تحت باب الوضوء
تتمة شرح الحديث السابق ( وعن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء ، ثم يقول : أشهد أن لا إله إلى الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إلا فتحت له أبوب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء ) . أخرجه مسلم والترمذي ، وزاد : ( اللهم أجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ).
ولا النافية للجنس لا تعمل إلا في النكرات ، وعلى هذا فلا يصح أن نعرب الله على أنه خبرها ، لأن من شرطها أن تعمل في النكرات.
طيب إذًا أين الخبر ؟
الخبر محذوف ، قدره بعضهم : لا إله موجود ، وهذا التقدير لا يصح ، لماذا ؟ لأنه موجود آلهة غير الله ، قال الله تبارك وتعالى : (( فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك )) ، وقال تعالى : (( ولا تجعل مع الله إلها آخر )) ، فالآلهة موجودة .
وقال تعالى في ذكر بطلان آلهة المشركين : (( إن هي إلا أسماء سميتموها )) ، فهم يسمونها آلهة لكن هل هي آلهة حق ؟
لا، وعليه فنقول : من قدر لا إله موجود فإنه غلط غلطا فاحشاً من وجهين :
الوجه الأول : أن الواقع يكذبه، لأنه توجد آلهة سوى الله.
الوجه الثاني : إذا قال : لا يوجد إله إلا الله، لزم أن تكون هذه الآلهة هي الله، وهذا خطأ فاحش، إذًا ما الذي نقدر ؟
نقدر ما دل عليه القرآن: (( ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل )) : فنقدر حق ، وهو أحسن من تقديرنا : بحق ، لأنك إذا قدرتها بحق لزم أن تكون بحق جار ومجرور متعلق بمحذوف والتقدير: لا إله كائن بحق إلا الله ، ومتى أمكن عدم الإضمار فهو أولى ، لاسيما أن عدم الإضمار فيه مطابقة للقرآن : (( ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل )) ، وعلى هذا نقدر : لا إله حق إلا الله .
فإذا قال قائل : يعني المعنى غير بين ؟
نقول : هو بين ، تقول : لا رجل قائم إلا زيد يمكن أو لا يمكن ؟
يمكن، لا رجل قائم إلا زيد فنقول : رجل اسمها وقائم خبرها.
وعليه فنقول : الله لفظ الجلالة يكون بدلا من الخبر المحذوف ، والبدل حكما له حكم المبدل ، فعلى هذا يكون المعنى: أنه لا يوجد إله حق إلا الله عز وجل وهذا هو المطلوب.
( لا إله إلا الله، وحده لا شريك له ) : عندنا وحده توكيد للإثبات أو للنفي ؟ الطالب : للإثبات .
الشيخ : للإثبات ، توكيد للإثبات .
( لا شريك له ) توكيد للنفي، وحق لهذه الكلمة بمعناها العظيم أن تؤكد بأن الله وحده هو الحق ، لا شريك له لا مشارك له في هذه الألوهية .
( وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ) نقول في أشهد مثل ما قلنا في أشهد الأولى، وأن محمدًا هنا أن بقيت على ثقلها أو خففت ؟
بقيت على ثقلها لأنها تصح أن تدخل على الجملة الاسمية، أشهد أن محمدًا عبده ورسوله :
محمد علم شائع في جنس الأعلام فمن هو ؟
نعم محمد بن عبد الله الهاشمي القرشي صلوات الله وسلامه عليه ، وإنما لم يقيد بوصف يبينه لأنه قد ملأ القلوب ، علم يعرف أنه فلان ، العلم ليس يعين الشخص بنفسه لكن يعين المسمى به ، وإذا كان المسمى به محمد مثلا عشرة صار مبهما أو معينا ؟
مبهم، لكن هذا لما كان معرفته في القلوب حالَّة لا يمكن أن ينصرف القلب لغيره أغنى عن ذكر الصفة الكاشفة ، وصار المراد بمحمد : محمدا رسول الله الهاشمي القرشي صلوات الله وسلامه عليه ، وحقق لنا ولكم اتباعه.
( أن محمدًا عبده ورسوله ) : هذه عبودية أخص أنواع العبودية ، لأن العبودية أنواع : عبودية عامة : وهي التعبد لله تعالى كوناً ، التعبد لله كوناً هذا شامل لجميع الخلق ، كل الخلق يتعبدون لله كونا لا يمكن أن يخرجوا عن طاعته أبدًا حتى الكافر ؟ حتى الكافر عبد ؟
الطالب : في العموم ؟
الشيخ : إي في العموم ، في العبادة الكونية ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : نعم ، حتى الكافر هو عبد لله ، قال الله تبارك وتعالى : (( إن كل من في السموت والأرض )) ، (( كل من في السموت والأرض إلا آتي الرحمن عبدا )) : وهذه العبودية العامة لا يحمد عليها الإنسان ، لأن الإنسان مسخر ، عبودية خاصة : وهي العبودية بالشرع ، وهي التعبد لله بشرعه هذه هي التي يحمد عليها الإنسان وهي مدار الثناء .
العبودية لله بالشرع أقسام بعضها أخص من بعض ، فعبودية الصالحين ليست كعبودية الأولياء ، لأن عبودية الأولياء أخص ، عبودية الأولياء ليست كعبودية الأنبياء ، عبودية الأنبياء أخص ، عبودية الأنبياء ليست كعبودية الرسل ، عبودية الرسل أخص ، لأنهم محملون إبلاغ الرسالة إلى عباد الله والجهاد عليها إذا أذن لهم بالجهاد وصف النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالعبودية من أي الأنواع ؟
من أخص الأخص ، بل هو عليه الصلاة والسلام وإخوانه من أولي العزم هم أخص أنواع العبودية ، ولذلك انظر إلى أعماله عليه الصلاة والسلام ماذا يصنع ؟
ذكر استغفار صلاة صدقة بذل لا يوجد له نظير ، حتى إنه عليه الصلاة والسلام لما كان يصلي حتى تتفطر قدماه يقال له في ذلك فيقول : ( أفلا أكون عبدا شكورا ) : يعني هذه هي العبودية التامة ، أما الرسالة فحدث ولا حرج :
يخرج إلى الناس في أوطانهم يدعوهم إلى الله عز وجل ، ويرجع وهم قد أدموا عقبه ولم يستجيبوا له ، ومع ذلك هو صابر .
وخروجه إلى أهل الطائف ودعوته إياهم ، ثم إهانتهم له حتى يرموه بالحجارة ويدموا عقبه ، ثم يرجع لم يفق إلا في قرن الثعالب ، ويأتيه ملك الجبال يقرئه السلام ويقول : ( إن الله أمره إذا شاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطبق عليهم الأخشبين ) : الآن الأمر بيده بإذن الله عز وجل ، لو شاء لأمر ملك الجبال أن يطبق عليهم الأخشبين ، لكنه ماذا قال ؟
قال : ( أستأني بهم ) أتأنى ، ( لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به ) ، وهذا وقع .
أتجدون أحدا أصبر من هذا ؟
حتى الفطرة والطبيعة تقتضي أن ينتقم الإنسان من هؤلاء وأمثالهم، لكنه عليه الصلاة والسلام لا ينتقم لنفسه أبدا، إنما أمره لله ، إذًا هو قد اتصف بأكمل أنواع العبودية.
( ورسوله ) يعني المرسل من قبله ، من قبل الله عز وجل ، فهو رسول من الله إلى مَن ؟
إلى الإنس والجن، إلى جميع الناس من يهود ونصارى ووثنيين وملحدين إلى كل الخلق.
وهل أرسل إلى الملائكة أو لا ؟
هذا محل لا حاجة إلى بحثه، لكنه أرسل إلى الجن والإنس، فالإنس والجن كلهم مكلفون بقبول رسالته والشهادة له بالرسالة.
وما أحسن كلمةً التي قالها الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله قال : " هو عبد لا يعبد ورسول لا يكذب " ، هذه يعني جملة جيدة جدًا، وتصورها سهل وهي جامعة : " هو عبد لا يعبد ورسول لا يكذب " : وسيأتينا إن شاء الله في البحث فوائد هذا الحديث : أن الناس صاروا فيه طرفين ووسط :
طرف عبدوه ، وطرف كذبوه ، والوسط من عبدوا الله برسالته وصدقوه ، هؤلاء هم الوسط ، -الأسئلة أعلن دخولها، ولا لا؟ أو تبون نستمر في الشرح؟-. طيب يقول عليه الصلاة والسلام : ( ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يقول : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة ) :
دائما في القرآن الكريم يشير الله إلى هاتين الشهادتين في عدة مواضع، نذكر منها موضعا واحدا وتقيسون عليه الباقي، قال الله تعالى : (( أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين )) : هذه تتضمن الشهادة لله عز وجل حيث جاء قوله وهو كلامه بتحقيق التوحيد، (( أم لم يعرفوا رسولهم )): هذه شهادة أن محمد رسول الله، وهذا يأتي في القرآن كثيرًا، أن الله يذكر أولا ما يتضمن التوحيد ثم ما يتضمن الرسالة .
قوله : ( إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء ) : ( فُتِّحت ) : من المعلوم أن الجنة ليست في الأرض، وأن القائل لا يشاهدها ولا يشاهد أبوابها، لكن إذا جاءنا الخبر عن الصادق المصدوق فما موقفنا منه ؟
أن نصدق به أكثر مما نصدق ما نشاهده بأعيننا ، لأن العين قد تخطئ ، وخبر النبي عليه الصلاة والسلام لا يخطئ ، وعلينا أن نؤمن بهذا الأمر الغيبي ، وأن الإنسان إذا تطهر وأسبغ الوضوء وقال هذا : فتحت له أبواب الجنة .
فماذا يترتب على فتحها ؟
يترتب على فتحها له أن الله ييسر له جميع الأعمال التي بها يدخل هذه الأبواب ، وتعرفون أن أبواب الجنة منها : باب للصلاة وباب للصيام وباب للصدقة وباب للجهاد كما جاء في الحديث ، فيكون مضمون هذا أن الله تعالى ييسر لهذا المتوضئ الذي أكمل وضوءه بالتوحيد وهي طهارة القلب، ييسر له الأعمال التي يدخل بها من أبواب الجنة الثمانية ، يدخل من أيها شاء .
" أخرجه مسلم والترمذي وزاد -يعني الترمذي- : ( اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ) " :
( اللهم ) يعني يا الله ( اجعلني ) أي : صيرني من التوابين الذين يكثرون التوبة من كل ذنب فعلوه .
( واجعلني من المتطهرين ) الذين تطهروا بأبدانهم وقلوبهم ، وهذا مأخوذ من قول الله تبارك وتعالى : (( فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يجب التوابين ويجب المتطهرين )) .
فإذا جعلك الله من التوابين المتطهرين ، فإنك تنال بذلك محبة الله نعم .
الطالب : شيخ بارك الله فيكم مر معنا فيما سبق أن أبواب الجنة الثمانية يدخل من باب الصيام من أكثر الصيام .
الشيخ : نعم .
الطالب : ومن أكثر الصيام ، ويوجد كثير من الناس ممن يقول هذه الكلمة الأعمال الصالحة هل هذا له عدل ، يعني داخل في قوله وهو ممن يدخلها ؟
الشيخ : هو الواقع أن هذا السؤال يأتي بعد ذكر الفوائد لكن لا بأس أن نجيب عليه :
جميع الأسباب التي ترد في الكتاب والسنة حق لكن يوجد موانع ، الموانع في الأعمال الصالحة قد تكون من جهة القلب وإخلاصه قد يكون من جهة الاتباع وما أشبه ذلك ، حتى الأمور الكونية ، الرسول عليه الصلاة والسلام قال : ( إن الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا الموت ) أليس كذلك ؟
ومع ذلك يتداوى بها كثير من المرضى ولا ينتفعون ، وليس هذا إبطال لقول الرسول عليه الصلاة والسلام ، بل هذا لوجود مانع ، فهذه الأشياء مهمة أو هذا الإشكال الذي أوردت مهم ، نحن يجب علينا أن نؤمن بأن الأسباب الكونية والشرعية التي جعل الله أسبابا حق وإذا تخلفت فهو إما لقصور في السبب وإما لوجود مانع ، أي نعم ، نعم يحيى ؟
الطالب : أحسن الله إليكم قوله تعالى : (( إن الله يحب التوابين )) التوابين صيغة مبالغة .
الشيخ : نعم .
الطالب : من تاب مرة هل يدخل في هذا ؟
الشيخ : لا ، يدخل ومن باب أولى، التوابون ما يتوب إنسان إلا من ذنب، فإذا أذنب وتاب، أذنب وتاب، أذنب وتاب، أذنب وتاب، أحبه الله ولهذا أخبر النبي عليه الصلاة والسلام عن رجل أذنب ذنبا فتاب إلى الله ، ثم غلبته نفسه فيما بعد ففعله وتاب إلى الله، ثم غلبته نفسه في الثالثة ففعل وتاب إلى الله، فقال الله عز وجل : ( علم عبدي ) وفي لفظ: ( أَعَلِم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذه به قد غفرت لعبدي فليعمل ما شاء ) : هذه من جهة. من جهة أخرى : قد تكون صيغة المبالغة باعتبار كثرة التائبين، لا كثرة التوبة من واحد ، أفهمت ؟ طيب.
إي نعم ؟
الطالب : قوله : ( ارجع فأحسن وضوءك ) .
الشيخ : إيش ؟
الطالب : قوله للرجل الذي رأى في قدمه لمعة .
الشيخ : نعم .
الطالب : ... مدة طويلة ، ومن المعروف أنه إذا طالت الموالاة ... ؟
الشيخ : ما يمكن توضأ حول المسجد أو الرسول رآه في غير المسجد أو قد يكون في سفر من الأسفار انتهى من الوضوء وعلى طول رآه .
الطالب : يا شيخ هذا يرجح القول الثالث .
الشيخ : ما هو ؟
الطالب : الاحتمال الأول أن الموالاة طالت المدة يعني بين الأمر بالوضوء وبين الأمر بالإعادة ، فيكون المعنى إحسان فقط يعني ارجع فأحسن وضوءك العضو .
الشيخ : أي نعم ، أنا أنصحك وإخوانك ألا تنظروا إلى النصوص بعين أعور فتضلوا ، الأحاديث الأخرى التي يقول : ( أمره أن يعيد الوضوء ) صريحة في أنه أمره بالإعادة .
ونحن قلنا في الشرح الإحسان يحتمل أنه إحسان بالوضوء كله فيبتدأ من أوله، ويحتمل أنه تمام يعني أو كمال، وترى ما ضلَّ من ضلَّ من الناس حتى في العقائد إلا بهذا الطريق أن الإنسان ينظر إلى النصوص من جانب واحد، أهل التمثيل مثلوا الله بخلقه نظروا إلى إيش ؟
إلى نصوص الإثبات، وأهل التعطيل نظروا من جانب واحد، وهي نصوص التنزيه أو نفي التمثيل ، فالمهم أنا أنصحكم ألا تنظروا إلى النصوص من جانب واحد ، الشريعة واحدة ، يقيد بعضها بعضًا ، وتخصص بعضها بعضا ، نعم ؟
الطالب : أحسن الله إليكم في قولنا كان إذا أتى بعضها مضارع فإنها تفيد الدوام غالبا .
الشيخ : نعم .
الطالب : تفيد الدوام غالبا هل معنى أن بعض الأدلة التي كان فيها يعني الفعل كان والفعل المضارع أنها تفيد الدوام فنستمر عليها غالبا في هذه ؟
الشيخ : أي نعم هو غالبا نعم ، هو غالب تفيد العموم تفيد الدوام .
الطالب : غالبا متعلقة .
الشيخ : تفيد الدوام غالبا ، وقد تأتي لغير الدوام ، نعم ؟
الطالب : كان رسول الله يتوضأ بالمد هذا يدل على أن الماء قليل جدا فهل كان يعني دائما يتوضأ مرة مرة ؟
الشيخ : هذا هو الغالب ، الغالب أنه يتوضأ بالمد .
الطالب : وفي مرة مرة ؟
الشيخ : كيف ؟
الطالب : يكون الوضوء غالبا مرة واحدة ؟
الشيخ : ما تقدر تقول ذلك ، يقدر الإنسان يأخذ شيء يسير ويقول هكذا ويجري ، لكن السبب أن نستغرب هذا الشيء لأنا ما تعودنا عليه ، ابن عباس رضي الله عنهما يقولون : إنه كان يتوضأ ولا يوجد نقط تحت وضوئه ، نحن ما تعودنا على هذا ، انتهى ؟
2 - تتمة شرح الحديث السابق ( وعن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء ، ثم يقول : أشهد أن لا إله إلى الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إلا فتحت له أبوب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء ) . أخرجه مسلم والترمذي ، وزاد : ( اللهم أجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ). أستمع حفظ
فوائد حديث ( ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء ...).
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين :
من فوائد حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه : الحث على إسباغ الوضوء، لما يترتب عليه من الفضيلة إذا ذكر الذكر من بعده، لقوله : ( ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء ).
ومنها : أنه لا بد لحصول الثواب من الإسلام، فلننظر هل هذه الفائدة واضحة ؟
يمكن تؤخذ من قوله : ( ما منكم من أحد يتوضأ ) ، والخطاب للمؤمنين، غير المؤمن لو توضأ أحسن الوضوء فإنه لا يحصل له ذلك بل ولا يقبل منه.
ومن فوائد هذا الحديث : حكمة الشريعة بالتناسب في شرائعها، حيث إنه لما حصلت الطهارة الحسية الظاهرة ندب إل الطهارة المعنوية، فإن التوحيد تطهير للقلب من الشرك، والوضوء تطهير للأعضاء من الحدث.
ومن فوائد الحديث : أنه لا بد مِن النطق باللسان فيما يعتبر قولًا، أي : لا بد للقول من النطق فيه باللسان، لقوله : ( ثم يقول : أشهد ) ، ولا يكفي أن يمر ذلك على قلبه بل لا بد من النطق .
ومن فوائد هذا الحديث : إثبات توحيد الألوهية لقوله : ( أشهد أن لا إله إلا الله ) ، وتوحيد الألوهية له قسمان :
توحيد الألوهية باعتبار تعلقه بالله عز وجل ، وتوحيد العبادة باعتبار تعلقه بفعل العبد ، ولهذا يعبر عنه بعضهم بتوحيد العبادة وبعضهم بتوحيد الألوهية. ومن فوائد هذا الحديث : بطلان جميع الآلهة سوى الله، لقوله : ( لا إله إلا الله )، ( أشهد أن لا إله إلا الله ) .
ومن فوائد هذا الحديث : تأكيد الكلمات المهمة في قوله : ( وحده لا شريك له ) : فالأشياء المهمة ينبغي أن تؤكد إما توكيدًا لفظيا وإما توكيدا معنويا، واعلم أن التوكيد هنا ليس المراد به التوكيد الذي ذكره النحويون ، فإن التوكيد الذي ذكره النحويون لفظي ومعنوي، والمعنوي له ألفاظ مخصوصة مثل كل وجميع وما أشبه ذلك، لكن هنا توكيد معنوي بذكر جملة تفيد معنى الجملة التي سبقها.
ومن فوائد هذا الحديث : شهادة أن محمدًا عبد الله ورسوله مقترنة بشهادة التوحيد، ووجه ذلك أن كل عبادة لا بد فيها من إخلاص، ولا بد فيها من متابعة، فبالإخلاص تتحقق شهادة أن لا إله إلا الله، وبالمتابعة تتحقق شهادة أن محمدًا عبد الله ورسوله .
ومن فوائد الحديث : الرد على الغلاة في النبي صلى الله عليه وسلم ، لقوله : ( أن محمدا عبده ) ، فليس للنبي صلى الله عليه وسلم حظ من الربوبية ، هو عبد عليه الصلاة والسلام وليس برب .
ومن فوائد الحديث : الرد على منكري رسالة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله إيش ؟
( ورسوله ) .
ومن فوائد الحديث : فضيلة النبي صلى الله عليه وسلم حيث جمع بين شرف العبادة وشرف الرسالة ، لقوله : ( عبده ورسوله ) .
ومن فوائد الحديث : وجوب تصديق النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به عن الله لكونه رسولا من عنده ، والله تبارك وتعالى قال : (( ولو تقول علينا بعض الأقاويل * لأخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه الوتين * فما منكم من أحد عنه حاجزين )) : فكل ما أخبر به عليه الصلاة والسلام عن الله فإنه حق وصدق .
وكذلك كل ما أخبر به عما وقع ، يعني عن الوقائع حتى وإن لم تتعلق بالشرائع فإنه يجب تصديقه عليه الصلاة والسلام ، لأنه معصوم من الكذب .
ومن فوائد الحديث : فضيلة هذا الذكر عقب الوضوء ، لكن عقب أي وضوء ولا الوضوء الكامل ؟
الكامل ، لقوله : ( فيسبغ الوضوء ) .
المؤلف -رحمه الله- ساق ذكرا في أول الوضوء وذكرا في آخر الوضوء : الذكر في أوله البسملة والذكر في آخره هذا الذي سمعتم.
وأما في أثناء الوضوء فإنه ليس فيه ذكر، وما يذكر من أن لكل عضو من الأعضاء ذكراً مخصوصا فإنه لا صحة له، فليس هناك أذكار في الوضوء إلا البسملة في أوله والتشهد في آخره .
ومن فوائد الحديث : إثبات الجنة وأن لها أبوابا لقوله : ( إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية ) .
ومن فوائده : أن أبواب الجنة ثمانية ، وقد ثبت بالكتاب العزيز أن أبواب النار كم ؟
سبعة ، وهذا مما يشير إلى ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من : ( أن رحمة الله سبقت غضبه ) ، ولهذا كانت أبواب دار كرامته أكثر من أبواب دار عقوبته .
ومن فوائد هذا الحديث : أن مَن قام بما ذكر تيسرت له أبواب الخير، لقوله : ( فتحت له أبواب الجنة ) : يعني فييسر له الصلاة الصدقة الجهاد كل أبواب الخير .
ومن فوائد هذا الحديث : الرد على الجبرية الذين ينكرون مشيئة العبد ، لقوله : ( يدخل من أيها شاء ) ، وكذلك من قوله : ( ما منكم من أحد يتوضأ ) ، فأضاف الفعل إلى الإنسان ، وهذا هو الذي تدل عليه الأدلة السمعية والعقلية والواقعية ، وأن الإنسان له مشيئة وإرادة ، ولكننا نعلم أن الإنسان إذا شاء شيئا وفعله فإن الله تعالى قد شاءه وقدره ، ولا شك ، لا يكون في ملك الله تعالى ما لا يريد .
ومن فوائد هذا الحديث في رواية الترمذي : أن الإنسان إذا فعل ما يكون سببا للطهارة والتوبة فإنه لا يَعتمد على ذلك ويعجب بعمله ، بل يسأل الله القَبول لقوله : ( اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ) .
ومن فوائد الحديث الشريف : أن التوبة منزلة عالية ، ينبغي للمؤمن أن يسأل ربه إياها ، لقوله : ( اللهم اجعلني من التوابين ) ، فما هي التوبة ؟
التوبة بمعنى: الرجوع، وهي الرجوع من معصية الله إلى طاعته، ولها شروط خمسة :
الأول : الإخلاص .
والثاني : الندم على ما فعل من المعصية .
والثالث : الإقلاع عنه .
والرابع : العزم على ألا يعود .
والخامس : أن تكون في الوقت الذي تقبل فيه التوبة ، وذلك قبل حضور الأجل وقبل طلوع الشمس من مغربها .
فهذه شروط خمسة لا بد فيها من التوبة وإلا لم تقبل.
وهل يشترط أن يتوب من الذنوب الأخرى ؟
في هذا قولان للعلماء :
قول: أنه لا تصح التوبة من ذنب مع الإصرار على غيره ، والصواب أن التوبة من ذنب تصح مع الإصرار على غيره .
وفصل بعضهم فقال : إن كان الغير من جنس ما تاب منه فإنه يقبل ، وإن لم يكن من جنسه فإنه لا يقبل ، يعني لا تقبل التوبة ، والصواب أن التوبة تقبل مطلقا .
فلو تاب الإنسان من الزنا قبلت التوبة وإن كان مصرا على النظر إلى المرأة إلى النساء ، وإذا تاب من السرقة قبلت توبته وإن كان يأكل أموال الناس بالباطل من جهة والغش والكذب وما أشبه ذلك .
لكن استحقاق التوبة المطلقة لا يكون إلا بالتوبة من جميع الذنوب .
ومن فوائد الحديث أيضاً : أن التطهر منزلة عالية ، يليق بالمسلم ، أو يجدر بالمسلم أن يسأل ربه إياها لقوله : ( واجعلني من المتطهرين ) .
ومن فوائده في هذا الدعاء الأخير : الجمع بين طهارة الظاهر وطهارة الباطن، طهارة الباطن يا عبد الله من أين ؟ في أي جملة ؟
الطالب : في قوله ، تؤخذ من الحديث .
الشيخ : أي جملة ؟
الطالب : ( اللهم اجعلني من التوابين ) .
الشيخ : نعم ، وباب الظاهر : ( واجعلني من المتطهرين ) .
انتهى ما فتح الله به علينا في هذا الحديث ، فننتقل إلى باب المسح على الخفين .
باب المسح على الخفين
المسح على الخفين يتعلق بالطهارة بعضو من أعضائها ، وهو القدمان ، وجوازه ثابت بالكتاب والسنة وإجماع السلف ، ولم يخالف في هذا إلا الرافضة ، لكن قولهم غير معتبر في الإجماع والخلاف .
أما دلالته من القرآن ففي قوله تبارك وتعالى : (( يأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلِكم إلى الكعبين )) على قراءة الجر ، لأنها أي : الآية على قراءة الجر تجعل قوله : (( وأرجلَكم )) من الممسوحات ، برؤوسكم يعني وبأرجلِكم .
وعلى قراءة النصب تجعلها من المغسولات ، فهل الإنسان مخير بين أن يمسح على القدم البارزة أو يغسلها ؟
السنة تأبى ذلك ، لأنه لم يرد عن النبي عليه الصلاة السلام حرف واحد أنه مسح على رجله وهي مكشوفة ، وعليه فنرجع إلى فعل الرسول عليه الصلاة والسلام في تنزيل الآية بقراءتيها على ما كان يفعله عليه الصلاة والسلام، إذا فعلنا ذلك وجدنا أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يمسح رجليه إذا كان عليهما الخفان، ويغسل إذا كانتا مشكوفتين.
أما السنة فهي متواترة في هذا ، وأنشدناكم من قبل بيتين حول هذا الموضوع من يحفظهما ؟ نعم ؟
الطالب : " مما تواتر حديث من كذب " .
الشيخ : " مما تواتر حديث من كذب *** ومن بنى لله بيتا واحتسب " .
الطالب : " ورؤية شفاعة والحوض *** ومسح خفين وهذي بعض ".
الشيخ : " ورؤية شفاعة والحوض *** ومسح خفين وهذي بعض " .
فالسنة متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم في جواز المسح على الخفين ، وأنه مشروع ، وأن الإنسان إذا كان لابسا لهما فمسحهما أفضل من خلعهما والغسل .
وأما إجماع السلف فهو معلوم، حتى إن بعض العلماء جعل هذا من العقائد ووضعه في العقيدة ، ولكنه لا بد من شروط .
عن المغيرة بن شعبه رضي الله عنه قال :( كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فتوضأ فأهويت لأنزع خفيه، فقال: دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين، فمسح عليهما ). متفق عليه .
الأول: ما أشار إليه في حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال : " ( كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فتوضأ ) " :
وذلك في غزوة تبوك حين رجع عليه الصلاة والسلام وكان معه المغيرة بن شعبة ينقل له الماء لوضوئه واستنجائه.
( فتوضأ فأهويتُ لأنزع خفيه ) : يعني أهويت برأسي لأنزع خفيه ، وكأنه كان قائماً يصب الماء على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فلما وصل إلى الرجلين أهوى لينزع الخفين .
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( دعهما ) : يعني : اتركهما لا تنزعهما ، ثم علل ذلك بقوله : ( فإني أدخلتهما طاهرتين ) :
هنا ضميران : ( دعهما ) و( أدخلتهما ) الهاء في دعهما وأدخلتهما هل مرجعهما واحد أو يختلف ؟
لننظر: ( دعهما ) يعني دع الخفين ، لا تنزعهما ، أو دعهما دع الرجلين لا تصبب الماء عليهما .
( فإني أدخلتهما ) : الضمير يعود على إيش ؟
الرجلين نعم ، لأن الرجل هي المدخلة في الخف ، أليس كذلك ؟
فيكون الضمير في ( أدخلتهما ) على الرجلين ، وهذا يؤيد أن يكون الضمير في دعهما على الرجلين .
طيب ( فمسح عليهما ) على إيش ؟
على الخفين ، وهذا يؤيد أن يكون قوله : ( دعهما ) يعود إلى الخفين ، والمسألة سواء عاد إلى هذا أو إلى هذا فالحكم لا يختلف .
وقوله : ( أدخلتهما طاهرتين ) : طاهرتين نعربها على أنها حال ، حال من الهاء في قوله : ( أدخلتهما ) .
( فمسح عليهما ) : ولم يذكر الترتيب في المسح أي : لم يذكر أنه مسح اليمنى ثم اليسرى ، لكنه أثبت أنه مسح عليهما .
5 - عن المغيرة بن شعبه رضي الله عنه قال :( كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فتوضأ فأهويت لأنزع خفيه، فقال: دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين، فمسح عليهما ). متفق عليه . أستمع حفظ
فوائد حديث ( كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فتوضأ فأهويت لأنزع خفيه ...).
ومن فوائده : جواز السؤال أي : سؤال الغير ، لكن بشرط أن يكون الغير لا يمن بالإجابة عن السائل على السائل ، فالمغيرة بن شعبة لما استخدمه النبي صلى الله عليه وسلم رأى أن ذلك من شرفه وفضله وأنها غنيمة أن يستخدمه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فإذا كان استخدامك للشخص في فعل معين أو أكثر من فعل يدخل السرور عليه وتجد أنه يفرح بذلك ، فإن استخدامك إياه لا يعد من المسألة المذمومة.
طيب ومن فوائد الحديث : فضيلة المغيرة بن شعبة لخدمته النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن فوائده : جواز خلع النعلين أو الخفين من الغير ، وإن كان هذا قد يستنكف منه كثير من الناس ، لكن كلما قويت الصلة سهلت هذه المسألة ، يعني كون الإنسان يناول صاحبه العصا أو المشلح وما أشبه ذلك لا يجد فيها غضاضة ، لكن كونه يلبسه النعلين أو يخلعهما هذه فيها غضاضة عند كثير من الناس ، ولكن نقول : كلما قويت الصلة سهلت هذه .
ومن فوائد هذا الحديث : البناء على الأصل ، يعني جواز تصرف الإنسان بالبناء على الأصل لقوله : ( لأنزع خفيه ) بناء على الأصل، ما هو الأصل هنا ؟
غسل الرجلين، المغيرة رضي الله عنه ما استأذن الرسول فقال : أتأذن أن أخلع بل أهوى لينزع بناء على الأصل .
طيب ومن فوائد هذا الحديث : حسن تعليم الرسول عليه الصلاة والسلام وجبره للخاطر لقوله : ( دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين ) فلما ذكر الحكم ذكر العلة.
ومن فوائد الحديث : الإشارة إلى أنه لا يمسح على الخفين إذا لبسهما على غير طهارة ، وجهه أنه علل عليه الصلاة والسلام عدم خلعهما لأنه لبسهما على طهارة ، فيفيد أنه يشترط لجواز المسح على الخفين فقط أن يلبسهما على طهارة.
وقوله : ( طاهرتين ) هل المراد أنه أدخلهما بعد أن طهرت القدمان أو يوزع الفعل على كل قدم وحدها ؟
في هذا خلاف بين العلماء فمنهم من قال : إنه لا يجوز أن يلبس الخفين إلا إذا تمت الطهارة فغسل الرجلين وبناء على ذلك لو غسل الرجل اليمنى ثم لبس الخف ثم غسل اليسرى ولبس الخف فإنه لا يصح المسح عليهما ، حتى يخلع اليمنى ثم يعيد لبسها ، وهذا هو المشهور من المذهب ، وفيه حديث يشير إلى ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا توضأ أحدكم فلبس خفيه فليمسح عليهما ) ، فإن قوله : ( إذا توضأ ) : لا يصدق عليه أنه توضأ إلا إذا تمت الطهارة ، ثم هو أيضا أحوط .
وأصحاب القول الثاني يقولون : إنه أدخل كل قدم وهي طاهرة فصدق عليه أنه أدخلهما وهما طاهرتان .
وهذا يقوى على القول بأن الإنسان إذا غسل كل عضو من أعضاء الوضوء ارتفع الحدث عنه ، أما على قول من يقول إنه لا يرتفع الحدث حتى يتمم الأعضاء فلا شك أنه لا بد أن يتمم غسل الرجلين .
هل في المسألة صعوبة فيما لو أدخل اليمنى ثم اليسرى ؟
ليس فيه صعوبة، لأن المطلوب منه الآن إيش ؟
أن يخلع اليمنى ثم يعيد لبسها ، هذا المطلوب.
فإن قال قائل : هذا نوع من العبث، إذ ما معنى أن نقول : اخلع الخف ثم عد فالبسه ؟
نقول : هذا ليس نوع من العبث، لأن أصل وضع الخف أولا غير صحيح، كونه يلبسه قبل أن تتم الطهارة هذا غير صحيح، فهذه في الواقع ليست إعادة، هذه في الواقع لبس جديد، لأن اللبس الأول الذي حصل قبل الوضوء ليس بصحيح، لا يقره الشرع، بهذا ننفصل عن القول بأن هذا نوع من العبث .
طيب إذًا يستفاد من هذا الحديث أيضًا، من فوائد هذا الحديث : أن المسح على الخفيبن أفضل من الغسل، وجه ذلك أن الرسول قال : ( دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين ) فمسح عليهما.
وعلى هذا نقول : امسح ولا تخلع وتغسل ، ولكن لو أن الإنسان لبس ليمسح فهل يمسح أو لا ؟
في هذا تفصيل، إن كان لبس ليمسح لغرض له في المسح فهنا يمسح، وإن كان لبس ليمسح ليسقط واجب الغسل فإنه لا يمسح، كما قلنا : إن الإنسان إذا سافر في رمضان ليفطر فإنه لا يحل له الفطر ، لأن هذا تحيل على إسقاط واجب .
ومن فوائد هذا الحديث : أن المسح على الخفين يكون مسحاً عليهما معاً لقوله : ( فمسح عليهما ) ، ولم يذكر أنه بدأ باليمين ، فعلى هذا يكون المسح عليهما جميعا باليدين .
ولكن قد يقول قائل : إن مراد المغيرة رضي الله عنه أن يبين أصلَ المسح بقطع النظر عن الترتيب، ولهذا ما ذكر غسل الوجه ولا اليدين ولا مسح الرأس بل قال : ( توضأ )، وأن الأفضل أن يبدأ باليمنى قبل اليسرى لعموم قول عائشة رضي الله عنها : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيامن في تنعله وتطهره وفي شأنه كله ) .
لم يذكر في هذا الحديث كيف يمسح ، ولا أي موضع يمسح ، فنقول : إن المسح إنما هو على الأعلى ، أعلى الخف كما سيأتي إن شاء الله.
والمسح وصفه العلماء بأن الإنسان يبل يده بالماء ثم يمرها من أطراف الأصابع إلى الساق ، وتكون الأصابع مفرقة ، لأنها لو كانت مضمونة لاختص المسح لجانب من الخف، فإذا كانت مفرقة كان أوسع.
ولهذا قالوا : ينبغي أن يمسح مفرقا أصابعه من أطراف أصابع الرجل إلى الساق.
ومن فوائد هذا الحديث : يسر الشريعة وسهولتها ، حيث إن الله تعالى لم يوجب على العباد أن يخلعوا ويغسلوا ، لأن في ذلك مشقة في النزع والغسل واللبس، فلهذا رخص للإنسان أن يمسح وهذا داخل في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الدين يسر ) .
وللأربعة عنه إلا النسائي : (أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح أعلى الخف وأسفله ) وفي إسناده ضعف .
7 - وللأربعة عنه إلا النسائي : (أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح أعلى الخف وأسفله ) وفي إسناده ضعف . أستمع حفظ
ورد في الحديث ( كان يعجبه التيامن في شأنه كله ) وقلنا أن الحديث إذا ابتدىء بكان فإنه يدل على الاستمرار والدوام؟
الشيخ : على الدوام غالبا .
السائل : فالحديث الذي ذكرتم ، قلتم : ( كان النبي يعجبه التيمن في ) .
الشيخ : ( في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله ) .
السائل : هل يمكن أن نفهم هذا الموضوع ... ؟
الشيخ : لا لا ، لأنه قال : ( في شأنه كله ) ، يعجبه أن يتيامن في كل شؤونه نعم .
8 - ورد في الحديث ( كان يعجبه التيامن في شأنه كله ) وقلنا أن الحديث إذا ابتدىء بكان فإنه يدل على الاستمرار والدوام؟ أستمع حفظ
بعضهم يزيد في الدعاء اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين واجعلني من عبادك الصالحين فما حكم هذه الزيادة؟
الشيخ : نزيد أيضًا واجعلني من أوليائك المتقين ، واجعلني من حزبك المصلحين ، واجعلني من المخبتين الموقنين ، ما يصلح هذا ، لاحظوا القاعدة : " الألفاظ الواردة لا تتعداها إلا إذا علمت من الشرع أنه لا بأس بالزيادة " ، مثل التسبيح مئة مرة سبحان الله وبحمده إذا زاد الإنسان ما في مانع ، أما التسبيح المحدد لا تتعداه ، حتى التسبيح بعد الصلاة لا تزد على ما ورد معتقدا أنه أفضل أما إن زدت على أنه تسبيح مطلق فلا بأس ، فالمهم أن الإنسان ينبغي له ألا يزيد على قوله : اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين .
9 - بعضهم يزيد في الدعاء اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين واجعلني من عبادك الصالحين فما حكم هذه الزيادة؟ أستمع حفظ
هل يمكن أن يكون مراد الرسول بقوله (أدخلتهما طاهرتين) أي نفس الخفين؟
الشيخ : نعم .
السائل : طهارة الخف ؟
الشيخ : ربما إذا قلنا أدخلتهما أي : الخف طاهرتين ، لكن لا أظن هذا مراده عليه الصلاة والسلام ، ما أظنه مراد الرسول .
قلنا أنه لابد من إدخالهما بعد طهارتهما الاثنتين فإن احتاج الإنسان إلى غسل واحدة ثم لبس خفها ثم غسل الثانية ولبس خفها للحاجة فهل له ذلك؟
الشيخ : ويشلون يحتاج ؟ فسر لنا الحاجة ؟
السائل : ... مثلا في مسألة الربط .
الشيخ : أي .
السائل : ولو خلع الخفين لتلوثت قدمه في مكان وسخ ، تكون الأرضية متسخة فيدخلها مباشرة ؟
الشيخ : لا، لا ما يمكن، يغسل الرجل ثم يضعها على الخف، ما هو بالأرض .
السائل : شيخ هذا يقع كثيرا مع العمال .
الشيخ : لا بس بشوف المشقة وإلا عاد مسألة أنه يتصور إيش ؟
السائل : تبلل كثيرا .
الشيخ : إذا تبلل كثيرا بارك الله فيك فإدخاله في الجورب أشد .
السائل : ... .
الشيخ : حتى أنت إذا أدخلت الرجل وهي مبلولة صار يتبلل الباطن أكثر .
السائل : هذا نراه كثيرا من العمال يفعلون هذا يغسل ثم يضع مباشرة .
الشيخ : صحيح، يقال له لا تفعل .
السائل : لو فعل نقول له أعد الصلاة ؟
الشيخ : إن شاء الله ما نقول إعادة الصلاة ، ما نرى ما نجرأ على هذا.
11 - قلنا أنه لابد من إدخالهما بعد طهارتهما الاثنتين فإن احتاج الإنسان إلى غسل واحدة ثم لبس خفها ثم غسل الثانية ولبس خفها للحاجة فهل له ذلك؟ أستمع حفظ
مراجعة ومناقشة تحت باب المسح على الخفين
المسح على الخفين هل دل عليه القرآن أم ثبت بالسنة ؟ نعم ؟
الطالب : دل بالقرآن .
الشيخ : نعم ؟
الطالب : دل عليه القرآن .
الشيخ : دل عليه القرآن في أي آية ؟
الطالب : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ )) .
الشيخ : (( وامسحوا )) برؤوسَكم ؟ (( برؤوسِكم )) إذا دخلت الباء تجر، نعم .
الطالب : (( وأرجلَكم )) .
الشيخ : (( وأرجلَكم )) ، لا ما دلت الآية على هذا ، نعم ؟
الطالب : (( وأرجلِكم )) .
الشيخ : (( وأرجلِكم )) ، (( برؤوسِكم وأرجلِكم )) وجه الدلالة ؟
الطالب : وجه الدلالة أن عطف على الرأس ، وحرف العطف الواو دل على المسح .
الشيخ : يعني أرجلِكم على قراءة الجر، ووجه الدلالة أنها عُطفت على ممسوح، امسحوا برؤوسِكم وأرجلِكم، فيقتضي أن تكون مسح.
طيب لو قال لنا قائل : هذه القراءة مع قراءة (( وأرجلَكم )) تدل على أنه يجوز أن يغسل الرجل تارة ويمسحها تارة أخرى فما الجواب ؟ نعم ؟
الطالب : نقول السنة تبين هذا.
الشيخ : نقول السنة تبين هذا وهو أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم لا في حديث صحيح ولا ضعيف أنه مسح على قدميه، كذا؟! وإنما كان يمسح على خفيه، فيكون القراءتان منزلتان على اختلاف حالين: حال الرجل المكشوفة .
الطالب : والثانية وهي مغطاة بالخف .
الشيخ : نعم ، صحيح ، المسح على الخفين هل هو أفضل أو الخلع والغسل كمال ؟
الطالب : شيخ على حسب فيه تفصيل .
الشيخ : ما هو ؟
الطالب : إذا كان يشق على الرجل ، إذا شق على الرجل أن يخلع أن يكون برد مثلا وكان أدحلهما طاهرتين فالأفضل أن يمسح عليهما ، وأما إن كان لا يشق عليه ولم يلبسهما أصلا أو لبسهما على غير طهارة .
الشيخ : نعم لا، لا تقول: لبسهما على غير طهارة ، نحن كلامنا إذا تمت الشروط ، فهل الأفضل أن يمسح الخفين أو أن يخلع ويغسل الرجلين ؟
الطالب : على أحوال إذا كان لإحياء السنة فالأفضل المسح .
الشيخ : دعنا من هذا .
الطالب : إذا شق عليه فالأفضل المسح .
الشيخ : إذًا إذا شق فالأفضل المسح وإذا لم يشق فالأفضل الغسل نعم .
الطالب : إذا كان ناسيًا .
الشيخ : هو ذاكر ، نسأل عن شخص ذاكر هل الأفضل أن يخلعى الخفين ويغسل أو أن يمسح ؟
الطالب : أن يمسح .
الشيخ : أن يمسح مطلقا من يوافقك ؟
الثاني نعم لا شك، الأفضل أن يمسح، وأما إذا كانت الرجل مكشوفة فلا يسن أن يلبس ليمسح انتبه ، يعني إذا كانت رجله مغطاة بالخف أو الجورب فالأفضل أن يمسح ، وإن لم تكن فلا يسن أن يلبس ليمسح .
طيب هذا هو الذي دلت عليه السنة ، في حديث المغيرة ما يدل على أن الأفضل هو المسح إذا كان ... نعم ؟
الطالب : النبي صلى الله عليه وسلم قال للمغيرة : ( دعهما ) .
الشيخ : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( دعهما ) ، أحسنت يعني اتركهم لا تخلعهما .
طيب شروط المسح على الخفين متعددة ، بعضها متفق عليه وبعضها مختلف فيه، فما الذي يدل عليه حديث المغيرة من الشروط ؟
الطالب : اشتراط أن يدخل القدمين في الخفين طاهرتين .
الشيخ : اشتراط أن يدخلهما وهما طاهرتان .
طيب رجل لبس الخف على غير طهارة ، فهل يجوز أن يمسح أو لا ، سليم ؟
الطالب : لا يجوز .
الشيخ : لا يجوز ، لو نسي ومسح ؟
الطالب : يعيد الصلاة .
الشيخ : يعيد الصلاة فقط ولا يعيد الوضوء ؟
الطالب : نعم ؟
الشيخ : ولا يعيد الوضوء ؟
الطالب : يعيد الوضوء والصلاة .
الشيخ : يعيد الوضوء والصلاة تمام .
طيب لو قال قائل : إن الله يقول : (( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا )) والسؤال لسليم !
الطالب : نعم يا شيخ ، هذا فعل مأمور ولا يعذر بالنسيان .
الشيخ : يعني هذا فعل مأمور والمأمور لا يسامح فيه بالنسيان ولهذا لو سلم من ثلاث في الرباعية ناسيا قلنا : أتم .
طيب هذا الذي بعده ، بسم الله الرحمن الرحيم : نبدأ درس الليلة :
قال المؤلف : " وللأربعة عنه -عن المغيرة- إلا النسائي : ( أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مسح أعلى الخف وأسفله ) وفي إسناده ضعف " :
جملة معترضة ، في هذا الحديث يقول : إن الرسول مسح أعلى الخف وهو ما يكون على ظهر القدم وأسفله وهو ما يكون تحت القدم، لكن هذا في إسناده ضعف ، وعلل عندي في الحاشية : " لأنه من رواية كاتب المغيرة وقد ضعفه أئمة الحديث " .
ثم إنه يخالف الحديث الذي بعده.
وعن علي رضي الله عنه أنه قال :( لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه ، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه ). أخرجه أبو داود بإسناد حسن .
فهذان حديثان متعارضان ولكن الأول ضعيف ، والضعيف لا يقاوم ما هو أرجح منه ، ويكون أمامه ساقطا ، لا يعتد به ، وعلى هذا فيكون المسح لأعلى الخف ، كما قاله علي رضي الله عنه مسندا الأمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله رضي الله عنه : ( لو كان الدين بالرأي ) أي : بالرأي الأول ، الذي هو بادي الرأي .
( لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه ) : لكن الدين ليس بالرأي الأول، وليس ببادي الرأي -أنتم معنا يا فراس والذي بجنبك محمود ؟ محمود- ليس الدين بهذا ، الدين بالرأي العميق المبني على العقل الناضج ، وإلا فلا شك أن الدليل يعني النقل الصحيح لا يمكن أن يخالف العقل الصريح ، هذه قاعدة : " النقل الصحيح لا يمكن أن يعارض العقل الصريح " ، والدليل على هذا أن الله دائما يقول : (( أفلا تعقلون )) ، مما يدل على أن الشريعة موافقة إيش ؟ للعقل ، وأن الذي يخالف الشريعة مخالف للعقل .
وعليه فيكون قول علي رضي الله عنه في قوله : ( لو كان الدين بالرأي ) أي إيش ؟
بيادي الرأي ، ( لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه ) ، لكن الدين يكون بالعقل المتعمق الراسخ المتأني ، ولذلك تجد أكثر الذين يبنون أمورهم على بادي الرأي يفسدون أكثر مما يصلحون ، لأنهم لم ينظروا للعواقب ، ولم ينظروا للنتائج والثمرات ، فتجدهم يفسدون أكثر مما يصلحون ، ولهذا لما سئل الإمام أبو حنيفة -رحمه الله- عن قوم يخرجون يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر لكن بالعنف وأخذ الناس ؟
قال : لا يخرجون ، قالوا : إنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر قال : نعم ولكنهم يفسدون أكثر مما يصلحون .
وهذه القاعدة يجب على الإنسان أن يبني منهجه وحياته عليها : أن ينظر إلى إيش ؟
إلى العواقب، أنت ربما تروي غليلك وتشفي عليلك في هذه الحال، وترى أنك قد تشفيت، لكن يحصل من المفاسد أكثر مما حصل من هذه المصلحة التي وقعت لك، فانظر يا أخي في النتائج، انظر في العواقب، وما الأمور التي نشاهدها الآن حولنا أو بعيدا منا تدل على ذلك، على أنه يجب أن نتأنى ونتبصر حتى نقدم الخطى.
إذا نظرنا إلى هذه المسألة بالرأي العميق وجدنا أن أعلى الخف أولى بالمسح من أسفله ، أعلى الخف أولى ، لأنك إذا مسحت أعلى الخف مسحت على شيء نظيف على شيء لم تلوثه الأرض بالأذى والقذر ربما يكون ، ولو مسحت على الأسفل لتلوثت يدك بالأذى والقذر والوسخ ، وليس المراد بهذا المسح أن نغسل الرجل ولو كان المراد أن نغسل الرجل لوجب علينا أن نخلع ، لكن المراد التعبد لله عز وجل بمسح هذا العضو بما يكون تطهيرا له ، فعليه يكون الدين وهو مسح الخف من أعلاه موافقا للعقل وللرأي السليم الصواب .
13 - وعن علي رضي الله عنه أنه قال :( لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه ، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه ). أخرجه أبو داود بإسناد حسن . أستمع حفظ
فوائد حديث ( لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه ...).
من فوائده أيضا : إسناد الأحكام الشرعية إلى من له التشريع وهو من الخلق مَن ؟
الرسول عليه الصلاة والسلام ، ولهذا قال : ( وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ) إلى آخره .
ومن فوائد هذا الحديث : أن المسح على الظاهر ليس على الباطن فمن مسح على الباطن فهو من المتعمقين المتنطعين المبتدعين أيضا ، وظاهر الحديث : وهو قوله : ( على ظاهر الخفين ) أن أدنى مسح كاف ، أدنى مسح لأنه لم يقل : مسح بظاهر الخفين حتى نقول : إنه يجب استيعاب ظاهر الخف كقوله تعالى : (( وامسحوا برؤوسكم )) ، حيث قلنا : إن الباء في قوله : (( وامسحوا برؤوسكم )) للاستيعاب ، فيجب أن يكون مسح الرأس في الوضوء شاملا لجميع الرأس.
لكن هنا قال : ( على ) فيكفي أدنى مسح.
ولكن هذه المسألة فيها خلاف ، والمذهب الوسط فيها ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله : " أنه يكفي مسح أكثر الظاهر " ، فلو أمر يده على ظاهر الخف من أصابعه إلى ساقه كفى ، ولا يمسح العقب ولا الأسفل ، بل من أطراف الأصابع إلى الساق ، ووصفه أهل العلم بأن يضع يده مفرجة الأصابع على ظاهر الخف من عند الأصابع إلى أن يصل إلى إيش ؟
إلى الساق.
ثم هنا يقول : ( على ظاهر خفيه ) ولم يقل : هل بدأ باليمين أو بدأ بالشمال أو مسح عليهما جميعا باليدين ؟ !
أما كونه بدأ بالشمال فغير وارد لماذا ؟
( لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطَهوره وفي شأنه كله ) .
الوارد هل مسحهما جميعا باليدين أو بدأ باليمنى ؟
هذا محل نظر وتردد ، فمن العلماء من قال : يمسحها جميعا في اليدين ، لأن هذا هو ظاهر الحديث : ( مسح عليهما ) ولم يذكر أنه بدأ بإيش ؟
باليمين ، فعلى هذا يكون المسح عليهما مرة واحدة باليدين ، اليمنى لليمنى واليسرى لليسرى.
ومنهم من قال : إن الصحابي أراد أن يبين وقوع المسح ، بقطع النظر عن كونه بدأ باليمين أو بدأ بالشمال ، ونحن نقول : إن المسح فرع عن الغسل والغسل يبدأ فيه باليمين ، وما دام الأمر متردداً بين هذا وهذا فإن العلماء أحدهم قال بهذا وأحدهم قال بهذا ، بعضهم قال : يمسحهما جميعا ، وبعضهم قال : يبدأ باليمين ، والأمر عندي في هذا واسع المهم أن يمسح عليهما .
وفي هذا الحديث : رد على الرافضة ، لأنهم يرون علي بن أبي طالب إمام الأئمة والأئمة عندهم معصومون من الخطأ ، وهم لا يرون المسح على الخفين، وعلي أحد الصحابة الذين رووا أحاديث المسح وهو خليفة من خلفاء المسلمين، ومع ذلك لا يقبلون هذا، مما يدل على أن القوم إنما يتبعون أهواءهم، لا يتبعون الحق، قال ابن كثير في غالب ظني : " إنهم خالفوا الحق في تطهير الرجل من وجوه ثلاثة :
أولاً : أنهم قالوا : يجوز مسح الرجل المكشوفة بدلا عن غسلها.
وثانيًا : أنهم جعلوا الكعبين هما العظمان الناتئان على ظهر القدم ، فيكون التطهير في نصف القدم فقط .
وثالثًا : أنهم منعوا من مسح الخفين " ، وكل هذا ثابت كما مر عليكم ويمر إن شاء الله .
وعن صفوان بن عسال قال :( كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا سفر أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة ، ولكن من غائط وبول ونوم ). أخرجه النسائي والترمذي ، واللفظ له ، وابن خزيمة وصححاه .
( كان يأمرنا ) سبق الكلام على كان وأنها للدوام غالبا لا دائما .
وقوله : ( يأمرنا ) الأمر: هو طلب الفعل على وجه الاستعلاء ، هذا الأمر : طلب الفعل على وجه الاستعلاء ، يعني واحد يشعر بأنه أعلى منك ويقول : افعل كذا ، ولا يمكن أن يكون هذا إلا من شخص يرى أنه فوقك ، وأما طلب الفعل على غير وجه الاستعلاء فهذا قد يكون للإكرام وإن كان أمرا لكن ليس للإلزام ، قد يكون للإكرام وقد يكون للالتماس وله يعني معاني حسب القرائن. وقوله : ( إذا كان سَفْرًا ) أي : مسافرين والسفر بمعنى المسافر، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم لأهل مكة وهو يصلي بهم في غزوة الفتح يقول : ( أتموا فإنا قوم سَفْرٌ ) أي : مسافرون.
وقوله : ( إذا كنا سفرا ) السفر مأخوذ من الإسفار وهو البيان والوضوح، وعلى هذا فيكون المعنى المطابق له: خروج الإنسان من المدينة التي هو ساكن فيها، لأنه إذا خرج أسفر عن نفسه ولم يكن أمامه ما يغطيه أو يظله، لأنه خرج إلى البر، لكن هل هذا المراد ؟
المراد به السفر الشرعي وهو على رأي كثير من العلماء : ما كان مسيرة يومين قاصدين على الإبل المحملة، وتقديره نحو ثلاثة وثمانين كيلو بالمسافة، هذا هو السفر الشرعي الذي تترتب عليه أحكام السفر ، واختار شيخ الإسلام رحمه الله اختيارا لا شك أنه أقرب إلى الأدلة ، وهو أن السفر جاء في النصوص مطلقا ، والشيء إذا جاء في النصوص مطلقا يحمل على العرف إذا لم يكن له حقيقة شرعية ، وعلى هذا وردكم في القواعد:
" وكل ما أتى ولم يحدد *** بالشرع كالحرز فبالعرف احدُد ".
فيقول شيخ الإسلام : أين الدليل من الكتاب والسنة على أن السفر مسافة كذا وكذا ؟
والرسول عليه الصلاة والسلام يقول شيخ الإسلام : في زمنه لم يكن هناك مساحون يقيسون الأرض بالذراع وبالأصابع وبحب الشعير ، لأن الذين قدروها بالمسافة يصلون بالتقدير إلى حبة الشعير وإلى شعرة البرذون الفرس.
وعليه فأنا الآن مما أَلي البلد هنا غير مسافر، لأني ما كملت حبة الشعير، والذين أمامي الآن مسافرون ، هذا في الحقيقة إذا تأمله الإنسان وجد أنه ليس بصواب.
لكن فيه شيء يعني يجعله قولا مقبولا، وهو أنه أضبط من أن يقال: إن السفر ما عده الناس سفرا، وذلك لأنهم يختلفون في عد هذا سفرا أو غير سفر، فيكون تحديده بمسافة أضبط.
ويقال : إنه يعفى عن الذراع والذراعين والمتر والمترين وما أشبه ذلك ، إذًا يترجح كلام شيخ الإسلام رحمه الله من وجه : وهو أنه أقرب إلى النصوص .ويترجح الآخر من وجه وهو أنه أضبط ، لأنك متى قطعت المسافة وأنتم جميعا ترون هذا ، أنه مقدر بالمسافة هل تختلفون ؟
الطالب : لا .
الشيخ : إذا قطعنا 83 كيلو ولو كنا نسافر في آخر النهار وكلنا نعتبر المسافة فكلنا يرى أننا مسافرون ويطمئن ويقصر الصلاة ويجمع ولا يبالي ولا يحصل النزاع .
لكن إذا قلنا إنه معتبر بالعرف ووصلنا إلى مكان كان بعضنا يرى أن هذا سفر عرفا ، والآخر لا يراه سفراً عرفًا حصل نزاع وحصل قلق هل نجمع ونقصر أو لا ؟
نعم وإلا فلا شك أن السنة تؤيد كلام شيخ الإسلام رحمه الله ، حتى إنه ثبت في * صحيح مسلم * عن أنس رضي الله عنه : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج ثلاثة أميال أو فراسخ صلى ركعتين ) .
نعم ، شيخ الإسلام رحمه الله يقول بالنسبة لهذه المسألة : " المسافة القريبة في الزمن الطويل سفر ، والمسافة البعيدة في الزمن القصير سفر ، والمسافة الطويلة في الزمن الطويل سفر من باب أولى ، والمسافة القصيرة في الزمن القصير ليست سفرا " أي نعم.
( إذا كان سفرا أمرنا ألا ننزع خفافنا ) : ( أمرنا ألا ننزع خفافنا ) يعني إذا كانت علينا وتمت الشروط .
( ثلاثة أيام بلياليهن ) : كم ساعة ؟
الطالب : 72.
الشيخ : ساعة 72 ساعة لكن متى تبدأ : هل هو من اللبس أو من الحدث بعد اللبس أو من المسح بعد الحدث أو من المسح ولو من غير حدث كالتجديد ؟
لدينا أربعة احتمالات :
الأول : من اللبس وهذا ضعيف .
الثاني : من الحدث بعد اللبس وهذا ضعيف ، لكنه دون ضعف الأول.
الثالث : من المسح بعد الحدث وهذا أقرب الأقوال ، لأن ألفاظ الحديث : ( نمسح ) ولا يصدق المسح إلا بفعله ، فيكون ابتداء المدة من المسح .
الرابع : من أول مرة مسح ولو تجديدًا فيكون مسح بدون حدث ، والنصوص محتملة له ، لكن لندرته وقلته ينبغي ألا يحمل الحكم عليه ، ويقال : إنه من المسح بعد الحدث.
يقول : ( إلا من جنابة ) يعني لا ننزعها إلا من جنابة ، والجنابة: كل ما أوجب غسلا من جماع أو إنزال.
" ( ولكن من غائط وبول ونوم ) أخرجه النسائي والترمذي واللفظ له وابن خزيمة وصححاه " ، نعم .
15 - وعن صفوان بن عسال قال :( كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا سفر أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة ، ولكن من غائط وبول ونوم ). أخرجه النسائي والترمذي ، واللفظ له ، وابن خزيمة وصححاه . أستمع حفظ
فوائد حديث ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا سفر أن لا ننزع خفافنا ...).
منها : مراعاة التيسير على الأمة ، وذلك بتيسير أحكام السفر في الطهارة وما يتعلق بها، وفي الصلاة وما يتعلق بها، وفي الصيام وما يتعلق به، تجد الشريعة يسرت الأحكام بالنسبة لمن ؟
بالنسبة للمسافر .
فيستفاد من هذا مراعاة الشريعة للتسهيل .
ومن فوائدها أيضًا : بيان الحكمة في التشريع وأنه يناسب الأحوال، وهذا ظاهر جدًّا في العبادات وفي المعاملات ، فمثلا في العبادات ما رأيتم المسافر يمسح كم ؟
ثلاثة أيام بلياليهن، والمقيم يوما وليلة.
الصلاة الرباعية تتم في الحضر وتقصر في السفر.
الجمع يجوز في السفر .
كذلك في المعاملات : بيع الرطب بالتمر حرام ، أليس كذلك ؟
الطالب : بلى .
طالب آخر : فيه تفصيل .
الشيخ : ما في تفصيل يا سليم ، بيع الرطب بالتمر حرام لكن إذا احتاج الإنسان إلى الرطب وليس عنده دراهم جاز أن يشتري الرطب بالتمر بالشروط المعروفة في العرايا هذا أيضا يدل على التسهيل.
بل لدينا قاعدة : (( وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم )) : هذه قاعدة : " كل حرام يضطر الإنسان إليه وتندفع ضرورته به يكون حلالا " ، وهذا مما يدل على أن الشريعة تراعي الأحوال .
من فوائد هذا الحديث : أن من كان لابسا للخف فإنه لا ينزعه بأمر الرسول، لقوله : ( أمرنا ألا ننزع ) : وهو مما يؤيد ما ذكرناه أولاً بأن من كان لابس الخفين فإنه لا ينزعهما ، لأن هذا من باب التعمق والتنطع وقد مسح عليها من هو أتقى لله منك وأعلم بالله منك ، نعم .
ومن فوائد هذا الحديث : أن المسافر يمسح ثلاثة أيام بلياليهن .
ومن فوائده : أنه لا مسح على الخف في الجنابة ، لأن حدث الجنابة أغلظ من حدث البول والغائط ، فلهذا ليس فيها مسح إلا في حال الضرورة ، في الجبيرة فإنه يمسح كما سيأتي إن شاء الله .
ومن فوائد هذا الحديث : أن المسح يكون بالحدث الأصغر وهو متفرع على الفائدة التي ذكرنا .
ومن فوائده : أن الغائط والبول والنوم ناقض للوضوء لقوله : ( ولكن من غائط وبول ونوم ) ، وظاهر الحديث أنه لا فرق بين الغائط القليل والكثير، أليس كذلك؟ الأخ ويش قلنا ؟
الطالب : لا فرق بين الغائط القليل والكثير.
الشيخ : نعم ، وكذلك البول لا فرق بين القليل والكثير، النوم ظاهر حديث صفوان هذا أنه لا فرق بين القليل والكثير، لكن دلت أدلة أخرى أن هناك فرقاً بين القليل والكثير بالنسبة ؟
بالنسبة للنوم .
إذًا يستفاد من هذا الحديث : أن الغائط ناقض للوضوء قل أو كثر ، البول ناقض للوضوء قل أو كثر ، النوم ناقض للوضوء قل أو كثر ، لكن هذا مقيد النوم بأحاديث أخرى : أنه إذا كان النوم قليلا فإنه لا ينتقض به الوضوء ، وسيأتي إن شاء الله بيان ذلك في نواقض الوضوء .
هل حديث صفوان هنا حصر نواقض الوضوء أو هناك نواقض أخرى ؟
الطالب : هناك نواقض .
الشيخ : أي هناك نواقض أخرى منها الريح وهي لم تذكر هنا ، ومنها أكل لحم الإبل وهو لم يذكر هنا ، المهم أن صفوان رضي الله عنه إنما ذكر أمثلة فقط ولا تدل على الحصر .
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال :( جعل النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ، ويوماً وليلة للمقيم ، يعني في المسح على الخفين ). أخرجه مسلم .
( جعل النبي ) : اعلم أن جعل ينقسم إلى قسمين :
جعل قدري ، وجعل شرعي:
فمثال الشرعي قول الله تعالى : (( ما جعل الله مِن بَحِيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام )) ، (( ما جعل الله )) هذا جعل شرعي ولا قدري ؟
الطالب : شرعي .
الشيخ : شرعي ولا يصح أن يكون قدريا ، لأن البحيرة والسائبة والوصيلة والحام موجودة ، فيكون نفي الجعل هنا للجعل الشرعي، أي : ما شرع الله هذا.
والجعل القدري كثير في القرآن : (( وجعلنا الليل لباسًا * وجعلنا النهار معاشا )) أي جعل هذا ؟
هذا جعل قدري.
فقول علي رضي الله عنه : ( جعل النبي ) من أيهما ؟
الطالب : الشرعي .
الشيخ : الشرعي ( ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ) كما في حديث صفوان .
( ويوما وليلة للمقيم ) تبتدأ من أول مسح بعد الحدث ، وعلى هذا لا يحسب لا يحسب من المدة ما كان قبل المسح بعد الحدث ، فلو أن رجلًا لبس الخف لصلاة الفجر، وبقي على طهارته ولم يمسح إلا لصلاة العشاء، ابتداء المدة من متى ؟
من المسح للعشاء ، ولهذا ربما يبقى ثلاثة أيام وهو مقيم ، ربما يبقى على طهارته حتى ينام ولا يمسح إلا لصلاة الفجر من اليوم الثاني ، فتبتدأ المدة من صلاة الفجر ، وتنتهي عند صلاة الفجر من اليوم الثالث ، وإذا بقي على طهارته إلى العشاء يكون صلى بخفيه كم ؟
ثلاثة أيام ، أي نعم ، وأما قول العامة : خمس صلوات هذا لا أصل له.
الظاهر الفوائد من هذا الحديث لا تزيد على فوائد حديث صفوان إلا ؟
إلا في المقيم : ( يوم وليلة ) .
17 - وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال :( جعل النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ، ويوماً وليلة للمقيم ، يعني في المسح على الخفين ). أخرجه مسلم . أستمع حفظ
وعن ثوبان رضي الله عنه قال :( بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فأمرهم أن يمسحوا على العصائب ، يعني العمائم ، والتساخين : يعني الخفاف ). رواه أحمد وأبو دواد ، وصححه الحاكم .
( بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية ) أي : أرسلها لقتال العدو ، والسرايا نوعان :
سرية تبعث من البلد . وسرية تبعث من الجيش ، تنطلق في أثناء السفر إلى قتال العدو من الجيش.
( وأمرهم أن يمسحوا على العصائب ، يعني العمائم ) : وسميت عصائب لأنها يعصب بها الرأس.
( والتساخين يعني الخفاف ) : وسميت تساخين لأنها تسخن بها القدم ، فإن ذلك الخف لا بد أن يكون في لبسه إياه تسخين للقدم .
فيستفاد من هذا الحديث :
أولاً : مشروعية بعث السرايا ، لكن بشرط ألا يكون في هذا البعث إلقاء بالنفس إلى التهلكة، مثل أن يرسل سرية لجيش يبلغ آلافا هنا لا يجوز ، لقول الله تعالى : (( ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيمًا )).