تحت باب الوليمة .
فوائد حديث : ( يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك ) .
الطالب : لا.
الشيخ : نعم، فلنأخذها الآن إن شاء الله:
يقول : وعن عمر بن أبي سلمة إلى آخره ، في هذا الحديث فوائد عديدة :
منها: تواضع النبي صلى الله عليه وسلم بأكل الصبيان معه .
ومنها: أنه ينبغي في الخطاب أن ينادى المخاطب وإن كان قريبا للتنبيه، لقوله: ( يا غلام ) إذ من الممكن أن النبي صلى الله عليه وسلم ينبهه بدون أن يناديه لكن النداء يوجب تنبه المخاطب، ولهذا جاءت بصيغة يا التي ينادى بها البعيد، بخلاف أي، التي ينادى بها القريب، فالقريب تقول: أي زيد، والبعيد تقول: يا زيد.
ومن فوائد هذا الحديث: حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم حيث وجهه الخطاب إلى هذا الغلام الصغير بياء النداء الدالة على البعد والتفخيم ( يا غلام ) .
ومنها أي: من فوائد هذا الحديث: أنه ينبغي أن يعتنى بالصبيان بالتربية على أخلاق الإسلام وآدابه.
بل قد نقول: إنه يجب أن يربوا على أخلاق الإسلام وآدابه، لأن الصغير إذا تربى على الشيء استمر عليه، ويصعب إذا كَبُر أن يربى على شيء لم يكن يعرفه من قبل، وجه الدلالة من هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر هذا الغلام بما أمره به .
ومن فوائد هذا الحديث: وجوب التسمية على الأكل لقوله : ( سم الله ).
فإن قال قائل: في هذا الاستنباط نظر لأن الصغير غير ملزم والواجبات في حق الكبير سنن في حق الصغير؟
فالجواب عن ذلك أن نقول: إنه إذا أمر الصغير بالتسمية وهو غير مكلف، فالمكلف من باب أولى لا شك، ويؤيد وجوب التسمية على الأكل أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر : ( أن من لم يسم شاركه الشيطان في أكله وشربه ) وهذا تحذير من النبي عليه الصلاة والسلام من ترك التسمية، إذ لا أحد يرضى أن يشاركه في غذائه من طعام أو شراب أعدى عدو له، أليس كذلك؟
الطالب : بلى.
الشيخ : طيب ومن فوائد هذا الحديث: أنه يقتصر على بسم الله لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر ما زاد عليها، ولكن مع ذلك لو قال: الرحمن الرحيم فلا حرج ما لم يعتقد قصور السنة وأنه يريد أن يكملها بزيادة: الرحمن الرحيم، فإن اعتقد ذلك كان خاطئا ومنع من ذلك، لكن لو قالها على سبيل التعبد لله بها لا على أن السنة قاصرة فلا حرج لأن مثل هذه الأمور مما جرت المسامحة فيه .
ومن فوائد هذا الحديث: وجوب الأكل باليمين لقوله : ( كل بيمينك ) والأمر للوجوب، ويرد على هذا الأمر ما ورد على الأمر بالتسمية، ويجاب عنه بما أجيب به عن الأمر بالتسمية لأنه إذا كان غير المكلف مأمورا بذلك فالمكلف من باب أولى.
ويؤيد وجوب الأكل باليمين نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الأكل بالشمال والشرب بالشمال، وإخباره بأن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله.
وقد ذكرنا أثناء التفسير أو شرح الحديث أن ذلك ينقسم إلى أقسام:
أولًا: أن يخالف هذا الأمر لعذر أي: أن يأكل بشماله لعذر، فهذا لا حرج عليه، لعموم قوله تعالى: (( فاتقوا الله ما استطعتم )) ، وقوله: (( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ))، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه اما استطعتم ).
طيب الثاني: أن يتركها تهاونًا، أن يترك الأكل باليمين تهاونا، فهذا محرم. الثالث: أن يتركها كِبرا فهذا من كبائر الذنوب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا على الذي قال: ( لا أستطيع أن آكل باليمين، ما منعه إلا الكبر، دعا عليه فقال: لا استطعت، فلم يرفعها إلى فيه بعد ذلك ) .
ومن فوائد هذا الحديث : فضيلة اليمين حيث خُصّت بالأكل، وكذلك بالشرب.
وقد ذكر أهل العلم -رحمهم- الله قاعدة فقالوا :
" الأشياء ثلاثة أقسام: أذى وخير وما لا أذى فيه ولا خير "، فالأذى تقدّم له اليسرى، ولذلك يستنفر الإنسان باليسار ويستنجي باليسار، ويمسك ذكره ليلصقه بالأرض أو يقربه منها إذا كانت صلبة بإيش باليسار، ويقدّم رجله اليسرى عند دخول الخلاء ويقدم اليسرى عند الخلع ، للثياب السراويل فهي تقدم للأذى .
وتقدّم اليمنى للخير ولما ليس بأذى ولا خير، أما تقديمها للخير فهو لمنقبتها، وأما تقديمها لما لا خير فيه ولا أذى فهو لشرفها وفضلها على اليسار.
طيب ومن فوائد هذا الحديث: أنه لا ينبغي الأكل بكلتا اليدين، ممكن ؟
لقوله: ( كل بيمينك ).
فلو واحد قال: أنا بأكل باليمنى لقمة واليسرى لقمة كما تريح، نعم فإن هذا أقل أحواله أنه خلاف السنة .
ولكن إذا شرب بكلتا اليدين فهذا إذا كان لحاجة فلا شك في جوازه، كما لو كان الإناء ثقيلا لا يستطيع حمله باليد اليمنى، وكذلك إذا كان لحاجة فهو جائز، أما إذا لم يكن هناك حاجة فالأفضل أن يشرب باليمين فقط.
من فوائد هذا الحديث: وجوب الأكل مما يليه لقوله: ( وكل مما يليك )، والأصل في الأمر الوجوب، وقد ذكرنا في الشرح علة ذلك، وهو: أنه إذا أكل من غير ما يليه حصل بذلك مضايقة وأذى لشريكه، وهذا لا يجوز، ثم إن فيه أيضًا سوء أدب ودلالة على الشره.
طيب يستثنى من ذلك إذا كان الطعام أنواعاً، فإنه لا بأس أن يأكل من النوع الذي يختاره ولو كان مما يلي صاحبه، لدعاء الحاجة لذلك، ولأن النفوس لا تأنف منه، ولا يتأذى منه شيء، وقد ذكرنا في هذا دليلا من يستحضره ؟
إي نعم ؟
الطالب : عن أنس : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتتبع الدباء ).
الشيخ : نعم حديث أنس قال : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يتتبع الدباء ) ، لكن من ذكاء أنس رضي الله عنه أنه لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم يتتبع الدباء بدأ هو بنفسه يأخذ الدباء ويضعها فيما يلي النبي عليه الصلاة والسلام، في حافة النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا من كمال أدبه رضي الله عنه، لأجل أن يكفي النبي صلى الله عليه وسلم المؤونة والتعب فصار أنس يتتبع الدباء ويضعها في حافة النبي عليه الصلاة والسلام تأدبا معه.
طيب ما قلنا من وجوب التسمية ووجوب الأكل باليمين ووجوب الأكل مما يليه فيه نزاع بين العلماء، لأن من العلماء من يرى أن هذه الأمور مستحبة وليست بواجبة بناء على القاعدة التي ذكرناها سابقًا وهي: " أن الأوامر بالأخلاق والآداب للاستحباب بخلاف الأوامر في العبادات فإنها الأصل فيها الوجوب " ، وذكرنا أن هذا الأصل جيد جدا وأن الإنسان يتخلص به من أمور حرجة كثيرة يحرج بها، لو قيل: إن الأمر للوجوب حتى في الأخلاق والآداب ولكن نحن لم نعتمد على مجرد الأمر في هذا ولكننا اعتمدنا على قرائن تفيد أن الأمر هنا للوجوب، القرينة الأولى في التسمية ؟
الطالب : ... للوجوب
الشيخ : لا لا نبني على الأصل الثاني الذي قال: أن الأخلاق للاستحباب.
الطالب : مشاركة الشيطان.
الشيخ : مشاركة الشيطان، والثاني الأكل باليمين له قرينة تدل على الوجوب نعم ابن داود؟
الطالب : أن الشيطان يأكل بشماله.
الشيخ : نعم، ويشرب بشماله .
والثالثة لها قرينة تدل على الوجوب ؟
الطالب : تأذي الغير.
الشيخ : تأذي الغير، وإفراده ومضايقته، وأصل أذية المسلم التحريم .
أما حديث ابن عباس فهو أيضا لم نأخذ فوائده وشرحناه.
فوائد حديث : ( كلوا من جوانبها ، ولا تأكلوا من وسطها ، فإن البركة تنزل في وسطها ) .
أن الصحابة رضي الله عنهم كان من عادتهم إكرام النبي صلى الله عليه وسلم بإهداء الطعام إليه لقوله : ( أتي بقصعة ) ، لأن الظاهر أن هذه القصعة أتت من غير أهله بل جاء بها أناس أجانب، ويحتمل أنها من أهله، لكن من المعروف أن من عادة الصحابة رضي الله عنهم أنهم يهدون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم الطعام ويهدون إليه اللبن لأنه أحب أحد إليهم بعد الله عز وجل.
ومن فوائد هذا الحديث: الإشارة، بل مشروعية الأكل من جوانب القصعة لقوله: ( كلوا من جوانبها ).
وهل الأمر للوجوب ؟
نقول ظاهر التعليل أن الأمر للوجوب لأنه قال: ( فإن البركة تنزل في وسطها ) ، فإذا أكلت من الوسط نزعت البركة ، ومعلوم أن نزع البركة نوع من العقوبة ، ولا عقوبة إلا على ترك واجب ، فإن كان الإجماع على عدم الوجوب فلا عدول لنا عنه، لأنه لا يمكن أن نخالف الإجماع .
وإن كان في المسألة قول أنه للوجوب أي: أن الأكل من الجوانب للوجوب وأن الأكل من وسط الصحفة محرم فهذا القول هو الذي يقتضيه الحديث.
قبل أن نتعدى هذا الفائدة : يستثنى من ذلك ما لو دعت الحاجة إلى الأكل من الأعلى، مثل أن يكون الجوانب حارة والأعلى بارد، ولا يتمكن الإنسان من أكل الحار، وهذا يكون كثيرا فيما يعرف عندنا بالأكلة المفضلة نحن أهل القصيم ما هي؟
الطالب : المطازيز.
الشيخ : لا لا، في شيء غير المطازيز، في شيء يسمى : الحنيني ، الحنيني أسفله يكون حار جدا إذا أكلته من الجوانب تتعب ويكون أعلاه باردا، لأنه عبارة عن تمر مخبوط بالخبز، يحمى على النار ثم يوضع فيه دهن، ولولا أن الشتاء قد ذهب وهو من أكلات الشتاء ليسر الله لنا أن نذوقه، نعم، على كل حال إذا، نعم؟
الطالب : يجوز في الصيف.
الشيخ : يجوز في الصيف ههههه.
طيب أقول: إذا دعت الحاجة إلى الأكل من الأعلى فلا بأس لا حرج.
ومن فوائد هذا الحديث: أن من الأمور ما لا تدركه العقول، يعني من الأمور التي جاء بها الوحي ما لا تدركه العقول ، وهو : أن البركة تكون في وسط الصحفة ، لأن هذا لا ندري عنه، لولا أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا بذلك لكنا لا نعلم عن هذا شيئا .
ومن فوائد هذا الحديث: أن للأكل والشرب وإن كان من مقتضى الطبيعة والجبلة أن لهما آداباً، وهذا قد ذكرناه في أصول الفقه، قلنا: من الأشياء الطبيعية الجبلية ما يكون له آداب، هو بذاته ليس مشروعا لأنه شيء تقرير الطبيعة، لكن له آداب مثل: الأكل والنوم، لأن النوم تقرير الطبيعة والأكل كذلك، لكن من صفات هذا الشيء ما يكون مستحباً مثل النوم على اليمين نعم.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه ينبغي استجلاب البركة، واستبقاؤها، وأنه لا ينبغي فعل ما يزيلها كذا؟ نعم، ومن ذلك: كيل الطعام عند استنفاقه، فإنه مما يزيل البركة، فمثلا: إذا كان عند الإنسان طعام من تمر أو حب أو غير ذلك فالأفضل أن يأخذ منه نفقته كل يوم بدون كيل، إذا كيل نزعت البركة منه، كما جاء ذلك في حديث عائشة رضي الله عنها: ( أنه كان لها طعام وكانت تأكل منه وتنفق منه، ولم تجد فيه نقصاً قالت: فكلته ذات يوم ) يعني تريد أن تنظر ماذا بقي منه ، ( ففني بسرعة ) : نزعت البركة منه وجه ذلك ظاهر لأنك إذا كلته صار عندك نوع اعتماد عليه ، بأن تقول مثلا : والله باقي عشرة أصواع مثلا كثيرة فتعتمد عليها بعض الشيء ، وإذا لم تكله وصرت تنفق تنفق بس صار اعتمادك على من؟
على الله أكثر، فلهذا تنزع البركة منه إذا كيل لأنه يعتمد على الإنسان.
وإذا كان يأخذ وينفق ويقول: الله عز وجل يقول: ( يا ابن آدم أنفق أنفق عليك ) صار هذا أقوى في الاعتماد والتوكل على الله عز وجل، نعم نأخذ حديث أبي هريرة الجديد الآن.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً قط ، كان إذا اشتهى شيئاً أكله ، وإن كرهه تركه . متفق عليه .
اللهم صل وسلم عليه .
( ما عاب ) أي: ما ذكره بعيب مثل أن يقول : هذا مالح هذا حامض هذا خانس، تعرفون الخانس؟
الخانس: قليل الملح والمالح زائد الملح نعم هاه إيش
الطالب : الدلع.
الشيخ : دلع ؟
الطالب : نعم.
الشيخ : إذن هذا دالع نعم، هذا خانس فيه لغة ثالثة بعد ها؟
الطالب : عاجف.
الشيخ : عادم عادل ؟
الطالب : عاجف بالفاء.
الشيخ : عاجف، فيه لغة رابعة ؟
ها؟
الطالب : حامض .
الشيخ : حامض وش هو، خلاص يكفي أربع لغات، على كل حال يعني الرسول عليه الصلاة والسلام لا يذكر طعاما بعيب إطلاقا، سواء كان العيب يعود إلى الصنعة أو يعود إلى نفس الطعام.
أحيانا يقدم الإنسان فاكهة منظرها حسن وجميل ويجلس، ومطعمها رديء فتجده يعيبها يقول: هذه مثلا تغر هذه منافق وما أشبه ذلك، يغر بظاهره وباطنه سيئ، هذا خلاف هدي النبي عليه الصلاة والسلام .
طيب وقوله : ( ما عاب طعاما ) : هل يشمل هذا صنعة الطعام أو يختص بالطعام نفسه ؟
الظاهر الثاني وأن الإنسان إذا عاب صنعة الطعام من أجل تقويم أهله في الصنعة فلا بأس به ، مثل أن يقول لأهله : اليوم العشاء مالح ، قدمتم الملح ، العشاء حار تأخرتم في طبخه ، نعم الشاهي مر وما أشبه ذلك، فشلتونا عند الضيوف، نعم هذا لا بأس به، لأن العيب هنا للصنعة أو للصانع وليس للطعام.
ثم قال بيّن هدي النبي صلوات الله وسلامه عليه : ( كان إذا اشتهى شيئا أكله وإن كرهه تركه ) : إذا اشتهى شيئا أكله على ما هو عليه ، وإن لم يشتهيه تركه ولم يقل شيئا، وبهذا يستريح الإنسان ، يستريح من الهم والحزن ، إذا قدّم الطعام إن اشتهيته فكله وإن كرهته فلا تأكله.
4 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً قط ، كان إذا اشتهى شيئاً أكله ، وإن كرهه تركه . متفق عليه . أستمع حفظ
فوائد حديث : ( ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً قط ... ) .
أولًا: أن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم ترك عيب الطعام لقوله: ( ما عاب طعاما قط ).
ثانيًا: أنه ينبغي للإنسان أن يأكل ما يشتهي وألا يكره نفسه على أكل ما لا يريد لقوله : ( إذا اشتهى شيئا أكله وإن كرهه تركه ) فأنت عوّد نفسك لا تأكل إلا ما تشتهي ، وما لا تشتهيه اتركه ، سواء كنت لا تشتهيه لذاته أو كنت لا تشتهيه لأن بطنك ملآن ، فالأول مثل ترك النبي صلى الله عليه وسلم لأكل الضب مع أنه حلال لأنه ليس في أرضه فلم يعتد أكله، فيكرهه، لا تكره نفسك على أكل ما لا تريد، لأن هذا ضرر.
إذا اشتهيت شيئا فكله، ولا تقل: إن الغداء ما جاء وقته مثلا، افرض إنك اشتهيت تمر والغداء لم يأت وقته بعد كل ولا بأس، لأن طلب النفس للشيء يستلزم هضم الشيء وسهولته على المعدة، وذكر صاحب الهدي ابن القيم -رحمه الله- في كتاب *الهدي حين تكلم على الرمد، وجع في العيون، وأن الأرمد لا ينبغي أن يأكل التمر، لأن التمر يزيد في الرمد قال: " إنه إذا قوي طلب النفس له واشتهاؤه فلا حرج أن يأكله، لأن النفس تهضمه، ولا فيه ضرر " ، واستدل بما ذكر أنَّ صُهيبًا رضي الله عنه كان أرمد، فقدّم إلى النبي صلى الله عليه وسلم تمر، فلما أراد أن يأكل صهيب قال له الرسول عليه الصلاة والسلام كلاما معناه: ( أتأكل وأنت أرمد، قال: يا رسول الله أمضغه مع الجانب الآخر ) .
كيف ؟
الرمد في اليمنى يقول: أعلكه باليسرى، فأقره النبي عليه الصلاة والسلام وتركه يأكل، لأن النفس الآن في شدة الشوق إليه تطلبه .
ولهذا انظر الميتة، الميتة خبيثة نجسة يتقزز الإنسان من رؤيتها فضلا عن أكلها ولكن إذا اضطر حتى خاف الموت صارت عنده طيبة هي حلاله تكون طيبة تشتهيها النفس تمشي ولا تضر الإنسان، لأنها في شدة ما يكون من الشوق إلى إنقاذ نفسه.
فالحاصل أن الإنسان ينبغي له ألا يكره نفسه على الشيء إن اشتهاه فليأكله، وإن كرهه فليتركه .
ومن فوائد هذا الحديث: أنه لا حرج أن تضاف الكراهة إلى الطعام، فتقول مثلا: أنا أكره كذا أكره هذا النوع من الطعام، أنا أكره هذا النوع من الفاكهة أنا أكره هذا أي شيء، ولا يعد هذا امتهانًا للنعمة أو استكبارًا عنها لهذا الحديث : ( إن كرهه ) فإن الراوي فهم أن الرسول كرهه ، ولحديث الضب : ( فأجدني أعافه ) ، ولا يقال للإنسان إذا قال : والله أنا أكره إني أكل هذا الشيء ، لا يقال : إن هذا امتهان للنعمة أو استكبار عنه.
وعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تأكلوا بالشمال ، فإن الشيطان يأكل بالشمال ) . رواه مسلم .
هذا مر علينا ما يغني عن الإعادة حول هذا الحديث.
6 - وعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تأكلوا بالشمال ، فإن الشيطان يأكل بالشمال ) . رواه مسلم . أستمع حفظ
فوائد حديث : ( لا تأكلوا بالشمال ، فإن الشيطان يأكل بالشمال ) .
أن الشيطان يأكل، وأنه جسم يحتاج إلى الغذاء لقوله: ( فإن الشيطان يأكل ). وفيه دليل على أن خبث الذات يسري إلى خبث العمل كيف ذلك لأنه يأكل بشماله وهذا لا شك أنه بالنسبة إلى الأكل باليمين رديء وخبيث، لكنه لما كانت طبيعة الشيطان الخبث صار لا يأكل إلا بالشمال.
فإن قال قائل: وماذا يأكل الشيطان ؟
نقول: الشيطان يأكل ما لا يسمى فيه، إذا أكلت ولم تسم فالشيطان يأكل معه كذلك الجن، إذا قلنا إن الشيطان يعم حتى الجن، الجن يأكلون فضلات بني آدم لا أقول: العذرة، ولكن ما يفضل من طعامهم، لأنهم يجدون العظام التي طرحها البشر يجدونها لحما قد كساها الله لحما لهم يأكلونها .
والعذرة تكون علفا لبهائمهم ، وهذا الأمر القدري دليل واضح على فضيلة البشر على الجن والأدلة في هذا كثيرة لكن هذه منها .
ومن فوائد هذا الحديث: النهي عن مشابهة الشيطان، كذا أجيبوا يا جماعة؟
الطالب : نعم.
الشيخ : نعم، لأن الرسول نهى وعلل بأن الشيطان يأكل بالشمال، وإذا كنا منهيين عن مشابهة الشياطين في الأفعال ففي الإضلال من باب أولى.
فالحريص على إضلال الناس والعياذ بالله مشابه للشياطين، والذي يضل الناس عن الذكر، ذكر الله عز وجل مشابه للشياطين، فتجد بعض الناس مثلا يهم بأمر، ولنقل يهم أن يصلي، يجي زميله يقول: تعال امش نتمشى، فيذهب معه ويضيع الوقت عليه وهو يريد أن يصلي لولا هذا الذي أضله، فكل إنسان يحول بين الشخص وبين طاعة الله عز وجل وعبادة الله فإن فيه تشبهًا بالشيطان الذي يضل .
طيب ومن فوائد هذا الحديث: حكمة النبي صلى الله عليه وسلم في التعليم، من أين تؤخذ ؟
أنه لما ذكر الحكم ذكر علته، وقرن الحكم بالتعليل لا شك أنه من حسن التعليم، لأننا نحن إذا سمعنا الرسول صلى الله عليه وسلم يقول أو قرأنا في كتاب الله ما يقول سنقتنع بالحكم سواء علمنا العلة أم لم نعلم -إن شاء الله تعالى- لكن إذا جاءت العلة ازداد الإنسان إيمانا وقبولا لا شك، والإنسان بشر فها هو إبراهيم: (( قال رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي )) .
فإذا قرن الحكم بالتعليل ازداد الإنسان طمأنينة، وقد ذكرنا فوائد قرن الحكم بالتعليل فمن منكم يستحضرها؟
نعم أنت يا خالد؟
الطالب : أولا: إثبات القياس، يعني إمكان القياس.
الشيخ : نعم .
الطالب : نعم ، والثاني : بيان سمو الشريعة .
الشيخ : الثالث ؟
الطالب : الثالث !
الشيخ : نعم .
الطالب : بيان سمو الشريعة وإمكان القياس وطمأنة المخاطب.
الشيخ : زيادة الطمأنينة، وهذه من أهم ما يكون، ولاسيما يا إخواني في وقتنا الحاضر، الناس الآن مع الأسف أوتوا جدلًا، وأعني بالناس كثيراً منهم لا كل الناس، أوتوا جدلا لو ذكرت لهم الحكم الشرعي يحتاج إلى إمداده بالتعليل الذي هو الدليل العقلي، لهذا أنا أحث الطلبة على أن يكون لديهم علما بالتعليل الذي هو الدليل العقلي من أجل إقناع المجادلين.
وأنتم لا تظنوا أن كل الناس مسلمون لقضاء الله الشرعي، أقول: لقضاء الله الشرعي لماذا؟
لأن قضاء الله الكوني كل مستسلم له، مستسلم ماهو مسلّم مستسلم: (( ولله يسجد من في السماوات ومن في الأرض طوعا وكرها )) : هذا السجود الكوني، فأقول: كثير من الناس لا يسلّم لقضاء الله الشرعي، أو لا يطمئن على الأقل إلا بما يسنده من الدليل العقلي، فأنا أحث طلبة العلم على معرفة أسرار الشريعة وحِكَمها ليزدادوا إيمانا بها وليقنعوا غيرهم بما تقتضيه أدلتها من الأحكام الشرعية.
ومن فوائد هذا الحديث: إثبات أن للشيطان شمالا، صح؟
الطالب : نعم.
الشيخ : وله يمينا ؟
إي نعم، أن له شمالا لقوله ( يأكل بشماله )، وأن له يمينا، لأن الشمال يقابلها اليمين، فله يمين وشمال لكنه يختار الشمال لأنه خبيث، فاختار الأخبث من العضوين .
ومن فوائد الحديث: أن الشياطين أجرام، خلافا لمن قال: إن الشياطين هي قوى الشر والملائكة قوى الخير، وقد قال بذلك من ينتسب للإسلام، يقول: ما في ملائكة هي أجسام الملائكة هي قوى الخير، والشياطين قوى الشر، ولا فيه طير أبابيل أرسلت على أصحاب الفيل، ما فيه وإنما هو الجدري أصابهم فهو عبارة عن الفيروس الذي أصابهم حتى أهلكهم ، سبحان الله !!
هذا والعياذ بالله قول خاطئ ضال، القادر على أن يخلق كل شيء قادر على أن يرسل طيرًا أبابيل ترمي بحجارة، ترمي بحجارة من سجيل، وتضرب الإنسان من أم رأسه حتى تخرج من دبره هكذا جاءت في الأخبار، ولا مانع من ذلك، العقل لا يمنعه، العقل ربما يحار فيه لكن لا يمنعه، والله أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم ( كلوا من جوانبها ولا تأكلوا من وسطها ) هذا ألا يدل على أهل القصعة ؟
الشيخ : نعم.
السائل : هذا ألا يدل على أن هذا الخطاب خاص بهذه القصعة؟
الشيخ : لا لا هذا عام .
السائل : لماذا هو ، ما حكمته ؟
الشيخ : حتى مثلا لو قدّم من القصعة فإن الأكل من الجوانب لأن الأصل في الأحكام الشرعية العموم، ولهذا لم يقل: كلوا من هذه القصعة، ما عينها .
السائل : لكن قوله : ( كلوا من جوانبها )
الشيخ : إي نعم.
السائل : النبي صلى الله عليه وسلم خصص البركة في الطعام لكن ما نرى أن البركة تحصل بطعامنا .
الشيخ : كيف ؟
السائل : يعني النبي على سبيل المثال في قصة جابر .
الشيخ : إي .
السائل : قصة جابر يوم الخندق أكلوا ألفا.
الشيخ : كيف؟
السائل : أكلوا ألفا.
الشيخ : أكلوا ألفا نعم صحيح، هذه من آيات الرسول هذه من آياته ، لكن هذه القصعة لو أكلنا من أعلاها انتهت بسرعة ولم نشبع، وجرّب جرب اعزم الناس من الأخوان وجرّب.
السائل : وش يدرينا أن البركة تنزل؟
الشيخ : كلام الرسول : ( فإن البركة تنزل ).
السائل : لكل طعام؟
الشيخ : لكل طعام هذا الأصل .
السائل : شيخ قول أنس رضي الله عنه : ( ما عاب رسول الله طعاما قط ) ما نستطيع نقول : أن الإنسان إذا سئل يستطيع أن يعيب لأنه لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم أن يأكل من الضب قال : ( إني أعافه ) ؟
الشيخ : نعم.
السائل : وإذا لم يسأل فإنه لا يتكلم ؟
الشيخ : لا هو ما عابه ، لكن قلنا : إنه لا بأس أن يقول : إني أكره هذا الشيء، أكره بدون عيب، ما يقول: أكرهه لأنه كذا، وأما الضب فإنما علل لطمأنينة الناس من حوله أن يأكلوا منه.
8 - قوله صلى الله عليه وسلم ( كلوا من جوانبها ولا تأكلوا من وسطها ) هذا ألا يدل على أهل القصعة ؟ أستمع حفظ
سؤال عن حكم إفشاء السلام ؟
الشيخ : كيف ؟
السائل : أن الأحاديث والآيات الأصل في الأمر الوجوب.
الشيخ : إيه نعم.
السائل : هل نقيسها : ( بكلوا من جوانبها ولا تأكلوا من وسطها ) بالإجماع
الشيخ : كيف ماذا نقول ؟
السائل : يعني مثلا !
الشيخ : إفشاء السلام واجب .
السائل : إفشاء السلام واجب ؟
الشيخ : واجب ، لأن تركه يؤدي إلى البغضاء والعداوة نعم .
التعليلات التي يعللها النبي صلى الله عليه وسلم هل يجوز أن نطلق عليها أدلة عقلية ؟
الشيخ : نعم؟
السائل : يجوز أن نقول يا شيخ من الأدلة العقلية!
الشيخ : إيش؟ أعد أعد السؤال؟
السائل : التعليلات التي يعللها النبي صلى الله عليه وسلم يجوز أن نطلق عليها أنها أدلة عقلية؟
الشيخ : إي نعم، لكنها أدلة عقلية شرعية، فإقرار الرسول لها شرع، وكون العقل يؤيدها عقل نعم.
السائل : إذا كان الكيل يذهب البركة!
الشيخ : إيش؟
السائل : الكيل يذهب البركة.
الشيخ : نعم .
السائل : هل يقاس عليه عد النقود ؟
الشيخ : والله الظاهر إنه مثله ، لو كان الواحد يعد مثلا حسب الكيس صار كل ما أخذ منه ريال عد الباقي، فأخشى أنه تنزع البركة منه، لكن خله على الله، حرّج حتى ينتهي والبركة تجيك، نعم شاكر ؟
السائل : جزاكم الله خير النهي عن الشرب باليسار : فهل نقول لمن يشرب الدخان أو الشيشة أن يشربه بيساره ؟
الشيخ : نقول: لا تشرب أبد .
السائل : طيب الآن هو يشرب بيمينه هل ننهاه عن شرب اليمين ونقول له اشرب بالشمال ؟
الشيخ : نقول لا تشرب أبداً.
السائل : هو يشرب الآن.
الشيخ : لأننا لو قلنا اشرب باليسار إقرار له بالشرب.
السائل : لا ما نقره نحن، نقول له : إذا شربته فاشرب باليسار لأن هذا من الرجس .
الشيخ : إيه نعم.
السائل : لكنه الآن يشربها .
الشيخ : يعني نقول إن كنت لابد فاعلا هاه ؟
السائل : فاشرب باليسار.
الشيخ : إيه ماذا تقولون؟
السائل : يقع.
الشيخ : هذا يقع أقول: نظر جيد، هذا نظر جيد .
نعم ؟
الطالب : لمن تكون التعزية ؟
الشيخ : المصاب التعزية للمصاب سواء من الأقارب أو من غير الأقارب.
سم بالله نعم .
مناقشة ما سبق .
هل يجوز للإنسان أن يعيب أهله بصنع الطعام منصور ؟
الطالب : إذا كان اعتراضه لأجل ذلك فجائز.
الشيخ : يجوز هاه أن يعيب أهله بصنع الطعام ؟
الطالب : إذا أراد أن ينبههم .
الشيخ : هل يعارض هذا هدي النبي صلى الله عليه وسلم بكونه ما عاب طعاما قط ؟
الطالب : لا ما يعارضه.
الشيخ : هاه نعم؟
الطالب : لا يعارضه.
الشيخ : لا يعارضه لماذا ؟
الطالب : لأن النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن اشتهاه أكله وإن لم يشتهه تركه ).
طالب آخر : إن كان على حالين: إن كان يعيب صنعة الطعام فهذا يجوز.
الشيخ : إيه نعم.
الطالب : وإن كان يعيب نفس الطعام فهذا لا يجوز فهذا مقصود الحديث.
الشيخ : يعني معناه أنه إذا كان يعيب صنع أهله فلا بأس به، ولا يعارض الحديث، أما إن كان يريد الطعام نفسه فهذا خلاف هدي النبي صلى الله عليه وسلم، تمام .
هل الشيطان يأكل يا خالد ؟
الطالب : نعم.
الشيخ : يأكل ما الدليل ؟
الطالب : قوله ( فإن الشيطان يأكل بشماله ).
الشيخ : قوله ( فإن الشيطان يأكل بشماله ).
طيب هل في هذا رد على من قال: إن الشياطين هي القوى الشريرة ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : نعم .
الطالب : لأنه أي: يأكل بالشمال، والشمال خبر عن أكل بشمال أكلا خبيثا وهم من الخبثاء والشرير هو الخبيث.
الشيخ : يمكن أكل طيب يمكن يأكل حلا ولا خبز؟
الطالب : لأنه نهى عن الأكل.
الشيخ : السؤال الآن: مِن الناس من يقول: ليس هناك شياطين وإنما الشياطين هي عبارة عن القوى الشريرة، القوى الشريرة أو قوى الشر هي الشياطين فهل في الحديث رد عليهم؟
الطالب : إي نعم لأنهم يأكلوا، الجسم يأكلون .
الشيخ : تمام لأن القوى صفة ومعنى، والذي يأكل جسم، ولهذا يأكل وله شمال أيضا.
هل يؤخذ من الحديث يا إمداد كراهة التشبه بالشياطين ؟
الطالب : نعم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل علة المنع من الأكل بالشمال أن الشيطان يأكل بشماله.
الشيخ : نعم، إذن معناه أننا لا نتشبه بالشيطان، فكل ما كان من عمل الشيطان فإننا لا نتشبه به .
طيب هل يؤخذ منه كراهة التشبه بالكفار ؟
الطالب : من هذا الحديث ؟
الشيخ : من هذا الحديث ؟
الطالب : أما بعينه فلا.
الشيخ : كيف يعني أما بعينه فلا؟
الطالب : يؤخذ من الحديث والقرآن : ( من تشبه بقوم فهو منهم ).
الشيخ : لا لا دعنا من هذا ، ما أسأل عن الحكم ، أسأل هل يؤخذ هذا الحكم من هذا الحديث ؟
الطالب : يمكن أن يؤخذ.
الشيخ : كيف ذلك؟
الطالب : حيث أن الشيطان كافر والتشبه بالشيطان تشبه بالكافر .
الشيخ : وقد نهى النبي عن التشبه به.
الطالب : نعم.
الشيخ : وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التشبه به.
طيب كيف نأخذ من هذا الحديث يا عبدالله عامر حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم للأمة ؟
الطالب : لما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الأكل بالشمال، قال: إن الشيطان يفعله.
الشيخ : يعني ذكر الحكم وتعليله ، وهذا من حسن التعليم ؟
الطالب : نعم.
الشيخ : طيب يا سليم .
الطالب : نعم ؟
الشيخ : ماهي الفائدة أو الفوائد من ذكر التعليل، أو من قرن التعليل بالحكم ؟
الطالب : القيام بالحكم والقيام بتبليغ النبي صلى الله عليه وسلم علته.
الشيخ : هذا مزجت كل شيء ما شاء الله، سلامة؟
الطالب : أولًا: زيادة الطمأنينة يا شيخ.
الشيخ : أولًا: زيادة طمأنينة من ؟
الطالب : المخاطَب.
الشيخ : نعم ، كيف يكون في هذا زيادة الطمأنينة؟
الطالب : لأنه إذا عرف أن الأحكام مبنية على علل معروفة فتزداد طمأنينته كما قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام : (( ولكن ليطمئن قلبي )) فكان ممنا ولكن زيادة طمأنينة.
الشيخ : هذه واحدة.
الطالب : الثانية.
الشيخ : الثانية؟
الطالب : بيان سمو الشريعة.
الشيخ : بيان سمو الشريعة كيف ؟
الطالب : الشريعة تخاطب الإنسان كما لها من أسرار وحكم.
الشيخ : يعني إذا عرفنا أن الأحكام الشرعية كلها لها أسرار وحِكَم، دل هذا على أن الشريعة مبنية على المصالح ودفع المفاسد، الثالث يا خالد ؟
الطالب : إذا ذكرت العلة يلحق ما شابهها في العلة بها.
الشيخ : نعم.
طيب: ( لا يتناجى اثنان دون الثالث من أجل أن ذلك يحزنه ) :
يالله فهد ( من أجل أن ذلك يحزنه ) هذا تعليل للحكم كيف يكون القياس عليه كما قال خالد ؟
الطالب : حتى لو كان من غير تناجي وكان واحد يحزن يقاس عليه .
الشيخ : يعني يقاس عليه أن كل ما يحزن المؤمن فإنه منهي عنه، ولو بغير التناجي، صحيح يا جماعة؟
الطالب : صحيح .
الشيخ : طيب هل يصح أن نقول: إن فلانا يكره هذا الطعام شرافي؟
الطالب : نعم، لأن الحديث قال: ( إذا أحبه أكله وإذا كرهه تركه ) .
الشيخ : نعم .
الطالب : ولذلك لما عرض عنده الضب قال : ( أجدني أعافه ).
الشيخ : نعم، صحيح ؟
الطالب : صحيح .
الشيخ : طيب نأخذ آخر الباب، استعن بالله .
وعن أبي قتادة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء ) . متفق عليه . .
الدرس الجديد : " وعن أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء ) " :
( إذا شرب ) : كلمة شرب تشمل كل شراب من ماء أو لبن أو عصير أو غير ذلك، ( إذا شرب ).
وقوله: ( فلا يتنفس في الإناء ) أي: لا يخرج نفسه في الإناء الذي يشرب منه سواء كان ذلك حين مص الشراب أو بعد ذلك.
وإنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا، إن كان الإنسان في أثناء الشرب فإن النفس ربما يصطدم بما نزل من الشراب ويحصل بذلك الشَّرَق ، وإن كان في غير أثناء الشرب فإنه يلوّث هذا الشراب على غيره ، ويُكرِّهه له ، وربما يكون في الإنسان أمراض خفية تنطلق من نفسه حتى تلصق في هذا الإناء أو في هذا الشراب ، فلهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
ثم إذا كان التنفس في أثناء الشرب فإنه يشبه الحيوان، لأن الحيوان كثيرًا منه يتنفس وهو يشرب، وبعض الحيوان لا يتنفس وهو يشرب إذا أراد يتنفس يرفع رأسه، ومن ثَمَّ نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التنفس بالإناء.
ولكن نقول: ما الذي يسنّ للإنسان في حال الشراب هل يسن أن يكون بنفس واحد ونقول: لا تتنفس في الإناء بل تصبّر حتى تروى ثم تتنفس بعد ذلك خارج الإناء ؟ أم ماذا نقول ؟
نقول : السنة للشارب أن يتنفس ثلاثا، وألا يَعُبَّ الماء بنفس واحد، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن ذلك أهنأ وأبرأ وأمرأ ) : يعني التنفس ثلاثاً، وهذا فيما لا تقتضي الحال أن يتنفس فيه أكثر من ثلاثة، لأن بعض الأشربة تتطلب الحال أن يتنفس فيه أكثر من ثلاث مرات ، مثل ؟
أنت خليل ها ؟
الطالب : الحار.
الشيخ : إي نعم مثل الحار، الحار يتطلب أن تتنفس أكثر من ثلاث مرات، وكذلك البارد الشديد البرودة فإنه يتطلب أن تتنفس أكثر من ثلاث مرات. لأنك تأخذ جرعة، ثم تبقيها في فمك حتى تدفأ قليلا ثم تنزلها، لكن الشراب العادي يتنفس الإنسان فيه ثلاث مرات هذا هو السنة.
12 - وعن أبي قتادة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء ) . متفق عليه . . أستمع حفظ
فوائد حديث : ( إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء ) .
وقال أبو ذر : ( لقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يقلّب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علما ) :
فالشريعة ولله الحمد شاملة .
وهي أيضا كاملة يعني: أنها مع شمولها كاملة تكمّل جميع ما تتعلق به.
ويستفاد من هذا الحديث: النهي عن التنفس في الإناء وهل النهي للكراهة أو للتحريم؟
نقول: هو للكراهة إلا إذا أدى إلى إيذاء الغير كما لو كان هذا الشراب سيشرب من بعدك، وأنك لو تنفست فيه لقذرته في نظر غيرك، فحينئذ يكون النهي للتحريم من أجل الأذية وإلا فالأصل أنه للكراهة.
ومن فوائد هذا الحديث: أن السنة إذا أردت أن تتنفس أن تفصل الإناء عن فمك، تبعده، ما يكفي أن ترفع رأسك والتنفس يمكن أن يصل إلى الإناء، لا، بل افصله.
ولأبي داود عن ابن عباس رضي الله عنهما نحوه ، وزاد : ( وينفخ فيه ) ، وصححه الترمذي
أيضًا نهى عن النفخ في الإناء، لأن النفخ في الإناء ربما يصحبه أشياء مستقذرة، تقذّر هذا الشراب، وربما يصحبه جراثيم مرَضية تكون سبباً لمرض من يشرب به من بعدك، ولهذا نهى أن ينفخ فيه.
واختلف العلماء في هذا النهي هل هو في كل شيء، أو فيما لا يحتاج إلى نفخ ؟
لأن من الأشربة ما يحتاج إلى نفخ وخالد يبيّن لنا؟
الطالب : الأشربة التي تكون ساخنة تحتاج لتبريد.
الشيخ : إيش؟
الطالب : النفخ هو النفس .
الشيخ : لا النفخ هوووف، هذا النفخ.
الطالب : بحيث لا يترك هذا الشيء الذي يريد نفخه .
الشيخ : ها؟
الطالب : إلا بنفسه، بحيث يعني إنه سقط فيه .
الشيخ : يعني نفخ أذى في الشراب؟
الطالب : نعم.
الشيخ : ينفخ أذى في الشراب ما تقولون في هذا ؟ هل هي حاجة ؟ ها كيف؟
الطالب : قد تكون لحاجة .
الشيخ : قد تكون ولكن قد لا تكون أيضًا حاجة ، في البارد يمكن في يدك تأخذه بأصبعك، نعم إذا كان حارا ربما لا يتوصل الإنسان إلى إزالة هذا المؤذي إلا بالنفخ، طيب ابن داود؟
الطالب : فيه بعض الأطعمة إذا لم ينفخ ... أشياء إذا كبت جعلوها فالإنسان ينفخ ويشربها .
الشيخ : لا ماهو صحيحة.
الطالب : لا يا شيخ أنا ...
الشيخ : يعني شربت الرغوة تنتفخ البطن؟
الطالب : لا ما أقول هذا.
الشيخ : إي.
الطالب : ... الماء ما شربته
الشيخ : والله ما أعرف هذا ، ثم الرغوة إذا نفختها ما تروح .
الطالب : تتمايل.
الشيخ : تتمايل إي.
يدخل على كل حال هي المسألة مقرونة أو منوطة بالحاجة إذا احتيج إلى ذلك لكون الشراب حارا وهو مستعجل، أحيانا يكون الشراب حارا وهو مستعجل يخاف من فوت الجماعة مثلا أو من تفوته ركعتين أو ما أشبه ذلك، ولا يمكنه أن يخضخض الشراب لأنه إذا خضخضه يبرد لا شك ، لكنه قد لا يكفي خضخضته فهذه حاجة ، ولكن مع هذا نقول : إذا كان نفخه يوجب أن يستقذره من يشرب بعده فلا ينفخ .
ما تقولون في نفخ المرأة لصبيها، لأن بعض النساء تأخذ اللقمة لتطعمها الصبي وتكون حارة فتنفخها لتبرد له؟
الطالب حاجة .
الشيخ : هذه أيضًا حاجة ، هذه حاجة ولكن إذا علم الإنسان من نفسه أن به مرضا معدياً فإنه لا يفعل، لا يضر غيره، والمسألة ليست إلا وقتا فقط، يعني أن الشيء سيبرد بس ينتظر شوي.
ثم قال المؤلف : " باب القسم " ، الدرس القادم إن شاء الله سيكون مراجعة في الباب .
الطالب : كثير .
الشيخ : نعم ؟
الطالب : كثير .
الشيح : كثير ؟
لا ماهو كثير
باب القسم .
القَسْم: جعل الشيء أقساما هذا في الأصل تقول: قسمته أقسمه قسما أي جعلته أقساما، والمراد بذلك ، أي المراد بهذا الباب قسم الزمن بين الزوجتين فأكثر أي: أن تجعل لهذه يوما ولهذه يوما أو لهذه يومين ولهذه يومين حسب ما يتفقان عليه.
عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لنسائه فيعدل ، ويقول : ( اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك ) . رواه الأربعة ، وصححه ابن حبان والحاكم ، ولكن رجح الترمذي إرساله .
( كان يقسم لنسائه ) : وذلك لأنه عليه الصلاة والسلام كان يجعل لهذه يوما ولهذه يوما للصغيرة والكبيرة منهن، فيقسم لسودة ويقسم لعائشة، عائشة صغيرة وسودة كبيرة.
ولما أحست سودة بأنه سيطلقها وهبت يومها لعائشة وبقيت رضي الله عنها من أمهات المؤمنين .
وقولها : ( فيعدل ) أي : يعدل بين نسائه في هذا القسم ، فلا يميل إلى واحدة منهن بل يسير سيرا عدلا ليس فيه ميل لهذه ولا لهذه .
ويقول مع كونه يعدل عليه الصلاة والسلام يقول : ( اللهم هذا قسمي فيما أملك ) يعني من العدل ، وهو يملك عليه الصلاة والسلام أن يجعل لهذه يوما ولهذه يوما وكل إنسان يملك هذا .
( فلا تلمني فيما تملك ولا أملك ) : يعني لا تلحقني يا ربي لومًا تعاقبني به فيما تملك ولا أملك، وهو الحب، فإن المحبة لا يملكها الإنسان، وإنما الذي يملكها الله عز وجل، فالمحبة لا يمكن للإنسان أن يعدل فيها بين النساء، وذلك لأن هذا شيء يلقيه الله في قلب الإنسان ولا يمكنه أن يتخلص منه، ولا يمكن أن يعدل بين النساء، وقد كان معروفا عند نسائه وعند الصحابة أن النبي صلى الله عليه وسلم يحب عائشة أكثر من غيرها، حتى إنه سئل عن ذلك : (من أحب الرجال إليك ؟ قال: أبوبكر، قالوا ومن النساء ؟ قال: عائشة ) ، فعائشة رضي الله عنها هي أحب النساء إليه ، وأحب زوجاته إليه وهن قد عرفن ذلك ، لأن ذلك لا يملك .
ولكن هل للمحبة أسباب ؟
نعم لها أسباب وللكراهة أسباب ، فمن أسباب المحبة :
إفشاء السلام ، إفشاء السلام بين المسلمين من أسباب المحبة ، قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( والله لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا ، أفلا أخبركم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم ).
ومن ذلك أيضاً : الهدية فإنه جاء في الحديث : ( تهادَوا تحابوا ) .
ومن ذلك أيضا الإحسان إلى الناس بالمال أو بالبدن أو بالجاه فإن هذا يجلب المحبة .
ومن ذلك الزيارات، تبادل الزيارات فإنه يجلب المحبة.
ومن ذلك عيادة المرضى فإنها تجلب المحبة، وهي أشد جلبا من الزيارات المعتادة، لأن المريض يفرح فرحا عظيما بمن يعوده فيجد في قلبه محبة له.
هذه أسباب، ولكن هذه الأسباب قد يكون لها موانع، يعني ليس كل سبب يؤثر ويؤتي مفعوله، قد يكون لها موانع .
الموانع إما من الإنسان نفسه ، أو من الله عز وجل ، يلقي الله عز وجل في قلب هذا الرجل عدم المحبة لشخص ولو كان يفشي السلام معه ولو كان يُهدي إليه ولو كان يزوره، لأن هذا شيء من الله عز وجل ولهذا قال: ( فيما تملك ولا أملك ) .
هذه المسألة يعني مسألة المحبة لا يمكن للإنسان أن يتحكم فيها، ولكن ما يتفرّع عن المحبة وهو الجماع هل يجب على الإنسان أن يعدل بين زوجاته في الجماع ؟
يقول: العلماء إنه لا يجب، لأن الجماع يتبع المحبة فإذا كان يحب واحدة أكثر من الأخرى فسوف تكون رغبته في جماعها أكثر من رغبته في جماع الأخرى لا شك، وربما لا يميل إلى الأخرى من هذه الناحية إطلاقا، لاسيما إذا كان ضعيف الشهوة، فإنه لا يتحمل أن يعطي هذه وهذه، فتجده يفرّط كثيرا في حق الأخرى التي محبتها أقل من محبة الثانية .
ولهذا قال العلماء : لا يجب العدل بين النساء في الجماع ، لماذا ؟
لأن ذلك يتبع المحبة ، ولا طاقة للإنسان بالتحكم في المحبة .
ولكن الصحيح في هذه المسألة أنه قد يمكن العدل في الجماع فمثلا إذا كان الإنسان يوفّر نفسه للثانية ويتصدد ويعرض عن جماع الأولى مثلا لأن بعض الناس يتصدد عن جماع إحدى الزوجتين لأن الرغبة فيها قليلة ويقول: بدل من أن أتعب نفسي في جماعها أجعل الجماع للأخرى، فهذه لا أجامعها أبدًا وهذه أجامعها في الليلة مرتين مثلا، نقول: إذا كان الإنسان يتقصد هذا فإن ذلك حرام، ولا يعارض هذا الحديث: ( فلا تلمني فيما تملك ولا أملك ) ، لأن هذا يملكه ، فإذا كان يوفر شهوته للأخرى فإن ذلك مما يملكه فلا يجوز ، وهذا الذي ذكره ابن القيم -رحمه الله- في *زاد المعاد وهو الصحيح، فأما أن نقول لا يجب العدل في الجماع على الإطلاق فهذا فيه نظر.
16 - عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لنسائه فيعدل ، ويقول : ( اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك ) . رواه الأربعة ، وصححه ابن حبان والحاكم ، ولكن رجح الترمذي إرساله . أستمع حفظ
فوائد حديث : ( اللهم هذا قسمي فيما أملك ... ) .
حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان يقسم لنسائه ويعدل.
وفيه أيضا أن المعاشرة التي تدوم هي المعاشرة المبنية على العدل، لأن الإنسان إذا جار وظلم وأجنف فإنه سيكون رد فعل من المظلوم الذي جير عليه ويحصل بذلك النكد بين العائلة .
واختلف العلماء -رحمهم الله- هل القَسْم واجب على النبي صلى الله عليه وسلم أو هو تطوع منه ؟
فقال بعض العلماء: إنه واجب عليه لعموم الأدلة الدالة على وجوب القسم بين الزوجات، والأصل أن النبي صلى الله عليه وسلم داخل في عموم خطابه. وقال بعض العلماء: لا يجب لقوله تعالى: (( ترجي من تشاء منهن وتؤي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك ))، نعم، فقالوا: إن الله خيّره، قال: ترجي وتؤي.
(( ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك )) يعني لا جناح أن ترجع الأولى التي عزلتها .
والذي يظهر أن الله خيره لكنه اختار عليه الصلاة والسلام الأكمل، وهو القَسْم ولهذا كان في مرض موته يتنقل بين زوجاته ويقول: ( أين أنا غدا أين أنا غدا؟ )، ولو كان النبي عليه الصلاة والسلام جعل القسم لنفسه غير واجب لاختار من يختار من نسائه بدون أن ينتظر يومها .
ولما علمت نساؤه أنه يريد عائشة أذن له أن يمرّض في بيت عائشة رضي الله عنهن، وجزاهن عنه وعنا خيرا.
فأذنَّ له فصار صلى الله عليه وسلم عند عائشة، ومات في يومها، يعني صادف أن موته في اليوم الذي هو يومها، وفي بيتها، وفي حَجرها، وآخر ما طعم النبي صلى الله عليه وسلم من الدنيا ريقها رضي الله عنها، لأن أخاها عبدالرحمن دخل والنبي صلى الله عليه وسلم في سياق الموت، وكان معه سواك، فمد النبي صلى الله عليه وسلم إليه بصره، إلى السواك قالت: فعرفت أنه يريد السواك، وكانت قد حضنته على صدرها، فقلت: آخذه لك يا رسول الله؟ فأشار برأسه، يعني: خذيه، فأخذته وقضمته يعني قطعت منه ما كان متلوثا من قبل حتى طيبته، ثم أعطته النبي صلى الله عليه وسلم فاستاك به، قالت : ( فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم تسوّك سواكا أحسن منه ) : وهذا من رحمة الله به عز وجل أن خرج من الدنيا وهو وعلى أكمل ما يكون من طيب الرائحة ، ( لأن السواك مطهرة للفم مرضاة للرب ) فكانت عائشة رضي الله عنها تفتخر بنعمة الله عليها في هذه المناسبة، أن الرسول مات بين حاقنتها وذاقنتها، وهي مسندته إلى صدرها، ومات في يومها، وفي بيتها، وآخر ما طعم من الدنيا ريقها رضي الله عنها .
نعم ومن فوائد هذا الحديث: أن ما لا يملكه الإنسان لا يلام عليه ، من أين يؤخذ ؟
من قوله: ( فلا تلمني فيما تملك ولا أملك )، ولكن ربما ينازعنا المنازع في أخذ هذه الفائدة ويقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم دعا أن الله لا يلومه، ولو كان غير مكلف به ما احتاج إلى الدعاء ، ولكننا نقول : إنه قال ذلك وإن كان محققا فإن المحقق قد يدعى لوجوده لتحقيقه وتثبيته، فها نحن الآن نقول: اللهم صل على محمد، والله يقول في كتابه: (( إن الله وملائكته يصلون على النبي ))، إذن فالصلاة عليه محققة، سواء دعونا أم لم ندعو، ولكن هذا من باب زيادة التثبيت والتحقيق، فيكون قوله : ( لا تلمني فيما تملك ولا أملك ) مع أن الإنسان غير ملوم عليه من باب التحقيق، تحقيق ما أثبته الله عز وجل للعبد .
ومن فوائد هذا الحديث: أن المحبة لا يمكن للإنسان أن يتحكم فيها، لقوله: ( فيما تملك ولا أملك ): يعني لا أملك أن أتحكم فيها وهي المحبة .
ومنها من فوائد الحديث: أن ما كان ناشئا عن المحبة من عدم العدل فإن الإنسان لا يلام عليه ، فمثلا : الإنسان إذا كان يحب إحدى الزوجتين أكثر من الأخرى فإنه لا شك أنه يرتاح للمحبوبة عنده أكثر من الأولى حتى في المخاطبة والمكالمة والمداعبة وغير ذلك ، أليس هكذا ؟
ولهذا تجد الأخرى التي يبغضها إذا تكلمت كأنما تضربه بالسهام ، والأخرى كأنما تلعقه العسل ، يرتاح للأولى ولا للثانية ؟
الطالب : للثانية.
الشيخ : للثانية ، هذا من الأشياء التي لا يملكها الإنسان ، ارتياحه لهذه المرأة التي يحبها أكثر هذا لا يمنع.
أما مسألة الجماع فقد عرفتم القول فيها وأن المذهب: لا يجب العدل بين النساء فيه حتى لو أن الإنسان تعمد ألا يجامع هذه في ليلتها، ثم جامع الأخرى فلا إثم عليه، ولكن الصحيح ما حرره ابن القيم -رحمه الله- : أن الجماع الذي بوسعه يجب عليه العدل فيه نعم .
هذا حديث في الحاشية يقول كان النبي صلى الله عليه وسلم يتنفس في الإناء ثلاثا وعند أحمد ومسلم كان يتنفس في الشراب ثلاثا ويقول إنه أروى وأبرأ وأمرأ، فيكف نجمع بين هذا وبين نهيه عن التنفس في الإناء ؟
الشيخ : كيف ؟
الطالب : ...
الشيخ : آه أسمعتم إشكاله
الطالب : لا .
الشيخ : هذا حديث في الحاشية يقول : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يتنفس في الإناء ثلاثا ) ، وعند أحمد ومسلم : ( كان يتنفس في الشراب ثلاثا ويقول: إنه أروى وأبرأ وأمرأ ) ، فيقول كيف نجمع بين هذا وبين نهيه عن التنفس في الإناء ؟
الجواب: سهل يتنفس في الشراب ثلاثا أو في الإناء ثلاثا : يعني خارج الإناء.
السائل : الفاء للظرفية .
الشيخ : الفاء للظرفية في الموضعين ، لكن لا يمنع أن نقول : يتنفس في الإناء أي في الإناء الذي يشرب فيه والمراد تنفسه في الشراب ، لأجل يوافق حديث أبي قتادة .
18 - هذا حديث في الحاشية يقول كان النبي صلى الله عليه وسلم يتنفس في الإناء ثلاثا وعند أحمد ومسلم كان يتنفس في الشراب ثلاثا ويقول إنه أروى وأبرأ وأمرأ، فيكف نجمع بين هذا وبين نهيه عن التنفس في الإناء ؟ أستمع حفظ
ما معنى ما هو المنفي في قوله تعالى (( ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم ... )) ؟
الشيخ : قال الله تعالى: (( ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم )) هذا المنفي هو المحبة وما يترتب عليها.
(( فلا تميلوا كل الميل )) المراد بكل الميل، كما قال الله: (( فتذروها كالمعلقة )) لا تصلون إليها ولا تنزل إليكم.
فيفهم من هذا أن الميل الناتج عن ما لا نستطيع لا نؤاخذ عليه.
19 - ما معنى ما هو المنفي في قوله تعالى (( ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم ... )) ؟ أستمع حفظ
سؤال عن ضابط القسمة بين الزوجات ؟
الشيخ : نعم ؟
السائل : ذكرتم الواجب فبم يكون وما ضابطه ؟
الشيخ : يكون في كل ما يستطيع، كل ما يستطيع .
السائل : صوره كيف ؟
الشيخ : ما له حد في الصور ، يكون في القسم مثل في الليل هذه لها ليلة وهذه لها ليلة ، في الأكل أكل هذه مثل هذه ، في الكسوة كسوة هذه مثل هذه .
سؤال عن صوارف الأمر عن الوجوب ؟
الشيخ : المعروف عند الأصولين أن الأمر للوجوب عند الإطلاق وعدم القرينة.
وبعضهم يقول: للاستحباب، وقد ذكرنا لكم أدلة كل قول.
فالذين قالوا: للوجوب قالوا لأن الله قال: (( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم )).
والذين قالوا: للاستحباب قالوا: لما أُمر به تحققنا أنه مشروع، والأصل عدم التأثيم، وإذا قلنا إنه واجب صار من تركه آثما، فلكلٍ تعليل.
أما الذين قالوا: إنما كان من باب التعبد فالأمر فيه للوجوب، وما كان من قبل الآداب فالأمر فيه للاستحباب، ما لم يوجد قرينة تدل على الوجوب، فهذا القول عندي قوي جدًّا قوي ، ولعله أقوى من القول بالوجوب مطلقا أو بالاستحباب مطلقا، لأن هذا تفصيل.
رجل تزوج زوجتين وقال للقديمة إما أن أطلقك أو لا أجامعك وكان يجامع الثانية دون الأولى ويعدل بينهما في النفقة وغيرها ؟
الشيخ : في النفقة.
السائل : إي.
الشيخ : ما تقولون في هذا ؟
يعني رجل يقول: له زوجتان قديمة وحديثة، فقال للقديمة: إن شئت أن تبقي عندي على ما جاءك مني من العدل وإن شئت طلقتك، فقالت: أبقى عندك ويكفيني منك ما يأتيني منك ، فهل يجوز له هذا ؟
السائل : ما لم يكن به إضرار.
الشيخ : لا هو يبي يضرها.
نعم نقول: يجوز لأن حديث سودة يدل عليه، حديث سودة يدل على هذا.
السائل : حتى لو اشترط عدم الجماع؟
الشيخ : حتى لو اشترط عدم الجماع.
القارئ : الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين :
وبعد: قال المصنف -رحمه الله تعالى- : " باب القَسْم :
عن عائشة رضي الله عنها، قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقسم لنسائه فيعدل، ويقول: اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك ) رواه الأربعة وصححه ابن حبان والحاكم، ولكن رجح الترمذي إرساله " .
22 - رجل تزوج زوجتين وقال للقديمة إما أن أطلقك أو لا أجامعك وكان يجامع الثانية دون الأولى ويعدل بينهما في النفقة وغيرها ؟ أستمع حفظ
مناقشة ما سبق .
ما تقولون في تشبيك الأصابع الآن نسأل الأخ علي نعم ؟
الطالب : شيخ يكره لمنتظر الصلاة .
الشيخ : لمنتظر الصلاة، يكره لمنتظر الصلاة ؟
الطالب : ويشبك بعد الصلاة .
الشيخ : بعد الصلاة إي نعم ، بعد الصلاة ليس بمنتظر للصلاة نعم .
بسم الله الرحمن الرحيم :
الحمدلله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين :
من هو الذي يحتاج إلى القسم، خليل ؟
الطالب : من تزوج أكثر من واحدة .
الشيخ : آه من تزوج أكثر من واحدة .
طيب هل كان القسم واجبا على النبي صلى الله عليه وسلم أو لا ؟ خالد ؟
الطالب : ذهب بعض أهل العلم إلى أن القسم واجب ، واستدلوا بأنه يكون كغيره في الأوامر التي تدل على وجوب العدل ، ومنهم من قال : لا يجب عليه القسم، لقوله: (( ترجي من تشاء منهن وتؤي من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك )).
ولكن الصحيح أن الله عز وجل خيره فاختار عليه الصلاة والسلام العدل والقسم، فكان واجبا عليه من هذا الوجه.
الشيخ : يعني معناه أنه هو الذي يلتزم بذلك .
طيب ماهو الدليل على هذا؟
الطالب : أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما كان في مرض موته كان يسأل نساءه أين هو غدا؟
الشيخ : ( أين أنا غدا ) وقال : ( اللهم هذا قسمي ).
الطالب : ( اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك ) .
الشيخ : أحسنت طيب .
ما هو الذي يملكه الله ولا يملكه النبي صلى الله عليه وسلم يا أحمد ؟
الطالب : المحبة.
الشيخ : المحبة طيب هل يلحق بها ما كان لازما لها كالجماع مثلا ؟
الطالب : لا لا يلحق.
الشيخ : ها؟
الطالب : في المسألة رأيان: يلحق ما ...
الشيخ : ما الرأيان لم ينضجان انضجهما؟
الطالب : أن العدل في المحبة لا يلزم الزوج.
الشيخ : المحبة ما يستطيع الإنسان يملك نفسه فيها.
الطالب : الذي ينتج عن المحبة الذي هو الجماع.
الشيخ : السؤال: هل يدخل في ذلك لازم المحبة وهو الجماع أو لا ؟
الطالب : لا يدخل.
الشيخ : لا يدخل؟ كيف لا يدخل؟ يبي يجامع امرأة وهو يكرهها؟
الطالب : يمكن العدل.
الشيخ : إذا كانت الأولى عجوز كبيرة ؟ ما هو على كل حال يستطيع أن يجامع .
الطالب : ذكرنا أن النبي صلى الله عليه وسلم خير سودة .
الشيخ : إيه لكن وش رجحنا؟
الطالب : رجحنا أنه من أقوال ابن القيم: أنه ينبغي العدل في الجماع.
طالب آخر : يا شيخ الراجح أنه إن كان يتقدم .
الشيخ : إيه نعم.
الطالب : إن كان يمتنع عن الجماع باختياره فلا يجوز.
الشيخ : نعم.
الطالب : وهذا قول ابن تيمية.
الشيخ : وإن كان بغير اختياره؟
الطالب : وإن كان بغير اختياره!
الشيخ : فلا يلام عليه.
الطالب : إيه نعم.
الشيخ : صح ، إن كان يعني إن كان يتقصد بحيث أنه لا يجامع إحداهما من أجل أن يوفّر قوته للأخرى فهذا لا يجوز ، وأما إذا كان لا يتقصد فهذا بغير اختياره .
في الحديث الذي مرنا إثبات اللوم من الله، أن الله يلوم ؟
الطالب : ...
الشيخ : من أجاب ؟ أنت؟ أنا أردت عبدالمنان !
الطالب : لقوله : ( اللهم قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك ).
الشيخ : نعم يالله يا عبدالله ، هل لوم الله من الصفات الذاتية أو الفعلية ؟
الطالب : من الصفات الذاتية.
الشيخ : كيف ؟
الطالب : من الصفات الفعلية.
الشيخ : من الصفات الفعلية، طيب علل ؟
الطالب : أن الله عز وجل يفعله متى شاء.
الشيخ : لأنه متعلق؟
الطالب : بالمشيئة .
الشيخ : بالمشيئة ، وكل وصف لله عز وجل متعلق بالمشيئة فهو عند العلماء من الصفات الفعلية تمام.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من كانت له امرأتان ، فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل ) . رواه أحمد والأربعة وسنده صحيح .
( من كانت ) مَن هذه شرطية، وفعل الشرط قوله: ( كانت ) ، وجواب الشرط قوله: ( جاء ).
وقوله: ( جاء يوم القيامة ) يوم هذه ظرف ، والفاعل مستتر في قوله : ( جاء ).
وقوله: ( شقه مائل ) الشق: الجنب، والجملة هنا حالية من فاعل جاء، يعني جاء والحال أن شقه مائل .
وقوله: ( امرأتان ) أي: زوجتان.
ففي هذا الحديث يحذر النبي عليه الصلاة والسلام من الميل لإحدى الزوجات دون الأخرى فيقول: ( من كانت له امرأتان ) أي: زوجتان.
( فمال إلى إحداهما ، جاء يوم القيامة وشقه مائل ) : وقوله: ( مال ) يعني الميل الذي يلام عليه، وليس الميل الذي لا يستطيعه لقوله الله تعالى: (( ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة )).
فقوله: ( مال إلى إحداهما ) أي: ميلا يلام عليه.
( جاء يوم القيامة ) : يعني جاء إلى المحشر محشر الناس وهو مائل الشق يفضح بذلك عند الخلائق.
24 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من كانت له امرأتان ، فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل ) . رواه أحمد والأربعة وسنده صحيح . أستمع حفظ
فوائد حديث : ( من كانت له امرأتان ... ) .
التحذير من الميل إلى إحدى النساء لقوله: ( فمال إلى إحداهما ).
ومن فوائده: وجوب العدل بين الزوجتين فأكثر، ووجه الوجوب ؟
الوعيد على تركه ، لأن من علامات الوجوب الأمر كقم مثلا، وإذا تُوعد على ترك الشيء دل هذا على وجوبه، لأنه لا وعيد إلا على فعل محرم .
ومن فوائد هذا الحديث إثبات البعث لقوله: ( جاء يوم القيامة ).
ومن فوائده: أن الجزاء من جنس العمل، لأنه لما مال عن العدل في الدنيا جاء يوم القيامة وشقه مائل، (( جزاء وِفاقا )).
فإذا قال قائل: بماذا يكون العدل؟
قلنا اختلف العلماء رحمهم الله في ذلك:
فمنهم من قال: إن العدل واجب في الواجب.
ومنهم من قال: إنه واجب في الواجب والمستحب والمباح .
فالذين قالوا : إنه واجب في الواجب، قالوا: إنه يجب أن يعدل بين الزوجات في النفقة الواجبة، وما زاد على ذلك فلا يجب فيه العدل، فإذا أعطى كل واحدة منهما كفايتها من مأكل ومشرب وملبس ومسكن فله أن يعطي الأخرى أكثر من ذلك، وبناء على هذا: لو أنه أعطى كل واحدة منهما الواجب عليه من النفقة، ثم أعطى إحداهما من الحلي والدراهم والأواني والفُرُش ما لا يُعطي الثانية فهو على هذا القول؟
عادل وليس بآثم ، وذلك لأنه قام بالواجب ، وما زاد فنفل ، والنفل فضل ، ولا أحد يمنع الفضل .
والقول الثاني في المسألة : أن العدل واجب في الواجب والمستحب والمباح ، في كل شيء ، كل ما يقدر عليه ، وعليه : فإنه لا يجوز أن يخصّ إحدى الزوجتين بزائد عن الأخرى ولو كان قد قام بواجبها في النفقة ، لأن كل أحد يعرف أن هذا ميل ، لو كان إحداهما أعطاها ما يلزم من النفقة ، والأخرى أنزلها في قصر مشيد وأتى إليها بجميع أنواع الذهب والجواهر .