تحت باب عشرة النساء .
لو أن أحدا إذا أراد أن يأتي أهله وهو متأكد أنها حامل فهل يقول دعاء الجماع ؟
الشيخ : نعم.
السائل : فهل يقال هذا تعبد أو يقال سنة ؟
الشيخ : الظاهر أن مقتضى التعليل : ( فإنه إن يقدر ) فإنه يقتضي ألا يقول ذلك إذا كانت حاملا، لأن الولد قد قدّر وتوقع، ولكن الأفضل أن يقول ذلك لأن الإمام أحمد -رحمه الله- قال : " إن جماع الحامل يزيد في سمع الجنين وبصره " ، يزيده في سمعه وبصره ، لكن لاحظوا أن هذا مقيد ، أعني وطء الحامل بما إذا لم تضرر أو يشق عليها، نعم، فإنه في هذه الحال ينبغي له أن يتجنب.
سؤال عن معنى قوله صلى الله عليه وسلم ( إن يقدر بينها ولد لم يضره الشيطان أبدا ... )
السائل : أحسن الله إليكم هنا قال : ( إن يقدر بينهما ولد لم يضره الشيطان أبدًا ) يعني كأنه علّق ضرر الولد به يعني هذا فعل علق بالوالد!
الشيخ : نعم؟
السائل : ضرر الولد قد يورد مورد في أن ضرر الولد وعدم ضرره علق على فعل الوالد !
الشيخ : نعم.
السائل : قد يقول قائل ما ذنب الولد؟
الشيخ : نعم لأن هذا الولد خلق من الوالد، فتكون عمليته ناقصة، ويكون هذا من جملة ما يعاقب فيه الإنسان في مرض أولاده والمصائب التي تصيبهم، وإن كان هم ليس منهم جناية، صغار.
مناقشة ما سبق .
مر علينا دعوى وتكذيبها ؟
الطالب : نعم دعوى اليهود قالوا : أن الرجل إذا أتى امرأته من دبرها، طلع الولد أحول، وهذه الدعوى كاذبة، حيث نزلت الآية: (( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم )) .
الشيخ : أحسنت.
هل يمكن أن نستدل على تحريم الوطء في الدبر من حديث جابر ؟
الطالب : من الآية، الحكم من الآية يا شيخ.
الشيخ : ها ؟
الطالب : نعم الآية .
الشيخ : إيه كيف ؟
الطالب : موضع الحرث لا يكون من الدبر وإنما من القبل .
الشيخ : والله عز وجل يقول: (( فأتوا ))
الطالب : (( حرثكم أنى شئتم )).
الشيخ : نعم ، صح ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : طيب ، في حديث ابن عباس رضي الله عنهما حمية من الشيطان يقوم بها الزوج مع زوجته عبدالمنان ؟
الطالب : قول الرجل إذا أتى أهله!
الشيخ : ما هي الحمية؟
الطالب : حماية .
الشيخ : ما هو ؟
الطالب : ( اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا ).
الشيخ : طيب ، ( اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا ) حمية عن إيش ؟
الطالب : أن يحميه الله من تسلط الشيطان على الولد .
الشيخ : إيه طيب.
لو قال قائل : في هذا إشكال وهو أن بعض الناس يلتزم بهذا الدعاء كلما أتى أهله وقد يكون أولاده شياطين ؟
الطالب : أن نقول: هذا ليس إشكال، لأن هذا سبب، والأسباب يعني قد تمنع لمانع، وقد لا تمنع إذا قدر الله.
الشيخ : يعني قد تتخلف مسبباتها لوجود، لوجود إيش؟
الطالب : السبب ، قد تتخلف.
الشيخ : لا ، لوجود إيش؟
الطالب : قد تتخلف المسببات؟
الشيخ : إي ، لوجود ؟
الطالب : لوجود المانع .
الشيخ : لوجود المانع ، أحسنت .
طيب ما الذي تتصوره من الموانع هنا ؟
الطالب : الموانع متعددة منها : أن يقول الشخص هذا الدعاء مثلا وهو ليس يعني متيقنا.
الشيخ : موقنا به، طيب.
الطالب : موقنًا به ، ومنها تجرُبة .
الشيخ : التجرُبة ؟!
الطالب : بعض الناس يقول هكذا .
الشيخ : يقول : تجربة ؟
الطالب : ماهو جازم يعني .
الشيخ : وش الصواب من تجربة ؟ تجرِبة .
الطالب : لماذا ؟
الشيخ : لماذا ؟!
هذه اللغة العربية تجرُبة هذه من كيسك ومن كيس كثير من الناس الآن يقول: تجرُبة وتجارُب، هذا خطأ، الصواب تجرِبة بالكسر وتجارِب:
" قد جربوه فما زادت تجارِبهم *** على قدامة إلا المجد والفنع ".
إي نعم طيب هذه واحدة.
فيه سبب آخر ؟ نعم يا سليم !
الطالب : من الأسباب الأبوين، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ) .
الشيخ : قد تكون البيئة التي يعيش فيها ، طيب هذه من الموانع، تمام.
وفيما سبق ما يدل على أن الشيطان قد يسلّط على ابن آدم ويلحق به الضرر شرافي ؟
الطالب : لقوله: ( لم يضره ).
الشيخ : ( لم يضره الشيطان أبدًا ).
الطالب : أن هذا أنه إذا لم يقل هذا الدعاء فإن الشيطان يسلط عليه .
الشيخ : نعم ولولا وجود الضرر لم يكن لهذا الدعاء فائدة، طيب تمام أحسنت.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه ، فأبت أن تجيء فبات غضبان لعنتها الملائكة حتى تصبح ) . متفق عليه ، واللفظ للبخاري . ولمسلم : ( كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى عنها ) .
ولمسلم : ( كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها ) " :
قوله عليه الصلاة والسلام : ( إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه ) :
دعا بمعنى طلب، طلب منها أن تحضر إلى الفراش وذلك من أجل أن ينال متعته منها بالجماع أو ما دونه، الحديث عام.
وقوله ( فأبت ) امتنعت أن تجيء، سواء امتنعت بالقول بأن قالت: لا، أو امتنعت بالفعل بأن تكرَّهت وتأخرت وتقهقرت ولم تأتِ، وسواء علَّقت الإباء على شرط أو لا، بأن قالت مثلا: لا آتي إلا إذا اشتريت لي سيارة كدلك، أو إذا أعطيتني حلياً مثل حلي فلانة، أو إذا أتيت لي بخادم أو ما أشبه ذلك. وقوله: ( فبات غضبان عليها ) : هذا شرط يعني إن رضي وصار حليما وعاقلا وأعطى المرأة على قدر عقلها ولم يغضب فهذا طيب ، ولا تتعرض الملائكة للعقوبة التي ذُكرت.
فإن بات غضبان كما يوجد عند كثير من الأزواج، يغضب إذا أبت أن تجيء لا من أجل أنها تفوت عليه بامتناعها شهوته، ولكن من أجل أنه يشعر بأنها تحتقره وأنها تريد أن تذله، وقد يكون من الجهتين جميعًا، يكون هو محتاجا إلى ما يريد فتحول بينه وبين إرادته فيغضب.
وقد يكون من الناس سريعي الغضب، يغضب لأدنى سبب، ولا يفكر في الأمور والعواقب.
المهم أنه إذا بات غضبان عليها فإن العقوبة : ( لعنتها الملائكة حتى تصبح ) : لعنتها أي: دعت عليها باللعن، يعني قالت: اللهم العنها، هذا هو الظاهر، وليس المراد باللعن أن الملائكة تسبها، لأن اللعن يطلق على السب كما قال النبي عليه الصلاة والسلام لما ( سُئل هل يلعن الرجل والديه ؟ قال : نعم يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه ) ، وهذا دليل على أن السب لعن ، لأن الساب يطرد المسبوب ويبعده عنه .
لكن قوله هنا : ( لعنتها الملائكة ) الذي يظهر لي والعلم عند الله أن المعنى دعت عليها بلعنة الله ، يعني قالت : اللهم العنها .
والملائكة : جمع ملأك وأصل ملأك مألك من الألوكة وهي الرسالة ، والملائكة رسل كما قال تعالى : (( جاعل الملائكة رسلا )) ، ففيها إعلال بالقلب ، هل تعرفون إعلال بالقلب ؟
الطالب : لا.
الشيخ : لا حول ولا قوة إلا بالله، إعلال بالقلب ها ؟
الطالب : هو قلب حركة الحرف إلى حرف آخر .
الشيخ : لا .
الطالب : إبدال حرف بحرف.
الشيخ : إيه نعم، أنتم قرأتم المقلوب في الحديث ولا لا؟
الطالب : بلى.
الشيخ : هذا قريب منه : القلب إنه يجعل حرف بدل حرف ، فمثلا الملائكة أصله من ملأك يعني جمع ملأك ، وأصل ملأك مألك ، لأنه مشتق من الألوكة، وليست الهمزة قبل اللام.
إذن ففيه إعلال بالقلب أي: جعل حرف مكان حرف، عرفتم ؟
ومن ذلك من الإعلال بالقلب : أشياء أظنكم تقرؤونها غير مصروفة ، فتقولون : عن أشياءَ ، كما قال الله تعالى : (( لا تسألوا عن أشياءَ )) .
طيب وأسماء أظنكم تقرؤونها مصروفة، كما قال تعالى : (( إن هي إلا أسماءٌ سميتموها )) مع أن أسماء وأشياء الوزن واحد ، فلماذا كانت أسماء مصروفة وأشياء غير مصروفة ؟
السبب هو الإعلال بالقلب ، فأصل أشياء شيئا، شيئا على وزن فعلا ففيها ألف التأنيث الممدودة.
لكن أسماء على وزن أفعال ما فيها ألف التأنيث، فالهمزة الثانية في أسماء هي لام الكلمة، والهمزة الثانية في أشياء همزة التأنيث، ألف التأنيث الممدودة، فلهذا لو أشكل على طالب العلم ليش نقول عن أشياءَ ونقول عن أسماءٍ والوزن واحد؟
نقول: لأن هناك إعلال بالقلب أي: أن أشياء فيها قلب، ليس أولها الهمزة أولها الشين التي هي فاء الكلمة، والهمزة بعدها، الهمزة هي عين الكلمة صح ؟ طيب.
الهمزة في شيئا : قلنا : إنها ألف التأنيث الممدودة ، فلهذا منعت من الصرف . أسماء نقول أسماء الهمزة ؟
الطالب : أصلية .
الشيخ : لا ما هي أصلية يا إخوان ، زائدة لكن في مكانها ، هي زائدة لكنها في مكانها ، فليست فاء الكلمة ، فاء الكلمة في أسماء هي السين وعينها الميم واللام هي لام الكلمة ، فليس فيها ألف التأنيث .
ولهذا لو قال لك قائل : زن أسماء ؟
تقول: زنتها أفعال، زن أشياء؟ فعلاء، عرفتم ؟
إذن ينبغي لكم أن تقرؤوا الصرف اقرؤوا الصرف لأنه مفيد يترتب عليه فوائد. نرجع نقول: الملائكة مأخوذة من أين ؟
من الألوكة وهي الرسالة ، لأن الله يقول : (( جاعل الملائكة رسلا )).
فمن الملائكة الذين يجب علينا أن نؤمن بهم والإيمان بهم من أركان الإيمان الستة .
الملائكة يقول العلماء : " هم عالم غيبي مغيّب عن الناس خلقهم الله عز وجل من نور ليقوموا بعبادته وهم صمد لا يأكلون ولا يشربون ، لأنهم لا يحتاجون إلى أكل ولا شراب ما فيهم أمعاء ولا فيهم معدة ولا شيء ، يعني ليس لهم أجواف ، يسبحون الليل والنهار يفعلون ما يؤمرون ، أعطاهم الله تعالى قوة وأعطاهم الله سمعا وطاعة : (( لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون )) " ، هؤلاء الملائكة ربما يتشكّل بعضهم أو يتمثل بعضهم بالإنسي ، بالبشر ، جبريل عليه الصلاة والسلام أتى مرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بصورة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر ، لا يرى عليه أثر السفر ولا هو من أهل المدينة ، غير معروف في المدينة وليس فيه علامات السفر ، ( ثم جلس إلى النبي عليه الصلاة والسلام وأسد ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال : يا محمد ) وسأله .
ومرة جاء على صورة دحية الكلبي.
وملك من الملائكة جاء مرة على صورة أبرص أقرع مسافر، على صورة أبرص مسافر، ومرة على صورة أقرع مسافر، ومرة على صورة أعمى، ثلاثة وهو ملك من الملائكة .
إذن هم يتمثلون بالبشر لكن بإذن الله عز وجل ، وإلا فالأصل ما ذكرنا عنهم آنفاً .
ولا بأس أن نقول: ما وظائف الملائكة؟
وظائف الملائكة وظائف متعددة كثيرة :
منهم الموكل بالوحي وهو جبريل ، ومنهم الموكل بالقطر والنبات ميكائيل ، ومنهم الموكل بالنفخ في الصور إسرافيل ، ولهذا كان النبي عليه الصلاة والسلام في صلاة الليل يستفتح : ( اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذن إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ) .
مالك : خازن النار ، خازن الجنة قيل : إن اسمه رضوان ، ولكنه لم يثبت. اشتهر أن ملك الموت اسمه عزرائيل ، ولكن ذلك لم يثبت ، وإنما نقول: ملك الموت فقط كما قال الله عز وجل : (( قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم )).
أما تسميته فإذا كانت لم تصح عن معصوم فليس لنا أن نسميه.
طيب هناك ملائكة موكلون بكتابة أعمال بني آدم : (( وإن عليكم لحافظين * كراما كاتبين * يعلمون ما تفعلون )) ، (( عن اليمين وعن الشمال قعيد )) قال العلماء : والذي عن اليمين له السلطة على الذي عن الشمال ، إذا أذنب الإنسان ذنباً يقول صاحب اليمين لصاحب الشمال : أمهل لعله يتوب ، ولا يكتب ، وصاحب الشمال ليس له إمرة على صاحب اليمين بمجرد ما يعمل الإنسان الحسنة تكتب ، وهذا من لطف الله بنا لأنه علم حالنا فرحمنا.
فيه ملائكة حفظة يسمون المعقبات، لأنها يعقِّب بعضها بعضاً : (( له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله )) ، هؤلاء يتعاقبون فينا ليلا ونهارا يجتمعون في صلاة الفجر وفي صلاة العصر ، ينزل ملائكة النهار في صلاة الفجر ، ويغادر ملائكة الليل في صلاة الفجر ، وينزل ملائكة الليل في صلاة العصر ، ويغادر ملائكة النهار في صلاة العصر ، شف يعني اعتناء الله عز وجل بنا ! يسخر الملائكة أن تنزل علينا ونحن نصلي، وأن تغادرنا ونحن نصلي إكراما لنا وإظهارا لفضلنا في هذه الصلاة.
فيه أيضًا ملائكة سيّاحون، يسيحون في الأرض يطلبون حِلق الذكر، فإذا وجدوا حلقة ذكر جلسوا يستمعون الذكر: ( إذا وجدتم رياض الجنة فارتعوا، قالوا: يا رسول الله ما رياض الجنة؟ قال: حِلق الذكر ).
المهم أن الملائكة عليهم الصلاة والسلام لهم وظائف متعددة شتى، فنؤمن في الملائكة إجمالاً ونؤمن بما علمنا من تفاصيل حالهم على وجه التفصيل، ولا يتم إيماننا إلا بذلك .
والإنسان يحيط به ملائكة يحفظونه من أمر الله، ويحيط به شياطين يأتونه من كل جانب، قال الله عز وجل عن الشيطان: (( فبما أغويتني لأقعدن لهم صراط المستقيم ثم لأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ))، فاستحضر يا أخي استحضر أن الملائكة تحفظك من هؤلاء الشياطين، لتزداد قوة وتزول عنك الوَحشَة، ولا تخضع وتذل وتخف من الشياطين ما دمت تشعر أن الله قد سخّر لك ملائكة معقبات من بين يديك ومن خلفك يحفظونك من أمر الله فكن قويا بهذا الحفظ، كن قوياً، بعض الناس تغلبه الشياطين وينسى الملائكة الذين يحفظونه، فتجده في وحشة أو رذيلة ، وربما يدخله الشيطان من الوحشة ، يقشعر جلده ، ويفز وحينئذ يكون سببًا لدخول الجني فيه ، فإذا شَعُر الإنسان بأن عنده ملائكة يحفظونه من أمر الله اطمأن وقال: الحمدلله جنود من جنود الله عز وجل، وجنود الرحمن أقوى من شياطين الجن، أليس كذلك ؟
الطالب : بلى.
الشيخ : لما قال سليمان لمن حوله : (( أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين قال عفريت من الجن )) شف عفريت من الجن ماهو جني عادي : (( عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين )) قوي أقدر أجيبه ، أمين ما أخرب فيه شيئاً .
(( قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك )) : أيهما أبلغ الثاني بكثير أبلغ، حتى وإن كان قوله : (( قبل أن تقوم من مقامك )) ، لأن له ساعة معينة يقوم فيها ، ولا كان قبل أن يقوم من مقامه يمكن يقعد يومين في المقام ، لكن له ساعة معينة يعلم أنه سيقوم فيها.
المهم أن الذي عنده علم من الكتاب قال: (( أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك )) ، فإذا الكرسي عنده العرش عنده .
ولهذا قال: (( فلمَّا )) الفاء تدل على التعقيب .
(( فلما رآه مستقرًا عنده )) : مستقرًّا ، ما قال : عنده ، مستقر كأنه وضع له عشر سنين ، مستقر.
ولهذا النحويون قالوا : كيف تقولون إنه خبر المبتدأ أو المفعول به خبر إن وأخواته، كيف تقولون: لازم يكون محذوف المتعلق، وهذه مذكور مستقرا عنده؟
قالوا: لأن الاستقرار هنا ليس الاستقرار العام، هذا استقرار خاص ثابت كأن له سنوات.
قال هذا إذن الذي عنده علم من الكتاب ما الذي جعله يأتي به بهذه السرعة؟ قال العلماء: لأنه دعا الله فحملته الملائكة، حملته الملائكة إذن الملائكة أقوى من الجن وشياطين الجن، فإذا شغل الإنسان بما أخبر الله به عز وجل في قوله: (( له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله )) اطمأن، وقال ما معي من القوة أكثر من قوة الشياطين.
طيب تكلمنا عن هذا لأن هذا بحث وإن كان لا يتعلق بالحديث كثيرا لكنه بحث ينبغي للإنسان أن يكون منه على بال، لأن الإيمان بالملائكة هو أحد أركان الإيمان الستة.
يقول: ( لعنتها الملائكة حتى تصبح ): يعني حتى يأتيها الصباح وذلك بطلوع الفجر، فيا ويلها إذا كانت في ليالي الشتاء ، تكون الليالي طويلة والملائكة تلعنها حتى تصبح .
" ولمسلم : ( كان الذي في السماء ساخطًا عليها حتى يرضى عنها ) " : يرضى عنها من ؟
زوجها لأنه بات غضبان ، فيسخط عليها رب العالمين عز وجل حتى يرضى عنها الزوج .
وقوله : ( كان الذي في السماء ) هو الله لا إشكال في هذا ، لكنه ذكره في السماء مبالغة في التعظيم لأن السماء هو العلو والله سبحانه وتعالى هو في العلو المطلق الذي لا شيء فوقه ولا شيء يحاذيه ، العلو المطلق ، وهو فوق المخلوقات كلها ، وما فوق المخلوقات عَدم إلا من الله ، ما فوق المخلوقات عدم ، لأنه إذا كانت المخلوقات كلها تحت الله ما الذي يكون معه ؟
الطالب : لا شيء.
الشيخ : لا شيء معه كله عدم ، ولهذا نقول: الله عز وجل في السماء ولا يحيط به شيء، لأنه ما هناك شيء حتى يحيط بالله سبحانه وتعالى وهذا الحديث وأمثاله مما فيه إثبات أن الله في السماء يعتقد أهل السنة والجماعة -ونسأل الله أن يجعلني وإياكم منهم- يعتقدون أن الله في السماء حقيقة ، وأن السماء هو العلو، العلو المطلق وليس السماء المبني، على أنه يمكن أن يراد به السماء المبني ولا يدل ذلك على أن السماء محيط به، أو أنه في السماء مباشرة، كما يقول : (( استوى على العرش )) : فعلو الله على السماء بمعنى أن السماء تحته لا بمعنى أنه مستوٍ عليها كما استوى على العرش .
أقول : أهل السنة والجماعة يقولون إن الله في السماء حقيقة أي: في العلو المطلق الذي ليس فوقه شيء، ولا يحاذيه شيء.
وهذا العلو المطلق هو عدم، ما فيه شيء لا سماء ولا أرض ولا عرش ولا كرسي ما فيه إلا الله عز وجل، كل شيء تحته، هذا مذهب أهل السنة والجماعة.
وقال أهل التعطيل: إن الله ليس في السماء ، طيب: (( أأمنتم من في السماء )) ؟
قال: نعم من في السماء ملكه وسلطانه، فيقال: هذا القول باطل، لأننا إذا قلنا من في السماء: ملكه وسلطانه، احتجنا إلى تقدير، والأصل عدم التقدير، ولأنه ليس من المعقول أن يكون ملكه وسلطانه فوقه، لابد أن يكون هو فوق كل ما يملك وكل ما له سلطة عليه.
طيب فإن قال قائل : إذا جعلنا في للظرفية ألا يحصل إشكال؟
فالجواب : لا ، ما دمنا نقول إن السماء هنا هو العلو المطلق وليس السماء المبنية فلا إشكال ، واضح؟
الطالب : نعم .
الشيخ : طيب والسماء يطلق في اللغة العربية بمعنى العلو ، قال أهل اللغة : كل ما علاك فهو سماء ، حتى السقف الذي الآن فوقنا يسمى سماء ، لأنه من السمو وهو الرفعة ، فإذا كان الله في السماء حيث العلو المطلق لم يبق إشكال في أن تكون في للظرفية ، وإذا جعلنا المراد بالسماء : السماء المبنية فإنهم يخرّجون في بمعنى على أي: من على السماء، ويستهشدون لمجيء في بمعنى على بقول الله تعالى عن فرعون: (( ولأصلبنكم في جذوع النخل )) يعني عليها ماهو يدخلهم في الجذع، يصلبهم يأسرهم بالحبل عليها.
وبقوله تعالى: (( قل سيروا في الأرض )) أي: عليها وليس المعنى سيروا فيها يعني احفروا لكم نفقا تسيرون فيه، لا، وهذا شيء معلوم.
الخلاصة: أن أهل السنة والجماعة يثبتون علو الله وأنه فوق كل شيء وأنه في السماء أي: في العلو المطلق، ولا يقتضي ذلك شيئا ممتنع عن الله.
وقوله: ( ساخطًا عليها ) منصوب على أنه خبر كان ، لأن كان ترفع الاسم وتنصب الخبر.
والسَّخط والغضب معناهما متقارب، وهما صفتا كمال عند وجود سببهما، لأنهما يدلان على كمال القوة، لأن الساخط يشعر بأنه قادر على الانتقام، فهو صفة كمال، وكذلك الغضبان.
واعلم أن أهل التعطيل الذين ينكرون قيام الأفعال الاختيارية بالله ينكرون السخط والغضب، ويقولون: إن الله لا يسخط ولا يغضب، ينكرونه إنكار تكذيب أو إنكار تأويل؟
الطالب : تأويل.
الشيخ : إنكار تأويل هم ما يكّذبون، لو كذّبوا لكفروا ، يقولون : يسخط لكن بمعنى ينتقم أو يريد الانتقام فمعنى ساخطا أي : مريدًا للانتقام منها أو معناه منتقمًا منها .
ولكن لا شك أن تأويلهم هذا تحريف فهو تفسير للقرآن برأيهم لا بمقتضى اللغة ولا بمقتضى الشرع ، والدليل على هذا أن الله تعالى قال في كتابه : (( فلمَّا آسفونا انتقمنا منهم )) : فجعل الانتقام غير الأسف ، والأسف هو الغضب هنا ، آسفونا : يعني أغضبونا ، انتقمنا منهم ، فجعل الانتقام غير الغضب ، جعله مترتبًا عليه وما ترتب على الشيء فليس هو الشيء وهذا يرد تحريفهم للكلم عن مواضعه.
لماذا قالوا إن الله لا يغضب ؟
قالوا: إن الله لا يغضب لأن الغضب غليان دم القلب لطلب الانتقام ، ولهذا تجد الرجل إذا غضب يحمر وجهه لأن أوعية الدم تحتقن بسبب غليان الدم ، ولهذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام : ( إنه جمرة -الغضب- يلقيها الشيطان في قلب ابن آدم ) : فتجده يحمر وجهه وبعض الناس تحمر حتى عيناه ترمي بشرر ، وبعض الناس أيضًا ينتفش شعره حتى يكون وجهه كوجه الأسد نعم فالحاصل إن الغضب جمرة فيقولون : الغضب غليان دم القلب لطلب الانتقام وهذا ممتنع على الله .
ماذا نقول لهم ؟
نقول: إن الله ليس كمثله شيء، فإذا كان هذا غضب المخلوق فإننا نجزم بأن غضب الخالق ليس كذلك بل هو غضب يليق به .
ونقول لهم : ونحن نخاطب الآن الأشاعرة ألستم تثبتون لله إرادة فسيقولون ؟
الطالب : بلى .
الشيخ : كيف نعم ؟!
سيقولون بلى نثبت الإرادة ، فنقول : طيب الإرادة أن يميل الإنسان إلى الشيء إما لجلب منفعة وإما دفع مضرة أليس كذلك ؟
الطالب : بلى.
الشيخ : طيب هم يقولون : الإرادة بهذا المعنى هي إرادة المخلوق ، نقول : جواب سديد ، طيب إرادة الله ؟
قالوا: إرادة الله تختص به وتليق به (( وليس كمثله شيء )) ، ماذا نقول ؟ قولوا هذا في الغضب ، قولوا غضب الله عز وجل يليق به ، فإذا كنا نعلم جميعا أن غضب المخلوق هو غليان دم القلب لطلب الانتقام فإنا نعلم أن غضب الخالق ليس كذلك ، لأن الله يقول : (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) واضح يا إخوان ؟
طيب إذن نحن نؤمن بأن الله يسخط سخطا حقيقيا ولكنه لا يشبه سخط المخلوق ، انظر سخط المخلوق يترتب عليه يعني آثار سيئة :
ربما يشقق ورق النقود ، صح ؟ وربما يكسر المال ، يكسر الإناء ، نعم ، أحيانا يغضب وشاهدت أنا بعض الذي يغضبون يأخذ بالشيء فوق ويضربه على الأرض ، وش يصير هذا ؟
خسارة ، أحيانا يطلق زوجته ، أحيانا يمكن يعتق مماليكه ، نعم أما غضب الخالق فلا يمكن أن يكون فيه سوء تصرف أبدًا، لأنه ينتقم بحكمة عز وجل، فيكون غضبًا آثاره حميدة بخلاف غضب المخلوق .
طيب ما كملنا ؟
الطالب : الأسئلة ؟
الشيخ : إيه نعم طيب.
5 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه ، فأبت أن تجيء فبات غضبان لعنتها الملائكة حتى تصبح ) . متفق عليه ، واللفظ للبخاري . ولمسلم : ( كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى عنها ) . أستمع حفظ
في حديث تعاقب الملائكة في صلاة العصر وصلاة الفجر هل في صلاة الجماعة أو كذلك في صلاة الرجل منفردا ؟
الشيخ : نعم.
السائل : تتعقب مع الجماعة ولا كل شخص منفرد؟
الشيخ : الظاهر أن الحديث للعموم أنهم ينزلون في صلاة العصر وفي صلاة الفجر.
السائل : يكنون مع الجماعة أم !
الشيخ : الله أعلم، الله أعلم أما ظاهر الحديث العموم.
6 - في حديث تعاقب الملائكة في صلاة العصر وصلاة الفجر هل في صلاة الجماعة أو كذلك في صلاة الرجل منفردا ؟ أستمع حفظ
هل لعن الملائكة للمرأة التي تأبى فراش زوجها لأجل مخالفة أمره ؟
الشيخ : لا الملائكة تلعنهم تلعنهم .
السائل : لعن الملائكة.
الشيخ : هذا بأمر الله عز وجل .
السائل : يعني سببها المخالفة لأمر الزوج أم غضبه ؟
الشيخ : لا لا مخالفة أمر الزوج .
هل جبريل عليه السلام قد يأتي النبي صلى الله عليه وسلم على صورة البشر ؟
الشيخ : نعم؟
السائل : هل كان جبريل يأتي الرسول صلى الله عليه وسلم على صورة بشر فيوحي إليه القرآن ؟
الشيخ : إي أحيانا يفعل هذا .
السائل : طيب قوله تعالى : (( ولقد نعلم أنهم إنما يقولون إنما يعلمه بشر )).
الشيخ : (( ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر )) ، لأن في مكة رجلا حدادًا أصله رومي أو فارسي كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس عنده ، فقالوا إن هذا الرجل يعلم محمدًا ، فقال الله عز وجل : (( لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين )).
أما كون جبريل يأتي بصورة البشر فهو يبقى ملكا ولو أتى بصورة البشر.
إذا اشترطت المرأة لما أبت عن فراش زوجها هل هذا جائز ؟
الشيخ : مافي شك، كل ما أراد ذاك قالت: عطني كذا!
السائل : لكن هي توعد يا شيخ يعني.
الشيخ : ولو تمت الشروط، لو إنها تقول: هذا الذي قدامك صب لي ماء عطني بالكاسة يقول : لا ، سبحان الله ، الله لا يبلاك يا محمد.
السائل : شيخ في الحديث السابق : ( إذا أراد أن يأتي أهله ) : الحديث ليس دليلًا واضح على كشف العورة أو قد يراد ؟
الشيخ : إي نعم، لكن نحن نقول: الإرادة ما تكون إلا عند الفعل الجازم ثم إنا يعني نحن ما ذكرنا إنه قطعا، يكون فيه احتمال إنه ما يكون، لكن هناك أحاديث صريحة بأن الرجل مع أهله يتعرى ولا حرج ليس عليه إلا اللحاف فقط .
السائل : قبل الجماع.
الشيخ : هاه؟
السائل : قبل الجماع.
الشيخ : إي نعم، هذا فيه احتمال إنه قبل إي نعم.
الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، واسأل الله أن يجعلنا جميعا من أتباعهم بإحسان :
يقول المؤلف -رحمه الله- فيما نقله عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الواشمة
السائل : فوائد الحديث عن ابن عمر .
الشيخ : نعم ، نأخذها إن شاء الله بعد.
في الحديث السابق : ( إذا أراد أن يأتي أهله ... ) متى يكون هذا الدعاء ؟
فوائد الحديث : ( إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه ، فأبت أن تجيء فبات غضبان ... ) .
يستفاد منه: أن أمر الجماع راجع إلى الزوج لقوله: ( إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه ).
ومن فوائده: أنه ينبغي أن يكنى عما يستحيا من ذكره بما يدل عليه، حيث قال: ( إذا دعا امرأته إلى فراشه ) ، لأن المراد من هذه الدعوة معلوم، وليس المراد إذا دعاها إلى فراشه تفرشه له أو تنظفه له أو ما أشبه ذلك، فينبغي التكنية عما يستحيا من ذكره بما هاه بما يدل عليه .
ومن فوائده، من فوائد هذا الحديث: أن تخلّف المرأة عن إجابة دعوة الزوج إلى فراشه مِن كبائر الذنوب، وذلك لأنه رتّب عليه عقوبة وهي لعن الملائكة لها أو سخط الله عليها.
ومن فوائد ذلك: أن هذا مشروط بما إذا بات الرجل غضبان، أما إن استرضته فرضي فإن هذه العقوبة تزول، يؤخذ هذا من قوله: ( فبات غضبان ).
ومن فوئد هذا الحديث: إثبات الملائكة وأنهم مسخرون إما بالدعاء على البشر أو بالدعاء لهم:
أما الدعاء على البشر فكما سمعتم.
وأما الدعاء لهم فكما في قوله تعالى: (( الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلماً )) هذا في القرآن.
وفي السنة قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( فيمن توضأ في بيته فأسبغ الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة ، ثم صلى إذا دخل المسجد ما كُتب له، ثم جلس ينتظر الصلاة فإن الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه تقول: اللهم صلّ عليه اللهم اغفر له اللهم ارحمه ) .
ومن فوائد هذا الحديث: إثبات أن الله تعالى في السماء لقوله: ( كان الذي في السماء )، وكون الله في السماء من الصفات الذاتية التي لم يزل ولا يزال متصفا بها، أما استواؤه على العرش فهو من الصفات الفعلية المتعلقة بمشيئته، لأنه لو شاء لم يستوِ على العرش، ولو شاء لم يخلق العرش أصلا، وإذا استوى على العرش فلو شاء لم يستو عليه، ولهذا يخطئ بعض العلماء بل بعض طلبة العلم الذين يقولون: إن الصفة الفعلية إذا فعلها الله صارت صفة ذاتية، فإن هذا خطأ، لأن الصفة الفعلية متعلقة بمشيئته إيجادًا وتركًا، لو شاء لتركها لو اقتضت حكمته أن يتركها لتركها، كما نقول في النزول إلى السماء الدنيا حين يبقى؟ الطالب : ثلث الليل الآخر .
الشيخ : فإذا طلع الفجر ها ؟
زال النزول، لا يكون الله نازلا إذا طلع الفجر لا يكون الله نازلا إلى السماء الدنيا .
ومن فوائد هذا الحديث: إثبات السخط لله عز وجل لقوله: ( كان ساخطا عليها ).
والسخط من الصفات الفعلية، لأن كل صفة لله ذات سبب فهي صفة فعلية، ووجه ذلك أن الصفة المعلقة بسبب لا تكون إلا إذا وجد السبب إذن فهي متعلقة بالمشيئة فتكون من الصفات الفعلية.
فإن قال قائل: قلتم إن شأن الجماع موكول إلى الزوج، فما تقولون فيما لو طلبت الزوجة ذلك وأبى عليها فغضبت، هل يستحق هذا الوعيد؟
الجواب: لا، لا يستحق الزوج هذا الوعيد، نعم ولكن يجب على الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف، وأن يجامعها بما جرى به العرف، وهذا يختلف باختلاف المرأة وباختلاف الرجل وباختلاف حال الإنسان، فالإنسان المشغول ليس كالإنسان المتفرغ، والإنسان المريض ليس كالإنسان الصحيح، وهكذا نقول:
إن للمرأة حقا في طلب الجماع ولكن ليس كحق الرجل ، الرجل هو الذي له الشأن في هذا ، لكن هي لها حق أيضا نعم.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة . متفق عليه .
وقوله: ( الواصلة ) أي: التي تصل شعر النساء.
( والمستوصلة ) : التي تطلب من يصل شعرها ، فالواصلة هي الفاعلة ، والمستوصلة هي المفعول بها ، والواشمة كذلك ، ( والمستوشمة ) : التي تطلب من يشمها .
طيب فمن هي الواصلة ؟
الواصلة : هي التي تصل شعرها بشعر آخر تطويلا لشعر الرأس ، وكان الناس في الجاهلية وفي الإسلام أيضًا يرون أن طول شعر المرأة من محاسنها ومما يرغّب فيها ، فكانت المرأة تحرص على أن يكون شعرها طويلا ، وتفخر على النساء بطول رأسها ، فإذا كان شعرها قصيرًا ذهبت تصله بشعر، شعر يكون مناسبًا لشعر البشر، لأجل أن يظنها من يراها هكذا يظنها أجيبوا ؟
الطالب : ذات شعر.
الشيخ : طويلة الشعر، يظنها طويلة الشعر.
وقوله: ( الواصلة ) : ظاهره أنها من وصلت شعرها بأي شيء سواء كان شعرا أو غير شعر، ولكن بعض العلماء يرى أن من وصلته بغير الشعر فليست داخلة في هذا الحديث ، يعني لو وصلته بِخِرق أو بشعر صناعي فإنه ليس داخلا في هذا الحديث ، ولكن سيأتينا إن شاء الله عند استباط الفوائد التفصيل في هذه المسألة .
( الواشمة والمستوشمة ) : الوشم : هو أن تغرز المرأة جلدها بإبرة حتى يبرز الدم ثم تحشو هذا المكان بكحل أو نحوه ، فإذا فعلت ذلك ثم تلاءَم الجلد عليه بقيت هذه الصِبغة دائما لأنها من تحت الجلد فلا يؤثر فيها الماء ، ويختلف الناس أو النساء في الوشم، منها من تشمه على صورة النخلة أو على صورة أسد أو على صورة إنسان أو على صورة وشي يعني تطريز ، المهم أنهم يختلفون، والحديث عام أي وشم يكون.
وقوله: ( المستوشمة ) هي التي تطلب من يشمها فتفعل هذا .
وإنما لعن النبي صلى الله عليه وسلم هاتين المرأتين لأنهما حاولتا مضادة الله في حكمه القدري، حيث أرادتا أن تكمِّلا أنفسهما :
الأولى تكمل الشعر، والثانية تكمل الجلد بهذه النقوش، فلهذا استحقت كل واحدة منهما اللعن، وهو الطرد والإبعاد عن رحمة الله.
12 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة . متفق عليه . أستمع حفظ
فوائد حديث : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة ) .
من لعن النبي صلى الله عليه وسلم من فعله، واللعن لا يكون إلا على كبيرة من الكبائر.
ويستفاد منه: أن من حاول أن يجمل نفسه بخلاف خلق الله فإنه داخل في من غيّر خلق الله وهو من أوامر الشيطان.
طيب فإن قال قائل: الوصل ذكرتم أن من العلماء من قال بعمومه سواء بشعر أو بغير شعر ومنهم من قال بخصوص الشعر، فأي القولين أصح ؟
نقول: الصحيح أنه إذا وصلته المرأة بشعر فلا شك أنه داخل في الحديث، أو بشعر صناعي فهو داخل في الحديث أيضًا، لأن من رآه يظن أنه شعر طبيعي. وأما من وصلته بشيء آخر يتبين أنه ليس بشعر، فإن هذا لا يدخل في الحديث، مثل أن تعقد على شعرها شيئًا يتدلى وينزل فهذا لا بأس به ولا حرج فيه ، لأنه لا يدخل في الحديث ولا يحصل به التغيير لخلق الله عز وجل ، والنساء الآن يستعملن مثل هذا ، أظن يستعملن على رؤوسهن ها ؟
الطالب : خرقا.
الشيخ : خرقا ووردات وأشياء كثيرة، هذه لا تدخل في الحديث.
فإن قال قائل هل الباروكة، الباروكة تدخل في هذا أو لا ؟
الطالب : تدخل.
الشيخ : تعرفون الباروكة؟
الطالب : نعم.
الشيخ : مشتقة من البروك ولا من البركة؟
الطالب : من البروك.
الشيخ : نعم؟ ما ندري، هل هي من البروك أو من البركة، لأنها تزيد الرأس أو تبرك على الرأس.
الطالب : تبرك.
الشيخ : آه طيب، على كل حال الظاهر لي أنها اسم أعجمي ما هو عربي الباروكة، من الذي يعرف اللغة الأعجمية ؟
الطالب : ما عندنا.
الشيخ : طيب لغة إنجليزية؟
الطالب : لا.
الشيخ : ولا انجليزية!! وش اللغة هذه؟
الطالب : فرنسية
الشيخ : فرنسية !
الطالب : إيش هي ؟
الشيخ : الباروكة ، طيب الباروكة شيء مثل القبع تضعه المرأة على رأسها وفيه شعر لكنه شعر اصنطاعي ما هو طبيعي ، شعر صناعي ملون بعضه أسود وبعض أشقر ، ينزل إلى أسفل ، هذه الباروكة ، فهل تدخل في الوصل أو لا تدخل في الوصل ؟
يرى بعض علمائنا أنها داخلة في الوصل، وأنها حرام.
ويرى آخرون أنها ليست داخلة لأنها لم تصله، وإنما لبست قُبعا له شعر يتدلى، ولكن الظاهر لي أنها تدخل في الوصف، لأنها إذا لبست هذا على رأسها وتدلى الشعر الذي في هذه الباروكة فإن الناظر إليه يظنه شعرًا ، وأما قول من قال إنه ليس بوصل لأنه لم يتصل بشعر الرأس فيقال: العبرة بالمعاني، وفي عهد الرسول عليه الصلاة والسلام لم تعرف هذه الباروكة لكن يعرف الوصل الربط أما الآن فعرفت، والذي يراها يقول إنها رأس حقيقي تماما فتدخل في هذا الحديث .
طيب الثاني: الواشمة والمستوشمة نعم.
ومن فوائد الحديث تحريم الوشم وأنه من الكبائر لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن فاعله .
ولكن إذا قال قائل: لو أن المرأة وشمت نفسها على أنه وسم تتبين به ما هو من أجل الزينة ، يعني مثلا هذه القبيلة قالت سنجعل لنا وسما وشما تعرفون هذه ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : كما أننا نضع وسما على الإبل وعلى الغنم وعلى البقر بالكي نجعل وسماً بالوشم لأجل إذا رأيت هذه المرأة أو هذا الولد قيل هذه من القبيلة الفلانية فهل يجوز هذا ؟
لا يجوز الحديث عام، ثم إن الفرق بين الإنسان والبهيمة ظاهر ، البهيمة لو سألت البهيمة لمن أنتِ لا تفيدك إلا رأيا ، البشر لو سألتهم ممن أنت ؟
قال أنا من القبيلة الفلانية وينتهي، فهو ليس بحاجة إلى هذا .
المهم أن الوشم من كبائر الذنوب سواء كان للزينة أو للعلامة أو لغير ذلك . فإن قال قائل : الواشمة لعنها ظاهر، لكن المستوشمة كيف تلعن؟
نقول: لأنها طالبة، وبناء على ذلك فإذا وشمت الجارية وهي صغيرة غير مميزة فإنها لا تدخل في اللعن، لأنه يوجد الآن نساء يقلن إن هذا الوشم الذي فينا لم نكن نعلم به ولا طلبناه، فهل نستحق اللعنة ؟
الجواب: لا، لأنها لا تدخل في المستوشمة هي ما استوشمت ولا طلبت هذا .
بقي أن يقال: هل يجب عليها إزالته؟
علمنا أن وضعه ليس فيه إثم عليها لأنها غير عالمة ولا طالبة، لكن هل يلزمها إزالة هذا الوشم ؟
الظاهر لي أنه إذا لم يكن عليها ضرر وجبت عليها إزالته، وإن كان عليها ضرر لم تجب، الضرر قد يكون على البدن عمومًا مثل أن يخشى عليها من سيلان الدم على وجه يضرها، أو يخشى أننا إذا نزعنا هذا الوشم صار في الجلد بقعة مشوهة لاسيما إذا كان الوشم في الوجه، فإنه لا شك أنه سيؤثر، ففي هذه الحال نقول: لا يجب، ولكن ربما يكون في يوم من الأيام يأتي دواء لهذا الوشم يكون سهلا فيزال.
إذن لماذا وضع المؤلف هذا الحديث في باب عشرة النساء؟ لماذا إيش المناسبة؟
الطالب : ...
الشيخ : لا، نعم؟ إي؟
الطالب : لأنه لم يذكر قيام العيب بالزوج إذا اكتشف فيها.
الشيخ : لا لا ، نعم يا ابن داود؟
الطالب : أن الرجل يحب المرأة أن تتزين له وهذا من السر.
الشيخ : وهذا إيش؟
الطالب : من الأسرار.
الشيخ : الوشم ما الذي جاء به والوصل ما الذي جاء به ؟
الطالب : الرجل يحب المرأة أن تتزين له وهذا من الوشم.
الشيخ : بالعكس لأن المرأة تحب أن تتزين لزوجها وتعتقد أن الوشم زينة ، أما الوصل فهو زينة ما فيها شك .
الطالب : في وجه آخر.
الشيخ : نعم؟ إيش؟
الطالب : قلت فيه وجه آخر.
الشيخ : وما هو ؟
الطالب : أن من العشرة بالمعروف أن يمنع الرجل زوجته مما حرم الله عز وجل عليها.
الشيخ : إي.
الطالب : ومنه الوشم والوصل.
الشيخ : هذا على كل حال، هذا وجه ملزم .
طيب إذن يا جماعة يستفاد من هذا الحديث أيضًا: أنه لا يجوز للإنسان أن يغيّر خلق الله بالتجميل، لأن الواشمة والواصلة تغيّر خلق الله زيادة في الجمال، فأما إذا غيّر خلق الله إزالة للعيب، فإن هذا لا بأس به، ولا يدخل في النهي، مثل لو كان في الإنسان إصبع زائدة، فأراد أن يزيلها هل له ذلك؟
نعم، لأن هذا إزالة عيب، ولا حرج فيه، ودليل هذا : ( أن النبي عليه الصلاة والسلام أذن للذي قطع أنفه أن يتخذ أنفا من ذهب فاتخذ أنفا من ذهب ) نعم.
ومن ذلك أيضا لو كان الإنسان أعلم ، أَعلَم يعني : مشقوق الشفة العليا ، بعض الناس تنشق شفته العليا يكون فيها شق فأراد أن يجري عملية لضم بعضها إلى بعض ، فهل يجوز؟
نعم لأن هذا إزالة عيب.
ومن ذلك لو كان الإنسان أحول فأراد أن يعدّل النظر يجوز ؟
الطالب : نعم.
الشيخ : يجوز، لأنه إزالة عيب ، طيب إذن القاعدة عندنا : " أن تغيير خلق الله للتجميل لا يجوز، وتغيير خلق الله إزالة للعيب جائز " هذا الضابط.
طيب هل يجوز ربط الأسنان لإصلاح صفها ؟
الطالب : نعم يجوز.
الشيخ : نعم؟
الطالب : لا يجوز.
الشيخ : فيه تفصيل، لابد من التفصيل:
إذا كان عيبا فلا بأس يعني مثلا لو فرضنا أن السن طالع نعم فهذا عيب، فلا بأس أن يصف مع زملائه.
وإذا كان ليس عيبا لكن يريد الإنسان أن تكون أسنانه على وجه أجمل فإن هذا لا يجوز، ( لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الواشرة والمستوشرة والمتفلجات للحسن ):
المتفلجات: هن اللاتي يفلجن ما بين أسنانهن حتى ينفتح ، يعني هم كانوا يرون أن الفلج من محاسن المرأة .
على كل حال الضابط الذي عندنا هو المعتمد .
طيب من فوائد هذا الحديث: بيان انقلاب العادات اليوم، في أي شيء؟
الطالب : في الشعر.
الشيخ : في الشعر ، الشعر كان يعد جمالا كان طوله يعد جمالا والآن بدأت المرأة تقصه لأنها رأت المرأة الفرنجية تقص فقالت : نقص هذا أحسن ، علشان نبدأ نصنع الطائرات والدبابات والصواريخ وعابرات القارات ، لأن الأمة الكافرة هذه ما وصلت إلى ما وصلت إليه إلا بقص الشعر ، نعم لم يعلموا أنهم لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه حيث استخدموا قواهم التي أعطاهم الله فيما أمر الله به المسلمين: (( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة )) ، (( هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه )) ، نحن مفرطون ، لو أننا فعلنا مثل فعلهم في التنقيب عما أودع الله في الأرض من المصالح العظيمة وفي استخدام عقولنا وأفكارنا في تصنيع هذه الأشياء لكنا أهدى منهم سبيلا ، لأن المتأمل في أحوال البشر يجد أن أصح الناس فطرة وأقواهم ذكاء وأسدَّهم عقلا هم العرب، ولا شك أن جنس العرب أفضل أجناس بني آدم، والدليل على ذلك أن أفضل الخلق منهم وهو محمد صلى الله عليه وسلم ، ولا يمكن إلا أن يكون من أفضل معادن البشر معدناً : (( الله أعلم حيث يجعل رسالته )) لكن مع الأسف أن العرب الآن تخلفوا كثيرا عن غيرهم.
13 - فوائد حديث : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة ) . أستمع حفظ
وعن جدامة بنت وهب رضي الله عنهما قالت : حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس وهو يقول : ( لقد هممت أن أنهى عن الغيلة فنظرت في الروم و فارس فإذا هم يغيلون أولادهم فلا يضر ذلك أولادهم شيئاً ) ، ثم سألوه عن العزل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ذلك الوأد الخفي ) . رواه مسلم
هذا الحديث فيه أصول عظيمة إن شاء الله تتبين فيما بعد.
تقول: ( حضرت رسول الله في أناس وهو يقول ) :
أناس هو الأصل لكلمة ناس ، لكن حذفت الهمزة من ناس لكثرت الاستعمال فصاروا يقولون: الناس، وأصلها: الأناس لكن حذفت كما قلت لكم الهمزة للتخفيف.
وقولها : ( في أناس ) لم تبين هل هم في المسجد أو خارج المسجد فهل هذا يتوقف عليه الفائدة في الحديث أو لا ؟
لا يتوقف .
وجملة : ( وهو يقول ) حال من ؟
الطالب : من الرسول .
الشيخ : حضرت رسول الله ، من المفعول به .
( لقد هممت أن أنهى عن الغيلة ) : الهم هو حديث النفس وهو كقوله عليه الصلاة والسلام : ( لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ) إلى قوله : ( ثم أنطلق إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار ) ، فهو حديث النفس، يعني حدّث نفسه عليه الصلاة والسلام أن ينهى عن الغيلة أي : أن يأمر الناس بالكف عنها .
والغيلة هي: وطء الحامل على أحد القولين. والقول الثاني: إرضاع الحامل.
يعني أن يطأ الإنسان امرأته وهي ترضع، أو أن ترضع المرأة وهي حامل.
يعني فيها قولان:
القول الأول: وطء المرضع. والقول الثاني: إرضاع الحامل، يعني أن ترضع المرأة ولدها أي طفلها وهي حامل .
فعلى القول الأول: يكون نهيا عن السبب، لأن الرجل إذا جامع زوجته وهي ترضع فربما تحمل ثم ترضع الطفل وهي حامل .
وعلى القول الثاني: نهي عن الغاية وهي أن ترضع المرأة وهي حامل، لأنهم يقولون: إن إرضاع المرأة طفلها وهي حامل يضر الطفل.
يقول النبي عليه الصلاة والسلام : ( فنظرت في الروم وفارس فإذا هم يغيلون أولادهم ) :
الروم : هم أمة معروفة تعيش شمالا عن الجزيرة العربية .
وفارس : أمة معروفة أيضا تعيش شرق الجزيرة العربية .
فارس مجوس ديانتهم المجوسية ، عباد النار ، والروم ديانتهم النصرانية ، وكلهم في ذلك الوقت كلهم كفار .
فنظر النبي عليه الصلاة والسلام في حالهم : ( فإذا هم يغيلون أولادهم فلا يضر ذلك أولادهم شيئًا ) : يعني فتركت النهي عن الغيلة .
لماذا ؟
لأن الروم وفارس بشر ، والطبائع البشرية لا تختلف باختلاف الدين ، لأنها من مقتضى الطبيعة ، لكن لا شك أن الإيمان قد يزيد الغرائز السليمة الطيبة قد يزيدها قوة ، لكن في الأصل أن الطبائع البشرية يستوي فيها المسلم والكافر وهذا سيجرنا إلى أن نقول :
إن قوله تعالى : (( أو نسائهن )) ليس المراد نساء المؤمنات ، المراد نساء البشر ، وذلك لأن المرأة سواء كانت كافرة أو مسلمة لا فرق بينهما بالنسبة للنظر كما هو معروف .
( ثم سألوه عن العزل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذلك الوأد الخفي ) : العزل هو أن الرجل إذا جامع زوجته وقرب من الإنزال نزع من أجل أن يكون الإنزال خارجاً حتى لا تحمل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ذلك الوأد الخفي ) .
الوأد هو: دفن الجارية وهي حية، وكانوا في الجاهلية يفعلون هذا، يئد الرجل ابنته وهي حية، حتى إن بعضهم يحفر لها الحفرة فإذا أصاب لحيته شيء من التراب نثرت التراب عن لحيته، وهو والعياذ بالله يغمسها وهي حية، هذه طائفة من العرب.
طائفة أخرى يقتلون أولادهم قتلا الذكور والإناث.
أما الأولى التي تئد البنات، فإنهم يخافون من العار، لأنهم يعيرون بالبنات، ولهذا جعلوا البنات لله وجعلوا لأنفسهم البنين .
وأما الثانية، فإنما تقتل الأولاد إما خشية الفقر وإما من الفقر، كما في القرآن: (( ولا تقتلوا من إملاق )) ، (( ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق )) وانظر إلى البلاغة في القرآن لما قال : (( لا تقتلوا أولادكم من إملاق )) قال : (( نحن نرزقكم وإياهم )) ، فبدأ برزق الأباء لأنهم يقتلونهم من الإملاق ، الفقر حاصل.
ولما قال : (( خشية إملاق )) قال : (( نحن نرزقهم وإياكم )) ، لأنكم الآن أنتم الآن أغنياء لكن تخافون الفقر فرزق هؤلاء الأولاد على الله .
طيب وقوله: ( الوأد الخفي ) يعني الذي ليس بظاهر، لأن الوأد نوعان:
وأد ظاهر وهو أن يدفن الإنسان ابنته وهي حية.
ووأد خفي وهو أن يحاول منع الحمل.
ولكن هل هذا الوأد الخفي حرام أو ليس بحرام ؟
سيأتي إن شاء الله في بيان فوائد هذا الحديث.
14 - وعن جدامة بنت وهب رضي الله عنهما قالت : حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس وهو يقول : ( لقد هممت أن أنهى عن الغيلة فنظرت في الروم و فارس فإذا هم يغيلون أولادهم فلا يضر ذلك أولادهم شيئاً ) ، ثم سألوه عن العزل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ذلك الوأد الخفي ) . رواه مسلم أستمع حفظ
ذكرنا في الفوائد أن الإنسان إذا حاول أن يغير نفسه بالتجميل فما رأيكم في أدوات التجميل ؟
السائل : ذكرنا في الفوائد أن الإنسان إذا حاول أن يغير نفسه بالتجميل فقلنا هذا شي يدخل في الحديث !
الشيخ : إذا حاول إيش؟
السائل : أن يغير نفسه بالتجميل !
الشيخ : نعم أن يغير خلق الله بالتجميل.
السائل : تغيير خلق الله يا شيخ .
الشيخ : نعم.
السائل : طيب يا شيخ ما رأيكم يا شيخ في أدوات التجميل يا شيخ؟
الشيخ : إيه مثل؟
السائل : الأحمر والأخضر والأزرق.
الشيخ : هذا أحبار، وقد وردت تجمّل النساء بالحناء، والحناء صبغة أليس كذلك غير ثابت ، أما التغيير فيكون ثابتا.
السائل : طيب
الشيخ : اصبر ، عرفت؟
السائل : إي.
الشيخ : طيب هذا الفرق، ولهذا نُسأل كثيراً عن عيون القطط هل يجوز للمرأة استعمالها أو لا ؟
السائل : وش عيون القطط؟
الشيخ : عيون القطط : تأخذ المرأة شيئاً عدسة تشبه عين القط ، فإذا لاقتك المرأة قلت : بسم الله الرحمن الرحيم ، غرائب يعني سبحان الله العظيم يعني النساء يخترن اللون إلى هذا الحد: زرق حمر صفر من كل لون، يعني الحقيقة أن أعدائنا غزونا بكل ما يستطيعون، نحن نشتري هذه بالدراهم ونغير خلق الله أو نغير على الأقل تغييرا مؤقتا، فالشيء الذي ليس بثابت هذا لا يدخل في تغيير خلق الله .
السائل : شيخ الآن إذا أراد أن ينظر للزوجة قبل التجمل.
الشيخ : إي.
السائل : فأراها بعد التجمل بشيء آخر يا شيخ .
الشيخ : إي معلوم ما في شك .
السائل : نعم .
الشيخ : حتى لو أن الزوجة مثلا لو أنها طلت وجهها بشيء أبيض رأيتها بعد الطلاء غير ما رأيتها من قبل .
15 - ذكرنا في الفوائد أن الإنسان إذا حاول أن يغير نفسه بالتجميل فما رأيكم في أدوات التجميل ؟ أستمع حفظ
بعض النساء ينبت في وجوههن الشعر فهل يجوز لهن أن تزيلهن ؟
الشيخ : نعم ؟
السائل : شيخ بعض النساء ينبت في وجوههن شعر فهل لهن إزالته ؟
الشيخ : إي نعم ، هذا يدخل في النمص ، المؤلف ما جاء بالنمص وليته جاء به لأنه مهم ، وتتجمل به النساء الآن : ( لعن النبي صلى الله عليه وسلم النامصة والمتنمصة ) : قال فقهاؤنا رحمهم الله :
النمص نتف شعر الوجه، فخصوه بالنتف وخصوه بالوجه ، وعلى هذا فنتف غير الوجه ليس نمصا ، وقصه ليس نمصا ، قص شعر الوجه .
فنحن نقول : إذا كانت المرأة تنتف شعر وجهها للتجمل فهذا لا يجوز وإذا كان لإزالة عيب فإنه جائز .
السائل : اللحية يا شيخ بعض النساء!
الشيخ : إي نعم هذا الذي أريد، بعض النساء ينبت لها في محل الشارب شعر إذا رأيتها قلت هذه مثل شعر الأمرد، يعني فيها شعر واضح، فهذه نقول: لا حرج عليها أن تزيله بأي مزيل، بنتف أو بدون أو غير ذلك.
أما مجرد أن ينبت لها مثلا شعرة في خدها أو في عارضها فهذا لا يجوز أن تنتفه، أما قصه فلا أرى فيه بأسا.
في حديث أبي هريرة رضي الله عنه ( كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى عنها ) كيف نجمع بينه وبين حديث ( بات عنها غضبان ) ؟
السائل : يا شيخ في حديث أبي هريرة كيف نجمع بين قول النبي عليه الصلاة والسلام ( حتى يرضى عنها )، و ( حتى يصبح ) ؟
الشيخ : نعم ، إي نعم ، لأنه قد يرضى عنها قبل الصباح ، قد يرضى عنها قبل أن تصبح .
السائل : الأول يا شيخ مقيد ، والثاني مطلق !
الشيخ : ما يخالف الأول يقول : ( فبات عليها غضبان ) : إذا بات غضبان ماهو على كل حال يرضى قبل الصباح ، لكن أمهلها حتى تصبح ، لكن لو لم يبت ثم رضي رضّته زال المحظور ، واضح ؟
الطالب : نعم.
17 - في حديث أبي هريرة رضي الله عنه ( كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى عنها ) كيف نجمع بينه وبين حديث ( بات عنها غضبان ) ؟ أستمع حفظ
هل هذا الحديث يحلق النساء و الرجال على حد سواء ( لعن الواصلة والمستوصلة ) ؟
الشيخ : إي ، هذا سؤال مهم :
هنا لعن النبي صلى الله عليه وسلم الواصلة والمستوصلة ، والواشمة والمستوشمة هل يدخل في هذا الرجال ؟
نعم يدخل في هذا الرجال ، لكنه خص النساء لأن ذلك هو الغالب ، الغالب أن النساء هن اللواتي يستعملن هذا.
وهذه نقطة مهمة يعني أن الرجل ليس أهلا للتجمل ولا للتزين، الرجل ينبغي أن يكون لديه من الخشونة ما يبعده عن المرأة، أما أن يحوّل نفسه إلى الأسفل فيصنع في نفسه كما تصنع النساء من الرقة والليونة والميوعة فإن هذا خلاف الرجولة، فإن هذا خلاف الرجولة.
فإذا قال قائل: هل عندك دليل على أن الشيء قد يخص بالنساء وهو عام يخص بهن بناء على أن ذلك هو الأغلب ؟
قلنا: نعم، قال الله تعالى: (( إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة )) وهذا يشمل ؟
الطالب : الرجال والنساء .
الشيخ : الرجال والنساء، وقال : (( والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة )) وهذا يعم من رمى النساء والرجال.
وفي الحديث الصحيح في عد الكبائر قال : ( وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات ) ، وقذف الرجال كذلك ، لكن لما كانوا في ذلك الوقت لا يعتادون في مثل هذه الأمور إلا في النساء خصها الدليل بالنساء .
فالحديث هنا يشمل الرجال والنساء بل هو في الرجال أشد، الرجل ليس أهلا للوصل أو للوشم نعم.
إذا كان الزوج غضبان على زوجته من غير الذي ذكر في الحديث من عدم طاعة في الفراش ؟
الشيخ : ما يدخل في هذا، ما يدخل فيه، لأن هذه حاجة خاصة، افرض إنه قال: سوي العشاء، قالت: فيّ نوم، وغضب عليها هذه يمكن يقضيه يمكن يسويه هو أو يخلي أحد الأولاد يصلحه، لكن المسألة الخاصة هذيك ما ينفع بها إلا المرأة .
السائل : ولو كان بالليل يا شيخ ؟
الشيخ : ولو كان بالليل .
السائل : ولو دعاها من باب ...
الشيخ : اللعن لمن أبت.
السائل : ولو دعاها ... !
الشيخ : لا فرق .
مناقشة ما سبق .
فيما سبق مرَّ علينا أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الواصلة والمستوصلة فرّق بينهما يا سامي ؟
الطالب : نعم يا شيخ: الواصلة هي التي تصل شعرها بشعر آخر.
الشيخ : شعرها، هي التي تصل شعرها؟
الطالب : شعرها بشعر آخر.
المستوصلة: هي التي تطلب من غيرها أن تصل شعرها.
الشيخ : أحسنت، طيب هل في الحديث ما يدل على أن الوصل حرام؟
الطالب : نعم أول الحديث: لعن الرسول النبي صلى الله عليه وسلم ، لعن الواصلة والمستوصلة ، واللعن يقتضي الطرد والإبعاد من الله عز وجل.
الشيخ : طيب ويقتضي أنه حرام؟
الطالب : طرد الله عز وجل العبد من رحمته يدل على أن الفعل محرم.
الشيخ : ما نوعه من الحرام؟
الطالب : من الكبائر .
الشيخ : من كبائر الذنوب طيب.
مرّ علينا في الحديث أن المعين على فعل الشيء كفاعله ؟
الطالب : من قوله صلى الله عليه وسلم : ( والمستوصلة ) : وهذا يدل على أن الفاعل والمفعول به في الإثم سواء .
الشيخ : من أين يؤخذ ؟ الواصلة والمستوصلة، ها ؟
الطالب : ...
الشيخ : شرافي ؟
الطالب : قوله : ( الواصلة ) .
الشيخ : ها ؟
الطالب : لم تصل شعرها بل أعانت غيرها على وصل شعرها.
الشيخ : كذا ، هذا ما تريد الوصول ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : إيه طيب .
لو وصلت المرأة شعرها بغير شعر بخرق هل تدخل في اللعن ؟
الطالب : اختلف العلماء فيها :
فيها قولان بعضهم قال: إنه لا يدخل في الوصل . وبعضهم قال: إنه يدخل فيه ونحن رجحنا أنه لا يدخل في الوصل .
الشيخ : ما تقولون ؟ صح ؟
الطالب : صح .
طالب آخر : شيخ ؟
الشيخ : نعم .
الطالب : لا ، لم يختلف الحكم لأنه قال : ... جائز هذا.
الشيخ : إيه نعم.
الطالب : لأنه بغير الشعر.
الشيخ : لو وصلته بغير شعر لكن مما يشبه الشعر ؟
الطالب : مما يشبه الشعر ؟
الشيخ : إيه نعم.
الطالب : أنت قلت الخرق يا شيخ؟
الشيخ : إيه.
الطالب : جائز هذا .
الشيخ : إي، طيب إذا وصلته بشيء يشبه الشعر وليس بشعر؟
الطالب : جائز.
الشيخ : جائز؟
الطالب : شيخ ! إذا كان يا شيخ يشبه الشعر ويوهم الرائي أنه شعر فهذا يدخل في الحديث، أما إذا رآه يعلم أنه ليس شعر فلا يدخل في الحديث.
الشيخ : إي ، نحن ذكرنا إن وصله بالشعر واضح حرام، ووصله بالخرق المتميزة التي يعرف أنها ليست رأسا ولا شعر رأس لا بأس به، ووصله بما يشبه الشعر ويوهم أنه موصول بشعر هذا محل خلاف :
بعض العلماء يقولون : إنه حرام لعموم قوله في حديث جابر : ( زجر النبي صلى الله عليه وسلم أن تصل المرأة برأسها شيئا ) عام .
وبعضهم يقول: إنه مطلق ، ويحمل على المقيد وهو الشعر .
الواشمة من هي يا أحمد ؟
الطالب : الواشمة هي التي تشم غيرها.
الشيخ : وما هو الوشم؟
الطالب : هو أن تستخرج المرأة من الأخرى دم ثم تحقن مكانه شكل بكحل.
الشيخ : قطن؟
الطالب : كحل .
الشيخ : كحل إي ، إي نعم ، يعني شيء ملون من داخل الجلد.
الطالب : نعم.
الشيخ : هل يبقى أو يزول؟
الطالب : يبقى لا يزول أبداً.
الشيخ : نعم ما الحكمة في اللعن ؟
الطالب : اللعن لأنه تغيير خلق الله عز وجل.
الشيخ : تغيير لخلق الله عز وجل أحسنت.
طيب ما المناسبة لذكر هذا الحديث في باب عشرة النساء ؟ خالد!
الطالب : أن فعل الوصل والاستشام من تزين المرأة للرجل وهذا من باب عشرة الزوجة لزوجها .
الشيخ : وكذلك الوشم يراد به التزين والتجمل فهذا وجه المناسبة.
طيب حديث جُدامة أنا أذكر ما أخذنا الفوائد يا جماعة!
الطالب : ما أخذنا.
الشيخ : ما أخذنا الفوائد، والشرح أظن كملنا الشرح ؟
الطالب : وفينا الشرح.
الشيخ : فيه فوائد صراحة لكن الشرح كملناه .
الطالب : قلت فيه نوعين !
الشيخ : إي خفي وظاهر
الطالب : ذكرت الظاهر فقط.
الشيخ : سبحان الله، طيب إذن نكمل أجل الشرح ونأخذ الفوائد إن شاء الله.
ثم سألوه عن العزل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ذلك الوأد الخفي ) . رواه مسلم
أفادنا صلى الله عليه وسلم بقوله : ( ذلك الوأد الخفي ) :
أن الوأد نوعان : ظاهر ، وخفي.
فالظاهر ما كانت الناس تفعله في الجاهلية أن يدفن الإنسان ابنته وهي حية خوفا من العار، وذكرنا أن طائفة من العرب تدفن الأولاد الذكور والإناث وهم أحياء خوفا من الفقر، وأن كلا الأمرين باطل منكر، وهو يخالف حتى عادة الحيوانات، حتى عادة الحيوانات ليست هكذا، تجد البهيمة ترفع حافرها عن ولدها مخافة أن تصيبه، وتدافع عن الولد، لو أنك أتيت هرة وهي على أولادها ترضعهم ماذا تفعل معك؟
ها؟ تهاجمك، تهاجم مهاجمة خوفًا على أولادها، ثم تسمعها تأمر أولادها بالتغذي، تحن لهم حنا معينا يعني ادخلوا مساكنكم من أجل ألا يصيبهم أذى هذا وهي بهيمة ، كيف والعياذ بالله يجي إنسان بشر يدفن ابنته وهي حية أو يقتل ولده خوفا من الفقر.
أما الوأد الخفي : فهذا فسره النبي عليه الصلاة والسلام : بالعزل ، عزل الرجل عن المرأة وأد خفي ، لأنه فيه شيء من الحيلولة دون وجود الأولاد ، لأن العزل مِن أسباب عدم الولد ، وإن كان الله عز وجل إذا أراد أن يخلقه ما منعه أحد ، لكنه لا شك أنه من أسباب منع الولد ، ففيه شبه من الوأد وإن كان ليس كالوأد لأن الوأد يدفنه وهي حية ، أما هذا فيمنع الحياة فيها ، فيمنع الحياة وفرق بين المنع وبين الرفع.
العلماء يقولون: إن المنع أو الدفع أسهل من الرفع.
21 - ثم سألوه عن العزل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ذلك الوأد الخفي ) . رواه مسلم أستمع حفظ
فوائد حديث : ( لقد هممت أن أنهى عن الغيلة فنظرت في الروم و فارس ... ) .
منها: حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان اجتماعيًا يجتمع إلى الناس ويجتمع بهم ويحدثهم بما يناسب المقام والحال، لقولها : ( حضرت النبي صلى الله عليه وسلم في أناس ).
ومن فوائد هذا الحديث : أن هذا الدين الإسلامي مداره على منع الضرر وجلب النفع ، وجهه يعني تؤخذ هذه الفائدة مِن أن الرسول عليه الصلاة والسلام هم أن ينهى عن الغيلة مخافة إيش ؟
مخافة الضرر، فلما رأى الروم وفارس يغيلون أولادهم ولا يضر أولادهم شيئا عدل عن هذا.
لنهى سواء نظر في الروم وفارس أو لم ينظر، ويدل لهذا قول النبي صلى الله عليه وسلم حين تأخر في صلاة العشاء حتى مضى عامّة الليل قال : ( إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي ) .
ويدل لهذا أيضا قوله صلى الله عليه وسلم : ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة ) ، فهذه الأحاديث تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم يشرّع أحيانا عن طريق الوحي وأحيانا عن طريق الاجتهاد ، ثم إن أقره الله على اجتهاده فهو من شريعة الله ، وإن لم يقره فارتفع هذا التشريع ، فمثلا أذن النبي عليه الصلاة والسلام لبعض المنافقين الذين اعتذروا فقال الله له : (( لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين )) .
وحرم على نفسه العسل إرضاءً لزوجاته فقال الله له : (( لم تحرّم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك )) .
فإذا أقره الله عز وجل على حكم من الأحكام صار هذا الحكم من حكم الله ، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أقر أحدًا من الصحابة على حكم أو على فعل من الأفعال صار منسوبا إلى مَن ؟
إلى النبي صلى الله عليه وسلم، إلى إقراره ويكون مرفوعا صريحا كما عرفتم في المصطلح .
ومن فوائد هذا الحديث : جواز الأخذ بما عليه الكفرة إذا كان نافعًا ، فإذا وقفوا لنا دواء مع الثقة بهم أخذنا به ، وإذا فعلوا أشياء مفيدة أخذنا بها ، من أين يؤخذ ؟
من قوله : ( فنظرت في الروم وفارس فإذا هم يغيلون أولادهم ثم لا يضر أولادهم شيئا ) ، فلا حرج على الإنسان أن ينظر فيما يفعله الكفار من المنافع ليأخذ بها ، أو من المضار فيتركها .
ومن فوائد هذا الحديث : أن الناس في الطبيعة والجبلة على حد سواء مسلمهم وكافرهم ، لكن بالنسبة للأخلاق الاختيارية يختلف الناس ، فَخُلق المؤمن خير من خلق الكافر ، لكن بالنسبة للأمور الطبيعية التي هي من طبيعة البشر لا يختلف فيها المؤمن والكافر ، صح ؟
الطالب : نعم.
الشيخ : من أين تؤخذ ؟
من مقارنة حال المسلمين بحال الروم وفارس في أمر طبيعي ، بمقتضى الطبيعة والجبلة ، ولا يقال : إن هذا من باب اتباع الكفار والتشبه بهم ، بل يقال : هذا من باب الاقتداء بالكفار في أمور جرت عليهم بالتجارب وليست من باب الولاء والبراء .
ومن فوائد هذا الحديث : يتفرع على القاعدة التي ذكرناها : اشتراك المؤمن والكافر فيما تقتضيه الطبيعة والجبلة ، يترتب على هذا أو يتفرع على هذه الفائدة .