تحت باب النفقات .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : ( دخلت هند بنت عتبة - امرأة أبي سفيان - على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : يا رسول الله ، إن أبا سفيان رجل شحيحٌ لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بنيَّ ، إلا ما أخذت من ماله بغير علمه ، فهل عليَّ في ذلك من جُناح ؟ فقال : خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك وما يكفي بينك ) متفق عليه " .
مناقشة.
" باب النفقات " : سبق لنا تعريف النفقات !
الطالب : إيجاد ما يلزمهم طعاما وشرابا وكسوة ومسكنا وعقار .
الشيخ : طيب ، وأسباب النفقات ، عبد الله ؟
الطالب : ... .
الشيخ : أسباب ، أسباب النفقات !! ما هي شروطها ، أسباب النفقات لا لا ، نعم .
الطالب : الزوجية والولاء والقرابة .
الشيخ : صح ؟
الطالب : صح .
الشيخ : طيب يعني تقريبا كأسباب الإرث .
طيب الزوجية تجب النفقة للزوجة ولا تجب عليها ، يلا يا خالد تجب للزوجة ولا تجب عليها !
الطالب : نعم ، تجب على الزوج النفقة لزوجته ولا تجب على زوجته .
الشيخ : إذًا الوجوب هنا من أحد الجانبين ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : طيب .
الطالب : لما شرحنا يا شيخ وقفنا على أسباب النفقة ، ولم نكملها .
الشيخ : والله مشكل ، من يشهد لك ؟ آه ؟ شركاء هؤلاء ، على كل حال إذًا نشرح ما يخالف ، إن كنا شرحناها فهي زيادة خير وإلا .
ذكر أسباب النفقة .
أولاً : الزوجية . الثاني : القرابة . والثالث : الملك ، ومنه الولاء ، لأن الولاء متفرع على الملك .
هذه أسبابها ثلاثة : الزوجية، والنسب يعني القرابة ، والملك .
الزوجية تجب من جانب واحد للزوجة على زوجها ، ولا تجب للزوج على زوجته ، إلا إذا كان فقيرا وهي غنية على رأي أبي محمد ابن حزم -رحمه الله- فإنه يقول : " إذا كانت الزوجة فقيرة والزوج غنيًا وجب عليها أن تنفق عليه لقوله تعالى : (( وعلى الوارث )) " .
الطالب : على العكس يا شيخ !
الشيخ : " إذا كان الزوج فقيرا والزوجة غنية وجب عليها أن تنفق عليه ، لعموم قوله تعالى : (( وعلى الوارث مثل ذلك )) " ، لكنه خالف بذلك أهل العلم والصواب أنها لا تجب للزوج على زوجته مطلقا .
طيب ومتى تجب النفقة للزوجية ، هل هو بالعقد أو بالتسليم أو بماذا ؟
نقول : إنما تجب بالتسليم ، إذا سُلمت إليه وجبت نفقتها ، سواء كانت ممن يوطأ مثلها أم كانت صغيرة ، لأنه وإن كانت صغيرة قد يستمتع منها بما دون الجماع ، فإذًا يُشترط لوجوب النفقة إيش ؟ التسليم ، يعني أن تسلم إليه ، فإن أبوا أن يسلموها إليه فلا نفقة ، وإن أبى أن يتسلمها فعليه النفقة ، لأنه ربما يطلب منهم الدخول بعد العقد يقول : أريد أن أدخل في هذا الأسبوع يقول : لا ، لا ندخل إلا بعد سنة ، أو بعد ستة أشهر وما أشبه ذلك فهنا ليس لها نفقة .
أما إذا طلبوا أن يُمهلوا الإمهال الذي جرت به العادة فإن ذلك لا يسقط النفقة .
طيب ، وربما تعرض عليه ولا يقبل ، يقال له : ادخل ، فيقول : أكمل الدراسة باقي عليه سنتين ، ففي هذه الحال تلزمه النفقة ، لأن الامتناع من قبله ، وهي قد بذلت نفسها واستعدَّت ، طيب إذًا سببها الزوجية وشرطها التسليم ، وهناك تفصيلات كثيرة للفقهاء فيما يُسقط النفقة كالنشوز وما أشبه ذلك ليس هذا موضع ذكره .
السبب الثاني : القَرابة ، القرابة يُشترط لها شروط :
الشرط الأول : غنى المنفق .
والشرط الثاني : حاجة المنفق عليه في أن يكون فقيرًا عاجزًا عن التكسب ، أي فقيرا في المال وفقيرا في البدن ، فقيرا ليس عنده مال ، عاجزا عن التكسب لا يستطيع أن يكتسب ، فإن كان ليس عنده مال لكن يستطيع أن يكتسب فإنه لا تجب النفقة له ، لأنه يمكن أن يستغني بماذا ؟ بالكسب ، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الزكاة : ( لا تحل الزكاة لغني ولا لقوي مكتسب ) .
الشرط الثالث : اتفاق الدين ، فلا تجب النفقة لكافر على مسلم ولا لمسلم على كافر وذلك لانقطاع الولاية والنصرة بين المسلم والكافر ، ولكن هذا فيه نظر ، وذلك لأن القرابات لهم حق وإن لم يكونوا موافقين في الدين ، لقول الله تبارك وتعالى : (( ووصَّينا الإنسان بوالديه حملته أمُّه وهنًا على وهنٍ وفصاله في عامين ، أن اشكر لي ولولديك إليَّ المصير ، وإن جهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علمٌ فلا تطعهما وصاحبهما في الدُّنيا معروفًا )) : هذا الشاهد ، فالقرابة لهم حق وإن كانوا على وإن كانوا مخالفين في الدين .
الشرط الرابع : في غير عمودَي النسب ، أن يكون المنفق وارثا للمنفق عليه بفرض أو تعصيب ، فإن كان قريبا غير وارث أو وارثا برحم فلا نفقة عليه إلا في عمودي النسب يعني الأصول والفروع ، لقول الله تبارك وتعالى : (( وعلى الوارث مثل ذلك )) ، والصحيح أنه متى ثبت الإرث وجبت النفقة ، سواء كان الميراث بفرض أو تعصيب أو رحم ، فإنه يجب لعموم قوله : (( وعلى الوارث مثل ذلك )) .
أما إذا لم يكن توارث فإن الواجب أدنى ما يسمى صلة ، يعني لو فرض أن شخصا له أخ فقير وهذا الأخ الفقير له أبناء ، ففي هذه الحال الأخ لا يرث أخاه الفقير ، لماذا ؟ لماذا ؟
الطالب : محجوب .
الشيخ : من يحجبه ؟
الطالب : الأبناء .
الشيخ : الأبناء ، هنا لا يرث أخاه ، أخوه فقير وليس عنده مال ، وأبناؤه ليس عندهم مال وهو غني ففي هذه الحال لا تجب نفقته لأنه ليس بوارث ، من يمنعه من الإرث أبناء أخيه ، لكن يجب عليه أدنى ما يسمى صلة لأن الله تعالى أمر بصلة الأرحام فلا بد أن يأتي بما يكون صلة لأخيه .
أما في عمودي النسب فلا يشترط التوارث فيجب على ابن البنت أن ينفق على أبي أمه وإن كان أبوه من ذوي الأرحام وهو أيضا من ذوي الأرحام .
طيب هل تجب النفقة بين العمة وابن أخيها ؟
هل تجب النفقة بين العمة وابن أخيها ؟
الطالب : لا تجب .
الشيخ : إن قلتم تجب أخطأتم وإن قلتم لا تجب أخطأتم وإن قلتم : إن كان ابن الأخ هو الغني والعمة هي الفقيرة وجب عليه أن ينفق ، وإن كان العكس فإنه لا يجب ليش ؟ لأنه إذا كان ابن الأخ هو الغني فهو وارث لعمته ، فيجب عليه الإنفاق ، وإن كان العكس هو الفقير والعمة هي الغنية فالعمة هنا وارثة بالرحم ، العمة ترث بالرحم لا بالفرض ولا بالتعصيب ، فلا تجب نفقة ابن أخيها عليها لأنها وارثة لكن بالرحم ، وعلى القول الذي رجحناه ، ها تجب عليها النفقة أو لا ؟
الطالب : تجب .
الشيخ : تجب لعموم قوله تعالى : (( وعلى الوارث مثل ذلك )) فصارت الشروط ؟
الطالب : أربعة .
الشيخ : اذكرها ؟
الطالب : غنى المنفق .
الشيخ : غنى المنفق .
الطالب : حاجة المنفق عليه .
الشيخ : حاجة المنفق عليه .
الطالب : اتفاق الدين .
الشيخ : اتفاق الدين .
الطالب : أن يكون المنفق وارثا للمنفق عليه .
الشيخ : بإيش ؟
الطالب : بالفرض أو التعصيب .
الشيخ : بالفرض أو التعصيب يستثنى من ذلك ؟
الطالب : عمودي النسب .
الشيخ : يستثنى من ذلك عمودا النسب فإنه تجب نفقتهم مطلقا ، والقول الراجح أن الوارث بالرحم تجب عليه النفقة لعموم الآية : (( وعلى الوارث مثل ذلك )) .
السبب الثالث : عقيلي ما هو السبب الثالث ؟
الطالب : الملك .
الشيخ : الملك ، فيجب على المالك أن ينفق على مملوكه من آدمي أو بهيمة لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت ) ، وقوله : ( للملوك طعامه وكسوته ، ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق ) ، وقوله : ( دخلت النارَ امرأةٌ في هرة حبستها لا هي أطعمتها ولا هي ) إيش ؟ ( ولا هي أرسلتها تأكل من خَشاش الأرض ) ، فيجب على المالك أن ينفق على المملوك من آدمي أو بهيمة .
طيب فإن عجز ؟! إن عجز عن الإنفاق عليه أُجبر على إزالة ملكه ، على أن يبيع العبد ، أو يبيع البهيمة أو يذبحها إن كانت تؤكل .
طيب إذا كانت لا تؤكل ولا تشترى ! البهيمة لا تؤكل ولا تشترى ، وهو عاجز عن الإنفاق ، ففي هذه الحال نسيُّبها يخرجها إلى البر ويسيبها ، لحديث جابر رضي الله عنه : ( أنه كان على جمل يسير فأعيا فأراد أن يسيِّبه ) : أي يتركه .
طيب وإن كانت مما لا يمكن تسييبه ولا يمكن بيعه وصاحبه قادر على الإنفاق كحمار انكسر ، الحمار إذا انكسر لا يمكن جبر كسره أبدًا ، فماذا يصنع ؟ حمار إن باعه لم يقبل ، وإن سيبه لا يمكن أن يتسيب ، وإن أبقاه عنده أكله بالنفقة ، فماذا يصنعه ؟ نعم سليم !
الطالب : يقتله .
الشيخ : إي نعم ، يقتله ، لأن قتله أهون من بقائه معذباً ، والإنفاق عليه إضاعة للمال ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال ، وإذا كان يجوز لنا أن نتلف نفوس الحيوان للتفكه ، جاز أن نتلف نفوس الحيوان للتخلص منها ، أليس الإنسان يجوز أن يذبح الشاة أو الأرنب أو الدجاجة أو الحمامة من أجل إيش ؟ أن يتفكه بلحمها ، فإذا كان كذلك ، فجواز قتل هذا الحيوان من أجل التخلص منه وحماية ماله منه من باب أولى ، واضح ؟ طيب ، اسلك أسهل ما يكون ، وأسهل ما يكون الآن أن تسلط عليه تيار كهربائي 220 ، نعم ؟! لا لا أبدًا بلحظة بلحظة هذا شيء معروف .
الطالب : تعذيب .
الشيخ : نعم ؟
الطالب : تعذيب .
الشيخ : كيف ؟
الطالب : تعذيب ؟
الشيخ : أبدًا ولا تعذيب ، يجمد على طول هذا الأخ رشاد ها .
الطالب : سريع لكن قد تكون طريقة مؤذية ، لكن ضرب النار يكون أسهل عليه .
الشيخ : يعني الرصاص .
الطالب : يكون أسهل من الصعق ، الصعق أسرع .
الشيخ : والله أنا قرأت أظن للشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- أن أسهل طريقة هو الصعق بالكهرباء ، لأنه ما يحس بشيء ، ما يحس المصعوق ما يحس بشيء أبدًا ، يجمد على طول نعم .
الطالب : رأت عيني .
الشيخ : إي .
الطالب : سلك وقع ، سلك كهربائي وقع أعزكم الله .
الشيخ : نعم ؟
الطالب : يعني سلك كهربائي وقع أعزكم الله على حمار فصعق بالحال .
الشيخ : على طول ، حتى اليوم في الجزيرة ، جريدة الجزيرة ثلاث حوادث في الطائف كلها بالصعق الكهربائي ، السلك الكهربائي العالي اتصل -يعني إحدى الحوادث- اتصل بأنبوب الماء ، وإذا اتصل بالماء صار موصل وحمل شحنة كبيرة ، وكان الأب أبو العائلة يعني يغتسل داخل الحمام فتساقط الماء عليه وجمده على طول ، إي نعم .
والثاني : صبي أظن في 11 من عمره يلعب ، جلس على زنك وكان فيه شيء من البلل وإذا حوله أسلاك عالية اتصلت بالزنك وعلى طول مات .
والثالث أيضا شبيهة بهذه ، الحاصل أن الظاهر أن الصعق بالكهرباء أنه أسهل شيء أسهل شيء هو هذا ، فعلى كل حال نستعمل أسهل ما يكون وأسرع ما يكون لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا قتلتم فأحسنوا القتلة ) .
بالمناسبة يقول المسؤول عن الكهرباء ، أو المتخصص : " أن طريقة السلامة من هذه الحوادث أنك تأتي بسلكين عاريين ، تصلهما عند السكين التي تقفل البيت كله ، ثم تحفر حفرة مقدار متر أو متر ونصف وتملأها فحمًا وملحًا وتغرز السلكين العاريين فيها "، هذا يقول : يقيك من الخطر ، يقي من الخطر لأنه يبتلع الشحنة الكهربائية ويضيعها في هذا ، كما يفعل الآن في موانع الصواعق يعني يستعملون هذا الشيء ، الآن في المنارات عندنا ادخل المنارة كله محشو بالفحم والملح وفيه سلك متصل من أعلى المنارة إلى هذا ، يقول إذا نزلت الشحنة خلاص تفرقت .
نعم السؤال بعدين يا شيخ .
نعم طيب إذًا أسباب النفقات كم ؟ ثلاثة : منها الملك وهو الأخير ، وذكرنا أنه يجب على من ملك شيئًا من الحيوان أو الإنسان أن ينفق عليه يجبر على ذلك فإن أبى أجبر على بيعه أو ذبحه إن أكل ، فإن لم يجد من يشتريه أو كان مما لا يمكن ذبحه فإنه يسيبه ، فإن لم يمكن قتله ، نعم .
عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : دخلت هند بنت عتبة - امرأة أبي سفيان - على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني ، إلا ما أخذت من ماله بغير علمه ، فهل علي في ذلك من جناح ؟ فقال : ( خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك وما يكفي بينك ) . متفق عليه .
الطالب : الوجهان .
الشيخ : يجوز الوجهان ، المؤنث الثلاثي الساكن الوسط يجوز فيه وجهان لكن ابن مالك يقول :
" والمنع أحق " : يعني الأحسن أن يكون ممنوعا من الصرف ، فعلى هذا نقول : ( دخلت هندُ بنت عتبة - امرأة أبي سفيان - على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إن أبا سفيان رجلٌ شحيح ) : أي : بخيل ، حريص على المال ، لا يُعطي ما يجب عليه فيه ، ولهذا قالت ، بينت شيئا من شحه : ( لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بنيَّ إلا ما أخذت من ماله بغير علمه فهل علي في ذلك من جناح ؟ ) قولها : ( إلا ما أخذت ) : إلا هذه استثناء منقطع ، لأنه لا يدخل في المستثنى منه ، المستثنى منه تقول : لا يعطيني ما يكفيني إلا ، ومعلوم أنه لا يعطيها ما تأخذ بغير علمه ، فعلى هذا يكون الاستثناء منقطعا ، وهذه القاعدة في الاستثناء المنقطع : " أن يكون ما بعد إلا غير داخل فيما قبلها " ، فيكون الاستثناء منقطعا .
وقالوا : إنها أي : إلا الاستثنائية استثناء منقطعاً تكون بمعنى لكن ، لأنها كالاستدراك لما سبق ، أي : لكن ما أخذت من ماله بغير علمه فإنني أنتفع به ( فهل علي في ذلك من جناح ؟ ) : من هنا زائدة إعراباً ، وليست زائدة في المعنى ، لأن المقصود منها التوكيد ، وجناح محله من الإعراب الرفع ، لأنه مبتدأ وخبره عليَّ مقدماً .
( فهل عليَّ في ذلك من جناح ) أي : من إثم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك وما يكفي بنيك ) متفق عليه :
( خذي من ماله ) : الجملة أمر خذي ، ولكنه ليس المراد به الإلزام ، بل ولا الاستحباب ، المراد به الإباحة ، لأن جواب الأمر يكون للإباحة ، لأن جواب السؤال مهو الأمر ، لأن جواب السؤال يكون للإباحة ، فإن السؤال استئذان والأمر إذن كما لو قرعت الباب على شخص فقلت : ادخل هل هذا أمر ؟ أجيبوا ؟
الطالب : لا .
الشيخ : لا ولهذا لو انصرف لم يعد عاصيًا ، ولكنه إذن فيكون المراد بقوله : ( خذي ) المراد به الإباحة ، ( خذي من ماله بالمعروف ) : الباء هنا للمصاحبة أي أخذا مصحوبا بالمعروف أي : بالعرف ، أي : بما جرى به أو بما جرت به العادة ، ( ما يكفيك وما يكفي بنيك ) : فإذا كان الذي يكفيها عشرة مثلا فإنها لا تأخذ أحد عشر ، وإذا كان الذي يكفيها عشرة فأخذت تسعة فهل يجوز ؟
الطالب : لها ذلك .
الشيخ : نعم يجوز لها ذلك ، وتحمل وتصبر لكن ما زاد لا تأخذ .
4 - عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : دخلت هند بنت عتبة - امرأة أبي سفيان - على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني ، إلا ما أخذت من ماله بغير علمه ، فهل علي في ذلك من جناح ؟ فقال : ( خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك وما يكفي بينك ) . متفق عليه . أستمع حفظ
فوائد حديث : ( خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك وما يكفي بينك ) .
منها : جواز الدخول على المفتي في بيته لقول عائشة : ( دخلت امرأة أبي سفيان ) ، ولكن يشترط لذلك يشترط ألا يخلو بها ، وأن يأمن الفتنة ، فإن خلا بها حرم عليها الدخول ، وإن لم تؤمن الفتنة حرم الدخول أيضا وهذان الشرطان متوفران في هذه القضية ، لأن هندًا دخلت في حضور عائشة والفتنة قطعا مأمونة .
ومن فوائد هذا الحديث : أنه يجوز بيان أو تعيين الشخص باسمه منسوباً إلى أبيه وإلى من له علاقة به ، كقولهم : بنت عتبة : نسبة للأب ، امرأة أبي سفيان نسبة من لها به علاقة ، كما لو قلت : أبو بكرٍ بن أبي قحافة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيعَين الشخص بأمرين ، وفائدة التعيين هنا متعينة أو ذكر ما فيه التعيين متعين .
ومن فوائد هذا الحديث : جواز ذكر الغير بما يكره للحاجة ، لقولها : ( إن أبا سفيان رجل شحيح ) : وهذه حاجة أن تبين حالة ، لأن حاله تنبني عليها الفتوى ، ولو لم تذكر هذه الحال لم تمكن الفتوى ، فإذا دعت الحاجة إلى ذكر الغير بما يكره كان ذلك جائزاً .
ويؤخذ من هذه المسألة الفردية : " أنه إذا تعارضت المصالح والمفاسد ، وكانت المصالح أكبر جاز ارتكاب المفاسد " ، هنا لا يمكن أن تتحقق المصلحة إلا بارتكاب هذه المفسدة ، وهي ذكر أبي سفيان بما يكره ، لأنا نعلم علم اليقين أن أبا سفيان يكره أن يذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الوصف ، ولكن الحاجة داعية إلى هذا .
وقد مرَّ علينا أنه إذا تعارضت المصالح والمفاسد فإن ترجحت المصالح انغمرت المفاسد فيها ، وإن ترجحت المفاسد انغمرت المصالح فيها ، وإن تساوى الأمران فماذا نصنع ؟
الطالب : يقدم دفع المفسدة .
الشيخ : يقدم دفع المفسدة ، وعلى هذا يتنزل قول الفقهاء أو الأصوليين : " درء المفاسد أولى من جلب المصالح " .
ومن فوائد الحديث : أنه يجوز للمرأة أن تصف زوجها بالعيب عند الحاجة ، مثل أن تصفه بأنه شحيح ، بأنه سريع الغضب ، بأنه يهجرها ، وما أشبه ذلك ، لأن هذا أمر لا بد منه ، ولكن لا شك أن الصبر خير إلا أن هند رضي الله عنها لها من يتعلق بها وهم الأبناء .
ومن فوائد الحديث : ذكر التفصيل بعد الإجمال ، وأن الإجمال لا يفيد إذا لم يبيَّن لقولها : ( لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني ) ، لأن مطلق أنه رجل شحيح ما يكفي في الواقع ، لا بد أن نعرف ، لأن الشح قد يكون شحًا في نظر رجل وليس شحًا في نظر آخر ، ربما تقول المرأة : إن هذا الزوج شحيح لأنه لم يأت لها بكنب ، ولم يأت لها بحلي كثير ، ولم يأت بغرفة نوم تساوي عشرة آلاف وما أشبه ذلك ، لكن عندما نرجع للواقع نجد أن مثل هذا الرجل الذي أعطاها ما يناسب حالها نجد أنه إيش ؟ غير شحيح ، فلا بد أن يذكر أن يبين المجمل حتى ينبني الحكم عليه .
ومن فوائد هذا الحديث : أن للمرأة ولاية على أبنائها ، يؤخذ مِن قوله : ( ما يكفيني ويكفي بني ) ، ووجه الدلالة من ذلك أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يقل لها : أنت غير مكلفة ببنيك بل الأمر إلى أبيهم، لم يقل هكذا بل شرع لها ما يحصل به ما تحصل به الكفاية لها ولبنيها.
ومن فوائد هذا الحديث : صدق الصحابة رضي الله عنهم وصراحتهم وبيانهم للواقع وإن كان على رؤوسهم يؤخذ من قولها : ( إلا ما أخذت من ماله ) فهي لم تكتم هذا الفعل حتى تسأل عنه بل أخبرت به وستعمل ما يوجهها إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يعني بإمكانها أن تقول : هل يجوز أن آخذ ما يكفيني ويكفي بني دون أن تقول : ( إلا ما أخذت بغير علم ) ، ممكن أن تقول هكذا ، لكن الصحابة رجالا ونساء هم أطهر الناس قلوبًا وأصرحهم وأبينهم للواقع .
ومن فوائد هذا الحديث : حرص الصحابة رضي الله عنهم على معرفة الحق ، لمجرد العلم به أو للعمل به ؟
الطالب : للعمل به .
الشيخ : الثاني ولا الأول ؟
الطالب : الثاني .
الشيخ : الثاني بلا شك ، الثاني يحرصون على معرفة الحق للعمل به لا لمجرد أن يعلموا أن هذا هو الحق وأن ذاك هو الباطل بل للعمل ، والشواهد في هذا كثيرة جدا ، حتى إنهم يستسلمون أحيانا لأمر الله ورسوله وإن لم يعرفوا وجهه ، لأن ذلك هو تمام العبودية ، من أين يؤخذ هذا ؟ مِن سؤالها عن هذا الحكم الذي قامت به وفعلته .
ومن فوائد هذا الحديث : أنه يجوز للمرأة أن تأخذ مِن مال زوجها بغير علمه ما تحتاج إليه من النفقة ، وجه الدلالة من قوله : ( خذي من ماله بالمعروف ) ولكن هل تأخذ من جيبه أو تأخذ من حقيبة دراهمه أو تأخذ من صندوقه أو تأخذ من الرف الذي يضع فيه النفقة أو من أين ؟
الطالب : الأسهل .
الشيخ : نعم من الأسهل والأخفى أيضا ، الأسهل والأخفى ، لأنه مثلا إذا وضع على الرف عشرة دراهم معينة عشرة ثم أخذ منها شيئا انتبه ، لكن إذا كان عنده في الصندوق مليون وأخذت عشرة ريالات مثلا تبين ولا ما تبين ؟ الطالب : ما تبين .
الشيخ : ما تبين ، إذًا الأسهل والأخفى ، تأخذ الأسهل والأخفى .
طيب ومن فوائد هذا الحديث : أنه لا يجوز للمرأة إذا أذن لها في الأخذ من مال زوجها للنفقة أن تأخذ ما خرج عن العادة والعرف ، لقوله : ( خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك ) .
ومن فوائد هذا الحديث أيضا : جواز القضاء على الغائب ، جواز القضاء على الغائب ، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى على أبي سفيان وهو غائب ، هكذا قال بعض العلماء ، واستدل بهذا الحديث ، ولكنه عند التأمل لا يدل على ما ذهب إليه ، لأن الحديث ليس من باب المحاكمة ولكنه من باب الاستفتاء ، ولو كان من باب المحاكمة لقال الرسول عليه الصلاة والسلام : هل عندك بينة ؟ لأن القاعدة الشرعية : ( أن البينة على المدعي ، واليمين على من أنكر ) : وعلى هذا فلا يكون في الحديث دليل على القضاء على الغائب ، ولكن هذه المسألة -وهي القضاء على الغائب- هل هي جائزة أو لا ؟ نقول : هي جائزة إذا دعت الحاجة إليها ، ويكون الغائب على حجته إذا حضر ، وفي هذه الحال أي : في حال ما إذا جاز القضاء على الغائب ، لا يمكن المقضي له من السيطرة على المال إلا برهن يُحرِز أو ضامنٍ مَلِي خوفا من إيش؟ خوفا من أن تكون دعواه باطلة ، فيضيع حق الغائب .
ومن فوائد هذا الحديث : جواز مخاطبة الرجل الأجنبي عند الحاجة ، وجهه أن هندَ خاطبت النبي صلى الله عليه وسلم وكلمته .
فلو قال قائل : هذا من خصائص النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، لأن المحذور من المخاطبة في حقه بعيد أو ممتنع ، فالجواب على هذا أن نقول : الأصل عدم الخصوصية ، وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بهذه الأمور له خصائص لم تكن لغيره ، فيجوز له أن يخلو بالمرأة الأجنبية ، ويجوز أن تكشف المرأة له وجهها ، ويجوز أن يتزوج بلا ولي ، ويجوز أن يتزوج أكثر من أربع ، ولكن نقول : هذه الأشياء التي ذكرتها الآن قام الدليل على اختصاصه بها ، أما المخاطبة فلم يقم دليل على اختصاصه بها ، بل إن الدليل قام على أنها ليست خاصة به ، بدليل أن النساء كن يتكلمن بحضرة الرجال بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم ينههن عن ذلك ، بل إن القرآن يدل على جواز مخاطبة المرأة للرجل الأجنبي ، لقوله تعالى : (( فلا تخضعن بالقول فيطمع الَّذي في قلبه مرضٌ )) فإن قوله : (( فلا تخضعن بالقول )) نهي عن الأخص ، والنهي عن الأخص يدل على جواز الأعم وهو مطلق القول .
ولكن يجب ألا نغفل قاعدة معروفة : " وهي أنه إذا ترتب على المأذون محذور مُنع " ، فلو كان في مخاطبة المرأة للرجل الأجنبي محذور فإنه يمنع وإن كان في الأصل جائزا ، لأن المباح من خصائصه أنه تتعلق به الأحكام الخمسة ، كل مباح فإنه تتعلق به الأحكام الخمسة ، ومعنى ذلك أنه يمكن أن يكون هذا المباح حراما ويمكن أن يكون واجبا ، ويمكن أن يكون مستحبا ، ويمكن أن يكون مكروها ، نعم ، ونضرب مثلا بالبيع :
البيع حلال بنص القرآن : (( وأحل الله البيع )) ، قد يكون حراماً : (( يأيها الَّذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع )) وقد يكون واجباً : (( يأيها الذين ءامنوا إذا قمتم إلى الصلوة فاغسلوا وجوهكم )) : فإذا كان لا يمكنني غسل وجهي إلا بشراء الماء كان الشراء واجباً ، وإذا اشترى الإنسان بصلا ليأكله عند قرب الصلاة ماذا يكون ؟ يكون مكروها ، فإن قصد ألا يصلي مع الجماعة صار حراما .
وبقي بعض الفوائد منها :
ما يسمى عند العلماء بمسألة الظفر ، يعني من له حق على شخص ، فكتمه ذلك الشخص إما عدوانا وإما نسيانا ، فهل لصاحب الحق أن يأخذ من ماله بقدر حقه أو لا ؟
من العلماء من قال : له ذلك لأنه في هذه الحال مقتص لنفسه وليس بمعتدي وقد قال الله تعالى : (( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم )) .
وقال بعض أهل العلم : لا يأخذ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك ) : فالذين قالوا : إنه يأخذ استدلوا بما سمعتم من العلة ، واستدلوا أيضا بحديث هند ، حيث أذن لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تأخذ من مال أبي سفيان بغير علمه ما يكفيها ويكفي بنيها ، والذين منعوا ذلك استدلوا بالحديث : ( أدِ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك ) : وحقك لن يضيع إن ضاع في الدنيا فإنه لا يضيع في الآخرة ، وربما يكون انتفاعك به في الآخرة خيرا لك من انتفاعك به في الدنيا ، والصحيح في هذه المسألة أن يقال : إذا كان سبب الحق ظاهرًا فلصاحب الحق أن يأخذ حقه بغير علم المحقوق ، مثل النفقة ، فإنَّ سبب النفقة ظاهر كلٌّ يعرف أن هذه زوجة فلان وأن على الزوج أن ينفق على زوجته ، نفقة القريب سببها ظاهر ولا غير ظاهر ؟
الطالب : ظاهر .
الشيخ : ما هو ؟
الطالب : القرابة .
الشيخ : القرابة ، كل يعرف أن هذا قريب فلان وأن فلانا فقير وفلانا غني فللفقير الذي تجب نفقته على الغني أن يأخذ من مال الغني بغير علمه ما يكفيه ، الضيف إذا نزل بقوم ولم يضيفوه فله أن يأخذ من مالهم بغير علمهم ما يكفي لضيافته ، لأن سببها الضيافة ، لأن سبب الضيافة معلوم ، وهو نزول هذا الضيف ، وهذا القول هو الذي يدل عليه حديث عائشة في قصة هند وبه تجتمع الأدلة ، كما أننا لو أجزنا لمن له حق على شخص وكتمه المحقوق ، لو أجزنا أن يأخذ من ماله بغير علمه حصل بذلك فوضى واضطراب ، لأنه يقتضي أن يعطى المدعي بدعواه بغير بينة ، إذ لو كان لهذا المدعي بينة لكانت البينة تثبت حقه ثم يأخذه منه في في المستقبل ، ولو فتح الباب للناس لحصل في هذا فوضى ومفاسد كبيرة ، وهذا القول هو القول الراجح : أنه إذا كان سبب الحق ظاهرا فلصاحبه أن يأخذ من مال المحقوق بغير علمه بقدر ما يكفيه .
طيب ، ومن فوائد هذا الحديث : الرجوع إلى العرف واعتباره لقوله : ( بالمعروف ) ، ( خذي من ماله بالمعروف ) ، وما هو المعروف ؟
المعروف : هو العرف المضطرد الذي اعتاده الناس ، فإن اختلف الناس في العرف فالمرجع إلى الأكثر والأغلب ، لأن الرجوع إلى الأكثر والأغلب في مسائل كثيرة في الدين فكذلك في العرف .
وهل يقدم العرف على اللغة وعلى الشرع أو لا ؟
الجواب : الشرع مقدم على العرف ، والعرف مقدم على اللغة ، الشرع مقدم على العرف والعرف مقدم على اللغة ، ويظهر ذلك في باب الأيمان ، فمن حلف ألا يتوضأ فاستنجى ، فإننا إذا رجعنا إلى العرف قلنا : إن هذا الرجل حنث ، لأن العرف الشائع بين العامة أن الوضوء هو إيش ؟ الاستنجاء غسل الفرج ، ولو رجعنا إلى اللغة قلنا : أيضًا يمكن أن يكون هذا من باب الوضوء وأنه حنث ، لأن الوضوء في اللغة النظافة ، وإن رجعنا إلى الشرع قلنا : إنه لا يحنث ، لأن الاستنجاء لا يسمى وضوءا في الشرع ، إذًا نغلب إيش ؟ نغلب جانب الشرع .
كذلك لو حلف رجلٌ ألا يشتري شاة فاشترى ماعزًا ، فإن رجعنا إلى العرف قلنا : إنه لا حنث عليه ، لأن العرف عندنا أن الشاة هي الأنثى من الضأن ، وأما الأنثى من الماعز فتسمى عنزة ، وإن رجعنا إلى اللغة قلنا : إنه يحنث ، لأن اللغة أعم وأشمل من العرف ، وهلم جرا .
فإذًا ما كان له حقيقة شرعية وعرفية ولغوية يرجع في ذلك أولا إلى الشرع ، ثم يقدم العرف على اللغة ، لأن اللغة عرف قوم بادوا وذهبوا ، وجاءت لغة جديدة حلت محل اللغة الأولى وتعارف الناس عليها ، فيُعمل بها ، فالولد مثلا في اللغة يشمل الذكر والأنثى ، وفي العرف خاص بالذكر ، فإذا حلف شخص قال : والله لأعطين ولد فلان كذا ، فأعطى بنت فلان ، فإنه ، هذا ما فيه شرع هذا لغة ، لغة ولا عرف ، قال : والله لا أكلم ولد فلان ، فكلم بنته إن اعتبرنا اللغة يحنث ، لأن البنت تسمى ولدا ، وإن اعتبرنا العرف لم يحنث ، لأن العرف أن الولد خاص بالابن ، فنقدم الحقيقة العرفية ونقول : هذا الرجل لم يحنث لأنه لم يكلم ولد فلان وإنما كلم بنت فلان .
على كل حال العرف معتبر شرعا في مواطن كثيرة ، ولكن إذا تعارضت الحقائق الشرعية والحقائق العرفية قدمت الحقائق الشرعية ، ثم العرفية ، ثم اللغوية .
ومن فوائد هذا الحديث : أن المعتبر في النفقات الكفاية ، وأن ما زاد عليها فليس بواجب ، لقوله : ( ما يكفيك وما يكفي بنيك ) ، وما زاد على الكفاية فليس بواجب ، ووجه ذلك : يعني الحكمة من ذلك : أننا لو اعتبرنا ما زاد على الكفاية واتبعنا الهوى في ذلك لم يكن لهذا حد ، ولاسيما فيما يتعلق بالنساء وحاجتهن ، فإننا لو أطلقنا العنان للنساء لكانت المرأة كلما جاء ثوب جديد قالت : اشتره لي ، حتى لو تتغير الموضة بين عشية وضحاها طالبت بما حدث في العشاء وألغت ما حدث في الصباح ، فيقال : الواجب هو الكفاية .
وعن طارق المحاربي - رضي الله تعالى عنه - قال : قدمنا المدينة ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر ، يخطب الناس . ويقول : ( يد المعطي العليا ، وابدأ بمن تعول : أمك وأباك ، وأختك وأخاك ، ثم أدناك فأدناك ) . رواه النسائي ، وصححه ابن حبان والدارقطني .
قوله : ( قدمنا المدينة ) : أل في المدينة للعهد الذهني ، إذ لا ينصرف الذهن إلا إلى مدينة معهودة ، وهي مدينة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، واسمها طيبة ، وكان اسمها بالجاهلية يثرب لكن النبي صلى الله عليه وسلم أشار إلى عدم رغبته بتسميتها بهذا الاسم فقال : ( يقولون يثرب ، وهي طيبة تنفي الناس كما ينفي الكير خبث الحديد ) ، فلا ينبغي أن تسمى يثرب .
وأما قوله تعالى : (( وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم )) : فهو حكاية قول المنافقين ، وحكاية قول الغير قد يكون إقرارا وقد لا يكون إقرارا ، وتسمى المدينة بدون أن يُلحق إليها وصف آخر ، وكفى بها فخرا ألا يفهم من المدينة عند الإطلاق إلا مدينة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم . وأما زيادة المنورة فهي حادثة ما علمتها في عبارات السلف الصالح من الصحابة والتابعين ، ولهذا نرى أن حذفها أولى ، وإذا كان لا بد من وصفها بشيء فلتوصف بالنبوية ، المدينة النبوية نسبة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم . وقوله : ( قدمنا المدينة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ) : إذا تسمى عند النحويين فجائية لدلالتها على المفاجأة ، يعني ففاجئنا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
( قائم على المنبر بخطب الناس ) : والذي يظهر أن هذا كان في يوم الجمعة ، لأن الغالب أن خطبته على المنبر تكون في يوم الجمعة ، والمنبر : مِفعل من النبر وهو الارتفاع .
وكان الرسول عليه الصلاة والسلام أول ما قدم المدينة يخطب إلى جذع نخلة ، ثم صُنع له منبر من خشب من الأثل ، ( فلما قام عليه أول جمعة بدأ الجدع يصيح ويسمع له خوار كخوار البعير لفقد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، حتى نزل النبي صلى الله عليه وآله وسلم من المنبر فجعل يسكته حتى سكت كما تسكت الأم صبيها ) : وهذا من آيات الله ، فإذا كان جذع جماد يبكي لفقد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أفلا يجدر بالمسلمين أن يبكوا لفقد سنة الرسول عليه الصلاة والسلام في كثير من البلاد الإسلامية اليوم ، والله إنه لجدير بنا ولكن القلوب قاسية .
ويقول : ( يد المعطي العليا ) ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : ( اليد العليا خير من اليد السفلى ) : واليد العليا هي يد المعطي ، والسفلى يد الآخذ ، لأن منزلة المعطي فوق منزلة الآخذ ومنزلة الآخذ دون منزلة المعطي ولهذا لا ينبغي للإنسان أن يذل لأحد بسؤال أو استشراف نفس إلا عند الضرورة ، فللضرورة أحكام ، وأما ما دمت في غنى عن سؤال الناس فلا تسأل الناس ، لا تسأل ، فإن الناس وإن جادوا وإن كانوا كرماء فإن طبيعة النفوس تشعر بالمنة من المعطي على الآخذ ، وإن كان الرجل المؤمن لا يمُن على الناس ولا يظهر أن له مِنة عليهم لكن النفوس تأبى إلا أن تشعر بذلك ، ولهذا جعل النبي صلى الله عليه وسلم يد المعطي هي اليد العليا .
ولكن بمن نبدأ ، هل نعطي الأجانب أو نعطي من نعول ؟
قال : ( وابدأ بمن تعول ) ، وأول مَن يجب عليك عوله نفسك ، ولهذا جاء في حديث آخر : ( ابدأ بنفسك ثم بمن تعول ) ، فالإنسان يبدأ بنفسه ، ولكن لا حرج من الإيثار كما هو معروف .
( ابدأ بمن تعول أمك وأباك ) : وكان مقتضى السياق أن يقول : أمِك وأبيك بدلا مِن : مَن ، بدل بعض من كل ، كذا ؟! بدل بعض من كل ، إي نعم ، لأن مَن اسم موصول للعموم ، وما بعده تفصيل له ، لكنه عدل عن ذلك وقال : ( أمك وأباك ) لأن العدول بالأسلوب عما يتوقع يوجب الانتباه انتبهوا لهذا ، العدول بالأسلوب عما يتوقع يوجب إيش ؟
الانتباه ، (( لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلوة والمؤتون الزكوة )) هنا : (( والمقيمين )) جاءت منصوبة بين مرفوعين ، إذا قرأها الإنسان سيقول : ما الذي أوجب خروج هذه الكلمة من طريق جاراتها ؟ أليس كذلك ؟ وكذلك الالتفات : (( ولقد أخذ الله ميثاق بنى إسرائيل وبعثنا منهم )) : ولم يقل : وبعث ، هذا أيضا مما يشد الانتباه .
فالرسول عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث -إذا كان هذا لفظه- عدل عما يتوقع من البدلية إلى النصب ، حتى ينتبه السامع ويقول ما الذي أوجب نصب هذا ؟
نقول : هذا منصوب بفعل محذوف ، التقدير : أعط أباك ، أعط أمك وأباك وأختك وأخاك ، فبدأ النبي صلى الله عليه وسلم بجانب الأنوثة ، لأن الإناث في الغالب أحوج من الرجال ، أما بين الأم والأب فهناك أمر ثان غير حاجة النساء في الغالب : وهي أن الأم أحق بالبر من الأب ، لأن المشقة التي حصلت للأم أعظم بكثير مما يحصل للأب ، لأن مشقة الأم اضطرارية ، ومشقة الأب اختيارية .
أما بالنسبة عند خروج الولد من هذا ومن هذا فالأمر واضح الفرق كبير جدًا ، الولد خرج من أبيه شهوة ، لكن خرج من أمه كُرها ووهنا على وهن ، أما بالنسبة للمشقات الأخرى كالإنفاق وما أشبه ذلك فالإنفاق إنما يسعى الأب باختياره ، يسعى لولده باختياره ، لكن مشقة الأم عند الحمل وعند الوضع والحِضانة أمر اضطراري ، فلهذا كانت الأم أحق بالبر ، أما الأخت والأخ فقدم الأخت لأنها في الغالب إيش ؟ أحوج من الأخ : ( وأختك وأخاك ، ثم أدناك فأدناك ) : أدنى هنا بمعنى أقرب ، فهي مِن دون القرب وليست من دون المنزلة ، لأن كلمة دون تكون في المنازل ، وتكون في الولاية والقرب ، فهنا أدنى يعني إيش ؟ أقربك ، الأقرب فالأقرب ، فإن تساووا في القرب فإن اتسع المال للنفقة فعم الجميع ، وإن لم يتسع فأعط البعض لهذا ، والبعض لهذا حسب الحاجة .
6 - وعن طارق المحاربي - رضي الله تعالى عنه - قال : قدمنا المدينة ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر ، يخطب الناس . ويقول : ( يد المعطي العليا ، وابدأ بمن تعول : أمك وأباك ، وأختك وأخاك ، ثم أدناك فأدناك ) . رواه النسائي ، وصححه ابن حبان والدارقطني . أستمع حفظ
فوائد حديث : ( يد المعطي العليا ، وابدأ بمن تعول ... ) .
منها : مشروعية القيام على المنبر عند الخطبة لقوله : ( وهو قائم على المنبر ) .
ومنها ، من الفوائد : حِرص النبي عليه الصلاة والسلام على ما يناسب المقام فقد تكون خطبه مواعظ ، وقد تكون أحكامًا ، يعني فليست خطبه مواعظ دائمًا ، قد تكون أحكامًا يبين فيها الأحكام كما في هذا .
ومنها : فضل المعطي على الآخذ ، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( يد المعطي العليا ) .
ومنها : الإشارة إلى أنه ينبغي للإنسان أن يتجنب السؤال والأخذ بقدر الإمكان ، وجهه : أنه إذا كانت يد المعطي هي العليا فيد الآخذ هي السفلى ، ولا أحد يرضى أن تكون يده هي السفلى .
فإن قال قائل : هل هذا يدل على أن الأولى عدم قَبول الهدية ؟ نعم ، قلنا : لا ، الهدية شيء والإعطاء من الناس ، يعني السؤال شيء آخر ، بل قبول الهدية سنة بشرط أن تعلم أنه لم يهد إليك خجلا ، فإن علمت أنه أهدى إليك خجلا حرم الأخذ ، فإن من هدي الرسول عليه الصلاة والسلام أنه كان يقبل الهدية ويثيب عليها ، ولكن هل يجب القبول ؟ قبول الهدية أو لا يجب ؟ يرى بعض العلماء أنه إذا أهدى إليك شخص هدية بدون أن تستشرف نفسك لها فإنه يجب عليك القبول ، مستدلا بقول الرسول عليه الصلاة والسلام لعمر : ( ما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه ) ، والأمر للوجوب ، ولكن الصحيح أنه لا يجب قبول الهدية مطلقاً إلا إذا خاف الإنسان من ردها مفسدة فهنا يجب درءً للمفسدة ، لو كان هذا الذي أهدى إليك لو رددت هديته لحصل بذلك قطيعة رحم لأنه قريبك ويحب أن تقبل هديته ، ولو رددتها لصار فيه قطيعة رحم فهنا يجب القبول لا لذات الهدية ولكن لما يترتب على الرد مِن المفاسد .
طيب كما أنه لو علمت أن هذا الرجل إذا قبلت هديته فسوف يجعلها دبوسًا معلقا عليك ، نعم ، كلما حصل مناسبة قال : إي نسيت ، نعم ، أو قال : هذا جزاء الذي يحسن إليك أو ما أشبه ذلك ففي هذه الحال لا تقبل ، لا تقبلها لأن هذا ضرر عليك ، والله سبحانه وتعالى نهى عن الإضرار بالنفس ، وهذا يوجد كثيرًا من بعض الناس ، يحصي الإنسان بقلبه أو بقلمه ما أعطى غيره ، فإذا حصل أدنى مناسبة قال : أنا فعلت وأنا تركت ، فمثل هؤلاء لا تقبل هديتهم ردها ، لأن هذا في الحقيقة يوجب عليك الذل والمهانة ، كما أن مَنّه بالهدية حرام عليه لقوله تعالى : (( يأيها الذين ءامنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى )) .
طيب الحال الثالثة : إذا علمت أنه إنما أهدى إليك خجلا ، فهنا لا يجوز القبول ، لا يجوز أن تقبل ، وكيف أعلم ذلك ؟
أعلم ذلك بقرائن ، وإلا لا يعلم ما في القلب إلا الله ، لكن أعلم هذا بقرائن مثل أن يكون معه قلم جيد وطيب ، أو ساعة جيدة وطيبة فآخذها وأقلبها وأقول : ما أحسن هذه نعم فيهديها عليّ ، هنا يظهر أنه أهداها خجلا فهنا لا أقبل .
أو أعرف أنه قد دسَّ شيئا ، يوجد بعض الناس يقضي حوائج معينة ويدسها ولا يحب أن يطلع عليها أحد ، فإذا ظهرت عليها خجل وقال : تفضل ، هذا أيضا لا يجوز أن أقبل ، وبالمناسبة لو وَجدت الشخص عند بابه فقال لك : تفضل ، فهل تدخل أو لا ؟
الطالب : على حسب .
الشيخ : نعم ؟ فللوا شوي ، نعم ؟ إي نعم .
الطالب : إن كان يقولها قاصدا فتدخل ، وإن كان قالها مجاملة فلا .
الشيخ : نعم ، يعني ينبني على هذا ينظر إلى قرائن الأحوال ، إن علمت أن الوقت غير مناسب أني أدخل معه وليس بينك وبينه صلة بينة فلا تقبل ، وإلا إن علمت أن الرجل صادق في عرضه دخولك فالقبول خير ، فيه خير ما لم يصدك عما هو أهم طيب .
الطالب : الدليل على عدم الجواب ؟
الشيخ : الدليل على عدم الجواز لأن هذا كالإكراه ، ولولا الخجل ما أعطاك ، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه ) : هذا ما طابت نفسه نعم ، انتهى الوقت ؟
الطالب : إيلاء النبي عليه الصلاة والسلام من أمهات المؤمنين .
الشيخ : نعم .
الطالب : لى منهن شهرا كاملا ، فلما جاء تسعة وعشرين يوم .
الشيخ : تحول .
الطالب : تحول ، قالوا : بقي يوم ، فقال الشهر تسعة وعشرين ، الآن يا شيخ هم خاطبوه بالعرف ، وهو خاطبهم باللغة فقدم اللغة على العرف .
الشيخ : لا لا .
الطالب : إلا .
الشيخ : ما هو صحيح ، كيف ؟ أنا أقول لك : لا ، وتقول : إلا ، هذا مو صحيح .
الطالب : لا لا ، أستغفر الله ، يعني كيف مو عرف ؟
الشيخ : هذا مهو عرف ، الشهر قال الرسول : ( هكذا وهكذا وهكذا ) ، وقال مرة ثالثة : ( هكذا وهكذا وهكذا وضم إبهامه ) : يعني يكون تسعة وعشرين ، ويكون ثلاثين ، في هذا الشهر الذي حصل فيه الإيلاء علم النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان تسع وعشرين ، فقال : إنه تسع وعشرين وهم لم يعلموا ، نعم .
الطالب : في قوله تعالى : (( إن هذا أخي له تسعة وتسعون نعجة )) .
الشيخ : له ؟
الطالب : (( له تسعة وتسعون نعجة )) .
الشيخ : نعم .
الطالب : شيخ النعجة هنا أليست هي الأنثى من الضأن ؟
الشيخ : إي نعم بلى .
الطالب : العرف هنا ... .
الشيخ : لا ، هو تسمى نعجة ، عند البادية يسمونها نعجة حتى الآن .
الطالب : يؤخذ بالعرف في هذه المسألة ولا لا ؟
الشيخ : أبدا كما قلنا لكم نعم .
إذا وجد رجل عين ماله عند من غصبه منه ؟
الشيخ : نعم .
السائل : كأن القول الراجح إذا كان السبب ظاهر .
الشيخ : نعم .
السائل : أنه يأخذ بغير إذن .
الشيخ : نعم .
السائل : طيب إذا كان السبب ما هو بنفسه أخذ حقه ؟
الشيخ : مال مجحود يعني .
السائل : مال مجحود .
الشيخ : أي نعم .
السائل : وجده بعلمه ، وش الفرق ؟
الشيخ : بعلمه ؟
السائل : يعني وجده أمامه .
الشيخ : يعني قل : عين ماله ، يعني وجد عين ماله !
السائل : أي نعم .
الشيخ : يأخذه هذا بالاتفاق .
السائل : لأنه ماله .
الشيخ : لا لا المراد الحق ، لأن مالك مغصوب أمامك ، مالك غصبه ، تأخذه .
السائل : إذا كان قيمته ؟
الشيخ : آه لا هذه مسألة ، هي المسألة : لو كان عوض مال : يعني جحد عليه المال وذهب وأتلفه ، أو طعام وأكله ، وبقي في ذمته القيمة ، فهذه المسألة التي قلنا : أنك لا تأخذ منها .
إذا وجد عين ماله فله أن يأخذه .
السائل : القيمة يأخذها من غير علمه ؟
الشيخ : لا لا ما يأخذها .
إذا لم يعط المستأجر أجيره أجره فوجد الأجير مالا المستأجر فهل له أن يأخذ قدر أجره منه ؟
الشيخ : كيف ؟
السائل : الأجرة ، يعني استأجر أجيرا ولم يعطه حقه ؟
الشيخ : نعم .
السائل : ثم ظفر الأجير بحقه من !
الشيخ : أي ما يجوز ، على القول الراجح ما يجوز .
السائل : هذا حقه يا شيخ .
الشيخ : كما قلنا لكم : ( لا تخن من خانك ) ، نعم .
9 - إذا لم يعط المستأجر أجيره أجره فوجد الأجير مالا المستأجر فهل له أن يأخذ قدر أجره منه ؟ أستمع حفظ
سؤال عن بعض أحكام اليمين ؟
الشيخ : ها ؟
السائل : ذكرت في الأيمان بعض الأسئلة .
الشيخ : إيش ؟
السائل : الأيمان .
الشيخ : نعم .
السائل : هل يحنث أو لا يحنث .
الشيخ : نعم .
السائل : الحلف نية الحالف يا شيخ نقول : على حسب نيته بغض النظر عن العرف أو غيرها .
الشيخ : الأيمان بارك الله فيكم يرجع فيها أولا إلى نية الحالف بشرط أن يحتملها اللفظ ، فإذا لم يوجد نية رجعنا إلى سبب اليمين ، فإذا لم يوجد سبب رجعنا إلى ما يقتضيه اللفظ ونبدأ بالشرع ثم العرف ثم اللغة ، فالنية مقدمة لكن بشرط أن يحتملها اللفظ ، فلو قال : والله والله والله لا أبيت الليلة إلا على وتد ، إلا على وتد ، تعرفون الوتد ما هو ؟
السائل : على جبل .
الشيخ : لا ، الوتد العود الذي يطق في الجدار تعلق به الأشياء نعم .
السائل : أو وتد الخيمة .
الشيخ : أو وتد الخيمة ، تقول كيف هذا ؟ قال : أنا أردت بالوتد الجبل صح ولا لا ؟ صحيح .
فالنية مقدمة على كل شيء ، فإن لم يوجد نية فإذا وجد السبب ، فإن لم يوجد سبب فما يقتضيه اللفظ .
طيب لو قال : والله لا آكل خبزة ، فأكل خبزة ، فقلنا : حنثت ، قال : أنا أردت بقولي : والله لا آكل خبزة والله لا ألبس ثوبا ، يقبل ولا لا ؟
الطالب : لا يقبل .
الشيخ : لا يقبل لأن هذا لا يحتمله اللفظ .
الله أكبرالله أكبر .
تتمة فوائد حديث : ( يد المعطي العليا ، وابدأ بمن تعول ... ) .
ذكرنا من فوائد الحديث : حرص النبي عليه الصلاة والسلام على إبلاغ الرسالة لكونه يقوم على المنبر ليبلغ الناس.
وذكرنا أيضًا أن يد المعطي هي العليا ، فتكون يد الآخذ هي السفلى ، وبه يُعرف كراهة السؤال ، كراهة سؤال الناس .
وذكرنا أنه يستثنى من ذلك حال الضرورة .
وذكر بعض العلماء : أن من له أخذ شيء فله سؤاله ، وعلى هذا فالغريم مثلا وإن كان غنياً في أكله وشربه وكِسوته وسكنه ، له أن يقول للناس : أعطوني لأقضي ديني ، لأن مَن له أخذ شيء فله سؤاله ، ولكن هذا فيه نظر ، والصواب أنه لا يسأل إلا عند الضرورة .
نعم للإنسان أن يبين حاله للناس ، أما أن يسأل فالسؤال ذل .
وذكرنا فيما سبق من الفوائد : أنه إذا تزاحمت الحقوق فإنه يبدأ بمن يعوله : أي بعياله .
وذكرنا أيضا أن الأم مقدمة على الأب ، لأنها تعبت أكثر .
طيب من فوائد الحديث : أن الأم مقدمة على الأب ، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بدأ بها ، قال العلماء : " ولا يبدأ إلا بالأهم فالأهم " ، ولهذا استدلوا على أن الفقراء أشد حاجة من المساكين ، لأن الله بدأ بهم ، ولأن الأم أشد عناء من الأب بالنسبة لولدها ، ولأن الأم أقل تحصيلا للكسب من الأب ، فكانت أولى بالتقديم .
وكذلك يقال في الأخ والأخت : أن الأخت مقدمة على الأخ ، ولكننا إذا قلنا بالتقديم في مثل هذه الأمور فهذا مع التساوي ، مع التساوي في الحاجة ، أما لو قدر أن الأب أشد ضرورة من الأم فهنا نقدم من ؟ الأب لدفع الضرورة ، لكن إذا كانوا متقاربين أو متساوين فالأم أولى وكذلك نقول في الأخت والأخ.
ومن فوائد هذا الحديث : تقديم الأقرب فالأقرب بالنسبة للقرابات في الصلة لقوله : ( ثم أدناك فأدناك ) .
ومن فوائده : جواز استعمال السجع ، واستعمال السجع جائز إذا كان بحسب الطبيعة والفطرة ، يعني بدون عناء وبدون مشقة ، ومن الناس مَن شاهدناهم قد يسر الله لهم السجع ، حتى إنه إذا كان يكلمك كلاما عاديا تمكن أن يكلمك سجعا من أول الكلام إلى آخره ، وإذا كاتبوا لنا كتابا وجدناه سجعا من أوله إلى آخره ، ونقول : سبحان الله كيف يجدون هذا الكلام ؟
فمن الناس من يسر الله له السجع ويكون طبيعياً هذا لا بأس به ، أما إذا كان متكلفا فينظر إن كان يؤدي إلى إخلال بالمعنى فلا شك أنه خطأ ، لأن هذا كالذي يعتني بالقشور ويدع اللب .
يعني مثلا لو كان هذا السجع يؤدي إلى إخلال بالمعنى بحيث لا يفهم المعنى بهذه الكلمة التي جاء بها من أجل سجعه إلا من بعيد فهنا نقول : السجع لا ينبغي ، لأن هذا خلاف المقصود ، المقصود من الألفاظ المعاني ، فإذا أتيت بألفاظ تبعد بها المعاني فهذا خطأ .
القسم الثالث من السجع : أن يقصد به إبطال الحق أو إحقاق الباطل ، وهذا منهي عنه ، لقول النبي عليه الصلاة والسلام في حَمَل بن النابغة قال : ( يا رسول الله كيف أغرم ؟ ) يعني الجنين الذي قتل ، ( كيف أغرم مَن لا شرب ولا أكل ، ولا نطق ولا استهل ، فمثل ذلك يُطَل ) : هذا سجع ، فقال فيه الرسول عليه الصلاة والسلام : ( إنما هو من إخوان الكهان ) ، لأن الكهان هم الذين يسجعون في كلامهم من أجل هذا السجع الذي أراد به إيش ؟ إبطال الحق ، فالإنسان الذي يسجع الكلام من أجل أن يروج كلامه ليبطل الحق ويحق الباطل هذا لا شك أنه حرام عليه وأنه مذموم .
ورسول الله عليه الصلاة والسلام جاء السجع في كلامه كثيرًا مثل هذا الحديث ومثل : ( قضاء الله أحق ، وشرط الله أوثق ، وإنما الولاء لمن أعتق ) .
وعن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( للمملوك طعامه وكسوته ، ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق ) . رواه مسلم .
للمملوك : يعني بذلك الرقيق من ذكر أو أنثى .
طعامه وكسوته : طعامه يشمل الشراب ، لأن الشراب يسمى طعامًا ، قال الله تعالى : (( فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده فشربوا منه إلا قليلا منه )) .
وتسمية الشراب طعامًا واضحة ، لأنه يُطعم ويذاق ، لكن إذا قيل طعام وشراب اختلف المعنى : صار الشراب للمائع والطعام لغير المائع .
طيب إذًا الطعام هنا يشمل الطعام والشراب ، الأكل والشرب ، نعم .
وقوله : ( للمملوك طعامه ) : لا يخفى أنها جملة خبرية وأن الخبر فيها مقدم للمملوك طعامه ، وهنا لا يراد به الحصر لأن التحدث عن المملوك ، وليس هناك شيء آخر يحترز به منه .
( وكسوته ) : كسوته يعني لباسه ، لأن الإنسان محتاج إلى اللباس لستر العورة ودفع الحر ودفع البرد ، قال الله تعالى : (( وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم )) : وهذا شيء مشاهد ، لأن الجسم لو بقي عاريا في أيام الحر أكله السموم وتأثر ، لكن اللباس يقي الحر .
ففيه فائدتان : الفائدة الأولى : ستر العورة ، والفائدة الثانية : الوقاية من الحر والبرد .
كما أن فيه إشارة معنوية عظيمة : إلى أن الإنسان لا بد أن يستر عورته المعنوية ، فهو مضطر لستر العورة الحِسية ومضطر لستر العورة المعنوية ، ما هي العورة المعنوية ؟ الذنوب والمعاصي ، كما قال الله تعالى : (( ولباس التقوى ذلك خير )) : فأنت مفتقر إلى أن تكسو عورتك المعنوية كما أنك مفتقر إلى أن تكسو عورتك الحسية ، وهذه من حكمة الله ، البهائم حيث إنه لم تكلف ليس لها لباس ، قد ألبسها الله تعالى ما يليق بحالها ، لكن بنو آدم أراهم الله عز وجل أنهم مضطرون للباس الحسي ، وهم كذلك مضطرون للباس المعنوي . ( للمملوك طعامه وكسوته ، ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق ) : لا يكلف أي لا يُلزم ، لأن التكليف في اللغة : " إلزام ما فيه مشقة " ، وقيل : إنه مجرد الإلزام ، والمعنى : أنه لا يلزم من العمل إلا ما يطيق أي ما يدخل تحت طاقته وقدرته ، فإذا كان صغيرا وقلنا له : احمل هذه الصخرة الكبيرة فهذا حرام لا يجوز ، لماذا ؟ لأنه لا يطيق .
أو قيل له : اعمل ليلا ونهارا ، ولو تنام من الليل والنهار إلا ساعتين هذا أيضا لا يجوز ، وإن كان العمل خفيفًا لكن هذا فيه إرهاق للبدن ، فهو لا يطيق أن يعمل اثنتين وعشرين ساعة من أربع وعشرين ساعة .
فإذًا لا يكلف من العمل إلا ما يطيق قدرا وزمناً ، أما أن يكلفه ما لا يطيق فهذا حرام ، طيب .
12 - وعن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( للمملوك طعامه وكسوته ، ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق ) . رواه مسلم . أستمع حفظ
فوائد حديث : ( للمملوك طعامه وكسوته ، ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق ) .
أولا : إثبات الملكية ، إثبات الملكية في البشر ، منين يؤخذ ؟
الطالب : للمملوك .
الشيخ : من قوله : ( للمملوك ) ، وتركيبه على هذا الملك هذه الأحكام الطعام والشراب والكسوة وألا يكلف من العمل إلا ما يطيق .
وقد دل الكتاب والسنة وإجماع الأمة على ثبوت ملكية الإنسان للإنسان ، وهذا لا ينافي العدل ، ولا ينافي الرحمة ، لأن سبب الملكية أن الإنسان لما أرقَّ نفسه للشيطان صار مِن الحكمة أن يرق نفسه للإنسان الذي قد ينفعه ويعينه على الطاعة ، ما هو رق الشيطان ؟ الكفر ، لأن سبب الرق هو الكفر ، لا يوجد رق في الإسلام إلا بسبب الكفر ، أو التوالد فيما بعد ، أما أن يؤخذ الإنسان من أهله ويباع ويشترى هذا لا يمكن يوجد أبدًا في الإسلام ، ومعلوم أننا إذا رققناه بملك الإنسان فهو خير من رق الشيطان ، واضح ؟ قال ابن القيم -رحمه الله- بالمناسبة :
" هربوا من الرق الذي خُلقوا له " .
ما هو الرق الذي خلقنا له ؟ الرق لله عز وجل ، فنحن عبيده .
" وبلوا برق النفس والشيطان " :
أعوذ بالله صاروا أرقاء للنفس والشيطان ، الهوى والشيطان .
طيب إذًا إثبات الملكية ثابت شرعاً بالنص والإجماع ، ولا يمكن أبدا إلغاء هذا الحكم أبدًا ، ولا يستطيع أحد أن يلغيه إلا إذا كان يستطيع أن يلغي فرضية الصلوات الخمس .
صحيح أنه يجب التحري والتنقيب ما سبب رق هذا البشر ؟ يعني لو جاء إنسان وعنده عبد وقال : هذا عبدي لا بد أن نتحرى ، -لأن نسأل الله السلامة والعافية- المسلمون اليوم إلا من شاء الله لا يسترقون البشر ، هم مغلوبون على أنفسهم فكيف يغلبون غيرهم ؟ !
لكن إذا فرض أنه وجد فلا بد من التحري ، فإذا لم نعلم سبب الرق فحينئذ لنا أن نقول : الأصل في بني آدم الحرية ، الأصل في بني آدم الحرية ، حتى يثبت أن هذا رقيق بطريق شرعي .
من فوائد الحديث : وجوب إطعام المملوك وكسوته لقوله : ( للمملوك ) : واللام هنا للاستحقاق ، يعني أنه يستحق على سيده أن يطعمه ويكسوه .
ومن فوائد الحديث : جواز استعمال العبد واستخدامه فيما يطيق ، من أين تؤخذ ؟ ( ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق ) .
ومن فوائده : تحريم تكليف العبد بما لا يطيق ، لأن قوله : ( لا يُكلف ) نفي بمعنى النهي ، نفي بمعنى النهي ، والنفي يأتي بمعنى النهي كثيرا كما أن الخبر يأتي بمعنى الأمر كثيرا ، وكما أن الأمر يأتي بمعنى الخبر ، سبحان الله أمر بمعنى الخبر ! نعم ، إي ممكن نشوف نأخذ أمثلة على هذه لأنه مفيد :
(( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء )) : هذا خبر ومعناه الأمر .
( لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم ) : خبر لكن معناه النهي ، معناه النهي .
طيب قد يأتي الأمر بمعنى الخبر ، مثل قوله تعالى : (( وقال الذين كفروا للذين ءامنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم )) : اللام لام الأمر هنا ، ولهذا جزمت الفعل ، لكن هل هذا أمر وإلا خبر يفيد إلزام أنفسهم بذلك !؟ هو الثاني . طيب من فوائد الحديث : عناية الشرع بالمملوك والمالك ، وجه ذلك خالد ؟
الطالب : أنه عين ما على المملوك وما على المالك .
الشيخ : عين ما لهذا وما لهذا ، وهذا يدل على عناية الشرع بالمملوك والمالك ، وعلى أن الشرع منظم للحياة كلها ، طيب .
وعن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه قال : قلت : يا رسول الله ، ما حق زوجة أحدنا عليه ؟ قال : ( أن تطعمها إذا طعمت ، وتكسوها إذا اكتسيت ، ولا تضرب الوجه ، ولا تقبح ) . الحديث - وتقدم في عشرة النساء .
في هذا الحديث فوائد ، وقد سبق الكلام عليه كما قال المؤلف في باب عشرة النساء .
وهنا نطلب مِن أحدكم أن يحقق لنا لفظ الحديث : ( ما حق زوجة أحدنا ؟ ) ، لأن اللغة الفصحى عدم تأنيث اللفظ ، اللغة الفصحى عدم تأنيث اللفظ ، فيقال للمرأة : زوج ، ولا يقال : زوجة إلا في لغة ضعيفة .