث الذي يحتاج إلى الكلام على سنده وثبوته، ويتكلّم أيضًا على مفرداته من حيث المعنى اللّغوي والشّرعي، ثمّ يتكلّم على شرح الحديث مبيّنًا أسبابه والظّروف التي تحدّث فيها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بهذا الحديث، وكذلك مبيّنًا الفوائد لو وُفِّق هذا الكتاب لمثل هذا الشّرح لكان أسفارًا عديدة ولحصل فيه فائدة كثيرة، لكنّ النّاس يغلب عليهم حبّ الاختصار خوفًا من الملل من وجه واجتنابًا للمشقّة والكلفة، نسأل الله أن يثيب مؤلّفه خيرًا وأن ينفعنا به.
1 - شرح خطبة كتاب بلوغ المرام لابن حجر رحمه الله وهي قوله: ( بسم الله الرحمن الرحيم ،الحمد لله على نعمه الظاهرة والباطنة قديما وحديثا والصلاة والسلام على نبيه ورسوله محمد وآله وصحبه الذين ساروا في نصرة دينه سيرا حثيثا وعلى أتباعهم الذين ورثوا علمهم والعلماء ورثة الأنبياء أكرم بهم وارثا وموروثا أما بعد فهذا مختصر يشمل على أصول الأدلة الحديثية للأحكام حررته تحريرا بالغا ليصير من يحفظه من بين أقرانه نابغا ، ويستعين به الطالب المبتدئ ولا يستغني عنه الراغب المنتهي . وقد بينت عقب كل حديث من أخرجه من الأئمة لإرادة نصح الأمة . فالمراد بالسبعة أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة ، وبالستة من عدا أحمد ، وبالخمسة من عدا البخاري ومسلم . وقد أقول الأربعة وأحمد ، وبالأربعة من عدا الثلاثة الأول ، وبالثلاثة من عداهم وعدا الأخير ،وبالمتفق البخاري ومسلم ، وقد لا أذكر معهما ، وما عدا ذلك فهو مبين . وسميته بلوغ المرام من أدلة الأحكام ، والله أسأله أن لا يجعل ما علمناه علينا وبالا ، وأن يرزقنا العمل بما يرضيه سبحانه وتعالى. ). أستمع حفظ
شرح قوله ( الحمد لله على نعمه الظاهرة والباطنة قديما وحديثا ).
ابتدأ الكتاب بالحمد لله اقتداء بكتاب الله عزّ وجلّ فإنّ القرآن الكريم جعل الصّحابة رضي الله عنهم أوّله فاتحة الكتاب، وهي كما تعلمون مبدوؤة بإيش؟ بالحمد لله، وليست فاتحة الكتاب أوّل ما نزل كما هو معلوم، لكنّها أوّل ما وقع في ترتيب المصحف باتّفاق مَن؟ باتّفاق الصّحابة، لذلك كان العلماء رحمهم الله من بعد ذلك يبدؤون كتبهم بالحمد لله ربّ العالمين، اقتداء بعمل الصّحابة رضي الله عنهم في كتاب الله عزّ وجلّ، هذا من وجه، من وجه آخر أنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام كان يعلّم أصحابه خطبة الحاجة الذي يخطبونها في مقدّمة كلّ حاجة وهب مبدوؤة بماذا؟ بالحمد لله، ثالثًا: أنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام كان يبدأ خطبه بالحمد والثّناء، فلذلك ابتدأ العلماء رحمهم الله كتبهم بذلك.
يقول " الحمد لله على نعمه الظّاهرة والباطنة " أوّلًا: نتكلّم عن " أل " في قوله الحمد لله يقول العلماء إنّ " أل " هنا للاستغراق، و " أل " التي للاستغراق علامتها أن يحلّ محلّها " كلّ " بتشديد اللاّم، وعليه فيكون معنى الحمد لله، كلّ حمد لله، فما هو الحمد؟ الحمد هو وصف المحمود بالكمال مع المحبّة والتّعظيم، فخرج بقولنا مع المحبّة والتّعظيم المدح، لأنّ المدح وصف للمدوح بالكمال لكن ليس مقرونًا بالمحبّة والتّعظيم، ثمّ الله تعالى يُحمد على كمال صفاته، ويحمد على كمال إنعامه، قال الله سبحانه وتعالى: (( الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب )) وقال الله تعالى: (( وقل الحمد الذي لم يتّحذ ولدًا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له وليّ من الذّلّ )) وهذا حمد على إيش؟ على صفات الله عزّ وجلّ الكاملة، وكذلك أيضًا يحمد الله تعالى على إنعامه، ومن ذلك قول النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام: ( إنّ الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشّربة فيحمده عليها ) هذا حمدًا على إيش؟ على الإنعام، المؤلّف رحمه الله هنا حمد الله على إنعامه، وقوله: " لله " ماذا نقول في اللّام؟ نقول في اللّام إنّها تحمل معنيين: المعنى الأوّل: الاختصاص، والمعنى الثاني: الاستحقاق.
أمّا المعنى الأوّل فإنّ المختصّ بالحمد الكامل على جميع الوجوه هو الله عزّ وجلّ، يحمد غير الله لكن حمدا مقيّدا وليس على كلّ حال أمّا الرّبّ عزّ وجلّ فيحمد على كلّ حال لأنّه كامل الصّفات والإنعام، كذلك أيضا للإستحقاق يعني أنّ تخصيص الرّبّ عزّ وجلّ بكامل الحمد إيش؟ هو المستحقّ له وهو أهل له سبحانه وتعالى، أمّا الله فيقال إنّ أصلها إله، يعني الله الإله، ولكن لكثرة الاستعمال حذفت الهمزة تخفيفًا، وذكروا لذلك مثالا ًآخر وهو النّاس وأصلها الأناس، ولكن حذفت الهمزة تخفيفًا لكثرة الاستعمال، وعلى هذا فإذا كانت الله بمعنى الإله أصلًا فإنّها فعال بمعنى مفعول، فإله بمعنى مألوه أي: معبود محبّب، محبوب معظّم وليست إله بمعنى آله كما زعم بذلك المتكلّمون، لأنّهم يفسّرون الإله بأنّه القادر على الاختراع وهذا خطأ، خطأ عظيم، ولكن معنى الإله المعبود حقّا.
وقوله: " على نعمه الظّاهرة " نِعم هذه مفرد مضاف فيشمل جميع النّعم الدّينيّة والدّنيويّة الظّاهرة والباطنة، الظّاهرة ما يظهر للنّاس والباطنة ما يخفى على النّاس، ونِعم الله سبحانه وتعالى على العبد هي كما قال المؤلّف ظاهرة وباطنة، كما قال عزّ وجلّ: (( وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة )) فالظاهرة ما يظهر للعيان ويشاهده الناس والباطنة ما دون ذلك.
من الظّاهرة الأمن والرّخاء والقوّة والأكل والشّرب وما أشبه ذلك، من النّعم الباطنة نِعم الدّين: تحقيق الإيمان في القلب، الإنابة إلى الله، التّوكّل على الله، والإخلاص لله وما أشبه ذلك، هذه نعم لا يعملها كلّ النّاس، لا يعلمها إلاّ الله عزّ وجلّ، هذه هي النّعم الباطنة.
وقوله: " قديمًا " أي: سابقًا وحديثًا أي لاحقًا، وفي قوله: حديثًا براعة استهلال وهي معروفة في علم البديع، وبراعة الاستهلال هو أن يأتي المتكلّم في أوّل كلامه بما يدلّ على موضوع كلامه هذه تسمّى براعة استهلال، يعني: أنّه استهلّ كلامه بما يدلّ على موضوع الكلام، لكن بغير تصريح ولهذا تسمّى براعة أي حذق وذكاء فما هي براعة الاستهلال هنا؟ هو أنّ هذا الكتاب في إيش؟ في الحديث.
شرح قوله ( والصلاة والسلام على نبيه ورسوله محمد وآله وصحبه ).
الصّلاة والسّلام على، هذه جملة خبريّة لكن معناها الدّعاء كأنّك تقول: اللهمّ صلّ وسلّم، فما هي الصّلاة على الرّسول؟ الصّلاة على الرّسول أحسن ما قيل فيها ما قاله أبو العالية الرّياحي رحمه الله: " إنّها ثناء الله على عبده في الملأ الأعلى " عند الملائكة، يعني: ذكر الله عبده بالذّكرى الحسنة عند الملائكة، هذا ما اختاره كثير من العلماء ولا سيما المتأخّرون منهم، لكن في النفس من هذا شيء وهو أنّ أبا العالية رحمه الله من التّابعين ومثل هذا لا يقال بالرّأي، لأنّه من يقول إنّ الله يثني عليه؟ فيحتاج إلى دليل من السّنّة يتبيّن به الأمر ويتّضح، ولكن فسّره بعضهم قال أنّ الصّلاة من الله يعني الرّحمة وهذا ليس بصحيح أيضًا، لأنّ الله تعالى قال أيضًا في الكتاب العزيز: (( أولئك عليهم صلوات من ربّهم ورحمة )) والعطف يقتضي المغايرة وأنّ الرّحمة غير الصّلوات، وأيضًا الرّحمة يدعى بها لكلّ واحد، كلّ إنسان تقول: اللهمّ ارحمه لكن الصّلاة لا يدعى بها لكلّ واحد، بل فيها خلاف وتفصيل عند العلماء، إذن فالصّلاة لا نستطيع أن نجزم بأنّها ثناء الله على عبده في الملأ الأعلى ولا نقول إنّها الرّحمة لفساد هذا المعنى، بل نقول: الصّلاة هي رحمة خاصّة فوق الرّحمة التي تكون لكلّ أحد ولا ندري ما هي، وحينئذ نسلم من الشّبهة، لكنّ القول بأنّها ثناء الله على عبده في الملأ الأعلى اختاره كثير من المحقّقين رحمهم الله، أمّا السّلام فهو السّلامة من كلّ أذى، والرّسول عليه الصّلاة والسّلام بعد موته سالم، أمّا في حياته فنعم معرّض للأمراض معرّض للأذايا معرّض لكل ما يعرض للبشر، لكن بعد موته هو سالم من هذا، فما الفائدة من الدّعاء له بالسّلامة؟ نقول وراء الموت أهوال ما هي؟ أهوال يوم القيامة ولهذا كان دعاء الرّسل يوم القيامة عند الصّراط ( اللهمّ سلّم سلّم ) فهناك أهوال، ثمّ إنّه صلوات الله وسلامه عليه بموته سالم ممّا يعرض من الآفات الجسديّة للأحياء، لكن ألا يمكن أن يسلّط عليه من يأكل جسمه مثلًا؟ نعم يمكن وقد وقع هذا لكنّ الله حماه، فإنّه نزل إلى المدينة غريبان يريدان أن يأخذا جسده الشّريف عليه الصّلاة والسّلام، فنزلا في المسجد وصارا يحفران خندقًا من بعيد من أجل أن يصلا إلى الجسد الشّريف، فقيّض الله عزّ وجلّ السّلطان أو أحد الولاة في ذلك الوقت فرأى رؤية أنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام يقول: أنقذني من الأصغرين، والظاهر والله أعلم أنّ صورتهما كشفتا لهذا الرّائي عنها، فقدم المدينة فزعًا وأقام مأدبة عظيمة ودعا كلّ أهل المدينة مرّتين أو ثلاثًا ولم ير الرّجلين الذين وصفا له، فسأل فقال: أين أهل المدينة؟ فقالوا: كلّهم جاؤوا ما فيه أحد إلاّ رجلان اثنان في المسجد جاءا ومن حين مجيئيهما وهما معتكفان في المسجد، فدعا بهما فإذا هما الرّجلان اللّذان أخبر عنهما في المنام سبحان الله! حماية للجسد الشّريف من الأذى واطّلع على ما صنعا ثمّ أمر بهما فقتلا، وأمر بأن يحفر إلى الجبل من حول القبر الشّريف حفرة وصبّها بالرّصاص والنّحاس حتى لا يستطيع أحد أن يصل إلى جسد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وهذا من حماية الله فإذا كان الله تعالى حمى أجساد الأنبياء أن تأكلها الأرض المسلّطة على كلّ جسد فهو سبحانه وتعالى يحمي الجسد الشّريف من شياطين الإنس.
المهمّ أنّ السّلام على الرّسول عليه الصّلاة والسّلام وارد وإلاّ غير وارد؟
الطالب : وارد.
الشيخ : وارد في الدّنيا والآخرة، أمّا في حياته فوروده واضح، وأمّا بعد موته فبأيّ شيء تكون السّلامة؟ سلامة جسده من أن يعبث به، نعم.
وقوله: " على نبيّه ورسوله " هذا من باب عطف الصّفات المترادفة أو المتغايرة؟
الطالب : المتغايرة.
الشيخ : نعم؟
الطالب : المتغايرة.
الشيخ : المتغايرة نعم، وبدأ بوصف النّبوّة لأنّه سابق على وصف الرّسالة، فالرّسول عليه الصّلاة والسّلام نبّئ أوّلًا ثمّ أرسل ثانيًا، نبّئ بأوّل سورة العلق وأرسل بأوّل سورة المدثّر، فلهذا عطف المؤلّف رحمه الله وصف الرّسالة على وصف النّبوّة، فمن هو النّبيّ؟ النبي يقال: النّبيء ويقال: النّبيّ، فالنّبيء بالهمز من النّبأ أي: الخبر، وهل هو فعيل بمعنى فاعل أو فعيل بمعنى مفعول؟ كلاهما، فهو فعيل بمعنى فاعل لأنّه منبئ عن الله عزّ وجلّ، وبمعنى مفعول لأنّه منبّأ، أمّا على قراءة التّسهيل النّبيّ بالياء فهو إمّا مشتقّ من النّبأ لكن حذفت الهمزة تخفيفًا يعني: سهّلت الهمزة تخفيفًا، وإمّا من النّبوة وهي الشّيء المرتفع لرفعة مقام النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم بما حباه الله به من الوحي، فإذا قال قائل: ألا يمكن أن يكون من هذا وهذا؟ أجيبوا يا جماعة؟
الطالب : بلى.
الشيخ : بلى، لأنّ لدينا قاعدة ينبغي لطالب العلم أن يعلمها كلّ لفظ يحتمل معنيين على السّواء يعني في الدّلالة عليهما ولا منافاة بينهما فإنّه يحمل إيش؟ عليهما جميعًا، لأنّ تعدّد المعاني واتّحاد اللّفظ كثير في اللّغة العربيّة.
وقوله: " ورسوله " أي مرسله، إلى من؟
الطالب : ...
الشيخ : لا، إلى الثّقلين الإنس والجنّ فالنّبيّ عليه الصّلاة والسّلام مرسل إلى الإنس والجنّ، أرسله الله تعالى إلى الإنس والجنّ منذ بعث إلى يوم القيامة، ولا يخفى علينا ما في الإضافة إلى ضمير الله عزّ وجلّ في قوله: " نبيّه ورسوله " من التّشريف والتّكليف.
وقوله: " محمّدٍ " كيف نعربها؟ عطف بيان لأنّ البدل غالبًا يساوي المبدل منه في الدّلالة وعطف البيان يزيد بيان معرفة، وهنا زاد بيان معرفة وهو أنّه دلّ على الإسم العلم لرسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم محمّد وهو اسم مفعول لأنّه صلّى الله عليه وسلّم قد حمده ربّه سبحانه وتعالى وحمده الأوّلون والآخرون وسيظهر الحمد الكامل يوم القيامة كما قال عزّ وجلّ: (( عسى أن يبعثك ربّك مقامًا محمودًا )) قال حسّان بن ثابت رضي الله عنه:
" وشقّ له من اسمه ليجلّه *** فذو العرش محمود وهذا محمّد "
نعم اسم محمّد في القرآن ورد كم مرّة؟
الطالب : أربعة.
الشيخ : أربع مرّات، ورد ذكره في القرآن أربع مرّات اسم محمّد، وورد ذكر أحمد مرّة واحدة، فما هي الحكمة أنّ الله ألهم عيسى أن يقول أحمد دون أن يقول محمّد؟ الحكمة لأنّ أحمد اسم تفضيل وهو اسم تفضيل مطلق، يعني: لم يذكر فيه المفضّل عليه فيكون أحمد الخلق على الإطلاق، وهل هو من اسم الفاعل أو اسم المفعول أو هما؟ هل المعنى أحمد أي أحمد النّاس لله؟ أو معنى أحمد أي أنّه أحمد من يحمده النّاس؟
الطالب : ...
الشيخ : نعم كلاهما لا شك، وإنّما جاء بصيغة أحمد إقامة للحجّة على بني إسرائيل، حيث إنّ عيسى أقرّ بهذا الاسم أنّ محمّدًا أفضل الخلق لأنّه سمّاه إيش؟ أحمد.
طيب يقول: " وآله وصحبه " إلخ آله وصحبه هل هو باب عطف الخاصّ على العامّ أو العامّ على الخاصّ أم ماذا؟ هو من باب عطف العامّ على الخاصّ لأنّ جاء بعده: وعلى أتباعه، فهو من باب عطف العامّ على الخاصّ فمن هم آله؟ من المعلوم أنّه لا يصحّ أن يقول أنّ آله هم قرابته، لأنّنا إذا قلنا أنّ آله هم قرابته شمل ذلك أبا لهب وغيره من كفار قرابته عليه الصّلاة والسّلام وهذا غير مراد، ونحن لا نصلّي على آل الرّسول الذين ليسوا بمؤمنين، إذن ماذا نقول؟ نقول آله هم المؤمنون من قرابته، نعم وبهذا يندفع اعتراض الشّاعر في قوله:
" آل النّبيّ همُ أتباع ملّته *** من الأعاجم والسودان والعرب.
لو لم يكن آله إلاّ قرابته *** صلّى المصلّي على الطاغي أبي لهب "
ندفع هذا الإيراد بماذا؟ بأن نقول إنّ آله هم المؤمنون من قرابته، طيب: " وصحبه " صحبه أحسن ما نقول فيهم ما قال أهل المصطلح أنّهم كلّ من اجتمع بالنّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم مؤمنا به ومات على ذلك، نعم وهذا من خصائص الرّسول عليه الصّلاة والسّلام غير الرّسول لا بدّ للصّحبة من طول زمان يعني لو سمعت بواحد في مجلس من المجالس وتفرّقتما هل يقال أنّه صاحب لك؟ لا، لكن من خصائص الرّسول عليه الصّلاة والسّلام أنّ الإنسان إذا اجتمع به لحظة واحدة مؤمنًا به فهو من أصحابه؟ لكن لا شكّ أنّ أصحابه يختلفون اختلافًا كبيرًا في الصّحبة والإيمان والتّقوى والعمل وغير ذلك، طيب هل آله هم صحبه؟
الطالب : نعم ...
الشيخ : الذين اجتمعوا به طيب لأنّ آل الرّسول الذين جاؤوا من بعده هم آل وليسوا بصحبه، لكن آله الذين كانوا بحياته من صحبه، ولهذا قلنا صحب من باب عطف العامّ على الخاصّ، هذا إذا لم ترد آل وحدها، فإن وردت آل وحدها فهي قطعًا أتباعه على دينه مثل قوله صلّى الله عليه وسلّم حينما علّمهم الصّلاة عليه قولوا: ( اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد ) هذا المراد به جميع الأتباع.
شرح قوله (الذين ساروا في نصرة دينه سيرا حثيثا وعلى أتباعهم الذين ورثوا علمهم ).
شرح قوله ( والعلماء ورثة الأنبياء أكرم بهم وارثا وموروثا أما بعد ).
الطالب : لبعض ماله.
الشيخ : لبعض ماله، كذلك إرث الأنبياء إذا لم يكن على شكل ما جاءت به الأنبياء فإنّ الإرث يكون ناقصًا بحسب ما نقص من الإرث. ثم قال: " أكرم بهم وارثًا وموروثًا " هذه صيغة إيش؟
الطالب : ...
الشيخ : تعجّب، يعني أكرم بهم بمعنى ما أكرمهم وارثًا وموروثًا -جزاك الله خيرًا- لكن التّعجّب يكون بما أفعل ويكون بأفعل به " أكرم بهم وارثًا وموروثًا " يقولون إنّ أكرم تخالف الصّيغ العاديّة لكونها على صيغة افعل وكون فاعلها ظاهر لأنّ بهم الهاء هي الفاعل في الحقيقة، وإن كانت جارًّا ومجرورًا.
وقوله: " وارثًا " إمّا أن تكون حالًا من الضّمير في به لأنّها اسم مشتقّ ويمكن أن تكون تمييزًا على حدّ قولهم: " لله درّه فارسًا " حيث قال إنّه تمييز مع أنّه مشتقّ، على كلّ حال مسألة الإعراب أمرها هيّن، وموروثًا، مَن الموروث؟ الأنبياء، الأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام موروثون والوارث من بعدهم من ورث العلم.
قال: " أمّا فهذا مختصر يشتمل " إلخ، أمّا بعد قال بعض المصنّفين: إنّها كلمة يؤتى بها للانتقال من أسلوب إلى آخر لكنّ هذا فيه نظر، ولكنّها كلمة يؤتى بها للانتقال من المقدّمة إلى الموضوع، ما هو من أسلوب إلى آخر، لو تغيّر الأسلوب ما تأتي بأمّا بعد، لكن تأتي بها من المقدّمة إلى الموضوع.
الطالب : ...
الشيخ : لا ما فيه سؤال ...
الطالب : ...
الشيخ : هاه؟ الأصل؟
الطالب : ...
الشيخ : طيب.
الطالب : ...
الشيخ : نعم؟
الطالب : ...
الشيخ : لا لا، كافٍ، لكن إن شاء الله من اللّيلة نمشي على ما نفعله، نعم؟
السائل : شيخ أحسن الله إليكم أشكل عليّ كون أنّ أداب الشّرع ... قلنا أنّه يجوز للإنسان أن يأتي بالأذكار التي رتّب عليها الشرع فوائد دنيويّة ... ثواب الآخرة.
الشيخ : نعم.
السائل : أشكل عليّ كون أنّ الجهاد في سبيل الله فيه مثل هذا كقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ( من قتل قتيلًا فله سلبه ) وفي نفس الوقت من يجاهد في سبيل الله أن ينوي بذلك الدار الآخرة.
الشيخ : يحرم من الأجر كاملًا.
السائل : ...
الشيخ : ما أحد يفعل هذا، لكن تشجيع هذا، نعم؟
السائل : ...
الشيخ : نعم؟
السائل : ...
الشيخ : إيش؟
السائل : ...
الشيخ : إي نعم.
السائل : ...
الشيخ : ما فيه شيء، الظّاهر أنّه ما فيه شيء، لأنّ هذا ما هو من الأمور التّعبديّة حتى نقول لا بدّ تقتصر على ما جاء به النّصّ، نعم؟
السائل : شيخ بارك الله فيكم بعض ...
الشيخ : نعم.
السائل : في تعريف الصّحابي قلتم كما تقرّر في علم المصطلح أنّه من رأى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ..
الشيخ : اجتمع اجتمع.
السائل : اجتمع بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ثم مات على الإسلام يعني يقولون ...
الشيخ : نعم.
السائل : ...
الشيخ : نعم بناء على الظّاهر.
السائل : ...
الشيخ : ما يخالف، نحن ما لنا إلاّ الظّاهر لا يمكن أن نقول فيهم منافقون ونحن لا نعلمهم كيف نقول هذا؟ ولهذا الرّسول عليه الصّلاة والسّلام يكل سرائرهم إلى الله لكن قد يعلمه الله ببعضهم (( ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنّهم في لحن القول )) نعم؟
السائل : بارك الله فيك ...
الشيخ : نعم.
السائل : هل الدّعاء لهم ...
الشيخ : الظّاهر أنّه عامّ.
السائل : ...
الشيخ : هو أيضًا لا بدّ أن يعبد.
شرح قوله ( فهذا مختصر يشمل على أصول الأدلة الحديثية للأحكام حررته تحريرا بالغا ليصير من يحفظه من بين أقرانه نابغا ، ويستعين به الطالب المبتدئ ولا يستغني عنه الراغب المنتهي . وقد بينت عقب كل حديث من أخرجه من الأئمة لإرادة نصح الأمة . فالمراد بالسبعة أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة ، وبالستة من عدا أحمد ، وبالخمسة من عدا البخاري ومسلم . وقد أقول الأربعة وأحمد ، وبالأربعة من عدا الثلاثة الأول ، وبالثلاثة من عداهم وعدا الأخير ،وبالمتفق البخاري ومسلم ، وقد لا أذكر معهما ، وما عدا ذلك فهو مبين . وسميته بلوغ المرام من أدلة الأحكام ، والله أسأله أن لا يجعل ما علمناه علينا وبالا ، وأن يرزقنا العمل بما يرضيه سبحانه وتعالى.).
فالمراد بالسبعة: أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وبالستة: من عدا أحمد، وبالخمسة: من عدا البخاري ومسلمًا، وقد أقول الأربعة وأحمد، وبالأربعة: من عدا الثلاثة الأول، وبالثلاثة: من عداهم وعدا الأخير، وبالمتفق عليه: البخاري ومسلم وقد لا أذكر معهما غيرهما، وما عدا ذلك فهو مبين، وسميته: بلوغ المرام من أدلة الأحكام، والله أسأله أن لا يجعل ما علمناه علينا وبالا، وأن يرزقنا العمل بما يرضيه سبحانه وتعالى ".
الشيخ : بسم الله الرّحمن الرّحيم .
سبق لنا أنّ أصل الأدلّة أدلّة الأحكام هو القرآن وأنّ السّنّة متمّمة له، وسبق لنا أنّ النّاظر في أدلّة القرآن لا يحتاج إلى البحث عن سنده لأنّه متواتر، معلوم علمًا يقينيًّا، وأمّا النّاظر في السّنّة فيحتاج إلى أمرين:
الأمر الأوّل: ثبوت ذلك عن النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم. والثاني: دلالة النّصّ على الحكم، وعلى هذا فإذا استدلّ عليك مستدلّ بآية من القرآن فبماذا تطالبه؟
الطالب : وجه الدّلالة.
الشيخ : أقول: ما هو وجه الدّلالة، وإذا استدلّ عليك مستدلّ بالسّنّة طالبه أوّلًا بصحّة النّقل فإذا صحّ النّقل حينئذ أناقشه في صحّة الدّلالة، طيب ومن ثمّ احتاج العلماء رحمهم الله إلى أن ينظروا في الرّواة من وجهين:
الوجه الأوّل: من حيث الثّقة وذلك يعود على الحفظ والأمانة، ومن حيث الاتّصال وذلك يعود إلى العلم بتواريخ حياتهم ولادة ووفاة لئلاّ يكون منقطعًا، فالنّظر في أحوال الرّواة من وجهين: من جهة الثّقة وهو يعود إلى شيئين العدالة والحفظ، ويدخل فيهما أشياء كثيرة ممّا يخالف ذلك من أسباب الطّعن في الحديث، والثاني إيش؟
الطالب : اتّصال السّند.
الشيخ : من حيث اتّصال السّند، وعلى هذا فلا بدّ من العلم بمواليدهم ووفاياتهم حتى نعرف المتّصل من غير المتّصل، ثمّ تكلّمنا على أوّل مقدّمة المؤلف رحمه الله.
ثمّ قال: " أمّا بعد فهذا مختصر يشتمل " المختصر قال العلماء: هو الذي قلّ لفظه وكثر معناه هذا المختصر، " يشتمل على الأصول الحديثيّة للأحكام الشّرعيّة " أصول الأدلّة أفادنا المؤلّف رحمه الله أنّه لم يستوعب جميع الأدلّة الحديثيّة وإنّما انتخب الأصول فقط، يعني التي تدلّ على ما يكثر من النّاس وقوعه في عباداتهم، وقوله: " الحديثيّة " نسبة إلى الحديث احترازًا من الأدلّة القرآنيّة، لأنّ هذا الكتاب لم يذكر المؤلّف فيه شيئًا من الأدلّة القرآنيّة، فمثلًا صحيح البخاري، يذكر البخاري رحمه الله شيئًا من الأدلّة القرآنيّة وكذلك الحديثيّة، أمّا مسلم مثلًا فلا يذكر شيئًا من الأدلّة القرآنيّة، المؤلّف لم يذكر شيئًا من الأدلّة القرآنيّة وإنّما اقتصر على شيء من الأدلّة الحديثيّة.
وقوله: " للأحكام الشّرعيّة " الأحكام جمع حكم، وهو أي الحكم إثبات شيء لشيء نفيًا أو إيجابًا، هذا الحكم، إثبات شيء لشيء نفيًا أو إيجابًا فإذا قلنا مثلًا لا يحلّ أكل الميتة فهذا إثبات حكم، نفي أو إيجاب؟
الطالب : نفي.
الشيخ : نفي، وإذا قال أحلّ الله البيع فهذا حكم إيجابيّ، فالحكم إذن إثبات شيء لشيء نفيًا أو إيجابًا.
وقوله: " الشّرعيّة " خرج به ثلاثة أحكام العاديّة والعقليّة وبقيت الشّرعيّة، الأحكام الشّرعيّة هي المتلقّاة من الشّرع: الكتاب والسّنّة والإجماع والقياس، الأدلّة العقليّة هي المتلقّاة من العقل، والأدلّة العاديّة هي المتلقّاة من التّجارب هذه أدلّة عاديّة، الحلال والحرام والوجوب والاستحباب والكراهة هذه مأخوذة من أين؟
الطالب : من الشّرع.
الشيخ : من الشّرع، كون الجزء أقلّ من الكلّ والكلّ أكبر هذه أدلّة عقليّة، ما أخذ من العادة مثل أن يقول السّكنجبين مسهّل للبطن مثلًا أو ما أشبه هذا من العادة يعني اعتاد النّاس أنّ من تناول هذا الشّيء سهلت بطونهم أو تسهلّت، فالأحكام إذن ثلاثة أقسام شرعيّة وإيش؟
الطالب : وعقليّة ...
الشيخ : وعقليّة وعاديّة، ثمّ الشّرعيّة إمّا عمليّة أو علميّة، فما كان أساسه الاعتقاد فهو علمي، وما كان أساسه العمل قولًا أو فعلًا فهو عمليّ، يقول: " حرّرته تحريرًا بالغًا " حرّرته يعني نفيت عنه كلّ تعقيد لأنّه من تحرير الشّيء أي تخليصه تحريرًا بالغًا حسب قدرته رحمه الله " ليصير من يحفظه من بين أقرانه نابغًا " ليصير من يحفظه أشار المؤلّف بهذه الكلمة إلى أنّه ينبغي لنا أن نحفظ هذا المؤلَّف لأنّه مختصر مشتمل على أصول الأدلّة الحديثيّة مبيّنًا فيه الأحكام ودرجات الأحاديث.
وقوله: " من بين أقرانه " جمع قرن وهو الزّميل، ونابغًا أي ذا نبوغ وعلوّ وارتفاع على غيره وهذا لا شكّ أنّ الإنسان إذا حفظ هذا المتن فإنّه سوف يستغني عن كثير من الأدلّة لأنّه مستوعب لغالب الأدلّة التي يحتاج النّاس إليها لكنّه يحتاج إلى تعاهد، لأنّه رحمه الله يذكر التّخريج أحيانًا بكلمات مطوّلة يحتاج الإنسان إلى أن يتعاهدها وإلاّ نسيها.
" ويستعين بها الطالب المبتدئ " يستعين بها أي يجعله عونًا له، الطالب للعلم المبتدئ، " ولا يستغني عنه الرّاغب المنتهي " إذن يحتاج النّاس إليه سواء كانوا مبتدئين أو منتهين، أمّا الطالب المنتهي فإنّه يستعين به وأمّا الآخر فإنّه يرجع إليه. " وقد بيّنت عقب كلّ حديث من أخرجه من الأئمّة لإرادة نصح الأمّة " كلّما ذكر حديثًا ذكر من أخرجه من الأئمّة أي أئمّة الحديث، كالإمام أحمد والبخاري ومسلم ومن أشبههم " لإرادة نصح الأمّة " يعني قاصدا بذلك النّصيحة وذلك لأنّ الإنسان إذا ذكر حديثًا ولم يذكر من رواه قد يظنّ السّامع أنّه حديث صحيح لا سيما إذا قاله على وجه الاستدلال، لكن إذا ذكر من خرّجه فهذا تمام النّصح، إلاّ أنّه يحتاج أيضًا إلى شيء آخر والمؤلّف سلكه رحمه الله وهو أن يصحّح الحديث حتى لو ذكر من خرّجه إذا كان من خرّجه لا يستلزم إخراج الصّحيح، ولهذا جاء النّقص الذي في تفسير ابن جرير رحمه الله على أنّه مستوعب جميع الأقاويل والآثار في التّفسير الخلل فيه أنّه لا يتكلّم فيه على الأثر ودرجته، ولذلك كان يحتاج إلى تخريج حتى يعرف الإنسان درجة هذا الأثر في تفسير الآية، فإذن لا يكفي أن نقول روى فلان إذا كان فلان ممّن لم يلتزم بإيش؟ بإخراج الصّحيح، لكن المؤلّف رحمه الله أحيانًا يذكر يتكلّم هل أنّ إسناده صحيح أو قويّ أو ضعيف.
قال: " فالمراد بالسّبعة " يعني: إذا قلت أخرجه السّبعة " أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه " هذا إذا قال السّبعة ولا يذكر غيرها، فإذا قال أخرجه السّبعة فإنّه يراد بذلك هؤلاء.
واعلم أنّ من عيب التّخريج أن يذكر الإنسان الأدنى مرتبة مع أنّه رواه من هو أعلى منه مرتبة، يعني مثلًا يقول رواه أبو داود والحديث رواه البخاري مع أبي داود، هذا من العيب عند المحدّثين لأنّك إذا أهملت الأقوى أوهنت الحديث وصار ضعيفًا في نظر القارئ أو في نظر السّامع، فإذا كان الحديث مثلًا رواه البخاري ومسلم وأبو داود والتّرمذي والنّسائي وابن ماجه إمّا أن أقول أخرجه السّبعة وإمّا أقول أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما من أئمة الحديث، أمّا تقول أخرجه أبو داود وتقتصر فهذا عيب عند المحدّثين وهذا ظاهر، لأنّه يوهن درجة الحديث.
يقول: " وبالسّتّة من عدا أحمد " فيكون البخاري ومسلم وأبو داود والتّرمذي والنّسائي وابن ماجه، " وبالخمسة من عدا البخاري ومسلم " فيكون أحمد وأبو داود والتّرمذي والنّسائيّ وابن ماجه، " وقد أقول الأربعة وأحمد " ولم يبيّن المؤلّف لماذا كان يقول هذا؟ والظاهر أنّه كان يقول ذلك تفنّنا في العبارة وقد يكون اطّلع على أنّ الذي رواه هم الأربعة ثمّ بعد ذلك اطّلع على أنّ الإمام أحمد رواه أيضا فأضافه، نعم " وبالأربعة ما عدا الثّلاثة الأول " وهم أحمد والبخاري ومسلم فيكون هؤلاء هم أبو داود والتّرمذي والنّسائي وابن ماجه، " وبالثّلاثة من عداهم وعدا الأخير " من الأخير؟ ابن ماجه، فيكون إذا يقول أخرجه الثّلاثة أبو داود والتّرمذي والنّسائي " وبالمتّفق عليه البخاري ومسلم " وهذا الذي اصطلح عليه بالمتّفق عليه هو الذي عليه عامّة النّاس الآن يعني عامّة الكتب المؤلّفة إذا قالوا متّفق عليه فالمراد أخرجه البخاري ومسلم، ولكن المجد مجد الدّين عبد السّلام بن تيمية رحمه الله جدّ شيخ الإسلام في " المنتقى " إذا قال متّفق عليه فالمراد أحمد والبخاري ومسلم الثلاثة، لكن هذا اصطلاح خاصّ " وقد لا أذكر معهما غيرهما "، مع من؟ البخاري ومسلم غيرهما وذلك لأنّ العلماء تلقّوا ما روياه بالقبول، وإذا كان العلماء قد تلقّوا ذلك بالقبول فإضافة شيء آخر من باب ... " وما عدا ذلك -يعني ما عدا هؤلاء السّبعة- فهو مبيّن " وسيتبيّن لك إن شاء الله تعالى فيما يأتي. " وسمّيته بلوغ المرام من أدلّة الأحكام " أو بلوغَ؟
الطالب : ...
الشيخ : هاه؟
الطالب : ...
الشيخ : إن قلنا بلوغ المرام من أدلّة الأحكام، فإنّ بلوغ خبر لمبتدأ محذوف والتّقدير هذا بلوغ المرام وعليه فتكون الجملة هي المفعول الثاني لسمّيته على سبيل الحكاية، وإن قلنا سمّيته بلوغَ المرام كما تقول سمّيت ابني عبدَ الله فإنّ بلوغ تكون المفعول الثاني ولا حاجة للتّقدير. " والله أسأل أن لا يجعل ما علمنا علينا وبالا " الله بالنّصب على أنّه معمول لأسأل مقدّم وتقديم المعمول يفيد الحصر أي أسأل لا غير أن لا يجعل ما علمنا علينا وبالا وذلك بأن نعمل به لأنّ ما علمنا إمّا أن يكون حجّة لنا وإمّا أن يكون حجّة علينا لقول الرّسول صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ( القرآن حجّة لك أو عليك ) فإن عملت به فهو لك وإن لم تعمل به فهو عليك ووبال أي إثم وعقوبة، " وأن يرزقنا العمل بما يرضيه سبحانه وتعالى " الرّزق هو العطاء، العمل بما يرضيه أي من قول وعمل وعقيدة سبحانه وتعالى، هذه هي خطبة الكتاب ومقدّمته، واعلم أنّ المؤلّف قال في الأوّل " أمّا بعد فهذا مختصر " فالمشار إليه هل هو ما قام في ذهنه أو ما حضر بين يديه؟ الجواب هذا يوجد كثيرا في المؤلّفات أمّا بعد فهذا وتخريجه كما يأتي: إن كان الكتاب قد ألّف قبل الإشارة فهو إشارة إلى ما حضر بين يديه، وإن كان لم يؤلّف وهو الغالب فهو إشارة إلى ما قام في ذهن المؤلّف، فهذا يعني ما تصوّره في ذهنه إلى آخر ما ...
6 - شرح قوله ( فهذا مختصر يشمل على أصول الأدلة الحديثية للأحكام حررته تحريرا بالغا ليصير من يحفظه من بين أقرانه نابغا ، ويستعين به الطالب المبتدئ ولا يستغني عنه الراغب المنتهي . وقد بينت عقب كل حديث من أخرجه من الأئمة لإرادة نصح الأمة . فالمراد بالسبعة أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة ، وبالستة من عدا أحمد ، وبالخمسة من عدا البخاري ومسلم . وقد أقول الأربعة وأحمد ، وبالأربعة من عدا الثلاثة الأول ، وبالثلاثة من عداهم وعدا الأخير ،وبالمتفق البخاري ومسلم ، وقد لا أذكر معهما ، وما عدا ذلك فهو مبين . وسميته بلوغ المرام من أدلة الأحكام ، والله أسأله أن لا يجعل ما علمناه علينا وبالا ، وأن يرزقنا العمل بما يرضيه سبحانه وتعالى.). أستمع حفظ
كتاب الطهارة
الوجه الأوّل: لأنّ الطهارة من آكد شروط الصّلاة لقوله تعالى: (( يا أيّها الذبن آمنوا إذا قمتم إلى الصّلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق )) ولقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتّى يتوضّأ ).
والأمر الثاني: أنّ الطّهارة تخلية لأنّها تنظيف للمكان فهي تخلية والتّخلية كما يقال: قبل التّحلية، اكنس البيت أوّلًا ثمّ افرشه ثانيًا، نظّف الأواني عن الأذى أوّلًا ثمّ اغسلها ثانيًا، فلذلك بدأوا بكتاب الطّهارة.
ثمّ اعلم أنّ الطّهارة نوعان: طهارة معنويّة وطهارة حسّيّة، وكلام الفقهاء رحمهم الله على الطّهارة الحسيّة، أمّا كلامهم لما يتكلّمون في التّوحيد والعقائد فالطّهارة عندهم من الطّهارة المعنويّة وهي الأصل، وهي طهارة القلب من الشّرك والشّك والنّفاق والغلّ والحقد والحسد وغير ذلك من الصّفات الذّميمة وهذه أهمّ من الطّهارة الحسيّة، لكن مع ذلك الإنسان محتاج إلى الطّهارتين جميعًا، نقف على هذا لأنّ وقت الأسئلة قد دخل، بالنّسبة للبلوغ إن شاء الله قرّرنا أن نشجّع من يريد أن يحفظه، لأنّ ابن حجر رحمه الله أشار إلى ذلك فأحثّ الإنسان الذي يستطيع أن يحفظ أن يحفظه، لأنّه كتاب مفيد ودرسنا أيضًا كما تعلمون لا نأخذ كثيرًا حتى يقول أتعبني لو حفظت فنحثّكم على ذلك، أمّا الإلزام فلا نستطيع أن نلزم أحدًا، وكذلك التّسميع لا نستطيع أن نسمع الجميع أي نعم أن نطلب من الجميع أن يسمعنا وإذا أخذنا أربعة خمسة لم يكن فيه ذاك الفائدة، نعم نقرأ.
القارئ : بسم الله الرّحمن الرّحيم .
الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله وسلّم وبارك على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أمّا بعد: فقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في كتابه بلوغ المرام: " كتاب الطّهارة: باب المياه
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في البحر: ( هو الطهور ماؤه ، الحل ميتته ) أخرجه الأربعة وابن أبي شيبة واللفظ له، وصحّحه ابن خزيمة والترمذي، ورواه مالك والشافعي وأحمد.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الماء طهور لا ينجسه شيء ) أخرجه الثلاثة وصحّحه أحمد.
وعن أبي أمامة الباهليّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ( إنّ الماء لا ينجّسه شيء إلا ماغلب على ريحه وطعمه ولونه ) أخرجه ابن ماجه وضعّفه أبو حاتم، وللبيهقيّ: ( الماء طهور إلا إن تغير ريحه، أو طعمه، أو لونه بنجاسة تحدث فيه ) ".
مراجعة و مناقشة تحت كتاب الطهارة
الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله وسلّم على نبيّنا محمّد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين .
هل أحد من العلماء الذين ألّفوا في الحديث على كتب الفقه خالف ابن حجر في اصطلاحه في المتّفق عليه؟ نعم من؟
الطالب : المجد بن تيمية رحمه الله تعالى.
الشيخ : في إيش؟ في أيّ كتاب؟
الطالب : ...
الشيخ : في أيّ كتاب؟
الطالب : في كتاب " المنتقى ".
الشيخ : في كتاب: " المنتقى " نعم إذا قال متّفق عليه فالمراد؟
الطالب : أخرجه أحمد والبخاري ومسلم.
الشيخ : نعم بارك الله فيك، أمّا الباقي فواضح، الطّهارة بدأنا فيها وقلنا إنّ الطّهارة تنقسم إلى قسمين: طهارة ظاهر وطهارة باطن. طهارة الباطن تعني طهارة القلب من الشّرك والشّكّ والنّفاق والحقد وغير ذلك من مساوئ الأخلاق، وطهارة الظّاهر تشمل الطّهارة من الحدث والطّهارة من النّجاسة، وذكرنا أيضًا فيما سبق أنّ العلماء بدأوا بالطّهارة لأنّها مفتاح الصّلاة، والصّلاة آكد أركان الإسلام بعد الشّهادتين، ولهذا ذكروا الطّهارة ثمّ الصّلاة ثمّ الزّكاة ثمّ الصّيام ثمّ الحجّ على التّرتيب الذي جاء في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين سأل جبريل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن الإسلام.
باب المياه
والمياه هي ذلك الجوهر السائل وهو من أسهل الأمور تناولًا ومن أغلاها عند الحاجة إليه، الماء أسهل الأمور تناولًا وأغلاها عند الحاجة إليه، ربّما يكون الفنجان الواحد عند الحاجة إليه يساوي مئات الدّراهم أليس كذلك؟
الطالب : بلى.
الشيخ : طيب، إذن هو غالٍ رخيص، ولهذا قال العلماء: لو أنّ إنسانًا أتلف قربة من الماء بمفازة قيمتها هناك خمسمائة درهم وقيمتها في البلد درهمان فهل يضمّن بخمسمائة درهم أو بدرهمين؟ يضمّن بالأوّل لأنّها غالية في مكانها.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في البحر :( هو الطهور ماؤه ، الحل ميتته ). أخرجه الأربعة وابن أبي شيبة ، واللفظ له . وصححه ابن خزيمة والترمذي ، ورواه مالك والشافعي وأحمد .
أبو هريرة هو أكثر الصّحابة رواية عن النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، لأنّه اعتنى بالحديث وحفظه وصار متفرّغًا، وإلاّ فإنّنا نعلم أنّ أبا بكر رضي الله عنه أكثر تلقّيًا من أبي هريرة بالنّسبة لحديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لأنّه أكثر ملازمة منه لكنّ أبا بكر رضي الله عنه في حياة النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام التّحديث عنه قليل، لأنّ النّاس يأخذون عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مباشرة بدون واسطة، بعد موته تعلمون أنّ أبا بكر رضي الله عنه اشتغل بأعباء الخلافة وتدبير الدّولة، والنّاس أيضًا يهابون أن يشغلوه بالتّلقّي عنه وهو لم يتفرّغ له فلهذا كان أقلّ بكثير ممّا نقل عن أبي هريرة، ولهذا لو سئلنا أيهما أكثر حديثًا أبو هريرة أو أبو بكر؟
الطالب : أبو بكر.
الشيخ : نقول أمّا بالنّسبة للتّلقّي عن الرّسول فهو أبو بكر لا شكّ عندنا في هذا، وأمّا بالنّسبة لنقل الحديث عن الرّسول فهو أبو هريرة رضي الله عنه.
قال: " قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في البحر " في البحر هذا من كلام ابن حجر رحمه الله ليس من كلام أبي هريرة ولا من كلام النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، لكن المؤلّف كما تعلمون جعل الكتاب مختصرًا فقال في البحر، قال فيه: ( هو الطّهور ماؤه الحلّ ميتته ) وللحديث سبب، سببه أنّ قومًا أتوا إلى النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم وقالوا: ( يا رسول الله إنّا نركب البحر وليس معنا ماء نتوضّأ به أفنتوضّأ بماء البحر؟ فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيه: هو الطّهور ماؤه الحلّ ميتته ) لم يقل نعم بل قال: ( هو الطّهور ماؤه الحلّ ميتته ) مع أنّ الرّسول عليه الصّلاة إذا سئل مثل هذا السّؤال يقول: نعم، سأله رجل أنتوضّأ من لحوم الإبل قال: ( نعم ) لكن هنا عدل عن كلمة نعم إلى قوله: ( الطّهور ماؤه ) ليكون ذلك أشمل وأعمّ فيتطهّر به ولا يتطهّر منه، بمعنى أنّه لو أصاب الثّوب والبدن فإنّه لا يجب غسله منه لأنّه طهور، وأيضًا يتطهّر به من الحدث الأصغر والأكبر والنّجاسة، وهذا من حسن جواب الرّسول عليه الصّلاة والسّلام، فكلمة الطّهور ماؤه أعمّ من كلمة نعم لو قال نعم، لأنّه لو قال نعم لكان المعنى تطهّروا به أو توضّأوا به، لكن قال: ( هو الطّهور ماؤه ) أيضًا زادهم على ذلك فقال: ( الحلّ ميتته ) الحلّ يعني حلال ميتته والمراد بميتته ميتة من لا يعيش إلاّ فيه، إلاّ في البحر وليس المراد ما مات في البحر، ولهذا لو سقطت شاة في البحر وماتت فهي إيش؟ حرام ميتة لكن المراد بميتته مضاف إلى البحر، يعني: ميتة ما لا يعيش إلاّ في البحر حلال، هكذا كان جواب النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم.
وكلمة الطّهور بالفتح بفتح الطاء وهي اسم لما يتطهّر به كالسّحور اسم لما يتسحّر به، والوجور اسم لما يتجور به المريض وهلمّ جرّا، أمّا الطّهور بالضّمّ فهو مصدر أو اسم مصدر وهو عبارة عن فعل فمثلًا إذا قرّب الإنسان ماء يتوضّأ به فالماء يسمّى إيش؟ طَهورا أو يسمّى وَضوءا ونفس فعل الوضوء يسمّى طُهورًا أو وضوءا فالفرق إذن بين فتح أوّله وضمّه هو أنّه إن أريد الفعل فهو مضموم وإن أريد ما يطهّر به فهو بالفتح ونظيره السّحور اسم لما يؤكل في السّحر، والسّحور اسم للأكل.
10 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في البحر :( هو الطهور ماؤه ، الحل ميتته ). أخرجه الأربعة وابن أبي شيبة ، واللفظ له . وصححه ابن خزيمة والترمذي ، ورواه مالك والشافعي وأحمد . أستمع حفظ
فوائد حديث ( هو الطهور ماؤه ، الحل ميتته ).
ومن فوائد هذا الحديث: أنّ ماء البحر طهور، أنّ ماء البحر طهور بدون استثناء إلاّ ما يقيّده في الحديث يعني إلاّ إذا تغيّر بنجاسة وإلاّ فإنّه طهور، حتى لو فرض أنّه قد طفى على سطحه شيء من الأذى أو من الدّهن أو من البنزين أو ما أشبه ذلك فإنّه طهور، لأنّ هذا لا يغيّره.
ومن فوائد هذا الحديث أيضًا: حسن تعليم الرّسول عليه الصّلاة والسّلام وإجابته حيث يعمد إلى الأشياء الجامعة العامّة، وقد أعطي صلّى الله عليه وسلّم جوامع الكلم واختصر له الكلام اختصارًا، وجه ذلك أنّه قال: ( هو الطّهور ماؤه ).
ومن فوائد هذا الحديث: جواز زيادة الجواب على السّؤال إذا دعت الحاجة إلى ذلك، وجهه؟ أنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام زاد على سؤال السّائلين لبيان حكم ميتة البحر فقال الحلّ ميتته لماذا؟ لأنّ هؤلاء إذا كان أشكل عليهم الوضوء في ماء البحر فالظّاهر أنّه سيشكل عليهم ميتة البحر إذا وجدوا سمكًا طافيًا على الماء ميّتًا سوف يشكل عليهم من باب أولى، فلهذا أعلمهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بحكم ميتة البحر مع أنّهم لم يسألوا عنه.
ومن فوائد هذا الحديث: أنّ جميع الأسماك والحيتان حلال لعموم قوله: ( ميتته ) وميتة هنا مفرد مضاف فيعمّ فكلّ ما في البحر من أسماك وحيتان فإنّه حلال وطاهر أو غير طاهر؟
الطالب : طاهر.
الشيخ : من أين علمنا أنّه طاهر؟
الطالب : حلال.
الشيخ : من أنّه حلال لأنّ لدينا قاعدة مفيدة وهي أنّ كلّ حلال فهو طاهر، كلّ حلال فهو طاهر وليس كلّ طاهر حلالًا، وكلّ نجس فهو حرام وليس كلّ حرام نجسًا، صحّ؟ نعم كلّ حلال فهو طاهر هذه واحد وليس كلّ طاهر حلالًا، كلّ نجس حرام وليس كلّ حرام نجسًا، طيب كلّ حلال طاهر واضح، ليس كلّ طاهر حلالًا مثل: الأشياء الضّارّة كالسّمّ والدّخّان والحشيشة وما أشبه ذلك فهذه إيش؟ طاهرة وهي حرام على خلاف في مسألة الحشيشة والخمر، لكن على القول الرّاجح أنّها طاهرة، طيب الثّانية كلّ نجس حرام صحّ؟
الطالب : نعم.
الشيخ : الدّليل؟ (( قل لا أجد فيما أوحي إليّ على طاعم يطعمه إلاّ أن يكون ميتة أو دمًا مسفوحًا أو لحم خنزير فإنّه رجس )) فعلّل الله تعالى التّحريم بالنّجاسة فدلّ ذلك على أنّ كلّ نجس فهو حرام، هذا من جهة الأثر الدّليل الأثري، الدّليل النّظري إذا كان يجب علينا أن نزيل أثر هذا الشّيء من ظاهرنا فكيف إيش؟ ندخله إلى بواطننا وليس كل حرام نجسًا صحّ؟
الطالب : نعم.
الشيخ : نعم وهو كذلك كالدّخان والسّمّ وشبهه فإنّه حرام وليس بنجس، طيب إذن نستفيد من هذا الحديث: أنّ جميع ميتات البحر حلال وجميع حيتانه وأسماكه حلال حيّها وميّتها فإن قال قائل ما تقولون فيما كان من جنس السّباع من الحيتان أحلال هو أم لا؟ الجواب حلال، هو حلال يوجد أسماك وحيتان في البحر تعدو على الإنسان وتأكله كما يعدو السّبع في البرّ ويعدو الإنسان فهل هذه حرام؟ الجواب: لا، حتى لو كانت على صورة حيّة أو على صورة إنسان أو على صورة كلب فإنّها حلال لعموم الأدلّة، فإن قال قائل: هل في القرآن ما يدلّ على حلّ ميتة البحر؟ قلنا نعم وهو قوله تعالى: (( وأحلّ لكم صيد البحر وطعامه متاعًا لكم )) قال ابن عبّاس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى: (( وطعامه )) إنّه ما أخذ ميتًا طيب لو أنّ الماء تغيّر بسمك ميّت فهل يكون طهورًا؟
الطالب : نعم.
الشيخ : نعم يكون طهورًا لأنّه تغيّر بشيء طاهر حلال فلا يضرّ، ثمّ قال: " أخرجه الأربعة "، من هم الأربعة؟
الطالب : ...
الشيخ : طيب، " وابن أبي شيبة واللّفظ له وصحّحه ابن خزيمة والترمذي ورواه مالك والشافعي وأحمد " الأئمّة الثلاثة رووا الحديث، وقوله: " اللّفظ له "، اعلم أنّ العلماء رحمهم الله الذين ينقلون من الأصول كصاحب البلوغ وغيره قد يختارون أحد الألفاظ ولو ممّن دون غيره رتبة في الصّحّة، لأنّه أشمل وأوسع فيختارون هذا اللّفظ وإن كان قد رواه من هو أشدّ منه تحريّا للصّحيح ،لكنّه يكون بلفظ مختصر أو سياق ليس بجيّد أو ما أشبه ذلك، المهمّ أنّهم قد يختارون اللفظ لفظ المخرّج وإن كان أقلّ رتبة من الآخر لحسن سياق اللّفظ.
وقوله: " صحّحه " أي حكم بصحّته، واعلم أنّ الحديث الصّحيح عند العلماء هو ما اجتمع فيه خمسة شروط: الأوّل: أن يكون الرّاوي له عدلًا، والثاني: أن يكون تامّ الضّبط، والثالث: أن يكون الإسناد متّصلًا، والرّابع: أن يكون سالمًا من الشّذوذ، والخامس: أن يكون سالمًا من العلّة القادحة، خمسة شروط أعدها عليّ؟
الطالب : ما رواه عدل تام الضبط.
الشيخ : لا، قلها كما قلتها أنا.
الطالب : عدل، تامّ الضّبط، متّصل الإسناد وخالٍ من الشّذوذ وخالٍ من العلّة.
الشيخ : نعم، هذا هو الصّحيح فإن اختلّ بتمام الضّبط بأن كانت الشّروط تامة إلاّ تمام الضّبط فيكون الرّواة أو أحدهم عنده خفّة في الضّبط انتقل من الصّحّة إلى الحسن وصار حسنًا، فإن اختلّت العدالة فهو ضعيف وإن اختلّ الضّبط كلّه فهو ضعيف، وإن اختلّ اتّصال السّند فهو ضعيف، وإن اختلّت السّلامة من الشّذوذ فهو ضعيف، وإن اختلّ من السّلامة من العلّة القادحة فهو ضعيف، انتبه حتى لو فرض أنّ الحديث روي في كتاب يعتبر من الكتب الصّحيحة، ومن ذلك مثلًا ما رواه مسلم في صفة صلاة الكسوف أنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم صلّى ثلاث ركوعات في كلّ ركعة، فهذا وإن كان في صحيح مسلم فهذا وإن كان في صحيح مسلم فإنّه شاذّ لعدول البخاريّ عنه واتّفاق البخاري ومسلم على أنّ في كلّ ركعة ركوعين، وقد أجمع المؤرّخون على أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لم يصلّ صلاة الكسوف إلاّ مرّة واحدة، وعلى هذا فيحكم على ما سوى الرّكوعين في كلّ ركعة بأنّه شاذّ.
ومن ذلك أيضًا ما رواه مسلم في حديث المعراج حيث إنه رواه عن شريك وقدّم فيه وأخّر فيعتبر هذا مخالفًا لما اتّفق عليه الإمامان البخاري ومسلم يعتبر شاذّا، ومن ذلك على القول الرّاجح ( أفلح وأبيه إن صدق ) فإنّ قوله: ( وأبيه ) لم ترد في البخاري إنّما وردت في إحدى روايات مسلم وعلى هذا فتكون شاذّة، على كلّ حال الشّذوذ في الحقيقة وإن كان مخرّجًا في كتاب صحيح فإنّ الوهم وارد على كلّ إنسان ليس كلّ أحد معصوم من كلّ وهم، لا بدّ أيضًا يسلم من العلّة القادحة وهي التي تقدح في أصل الحديث أو في سند الحديث، وأمّا غير القادحة فإنّها لا تضرّ، ومن غير القادحة اختلاف الرّواة في مقدار ثمن جمل جابر رضي الله عنه، واختلافهم أيضًا في مقدار ثمن القلادة التي في حديث فضالة بن عبيد هل هو اثنا عشر دينارًا أو أقلّ أو أكثر هذا لا يضرّ لأنّها علّة غير قادحة، المهمّ إذا قيل ما هو الصّحيح على اصطلاح المحدّثين؟ قُل: ما رواه عدل تامّ الضّبط بسند متّصل وسلم من الشّذوذ ومن العلّة القادحة، فإن اختلّ تمام الضّبط وباقي الشّروط موجودة فهو الحسن، وإن اختلّت بقيّة الشّروط فهو الضّعيف.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن الماء طهور لا ينجسه شيء ). أخرجه الثلاثة وصححه احمد .
إنّ الماء: أي جنس الماء فأل هنا للجنس فيشمل كلّ أنواع المياه. طهور: أي مطهّر لأنّنا قلنا الطّهور ما إيش؟ يتطهّر به.
( إنّ الماء طهور لا ينجّسه شيء ) كلمة شيء نكرة في سياق النّفي فتعمّ كلّ شيء يقع في الماء فإنّه لا ينجّسه، ومن المعلوم أنّ هذا العموم غير مراد بلا شكّ، لأنّه لو وقع في الماء نجاسة فغيّرته فإنّه يكون نجسًا بالإجماع، وعلى هذا فيكون هذا العموم مخصوصًا بما تغيّر بالنّجاسة فإنّه يكون نجسًا بالإجماع، ولهذا قال النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام في السّمن تقع فيه الفأرة قال: ( ألقوها وما حولها ) لأنّها هي وما حولها ستكون نجسة لأنّها إذا ماتت أنتنت رائحتها وأنتن معها السّمن.
12 - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن الماء طهور لا ينجسه شيء ). أخرجه الثلاثة وصححه احمد . أستمع حفظ
فوائد حديث ( إن الماء طهور لا ينجسه شيء ).
ومن فوائد هذا الحديث: أنّ الأصل في الماء الطّهارة لقوله: ( إنّ الماء طهور ) وعلى هذا فإذا شككنا في ماء هل هو طهور أو نجس فهو طهور.
ومن فوائد هذا الحديث: أنّ الماء إذا تغيّر بطاهر فإنّه طهور لقوله: ( لا ينجّسه شيء ).
ومن فوائد الحديث: طهارة الماء إذا غمس الإنسان يده فيه بعد قيامه من نوم اللّيل مع أنّ الرّسول نهى أن يقوم الرّجل من نوم اللّيل أن يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثًا، لكن الرّسول عليه الصّلاة والسّلام لم يقل إنّ الماء ينجس وإنّما نهى عن الغمس فقط، وإذا كان لم يقل إنّه ينجس دخل في عموم هذا الحديث أنّه يكون طهورًا باقيًا على طهوريّته.
ومن فوائد هذا الحديث: جواز تخصيص السّنّة بالإجماع لقوله: ( لا ينجّسه شيء ) وقلنا أنّ هذا مخصوص بالإجماع في أنّ الماء إذا تغيّر بالنّجاسة فإنّه يكون نجسًا على أنّ هذا التّخصيص قد يعارض في كونه ثابتا بالإجماع، لأنّ هناك نصوصًا تومئ إلى أنّ ما تغيّر بالنّجاسة فهو نجس كما سنذكره إن شاء الله فيما بعد.